ندوة "الإسلام وقضايا المرأة" تدعو إلى التمييز بين الإسلام والثقافة الذكورية في النظرة إلى المرأة

فئة: أنشطة سابقة

ندوة "الإسلام وقضايا المرأة"  تدعو إلى التمييز بين الإسلام والثقافة الذكورية في النظرة إلى المرأة

عقد كرسي دراسات الحضارة الإسلامية وتجديد الفكر الديني على امتداد الأسبوع الأول من شهر مارس الجاري دورة أكاديمية في موضوع "الإسلام وقضايا المرأة"،  وذلك في مقره بمدينة غرناطة  الإسبانية. وقد استفاد من هذه الدورة، التي حظيت بتغطية إعلامية مهمة من وسائل الإعلام الإسبانية، طلبة باحثون في عدد من الجامعات الإسبانية، إضافة إلى عدد من الفاعلين في المجتمع المدني ووكالات التعاون الدولي ومؤسسات الإدارة المحلية في  كل من غرناطة، مايوركا، خيريس، مورسيا، أستورياس والعاصمة الإسبانية مدريد.

وقد أشرف على تأطير هذه الندوة، كل من الدكتورة أسماء المرابط، الباحثة في قضايا الإسلام والمرأة، ورئيسة مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام، والدكتورة ناتاليا أندوخار، مديرة مركز التكوين "Educaislam"، ورئيسة قسم الثقافة والدين الإسلامي في جامعة كاميلو خوسي ثيلا بمدريد، حيث أوضحت الدكتورة المرابط أن مسألة حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين تعدّ من بين المواضيع التي تثير نقاشا حادا وجدلا واسعا في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، إذ يصل الأمر أحياناً إلى حدّ نشوب صراعات حول الموضوع على المستويات الثقافية والاجتماعية والسياسية، مشيرة إلى أن إشكالية المساواة بين المرأة والرجل ليست مقتصرة على السياق الإسلامي وحسب، إذ هي متعلقة بجميع الثقافات والمجتمعات والديانات والإيديولوجيات، مؤكدة أن التمييز ضد المرأة لا يرتبط بصحيح الدين، وإنما بقراءات خاطئة لنصوصه، ذلك أن هذا التمييز ناتج عن التأويلات والتفسيرات الفقهية السائدة في التاريخ الثقافي والاجتماعي الإسلامي وليس في النص القرآني الذي ينبغي أن يكون المرجعية الحاكمة لا مرجعية التاريخ، إذ اعتبرت الأستاذة المحاضرة أن القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة المتوافقة مع جوهر الإسلام ومقاصده هما الإطار المرجعي والمعرفي الذي لا بد من اعتماده ركيزة أساسية لإيجاد الحلول الملائمة لمختلف قضايا المرأة المسلمة.

وفي هذا الصدد، نبهت الباحثة المغربية إلى ضرورة إعطاء أهمية لمفهوم المرأة كإنسان قبل كل شيء؛ فالخطاب الديني يخاطب الرجل وكأنه الإطار المرجعي، ويغفل أن الإنسان في الخطاب القرآني هو الذكر والأنثى، مبرزة أن القراءة الذكورية للدين أسّست لصورة معاكسة للقيم الإسلامية الحقيقية، إذ تمّ اعتبار النساء المسلمات مضطهدات في الإسلام، الأمر الذي أسهم في صناعة صورة نمطية عن المرأة في الإسلام، والتي تستغل في تشويه الإسلام وإذكاء نزعة الإسلاموفوبيا.

وبالإحالة على التاريخ ، قالت الدكتورة المرابط إن النساء  شاركن جبنا إلى جنب مع الرجال في أحداث مهمة، مثل البيعة والهجرة والحروب في مرحلة صدر الإسلام، وهذا ما يعني أن إقصاءهن جاء في سياق تاريخي لاحق، وأن النسق الإسلامي كان متقدما على غيره من الأنساق الثقافية في إعادة الاعتبار للمرأة وإشراكها في عملية الفعل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، قبل أن تبدأ عملية النكوص والتراجع في مراحل لاحقة لأسباب سياسية واجتماعية.

وهكذا، تقول رئيسة مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام، حقق الإسلام ثورة روحية  واجتماعية في ما يتعلق بالنساء وإقرار حقوقهن والرفع من مكانتهن في المجتمعات الإنسانية، غير أن هذه الثورة لم يكتب لها الاستمرار لأسباب عدة، أجملتها الباحثة المغربية في الصراعات السياسية، وانعكاسات الفتوحات الإسلامية على الثقافة الإسلامية، وتأثيرات الأوضاع السياسية والاجتماعية في مرحلة عصر التدوين.

