التصوف: الثورة الروحية في الإسلام أبو العلا عفيفي
فئة : قراءات في كتب
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
أبو العلا عفيفي
عندما نتحدث عن التصوف، فإننا نلامس مختلف الثقافات في العالم، نظرًا لأن المعرفة الصوفية تمتد جذورها عميقًا في تاريخ البشرية، وتتجلى في شتى الديانات والثقافات عبر العصور. إنها معرفة تأسست على قواعد التأمل، والذوق، والحدس، وأسّست أنساقها بناءً على هذه المرتكزات، مع اختلافات واضحة بين مجال ثقافي وآخر.
لذلك، يتعذر اختزال التجربة الصوفية في دائرة واحدة أو ضمن نسق موحّد؛ فهي متعددة الأنساق، بتعدد الديانات والسياقات الحضارية. فالمعرفة الصوفية كما تتجلى في الديانات الهندية، مثل البوذية، ليست واحدة من حيث المنهج والنتائج. وإن نحن تحدثنا عن التصوف في الهند، وبشكل خاص داخل البوذية، نجد أنفسنا أمام سؤال واقعي: عن أي نمط من أنماط التصوف نتحدث؟ فالبوذية نشأت في الهند، ثم هاجرت إلى الصين، ومن هناك عبرت إلى كوريا ثم اليابان، وتلوّنت بثقافات الشعوب التي تبنّتها. ومن الطبيعي، في هذا السياق التاريخي والثقافي، أن تتفرع عنها طوائف واتجاهات متنوعة، من أبرزها طائفة "زن"، التي تُعدّ من أهم وأشهر الطوائف الصوفية داخل البوذية. وفي تعاليم "زن"، يسعى المعلم إلى توجيه اهتمام المريد نحو ذاته، وبشكل خاص نحو حدسه الداخلي، واضعًا المعرفة الحدسية في مركز التجربة الروحية، لا كوسيلة فقط، بل كغايةٍ تتجسد فيها الحقيقة.
يحضر التصوف في الديانات التوحيدية - اليهودية، والمسيحية، والإسلام- بأوجه متعددة ومظاهر متباينة، لا في صورة واحدة موحّدة، بل عبر طرائق وأساليب مختلفة. وإن كانت ثمة خاصية تميّز التصوف عبر تاريخه الطويل، فهي خاصية التنوع والتعدد، سواء من جهة طريق التأمل والتفكر، أو من جهة الطقوس الفردية والجماعية، إلى درجة تجعل من العسير الجمع بين هذه الأشكال المتعددة ضمن إطار واحد.
فالدارس لتاريخ التصوف في الثقافة الإسلامية سيدرك أن التصوف، بمختلف مدارسه في الشرق والغرب الإسلامي، يُعدّ جزءًا لا يتجزأ من الثقافة والتاريخ الإسلامي، ومظهرًا من مظاهر التجربة الإسلامية في سياقها الزمني والاجتماعي. إنه لم يكن وافدًا غريبًا أُدخل إلى الإسلام من الخارج، بل نشأ من رحم التجربة الدينية الإسلامية نفسها، مستمدًا روحه وتعاليمه من القرآن والسنة. وما يُقال عن التصوف ينطبق كذلك على باقي العلوم التي نشأت في سياق التفاعل الثقافي الإسلامي، ومنها علوم الحكمة، أو الفلسفة، التي عرف بها اليونان قديماً، لكنها حين حضرت في الثقافة الإسلامية، اصطبغت برؤية الإسلام للوجود والإنسان، وأصبحت تُعرف بالفلسفة الإسلامية.
