ندوة "الجذور الدينية والعقلانية لمفهوم السيادة بين كارل شميت وأبو المعالي الجويني"

فئة: أنشطة سابقة

ندوة "الجذور الدينية والعقلانية لمفهوم السيادة بين كارل شميت وأبو المعالي الجويني"

استضاف مركز دال للأبحاث والإنتاج الإعلامي بمقر الأبحاث بجاردن سيتى، يوم الخميس الموافق 22أكتوبر 2015م الدكتور أحمد عبد المجيد، مدرس الفلسفة بجامعة سيراكوز الأمريكية، حيث ألقى محاضرته الثانية بعنوان : الجذور الدينية والعقلانية لمفهوم السيادة بين كارل شميت وأبو المعالي الجويني"، وذلك ضمن سلسلة المحاضرات التي يقوم المركز بتنظيمها في الفترة القادمة بالتعاون معه حول إشكاليات العلوم الإنسانية. بحضور الدكتور أحمد عبد المجيد مدرس الفلسفة بجامعة سيراكيوز الأمريكية، وادار الللقاء محمد عزت الباحث بمركز دال.

في البداية أشار الدكتور أحمد عبد المجيد إلى أن الندوة تسعى إلى تقديم تصور جديد لمفهوم السيادة في الإسلام السني من خلال قراءة مدققة لكتاب "غياث الأمم في التياث الظلم" لأبي المعالي الجويني، أحد أهم رواد المذهب الأشعري الذي عرًّف الأسس المعرفية والوجودية للفكر السني منذ نهاية القرن الرابع الهجري، وفي هذا الكتاب يعرف الجويني السيادة من خلال "حالة الاستثناء"  بشكل يتقاطع إلى حد كبير مع تعريف كارل شميت في اللاهوت السياسي للسيادة بأنها:"القرار الذي يحدد حالة الاستثناء" قاصداً بذلك الاستثناء من القانون/ الدستور الذي تحدده الأسس العقلانية التي بُني عليها بحسب فرضيات نظريات العقد الاجتماعي منذ نشأتها في القرن السابع عشر.

وأضاف عبد المجيد أن رؤية الجويني تتباين مع رؤية شميت من زاوية مفصلية، حيث  يعرّف شميت حالة الاستثناء من خلال قدرة السلطة التي تدعي حق السيادة على تعليق التأويل العقلاني للدستور والقانون؛ في هذا الإطار انحاز شميت إلي رؤية معاصريه المعرفية من الوجوديين على رأسهم مارتن هيديجر بأن تَكْوْن الحكم، ومن ثم اتخاذ القرار ليس عقلانياً محضاً، وخلص إلى أن الاستثناء بالنسبة لكارل شميت هي القدرة على فرض ما هو مضاد للعادي أو النظامي العقلاني، الذي يشكل بدوره جوهر الشرعية الدستورية في نظرية الدولة الحديثة من اسبينوزا وحتي الليبرالية الحديثة عند جون رولز، على سبيل المثال تعرف هذه القدرة ماهية السيادة في فكر شميت وشراحه المعاصرين وعلى رأسهم آجامبن وماكورميك.

 ثم تناول بعد ذلك، حالة الاستثناء عند الجويني، مؤكدا أنها تأتي بمعكوس هذه الرؤية،  فحالة الاستثناء التي تعرف السيادة هي غياب أي سلطة تدعي السيادة، وفي هذه الحالة تحتاج كل ذات سياسية منتمية لهذا الجسد السياسي أن تستخدم ما أسماه الجويني ومن قبله مؤسس المذهب أبو الحسن الأشعري البديهة في الوصول إلي الحكم السليم، هذه البديهة بدورها تقود إلى نزعة عقلانية محضة، أو إلي أخرى وجودية بحتة، وحماية تعددية هذه النزعات البديهية هو بدوره المعرف الأساسي لمفهوم السيادة ودور من يضطلع بها؛ ومن ثم فأساس فالسيادة عن الجويني ليس حتمية فرض ما هو غير عقلاني علي جسد سياسي يحاول رشدنة علاقاته كما هو الحال بالنسبة لشميت، وإنما هو حماية تعددية النزعات البديهية لتكون المعنى، وصياغة الحكم.

وأكمل عبد المجيد السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي محددات البديهة عند الجويني؟ ومن ثم ما هو شكل التعددية التي يُعرف تأمين وجودها مفهوم السيادة؟ وكيف يمكن تطوير هذه الأفكار وتطبيقها في مجتمعتنا؟، وأكد أنه كي نجيب على الأسئلة علينا أن نفهم المنهج الأشعري، وهو منهج في رأيه محير ويحتاج لدراسة وقراءة عميقة وتأني في الفهم، فالأشاعرة يأخذون موقف وسطي بين العقلانية المفرطة عند المعتزلة والجبرية عند أتباع التصورات الأصولية القائمة على النقل وعدم إعمال العقل، ومثال على هذه الوسطية المحيرة يتعامل الأشاعرة مع قضية الخلق والوجود المجرد بمنطق عقلي يتطايق مع رؤية المعتزلة، لكن بعد ذلك باقي التفاصيل يختلفون فيها خاصة في قضية الأسماء والصفات، وعند إمتداد هذا الخط على استقامته، فسنجد أن الاشاعرة يعتمدون في كل المستويات والعلاقة الدينية والاجتماعية على منهج تفكيكي وليس منهج عقلي مجرد.

وخلص إلى إنه من كل ما سبق يمكن فهم ما يطرحه الجويني في كتابه "غياث الأمم في التياث الظلم" من شروط وغاية للإمامة، معتمداً على منطق الاستثناء، فيبدأ بإفتراض غياب الأمام، ومن هنا يصبح على المجتمع الإعتماد على المجتهد، ويفترض الجويني مرة ثانية غايب المجتهدين، وفي هذه الحالة يصبح على المجتمع العودة لأصول الدين، ويفترض الجويني مرة ثالثة غياب أصول الدين، وهنا يشير الجويني إلى أن المجتمع عليه أن ينحاز للعقل ويحتكم للمنفعة والمصلحة، وبناء عليه يبني الجويني نظريته على أن غاية الإمامة / السيادة هي تحقيق منفعة المجتمع، وهذا عكس نظرية شميت فالسيادة عند شميت ليست استثناء يخلق سلطة، بقدر ما هى سلطة تصنع الاستثناء، بوصفها استثناء عقلاني يجب فرضه على المجتمع وهو ما أدى به إلى التنظير للنازية.

يذكر أن الدكتور أحمد عبد المجيد باحث مصري، حاصل على شهادة البكالوريوس من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2002 م، ثم حصل على الماجستير في الفلسفة من جامعة إموري بالولايات المتحدة الأمريكية في يناير 2007، وحصل على الدكتوراه من نفس الجامعة عام 2011 عن أطروحته "هيرمونوطيقا الخيال الديني ومعنى الطبيعة الإنسانية عند كانط وابن عربي"، وهو يعمل حاليا مدرسا بقسم الفلسفة بجامعة سيراكيوز بالولايات المتحدة الأمريكية.