"مؤمنون بلا حدود" حلقة فكرية بارزة في تكوين الفكر العربي
فئة : مقالات
"مؤمنون بلا حدود" حلقة فكرية بارزة في تكوين الفكر العربي
يُمكن القول بثقة إن مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" تمثل تحولًا نوعيًّا في مسار الفكر العربي الإسلامي، لتصبح محطة فكرية غير مسبوقة يصعب إيجاد نظير لها. هذا التفرد لا ينبع من مجرد إنتاج المعرفة، بل من منهجيتها في مأسسة الجدال واحتضانها لثقافة الزخم المعرفي الرقمي، وجمعها للنخبة الفكرية من الكبار في السن والشباب، تحت سقف واحد. لقد نجحت المؤسسة في خلق نموذج عملي يتجاوز المنابر الأيديولوجية، مما جعلها مرجعًا أساسيًّا وفاعلًا محوريًّا في حراك التنوير والنقد. وكل هذا يمكن أن نختصره في ستة أركان.
أولاً: مأسسة الجدال وخلق فضاء للتفكير
ما يميز "مؤمنون بلا حدود" هو إبداعها لنموذج فريد في مأسسة الجدال وخلق فضاء لمختلف إشكاليات المعرفة، متخلية عن وهم تقديم الإجابات النهائية أو التبشير بأيديولوجيا موحدة. لقد نجحت المؤسسة في إحداث تلاقح حيوي وغير مسبوق بين مختلف تيارات الفكر العربي بشتى مشاربها من الحداثيين والمحافظين، والمجددين، والمشتغلين بـالعلوم الإنسانية والفلسفة. هذا التفاعل كسر العزلة المنهجية التي كانت تفصل بين النخب الفكرية، وذلك عبر رعايتها لـثقافة السؤال. المؤسسة تُشجع على طرح الأسئلة الجذرية حول مختلف القضايا التي لم تحظ بدقة البحث والنظر في الفكر العربي، كإشكالية جدل الديني والسياسي، ونقد التراث، وإشكاليات التأويل في العصر الحديث، الدراسات القرآنية... هذا التنوع المنهجي والتقابلي في الرؤى، المُدار بمهنية مؤسساتية عالية، هو ما جعل منها بالفعل محطة فكرية لا تُضاهى.
ثانياً: الأهمية النوعية للمنشورات والمؤلفات
إلى جانب الزخم الرقمي، تبرز "مؤمنون بلا حدود" كقوة فكرية من خلال نوعية مؤلفاتها ومنشوراتها، حيث لا يقتصر دورها على النشر الإلكتروني، بل يمتد ليشمل إصدارات ورقية وعلمية محكمة ترفد المكتبة العربية. تتميز هذه الإصدارات بـجرأة المواضيع وعمق التناول الأكاديمي، مركزة على الدراسات البينية التي تدمج الفلسفة، والسوسيولوجيا، والتاريخ، والنقد الديني، فضلا عن الترجمة إلى اللغة العربية. إن هذه المؤلفات أصبحت تمثل خارطة طريق للمشهد الفكري، وتلعب دوراً أساسيًّا في إعادة التفكير في المسلمات المعرفية والدينية، وتوفر للباحثين مادة علمية متخصصة قل نظيرها في مؤسسات النشر الأخرى، مما يؤكد أن القيمة المضافة تكمن في قدرتها على إنتاج وتعميم فكر نقدي رصين.
ثالثًا: الزخم المعرفي الرقمي وقوة الانتشار
يعزز مكانة المؤسسة كـمحطة غير مسبوقة تفوقها الساحق في مجال الزخم المعرفي الرقمي وقوة الانتشار. فعلى الصعيد التقني، لا يوجد منافس يملك الثقل نفسه في الفضاء الرقمي المتخصص. تتجلى هذه القوة في مركزية المحتوى ونوعيته الأكاديمية؛ إذ لا توجد منصة على الإنترنت تملك هذا الكم الهائل من الدراسات والأبحاث في مختلف مجالات العلوم الإنسانية والفلسفة والفكر الديني مجتمعة تحت سقف واحد بهذه الكثافة والجودة، مما يشكل مكتبة رقمية متكاملة تفوق في محتواها ما تقدمه المؤسسات الجامعية أو الحكومية في العادة. هذه الوفرة المنهجية أدت إلى الهيمنة على محركات البحث، حيث يضع محرك Google المنصة في واجهة النتائج عند البحث عن القضايا النقدية أو التجديدية. هذه الهيمنة الافتراضية تبرهن على القوة المنهجية للمحتوى وفعالية انتشاره، وتحوّل المنصة من مجرد موقع إلى مرجع رقمي أساسي لا يمكن تجاوزه لأي باحث أو طالب يسعى إلى مواكبة آخر ما كُتب عن الفكر العربي المعاصر.
