ورشة قراءة في كتاب: "دولة الإسلام السياسي: وهم الدولة الإسلامية"

فئة: أنشطة سابقة

ورشة قراءة في كتاب: "دولة الإسلام السياسي: وهم الدولة الإسلامية"

افتتح قسم "قراءات" التابع لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" موسمه الثقافي الجديد بندوة حول كتاب "دولة الإسلام السياسي: وهم الدولة الإسلامية" ، بحضور مؤلفه الدكتور سعيد بنسعيد العلوي، والدكتور حسن طارق والدكتور محمد جبرون، بينما اعتذر الدكتور عبد العلي حامي الدين عن الحضور لأسباب خارجة عن إرادته.

في ورقته المقدمة للندوة، أكد الدكتور جبرون أن  موضوع الكتاب كما تحدث عنه صاحبه يتعلق بدراسة «الإسلام السياسي»- من حيث هو خطاب - في تمثله لمفهوم الدولة من خلال مقولات متعددة كالدولة الإسلامية والخلافة والحاكمية والديمقراطية.

ولبلوغ غاياته في هذا الموضوع، اعتمد الكاتب، حسب محمد جبرون، منهجا يقوم: على تحليل خطاب الإسلام السياسي ورده إلى عناصره الأساسية، والبحث عن العلاقات التي تقوم بين تلك العناصر في أفق الوصول إلى المنطق الذي يحكمها؛ واستقراء المظاهر الخطابية للإسلام السياسي في موضوعات هذا الكتاب (التجميع)؛ والاستنباط عندما يتعلق الأمر بالربط بين عنصر أو أكثر، وبين فكرة كُلية أو نظرية. وفي سياق هذا المنهج، اضطر الكاتب في أكثر من موضع إلى اللجوء إلى المقارنة بين خطاب الإسلام السياسي والخطابات الموازية له، سواء تلك التي أنشأها رواد النهضة أو تلك التي تنتمي إلى فكر الأنوار.

إن هذا العمل، يقول محمد جبرون،  يقتضي مبدئيا الرجوع لمجموع نصوص الفكر السياسي لتيار الإسلام السياسي، وخاصة تلك التي تعلقت بمفهوم الدولة والفكرة السياسية لدى هذا التيار، وهي كثيرة ومتنوعة تختلف ما بين كتب ووثائق ومنشورات تنظيمية ووسائط افتراضية... غير أن حدود هذه الدراسة ومساحتها اضطرت المؤلف إلى ممارسة قدر من الانتقائية، والاعتماد على نصوص محددة. ومن أبرز النصوص التي رجع إليها: كتابات المفكر الباكستاني أبي الأعلى المودودي(ت. 1979م)؛ والوثائق والنصوص التي جمعها السيد رفعت السيد في كتابه «النبي المسلح»؛ وجملة من النصوص المنشورة على شبكة الإنترنيت، وأهمها كتاب «ملة إبراهيم» لصاحبه أبي محمد عاصم المقديسي، و«مصطلحات ومفاهيم شرعية» للطرسوسي..

وتفاديا لأي لبس أو سوء فهم وتواصل، حدد الدكتور سعيد خريطة مفاهيمه التي سيوظفها بدقة، حسب جبرون، وعلى رأس هذه المفاهيم مفهوم الإسلام السياسي، ومن جملة ما جاء في تعريفه، أنه وبخلاف ما يعتقد الكثيرون، المقصود بعبارة الإسلام السياسي ليس مجموع التيارات السياسية التي تتأسس على المرجعية الإسلامية دون تفريق بينها، بل المقصود بها تحديدا تيار السلفية الجهادية،[1] الذي يتسم بعدد من السمات من أبرزها: القول بأن الخلافة ركن من أركان الدين؛ وباعتبارها كذلك وجب على عموم الأمة السعي لإقامتها وبكل سبيل بما فيه سبيل العنف؛ معاداة الدولة الحديثة والسعي للإطاحة بها؛ تكفير الذي لا يعتقد بأن الخلافة ركن من أركان الدين.

وفي مناقشته لأطروحة المؤلف، يختلف جبرون مع العلوي في تحديده لمفهوم  "الإسلام السياسي"، فهو  كما عرفه الأستاذ سعيد يعني أساسا من الناحية الفكرية والحركية ما تعارفنا على تسميته إعلاميا بـ «السلفية الجهادية»، وهذا التيار من الناحية المرجعية والفكرية لا يحيل، حسب جبرون، على المودودي وسيد قطب بشكل رئيس، بل ولا يتردد بعض أعلامه في الطعن في عقيدتهما، ولكنه بالمقابل يحيل على عدد من فقهاء الحنابلة، وأعلام المذهب الوهابي، كما أنه يستند إلى فقه الحديث، ويستدل به أكثر مما يستدل بالقرآن. ومن ثم، فاعتبار أبي الأعلى المودودي أبا روحيا لهذا التيار أمر فيه نظر ويحتاج إلى مزيد مناقشة.