والحقيقة أن "التصوُّف في جوهره «حالٌ» أو «تجربةٌ روحيةٌ» خاصةٌ يعانيها الصوفي، ولتلك الحال من الصفات والخصائص ما يكفي في تمييزها عن غيرها مما تعانيه النفس الإنسانية من أحوال أخرى، وفي هذا القدر وحده ما يكفي للقول إن التصوف ليس فلسفة إذا قصدنا بالفلسفة البحث العقلي النظري في طبيعة الوجود بقصد الوصول إلى نظرية عامة خالية من التناقض عن حقيقته أو حقيقة أي جزء من أجزائه، وليس للصوفي- من حيث هو صوفي - أن يتفلسف بأن يتخذ من تجربته الروحية أساسًا لنظرية ميتافيزيقية في طبيعة الوجود؛ لأن النظرية الميتافيزيقية «دعوى» يقال لها إنها صادقة أو كاذبة، ويطالب صاحبها بالدليل على صدقها وسلامتها من التناقُض، فينبغي ألا يكون أساسها «تجربة» شخصية أو «حالًا» معينة يعانيها فرد بعينه، بل إن الناس في أمرهم بين شيئين؛ إما أن يُصدِّقُوا ما يخبرهم به أو يضربوا بكلامه عرض الحائط".[1] فارتهان المعرفة الصوفية إلى حالة الذوق والوجدان الفرد، جعلها منفلتة من مختلف أشكال الضبط النسقي والمنهجي. لهذا، نجد مختلف ما كتبه المتصوفة متنا يفتقر للنسق الموحد، وربما أن قوة ما يقولون به تكمن في النسق غير الموحد؛ فالقارئ عليه أن يبذل جهدًا ليركب ما هو غير نسقي في نسق موحد يحتكم لمنطق في الجمع والتركيب.
- موضوعات الكتاب
ترى صاحبة الكتاب، أبو العلا عفيفي، أن روحانية الإسلام تجلّت في التصوف، وأن هذا الأخير يمثّل، في نظر محبّيه، إشباعًا للعاطفة، وتغذيةً للقلب، وتفسيرًا عميقًا للدين. ويأتي ذلك في مقابل التفسير الذي يراه البعض تفسيرًا عقليًا جافًا عند المتكلمين والفلاسفة، وكذلك في مقابل التفسير الصُّوري الذي يتبنّاه بعض الفقهاء، والذي يراه المتصوفة تفسيرًا قاصرًا.
في هذا الكتاب، تُبرِز الكاتبة معالم الصورة التي يتلخّص فيها موقف الصوفية من الدين، ومن الله، ومن العالم؛ ذلك الموقف الذي ارتضاه المتصوفة واطمأنوا إليه، وطالبوا به أنفسهم دون أن يفرضوه على غيرهم. وقد أطلقت على هذا الموقف اسم: "الثورة الروحية في الإسلام"؛ لأنها ترى أن التصوف كان بمثابة انقلاب شامل على الأوضاع والمفاهيم الدينية كما حدّدها الفقهاء والمتكلمون والفلاسفة، وأنه هو الذي بثّ في تعاليم الإسلام روحًا جديدة.
ويضم الكتاب حزمة من المواضيع والعناوين التي تُضيء جوانب متعددة من التجربة الصوفية، نذكر منها:
- مقدمة في ماهية التصوف ومنهجه
- التصوف والفلسفة
- التجربة الصوفية
- الوعي الصوفي
- تعريفات التصوف والصوفي
- نشأة التصوف الإسلامي والعوامل المؤثرة فيه
- النظريات التي قيلت في أصل التصوف
- العوامل التي ساعدت على نشأة الزهد في الإسلام
- مصادر التصوف الإسلامي
- أدوار التصوف ومدارسه
- الثورة الروحية في التصوف
- طريقة استنباط معاني القرآن
- الحقيقة والشريعة
- الطريقة والحقيقة بين الفقه والتصوف
عندما نتحدث عن الفقه، نجد أن مختلف أبوابه تؤطر حياة الفرد والجماعة، فيما يتعلق بمختلف المعاملات والعبادات من جهة علاقة الناس فيما بينهم، في حالة المصاهرة، والنسب، والزواج والطلاق، ومختلف حالات البيوع والشراء، وتأطير ما يقبل عليه الناس في المجتمع من المأكل والمشرب، والتقعيد لطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم... الفقه إذن لا يترك مجالا من مجالات حياة الفرد والجماعة، إلا وله فيها قول بدءًا من ولادة الإنسان حتى مماته، والغريب أن الفقه لا يكتفي بالحياة الدنيا، بل يغطي الدار الآخرة، فهو يخبرنا عن طبيعة ما يجري في القبر، ويوم القيامة وما سيجري في الجنة أو النار...
ويحسب للفقه أنه معرفة اجتماعية اعتنت بشكل قريب بابتكار مختلف الحلول لأقضية الناس، من جهة عباداتهم ومعاشهم في حياتهم ومماتهم؛ فالفقيه في الحقيقة في الثقافة الإسلامية في مقام المختص في المعرفة الاجتماعية في الزمن المعاصر؛ لأنه يعيش قريبا من الناس وبينهم، فهو على معرفة بمستوى معاشهم، وعلى معرفة بحالات الرخاء وحالات الغلاء، كما أن قربه منهم يجعله يدرك حالة اقترابهم أو ابتعادهم من السلطة السياسية الحاكمة للبلد، وليس من الغريب أن نجد الفقه قريب في كثير من قواعده إلى السلطة السياسية بغاية الحفاظ على الجماعة والمجتمع، والحد من حالة عدم الانضباط أو الانفلات من النظام العام، وفي الوقت ذاته فالفقيه قد يخرج عن السلطة السياسية، عندما يدرك بأن المجتمع لم يثق فيها، وينحاز إلى سلطة جديدة تتشكل من داخل المجتمع وربما أنه يقودها إلى سدة الحكم. والحقيقة أن جزءًا كبيرًا من حالة الاستقرار في الحكم في الثقافة الإسلامية تعود إلى ذوي الحكم والسياسية وذوي الفقه، الحاكم دائما في حاجة لرجل الفقه لتقوية شرعية السلطة وشرعية قرار الحرب أو السلم، والفقيه في حاجة لرجل السلطة؛ فبه ومن خلاله يتحقق تطبيق مختلق تشريعات الفقه. وحتى اللحظة الراهنة في العالم الإسلامي، فالحاكم لا يمكن له أن يبسط يد سلطته إيجابا أو سلبا إلا من خلال رجل الفقه، كما أن مختلف المعارضات ضد السلطة قد تتقوى عندما يلتحق بها الفقهاء، وباختصار الفقه والفقيه له دور كبير في تدبير وضبط حركة الاجتماع البشري تحت راية السلطة السياسية في الإسلام. لذا، كان للفقهاء سلطة كبيرة على الجماعة المسلمة، وعلى شؤون تدبير الجماعة، وبالتالي المجال العام الاجتماعي.
من أبرز مشكلات الفقه والفقيه، هي المبالغة في الضبط والتحكم، والإحاطة بمختلف جوانب حياة الناس الفردية والاجتماعية، وهي حالة قد تتحول معها مختلف جوانب الحياة إلى أشكال وطقوس فارغة من أيّ حمولة روحية أو فلسفية... فلا نستغرب إن وجدنا الكثير من الفقهاء، لا يطيقون مختلف العلوم التي تسهم في تحرض على طرح السؤال والعمل على إعادة النظر في مختلف المسلمات، ولهذا لن نجد مكانا للفلسفة في مجال الفقه، كما لا نجد مكانا للتأمل والذوق والمعرفة الصوفية في مجال الفقه، لماذا لأن الفقه من غاية الضبط والتحكم، بينما مختلف هذه العلوم غايتها ما هو خلف مختلف الطقوس والأشكال. ولهذا ليس من الغريب أن نجد الفقهاء في الثقافة الإسلامية ليسوا في انسجام تام مع ذوي الذوق والتصوف والعرفات؛ لأن رهانات المعرفة الصوفية ليست هي نفس رهانات المعرفة بالفقه.
