الإخوان المسلمون يشاركون في الحياة السياسية بأفكار مناقضة


فئة :  مقالات

الإخوان المسلمون يشاركون في الحياة السياسية بأفكار مناقضة

يعمل الإخوان المسلمون في الأردن بموجب ترخيص قانوني من الحكومة منذ عام 1946 باعتبارهم هيئة إسلامية تدعو إلى الإسلام، وتسعى إلى التأثير في الحياة العامة والأفراد والمجتمعات وفق الأهداف التي يدعون إليها، وفي عام 1956 دخلت الجماعة للمرة الأولى غمار المشاركة السياسية، وكانت ممثلة بأربعة نواب من أربعين نائبًا، ثم تراجع تمثيلها في البرلمان إلى نائب أو نائبين، واقتصرت مشاركتها السياسية على العمل النيابي، وكانت في مواقفها السياسية مؤيدة للنظام السياسي بمواجهة التيارات القومية واليسارية، ثم توسعت مشاركتها النيابية عام 1989، وصارت تيارًا سياسيًا خارج الحكومة.

ولكن الجماعة، رغم مشاركتها السياسية والعامة ودخولها إلى النقابات المهنية والاتحادات الطلابية والبلدية، اجتاحتها منذ أواخر الستينيات موجة فكرية انفصالية عن الدولة والمجتمع تنظر إلى الدولة والمجتمع، باعتبارهما غير إسلاميين أو "جاهليين".

ولم تقدم الجماعة في الأردن إنتاجًا فكريًا كافيًا أو ثريًا تقدم به نفسها وأفكارها ومواقفها، ولكن الكتب القليلة التي صدرت لبعض قادتها وسلوكها السياسي والفكري العام، يعبر عن حالة انفصال عن الدولة والمجتمع، والنظر إليها على أنها "جاهلية" وغير إسلامية، ولا يتردد الإخوان المسلمون في القول إن الدولة الإسلامية غائبة اليوم، ولا يرون لها وجودًا قائمًا في أي بلد أو مجتمع عربي أو إسلامي، وبرغم عدم وضوح المفاهيم والأحكام والتوصيفات الممكن مناقشتها لدى الإخوان المسلمين، فإنها تمثل موقفًا متماسكًا وحاسمًا في رفض الحالة الاجتماعية والسياسية القائمة في الدول والمجتمعات. وعلى هذا الأساس، فإن المشاركة السياسية والمشاركةالعامة لا تبدوان أكثر من وسيلة أو حيلة أو تقية، لا تعبران أبدًا عن قبول بالمشاركة العامة والديموقراطية أو حتى التسامح مع الآخر الذي هو كل من ليس من الإخوان المسلمين.

ويمكن الاستشهاد في هذا السياق بكتاب "مفاهيم إسلامية" من تأليف محمد أبو فارس، وهو أحد قادة الجماعة منذ عام 1978، عمل في التدريس الجامعي، كما انتخب عضوًا في مجلس النواب بين عامي 1989 – 1993، وعامي 2003 – 2007.يرى أبو فارس أن الأوضاع القائمة في الدول والمجتمعات العربية والإسلامية، أو التي تعد نفسها إسلامية، إنما هي جاهلية؛ والجاهلية هي كما يعرفها معتمدًا على سيد قطب ومحمد قطب دون أن ينسب ذلك إليهما، تعني: " كل وضع نفسي يرفض الاهتداء بهدي الإسلام ويرفض التحاكم إلى شرع الله، وكل وضع تنظيمي يرفض حاكمية الله للبشر ويدعي الحاكمية للبشر من دون الله، فيرفض الحكم بما أنزل الله، وكل وضع يتمثل في الانحراف عن منهج الله، وكل سلوك يتناقض مع حكم من أحكام الشريعة الإسلامية"(ص 14)

وفي تفسيره لمقولة أن الجاهلية تكون في التصور وتكون في الحكم، وتكون في السلوك والقيم يرى أنها تشمل من يرفض الحكم بما أنزل الله، فيضع دستورًا أو قانونًا يتعارض مع شرع الله، ومن يطبق دستورًا وضعيًا لا يقر لله بالحاكمية، ويطبق قانونًا يصطدم مع شريعة الإسلام، سواءٌأكان الذي يطبق قاضيًا أو غير قاضٍ...الخ.(ص 15)

ويؤكد على أن الذي لا يرضى بالحكم القرآني ولا يطمئن إلى عدالة الرب في حكمه جاهلي، تصل جاهليته إلى الكفر الذي يخرج من الملة خروجًا كليًا ويخلد صاحبه في نار جهنم (ص 15)، ويسمي هذا النوع من الجاهلية؛ أي فرض الحكم بما أنزل الله أو التحاكم إلى غير ما أنزل الله بجاهلية الكفر، وتسمى جاهلية الحكم(17)، وهناك "المجتمع الجاهلي" الذي يطبق أحكامًا غير أحكام الإسلام، ولا تكون الحاكمية فيه لله، وليس بالضرورة أن يكون أفراده كافرين.(20)

