ندوة: إشكاليات التشريع في الفكر الإسلامي المعاصر

فئة: أنشطة سابقة

ندوة: إشكاليات التشريع في الفكر الإسلامي المعاصر

نظم "المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية" بالشراكة مع "مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" ندوة علمية مغاربية تحت عنوان "إشكاليات التشريع في الفكر الإسلامي المعاصر"، بمشاركة عدد من الباحثين المختصين من دول المغرب العربي.

وقد تضمّنت الندوة، التي التأمت أشغالها بفضاء فندق وصال بنواكشوط يومي 28 و29 مارس (آذار) 2015، خمس جلسات علمية قدمت خلالها خمس عشرة مداخلة، شارك في نقاشها أكثر من مئة (100) متدخل.  

الافتتاح

افتُتِحت الندوة بكلمة ألقاها رئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، الدكتور ديدي ولد السالك، استهلها بالترحيب بوفد مؤسسة "مؤمنون بلا حدود"، ممثلا في ذ. مولاي أحمد صابر، مثمنا اختيارها الشراكة مع "المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية بموريتانيا"، وهو ما تندرج في إطاره هذه الندوة الثانية، كما رحب رئيس المركز بالوفود المشاركة من تونس، والجزائر، والمغرب، وليبيا، وموريتانيا؛ وبالمشاركين، من رؤساء جلسات ومحاضرين وجامعيين وباحثين وأكاديميين، ومن ممثلي المجتمع المدني، مثمّنا مجالات اهتمام "مؤسسة مؤمنون بلا حدود"، ومثنيا عليها.

وفي الختام، استعرض الدكتور ديدي ولد السالك أهداف الندوة، متمثلة في المساهمة  في الإجابة عن إشكاليتين: ردم الهوة بين الفقه والواقع، ثم السعي إلى إيجاد عقد اجتماعي توافقي.

تَلَتْ ذلك كلمة الأستاذ مولاي أحمد صابر، منسق لإقليمى مسؤول عن قسم الندوات بمؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، والذي بدأها بتوجيه الشكر إلى الشركاء، وعلي رأسهم  د. ديدي ولد السالك والسيدة أم كلثوم حامدينو،  ونوه بما بذلاه من جهود، للوصول إلى هذا المستوى . وأكد أن موضوع هذه الندوة يأخذ أهميته من الواقع الخاضع لسنن التطور والتبدل الزمني والمحيط الجغرافي؛ مما يتطلب تطوُّر التشريع وفقا لتحول الزمان والمكان؛ متمنيا  للمركز مزيدا من العطاء الفكري والثقافي.

الجلسة العلمية الأولى

بعد الافتتاح، بدأت الجلسة العلمية الأولى تحت رئاسة الدكتور محمد الأمين ولد مولاي إبراهيم، نائب رئيس جامعة نواكشوط، الذي شكر المركز على تشريفه برئاسة الجلسة الأولى، متحدثا عن المحور العام للجلسة، قبل أن يحيل الكلمة على المحاضرين، الذين قدموا ثلاث ورقات علمية: الأولى للدكتور الباحث في الدراسات الإسلامية والفقهية محمد جميل منصور (موريتانيا)، وهي بعنوان "التشريع الإسلامي بين المطلق والنسبي: مقاربة في الفقه السياسي"؛ والثانية لأستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي الدكتور محمد يحيى ولد باباه (موريتانيا)، وعنوانها "مقاربة مقارنية بين المنظومتين الإسلامية والغربية الحديثة". أما المحاضرة الثالثة، فكانت لأستاذ الدراسات العربية والأنثروبولوجية بجامعة نواكشوط الدكتور يحيى ولد البراء، وهي بعنوان "دور الاستصلاح (نظرية المصلحة) في بناء  الأطروحات الفقهية في بناء الخطاب الإسلامي المعاصر" .                                          

في المداخلة الأولى، طرح د. محمد جميل منصور، الإشكال في أبعاده الأصولية، موضحا أن أصول الفقه تمثل الإجابة عن سؤال منهجي، انطلاقا من الإمام الشافعي في كتابه الرسالة، وصولا إلى الشاطبي ووضعه للمقاصد في كتاب الموافقات، قبل أن يتعرض  المحاضر لإشكالات الفهم والتنزيل انطلاقا من المقدس والمطلق، وتنزيله على واقع متغير، وما يستلزم ذلك من قابلية للتكيف والتجدد.

ثم تناول الدكتور جملة من المنطلقات والضوابط، راسما "قاعدة للتمييز بين الثوابت والمتغيرات"، ونتائج ذلك على فلسفة التشريع الإسلامي؛ مما أدى إلى بروز اتجاهين: أحدهما مجدد والآخر متمسك بنصوص جامدة، متطرقا إلى التمييز بين الوحي والتاريخ، والرؤية وتطبيقها، متسائلا عن حدود المطلق والنسبي، وصالحية الشريعة لكل زمان ومكان، وعلاقة الديني بالدنيوي.

أما الدكتور محمد يحيي ولد باباه، فقد حاول في مداخلته التأصيل لظاهرتي السياسة والتشريع في المنظومتين الإسلامية والغربية، متلمِّسا مواطن الاتفاق والاختلاف، مبرزا أن الظاهرة السياسية في المحيط الإسلامي تكاد تنحصر في ما سماه الدكتور "ميتولوجيا الإمامة" وفقه السياسة والأيديولوجيا السلطانية"، مبرزا المساحة المقارنية بين المفهومين، والآفاق الاستنتاجية المترتبة عن ذلك. وقد قدم بعض الفرضيات المتعلقة بالحكم السياسي في السياقين المعنيين: الشورى والديمقراطية.

من جانبه، بدأ الدكتور الباحث يحيى ولد البراء، محاضرته بتعريف الاستصلاح، مذكرا بالاهتمام الخاص الذي أعطاه الإسلام لمبدأي حفظ المصلحة وصيانتها، ودرء المفاسد؛ مذكرا أن فقهاء الأمة اعتمدوا الاستصلاح في إثبات الأحكام الشرعية وفق شروط محددة. كما أشار المحاضر إلى أن بدايات القرن العشرين شهدت ظهور جماعات ذات خط سياسي تسعى ، من خلال إعطاء المصداقية لبرامجها، إلى زيادة منتسبيها، وإلى الوصول للسلطة؛ ووسيلتها في ذلك العمل على "المواءمة بين اقتضاءات التشريع الإسلامي، كما دونها العلماء من عهد التدوين، وبين مقتضيات الظرف السياسي والاستراتيجية المتبناة". ثم تناول الدكتور إطار التفكير في العلاقة مع الحضارة الكونية ونظرية المصلحة كبوابة وحيدة لمعالجة المستجدات.

الجلسة العلمية الثانية

انتظمت الجلسة العلمية الثانية تحت رئاسة د. ىبسام الجمل (أستاذ تعليم عال من تونس)، وقد استهلها بالحديث عن أهداف الجلسة التي تتناول موضوعا مهما وراهنيا؛ قبل أن يحيل الكلام للمحاضرين الثلاثة على التوالي:

  • الدكتور أحمد عطا الله فشار (الجزائر)؛
  • د.محمد المهدي ولد محمد البشير (موريتانيا)؛
  • الدكتور الشيخ التجاني أحمدي (موريتانيا).

تحدث الدكتور أحمد عطا الله فشار في مداخلته حول "التشريع الإسلامي بين التفكير المقاصدي والتفكير القيمي وآليات التجديد الاجتهادي حسب مبدأ تطور الأزمان"، مبينا  الحاجة الماسة اليوم إلى اجتهاد معاصر وفقه يتَّسقان مع ما يشهده العالم من تغيرات تمس كافة جوانب حياتنا، بما يستدعيه ذلك من ضرورة التوفيق بين الفقه والقانون الإسلاميين ومستجدات العصر ومشكلاته. كما نبه إلى ضرورة التجديد في المجال القضائي، وحاجتنا إلى تفكير مقاصدي لأهميته البالغة، وإلى البحث في "حيثيات الفكر المقاصدي وأسسه وآلياته"، وكذلك التفكير القيمي، باعتبار أن "القيم الأخلاقية هي المؤسِّسة لكل المعارف الإنسانية".

قدم المحاضرة الثانية د. محمد المهدي ولد محمد البشير، باحث في الفكر الإسلامي، مستشار  بالمعهد الموريتاني للدراسات الاستراتيجية، تحت عنوان "حرية المعتقد بين النص المنزل والاجتهادات التاريخية"، مستعرضا الخصائص المميزة للدين الإسلامي، باعتباره علاقةً روحية خالصة بين المؤمن وربه، ورؤيةً للكون كذلك. ومن ثم، فقد جعل القرآن حرية المعتقد قاعدة شرعية راسخة (لا إكراه في الدين)، كما أعطى الفرد حق اختيار معتقده. إضافة إلى ذلك، ذكَّر المحاضر بأن السيرة النبوية كانت ترجمة، على نحو عملي، لقوله تعالى: "فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ"، مبيِّنا أن الاجتهاد التاريخي سعى جزئيا أو كليا - ولأسباب سياسية- إلى مصادرة هذه الحرية.                    

أما المحاضرة الثالثة، فقد قدمها الدكتور الشيخ التجاني أحمدي (موريتانيا)، تحت عنوان "مظاهر تجديد التشريع الإسلامي المعاصر والتجديد الأصولي أنموذجا"؛ حيث أشار إلى الخلاف الأفقي المعرفي بين الفكر العربي المعاصر والتقليدي الأصيل، متحدثا عن ضرورة تجديد التشريع الإسلامي للإجابة عن مجموع الأسئلة التي يطرحها الواقع المتجدد، مذكرا بالمراحل التي مر بها التجديد حتى يستجيب للتطور، مبرزا أهمية المنهج ألتأصيلي (أصول الفقه، قرآنا وحديثا، وقياسا وإجماعا، وقواعد استنباطية)، من خلال تطوره المستمر، إضافة وحذفا، حسب مقتضيات الواقع.

الجلسة العلمية الثالثة

افتتحت الجلسة العلمية الثالثة من الندوة برئاسة الدكتور الباحث عبد الودود ولد عبد الله، أستاذ بجامعة نواكشوط، قدم خلالها مواضيع المحاضرات والمحاضرين. وقد شملت الجلسة  ثلاث ورقات:

o  الأولى بعنوان "آيات الأحكام، المقاربات الحديثة والمعاصرة"، قدمها د. بسام الجمل (تونس)، حيث ذكَّر الدكتور بأهم المقاربات المتعلقة بآيات الأحكام :

- المقاربة القانونية الدستورية؛

- الإسلام  والحرية؛

- المقاربة المقاصدية السهمية؛

- الإسلام بين الرسالة والتاريخ؛

- القرآن والمرأة.

وقد حاول الإجابة عن إمكانية "صياغة الوثيقة الدستورية استنادا إلى أحكام التشريع الإسلامي" وعن الطريقة التي يتم بها ذلك، متسائلا عن مدى الحاجة اليوم إلى اعتماد بعض آيات الأحكام في نصوص دستورية أو مجلات قانونية وضعية.

