الإسلام بين الرّؤية الوثــنيّة واليقين (2): نسبـيّة الوحي / صلصلة الجرس


فئة :  مقالات

الإسلام بين الرّؤية الوثــنيّة واليقين (2):  نسبـيّة الوحي / صلصلة الجرس

عندما نتناول مفهوم المُطَلق تبعا للمرجعية الفلسفية، أو مفهوم الله تبعا للموروث الديني في مراحله الناضجة، فنحن نتحدث هنا عن الكمال المطلق، الذي لا يساوره أية نسبية أو خطأ أو تغيير. وهذا ما يتفق حوله أهل الفلسفة وأهل الدين، ضمن أطر صارمة لا تقبل الجدل وليس فيها أي هامش للسّفسطة؛ وذلك بأن الله هو الحقيقة النهائية المطلقة، وهو الكامل الذي لا ينازعه في صفة الكمال أحد من الكائنات أو الموجودات. وبذلك، يُوصَد باب التأويل والاجتهاد، حول مفاهيم غير قابلة أصلا للجدل، بعدما تمرّست العقول والضمائر والسّرائر في سعيها نحو الحقيقة، فتشذبت من أشواك زرعها الأول، عندما كان الإنسان قد بدأ يتلمس الطريق إلى الله عبر الخرافات والأساطير وتعدد الآلهة. وبذلك كان هناك مُرتكَز مشترك، لكي تنبثق المفاهيم وترسخ العقائد، حتى ولو نشأت الفروع وتشعبت، ما بين الفلسفة واللاهوت فيما بعد، ولكن بقي الكمال والإطلاق للمُطلَق، أو لله وحده. وكل من أنكر أو تشكك في تلك القاعدة، كان تبعا للفلسفة مُتعدٍّ على المنطق. وكان تبعا للدّين مُشرِك، أو كافر، بما في ذلك كل من يدَّعي أو يظن أن فهمه لماهية وفحوى الدين، هو فهم كامل وغير خاضع للنسبية أو التغيير. وبما أن صفة الكمال المطلق هي حصرية لله، حيث لا يشاركه فيها أي من الكائنات أو الموجودات أو أي مما هو مُتعيّن أو مُدرَك أو محسوس، يمكننا هنا وبضمير نقي، تأويل ذلك على أن الكمال بمعناه المُطلق، لا يمكن أن ينطوي على الأنبياء والرسل، ولا حتى على الكتب المُقدسة.

التأمل بمعنى ممارسة تقنيات الصمت هو نوع من الصلاة، لا بل ركن أساسي من العبادة في الكثير من الديانات الروحية الشرقية القديمة

ولكن في أي مأزق نحن، وإلى أي منحى ننحو؟ ما دمنا قد أقررنا سلفا، بأن الله هو الكامل المُطلق، فكيف يمكن للكتب السماوية - وهي كلام الله - أن تكون خاضعة للنسبية ومفتقدة للكمال؟

لمعالجة تلك المعضلة، لا بد لنا من طلب العون ممن استند على مفاهيمهم بحثُنا، أعني أهل الفلسفة وأهل الدين. أوبمعنى آخر؛ لا بد من البحث عن هوامش مبدئية، يلتقي فيه المنطق مع نصوص الدين من دون أن نتجاهل المنقول والإرث التاريخي الإنساني. وبنفس الوقت، من دون المساس بالمقدس أو خدشه. وفي تلك الهوامش الخصبة يمكننا أن نرمي بذرنا، أملا في أن نجني ما فيه إرضاء لذائقة الآكلين. وبما أن بحثنا هذا يقتصر على الإسلام، فلا بد لنا من محاولة الغوص أولا في خفايا التجربة المركزية التي انبثق منها مفهوم القداسة في الإسلام. وبلا أدنى شك، فنحن نتحدث هنا عن ظاهرة الوحي.

وثمة أسئلة مفتاحية حول ماهية تلك الظاهرة، تتلخص بالآتي: كيف كان النبي يتلقى الوحي الإلهي؟ بمعنى هل كان النبي طرفا مُنفعِلا بالمطلق أثناء تلقي الوحي؟ ومن ثم، هل كان الوحي دائما مجرد تلقين كلامي بالمعنى الحرفي اليسير؟ وهل كان النبي قادرا فعلا على أن يعي كل ما ورده من الله بسهولة ويسر، وبطريقة لا تقبل التأويل أو الاجتهاد من النبي نفسه؟