أما الدكتور حسن طارق

فقد أبرز في ورقته أنه من الصعب قراءة كتاب سعيد بنسعيد العلوي، بعيدا عن الخلفية المعرفية والتراكم الفكري للكاتب، خاصة ما يتعلق بمنجزه المرتبط بالفكر السياسي  الإسلامي، وذلك انطلاقا من مؤلفه "دولة الخلافة: دراسة في التفكير السياسي عند الماوردي" ،وصولا إلى "قول في الحوار والتجديد، المسلمون والمستقبل" ،ومرورا بعدد مهم من الكتب منها: "خطاب الشرعية السياسية في الإسلام السني" ،"أدلجة الإسلام بين أهله وخصومه"، "الخطاب الأشعري: دراسة في الفكر العربي المعاصر"..

لذلك، فكتاب "دولة الإسلام السياسي(وهم الدولة الإسلامية)" يستحضر، في اعتقاد حسن طارق،  في شبكة مفاهيمه ،وعدته المنهجية ،و مقاربته التحليلية ،الكثير من مسالك التفكير المتضمنة في محطات المنجز الفكري للكاتب .

إن التذكير بالملاحظة السابقة ،يقتضي،  بالنسبة إلى طارق، من الناحية الموضوعية التأكيد على القيمة المضافة لهذا العمل ،وإذا كانت هذه القيمة ذات طبيعة فكرية بالأساس، فإنها كذلك ذات خصوصية بيداغوجية ومنهجية.

يتجلى البعد البيداغوجي في حرص الكاتب ،على تطويع اللغة والمفاهيم لكي يبدو الكتاب في النهاية ،قادرا على الحفاظ على مضمونه الفكري الراقي ،وفي نفس الوقت متجاوزا الهوية النخبوية التي طالما ارتبطت بمثل هذه المؤلفات .

الواقع أن طبيعة الموضوع، جعلت الكاتب وهو يستخدم عدته النظرية والمنهجية، يستحضر كذلك التزاماته كمواطن و رجل تربية و مثقف، مطالب أخلاقيا بتفكيك خطابات ذات خطورة سياسية مؤكدة في أوساط الشبيبة.

أما البعد المنهجي، فيتعلق بالاعتناء الفائق بالمنهج في الكتاب، والحرص على بناء تعاقدات واضحة مع القارئ، و إشراك القراء المحتملين في "المطبخ الداخلي" للباحث ،عبر تحديد منهجي صارم لطبيعة الحقل المعرفي الذي ينطلق منه الباحث : تاريخ الفكر، ولطبيعة المقاربة المعتمدة: تحليل الخطاب، ولطبيعة المتن المعتمد للدراسة .

هكذا يعتمد الدكتور سعيد بنسعيد العلوي ، والقول للدكتور طارق، على تفكيك خطاب الإسلام السياسي ،انطلاقا من فحص ما يسميه "أزواجا" مهيكلة لهذا الخطاب : الاسلام/الجاهلية ،الولاء/البراء ، الحاكمية/السيادة ، الخلافة/الطاغوت .

على أن هذا الفحص يأخذ شكل مقارنة لمفردات هذا الخطاب مع شبكة ثلاثية المرجعيات،  وهي الفكر السياسي الإسلامي في العصر الكلاسيكي، و الفكر العربي الإسلامي النهضوي، والفلسفة السياسية الغربية.

ليخلص المؤلف حسب حسن طارق إلى أن خطاب الإسلام السياسي يتميز بأربع سمات رئيسة: الخلافة كركن من أركان الدين و كجزء من العقيدة، ووجوب العمل من أجل إحيائها بكل السبل ،بما في ذلك العنف، والسعي لامتلاك السلطة بكل الطرق ومعاداة الدولة الحديثة، وتكفير المخالف في الاعتقاد وتقسيم المجتمع إلى مؤمنين وغير مؤمنين.

ويسجل طارق في ختام ورقته الملاحظات/ التساؤلات التالية:

-مدى قدرة الكاتب على تحرير عبارة  "الإسلام السياسي "من سطوة الاستعمال السجالية والإيديولوجية، وتحويله إلى توصيف موضوعي لحالة سياسية وتاريخية ؟

-مدى قدرة هذا التوصيف على ضبط التفاوتات المذهبية والسياسية الكبيرة بين التعابير والحساسيات المختلفة ، والتي نجد داخل بعضها قابلية للتصالح مع مفردات الليبرالية السياسية؟

-مدى دقة الحديث عن كون الإسلام السياسي المعاصر يشكل قطيعة مطلقة مع كل تراكمات الفكر السياسي الإسلامي في العصور السابقة؟

 

 

[1] نفسه، ص. 41