o   أما المحاضرة الثانية، فقدمها الدكتور محمدو ولد محمد المختار، رئيس المركز الجامعي للبحوث والنشر بجامعة نواكشوط، وعنوانها "المدلولات الدستورية لاعتبار الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع في بعض البلدان العربية". وقد صنف المحاضر هذه البلدان إلى مجموعتين: اعتبرت أولاهما الشريعة مجرد مصدر من مصادر التشريع، في حين اعتبرتها الثانية مصدرا وحيدا للتشريع. وبعد ذلك، بحث المحاضر في الدلالات الدستورية لمختلف الإحالات الواردة في بعض الدساتير العربية، ضاربا أمثلة من تلك البلدان، متسائلا عن مدى قيمتها القانونية، خاصة في الدول التي لا تراقب دستورية القوانين قضائياً.                                                     

o   وفي المحاضرة الثالثة، تحت عنوان "التشريع الإسلامي في الدساتير العربية الإسلامية، قراءة في المكانة والتأثير"، تحدث الدكتور التاه ولد محمدن الجّمد (موريتانيا)، أستاذ بجامعة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، عن مكانة التشريع الإسلامي، باعتباره أحد مصادر التشريع في العصر الحديث، مذكرا بحضوره في كثير من دساتير الدول الإسلامية، مختتما بالتساؤل عن مدى إلزامية "التنصيص على مصدرية التشريع الإسلامي".

الجلسة العلمية الرابعة

ترأس الجلسة الرابعة للندوة الدكتور صالح الطيب محسن (ليبيا) الذي بدأ حديثه بتقديم موضوع الجلسة وبالشكر والتقدير للمركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية ومؤسسة مؤمنون بلا حدود، قبل أن يعطي الكلام للمحاضرين الثلاثة، وهم على التوالي:

  • د. محمدن ولد محبوبي (موريتانيا)، أستاذ بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية في نواكشوط، وعنوان محاضرته "آيات الأحكام معتمد لفقه الرضاعة والفطام، تعدد في القراءة وتنوع في المفهوم"؛
  • د. اليامين بن التومي جامعة اسطيف  (الجزائر)، وكانت محاضرته تحت عنوان "التفكير في سقف الملة، نقد العقل الشريعاني".
  • د. محمدو ولد احظانا (موريتانيا)، باحث ومستشار في وزارة الثقافة، وعنوان محاضرته: "من أجل علم كلام وفقه إسلاميين تجاه الحضارات الحديثة"                                                                              

في المحاضرة الأولى، عرَّفَ الدكتور محمدن ولد المحبوبي (موريتانيا) الرضاعةَ والفطامَ، مشيرا إلى ما حظيت به آيات الأحكام من اهتمام لدى العلماء، باعتبارها مواد قانونية أساسية لمدونة التشريع الإسلامي. وتوقف المحاضر عند الدلالات الفقهية للرضاعة والمُرضِع، من خلال موضوعين هما: الحضانة والرضاعة، باعتبار الإرضاع الأساسَ الأول لحياة النسل وقوامَ العائلة المنتظمة والروابط الأسرية؛ مع ما توفره الحضانة من رعاية للعجزة والقاصرين من  المرضى والصبية والعجزة.

وكانت المحاضرة الثانية للدكتور اليامين بن التومي (الجزائر)، فرصة للتفكير في بعض المفاهيم، مثل الملة وعلاقتها بكل من التفكير والفقه، منبِّها إلى تأثيرها على العقل العربي، مستفهما عن إمكانية اختراق سقف الملة لتجديده؛ ومن ثم "الخروج به عن طور الملة السابقة لبناء ملة جديدة تنتقل في مرجعية الآن أو الراهن". كما عالج الدكتور المسائل المتعلقة بالملل (شأن عقدي) والمذاهب (شأن سلوكي)، متسائلا عن السبب في ترعرع الملة أكثر من بعض الأشكال الأخرى ، محددا بعض خصائص الملة من حيث كونها  لا تفكر بل تقلد، مشيرا إلى أن العلماء لا يدركون أنهم إنما يوسعون الملة حين يظنون أنهم يشرعون للأمة. والكل يحاول التجديدَ داخل ملته، لا التجديدَ في الملة الأولى.