لا شك بأن الجواب غالبا هو النفي القاطع؛ ذلك أنه ثمة أحاديث نبوية هي من الأحاديث الجوهرية في الإسلام، والتي تخبرنا، بأن الوحي كان يرد على النبي "أحيانا" على شكل رسائل كونية أو أصوات مُبهمة، كحديث عائشة زوجة الرسول، والتي تنقل لنا على لسان الرسول، بأن الوحي كان يأتيه أحيانا مثل صلصلة الجرس، وفي أحيان أخرى، على هيئة رجل يكلمه.[1] وفي حديث آخر، كان الوحي يأتيه مثل صوت الصلاصل، وذلك عندما سُئل النبي إن كان يُحِسّ بالوحي، فأجاب: نعم، أسمع صلاصل.[2] ونفهم من هذا الحديث النبوي الأخير، بأن النبي لم يكن يسمع كلاما مقترنا بصلاصل، وإنما صلاصل فحسب. وكذلك في الحديث الأول المنسوب إلى عائشة، فإن الوحي كان يأتيه أحيانا في مثل صلصلة الجرس، دون الإشارة إلى أي خطاب أو كلام مترافق مع تلك الصلصلة، وأحيانا أخرى كان يتمثل له الملك رجلا، فيكلمه، ولكن دون الإشارة إلى سماع صلاصل أثناء ذلك.

إذن نحن هنا أمام آليتين مختلفتين من تلقي الوحي؛ إحداهما تتمثل بصوت مبهم غامض كصلصة الجرس أو كالصلاصل الصرفة، لا يتخللها أي خطاب أو كلام أو لغة مما يتداوله أو يفهمه عامة البشر، حيث يقع عبء فهم ماهية تلك الأصوات المبهمة على النبي. والآلية الأخرى، تتمثل في صوت رجل يكلم النبي بلغة، نفترض أنها لغة بشرية واضحة. وهذا ما يدفعنا إلى الاجتهاد في التفسير، لافتراض أن سبب وجود آيات مُحكمات وآيات متشابهات في القرآن، يعود إلى وجود طريقتين على الأقل لتلقي الوحي، وهما مختلفتان في آليتهما ووضوحهما: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} (آل عمران7) وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هناك افتراضات عديدة لطرائق هبوط الوحي، وصلت في بعض المصادر إلى سبع[3] بما في ذلك الإلهام والرؤيا الصادقة. وفي مصادر أخرى، بلغ عددها ما يفوق ذلك بكثير. وعلى أية حال، فإن ما سيتمحور حوله اهتمامنا في هذا البحث، هو الوحي عبر سماع صلصلة الجرس، لكونه مُسنَدا بالأحاديث الواضحة التي يمكن اعتبارها سندا قويا للبناء عليه، من دون محاولة تحميلها ما لا تحتمل. وكذلك لأنّ هذا الضرْب من الوحي يستحق الكثير من التمحيص والاهتمام، بسبب انبثاقه من جذر واحد، يجمعه مع الثقافة الروحية الكونية في العالم أجمع.

وفي الحقيقة، إنّ ظاهرة سماع الأصوات المُبهمة، وكتأكيد على قداسة هذه التجربة الروحية الفريدة وسموها. هي ظاهرة كان قد عايشها أيضا، العديد من المستنيرين في ثقافات روحية غير سماوية، ممن يمكن تسميتهم بنخبة البشر، والذين بلغوا مراتب عليا على عتبات الروح، ولكن من دون أن يتلقوا بالضرورة وحيا يمكن تبليغه للناس. إذ كانوا يقومون في خلواتهم بتدريبات روحية دقيقة ومُمنهجة، عبر تفعيل أعلى طاقة كونية كامنة في داخلهم. وعند بلوغهم مرحلة الكمال الروحي، يبدؤون بمعايشة ألوان وأشكال وأصوات أو نغمات معيّنة[4] مثل أنين الناي أو طرق الطبل أو صوت الجرس[5] وذلك أثناء ممارستهم للتأمل الروحي. وهذا ما كان يقوم به الرسول، حسب فهمنا، حيث كان يتحنث في غار حراء قبل أن يأتيه الوحي، لليالٍ ذوات العدد.[6] إلى أن انصهرت روحه النقية المتأمِّلة في روح الكون وجوهره.

