التعاون السوري الروسي في مرحلة ما بعد النزاع في السياق الإقليمي
فئة : ترجمات
التعاون السوري الروسي في مرحلة ما بعد النزاع في السياق الإقليمي
Russia–Syria Post-Conflict Cooperation in the Regional Context[1]
تأليف: مارينا سابرنوفا[2]
ترجمة: أسماء نوير
ملخص:
تُحلّل هذه الدراسة أوجه التعاون السوري الروسي بعد انتهاء المرحلة الرئيسة من عملية مكافحة الإرهاب، مع التركيز على السياسة الإقليمية لروسيا التي تعتمد على تكتيكات الاتحادات المرنة tactics of flexible unions. كما تُقيّم دور الجهات الفاعلة الأخرى، مثل تركيا وإيران والصين، الذين يمتلكون مصالح اقتصادية متنامية في سوريا، نظرًا إلى أهميتها في لوجستيات نقل الغاز والنفط عبر الحدود. وفي الوقت ذاته، تسعى سوريا إلى تبنّي نموذج جديد لبناء علاقات ثنائية ومتعددة الأطراف، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في منطقة أوراسيا أيضًا.
مقدمة:
في توقعات تحليلية بعنوان "التهديدات الدولية 2020: كل إنسان مسؤول عن نفسه" International Threats 2020. Every Man for Himself، التي نُشرت في يناير 2020، أشار الخبراء إلى أن عالمًا جديدًا آخذ في التشكل، يتميز بـ اقتصاد جديد، وسياسة جديدة، ومجتمع جديد. وفي الوقت ذاته، بدأ صراع فعلي على هذا العالم، حيث يسعى المتنافسون إلى حشد الموارد، والتخلي عن تحالفاتهم واتفاقياتهم التقليدية، وإعادة تشكيل استراتيجياتهم من خلال البحث عن حلفاء جدد، في ظل تصاعد دور ما يُعرف بـ "القوة الحقيقية" real power.
قد أشار المحللون مرارًا إلى أن روسيا، في سياستها الإقليمية، لا سيما في الشرق الأوسط (especially in the Middle East)، وجدت نفسها أمام اختبار صعب بفعل الأزمات العالمية العالقة. ونتيجة لذلك، شرعت في تطوير وتنفيذ استراتيجيات غير تقليدية تعتمد على "شبكات من التحالفات" networks of alliances، وهي مقاربة قائمة على مزيج من العلاقات الثنائية والالتزامات المتعددة الأطراف، موزعة على أطر زمنية متباينة، بهدف تحقيق أهداف تكتيكية محددة.
نشأت حاجة روسيا إلى تحالفات سياسية مرنة بشكل طبيعي نتيجة التعقيد السياسي متعدد الاتجاهات في الشرق الأوسط، حيث تتقاطع مصالح العديد من اللاعبين الإقليميين الساعين إلى الهيمنة السياسية والاقتصادية، لا سيما في قطاع الطاقة، من خلال محاولاتهم السيطرة على مراكز النقل والبنية التحتية. في المقابل، تتميز هذه البيئة بدرجة عالية من الجمود، يعود جزء منها إلى الصراعات القائمة والتراكم العسكري للدول. وبالتالي، فإن الصراع على النفوذ في المنطقة يتطلب مجموعة متكاملة من الأدوات السياسية والدبلوماسية والعسكرية، إلى جانب نهج شامل للتعامل مع القضايا الإقليمية.
يشكل إعادة إعمار الاقتصاد السوري تحديًا رئيسًا يتمثل في إعادة تعريف دور سوريا في الاقتصادين الإقليمي والعالمي، وتعزيز مكانتها كمحور رئيس للتدفقات المالية والتجارية الدولية. وفي الوقت ذاته، تنظر سوريا إلى موقعها الجيوسياسي وتحدياتها الإقليمية ضمن رؤية استراتيجية أوسع، حيث تسعى إلى نموذج جديد لعلاقاتها الدولية، لا يقتصر على الشرق الأوسط، بل يمتد إلى أوراسيا، في ظل بروز فاعلين إقليميين مؤثرين مثل تركيا وإيران. ويشير الباحثان نيكولاي سيلاييف Nikolay Silaev وأندري سوشينتسوفAndrey Sushentsov إلى أن "العملية الروسية في سوريا" أظهرت مرونة العلاقات بين الحلفاء وتطورها المستمر.
اليوم، تمتلك روسيا وسوريا مجموعة واسعة من أدوات التعاون الثنائي، تتراوح من التنسيق الدبلوماسي إلى العمليات العسكرية المشتركة، ويمكن توظيفها وفقًا للمتطلبات السياسية المطروحة. وتتجه هذه الجهود نحو تعزيز المصالح الاقتصادية الروسية والمنافسة على موارد الطاقة. في المقابل، ومع تعزيز سيادتها واستعادة سيطرتها على حدودها، باتت سوريا أكثر اهتمامًا بجذب الاستثمارات الأجنبية وتثبيت موقعها كفاعل اقتصادي رئيسي في المنطقة وخارجها.
والأهم من ذلك، كما يشير الاقتصاديون الروس، فإن المساعدات الروسية لسوريا يجب ألا تكون مجرد مشروعات معزولة، بل ينبغي أن تندرج ضمن خطة متكاملة واسعة النطاق، تهدف إلى دعم المصنعين الروس وشركائهم من دول أوراسيا ودمجهم في أسواق الشرق الأوسط. وتشمل هذه الخطة قطاعات حيوية مثل البنية التحتية للطاقة والنقل، وبناء السكك الحديدية والموانئ وغيرها، مع مراعاة الاحتياجات الاقتصادية ليس فقط لسوريا، بل أيضًا لجيرانها الإقليميين.
1- الوضع السياسي والاقتصادي في سوريا
في عام 2019، واصل الجيش السوري تقدمه الميداني بشكل مستمر، وبحلول بداية عام 2020، تمكنت حكومة بشار الأسد من بسط سيطرتها على ما يقرب من 80% من الأراضي السورية، بعدما كانت هذه النسبة لا تتجاوز 10% في عام 2015. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، شنت تركيا هجومًا عسكريًّا في شمال شرق سوريا تحت اسم "عملية نبع السلام" Operation Peace Spring، مستهدفة الجماعات الكردية المسلحة بهدف إقامة منطقة آمنة على طول الحدود التركية.
في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، وقّعت روسيا وتركيا مذكرة تفاهم في سوتشي حددت ملامح هذه المنطقة، حيث تم السماح للقوات الحكومية السورية والجيش الروسي بالدخول إليها، مما أدى إلى فرض السيطرة على منطقة ما وراء الفرات. كما تم الاتفاق على انسحاب قوات سوريا الديمقراطية Syrian Democratic Forces (SDF) ذات الغالبية الكردية من الشريط الحدودي التركي واستبدالها بالجيش السوري النظامي. ومع ذلك، لا تزال العلاقات بين دمشق والإدارة الكردية موضع تساؤل، إلى جانب الجدل المستمر حول مستقبل الميليشيات الكردية Kurdish militias ودورها في المشهد السوري.
وعلى الرغم من هذه التطورات، لا يزال الوضع في بعض المناطق متوترًا ومعقدًا. فرغم سريان وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد في إدلب منذ 31 أغسطس 2019، إلا أن اللجنة الروسية التركية المشتركة سجلت العديد من الانتهاكات، ليس فقط في إدلب، بل أيضًا في اللاذقية وحلب وحماة. وفي ديسمبر 2019، اندلعت اشتباكات في عدد من المحافظات السورية، ما أدى إلى تصاعد حدة التوترات العسكرية. وفي اجتماع عقده بشار الأسد Bashar al-Assad مع فلاديمير بوتين Vladimir Putin في 7 يناير/كانون الثاني 2020، صرّح الرئيس السوري قائلاً: "هناك محاولات لاستعادة السيطرة على الأراضي من قبل الإرهابيين".
يعاني اقتصاد الجمهورية العربية السورية من أزمة حادة تفاقمت بفعل عدم الاستقرار السياسي الداخلي، إلى جانب التوترات في العراق المجاور، ونشاط الجماعات الإرهابية، فضلاً عن تأثير العقوبات الغربية. فقد تعرض جزء كبير من القطاع الصناعي والبنية التحتية للنقل لأضرار جسيمة، ولا يزال بعضها خارج سيطرة الحكومة السورية بسبب وجود التنظيمات الإرهابية. وفي الوقت ذاته، تتطلب إعادة إحياء القطاع الزراعي في الشمال الشرقي استثمارات مالية ضخمة.
ووفقًا للحكومة السورية، فإن إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة، ولا سيما تلك التابعة لوزارة النفط والثروة المعدنية، إلى جانب إعادة تأهيل المدن، ستكلف دمشق نحو 180 مليار دولار، كما صرّح الوزير المفوض للجمهورية العربية السورية الدائم لدى الأمم المتحدة، منذر منذر Mounzer Mounzer، في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي.
ومن الواضح أن الدول الثلاث المتعاونة مع سوريا - روسيا وتركيا وإيران - لا تمتلك الموارد الكافية لتمويل عملية التعافي السريع. ويزداد الوضع تعقيدًا بسبب الموارد المالية المحدودة للغاية للحكومة السورية، والتي تعاني من عجز إضافي بفعل العقوبات الأمريكية؛ إذ تمنع هذه العقوبات الصادرات السورية وتحظر أي معاملات مالية تتعلق بالكيانات الحكومية السورية أو حتى الشركات الخاصة داخل البلاد، مما يشكل عقبة رئيسة أمام جهود إعادة الإعمار.
في الوقت ذاته، بدأت الشركات الأجنبية بالفعل في دخول السوق السورية، حيث أبرمت الشركات الروسية والإيرانية عددًا من اتفاقيات التعاون في قطاعي الطاقة والبناء، مما يعكس اهتمامًا متزايدًا بهذه القطاعات الحيوية.
وعلى الرغم من أن سوريا ليست من الدول الغنية بالموارد الطاقية مقارنة بجيرانها، إلا أن النفط والمعادن تشكل الجزء الأكبر من صادراتها. ووفقًا لمصادر مختلفة، يُقدَّر إجمالي احتياطي النفط في سوريا بنحو 2.5 مليار برميل، يقع حوالي 75% منه في الشمال الشرقي، وخاصة في حقول النفط حول دير الزور Deir ez-Zor.
على مدى سنوات، لبّت إيران معظم احتياجات سوريا من النفط والغاز، حيث بدأت بشحن النفط إلى سوريا منذ عام 2013. ولولا هذه الإمدادات، لكانت البلاد قد واجهت انهيارًا اقتصاديًّا تامًّا، خاصة في ظل سيطرة الجماعات الإرهابية على المناطق النفطية الرئيسة وتدمير خطوط الأنابيب. إلا أنه في عام 2019، أصبحت هذه الإمدادات غير مستقرة، بعدما فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على إيران، مما أدى إلى تعطيل تدفق النفط إلى سوريا وزيادة تعقيد الأزمة الاقتصادية.