لا شك بأن التصوف هو المظهر الروحي الديني الحقيقي عند المسلمين؛ "لأنه المرآة التي تَنعكِس على صفحتِها الحياة الروحية الإسلامية في أخصِّ مظاهرها. فإذا أردنا أن نبحث عن العاطفة الدينية الإسلامية في صفائها ونقائها وعُنفها وحرارتها، وجدناها عند الصوفية، وإذا أردنا أن نعرف شيئًا عن الصلة الرُّوحية بين المسلم وربّه: كيف يُصوِّر هذه الصلة، وكيف يُجاهد طول حياته في توكيدها وتدعيمها، وكيف يُضحِّي بكل عزيز لديه - بما في ذلك نفسه - محافظةً وغيرةً عليها، وجَبَ أن نقرأ سِيَر الصوفية المسلمين ونتدبَّر أقوالهم، وإذا أردنا أن نُقارن بين الإسلام وغيره من الديانات لنَعرف حظ المسلمين من الحياة الروحية الخالصة، لم نجد نقطةً يَلتقون فيها مع غيرهم من أصحاب الديانات الكُبرى أفضل من التصوف"[2] وإن شئنا أن نقرأ حضور التصوف في الثقافة الإسلامية، سنجد بأن المتصوفة قد قاموا بثورة ضد كل أشكال الفقه الذي تتحول معه الحياة والعبادات إلى أشكال يهمها الظاهر، دون أن تلتفت إلى الباطن، فالهم الكبير الذي أخذه المتصوفة على عاتقهم هو الحفر في ما وراء الأشياء والوجود، وهي نظرة جعلتهم يخرجون عن الأنساق الضيقة التي وضعها الفقه لمختلف العبادات والمعاملات، وهم بهذا قد اجترحوا طريقاً آخر في فهم الحياة والوجود والإنسان، وهي مسألة قد شكلت خطرًا كبيرًا على مكانة كل من الفقيه والحاكم.
في هذا السياق، نفهم محنة المتصوفة منهم "الحسين بن منصور الحلاج" يذكر المؤرخون أنه قد أُعدم في زمن الخليفة العباسي المقتدر بالله في الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة 309هـ، الموافق للسادس والعشرين من آذار/مارس سنة 922م. يتحدث ابن جرير الطبري في كتابه "تاريخ الرسل والملوك" عن التجربة القاسية التي مر بها الحلاج قُبيل وفاته، فيقول: "صُلب هو وصاحبه ثلاثة أيام كل يوم من ذلك من أوله إلى انتصافه، ثم ينزل بهما فيؤمر بهما إلى الحبس... وأخرج من الحبس، فقطعت يداه ورجلاه ثم ضربت عنقه ثم أُحرق بالنار". ومنهم السهروردي أبو الفتوح، اتهم بأنه يخل بالعقيدة ويعطلها، وهو ما دفع فقهاء حلب لإباحة دمه وطلب قتله بسبب معتقداته، وشكواه إلى صلاح الدين الأيوبي، فأمر وأودعه السجن داخل قلعة حلب حتى يموت خنقاً، وهو في الـ 38 من عمره، وكان ذلك في العام 1191م. وكذلك محيي الدين ابن عربي، توفي سنة 1240م.
ترى مؤلفة الكتاب أن الثورة التي قام بها الفقهاء ضد الصوفية لم تكن في "الحقيقة إلا ردَّ فعل للثورة الروحية التي أراد الصوفية أن يُحدثوها في الدين، فقد أدرك الصوفية أن الدين قد أصبح في عرف الفقهاء جملة رسوم وأوضاع لا حياة ولا روحانية فيها، وهذه الرسوم والأوضاع إن أرضت ظاهر الشرع وأشبعت عقول المشرعين المفتونة بتقعيد القواعد وتعميم القوانين حتى ولو أدى ذلك إلى اصطناع «الحيل» و«المخارج» غير المعقولة، لم تكن لتُرضي باطن الشرع ولا تُشبع العاطفة الدينية عند الصوفية؛ لذلك كان لا بدَّ من أن يَنقسِم «علم الشريعة» إلى قسمَين؛ علم ظاهر الشرع الذي يَدرس الأعمال التي تجري على الجوارح، وهي: العبادات كالصلاة والصوم والحج، والمعاملات مثل الحدود والزواج والطلاق والعتق والبيع، وقد سُمي ذلك «علم الفقه»، وهو علم الفقهاء وأهل الفتيا، والثاني علم الأعمال الباطنة أو أعمال القلوب، وهو التصوُّف أو علم الحقائق الذي سُمي أهله بالصوفية وأرباب الحقائق وأهل الفهم من أهل العلم، كما سُمِّي الآخرون أهل الظاهر وأهل الرسوم."[3]
ولا يعني أن المتصوفة بثورتهم على الفقه والفقهاء أنهم ضد أي محاولة تقعيدية يمكن لها أن تؤطر المجتمع، فهم لا يدعون إلى الفوضى والتسيب واللا معنى، بقدر ما أنهم يبحثون عن معادلة فقهية توازن بين الظاهر والباطن، بين الشكل والمضمون، بين الطقوس والمعنى، فالتصوف ليس "أسلوبًا من الأساليب يحيا الصوفي بمُقتضاه وحسب، بل هو في الوقت نفسه وجهة نظر خاصة تُحدِّد موقف العبد من ربه أولًا، ومن نفسه ثانيًا، ومن العالم وكل ما فيه ومن فيه آخر الأمر. فهو نوع من الفلسفة - إن شئنا أن نَستعمل كلمة الفلسفة بهذا المعنى الواسع - فوق كونه طريقًا خاصًّا في الحياة، بل إنه هو ذلك الأسلوب الخاص في الحياة من أجل أنه وليد تلك الفلسفة. فالصوفية لم يُشاركوا عامة المسلمين في نظرتهم إلى الدنيا، ولم يُشاركوا الفقهاء أو المتكلِّمين في نظرتهم إلى الدين، ولم يُشاركوا الفلاسفة في نظرتهم إلى الله والإنسان والعالم. ولهذا، جاء التصوف الإسلامي ثورةً شاملةً على هؤلاء جميعًا، وكانت هذه الثورة أخص مظهر من مظاهرِه، أو كانت المظهر الذي أعلن فيه الإسلام عن روحانيته الصادقة."[4]
لا شك أن القراءة المتأنية للتاريخ الإسلامي، وسيرورة الأحداث قد خصصت للتصوف جزءا مهمًّا من جوانب الحياة. إنه الجانب المتعلق بالأخلاق وبالتربية وبالتوازن النفس دون أن يشكل ذلك خطرًا على الفقه والفقهاء، وقد ظهرت على مر التاريخ الإسلامي صيغة التصوف السني، وبصيغة أخرة الفقه المتصوف، فإذا كان التصوف في بعض من الثقافات يفترض نوعا من الرهبة بالانعزال عن المجتمع، فالإسلام ينفي ذلك؛ إذ "لم يكن الزهد الرهباني من الفضائل التي دعا إليها الإسلام؛ لأنَّ الإسلام في صميمه دين اجتماعي، والزهد الرهباني منافٍ لروح الحياة الاجتماعية، ولكن الإسلام دعا إلى نوع آخر من الزهد يُمكن وصفه بأنه القصد في اللذات وعدم التهالُك عليها أو الإسراف فيها إلى الحدِّ الذي ينسى الإنسان فيه ربه وآخرته، وهذا واضح كل الوضوح في سيرة النبي عليه السلام وسيرة الصحابة وصدر التابعين. دعا الإسلام إلى الزهد في الدنيا وإلى تحقيرها لا إلى هجرها والفرار منها، ودعا إلى عبادة الله تعالى في حدود رسمها ولم يدعُ إلى الانقطاع إلى هذه العبادة، ودعا إلى الأخذ بنصيب معقول من الحياة، ومن كل ما كان رزقًا حلالًا ولم يدع إلى تحريم كل شيء، ودعا إلى النظر إلى الدنيا بوصفها دار فناء ودار تحول وانتقال وأنها مزرعة الآخرة، وإلى الآخرة بوصفها دار بقاء وخلود ونعيم مقيم أو عذاب أليم".[5]
[1] أبو العلا عفيفي، التصوف: الثورة الروحية في الإسلام، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، ط.1، 2020م، ص.15
[2] نفسه، ص.91
[3] نفسه، ص.99
[4] نفسه، ص.92
[5] نفسه، ص.93