وهنا لا بد من الإشارة، إلى أن التأمل بمعنى (ممارسة تقنيات الصمت)[7] هو نوع من الصلاة، لا بل ركن أساسي من العبادة في الكثير من الديانات الروحية الشرقية القديمة. أما إذا عُدنا إلى أصل كلمة تحنث في اللغة العربية، لوجدنا أنها تعني التعبد، أو نجتهد فنقول: هي طقس منه، أو هي "تدريبات روحية كان يسميها العرب تحنثا" حسب تعبير بعض المستشرقين. وعلى أي حال، لا بد لنا من التساؤل هنا؛ بأية طريقة كان يتعبد النبي، وهو لم يكن يتبع أية ملة أو ديانة، قبل أن يأتيه الوحي؟ بمعنى أنه من غير الممكن، أن يكون النبي كان يتعبد في غار حراء على الطريقة اليهودية أو المسيحية أو الوثنية، أو على أية طريقة تقليدية للعبادة؛ ذلك أنه من المستبعد أيضا لأية طريقة تقليدية للعبادة / الصلاة، أن تصل بصاحبها إلى مرتبة الاتصال بالله، بما في ذلك طقوس الصلاة التقليدية التي بدأ يمارسها المسلمون أنفسهم بعد هبوط الوحي. لذلك، وبدون شكّ، كان النبي يتبع طريقة روحية أصيلة في التعبد، هي لدرجة من الرفعة والسمو، حيث أخذته من أناه وشخصه وفرديته إلى الفناء في الله، حتى إنه "كان محمد لا يعرف محمد هنا، ولا يرى نفسه، بل كان يرى نفس النفوس، وجه الذي صنع الكون" كما يصفه لنا الشاعر المتصوف فريد الدين العطار. وذلك عبر كَشف ذوقي، أو حالة إلهية مُباركة هي مافوق الوعي، وما وراء الوقت والمكان والرابط السببي، وصولا إلى مرتبة الوعي الكوني والاتصال بذات الله وتلقى الوحي الرباني. {إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} (الصافات 60-61) وفي الحقيقة إنّ تلك الطقوس والممارسات الروحية، تشترك فيها الكثير من الديانات قبل الإسلام، والتي كانت شائعة تحديدا في ديانات الشرق القديمة في الهند وجيرانها، كوسيلة للاتحاد أو الانصهار والتماهي بذات الكون، من دون أن يتوجب على ممارسها أن يؤمن أو ينتمي بالضرورة لأي من تلك الديانات، لأنّ تلك الطقوس أصلا هي تراث روحي إنساني عابر للثقافات والديانات، بما في ذلك الإسلام، ومُمتد منذ ألاف السنين وحتى عصرنا هذا، مرورا بالفلسفة اليونانية، وبصميم التصوف اليهودي والمسيحي والإسلامي، إلى الرياضات الروحية المنتشرة حاليا وبكثرة في الغرب وفي العالم أجمع.

ومن المثير للاهتمام حقا، أن الجلسة التي يجلسها المسلمون عادة أثناء الصلاة، أعني الجلوس فوق عقبي القدمين، هي من الوضعيات الأساسية لممارسة التأمل لدى معظم الثقافات الروحية قبل الإسلام، حيث تم تسميتها بالـسنسيكريتة مثلا بـالـ (فاجراسانا) أو وضعية الصاعقة، مع فارق بسيط، هو أن المسلمين يباعدون بين عقبي القدمين أثناء الجلوس فوقهما، مما يمنح أريحية أكثر أثناء الجلوس الطويل. مع التأكيد أن للجلوس فوق عقبي القدمين مباشرة مع انتصاب الظهر والحفاظ على هدوء الذهن، فوائد مذهلة، لا على الصعيد الوجداني فقط، بل وعلى صعيد الصحة الجسدية والنفسية كذلك. تلك الجلسة هي من إحدى الوضعيات التي نفترض أن النبي محمد كان يتخذها أثناء تدريباته الروحية في غار حراء، والتي أصبحت الوضعية الأساسية للجلوس أثناء الصلاة للمسلمين فيما بعد.

فهل نجافي الحقيقة إذا قلنا؛ بأن الوحي المحمدي هو وليد تقنية ما من تقنيات التأمل الروحي، التي قد يكون النبي قد اجتهد في آدائها وتطويرها؟ ولا سيما أن الإشارات الكونية، كالأصوات المبهمة التي كان يسمعها النبي في خلوته، تتطابق مع أصوات مبهمة كان يسمعها المتأملون العِظام من منبع جَوَّاني، أثناء خلوتهم للتأمل، كسماع صوت صلصلة الجرس مثلا. وكذلك لأن طقوس التجربة النبوية ومعايشاتها ونتائجها، تكاد تتطابق مع معايشات تلك التجربة لهؤلاء المتأملين.

في الحقيقة، من العسير أن أومن بالإسلام وبإعجازاته في حال كان الجواب عن ذلك السؤال نفيا، وأخشى كذلك أنه في حال نفي تلك الفرضية، أن لا يكون لنا بديل كمسلمين، سوى تركيز عقيدتنا على خرافة الإله المتعالي الذي يشغل حيّزا مكانيا، هناك بعيدا في السماء، بمعنى الاعتقاد بالإله المُشَّخص (الوثن) أو إنكار الرسالة المحمدية قاطبة. وهذا ما فيه إجحاف حقيقي، ليس لباطن الإسلام فقط، بل ولظاهره كذلك.

بالعودة إلى حال سماع الصلاصل أو صلصلة الجرس، فإن تلك الإشارات التي كان يسمعها النبي، يمكن تسميتها بِلُغة مطلقة صرف، وغير قابلة للإخبار أو التبليغ؛ بمعنى أن النبي كان عاجزا عن أن ينقلها أو يُسمعها لأحد كما هي بصيغتها المطلقة، وهو لو أنه حاول أن يكتفي بوصف جماليتها وعمقها ووقعها في النفس، فإن ذلك لن ينقل للمُتلقي أي معنى كوني أو قدسي، لأن خيال المُتلقي في ذلك العصر، لن يتجاوز الصوت المألوف للجرس الذي يتم ربطه في عنق الدابة مثلا. وبالتالي، فإن مُجرّد وصفها لا يصلح للتعبير عن ماهيتها كرسائل إلهية. لذلك، وبما أن تلك التجربة كانت قد أخذت كيان النبي كله إلى بُعد كوني سام، في وقت كان فيه أهل الجزيرة يتوقون إلى نبي عربي، ليرسم لهم ملامح هويتهم الروحية وانتمائهم اللاهوتي الخاص بهم، مقارنة باليهود مثلا. فلم يكن للنبي بُدّ من الاجتهاد في تأويل رسالة الله إلى لغة بشرية… أو إلى ناموس للبَشر.

ولتحقيق ذلك، كان لا بد للنبي من العبور عبر ثلاث مراحل، أو ثلاثة مستويات:

• المستوى الأول: وهو المستوى المطلق؛ أي مرحلة ورود الصلاصل على قلب النبي، كلغة مطلقة صرفة. وهي النغمة الكونية التي عادة ما يسمعها المستنيرون عبر العالم، كنغمة لها عمق كوني ووَقع مُهيب على سامعها. ونفترض بشدة، بأنها تنتمي إلى نفس خامة النغمات التي كان يسمعها المتصوف العارف جلال الدين الرومي، على هيئة أنين الناي، والتي وصفها لنا عبر أشعاره بشغف وجداني حميمي، من دون أن يزعم بأن لديه القدرة على تأويلها إلى شريعة للبشر. ولكن من دون أن يتردد أيضا، بإعلانه عدم الالتزام بطقوس الشريعة الإسلامية، لكونه ذاق ماء نفس النبع الذي نهل منه النبي بلا وعاء أو واسطة، فلم يعد يُطفئ ظمأه غير ماء ذلك النبع.

إنّ مهمة الرسول، الذي ينقل إشارات الغيب هي أشبه بمهمة المُترجم الصادق الأمين، الذي يترجم من لغة إلى لغة، ويُتقن بنفس الوقت كلا اللغتين

• المستوى الثاني: وهو مرحلة العبور بتلك الصلاصل من أعماق روح النبي إلى سطح إدراكه، لمعالجتها وتحويلها إلى صور أو تصورات في خياله ووعيه. أو إلى أفكار ومفاهيم محددة؛ كالتشريعات والأحكام والقيود وما إلى ذلك. وهنا نكون قد ولجنا في مرحلة تحويل ما هو إلهي مطلق، إلى ما هو بشري نسبي، أو مرحلة سكب الخامة المطلقة في قالب الوعي البشري.

• المستوى الثالث: وهو مرحلة صياغة تلك الصور والأفكار والمفاهيم في قالب لغوي ملائم، قوامه اللغة العربية، وسِعته أو حدوده، هم من سِعة أفهام الناس قي تلك البيئة وفي ذلك الزمن، وحيث لا تتجاوز حدود إدراكهم، أو تتصادم بشدة مع مفاهيمهم المسبقة.

ولذلك، فإن تلك المهمة كانت تتطلب من النبي جهدا عظيما ومسؤولية كبرى، لتلقف إشارات الوحي وتعقلها، ونقلها إلى لغة بشرية قابلة للفهم والنقل، بتؤدة وصبر {لَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ} (طه 114) - {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} (القيامة 16)

وفي الحقيقة إنّ مهمة النبي / الرسول، الذي ينقل إشارات الغيب (المجهولة أوالمبهمة لعامة البشر والمعروفة غالبا بالنسبة إليه) هي أشبه بمهمة المُترجم الصادق الأمين، الذي يترجم من لغة إلى لغة، ويُتقن بنفس الوقت كلا اللغتين، ولو نسبيا. ولكن لو افترضنا مثلا، أن كلا اللغتين هما من لغات البشر، التي هي أقل إبهاما على أية حال من لغة المطلق (وذلك بهدف المُقاربة فحسب، وليس للحط من مقام لغة الوحي بغية التشويش والخلط بينها وبين لغة البشر)، فعندما نقرأ نصا مترجما مثلا، فإني أكاد أقول، بأننا في بعض الأحيان، نقرأ للمُترجم أكثر مما نقرأ لكاتب النص نفسه، ولا سيما إذا كانت ترجمة النص تتطلب شفافية ودِقة واجتهادا، لكي تنفذ إلى الوجدان، كترجمة الشِعر مثلا. فعندما نقرأ نصا شعريا مُترجما عن لغة أخرى عبر ترجمتين مختلفتين، تجدنا نتشكك أحيانا بأن أصل النص هو واحد، وذلك لأنّ المترجِم يُعمِل وجدانه الشخصي المتميز في فضاء النص الواحد أصلا، فينتِج أو يُبدع نصا "جديدا" مطبوعا بطابعه الذاتي وإبداعه الشخصي. هو نص موازٍ للنص الأم، مع انعدام امكانية التطابق معه؛ وكذلك لأن الكلمة وإن عبَّرت عن المعنى، فإنها تبقى عاجزة عن احتواء كثافته وعن التعبير عن جماليته كلها، أو عن احتواء جميع دلالاته، ولاسيما إذا كان الأمر يتعلق بالترجمة. فماذا إذا كان الأمر يتعلق بترجمة إشارات إلهية مبهمة إلى لغة بشرية؟ وأي عبء سوف يقع على كاهل الرسول لوعي تلك الإشارات وترجمتها، إلى لغة بشرية واضحة ومتساوقة مع مفاهيم وثقافة العصر الذي يعيش فيه، من دون أن يربك أفهام الناس أو يحمّلها أكثر مما تستطيع أن تحتمل؟ لذلك يقول الوحي: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} (المُزَّمِل 5) وهذه الآية تجعلنا نلّح في الافتراض، بأن مهمة تلقف الوحي لم تكن دائما مجرد عملية تلقين كلامي حرفي، بل كانت أحيانا، أقرب إلى ترجمة في غاية التعقيد، من قربها إلى النقل أو التلقين الشفهي اليسير السهل. وربما لذلك أيضا، كان جبين الرسول يتفصد عرقا في اليوم الشديد البرد، عندما ينزل عليه الوحي، وذلك تبعا لما ورد في حديث عائشة سالف الذكر. وبذلك، فلا مناص من الافتراض، بأن هناك نسبية وهامشا بشريين في صياغة الوحي، حيث تعاون الإلهي والبشري في ولادة تلك الرسالة، التي لا يمكن أن يكون الرسول فيها طرفا سلبيا بالمطلق.

وكذلك، فإن ثمة ظاهرة في القرآن تدعو إلى الوقفة والتأمل، حيث إن هناك إشارات إلهية، كان قد أوحى بها الله إلى الرسول، ثم قام الرسول بنقلها إلى لغتنا على هيئة طلاسم، أو على شكل أحرف أو تركيبة أحرف قد استُهِلت بها الكثير من السور، من دون أن تحمل أي معنى، مثل (الم، المص، الر، المر، كهيعص، طه، طسم، طس، يس، ص، حم، عسق، ق، ن)[8] ومن اللافت للنظر، بأنه لم يبلغنا عن النبي محمد أي شرح أو تفسير لمعناها، وليظل معناها مجهولا ومفتوحا على كافة مسارات التأويل والاحتمالات. وذلك ما يدفعنا إلى الافتراض بأن النبي نفسه لم يعِ معناها، فنقلها أو نسخها بأمانة وصدق، وذلك تبعا لإيقاع سماعه لها، على هيئة تركيبة حروف لا تحمل أي معنى باللغة العربية؛ لغة القرآن. لنخلص بذلك إلى نتيجة افتراضية، بأن هناك إشارات إلهية (صلاصل) كانت عصية على فهم النبي، فنقلها لنا كما هي من دون تأويل أو ترجمة. وذلك ما يدفعنا إلى الافتراض أيضا، بأنه لو كان النبي قد قام بنقل لغة الوحي كلها كما هي، وبدون تدخل خبراته البشرية التي تفرد بها (بفضل موهبة إلهية وليس بسبب فِعْل إلهي محض) لكان القرآن، أو جزء منه على الأقل، على هيئة تركيبة حروف عصية على الفهم البشري، بل ولا تحمل أي معنى مما يفهمه البشر، ثم إنه لو كان نقْل لغة الوحي أو ترجمته تتم عبر فعل إلهي محض وليس عبر اجتهاد بشري، لكانت جميع شرائع الأنبياء متطابقة بالحرف، وليس بالجوهر أو المضمون فقط.