ويمتد الحكم بـ"الجاهلية" إلى المجتمعات، فيقول: "إن هذه المجتمعة تقوم على أنظمة واضحة الهوية إن هذه الأنظمة الحاكمة لهذه المجتمعات أنظمة جاهلية من حيث الحكم وآصرة التجمع التي تنادي بها والسلوك الذي تشيعه وتطمئن إليه"(24). ويرد أبو فارس على أصحاب النفوس المغرضة الذين ينسبون إلى حسن البنا وحسن الهضيبي، أنهما يعتبران الحكومات والأنظمة القائمة إسلامية، ويصف ذلك بأنه دعوى ضالة مضلة، ثم يتساءل مستنكرًا: هل يمكن اعتبار الحكومات في بلاد العرب والمسلمين كتونس والجزائر ومصر وأرض الشام والعراق حكومات إسلامية؟(24 -31)

تبدو مفاهيم من قبيل "العزلة الشعورية والتميز واستعلاء الإيمان" غريبة على غير الإخوان أو من لم يعرف البيئة التي يتشكل فيها الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية، وهي منظومة من السلوك والأفكار والمشاعر القائمة على كره المعصية وعدم مشاركة مرتكبيها ومعايشتهم... والاستعلاء على قيم الجاهلية، وتنشئ بطبيعة الحال أحكامًا عملية وأساليب حياة وعلاقات ومتوالية معقدة بامتدادها وأفكارها، وبرغم أنها منظومة مؤسسة لـ "غيتو" وانفصال وشعور بالاستعلاء على الواقع "الامتلاء بالحقيقة الواقعة أننا نعيش في وسط جاهلية، وأننا أهدى طريقًا من هذه الجاهلية"(42) فإنها تبنى على نصوص لا تبدو متفقة مع هذه النتيجة؛ فالآية التي يبني عليها أبو فارس أحكامه هي قوله تعالى: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا" (النساء 140) وقوله تعالى: " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين" (الأنعام 68)

ويبني على الآيتين أحكامًا بالعزلة في حالة ضعف الجماعة المسلمة، وعدم التمكين لها في الأرض، والثانية في حالة التمكين للمؤمنين ووجود قوة لهم. (37) وتفسر الآية قصة أوردها من غير مصدر، وهي أن عمر بن عبد العزيز أمر بجلد جماعة شربوا الخمر، وآخر كان يجلس معهم دون أن يشرب رغم أن الآية تتحدث عن الإيمان والكفر. ويبنى على الآية "55" في سورة الأنعام: " وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين"، إنها دعوة للمسلم "المتميز" بألا يخضع لضغوط الجاهلية ويتأثر بها، ويستشهد بقول سيد قطب في كتابه معالم في الطريق: لا بد من التخلص من ضغط المجتمع الجاهلي والتصورات الجاهلية والتقاليد الجاهلية والقيادة الجاهلية في خاصة نفوسنا... ليست مهمتنا أن نصطلح مع واقع هذا المجتمع الجاهلي، ولا أن ندين بالولاء له، فهو غير قابل لأن نصطلح معه".(48)

ويعتقد أبو فارس أن الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع "إن المقرر في هذا الدين أن الإسلام وحده هو المصدر الوحيد للتشريع والتصور والقيم والأخلاق"(75)، ويؤكد على أن "الأمة ليست صاحبة السيادة بمعنى السلطة العليا في سن القوانين، لأن الشريعة الإسلامية لم تعط حق التحليل والتحريم للأمة بمجموعها أو لفئة منها، بل جعلت حق التشريع والتحليل والتحريم هو حق لله تبارك وتعالى، لا ينازعه أحد حاكمًا كان أو محكومًا"(77) ويستند في ذلك إلى قوله تعالى: "إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه" (يوسف 40)؛ فـ "المقرر في الشريعة الإسلامية أن الحاكمية لله، فهو وحده يملك سلطة التحليل والتحريم" (85). ويستشهد بمقولة سيد في تفسيره للآية "إن الحكم إلا لله" أن الحكم مقصور على الله بحكم ألوهيته، إذن الحاكمية من خصائص الألوهية، من ادعى الحق فيها فقد نازع الله أولى خصائص ألوهيته، سواء ادعى هذا الحق فرد أو طبقة أو حزب أو هيئة أو أمة، أو الناس جميعًا في صورة منظمة عالمية، ومن نازع الله سبحانه أولى خصائص ألوهيته وادعاها كفر بالله كفرًا بواحًا، يصبح به كفره من المعلوم من الدين بالضرورة حتى يحكم بهذا النص وحده"(85).