رابعًا: احتضان النخبة الفكرية وتوثيق جهودها
يشكل احتضان النخبة الفكرية وتوثيق جهودها ركيزة أساسية أخرى لتفرد "مؤمنون بلا حدود". الزخم الفكري للمنصة لا يُقاس بالعدد الكمي للمواد المنشورة فحسب، بل بنوعية القامات التي استقطبتها. لقد نجحت المؤسسة في تجميع الأصوات المؤثرة، حيث نشرت مواد علمية لـجل المثقفين الكبار والشباب المبدعين في حقل الفلسفة والعلوم الإنسانية ومجال الفكر بشكل عام، ضامنةً تمثيلاً لمفكرين من مختلف الدول العربية دون حصر في إقليم معين. وبفضل هذا التجميع المنهجي، أضحت المنصة بمثابة ذاكرة حية لتوثيق الحراك الفكري، تسجل التحولات والاجتهادات التي يشهدها الفكر العربي الحديث. مهمتها لم تقتصر على إنتاج الأفكار، بل تعدتها إلى تجميع وتنظيم وتأطير هذا الحراك ليصبح متاحًا للدارسين والمهتمين على نطاق واسع وغير مسبوق، مؤكدة بذلك أنها ظاهرة مؤسساتية متفردة ونقطة محورية في الثقافة العربية المعاصرة.
خامسا: تعزيز المناعة الفكرية ومكافحة التشدد لدى الشباب
تضطلع مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" بدور جوهري ومحوري في الحد من التطرف ونشر ثقافة التعايش والسلام بين الشباب العربي، وتعتمد المؤسسة في تحقيق ذلك على منهجية فريدة ترتكز على بناء "المناعة الفكرية"، محوّلةً الشاب من متلقٍّ سلبي إلى فاعل عقلي ناقد. تكمن قوة المؤسسة في تقوية الملكات النقدية والتحليلية لدى الشباب عبر ترسيخ ثقافة السؤال كركيزة أساسية للوعي. في مواجهة التطرف، يعمل هذا الفكر النقدي كخط دفاع مباشر؛ إذ يساهم في تفكيك الأُسس والقواعد الفكرية التي تغذي ظواهر التعصب، موضحاً أن التشدد ليس مجرد سلوك سطحي، بل هو نظام إدراك مغلق. وفي المقابل، تعمل المؤسسة على تعزيز الرؤية الإنسانية للدين، وهي رؤية منفتحة على العلم والحضارة، تدفع الشباب نحو التعالي على التحيزات العقائدية والطائفية. هذا الانفتاح يرسخ لديهم قيمة الانفتاح على الآخر والاعتراف به كشريك، وهو ما يقوّض بشكل فعال فكرة الإقصاء والتكفير، ويؤسس لثقافة تعايش مبنية على الاحترام والتفكير النقدي المستنير.
سادسا: "قناة اليوتيوب" كسر النخبوية وبناء المناعة الفكرية بالزخم المعرفي
تكتسب قناة يوتيوب الخاصة بمؤسسة "مؤمنون بلا حدود" والمحاضرات المصورة فيها أهمية قصوى في ترشيد الشباب، فهي تعمل بفعالية على تفكيك الجمود الفكري عبر ثلاثة مسارات متكاملة.
1- تنجح المنصة في كسر حاجز النخبوية؛ إذ تستخدم الوسيط المرئي المفضل للجيل الجديد، لتوصيل الأفكار النقدية وفتح الباب أمام الشباب للاستماع مباشرةً لكبار الأكاديميين والمفكرين، مما يضفي مصداقية على الطرح. وهنا يبرز تفردها، حيث لا توجد قناة أخرى تضم هذه الوفرة من آلاف المحاضرات والندوات والحوارات العلمية.
2- تُسهم هذه القناة في توثيق عملية التفكير النقدي عملياً، حيث تعرض حوارات الجدل التي تدور بين التيارات الفكرية المختلفة، فتوفر نموذجًا حيًّا لـثقافة الاختلاف، وتدرب المشاهد على الشك المنهجي، وتقييم الحجج بدلاً من مجرد تلقين النتائج.
3- تعمل القناة كـخط دفاع فعال ضد التشدد في ساحته الرئيسة (الإنترنت)؛ وذلك بتقديم بدائل فكرية ومنهجية رصينة للخطابات المتطرفة التي تعتمد على اليقين المطلق، مما ينجح في تحويل اهتمام الشباب من المحتوى السطحي المغلق إلى محتوى فكري عميق يعزز لديهم الرؤية الإنسانية والمنفتحة للدين.