قدم المحاضرة الثالثة الدكتور محمدو ولد احظانا (موريتانيا)، بعنوان "من أجل علم  كلام وفقه إسلاميين تجاه الحضارات الحديثة"، مستعرضا الإشكال، متحدثا عن المقصد العقدي بين التاريخ والواقع، والمقصد الشعري بين الفرضية والجماعية، محاولا الوصول إلى مقاربة في قراءة الإعجاز القرآني. كما ذكر المحاضر بقابلية تأويل النص الشرعي، داعيا إلى إعادة تفسير الضرورات الخمس، في ضوء نقلها من مستوى الفرد إلى مستوى الأمة.

الجلسة العلمية الخامسة

 ترأس الجلسة العلمية الخامسة الدكتور البكاي ولد عبد المالك (موريتانيا) أستاذ جامعي ووزير سابق، وقدم في بدايتها محورَ الجلسة والمحاضرين. وقد قدمت خلالها ثلاث ورقات علمية؛ الأولى للدكتورة نادية العشيري (المغرب)، رئيسة وحدة المرأة والكتابة بجامعة مولاي إسماعيل في مكناس، تحت عنوان: "ضرورة إشراك المرأة في التشريع المعاصر"؛ والثانية للأستاذ محمد عبد الرحمن ولد محمد الدنبجه (موريتانيا)، باحث في القضايا الإسلامية، وهي بعنوان "التجدُّد والتجديد في التشريع الإسلامي"؛ والثالثة للدكتور صالح الطيب محسن (ليبيا) بعنوان "النص على مكانة التشريع الإسلامي في الدستور".

في المحاضرة الأولى، تحدثت الدكتورة ناديه العشيري عن ضرورة إشراك المرأة في قضايا التشريع بصفة عامة، وعلى نحو خاص تلك المتعلقة بالنساء، مشيرة إلى أن بعض المفكرين المتنورين دعوا إلى ذلك، مستندين إلى مسوغات شرعية وتاريخية. كما أشارت المحاضرة إلى الدور الذي ينبغي أن تقوم به المرأة في الدولة الحديثة؛ مثلما تناولت المحاضرة قانون الأسرة المغربية، باعتباره "نموذجا لهذا الاجتهاد الجماعي الذي تم فيه إشراك فعاليات نسائية وازنة وجمعيات نسائية وحقوقية".

في مداخلته، بيَّن الأستاذ محمد عبد الرحمن محمد الدنبجه العلاقة بين التجديد والتجدد في التشريع الإسلامي قديما وحديثا، مشيرا إلى جدلية قدسية النص وقابليته للتجدد (فهما وتأويلا...)، متسائلا عن موقع الاجتهاد وأهمية الظرف والعرف والعادة، وعن إمكانية القول "إن التجديد قلبا وقالبا أصبح اليوم فريضة شرعية وضرورة حضارية".

في المحاضرة الثالثة للدكتور صالح الطيب محسن (ليبيا) بعنوان "النص على مكانة التشريع الإسلامي في الدستور"، ذكَّر المحاضر بالتباين بين النصوص التي تشير إلى مكانة الشريعة الإسلامية في الدستور، متسائلا عن المقصود بالشريعة، أهو القرآن أم الفقه؟ وهل يتعدى الأمرُ الدستورَ ليمس القوانين الفرعية مثلا؟ هل الأمر خاص بالمشرِّع أم يتعداه إلى القاضي؟ كما لاحظ الدكتور أن مجرد النص على هذه المكانة غير كاف وغير عملي؛ كما أنه يوحي بكون الدستور أمراً، والتشريع الإسلامي أمرا مغايرا. ثم اقترح الدكتور أن تصاغ الوثيقة الدستورية على نحو يضمن وجود ثابت لا يتغير (قطعي الورود والدلالة)، وغير ثابت يُختار منه بحسب الاجتهاد.

تلخيص لأهم النقاشات

 أجمع المشاركون في النقاش خلال اليومين على شكر الهيئتين المنظمتين للندوة: "المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية" و "مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"؛ كما ثمنوا الطريقةَ التي نُظِّمَتْ بها الندوة والمواضيعَ، والمنهجَ. وإلى جانب ذلك، أثاروا بعض النقاط التي وردت في المداخلات التي يمكن إجمالها في النقاط التّالية:

- توضيح العلاقات بين الدين والنموذج السياسي، وحضور المرأة، والفصل الصارم بين الدين والسياسة؛

- يمكن اعتبار أن الدين الإسلامي إما نص، وإما إجماع، إن اختُلِفَ في النص؛

- للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أوصاف: فهو رسول لكل من يؤمن به؛  ورئيس دولة على رئيس الدولة أن يقلده؛ وهو قاض يتعين على القاضي تقليده؛

- ضرورة الترجيح والاجتهاد، والحاجة إلى توظيف حياتنا المعاصرة، وضبط المصطلحات، وعدم قصر مفهوم العبادة على مجرد الشعائر، انطلاقا من القول: إن الدين المعاملة؛

- التساؤل حول شرعية بعض الفتاوى التي  تبيح هدر دماء المسلمين (سوريا، ليبيا، .....)؛

- الحاجة الماسة الآن إلى التمييز بين التديُّن والدين؛ إذ في الأول ندخل دائرة الرأي والصواب والخطأ. أما في المستوى الثاني، فإن مساحة الدين مساحة محفوظة ولا خلاف في ذلك. أما في ميدان التدين، فالمساحة مفتوحة. وهذا هو سبب وجود المذاهب (الأربعة وغيرها). لماذا وُجِدت مذاهب في بيئات دون أخرى؛

- حرية المعتقد تتعلق بمن كان على دين آخر، لا من كان مسلما ثم ارتدَّ عن دينه، والقانون الجنائي الموريتاني يعاقب المرتدَّ، ولكنه يحترم حريةَ المعتقد لمن لم يكن مسلما أصلا؛ فالإسلام لا يكره الناس على الدين لقوله تعالى: "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". ولكن بعد أن يدخل المرء في الدين ويخرج منه، فلعل ذلك يدخل في نطاق الاستهزاء بالدين والإضرار به. صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بدَّل دينَه فاقتلوه". ولكنه ترك القتل في موضع آخر بغرض حماية الدين وعدم منع الناس من الدخول فيه (خشية أن يقال إن محمدا يقتل أصحابه)، ولكن يفهم من هذا القول الأخير أيضا أنه كان من المفترض أن يقتلهم.... والأدلة على قتل المرتد متضافرة في السنة. ولكن الإكراه لا فائدة فيه فلا هو ينفع المجتمع، ولا هو ينفع المكرَه.

ثم طرح المشاركون جملة من الأسئلة، من أهمها:

- هل يمكن أن نطور الأحكام الشرعية القائمة، لتتلاءم مع متطلبات العصر؟

- من يملك التشريع اليوم في غياب تطبيق الشرع؟  ومن يحدد المصلحة؟

- هل نبحث في القراءة التفسيرية عن الغاية المقاصدية، أم عن الدلالات، أم مجرد الفهم ؟

- ألا توجد أسباب أخرى داخلية قد تُنفِّر المسلمين من الإسلام، باعتبار أن المحاضر لم يذكر من الأسباب الداعية الى الإلحاد إلا الأسباب الخارجية ؟

- عندما نتحدث عن التشريع، هل نعني العلوم الشرعية، وما تَشكَّلَ خلال ذلك من تفريعات ومدارس؟

- كيف يمكن أن ننتج إجماعا فقهيا خاصا بالنساء، يستجيب لقضايا وإشكالات من قبيل الميراث والقوامة في ظل عدم تحمل بعض الرجال مسؤوليةَ الإنفاق؟

-  لمن يتجه الخطاب، إلى المشرع أم القاضي، أم هما معا؟

-    ما التجديد الذي نهدف إليه اليوم؟

-   ما العوامل التي ساهمت في تغييب المرأة عن مجال التشريع؟

وكان رد السادة المحاضرين على النحو التالي:

بعد شكر الحاضرين على التفاعل مع الإشكاليات التي طرحتها المحاضرات، تعرّض السادة المحاضرون في ردودهم، بحسب الوقت المتاح،  إلى جملة من القضايا التي أثارتها أسئلة المشاركين وتعليقاتهم. يمكن إجمال أهم ما تناولوه في ما يلي:

 -  الهدف الأساسي إثارة إشكالية التشريع وأثرها على الفقه السياسي. وقد تم استدعاء العلماء وأقوالِهم باعتبارهم بشرا، ولكن الخطر الحقيقي يكمن في الوقوع في أسر الأقدمين وأقوالهم، مشيرا إلى أن التمييز بين الدين والدولة (لا الفصل بينهما) يبدو أقرب إلى السلامة، في رأي المحاضر، مشيرا إلى أن استخدام مصطلحي الرعية والراعي وَرَدَ بناء على تقديم المسؤولية وليس لعامل التبعية، وأن استخدامه لمصطلحي المطلق والنسبي إنما كان إجرائيا؛

-  آلية الشورى كانت النموذج للحكم السياسي؛ والشورى وردت هنا، إلى جوانب أخرى وكأنها جزء من ماهية الإيمان.

-   يمكن إدراج المصلحة والاستحسانات ضمن فقه المآلات، كما يمكن تحديد المصلحة في الديمقراطية، باعتبار مصلحة المسلمين في التعامل مع الآخر بواقعية، كما أن المصلحة هي المدخل الوحيد والأوسع  لذلك.

-  التفكير المقاصدي يعتمد على  نظام أولويات، فما هو حاجِيُّ عند فلان، ليس كذلك بالضرورة عند آخر. هل يقدم الضروري الخاص على  الحاجي العام... ومن ثم، فالحاجة ماسة إلى ترتيب المصالح. كما أن مسألة التفكير القيمي مسألة مهمة، فالقرآن لم يثر مسألة إلا وقرنها بالحكمة (لعلكم تتقون، لعلكم ترحمون، لعلكم تشكرون).

-  ضرورة التفريق بين الدراسات التي تهتم بالدين والظاهرة الدينية، والدراسات التي تقتصر على  دراسة دين واحد.

-  الردة ليست جناية على النفس في الدنيا، وإذا كانت مجرد ردة محضة، فإنها لا تترتب عليها آثار؛ ما يعني أنها  تقتصر على الفرد.

-   الإلحاد موقف شعوري لا ينبني على أسس علمية. فهو، في الغالب، رفض لكل ما يأتي من جهة ما، والدليل على ذلك أن بعضهم (بعد أن أسلم) قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لقد كنت أكره الناحية التي أنت فيها أكثر من أية جهة أخرى.

الاختتام

 اختتمت فعاليات الندوة بكلمتي الدكتور ديدي ولد السالك، رئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، والدكتور مولاي أحمد صابر مسؤول الندوات بمؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث.

ابتدأ الأستاذ مولاي أحمد صابر كلمته بالشكر والتهنئة على مستوى النقاش الذي جرى في جو متميز وهادئ. كما توجه بالشكر إلى رئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية،  ونائب رئيس المركز السيدة أم كلثوم حامدينو، متمنيا مزيدا من التلاقي، واعدا بمزيد من الشراكة. وتوجه بالشكر إلى المنظمين على مستوى التنظيم المتميز.

أما الدكتور ديدي ولد السالك، فقد استهلَّ كلمته بشكر موجه إلى المشاركين، وبشكل أخص، إلى الضيوف. وكشف عن مشروع مستقبلي للشراكة مع مؤسسة مؤمنون بلا حدود، متمثلا في إعداد ملفٍّ، ما يزال إعداد أرضيته قيد الإنجاز، على أن تتولى المؤسسة نشر مادته رقميا وورقيا.