وجهة نظر في مفاهيم: المال والسلطة ونزعة التفوق / تقاطعات


فئة :  مقالات

وجهة نظر في مفاهيم: المال والسلطة ونزعة التفوق / تقاطعات

وجهة نظر في مفاهيم: المال والسلطة ونزعة التفوق / تقاطعات

حمزة بوحدايد

توطئة

تتقاطع المفاهيم كما يتقاطع الناس وتتقاطع الرؤى وكذا العلوم، وهي الوجهة التي نقدمها حول ثلاثة مفاهيم مع تقاطعات، تُحرك الحرب والصراع[1]، لتستمر مع الإنسان؛ أولها: الرغبة في ربح المال، المفهوم الثاني: حب السلطة والمنصب، والمفهوم الثالث: منزع التفوق على الغير والسعي نحو الكمال.

إن الحرب/العنف؛ تلخصها ولادة علاقة الدين بالسلطة، أو ما يؤدي معناه اقتتال الأخوين هابيل وقابيل[2]. سنبدأ بالمال كعامل أولي، تطفو فوقه الرغبة في السلطة، ثم النزوع نحو التفوق. المال: يقول ميكافيلي (1469-1527): "الرغبة في تملك الأشياء أمر طبيعي وعادي جدا[3]" سنبدأ بغاية كل الناس، المال، أو الاقتصاد ـــ كلا الدالين متداخلين ــــ، كارل ماركس (1818-1883): ــــ الاقتصاد ولأن الفرد يسعى لفردانيته وأناه، فإن المال يصبح غاية جوهرية لكل مخلوق، مما يخلق الصراعات والحروب، ولأن الفرد يتأطر داخل جماعة ويوجد بمجتمع يستحيل أن يفارقه كما يطرح ذلك إميل دور كايم[4]، فإن مبدأ الانقسامية[5] (اميل) الذي يقول أنا وأخي ضد جاري...[6] يصبح واقعيا أكبر في هذا المستوى وفي ترتيب أنساق الصراع؛ فالبشر يعجزون عن الاتفاق ما لم يتم ذلك على حساب شخص ثالث[7]، وأفضل ما توصلوا إليه في مجال اللاعنف هو الإجماع ناقص. واحد حول الضحية البديلة حسب جيرار.[8]

السلطة: لا تنشأ السلطوية، من المجاعة أو تباين الحاجيات، فلا يعقل أن يطلب جائع سلطة، ما دام أنه في حاجة إلى الخبز، إلا أن الحاجة إلى الخبز قد تحوله إن فهم عقله إلى ثائر، كما يقول كارل ماركس: "الفقر لا يصنع ثورة، وإنما وعي الفقر هو الذي يصنع الثورة..." وهو ما ينطبق على قوله في كتابه: "نقد الاقتصاد السياسي": "إن الوجود الاجتماعي يحدد الوعي الاجتماعي"[9] وعلى انتفاء الحاجة يبنى العمران وعليه يهدم، إذا ما قلنا بقول ابن خلدون: "الحضارة غاية العمران ونهاية لعمره، ومؤذنة لفساده"[10] في تعارض كامل مع رؤية سيغموند فرويد بكون الكبت من ينتج الحضارة.

وفي الأمثلة الشعبية حجج، كما يتداول في التراث الأمازيغي المثل القائل: "اخمي ثتياون ثعديست تيرار تزليفت"[11]؛ أي ما معناه أنه لما يشبع البطن يلعب الرأس، وهو ما يحيل إلى حيثيات التسلط بحكم الشبع على الجائع وتملك مصيره وتكريس لنمط من الحكم السلطوي والقائم على التوارث عملا بقاعدة الانقسامية السالفة الذكر، وهو ما يشير إليه عبد الله حمودي بقوله: "إن إدراك النظام عند الطبقات المحرومة وعند النخب يلتقي بما يسمى بالعوامل الموضوعية التي ترتبط بالتطور اللامتكافئ. فالمركز الموزع الذي منح نعمه لنخب ما بعد الاستعمار هو المركز الموزع الوحيد بالنسبة إلى ما يسمى الجماهير[12]، فإذا كانت النتائج: ثورات اليوم، فبالأمس، بتعبير ابن خلدون: كانت شوكة البدو التي تعيد الدورة الحضارية.

منزع التفوق: ألم تكن الخصامات والحروب والاقتتال والمناظرات تجسيدا لما اعتبرته النتشوية (نيتشه) بأحقية الأقوى وشرعيته؟ نورد كلاما لنيتشه من كتابه، هكذا تكلم زرادشت وبقوله: "الحياة التي يجب على الإنسان المتفوق أن يتمتع بها إنما هي حياة إله أبقراطي"[13] أو المفهوم المنزوع من نظرية داروين (1809-1882) حول أصل الأنواع، بالانتخاب الطبيعي، وقانون الغاب؛ الذي يسوس فيه الأقوى، فالأقوى يلتهم الأقوى[14]، وعن نيتشه قال سيغموند (1856-1936) فرويد، في كتابه حياتي والتحليل النفسي: "... أما نيتشه، ذلك الفيلسوف الذي طالما تتفق تخميناته وأحداسه اتفاقا عجيبا مع كشوف التحليل النفسي الشاقة..."[15] وسأطرح سؤالا: أيحق اعتبار التحليل الفرويدي للحياة النفسية تجسيدا للفهم الدرويني لحيوانية الإنسان والفهم الماركسي لمادية الإنسان[16] وتخمينات نتيشه على حد تعبيره؟ ثم ما مدى تقاطع كل هذا مع شخصية وفكر أدولف هتلر (1889-1945)؟ القائل: "الطبيعة تشهد هذا الاقتتال بأعصاب هادئة وترتاح إليه، لأن الكفاح من أجل الخبز اليومي يفضي بالنتيجة إلى هزيمة كل كائن ضعيف أو غير جدير بالبقاء".[17]

قام أدولف هتلر المستشار الألماني ما بين 1933-1945، بمحاولة إبادة يهود ألمانيا، فلما[18]؟ هل لزعمهم التفوق على أجناس العالم؟ وتعارض منزعهم مع منزع القوة عند أدولف بقوله إنه الشعب الآري؟

يذكر الحاخام كوهين في كتابه المعنون: التلمود، ص.104: "يمكن تقسيم العالم إلى قسمين، إسرائيل من جهة، والأمم الأخرى من جهة أخرى، فإسرائيل هي الشعب المختار: وهذه عقيدة أساسية".[19]

فيما يقول أدولف هتلر في كتابه كفاحي: "لقد كان الآري ولا يزال المشعل الإلهي الذي يضيء السبل أمام البشر".[20]

وهو ما حاول تحقيقه وعضد في تحقيق مبتغاه، شوكة عصبيته[21] موظفا الانقسامية ذاتها وعملا بالعبارة التي تقول: "إن كل من يتسبب في أن يقوي غيره يهلك نفسه".[22]

وعلى سبيل الختم، فإن ما من حدود بين مفاهيم: المال والسلطة ومنزع التفوق، تتقاطع المفاهيم الثلاثة وتتداخل؛ فالمال سلطة والسلطة تفوق، والتفوق امتلاك للسلطة والمال، وعلى أساس تملك المال أو السلطة أو النزوع للتفوق تتأسس الحروب والنزاعات والعنف.

[1] يتصور الانقساميون أن حياة المجتمعات الانقسامية خالية من الصراع والتراتبية. ينظر: يونس الغاب، النظرية الانقسامية: الأصول والمفاهيم، مؤسسة مؤمنون بلاحدود، 2017، ص.17، وهو عكس ما يبنون عليه نظريتهم التي تقوم على مبدأين هما: الانصهار والانشطار، اللذان يقومان أساسا على مبدأ الصراع، ونحن سنحذو حذو نظرية انقسامية تذكي الصراع والعنف في المجتمعات الانقسامية.