وقد يكون من أسباب تفرد النبي في القدرة على الاجتهاد في ترجمة إشارات الغيب المُبهمة، يرجع الى خصوصية الحياة الاستثنائية العسيرة للفتى اليتيم محمد، والتي لامست وأنضجت نواة وجوده مُبكرا، وكذلك سمو التجربة المحمدية وتميزها، منذ أن زهد الدنيا وتركها لأهلها، مُيمِّمًا خطاه نحو الخلوة الطويلة في غار حراء، وحتى بلوغه اليقين الإلهي، حيث لم يكن في متناول الكثيرين ممن عداه، من ذوي النفوس السامية الذين وردتهم نفس الرسائل الكونية، خصوصية المعاناة الوجدانية أو الصفاء الباطني لإمكانية الارتقاء لنفس المنزلة التي بلغها النبي محمد، عبر قدرته أو اصطفائه لوعي تلك الرسائل وترجمتها. وهنا يمكننا الاعتقاد أن النبي كان أميا ثم صار يقرأ، فقد كان مثل عامة البشر أمّيا في قراءة إشارات الغيب أو الصلاصل، ثم نقل له جِبْرِيل أمرا إلهيا بأن يقرأ، ففعل بإلهام إلهي. وبذك، فإنه من المستبعد أو من غير المنطقي، أن النبي كان أميا بمعنى عدم قدرته على تهجي الأحرف الأبجدية، لأن جِبْرِيل آنذاك لم يكن قد وضع بين يديه كتابا مما نعرفه، ثم أمره أن يقرأ، ولم يأته بألواح مكتوبة كالألواح التي تلقاها موسى. وإنما كان الأمر يتعلق برموز أو رسائل إلهية مبهمة، كان يتوجب على النبي معالجتها بغية قراءتها وفهمها بعد فك طلاسمها، وحيث كان النبي عاجزا في البداية عن التعامل مع تلك الرموز، فجاءه الأمر ثلاثا بأن يقرأ، ذلك الأمر الذي قد يكون بلغة بشرية أو قد يكون بلغة الصلاصل. وكأن جِبْرِيل يقول له: يا محمد لقد اصطفاك الله لتمرير تلك الرسائل الإلهية إلى البشر عبر شخصك البشري، وليس لديك مناص من السعي لوعيها وصياغتها تبعا لمقدراتك، بلُغة مقروءة يفهمها قومك ويتقبلونها وهنا التقت الرغبة المحمدية مع الأوامر الإلهية.

وهكذا، وبالاستناد إلى تلك الفرضية حول آلية تلقي الوحي (والتي تبقى بلا شك فرضية تخضع للنسبية) وكإلحاح في التوضيح، لا بد لنا من التنبيه إلى أنه بالرغم من أن تلك الفرضية تؤكد بأنه ليس النبي هو الذي أتى بالقرآن من اجتهاده الشخصي البشري المحض، بدون الاتصال بمرجع إلهي "مُحايث" ولكن بالمقابل، وإذا توخينا الحذر في عدم الخلط، وفي استبيان الفرق الواضح بين كلمة "قال" وكلمة "أوحى"، فإنه من العسير افتراض، أن الله هو الذي "قال" القرآن بحرفيته. وإنما كان الله قد "أوحى" به، عبر إشارات إلهية أو لغة كونية مُبهمة (كصلصة الجرس) وردت على قلب الرسول، فقام الرسول بتمريرها عبر شخصه البشري، ثم قام بتحويلها / ترجمتها / تأويلها / صياغتها / قولها، عبر لغة قرآنية / مقروءة بلغة البشر. {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (الدخان58) - {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} (مريم 97) - {مَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (الرعد 38)

وبذلك، فإن ما يمكن أن تخلص إليه تلك الفرضية، هو أن القرآن إلهي في خامته، بشري في قالبه.

أما الخامة؛ فهي الجوهر المقدس الثابت الذي يكمن ما وراء حروف النص القرآني، والذي يمكن تسميته بروح القرآن المُقتَبس من ذات الله عبر التجربة المحمدية، أو أنه هو التجربة المحمدية ذاتها، حيث التقى النبي بربه، عبر غيابه عن نفسه وحواسه وإدراكه وكيانه قاطبة، حتى لم يتبقَ منه سوى روح صرفة، فذابت في بارئها، ثم لم يبقَ سوى الله. ولكن تلك الرؤية المَهولَة هي معايشة عصية على الوصف، لأن مسرحها هو ما وراء وما فوق الطبيعة التي يعرفها الأحياء، وهي كذلك تجربة غير قابلة للتعميم؛ بمعنى أن البوح بخفاياها هو ما لا يستطيع عامة الناس فهمه أو تقبله، لأنه يخرج عن دائرة إدراكهم واستيعابهم وعن كل ما هو طبيعي أو عادي أو مألوف. وهنا تكمن معاناة الأنبياء والقديسين والمتصوفين، وذلك بسبب عجزهم عن شرح ما لا يمكن شرحه عقلانيا. هذا ما يحاول التعبير عنه العارف بالله ابن عطاء الله السكندري، حيث يقول: "إن سَألَنَا الناس بلغة دارجة، أجبنا بإشارات وألفاظ مُبهمة، لأن لسان البشر لا يقدر على الإفصاح بمثل هذه الحقيقة السامية التي هي فوق طاقة البشر. أما قلبي، فقد عرفها وعرف الغيبة التي غمرت كل أعضاء جسدي"[9]

وأما القالب؛ فهو النص القرآني، أو صياغة الرسالة الإلهية عبر وعاء شخصية النبي البشرية. وهذا ما سيبقى خاضعا للنسبية وقابلا للجدل وللتحول في فهمه، تبعا لوعي الناس ولِسِعة إدراكهم وتبعا لتقلبات أحوال أزمنتهم وأماكنهم. وبما أن الهُوَّة بين وعي الناس وإدراكهم وأفهامهم قد اتسعت، إلى درجة أن صارت تلك الهُوَّة هي المُقدس، أو حيث كاد أن يندثر فيها المُقدس؛ فلم يعد هناك من سبيل لوأد تلك الهُوَّة / الجحيم، سوى الهجرة من القالب إلى الخامة.

