ندوة: " التأويل في الفكر العربي الإسلامي"

فئة: أنشطة سابقة

ندوة: " التأويل في الفكر العربي الإسلامي"

مبحث "التأويل في الفكر العربي الإسلامي" في ندوة دولية بتونس


نظمت "مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" ندوة علمية دولية بعنوان "التأويل في الفكر العربي الإسلامي المعاصر"، بمشاركة عدد من الباحثين المختصين. وقد تضمّنت الندوة خمس جلسات علمية قدمت خلالها سبع عشرة مداخلة.

وانطلقت الندوة، التي التأمت أشغالها بفضاء دار الكتب الوطنية يومي 11 و12 فبراير (شباط) 2015، بكلمة افتتاحية ألقاها المدير العام لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، الأستاذ محمد العاني؛ بيّن فيها أهمية موضوع التأويل في الدراسات العربية والإسلامية، وضرورة الاهتمام بأنساقه وتطوّراته المختلفة في الواقع الفكري والحضاري المعاصر، وأوضح أن الندوة تتنزل في هذا الإطار من الاهتمام الذي توليه المؤسسة للمسألة.

ثم رحّب مدير دار الكتب الوطنية بتونس، الدكتور محمد كمال الدين قحة، بالضيوف من باحثين وأكاديميين، مثمّنا مجالات اهتمام المؤسسة ومثنيا عليها. أما كلمة المنسق العام للندوة، الدكتور نادر الحمامي، فركّزت على الإشارة إلى أهمية المحاور العامة التي ترمي أعمال الندوة إلى طرحها؛ فهي تبدو واعدة بإثارة أسئلة عديدة أخرى على المفكّرين والباحثين. كما ألقى المشرف على الندوة، الدكتور محمد محجوب، كلمة ترحيبية بالضيوف من تونس ومن خارجها. وقد أكد المتدخلون، في الكلمات الافتتاحية، على جدية التوجه نحو إحداث مجلة جديدة علمية محكمة تعنى بالتأويلية.

وتضمن اليوم الأول من الندوة ثلاث جلسات علمية ترأس الجلسة الأولى الأستاذ محمد كمال الدين قحة قدمت خلالها ثلاث ورقات علمية؛ الأولى للدكتور محمد المصباحي (المغرب) بعنوان "الزمن التأويلي"، والثانية للدكتور بلغيث عون (تونس) بعنوان "تأويل وعلم وإيمان"، والثالثة للدكتور محمد محجوب (تونس) وعنوانها "في شروط التجدد التأويلي".

وبيّن الدكتور محمد المصباحي، في مداخلته، أن التأويلية التي نشأت على ضفاف التيولوجيا وعلم التفسير قد قدمت نفسها بعد "هيدجر" و"غادامير" بوصفها فلسفة ما بعد حداثية. واعتبر أن التأويلية هي إحدى علامات زمن ما بعد الحداثة من خلال قدرتها على الجمع بين العقل واللاعقل، كما تقدم التأويلية نفسها مضادة للأنطولوجيا؛ لأنها تبحث عن اللغة لا عن الوجود وتريد المعنى لا الحقيقة. واستنتج الدكتور المصباحي أن تحويل الوجود إلى لغة قد أدى إلى تحويله إلى مجازات ورموز وعلامات وصور؛ إلى درجة جعل المجاز بديلا للواقع، والخيال بديلا للعقل.

أما الدكتور بلغيث عون، فقد انطلق من المدخل الإشكالي: "هل نثق في التقليد الذي مفاده أن التأويل والعلم والإيمان مفاهيم تنتمي إلى عائلات معرفية متعارضة؟". وناقش، في القسم الأول من مداخلته، سؤال: "بأي معنى يكون التأويل والعلم والإيمان عائلات معرفية متعارضة؟" وأجاب بأن ما يتصوره الهرمينوطيقي كما الإبستيمولوجي والمؤمن في الوقت ذاته أن موضوع العلم والتأويل والإيمان مختلف نوعا؛ ذلك أن العلم موضوعه الأنطولوجيا عينها (الشيء) بينما موضوع التأويل هو شبه الأنطولوجيا (شبه الشيء)، في حين أن موضوع الإيمان لا حضور أنطولوجي له (اللاشيء). وأجاب، في القسم الثاني، عن سؤال "كيف يكون التأويل والعلم والإيمان عائلة معرفية واحدة بوجوه مختلفة؟"، وبيّن أن موضوع الإدراك في أنماط المعرفة الثلاثة واحد وهو العلامات والرموز لا الأشياء.