في الوقت نفسه، تؤثر التطورات في سوريا بشكل مباشر على جغرافية تدفقات النفط والغاز؛ إذ إن الأزمة الداخلية السورية وصناعة النفط والغاز فيها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بإيران والعراق وتركيا والسعودية وقطر، إلى جانب فاعلين إقليميين آخرين. فلطالما كانت سوريا مركز عبور مهمًّا في النظام الإقليمي لخطوط الأنابيب والموانئ، مما يجعل مستقبلها عاملاً مؤثرًا في توازنات الطاقة الإقليمية.
يؤدي النفط دورًا رئيسًا في شمال سوريا، حيث تواصل الولايات المتحدة تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، رغم إعلانها السابق عن نية الانسحاب. فبدلًا من تقليص وجودها، تسعى واشنطن إلى زيادة عدد قواتها المكلفة بتأمين حقول النفط، لا سيما في محافظة دير الزور. كما قد تسعى لاحقًا لتوسيع نطاق سيطرتها على منطقة استراتيجية تربط تركيا وكردستان العراق وإيران والعالم العربي بالغرب، وهو ما من شأنه أن يعيق وصول الحكومة السورية إلى موارد الطاقة، مما يزيد من التحديات الهائلة التي تواجه جهود إعادة الإعمار.
وفي ظل هذه الظروف، يعتمد الأكراد السوريون Syrian Kurds، الذين يواجهون ضغوطًا مالية كبيرة، على بيع جزء من النفط الخام إلى الشركات التركية عبر كردستان العراق، في محاولة لتأمين مصادر تمويل. وردًّا على ذلك، أصدر الرئيس السوري في ديسمبر/ كانون الأول 2019 أمرًا تنفيذيًّا يجيز استهداف قوافل شاحنات النفط المسروق ومستودعات النفط الواقعة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، في خطوة تؤكد إصرار الحكومة على محاربة تهريب النفط واتخاذ إجراءات صارمة لاستعادة السيطرة على الموارد الوطنية.
من الواضح أن عملية إعادة بناء الاقتصاد السوري ستكون بقيادة روسيا[4]، مما سيفتح مجموعة واسعة من الفرص أمام سوريا لتتحول إلى مركز لوجستي مهم في الشرق الأوسط وأوراسيا بشكل عام. وفي هذا الإطار، أبرمت الشركات الروسية بالفعل عدة اتفاقيات وعقود رئيسة مع الحكومة السورية، في خطوة تعكس التعاون الاستراتيجي المتزايد بين البلدين[5].
عقب النجاح العسكري الذي حققته القوات الجوية الفضائية الروسية في سوريا، لم تقتصر المكاسب الروسية على تعزيز مكانتها الجيوسياسية الجديدة فحسب، بل أصبحت طرفًا رئيسًا في جهود تسوية ما بعد النزاع. وقد تحقق ذلك بفضل سياسة التعددية الروسية، إلى جانب شبكة التحالفات التي بنتها روسيا في الشرق الأوسط، مما يضمن استمرار وجودها في المنطقة كفاعل مؤثر وحماية نفوذها الاستراتيجي.
في عام 2015، أعربت القيادة السورية عن رغبتها في الانضمام إلى منطقة تجارة حرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي Eurasian Economic Union (EAEU). جاءت هذه التصريحات على لسان وزير الاقتصاد والتجارة، همام الجزائري Humam al-Jazaeri، ورئيس الوزراء، وائل الحلقي Wael Nader Al-Halqi، الذي أكد أن ذلك سيسهم في "تسهيل التفاعلات الاقتصادية والتجارية مع الدول الصديقة" مثل بيلاروسيا والصين، التي تدعم سوريا بشكل غير مباشر عبر فتح أسواقها كمصادر للسلع التي تحتاجها الأسواق السورية.
في هذا السياق، يمكن لسوريا أن تتيح فرصًا واسعة لتنفيذ مشروعات بنية تحتية واسعة النطاق على المستوى الجغرافي بقيادة شركات روسية وسورية. ومع ذلك، يرى خبراء الاقتصاد الروس أن تحقيق ذلك يتطلب دمج البنية التحتية والمجمع الصناعي السوري في سلاسل التوريد العالمية والتدفقات المالية المارة عبر الشرق الأوسط. ولتحقيق هذا الهدف، ينبغي على الشركات الروسية المتعاونة مع نظيراتها السورية التحول نحو "تقديم خدمات بنية تحتية شاملة عابرة للحدود في سوريا والدول المجاورة، استنادًا إلى روابط تعاونية تشمل الإنتاج، النقل، الخدمات اللوجستية، التسويق، والعمليات المالية".
ومع ذلك، قد تواجه هذه المشروعات مقاومة من القوى الإقليمية، حيث يسعى فاعلون آخرون، حريصون على الاستفادة من تشكيل القوى الجديد في الشرق الأوسط، إلى التنافس على موارد الطاقة والبنية التحتية للنقل في سوريا. يعتقد العديد من المحللين أنه في هذا التنافس على الزعامة الإقليمية، تميل روسيا إلى الوقوف إلى جانب إيران من خلال دعم سوريا كحليف رئيس لها.
2- التشكيل الجيوسياسي الجديد في الشرق الأوسط والمصالح الاقتصادية للقوى الإقليمية
تسعى تركيا بوضوح إلى تعزيز مكانتها كمركز لوجستي عالمي رئيس للطرق التجارية والاقتصادية. في يناير 2020، دخلت المرحلة الأولى من خط أنابيب الغاز الطبيعي "تورك ستريم" TurkStream[6] حيز التشغيل، مما أتاح لروسيا وتركيا تأمين مواقع ريادية وتحديد شروط نقل الغاز من الشرق الأوسط إلى أوروبا. لضمان نجاح هذا المشروع، يتطلب الأمر وجودًا فعّالًا في الدول العربية المجاورة مثل العراق ولبنان ومصر، حيث لا يزال الوضع السياسي غير مستقر (محفوف بالمخاطر).