هناك نسبية وهامشا بشريين في صياغة الوحي، حيث تعاون الإلهي والبشري في ولادة تلك الرسالة، التي لا يمكن أن يكون الرسول فيها طرفا سلبيا بالمطلق

وفي الحقيقة، إنه يمكننا أن نتخيل حالة الغُربة التي كان النبي محمد يعيشها بين ناسه وأهل بيئته وعصره، بسبب محدودية علمهم وفهمهم، حيث كان النبي قد أدرك عبر كشفه الفريد ما يفوق تصورهم وخيالهم، عندما رأى من آيات ربه الكبرى، ونَفَذَ إلى جوهر الحقيقة الكلية الواحدة. أو حسب تعبير الصوفية؛ "كَشَفَ الغطاء عن السبب الدفين للوجود بأسره" {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} (ق22) ولذلك لم يكن من اليسير عليه أن يبوح لعامة الناس عن معايشته للوحي أو عن الآلية الروحية المعقدة لمقدماته وتداعياته، أو أن يحاول البرهنة على وجود ما يتسامى عن أي فهم أو برهان منطقي، لأن النتيجة الطبيعية أنهم سوف يُكّذبون رسالته، أو يهزؤون منه، حتى أنهم قد يتهمونه بالجنون، مثلما كان قد حدث فعلا في بداية الدعوة، فجاء الرد عبر آية من آيات أكثر السور القرآنية جمالا: {وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ} (التكوير22) وهكذا فقد كان يتوجب على النبي لكي ينشر نور رسالته، أن يخاطب عامة الناس تبعا لمستوى إدراكهم وفهمهم، بصيغة مقيدة بخصوصية تراثهم وموروثهم وبيئتهم. ولذلك، فإن جواهر الإسلام كانت، وما تزال دفينة، اللهم إلاّ إذا استثنينا "أهل الخاصة" والذين كان منهم في ذلك العصر أيضا، من هم مقربون إلى الرسول، كابن عمه الإمام علي مثلا، والذين كانوا أكْفَاء لفهم "المذهب الغامض" وصونه مما يبوح لهم به الرسول، من أسرار وكنوز تجربته الروحية، والذين وَرِثوا ووَرَّثوا ذلك الإرث الروحي، حتى يومنا هذا. كما نقرأ في الأبيات التالية المنسوبة للإمام علي زين العابدين:

إني لأكتم من علمي جواهره      كيلا يرى الحقَ ذو جهل فيفتتنا

وقد تقدم في هذا أبو حسن         إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا

فَرُبَ جوهر علم لو أبوح به      لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا

ولاستحل رجال مسلمون دمي    يرون أقبح ما يأتونه حسنا[10]

ختاما؛ لو استثنينا جميع أحوال الوحي وآلياته المتعددة الأخرى، والتي قد تعزز من نظرية نسبيته، ثم اكتفينا بتناول حالة الوحي الذي كان يرِد على النبي كصوت الصلاصل أوصوت صلصلة الجرس، وافترضنا أن هناك رسولا آخر كان قد سمعها كرسائل كونية من الله ثم وعاها، عبر تجربة روحية ما، في عصر آخر غير الذي كان يعيش فيه النبي محمد، أو في بقعة أخرى من الكون نائية عن صحراء الجزيرة العربية، فلا شك بأن تأويل رسائل الغيب من حيث المصطلحات والمفردات، وحتى من حيث الشرائع والحدود والأحكام سيكون مختلفا، جزئيا أو ربما كليا، وذلك لكي يفهمه الناس ويتقبلوه ويتناغموا معه وهنا يجب أن لا ننسى كذلك، بأن الكثير من آيات القرآن كان لها سبب ظرفي للنزول، بمعنى أن القرآن في جزء منه، أتى كرَّدة فعل على أحداث بقعة جغرافية ووقائع حقبة تاريخية محددة ومحدودة بحياة الرسول، أو حتى أحيانا بتجاربه الشخصية البشرية البحتة، كتقلبات أحوال علاقته بزوجاته مثلا.

إذن نحن هنا لا نشكك أبدا بأن مصدر تلك الرسائل الكونية هو الله، وبأن الله واحد. ولكننا نقول بأن الأنبياء يبقون بشرا، لهم خصوصيتهم الشخصية والبيئية والتراثية والتاريخية، التي تطبع رسالاتهم بطابعها. ولهم كذلك أفهام متفاوتة وليست واحدة أو متطابقة ولا هي مُطلقة، وإنما نسبية {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ} (الكهف 110 - فصلت 6) - {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} (ابراهيم 11) ولذلك شاء الله أن يكون هناك أنبياء بأزمان وأماكن مختلفة، وبرسالات عدة "ظرفية" في بعض جوانبها، مع وجود دلائل كافية، بما في ذلك من القرآن نفسه، بأن تلك الرسالات السماوية لم تكن متطابقة أبدا في التشريع والتفاصيل، حتى ولو كانت متطابقة في الجوهر.