ويقول أبو فارس: إن هذا المعنى تأكد في نصوص الكتاب والسنة أن الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع، وأن التشريع الإسلامي يتصف بالشمول والكمال، وأنه صالح لكل زمان ومكان لأنه صادر عن الرب"(87)لقوله تعالى: "ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء" (النحل 89)، ويستشهد هنا بمقولة سيد قطب: "إن الله لم يترك شيئًا غامضًا، ولم يجعل العباد محتاجين إلى مصدر آخر يحكمون فيما يعرض لهم من مشكلات الحياة في كتابه " في ظلال القرآن"، وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً، لقد نزل هذا الكتاب ليحكم بالعدل بين الناس فيما اختلفوا فيه، ولتتمثل فيه حاكمية الله وألوهيته، ثم لقد نزل هذا الكتاب مفصلاً محتويًا على المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحياة مجملة، كما أنه تضمن أحكامًا تفصيلية في المسائل التي يريد الله تثبيها في المجتمع الإنساني مهما اختلفت مستوياتها الاقتصادية والعملية والواقعية، وبهذا وذاك كان في هذا الكتاب غناء عن تحكيم غير الله في شأن من شؤون الحياة، هذا ما يقرره الله سبحانه في كتابه".(88)

ويحذر أبو فارس من مقولة، إن الإسلام هو المصدر الرئيس للتشريع؛ فهي "مقولة خاطئة وخطيرة وتستوجب غضب الله وسخطه، إذ إن هذه المقولة تعني عند مروجيها أن هناك مصادر أخرى للتشريع تشارك الإسلام، وأن هذه المصادر متممة للإسلام والتشريع الإسلامي... وهذا يعني أن الإسلام ليس قادرًا على حل المشكلات المستجدة ويعتريه النقص... إن هذا يعني بكل وضوح طعنًا في دين الله واتهامًا للوحي بالقصور والنقص ولعلم الله بعدم الإحاطة ولقدرة الله بالعجز، وهذا جريمة نكراء في هذا الدين يخرج المعتقد بها من الدين الإسلامي...".(91)

ويرد على هؤلاء بالقول: "إن الذي ينسجم مع هذه الحقائق الإيمانية والثوابت الشرعية أن الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع؛ فلا نلجأ إلى غيره في التشريع لحياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والجنائية والأحوال الشخصية والحقوق المدنية والعلاقات الدولية والحقوق الدستورية انسجامًا مع الآيات القرآنية ..."(92)، ويعتبرها من يدعو إلى تنظيم العمل الإسلامي وفق القوانين الناقذة في البلاد نغمة نشازًا وصوتًا شاذًا ومقولة غريبة، وذلك لأن الحزب الإسلامي أو الحركة الإسلامية أو الجماعة الإسلامية أو غيرها من التنظيمات الإسلامية تكون الدعوة إلى الإسلام في غياب الدولة الإسلامية في مقدمة مهماتها، والعمل لدين الله وإقامة الشريعة الإسلامية في واقع الحياة لا يحتاج إلى إذن من أية جهة كانت سواء أكانت سلطة تنفيذية أم قضائية، ويتساءل مستنكرًا: هل اعتناق هذا الدين ونشره يحتاج إلى إذن؟ ويستشهد هنا بقصة موسى وهارون مع فرعون، ليؤكد مرة أخرى أن شرعية العمل لدين الله والتمكين لشريعة الإسلام، لتحكم الناس مستمدة من كتاب الله وليست من إرادة حاكم ولا نظام، ويرى أن الآية القرآنية التالية: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين" (يوسف 108) تنص صراحة على أن العمل الإسلامي والدعوة الى الإسلام واجب شرعي أذن أصحاب الجاه والسلطان أم لم يأذنوا، ثم يتساءل قائلاً: إن الإسلام جاء ليغير الأنظمة الجاهلية، فكيف يربط الدعاة عملهم لدين الله بإذن من هذه الأنظمة؟ ثم يخلص إلى أنكل جماعة إسلامية أو تنظيم إسلامي أو حزب إسلامي أو حركة إسلامية أو غير ذلك من المسميات للعمل الإسلامي تعمل لدين الله واستئناف الحياة الإسلامية، فهي مشروعة، وتستمد شرعيتها من كتاب الله وسنة رسوله، وربما لا تكون قانونية، لأن القانون الوضعي لم يأذن لها، فعليها ألا ترضخ له، وقد يكون العمل شرعيًا وقانونيًا، إذا جاء القانون ملبيًا لإرادة الشارع الحكيم سبحانه غير مقيد بقيود غير شرعية إرادة الدعاة وأهدافهم ووسائلهم في العمل لإقامة الدولة الإسلامية، والأصل أن يحرص الدعاة على الشرعية الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة، فإن وافق القانون هذه الشرعية الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة فمقبول، وإن خالفها فمرفوض ولا يجوز الالتزام به شرعًا، والرخصة الحقيقية ليست من القوانين الوضعية، وإنما هي من الشريعة الربانية، نعم إن العمل لدين الله مقرر شرعًا لا يحتاج إلى رخصة من أحد ولا إذن من أحد.(95 – 107)، فإلى أي حد تصلح هذه المقولات والأفكار لتأسيس عمل سياسي قائم على المشاركة والتعددية وسلطة الأمة؟