ومن الجدير بالذكر أيضًا أن تركيا تواصل تنفيذ مشروعات أخرى تهدف إلى تعزيز وجودها في أسواق الطاقة[7]، كما تتخذ خطوات حثيثة لتوسيع نفوذها، وذلك بالتزامن مع استيراد النفط والغاز من كردستان العراق.
في هذا السياق، تبرز أهمية ليبيا، التي لا تزال منقسمة إلى حكومتين منذ اغتيال معمر القذافي Muammar Gaddafi في عام 2011: برلمان منتخب في الشرق، وحكومة الوفاق الوطني Government of National Accord (GNA) في طرابلس برئاسة فايز السراج Fayez al-Sarraj، والمدعومة من المجتمع الدولي. تعمل السلطات الشرقية بشكل مستقل وتتعاون مع الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر Khalifa Haftar[8]. إضافة إلى ذلك، يفر الإرهابيون من إدلب في سوريا إلى ليبيا، حيث تهدد أنقرة بإرسال قواتها للقتال ضد المشير خليفة حفتر.
من ناحية أخرى، وبعد توقيع الاتفاقيات والمذكرات اللازمة، يسعى رجب طيب أردوغان Recep Tayyip Erdoğan لبدء عمليات التنقيب في شرق البحر الأبيض المتوسط. فقد قام بتقسيم الكتل البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فايز السراج، بموجب اتفاقية تمنح تركيا الحق في التنقيب عن النفط والغاز. وأدى هذا الاتفاق على الفور إلى تصاعد التوترات مع كل من اليونان وقبرص، اللتين اعتبرتا الأمر انتهاكًا لسيادتهما، إلى جانب مصر وإسرائيل، اللتين أبدتا أيضًا اعتراضهما على الخطوة التركية.
تكتسب ليبيا أهمية اقتصادية كبرى بالنسبة إلى تركيا؛ إذ تُعد شريكًا تجاريًّا رئيسًا في أفريقيا ومنطقة نفوذ مهمة في شرق البحر الأبيض المتوسط. وفي هذا السياق، تأمل الشركات التركية في العودة إلى ليبيا والمشاركة في إعادة إعمار اقتصادها المدمر. علاوة على ذلك، فإن من يسيطر على ليبيا قد يتمكن في المستقبل من فرض نفوذه على تدفقات الشحن عبر قناة السويس، مما يضيف بعدًا استراتيجيًّا آخر للصراع على النفوذ في المنطقة.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وقّعت تركيا وليبيا اتفاقًا لترسيم حدود المناطق البحرية، يمنح أنقرة أفضلية في النزاعات حول موارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط. وجاء ذلك بالتزامن مع توقيع إسرائيل وقبرص واليونان في يناير/ كانون الأول 2020 اتفاقيات حكومية دولية لبناء خط أنابيب الغاز الطبيعي إيست ميد (EastMed)، الذي يعزز التعاون الإقليمي في مجال الطاقة.[9] وبالنظر إلى هذه التطورات، فإن من أولويات أردوغان بقاء حكومة السراج في السلطة لضمان استمرار المصالح التركية في المنطقة.
سيسمح مشروع خط أنابيب شرق المتوسط (EastMed) لكل من إسرائيل وقبرص بالانضمام إلى قائمة مصدّري الغاز الطبيعي إلى أوروبا، بما يتماشى مع استراتيجية أمن الطاقة للاتحاد الأوروبي عام 2014. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تنويع مصادر إمدادات الغاز، مع التركيز على الاستفادة من الموارد الموجودة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
في المقابل، تأمل روسيا، في حال انتصار المشير خليفة حفتر في الحرب الأهلية الليبية، أن تتمكن قواتها الجوية والبحرية من إقامة قاعدة عسكرية على الساحل الليبي، مما يعزز وجودها الاستراتيجي في المنطقة. كما تسعى إلى إعادة شركات النفط والغاز والسكك الحديدية الروسية، التي كانت تعمل في ليبيا خلال حقبة معمر القذافي[10]، إلى الساحة الليبية، مما يفتح المجال أمام فرص اقتصادية واستثمارية جديدة لروسيا.
وعلى المنوال نفسه، لا ترغب روسيا في ظهور مشروعات طاقة منافسة، خاصة خط أنابيب شرق المتوسط (خاصة إيست ميد)، الذي قد يشكل تهديدًا لـشركة غازبروم، أحد أكبر موردي الغاز في العالم. ولهذا السبب، تعاونت مع تركيا في إدارة التسوية الليبية، ساعية إلى جمع الأطراف المتحاربة على طاولة المفاوضات. ونتيجة لهذا التحرك، استضافت موسكو في 14 يناير/كانون الثاني 2020 مفاوضات بين زعيمي الطرفين المتنازعين، الجنرال خليفة حفتر وفايز السراج[11]. لكن شهدت المباحثات تعثرًا كبيرًا، حيث رفض حفتر، المدعوم من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وفرنسا ومصر، التوقيع على مذكرة تفاهم مشتركة مع السراج، مما أدى إلى استمرار الجمود السياسي والعسكري في ليبيا.
لذلك، ورغم الخلافات الكبيرة بين موسكو وأنقرة بشأن ليبيا، من المرجح أن يضطر الطرفان إلى تنسيق جهودهما لتحقيق مصالحهما الجيوسياسية والاقتصادية. ويبدو أن "الصيغة السورية"، التي أسهمت في إنجاح عملية أستانا، وساهمت في تأسيس إطار للتعاون بشأن التسوية السورية.