وأما الدكتور محمد محجوب، فقد بدأ مداخلته برصد أهم مقومات التأويلية القديمة إجمالا والتأويلية الوسيطة ضمن الفكر العربي الإسلامي تخصيصا، مركزا بالتحديد على نماذج من تأويلية المتكلمين والفلاسفة كالغزالي وابن رشد. وناقش مدى التجديد التأويلي ضمن القراءات المقاصدية عند الشاطبي ومحمد الطاهر بن عاشور، ليضع موضع تساؤل فكرة المقاصد نفسها: ألا تكون تكريسا لأولوية المعنى ومرجعيته مما يلحق القراءة المقاصدية بنفس إشكالية التأويلية القديمة. وختم مداخلته ببعض الأسئلة الأساسية التي لا بد من إثارتها للحديث عن تجديد تأويلي حقيقي.

والتأمت الجلسة العلمية الثالثة تحت عنوان "في المشهد التأويلي القديم" برئاسة الدكتور محمد المصباحي، قدم خلالها الأستاذ محمد بن ساسي (تونس) ورقة بعنوان "في البدء كان الحلم.. صيغتان لحلم المأمون وتأويلهما"، ناقش فيها روايتين مختلفتين لحلم المأمون؛ الأولى وردت في "الفهرست" لابن النديم جاءت مختصرة بلا سند محدد، وأعاد ابن أبي أصيبعة صياغتها بتوثيق أكثر دقة. والثانية ذكرها ابن نباتة المصري في "سرح العيون" مسندة إلى عبد الله بن طاهر، زعم "ديمتري غوتاس" أنها الرواية الأصلية للحلم. وانكب الأستاذ بن ساسي على هذه الروايات بالدرس من حيث مضمونها وأسانيدها وتأويلاتها القديمة وتأويل "غوتاس"، بحثا عن فهم أدق لظاهرة ترجمة الكتب اليونانية وما إذا كان الحلم سببا من أسبابها أو نتيجة وأثرا من آثار هذه الظاهرة؛ وهي توجهات سياسية للمأمون وأتباعه، واضعا السؤال حول "بيت الحكمة" وما إذا كانت مؤسسة علمية حقيقية أو مجرد مكتبة للخليفة؟

وتناولت ورقة الدكتور حميد رضا شريعت مداري (إيران) بالدرس "التأويل الإسماعيلي: أبو حاتم الرازي نموذجا". وتطرق فيها إلى أنواع التأويل في الفكر الإسلامي؛ كالتأويل الكلامي والتأويل القرآني والتأويل الباطني الذي نجده عند العرفاء والغلاة من الشيعة، والذي لا يوجد إلا عند الشيعة الإسماعيلية نظرية رسمية، وهو تأويل مختلف عن الأول والثاني.

واختتمت الجلسة العلمية الثانية بورقة علمية للدكتور محمد شوقي الزين (الجزائر)، وجاءت بعنوان "بحر أم ساحل؟ قراءات معاصرة في فكرة التأويل عند ابن عربي"، وقد ألقاها نيابة عنه الأستاذ فتحي انقزو. وتطرقت الورقة إلى القراءات المعاصرة لفكر محي الدين بن عربي، فقسمها الدكتور الزين إلى ثلاثة أقسام وهي: أولا: القراءات الفلسفية التي كانت تعتمد على أحدث المفاهيم النظرية (الفينومينولوجيا، الأنطولوجيا..) في قراءة النص الأكبري، وكان هذا دأب "هنري كوربان"Henri Corbin ومدرسته ("ستيفان روسبولي" Stéphane Ruspoli، "كريستيان جامبي "Christian Jambet..)؛ ثانياً: القراءات التراثية التي كانت تكتفي بقراءة داخلية للنص مع التوكيد على الطريقة الصوفية والنزوع الروحي لديه، وكان هذا سلوك "ميشال شودكييفيتش" Michel Chodkiewicz ومدرسته ("كلود أداس" Claude Addas، "ويليمشيتيك" William Chittick، "دونيهغريل"Denis Gril..)؛ ثالثاً: القراءات المنهجية التي حاولت أن تقرأ ابن عربي في الحدود اللغوية والمعرفية لكتاباته مع تطبيقات منهجية على نصوصه، وكانت هذه ميزة أغلب الباحثين العرب؛ أمثال: نصر حامد أبو زيد وسعد خميسي ومحمد المصباحي. وانتقى الدكتور الزين بعض العينات من الدراسات نظراً للكم الهائل من القراءات ومن القراء لابن عربي، واهتم خصوصا بمشكلة التأويل وكيف عالجه بعض الدارسين لنصوصه ومذهبه.

أما الجلسة الختامية لليوم الأول، فقد ترأسها الأستاذ يونس قنديل (الأردن) والتأمت تحت عنوان "في المشهد التأويلي العربي الإسلامي المعاصر: رؤى نقدية 1"، قدمت خلالها ورقتان علميتان؛ ورقة للدكتورة فوزية ضيف الله (تونس) بعنوان "نصر حامد أبو زيد قارئا للقرآن: الأسس التأويلية وآليات القراءة، وورقة للباحثة إيمان المخينيني (تونس) بعنوان "آفاق التحديث في التجربة التأويلية الكلامية الجديدة". وبينت ضيف الله أن نصر حامد أبا زيد رأى الحضارة المصرية القديمة "حضارة ما بعد الموت"، والحضارة اليونانية "حضارة العقل"، والحضارة العربية "حضارة النص". وتطرقت إلى إشكالات كثيرة على هامش قراءة أبي زيد للقرآن؛ من قبيل: هل القراءة المتجددة الواعية البعيدة عن الأهواء والنـزوات كفيلة بتوليد دلالات جديدة وكشف مناطق من النص بعيدة؟ وما الضوابط التي تحقق الجمع بين حماية القرآن من الانفتاح على أية قراءة من جهة، وتعمل في الوقت ذاته على توسيع معاني القرآن لكي لا تبقى محصورة عند تاريخ نزولها من جهة أخرى؟ وهل الممارسة التأويلية ممارسة منتجة للمعنى أو هي ممارسة مجانية؟

وافتتح اليوم الثاني من الندوة بجلسة علمية رابعة، التأمت تحت رئاسة الدكتور محمد حمزة بعنوان في المشهد التأويلي العربي الإسلامي المعاصر: رؤى نقدية 2" قدمت خلالها ثلاث ورقات علمية: الأولى للدكتورة حياة اليعقوبي بعنوان (تونس) بعنوان "حاكمية الله في النص القرآني: قراءة تأويلية مقارنة بين محمد الطاهر بن عاشور وسيد قطب"؛ والثانية للدكتور منصف بن عبد الجليل وجاءت بعنوان "المشهد التأويلي المعاصر: روح خالص مجيد أنموذجا"؛ والثالثة للدكتور فتحي أنقزو (تونس) عنوانها "ضد التأويل: الجابري ومأزق التراث".

واشتغلت الدكتورة اليعقوبي في مداخلتها على الآية الـ44 من سورة المائدة وما ساد حولها من جدل حول توظيفها التأويلي لفائدة التحول من الحكم إلى الحاكمية؛ وذلك من خلال تفسيري محمد الطاهر بن عاشور (التحرير والتنوير) وسيد قطب (في ظلال القرآن).

وانتظمت ورقة الدكتور منصف بن عبد الجليل في ثلاث فقرات؛ اهتمت الأولى بالاتجاهات الفكرية التي ناقشت إشكالية التجديد/ التحديث في الفكر الإسلامي المعاصر؛ ورصدت الفقرة الثانية رأي خالص مجيد في مفهوم الحداثة؛ ونظرت الفقرة الثالثة في مقدمات خالص مجيد وقارنت آراءه في تحديث الفكر بآراء غيره من المفكرين العرب المعاصرين.

وقدم الدكتور أنقزو قراءة نقدية لموقف محمد عابد الجابري من التراث عموماً، ومن الفلسفة الإسلامية خصوصاً من حيث هي أحد محاور هذا التراث الكبرى، من خلال كتابه "نحن والتراث". وبنى مداخلته على فرضية أن تهافت المشروع الفلسفي المعاصر المكتوب بالعربية وبطلان أسسه إنما هو صادر عن ضعف المتانة التأويلية لموقفه من التراث الفلسفي والروحي للإسلام، وأن هذا الضعف ليس طارئا عليه وإنما هو مقوم جوهري من مقوماته. وانتهى الدكتور أنقزو إلى تهافت المعالجة الإيديولوجية للتراث الفلسفي العربي الإسلامي وعلى افتقارها لأية مقومات تأويلية صالحة لمعالجة هذا التراث.

وأما الجلسة العلمية الخامسة، فقد جاءت بعنوان "النص في امتحان التأويل"، وقدمت خلالها ثلاث ورقات علمية؛ الأولى للدكتور فوزي البدوي (تونس) بعنوان "قراءة في التكوين 16-12)؛ والثانية للدكتور محمد حمزة (تونس) بعنوان "الفكر الإسلامي ومأزق التأويل"؛ والثالثة للدكتور صالح مصباح (تونس) بعنوان "تأويلية الشهيد محمد محمود طه في كتاب الرسالة الثانية".

وتناول الدكتور البدوي بالدرس التأويل الذي تتخذه الأصوليات الدّينية الحديثة (والأصولية الدّينية اليهودية تحديداً: "غوش أمونيم"، "كاهانا حي" وغيرهما) لفهم الصراع العربيّ الإسرائيلي، من خلال تحليل مواقفها من الإرث الذي خلّفه المفسرون والفقهاء اليهود عبر العصور لما ورد في سفر التكوين 15: 12 حول علاقة إسحاق بإسماعيل.

وكانت مقولة تجديد التفسير القرآني في العصر الحديث هاجس ورقة الدكتور حمزة الذي بحث أولا في المرتكزات التي تأسست عليها التأويلية التقليدية؛ ثم تعرض لبعض المآزق التي يعانيها تفسير القرآن في العصر الحديث، سواء في استناده إلى المرجعيات التقليدية أو في وجوه تقبّله للتأويلية الحديثة أو في انخراطه في مسالك تأويلية جديدة كتلك التي يقترحها الفكر الإيراني الحديث.

وتناول الدكتور صالح مصباح (تونس) بالتحليل كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" لمحمد محمود طه، رام من خلاله تبيان طرافته النظرية بالإضافة إلى الهرمونطيقيات الإسلامية المعاصرة: طرافة تجلت حسب الدكتور بوهلال من خلال وجهين: طرافة تتجلى في استقلال مزدوج، عن الهرمونطيقا الإسلامية في وجهيها التقليدي والمستحدث، وعن الهرمونطيقيات الغربية التي تمارس "عنفا ابستيميا" على الروحانيات غير الغربية – ومنها الإسلامية، فتحرمها من إمكانية التحرير الذاتي، بأن تفرض عليها تحريرا واهما.

وتوجت أعمال الندوة بمحاضرة الاختتام التي قدمها الدكتور فتحي المسكيني (تونس) بعنوان "فكرة النبي في الفكر العربي المعاصر" حاول من خلالها الإجابة عن أسئلة إشكالية، من قبيل: بأيّ معنى علينا أن نؤوّل استئناف بعض العرب المعاصرين (وخاصة جبران ونعيمة) لاسم "النبي" باعتباره نموذجاً للكتابة الإبداعية العميقة حول المصير الخلاصي لكينونة الإنسان في ذواتنا المعاصرة؟ ثمّ كيف نفسّر انسداد أفق هذا الاستئناف الرومانسي الرائع لفكرة النبوّة، وانخراط العرب بدلا عن ذلك في استعمال شبه حربي لشخصية "النبي" كبطل نهائيّ في مقالات التكفير (سيد قطب، المودودي). وكيف نؤوّل انتقال فكرة النبي من نموذج رومانسي إلى بطل تكفيري في أفق الفكر العربي المعاصر؟ ومن ثمّ: ما طبيعة العلاقة بين التأويل والتكفير؟

واختتم الدكتور محمد محجوب الندوة بورقة بعنوان "يوسف والكهف وقدرنا التأويلي "، طرح من خلالها مفهوم "القدر التأويلي" بالتساؤل عن معوقات الإصلاح في تراثنا: "أليس هو أننا أخذناه دوما على جهة الرؤيا التي نؤولها إلى معنى سابق متعال على كل إنسان؟ ألا يمكننا تعويض ذلك بنموذج الخبر "عبرة" يعتبرها كل إنسان بحسب إنسانيته المحايثة؟"، على حد تعبيره.