ففيما يتعلق بالجانب السياسي، قالت الدكتورة أسماء المرابط إن وفاة النبي عليه السلام أعقبتها صراعات سياسية حول السلطة،  تطورت عبر تعاقب السنين فتسبّبت، ضمن ما تسبّبت فيه، في تهميش المرأة؛ إذ إنه بعد الثورة الاجتماعية التي نتجت عن الدعوة الإسلامية، والتي انعكست إيجابا على أوضاع المرأة وحضورها على جميع المستويات في بناء أول مدينة ودولة إسلامية ناشئة، كانت المرأة أول ضحايا صراعات ما بعد مرحلة هذه الثورة الروحية، إذ فرض عليها لأسباب سياسية الاختفاء من المشهد العام.

أما انعكاسات الفتوحات الإسلامية على مكانة المرأة المسلمة، فتجلت، وفقا للدكتورة أسماء المرابط، في اتصال المسلمين بأعراف الإمبراطوريات الساسانية والبيزنطية والفارسية، إذ تسرّبت الثقافة الأبوية من الحضارات الأخرى تدريجياً إلى الثقافة الإسلامية، ففرضت على النساء المسلمات - بالإضافة إلى تقاليد الأجداد - أعرافا لم تكن قائمة في المجتمع الإسلامي الأول المسدّد والمرشّد بالوحي الإلهي. وقد ضربت الأستاذة الباحثة أمثلة على ذلك التقليد من قبيل "ثقافة" الحريم التي كانت منتشرة على نطاق واسع في بلاد فارس، فتمّ تبنّيها في العصر العباسي وما تلاه، كأمر غدَا يصوّر مع الزمن وكأنه عقيدة دينية.

وبخصوص أثر الأوضاع السياسية والاجتماعية في مرحلة عصر التدوين على مكانة المرأة المسلمة ودورها في المجتمع،  قالت الباحثة المغربية إن تدوين العلوم الدينية جاء في سياق عدم الاستقرار السياسي، فانتشرت الكثير من المعارف والتصورات المتأثرة بصراعات تلك المرحلة والبعيدة في جزء مهمّ منها عن القيم الأخلاقية والمبادئ العليا للدين الإسلامي. وهكذا أصبحت هذه التصوّرات الفقهية تمثل أهم مصدر للتمييز ضد المرأة في السياق الإسلامي، إذ جاءت الثقافة الذكورية مستندة في المقام الأول إلى الأوضاع الاجتماعية والثقافية، في زمن كانت فيه المرأة المسلمة قد فقدت المكانة التي أعطاها لها الدين الإسلامي والمجتمع النبوي، وهذا التفسير التمييزي والأبوي هو الذي اعتمد في نهاية المطاف، والذي ما زال إلى يومنا هذا مصدرا للتمثلات الاجتماعية حول المرأة ومكانتها في المجتمع، وأساسا في التشريع لقوانين الأسرة في معظم الدول الإسلامية.

ولذلك، رأت الدكتورة المرابط أن معالجة قضايا المرأة تتطلب نقدا مزدوجا للتقاليد الأبوية المعتبرة "دينية" وللخطاب النسوي الغربي المهيمن في سياق المطالبة بتحرير المرأة، مبرزة أن ثنائية الإسلام والنزعة النسوية غير المتطرفة ليست ثنائية متخاصمة وإن كانت تبدو كذلك، إذ يمكن لقراءة صحيحة للقرآن والسنة أن تضمن حقوق المرأة وكرامتها، وأن تحميها من التقاليد والاعتبارات الاجتماعية السائدة والقائمة على التمييز ضدها والحط من قيمتها.

وفي هذا الصدد، دعت الأستاذة الباحثة إلى التفكير في جوهر الرسالة الروحية للإسلام فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية كما جاءت بها النصوص الشرعية الإسلامية، ونوّهت إلى ضرورة استيعاب المفاهيم القرآنية التي تحيل على المساواة بين الرجال والنساء، عبر تمثل قيمة العدل كمقصد أساس للشريعة الإسلامية، مشيرة إلى أن ضمان حقوق المرأة المسلمة يقتضي التدافع مع جبهتين، جبهة المنكرين لشرعية خطاب تحرير النساء انطلاقا من المرجعية الدينية، إذ يعدّونها مرجعية ظالمة للمرأة يستحيل تحقيق المساواة من خلالها، وجبهة أولئك الذين ينطلقون من المرجعية الدينية لرفض أي سعي نحو إقرار حقوق المرأة بزعم أن المطالبة بها تندرج في إطار التغريب والتبعية للغرب؛ الأمر الذي يتطلب البحث عن حلول عملية، لا تتأتى إلا من خلال التحرّر من الخضوع للمنظور "التقليدي" السلبي للمرأة، وفي الوقت نفسه من الرؤية "النسوية" المنحصرة في الحداثة المجردة من أية مرجعية دينية، إذ لا مناص من خيار ثالث يمثل رؤية إصلاحية جديدة ومعاصرة قادرة على إعطاء دينامية جديدة لتحرير النساء المسلمات من الجهل والظلم والتمييز، وعلى إخراج هذا الموضوع من دائرة التفاسير السطحية والمتجاوزة المتأثرة بسياقاتها التاريخية، إلى رحاب روح الدين ومقاصده وقيمه السامية.