وهكذا، فإن إيماننا الراسخ بكمال الله، لا ينفي حقيقة أن رسول الله بشر. ومن ثم، فإن إيماننا بإله الوحي كحقيقة مطلقة، لا يتعارض بالضرورة مع إيماننا بنسبية الدين، الذي بلغنا عبر النسبية البشرية للأنبياء. وبالتالي، فإن هناك "حقيقة" لا يمكن الالتفاف حولها، ولا مناص من التسليم بها لكل مؤمن واعٍ؛ بأن إيماننا بديننا على أنه دين حق، لا يعني أبدا بأنه يجب أن يكون دين الآخرين على باطل. وذلك امتحان حقيقي واختبار مفصلي لإمكانية أي دين، لا على العيش فقط، بل وعلى التعايش أيضا مع عباد الله ومع إرادة الله بالتعددية بين أفهام الأنبياء وأفهام البشر، وبأن الديانات والمذاهب كانت وستبقى، مجرد وجهات نظر نسبية ومتعددة حول حقيقة الله المطلق الواحد؛ تلك الحقيقة التي لا يمكن لأي إنسان أن يزعم امتلاكها. هنا يكمن المحك الحقيقي للعقيدة الأصيلة الواعية، وللإيمان العقائدي الصادق.


[1] حديث صحيح مُتفق عليه: ‏ ‏[عَنْ ‏عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏ ‏أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ ‏ ‏فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا، فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ ‏ ‏فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ ‏ ‏لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا]

[2] [في مسند أحمد وغيره، من حديث ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد عن عبد الله بن عمرو قلت: يا رسول الله، هل تحس بالوحي؟ قال: "نعم، أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك (وفي رواية أخرى: ثم أثبت عند ذلك) وما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تفيض منه"]

[3] هنري كوربان، "تاريخ الفلسفة الإسلامية"، ترجمة: نصير مروة وحسن قبيسي، بيروت، منشورات عويدات، الطبعة الثالثة 1983، ص45

[4] راجع مثلا كتاب ديتريش إيبرت، "المظاهر الفيزيولوجية لليوغا"، ترجمة د. الياس حاجوج، دار علاء الدين، دمشق، الطبعة الأولى 2002، ص17

[5] politikens yogabog"" تأليف Lucky Lidell, Narayani, ,Giris Robinovitch

الكتاب صادر باللغة الدنماركية عن دار الـ بوليتيكن، الطبعة الثانية 1996 كوبنهاجن، حيث نقرأ في الصفحة الرابعة والتسعين، وصف تمرين روحي يتم فيه عزل الحواس، أو سحبها من العالم المحيط (فعندما تتطور قدرتك على التركيز تدريجيا أثناء التمرين، سوف تبدأ بسماع أصوات باطنية مبهمة، مثل أنين الناي أو طرق الطبل أو صوت الجرس)

[6] [حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: "أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ."]

[7] نتحدث هنا عن التأمل، ليس بمعنى التدبر والتفكير في أمر ما، كما يتم تأويله غالبا باللغة العربية، وإنما نتحدث عما تم تسميته باللغة الإنكليزية: Meditation بمعنى كبح وظائف التفكير، أو التركيز على موضوع خارجي أو باطني إلى أن يصبح التركيز تيارا معرفيا غير منقطع، أو سيلا من الإدراك يؤدي إلى نسيان الذات والتحرر منها تمهيدا للانعتاق الكلي من الأنا الفردية والانصهار بذات الكون. مع وجود تقنيات وآليات متعددة للتأمل، لسنا بصدد الخوض فيها هنا، لأن ذلك يتطلب بحثا منفصلا.

[8] الم (البقرة1) - الم (آل عمران1) - المص (الأعراف1) - الر (يونس1) - الر (هود1) - الر (يوسف1) المر (الرعد1) - الر (إبراهيم1) - الر (الحجر1) - كهيعص (مريم1) - طه (طه1) - طسم (الشعراء1) - طس (النمل1) - طسم (القصص1) - الم (العنكبوت1) - الم (لقمان1) - يس (يس1) - ص (ص1) - حم (غافر1) - حم (فصلت1) - حم (الشورى1) - عسق (الشورى2) - حم (الزخرف1) - حم (الدخان1) - حم (الجاثية1) - حم (الأحقاف1) - ق (ق1) - ن (القلم1)

[9] آنا ماري شيمل، "الأبعاد الصوفية في الإسلام وتاريخ التصوف"، ترجمة: محمد إسماعيل السيد، رضا حامد قطب، بغداد - كولونيا، منشورات الجمل، الطبعة الأولى، 2006، ص468

[10] كتاب "تاريخ الفلسفة الإسلامية" سالف الذكر، لـ هنري كوربان، ص85&