[2] عبد الله حمودي، الشيخ والمريد: النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة، ترجمة: عبد المجيد جحفة، دار التوبقال للنشر، ط: 4، 2010، الدار البيضاء، ص.340

[3] مكيافيللي، الامير، ، ترجمة: اكرام مؤمن، مكتبة ابن سينا للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة، ص.30

[4] إميل دوركايهم، في تقسيم العمل الاجتماعي، ترجمة: حافظ الجمالي، مجموعة الروائع الإنسانية/ الانيسكو السلسلة العربية، الطبعة الثانية، 1986، ص.49

[5] استخدم مصطلح انقسامي segmentary في الأنثروبولوجيا، ليدل على نظام القبيلة التي تحدد الانحدار القرابي على أساس تتبع علاقاتهم بأسلافهم الأعلى البعيدين(انظر: يونس الغاب، مرجع سابق، ص.11.) وبه نؤسس للسؤال التالي: هل يمكن أن نقول إن الانقسامية كنظرية أنثروبولوجية تنفد إلى مفاهيم المجتمع الحديث والمتقدم اليوم؟ في تقسيم المال والسلطة في المجتمعات العربية؟ أليست الانقسامية من يؤسس للعنف في هذه المجتمعات؟ كيف تنفد الانقسامية للمؤسسات الحديثة؟

[6] أعضاء كل قسمة في استعداد للتصارع مع قسمة أخرى من الفرع نفسه، كما أنهم في استعداد للتوحد من أجل محاربة عدو آخر (يونس الغاب، مرجع سابق، ص.12)

[7] الأمر الذي يشرحه مثلا اللجوء إلى التحكيم. ينظر: يونس الغاب مرجع سابق، ص.17.. سواء مؤسساتي أو ديني

[8] فريد الزاهي، العنف والمقدس، ص.282                    

[9] كارل ماركس، نقد الاقتصاد السياسي، ترجمة: راشد البراوي، دار النهضة العربية، ط.1، 1969، ص.3

[10] ابن خلدون، المقدمة، الدار التونسية، تونس، 1984، ج 1، ص.448

[11] مثل يقال في الثقافة الشعبية الأمازيغية.

[12] عبد الله حمودي، مرجع سابق، ص.36

[13] فريدريش نيتشه، هكذا تكلم زرادشت، ترجمة: علي مصباح منشورات الجمل، ط.1، 2007، كولونيا/بغداد، ص.607)

[14] الشيخ كامل محمد محمد عويضة، فريديرك نيتشه، نبي فلسفة القوة، دار الكتب العلمية، بيروت ص.99

[15] سيغموند فرويد، حياتي والتحليل النفسي، ترجمة: مصطفى زيور وعبد المنعم المليحي، دار المعارف، ص.89

[16] ما تعلق بتوظيف فرويد للجنس والغريزة في فهم السلوك البشري.

[17] أدولف هتلر، كفاحي، ترجمة: لويس الحاج، بيسان، ط.1، 1963، ص.161

[18] جارودي في كتابه الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، يقلل من هذه الإبادة

[19] روجيه جارودي، الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، ترجمة: محمد هشام، دار الشروق، ط1، 1998، ص.54

[20] أدولف هتلر، مرجع سابق، 163

[21] تكونت حكومة فيمار من أغلبية يهودية، وهي الحكومة التي أسقطها النازيون، وعلى فكرة كانت بعض أفراد الحكومة قريبيين من العالم الفيزيائي ألبرت إينشاتين. الذي سيساهم بشكل أو بآخر في اذكار منزع التفوق عبر تسهيل إحداث تفاعل نووي، رغم أن هوكينغ يحثنا على عدم إلقاء اللوم على ألبرت أينشاتين، انظر: ستيفن هوكينغ، الكون في قشرة جوز، ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي، سلسلة عالم المعرفة، العدد: 291، 2003، الكويت، ص.36

[22] مكيافيللي، مرجع سابق، ص.31