أما الباحثة الإسبانية الدكتورة نتاليا أندوخار، فقد نوّهت إلى ضرورة التمييز بين الدين والتفسير الديني، وأشارت إلى أن التصوّر السائد حول المرأة في الإسلام يستمدّ سيادته من سلسلة من التفسيرات للإسلام، وحيث إن هذه التفسيرات تاريخية، فإن العنصر التاريخي أثر بشكل كبير في هذا التصور. ولذلك يجب الإحاطة بالتاريخ الإسلامي من أجل تفكيك مكامن الخلل في النظرة إلى المرأة والانتقاص من حقوقها.

وقد دعت الأستاذة المحاضرة إلى إعادة الاعتبار للقيم الأخلاقية والكونية التي ينبغي أن تؤطر التأويل القرآني، وفي مقدمتها التوحيد والعدل والتقوى، لافتة إلى أن هذه القيم والمبادئ تشكل العمود الفقري للنسوية الإسلامية، ومذكرة بأن القرآن يذكر البشر بانحدارهم من نفس واحدة، وأن الشيء الوحيد الذي يميّز البشر عن بعضه البعض في المنظور القرآني هو درجة التقوى، وأن إحدى صفات خالق العباد ذكراناً وإناثاً هي  العدل.

وقد أشارت الدكتورة أندوخار إلى أن المساواة حق أصيل لجميع البشر، ودعت إلى وضع التفسيرات التمييزية ضد المرأة على محكّ النقد والمراجعة، معتبرة أن القرآن الكريم الموجّه  إلى الرجال والنساء دون تمييز ينصّ على المساواة بينهما دون تمييز أيضاً، فهو لا يبرّر النظام الأبوي ولا يحيل على السلطة الأبوية، كما أن الله في الإسلام ليس أباً ولا ذكراً. وهذا ما يعزّز، وفقاً  لمديرة مركز التكوين "Educaislam"، فرص نجاح خطاب "النسوية الإسلامية"، والذي يسعى إلى تحويل العلاقات الصراعية بين الدين والنسوية إلى علاقة تصالحية، من خلال استحضار القيم الإسلامية المتوافقة مع القيم الكونية، مثل قيمة العدالة التي لا تقتصر المطالبة بإقرارها على العلاقات بين الجنسين، ولكن أيضا بالأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

وقد أبرزت رئيسة قسم الثقافة والدين الإسلامي في جامعة كاميلو خوسي ثيلا بمدريد أهمية الحركة "السوسيو- روحية" للنساء، والتي تتمثل في الحركة الدولية المطالبة بالمساواة في جميع المجالات، وفي الحركات المحلية التي تكشف تحوّلات إيجابية في مقاربة موضوع المرأة في عدد من البلدان الإسلامية، مثل نشاط الداعيات في مصر، والمبلغات في أندونيسيا، وتجربة المرشدات الدينيات في المغرب. كما عرضت  الدكتورة أندوخار رؤية "النسوية الإسلامية" لقضايا المرأة، مؤكدة أن البعد الروحي الكامن في الإسلام مصدر إلهام لهذه الحركة، وأن كسب دعم الرجال لها ومشاركتهم في معركتها يعدّ من ضمن أهدافها، ومشدّدة على أن نجاح "النسوية الإسلامية" لا يتأتى إلا بتمثل القيم الإسلامية الإنسانية ومراعاة تنوّع السياقات التاريخية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية في مختلف البلدان الإسلامية، ومعبّرة عن اقتناعها العلمي الراسخ بأن الإسلام لا يميّز بين المرأة والرجل في الحقوق والقيمة والمكانة، وأن السياقات الاجتماعية والتاريخية هي ما أفرز التمييز الحاصل ضد المرأة في الثقافة السائدة، لتختم بالقول: "لو كان الإسلام مهمِّشا للمرأة لما اعتنقته، ولما جعلت رسالتي الدفاع عنه في بحوثي ودراساتي ومحاضراتي".

وجدير بالذكر أن الدورة الأكاديمية حول "الإسلام وقضايا المرأة" تندرج  في إطار البرامج العلمية لكرسي دراسات الحضارة الإسلامية وتجديد الفكر الديني، الذي أنشئ في غرناطة بشراكة بين مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، والمؤسسة الأوروبية العربية للدراسات العليا، وجامعة غرناطة ومعهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا. كما تجدر الإشارة إلى أن هذه الندوة هي إحدى الدورات الأكاديمية التي يعقدها الكرسي خلال السنة الجامعية الحالية، وهي دورات معتمدة في جامعة غرناطة، وستتوج بإنشاء ماستر "الإسلام في الزمن الحاضر: رهانات العيش المشترك وتدبير التنوع"، في جامعة غرناطة، بداية من أكتوبر من السنة الجارية.