في المقابل، بدأت إيران تؤدي دورًا متزايدًا كقوة إقليمية ذات امتداد عالمي. ففي قطاع الطاقة، تسعى إيران إلى توسيع حصتها في إنتاج ونقل النفط والغاز، بهدف تصدير الغاز الطبيعي الإيراني إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية، وتعزيز مكانتها كمركز عبور إقليمي رئيس.
وفي هذا السياق، يمكن أن يكون التعاون الاستراتيجي بين إيران وروسيا، في القطاع الاقتصادي وخاصة في قطاع الطاقة، عنصرًا حاسمًا في سياسة روسيا في الشرق الأوسط. كما قد يسهم هذا التعاون في تعزيز الأطر العالمية للتعاون الدولي، ويدعم جهود أعضاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في الوصول إلى أسواق جديدة. فمن خلال إيران، يمكن للاتحاد الاقتصادي الأوراسي الوصول إلى أسواق العراق وسوريا والكويت وغيرها من الدول، إضافة إلى استخدام مسارات عبور حيوية لتعزيز التكامل الاقتصادي بين آسيا والشرق الأوسط.
تمتلك إيران مصالح تجارية واسعة في سوريا، حيث أبرمت بالفعل عقودًا بقيمة تقارب 4 مليارات دولار في قطاع النفط والغاز، فضلًا عن اتفاقيات في قطاع الرعاية الصحية والخدمات العامة بقيمة إجمالية تزيد عن مليار دولار. ورغم استمرار جهود طهران للحصول على المزيد من العقود الاستثمارية في قطاع الطاقة، فإنها تواجه عقبات كبيرة، أبرزها المصالح الأمريكية والوجود العسكري الأمريكي في شرق سوريا، إلى جانب المنافسة الروسية، حيث نجحت في تأمين بعض العقود النفطية الكبرى.
في المقابل، تعمل الولايات المتحدة على وضع استراتيجية جديدة تهدف إلى الضغط على إيران وإضعاف نفوذها في سوريا، وتشمل هذه الاستراتيجية فرض عقوبات محتملة على الشركات الإيرانية والروسية التي قد تشارك في إعادة بناء الاقتصاد السوري. ونتيجة لذلك، تظل قدرة إيران على المساهمة في إعادة إعمار سوريا محدودة للغاية، خاصة في ظل تحدياتها الاقتصادية المتفاقمة.
في الوقت نفسه، يتزايد قلق إسرائيل بشأن الوجود العسكري الروسي المتنامي في المنطقة وتعميق تعاونها مع إيران. وتهدف اتفاقيات إسرائيل مع تركيا وقبرص واليونان ومصر ودول أخرى إلى تعزيز مصالحها القومية وفقًا لما يُعرف بـ "عقيدة المحيط"[12] periphery doctrine، وليس بالضرورة تطوير علاقات ودية كما فعلت مع الولايات المتحدة. فالمقاربة الإسرائيلية البراغماتية تركز على إقامة شبكة من الشراكات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي توفر لها استقرارًا استراتيجيًا وسط مناطق الفوضى وعدم الاستقرار.
وبحسب وزير الخارجية الإسرائيلي، إسرائيل كاتس Israel Katz، فإن تعزيز النفوذ الإيراني في سوريا يمثل تهديدًا خطيرًا لأمن إسرائيل، وهو ما لن تسمح به بأي حال من الأحوال. كما أشار كاتس إلى أن إيران لا تمثل تهديدًا لإسرائيل فحسب، بل للمنطقة بأسرها. ومن هذا المنطلق، من المتوقع أن تواصل إسرائيل، بدعم أمريكي، توثيق علاقاتها مع الدول العربية الحليفة، وتشجيعها على تعزيز التعاون الاقتصادي، بهدف احتواء النفوذ الإيراني.
وفي هذا السياق، تؤدي الولايات المتحدة دور الوسيط في حل النزاع بين لبنان وإسرائيل بشأن تطوير حقول الغاز البحرية، وهو ما يتماشى مع مصالح كبرى شركات النفط الأمريكية، وعلى رأسها "إكسون موبيل" ExxonMobil، التي تسعى إلى توسيع أعمالها في قطاع الهيدروكربون الإسرائيلي والفلسطيني.
تمتلك إسرائيل خططًا طموحة لتصبح مركزًا عالميًّا للشحن البحري والبري. وفي هذا الإطار، تعمل على تحديث موانئها القديمة وإنشاء موانئ جديدة، إلى جانب تطوير مشروع خط سكة حديد سريع بطول 350 كيلومترًا، يربط بين ميناء إيلات على البحر الأحمر وميناء أشدود على ساحل البحر الأبيض المتوسط، مما يسمح بتجاوز قناة السويس. ومع ذلك، تواجه هذه الطموحات عقبات كبيرة، أبرزها الخلافات مع جيرانها العرب وعدم استقرارهم السياسي.
على سبيل المثال، لا يزال لبنان يعاني من أزمة حكومية حادة واحتجاجات شعبية، تفاقمت بسبب الانقسامات داخل النخبة الحاكمة بشأن المسألة السورية[13]. ولا تؤثر هذه الأزمة فقط على أوضاع اللاجئين السوريين، الذين يُقدَّر عددهم بين مليون ومليوني شخص، بل تعيق أيضًا تطوير علاقات اقتصادية مربحة للطرفين. في الوقت ذاته، يبدي لبنان اهتمامًا كبيرًا بتعزيز تعاونه مع سوريا بوصفها جسرًا استراتيجيًا للتجارة مع الدول العربية وتركيا، بهدف كسر العزلة التجارية التي فرضتها عليه تداعيات الأزمة السورية.
أصبحت مصر أكثر انخراطًا في الأزمة السورية خلال السنوات الأخيرة. فمنذ توليه الرئاسة، صرّح الرئيس عبد الفتاح السيسي علنًا بأن القاهرة لم تدعم الثورة السورية، بل ساندت القوات الحكومية في محاربة المعارضة. كما قدمت الدعم السياسي والدبلوماسي لنظام بشار الأسد في المنظمات والمحافل الدولية.
علاوة على ذلك، بدأ التعاون الأمني والعسكري بين سوريا ومصر، حيث شهدت علاقاتهما تنسيقًا بين قواتهما المسلحة. كما أدت مصر دور الوسيط في الصراع، وخاصة خلال وقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية. ومع تعزز موقف مصر الإقليمي، انتقلت علاقتها مع السعودية من التوتر إلى التعاون، حيث تحولت الخصومة السابقة إلى دعم سعودي للموقف المصري[14].
في هذا السياق، تتشكل منظومة معقدة من المصالح الإقليمية السياسية والاقتصادية حول سوريا، حيث تسعى دول المنطقة إلى تحقيق أهداف استراتيجية متنوعة، سواء أمنية أو اقتصادية، مما يؤدي إلى نشوء تناقضات متعددة. ومن الواضح أن إعادة إعمار سوريا بعد انتهاء الصراع لن تكون مسألة اقتصادية بحتة، بل ستتطلب تنسيقًا دوليًا واسع النطاق. وفي هذا الإطار، ترى روسيا، التي لم تبلور بعد استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار، أن هذه العملية يجب أن تتم بالتعاون مع المجتمع الدولي[15].
مع تطور مجموعة من الاتفاقيات الدولية، يرتكز هذا النظام على التزامات مترابطة في مجال الطاقة، إلى جانب الوجود العسكري الروسي الواسع، الذي يعد عنصرًا حاسمًا في دمج سوريا ضمن المشهد الجيوسياسي الجديد. فمن دون هذا الوجود، سيكون تحقيق هذا الدمج مستحيلًا، إذ إنه "في زمن إعادة تقسيم العالم، تحظى القوة الفعلية بالأولوية"، وتتمكن الدول من "الفوز أو شراء" حقها في وضع القواعد الجديدة. ومع ذلك، لا بد من إدراك أن "القوة الناعمة لم تعد فعالة دون دعم من القوة الصارمة".
وقد أثبتت روسيا قدرتها على تحديد قواعد اللعبة، إلا أنها مطالَبة بمراعاة مصالح القوى المختلفة، ومواصلة بناء تحالفات تكتيكية "غير خطية" للحفاظ على توازن القوى. كما ينبغي عليها أن تفهم بوضوح "ما الذي تريده جميع الأطراف [...] وما هي السياسة الأكثر ملاءمة في هذا السياق".
3- دور الصين في ضم سوريا إلى المنطقة الأوراسية
في هذا الإطار، يتعين على روسيا أن تأخذ في الحسبان النمو الاقتصادي المتسارع للصين، والذي يتجلى في التكامل بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومبادرة الحزام للطريق الحرير الاقتصادي الصيني. فقد أصبحت الصين أحد أكبر المستثمرين في الشرق الأوسط، والمستورد الأول للنفط الخام، وأهم شريك تجاري لدول المنطقة، مما جعل وجودها المتزايد عاملاً محوريًا في التنمية الاقتصادية والسياسية للشرق الأوسط بأكمله.
وتحظى سوريا بمكانة خاصة ضمن شركاء الصين في الشرق الأوسط، حيث ساهم التعاون الثنائي في تعزيز مجموعة واسعة من الأهداف الاستراتيجية في المنطقة. فمنذ أواخر الثمانينيات، عملت الصين على رفع مستوى علاقاتها السياسية مع سوريا، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، بما في ذلك تزويدها بشحنات أسلحة مهمة. حتى عام 2011، كانت الصين المورد الرئيسي للبضائع إلى سوريا ومستثمرًا نشطًا في الصناعات الهندسية الثقيلة وقطاع النفط، حيث اعتُبرت سوريا نقطة استراتيجية ضمن مشروع الحزام وطريق الحرير الجديد.
وخلال سنوات الحرب، لم تتوقف الصين عن التعاون العسكري مع سوريا، بل عززت دعمها بعد تحرير حلب في عام 2016 من خلال المشاركة الفاعلة في جهود التسوية السياسية. وفي 2017، أبرمت اتفاقًا لتقديم مساعدات إنسانية، كما أعلنت عن خطط لاستثمار ملياري دولار لإنشاء منطقة صناعية في سوريا بمشاركة 150 شركة صينية، مما يعكس التزامها بتعزيز الحضور الاقتصادي في البلاد.
مع استعادة القوات الحكومية السورية السيطرة على معظم الأراضي، بدأت الصين في إبداء اهتمام متزايد بموارد البلاد الطبيعية ومشاريعها التنموية طويلة الأجل. وقد تجلى هذا الاهتمام بوضوح في معرض دمشق الدولي، حيث شاركت حوالي 200 شركة صينية، إلى جانب إعلان الصين التزامها باستثمار ملياري دولار في القطاع الصناعي السوري.
في عام 2018، استضافت بكين أول معرض تجاري مخصص لمشاريع إعادة إعمار سوريا، وفي منتدى التعاون الصيني-العربي، أعلنت عن حزمة تمويل بقيمة 23 مليار دولار، شملت قروضًا ومساعدات للدول العربية، مع تخصيص جزء منها لسوريا.
وفي 2019، تلقت دمشق دعوة رسمية لحضور القمة الثانية لمبادرة الحزام والطريق التي نظمتها بكين، حيث أكد الوفد السوري استعداد البلاد للاندماج في المشروع الصيني الطموح. وإذا ما تم تنفيذ هذا المشروع في سوريا، فقد يصبح محركًا رئيسًا لانتعاشها الاقتصادي، مما يوفر فوائد مادية كبيرة على المدى الطويل. وبهذا الشكل، تواصل الصين ترسيخ أسس طريق تجاري جديد يمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا الغربية، مرورًا عبر "الهلال الشيعي" (إيران - العراق - سوريا – لبنان).
لطالما كانت إيران الشريك الاقتصادي الأبرز للصين، لا سيما في قطاع الطاقة. وفي عام 2011، أنشأ البلدان لجنة النفط والغاز الإيرانية الصينية في طهران بهدف تسريع المشاريع المشتركة وتعزيز التعاون الثنائي. وقد شهد عام 2016 تطورًا بارزًا في العلاقات بين الجانبين، حيث قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة رسمية إلى طهران، تم خلالها توقيع 17 اتفاقية تعاون، من بينها مذكرة تفاهم حول الترويج المشترك، التي تشمل الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين.
في إطار مشروع طريق الحرير الجديد، بدأت الصين بالاستثمار التدريجي في توسيع الطاقة الاستيعابية لميناء طرابلس الليبي وتحديث بنيته التحتية، بهدف تحويله إلى مركز لوجستي رئيس. وتشمل الخطط الصينية إنشاء خط سكة حديد يربط بين طرابلس وحمص، ما سيساهم في تقليص زمن عبور الشحنات التجارية وتعزيز الروابط الاقتصادية في المنطقة.
ووفقًا للمحلل الروسي كوزنيتسوف، فإن ميناء طرابلس، الذي أصبح فرعًا لشركة كوسكو الصينية - إحدى أكبر شركات الشحن العالمية - يتحول تدريجيًّا إلى مركز استراتيجي لمبادرة الحزام والطريق. وبذلك، قد تصبح سوريا مشاركًا رئيسًا في تنفيذ هذا المشروع الطموح في الشرق الأوسط.
أبدى مستثمرون صينيون اهتمامًا واضحًا بتمويل مشروع خط سكة حديد جديد يربط بين حمص (سوريا) وطرابلس (لبنان)، والذي من شأنه أن يوفر طريقًا تجاريًا بديلاً لقناة السويس، مما يسهل الوصول إلى الأسواق الأوروبية والاستفادة من السوق السورية وقوتها العاملة.
من جانبها، تنظر سوريا إلى المخاطر الإقليمية ضمن رؤية استراتيجية أوسع، حيث تسعى إلى إعادة تشكيل علاقاتها الدولية ليس فقط داخل الشرق الأوسط، بل أيضًا مع دول أوراسيا، في ظل صعود قوى إقليمية كبرى مثل تركيا وإيران. وكما يشير الاقتصاديون الروس، فإن انضمام سوريا إلى منظمة شنغهاي للتعاون قد يشكّل ركيزة قوية لدعم انتعاشها الاقتصادي، حيث يمكن أن يُستَخدَم هذا المنتدى بشكل فعّال لتنسيق المشروعات الكبرى، خاصة في مجالات الطاقة والنقل، وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي بين مختلف الدول.
في ظل التكوين الجيوسياسي المعقد للشرق الأوسط، قد يكون على روسيا أن تستفيد من تحالفات عسكرية وسياسية تكتيكية لإنشاء نماذج تعاون اقتصادي مرنة، مستندة إلى ترتيبات سياسية متنوعة وأساليب تجارية متجددة، وذلك في إطار التنافس على شبكات الطاقة، النقل، والخدمات اللوجستية في المنطقة.
يهدف هذا النهج إلى تحقيق هدفين رئيسين: تعزيز النفوذ السياسي الروسي، وتأمين مصالحها التجارية في أسواق الشرق الأوسط بشكل أكثر فاعلية. في الوقت ذاته، يبرز التنامي المستمر لنفوذ الصين في المنطقة كعامل رئيس يستدعي صياغة استراتيجية روسية واضحة للتعامل معه. لذلك، ينبغي أن تتسم الجهود الروسية بالدقة والمرونة، حيث تتكيف مع السوق الشرق الأوسط شبه المتكامل، وتنسجم مع الهياكل الناشئة لقطاعي الطاقة واللوجستيات العابرة للحدود، لضمان دور أكثر تأثيرًا في المعادلة الاقتصادية الإقليمية.
[1] Marina Sapronova. "Russia–Syria Post-Conflict Cooperation in the Regional Context", In: Torkunov, A., Streltsov, D., Koldunova, E. (eds) The “Asian Turn” in Russian Foreign Policy. Palgrave Macmillan, Singapore, 02 November 2024, pp 539–
[2] باحثة روسية تعمل في قسم الدراسات الآسيوية والأفريقية بجامعة MGIMO في موسكو، روسيا. يُعد هذا القسم من المراكز الرائدة في تدريب الخبراء في دراسات آسيا وأفريقيا والعلاقات الدولية.
[3] باحثة دكتوراة ومترجمة، تخصص فلسفة العلوم، قسم الفلسفة- كلية الآداب- جامعة أسيوط بجمهورية مصر العربية. asmaa.newir1993@gmail.com
[4] على مدى السنوات الماضية، قدمت روسيا دعمًا متنوعًا لسوريا، شمل شحنات من المواد الغذائية، القمح، المنتجات النفطية المكررة، والمواد الهندسية للسكك الحديدية، بالإضافة إلى معدات ولوازم المستشفيات. علاوة على ذلك، وقّعت موسكو عدة عقود هامة لبناء مرافق الطاقة الكهربائية وأنظمة إمدادات المياه، بما في ذلك محطات توليد الطاقة ومشروعات الري.
[5] تم توقيع أول عقد للتنقيب عن النفط والغاز مع شركة "سويوز نفتاغاز" عام 2013، تلاه عقد مماثل في عام 2017 مع شركة "سترويترانس غاز"، التي ستتولى أيضًا استخراج الفوسفات من أكبر مناجم الفوسفات في سوريا، بالقرب من تدمر. بالإضافة إلى ذلك، أبرمت الشركات الروسية "زاروبيزنيفت"، "زاروبيزجيولوجيا"، و"تكنوبرومكسبورت" عقودًا للتنقيب عن النفط، واستعادة إنتاج الحقول النفطية، وصيانة المصافي المتضررة.
وفي يناير 2018، وقّع رؤساء الهيئات الحكومية المعنية في روسيا وسوريا خارطة طريق لتعزيز التعاون في مجال الطاقة. وبينما تستحوذ روسيا على الحصة الأكبر من قطاع النفط السوري، تظل الولايات المتحدة تتحكم فيه عبر وسطاء.
[6] في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2016، وقّع وزراء الطاقة في روسيا وتركيا الاتفاق الحكومي الدولي لإنشاء وتشغيل خط أنابيب "السيل التركي"؛ وذلك عقب اجتماع الرئيسين الروسي والتركي في إسطنبول على هامش مؤتمر الطاقة العالمي.
[7] إضافة إلى خطي أنابيب "السيل التركي" و"السيل الأزرق" الروسيين، تمر عبر تركيا عدة خطوط رئيسة لنقل الطاقة، من بينها خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول، وخط أنابيب النفط باكو-تبليسي-جيهان (BTC)، وخط أنابيب الغاز الطبيعي باكو-تبليسي-أرضروم (BTE). كما انضم الرئيس رجب طيب أردوغان إلى مبادرة الحزام والطريق (BRI)، المشروع الاقتصادي الضخم الذي تقوده الصين.
[8] في 2 يناير 2020، صوّت البرلمان التركي لصالح إرسال قوات لدعم حكومة الوفاق الوطني في ليبيا.
[9] يُعد خط أنابيب شرق المتوسط، الذي يبلغ طوله 1900 كيلومتر، أطول خط أنابيب غاز طبيعي تحت سطح البحر في العالم. وسيربط حقول الغاز البحرية الواقعة بالقرب من سواحل إسرائيل وقبرص بكل من اليونان وإيطاليا. يحظى هذا المشروع بدعم قوي من الاتحاد الأوروبي، ومن المقرر أن يبدأ تشغيله في عام 2025. وفي هذا السياق، عمّمت وزارة الخارجية التركية وثيقة تصف الاتفاقية بأنها "مؤامرة خبيثة ضد تركيا".
[10] لعدة سنوات، كانت ليبيا سوقًا رئيسة للصادرات الروسية من الأسلحة والمعدات العسكرية. كما أبرمت شركة "غازبروم" اتفاقية نفطية تجاوزت قيمتها 170 مليون دولار، في حين أشرفت شركة السكك الحديدية الروسية على مشروع ضخم لبناء شبكة السكك الحديدية. بالإضافة إلى ذلك، تمتعت شركتا "لوك أويل" و"تاتنفت" بحضور تشغيلي نشط في البلاد.
[11] أُجريت المفاوضات في إطار بعثة وساطة قادها الرئيسان الروسي والتركي. وفي 8 يناير/كانون الثاني 2020، وخلال زيارة فلاديمير بوتين إلى إسطنبول، اتفقت موسكو وأنقرة على إطلاق مبادرة وساطة تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار في ليبيا وتعزيز المصالحة بين الأطراف المتحاربة.
[12] منذ خمسينيات القرن الماضي، اعتمدت إسرائيل في سياستها الخارجية على ما يُعرف بـ"عقيدة المحيط"، التي استهدفت بالأساس "الدائرة الثانية" من الدول الإسلامية، أي تلك الواقعة خارج جوارها المباشر، مثل تركيا وإيران. إلا أن أحداث الربيع العربي وما تبعها دفعت إسرائيل إلى إعادة صياغة هذا المفهوم، ليمتد الآن إلى "الدائرتين الثالثة والرابعة"، شاملاً الدول العربية المعتدلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى الدول غير الإسلامية في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
[13] يعارض رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري والمجموعة السنية الداعمة له أي حوار مباشر مع الرئيس السوري وحلفائه، لا سيما إيران. في المقابل، يسعى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري والمجموعة الشيعية المؤيدة له إلى تعزيز التعاون مع سوريا في أوسع نطاق ممكن من القضايا.
[14] ساهم دعم دول الخليج وتحفيز الدور المصري في دفع "جيش الفتح"، أحد أكبر فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، إلى قبول المبادرات المصرية والمشاركة في محادثات القاهرة، مما أكد أن مصر تحظى بدعم السعودية. ولكن من الذي يشجع مصر على الانخراط بفاعلية في الأزمة السورية؟
[15] يبحث الخبراء الروس ثلاثة سيناريوهات محتملة لإعادة إعمار سوريا: الأول يعتمد على الدعم الداخلي من حلفاء سوريا، والثاني يتطلب مشاركة نشطة من الاتحاد الأوروبي بعد رفع العقوبات، أما الثالث فيقوم على تمويل مشترك من دول الخليج.