محاضرة: حرية الضمير للدكتور منير الكشو

فئة: أنشطة سابقة

محاضرة: حرية الضمير للدكتور منير الكشو

الباحث التونسي منير الكشو: إقرار دين رسمي للدولة لا يتعارض مع حرية الضمير والمعتقد


قسم الأستاذ بجامعة تونس الدكتور منير الكشو محاضرته التي احتضنها صالون جدل الثقافي بمقر مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث بالعاصمة الرباط، يوم السبت 10 أكتوبر (تشرين الاول)، والتي كانت بعنوان "حرية الضمير في الجدل الفكري المعاصر"، إلى جزئين أساسيين؛ الأول تحدث فيه عن تمييز حرية الضمير عن حرية المعتقد ، وتحدث  في الثاني عن التعليل الفلسفي المعاصر لحرية الضمير، مميزا فيه بين التعليل الجماعاتي الذي يستند إلى التعددية الدينية وضرورة حماية الحرية الدينية في الدساتير لتحقيق السلم المدني، والتسوية الليبرالية التي تستند إلى فكرة حق الفرد في السيادة على ذاته.

جدل إقرار حرية الضمير وحرية المعتقد في النموذج التونسي

انطلق الباحث التونسي الدكتور منير الكشو، في محاضرته من النقاش الذي دار في تونس حول مسألة حرية الضمير في ظل تأسيس الدستور التونسي لعام 2014، وهي المرحلة التي عرفت تجاذبا قويا، وخلافات بين الأطراف المشاركة، وكذا نوع من التخوف  من فقدان المكسب الذي ضمنه الدستور التونسي في عام 1957، تحت مسمى حرية المعتقد، فكان الصراع بين أنصار حرية الضمير والمعتقد، وبين الذين يرون أن إقرار هذه الحرية في الدستور خطر على العقيدة وخطر على موقع الدين الإسلامي وتهديد لهوية الشعب التونسي، وأوضح الدكتور الكشو في معرض تحليله للحالة التونسية في التعامل مع حرية المعتقد وحرية الضمير، انطلاقا من النصوص الدستورية، ومن خلال الفصل رقم 1 الذي ينص على أن "تونس دولة حرّة، مستقلّة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها، لا يجوز تعديل هذا الفصل"، والفصل رقم 6، الذي ينص على أن  "الدّولة راعية للدّين، كافلة لحريّة المعتقد والضّمير و ممارسة الشّعائر الدّينيّة، ضامنة لحياد المساجد و دور العبادة عن التّوظيف الحزبي،" تلتزم الدّولة بنشر قيم الاعتدال و التّسامح و بحماية المقدّسات ومنع النّيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التّكفير و التّحريض على الكراهية والعنف و بالتّصدّي لها".

وحيث إن نظرة أولية للفصلين تظهر أن هناك تناقضا متباينا، فقد برز للسطح موقفان متضادان، فهناك الموقف العلماني المتطرف، والذي يعتبر الفصل 6 متناقضا مع منطوق الفصل 1 ، لأنه مادام الاسلام هو دين تونس الرسمي، فهذا يعني أن تونس دولة دينية، وبالتالي فهي بيروقراطية وليست جمهورية، ولذلك فلا يمكن بالتالي أن تكون هذه الدولة دولة قادرة على استيعاب مضمون ومحتوى الفصل السادس، ولذلك يرى أصحاب هذا الفريق، تناقضا بين الفصل السادس والفصل الأول من الدستور.

بينما أصحاب الموقف الآخر، وهو الموقف الإسلامي المتطرف أيضا، حسب الكشو، والذي يقول إن هذا الفصل 6 يتناقض مع الفصل الذي يقر بأن الإسلام هو دين الدولة، ولذلك فلا بد، إما أن يلغى فصل حرية الضمير وحرية المعتقد من الدستور، أو أن يلغى محتوى الفصل الأول الذي يؤكد على أن الإسلام هو دين الدولة.

من جانب آخر، وارتباطا بموضوع حرية الضمير وحرية المعتقد، ولدى استعراضه أهم التشريعات الدولية التي تؤسس لحرية الضمير، منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 18، والذي ينص على أن لكل شخص الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد، وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم بمفرده أو مع الجماعة امام الملأ، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الفصل 18 لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما أو حريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، فقد تساءل الكشو عن مدى تناقض إقرار الدين الرسمي للدولة مع ضمان حرية الضمير والتأكيد على هوية الحرية المدنية للدولة؟ ليشير إلى أن بعض الديمقراطيات الغربية تحمي حرية المعتقد والضمير ولكن لها ديانة رسمية في دساتيرها كالدانمارك واليونان  وإسلاندا والنرويج، ومع ذلك فهي تحترم حرية المعتقد، ولذلك يرى الباحث أن هذا الأمر لا يشكل تناقضا، واستعرض الكشو مجموعة من الدول الأوروبية التي لها ديانات رسمية مدسترة، لكنها تحمي حرية الضمير وحرية المعتقد؛ وأضاف أن الدول الليبرالية والديمقراطية ليست بالضرورة علمانية، فألمانيا، كمثال، تقتطع الضرائب لتحول للكنائس حسب اختيار الفرد؛ ولكن عدم الحياد هذا لا يعني عدم ضمانها حرية المعتقد بشكل تام.

مضيفا أمثلة أخرى من الدول الأوروبية، كالنرويج التي تفرض التربية المسيحية في المدارس، وتتخذ من "اللوثرية" ديانة رسمية لها؛ واليونان التي لا تدفع فيها الكنيسة الأرثوذوكسية الضرائب، إضافة إلى إسبانيا التي تشتكي فيها الأقليات الدينية من الإجراءات الصعبة لاستصدار رخص بناء دور العبادة.

كما انتقل الكشو بين مجموعة من الأفكار الفلسفية التي ترفض تمييز المعتقدات الدينية عن المعتقدات الأخلاقية، أو تمتيع المعتقدات الدينية بمقام خاص؛ لأن هذا يتناقض مع تساوي الناس أمام القانون، ليقف عند فكرة الفيلسوف الكندي تشارلز تايلور التي تحث على "الاعتراف بالمعتقدات الدينية والاختيارات الثقافية للجماعات في إطار تعددية ثقافية معقولة'"، والتي أبدى موافقته عليها.

البحث في الوسم
منير الكشو حرية الضمير