الدولة الإسلامية، المكبوت السياسي الذي يظهر ويختفي

فئة :  أبحاث محكمة

الدولة الإسلامية، المكبوت السياسي الذي يظهر ويختفي

الدولة الإسلامية، المكبوت السياسي الذي يظهر ويختفي

الملخـص:

مازال المجال السياسي في دول ومجتمعات شمال إفريقيا والشرق الأوسط يتخبط في إشكالات عويصة وعميقة الجذور في البنى المعرفية والنفسية والثقافية؛ فرغم محاولات بناء دول وطنية حديثة تستلهم مقومات الحداثة السياسية الغربية، وتلقيحها ببعض المواريث السياسية الدينية التراثية في بعض الأنظمة السياسية، ورغم ما شهدته الحياة الاجتماعية المعاصرة من قطائع مع الماضي والتراث على صعيد أنماط التفكير والعيش والتدبير الاقتصادي والمؤسساتي نحو المزيد من العقلنة والعَلمنة، مازالت الأفكار السياسية الإسلامية تحتفظ بحرارتها كالجمر تحت الرماد، ليس على صعيد التنظيمات السياسية الإسلامية فقط، بل على مستوى البناء اللاشعوري السياسي الجمعي، الذي تسيطر عليه طوباويات الموروث السياسي القديم على شاكلة: الخلافة، والدولة الإسلامية، ودولة الشريعة ...

إن ما يؤكد هشاشة البناء السياسي الحديث للدول الوطنية عندنا هو عودة البراديغم السياسي الديني إلى سطح الوعي الجمعي، كلما حدث تصدع أو انهيار للنموذج السياسي الحديث، فيما يشبه عودة المكبوت على الصعيد الفردي. فرغم محاولات طمر الموروثات السياسية القديمة، فإنها تنبعث من مرقدها وتنتفض حينما تتوفر الظروف لذلك. إذا كنا قد ركزنا في هذا البحث على الموروث الديني السياسي بعزله إجرائيا عن بقية المواريث القديمة وإبراز بنيته وتحليل أبعاده النفسية والفكرية والثقافية، فإننا لا ننكر تجذر البنى التقليدية الاقتصادية والعشائرية والفكرية والثقافية في اللاوعي الجمعي للمجتمعات الإسلامية.

إن أهمية دراسة سيرورة العقل والمجال السياسيين، وصيرورتهما في راهن الاجتماع السياسي في بلداننا، وتسليط المزيد من الأضواء على المناطق المعتمة في اللاشعور الجمعي، قضايا تحمل أهمية بالغة في فهم الحاضر واستشراف المستقبل. إن مدخل أي مشروع تغييري إصلاحي نهضوي يتطلب وضع العملية السياسية تحت مجهر التحليل؛ لأن مختلف الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها بلداننا يعود بالأساس إلى التكوين المعاق للمجال السياسي، على صعيد المجتمع والأنظمة والتنظيمات السياسية.

المقدمة

تقول القاعدة: كلما اهتزت بنيات الدولة الحديثة، إلا وطفت على سطح الوعي الجمعي فكرة المطالبة بالعودة إلى الأنموذج السياسي الإسلامي التأسيسي، تحت مسمى الدولة الإسلامية أو الخلافة على منهاج النبوة والخلافة الراشدة، بمقتضى القاعدة التي تقر بأن "الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح أولها". إن البنية الوجدانية العميقة لمجتمعات شمال إفريقيا والشرق الأوسط موشومة بالتراث وأمجاد الماضي الإسلامي، الشيء الذي يفسر صعود الحركات والجماعات والأحزاب الإسلامية كلما تزعزعت أسس هذه الدول، والشواهد التاريخية على ذلك عديدة، أقربها إلينا ما حدث من صعود الإسلاميين بعد انتفاضات "الربيع العربي" وما يحدث في الشرق الأوسط من صعود تيارات سياسية إسلامية تحت مسميات عديدة كالقاعدة، وداعش، والنصرة، ...

بغض النظر عن التوظيف الخارجي لهذه التيارات واستعمالها في الصراعات الجيوسياسية الدولية، فمشروعيتها السياسية والاجتماعية تتأسس، في نظرنا، على استعداد المجتمعات الإسلامية لقبول هذه التوجهات السياسية النكوصية في خضم فشل الدول الوطنية الحديثة في التنمية وصناعة مجال سياسي ديمقراطي. الأمر شبيه بما يحدث على الصعيد الفردي، بعودة الإنسان الحداثي، بوعي أو بغير وعي، إلى الارتماء الروحي في أحضان الماضي والارتكان إلى منطقة الراحة بدل مصارعة الحياة وغياهب التقدم بعقلانية مفرطة، بحثا عن التوازن في دائرة الغيب والاعتقاد والتسليم، رغم تعرضه لتنشئة حداثية لمدة طويلة، بحيث تكون عودته اللاشعورية إلى الماضي تفجيرا لمكبوت مكتوم، ورغبة قابعة في غياهب اللاشعور، يتم تنشيطها وإفلاتها من الرقابة حين تتعرض البنيات الحداثية للزعزعة والاضطراب.

إن الإسلاميين يصلون إلى السلطة بإرادة شعبية وبآلية الانتخاب الديمقراطية، بل إنهم حتى إن سيطروا على السلطة بطرائق غير شرعية، فإنهم يجدون مشروعية اجتماعية وسياسية، وقَبولا من لدن فئات عريضة من المجتمع من منطلق وجوب طاعة أولي الأمر، وقاعدة "من اشتدت شوكته وجبت طاعته"، وغيرها من أدبيات السياسة الشرعية المترسبة في قاع اللاشعور الجمعي، الشيء الذي يؤكد نفاذ فكرة أسلمة السياسة إلى الذهنية العامة، معززة بمقولات الآداب السلطانية التي أنتجها العقل السياسي الفقهي عبر محطات تاريخية طويلة.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا