الرحلات العلمية


فئة :  مقالات

 الرحلات العلمية

 الرحلات العلمية:

أندلس القرن الثالث والرابع الهجريين - أنموذجا

محمد عنبري

 

ملخص:

يهدف هذا المقال إلى إبراز دور الرحلات العلمية في نهضة الأمم، وفيه نستعرض بعض ملامح رحلات طلاب العلم الأندلسيين نحو المشرق العربي لتحصيل المعارف العلمية، وقد شكلت هذه الرحلات سمة واعدة بسببها ستصبح الأندلس منارة علمية واعدة، لا تقل أهمية عن نظيرتها في المشرق، وكذلك ما أتاحته الظروف السياسية والاقتصادية إبان القرنين الثالث والرابع الهجريين.

إن الهدف من تحصيل العلم ليس فقط اجترار ما قاله السابقون، بل تطويره ونقده، وهذا ما برع فيه مجموعة من الرحالة الأندلسيين الذين رحلوا إلى الشرق من أجل تحصيل العلوم، فعادوا ليؤسسوا مدارس تعنى بهذه العلوم كل حسب توجهه، ومن الأمثلة على ذلك:

أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي، وأبو موسى عبد الرحمن بن موسى الهواري الأستاجي، وأبو عبد الرحمن بقي بن مخلد القرطبي في العلوم الدينية، ومسلمة بن أحمد المجريطي في الفلك والكمياء، وفي ميدان العلوم البحتة رحل إلى المشرق العلامة الرياضي عمرو بن عبد الرحمن الكَرْماني القرطبي، وفي علوم اللغة والنحو عبد الله بن حمود الزبيدي.

لقد كان من أثر الرحلات العلمية نحو المشرق نوع من التواصل الثقافي الذي بفضله ازدهرت الحياة العلمية في الأندلس، فازداد النشاط العلمي بصورة سريعة ومتنامية.

*****

تختلف غايات ومقاصد وأهداف المسافرين والرحالة، فهناك من يبحث عن الثروة من خلال رحلاته التجارية، والبعض الآخر له مآرب دينية كالحج مثلا أو لأهداف سياسية من خلال إنجاز مهام معينة مرتبطة بالدولة أو نظام الحكم.

وتشكل الرحلات العلمية أهم الممارسات الشائعة نحو الشرق، سمة ميزت الأندلسيين في فترات ممتدة بين القرنين الثالث والرابع الهجري، ويعود هذا التقليد إلى البدايات الأولى لانتشار الإسلام في إفريقية والأندلس، وقد استمدت مشروعية طلب العلم من الدين كمرجعية مركزية سادت طيلة القرون الوسطى والفترات اللاحقة عليه، فهناك آيات وأحاديث نبوية حثت على الرحلة في طلب العلم.[1]

يقول ابن خلدون صاحب المقدمة: (لابد لطالب العلم من الرحلة في طلبه إلى الأمصار المستبحرة).[2] فرحلة البحث في العلوم ومقابلة العلماء تزيد من فرص إتقان التعلم، لذلك نرى علماء المسلمين حريصين للغاية على القيام برحلات علمية، وقد كانت بدايات الرحلات من الأندلس نحو الشرق بحثًا عن كل ما له علاقة بالفقه والحديث، ثم تطورت محتويات هذه الرحلات لتشمل البحث عن الحقول المعرفية والعلمية الأخرى كالطب والفلسفة والحساب والفلك...

وجدير بالذكر أن الخلافات السياسية لم تمنع من انتقال العلماء من مكان إلى آخر بين مختلف أجزاء العالم الإسلامي بجناحيه الشرقي والغربي، ومثالنا على ذلك، الرحالة والجغرافي الشرقي ابن حوقل[3]، الذي قطع رحلة طويلة في مختلف مناطق العالم الإسلامي، وعبر دولاً ذات مؤسسات سياسية متنوعة وسلالات إسلامية متباينة في توجهاتها ومذاهبها الدينية، من الموصل إلى الجزيرة، حيث حكم الحمدانيون إلى مصر الفاطمية، ثم الأندلس موطن الخلافة الأموية في زمن الناصر.

كانت الأندلس تستقطب العديد من الرحالة، وعلى الرغم من ذلك مال ميزان العلاقات بين الأندلس ودول الشرق في البداية لصالح الشرق؛ فقد كانت رحلات الأندلسيين نحو الشرق أكثر انتشارًا بين العلماء، وقد اعتمد الرحالة الأندلسيون بشكل كبير في البداية على علوم الشرق، معتبرين إياها أنها الأصل والأساس الذي يستوجب المعرفة.

ولهذا كانت الرحلات عاملاً في تعزيز وتقوية الروابط بين الطرفين، وسمحت للحياة العلمية والثقافية الأندلسية بالتطور والانطلاق، فأضحت الأندلس على نحو من التشكل العلمي والحضاري ومركزا ومنارة واعدة للأنوار في ذلك العصر.

سلك الرحالة الأندلسيين في تحركاتهم نحو الشرق طرقًا مختلفة، فكان الطريق الأكثر استخدامًا عبر شمال إفريقيا ومصر وسوريا ثم العراق والحجاز، فاتجهوا باستمرار إلى العواصم الإسلامية العظيمة والشهيرة مثل القيروان في تونس والإسكندرية والقاهرة في مصر وبغداد والبصرة والكوفة في العراق ومكة والمدينة في الحجاز وصنعاء في اليمن، وبلا شك، فإن هناك مراكز أخرى كانت أيضًا أقطاب جذب للمسافرين الأندلسيين الذين زاروها.

عندما نستعرض أعمال السير الذاتية الأندلسية نجد أسماء العديد من العلماء الذين سافروا إلى الشرق لاكتساب العلم وإتقانه في مختلف فروعه، ولكن ما يجب أن نأخذه بعين الاعتبار هو النتيجة التي حصل عليها باحث العلم، والتي اختلفت بطبيعة الحال من عالِم إلى آخر.

على أي حال، فإن الواقع الذي تعبر عنه هذه الأعمال واضح، فهي تخبرنا عن خصوصية المقتنيات العلمية وتوجهاتها الأساسية في الأندلس، كما تزودنا بمعلومات عن الإنتاج العلمي للشرق في جميع أنواع المجالات.

كانت مجموعة الأحاديث النبوية هي المحور الأساسي للمسافرين الأندلسيين. لهذا، انطلق عدد من العلماء في رحلة إلى الشرق للقاء أساتذة علم الحديث هناك، وتميزوا في هذا الفرع عند عودتهم إلى الوطن من خلال الدراسات والتجميعات التي أجروها في أعمال منهجية محكمة، ونذكر على سبيل المثال شخصية برزت في هذا التخصص، وهو محمد بن وضاح بن بازيع[4]، الرجل الذي سافر إلى الشرق ثم عاد بعد ذلك إلى الأندلس، حيث أنشأ مدرسة الحديث التي تطورت بفضل جهوده وجهود تلاميذه، وظل ابن وضاح من الأسماء العظيمة في علم الحديث حتى وفاته. ولم يقصر الأندلسيون أنفسهم على الأخذ والتلقي لاكتساب العلوم، بل قاموا أيضًا بتوزيعها وممارستها وتطويرها، وتذكر بعض المصادر[5] أن هاته الرحلات عكست حجم التبادلات الثقافية التي حدثت بين الشرق والأندلس. كما أنه يكشف لنا رغبة الشخصية العلمية الأندلسية المتزايدة لدى الباحث في العلوم في الجمع بين التراث الإسلامي وتعلقه الشديد بالشرق.

ومن بين العلوم الدينية الأخرى التي ركز عليها الرحالة الأندلسيون اهتمامهم بعلوم القرآن، واشتهر أبو موسى عبد الرحمن بن موسى الهواري الأستاجي (نسبة إلى مدينة استجة الواقعة في الجنوب الغربي من قرطبة)، فهو من الرواد الأوائل الذين نشروا علوم القرآن والقراءات في الأندلس. ومن المؤكد أن كتب التراجم الأولى لم تسعفنا في الإجابة عن الكيفية التي تشكّل بداياته العلمية. وإلى جانب الأستاجي نجد بقي بن مخلد القرطبي[6] الرجل الذي يعد أيضا أمهر أندلسي كتب في هذا الفرع من العلوم، يقول ابن حزم القرطبي عن عمله أنه لا نظير له في الإسلام.[7] لقد كانت جهود أبو عبد الرحمن بقي بن مخلد القرطبي في مجال التفسير القرآني وفي التخصصات الأخرى نتيجة لتلك الرحلة نحو الشرق، وتشير مصادر أخرى[8] إلى أن إدخال فقه الإمام مالك بن أنس إلى الأندلس كان نتيجة ثمرة الرحلة التي قام بها أيضا زياد بن عبد الرحمن اللحمي إلى الشرق، وقد انتشر عمل موطأ مالك بين العلماء، وعلى إثر ذلك أنشئت هذه المدرسة وانتشارها في الأندلس كان نتيجة عمل تلميذ زياد، وهو أبو محمد يحيى بن يحيى بن كثير الليثي[9]، الذي شجعه معلمه على السفر إلى الشرق للدراسة هناك، وعند عودته إلى الأندلس حمل معه الكثير من المعرفة، وأصبح المفتي الأول للبلاد، بل وأصبح شيخ المالكية في الأندلس في زمانه.

لم تقتصر الرحلات العلمية الأندلسية على اكتساب العلوم الدينية، بل تجاوزت هذا المجال لتشمل تخصصات أخرى، لهذا ركز العلماء الأندلسيون أثناء رحلاتهم اهتمامهم أيضًا على العلوم العقلية كالطب والحساب وعلم الفلك والفلسفة... علما أن هذا الاهتمام لم يظهر إلا في فترات لاحقة، وخاصة خلال القرن الثالث والرابع الهجري/التاسع والعاشر الميلادي، وهذا يوضح لنا أن الحركة العلمية في الأندلس، تجاوزت حدود العلوم الدينية والتقليدية لتتناول مختلف مجالات العلم والثقافة، وتنوعت واكتسبت طابعًا عالميًا أكثر وضوحًا. كانت بلدان شرق وشمال إفريقيا مصدر اقتناء علماء الأندلس لهذه المعارف، ففي مجال الطب كانت حران وبغداد والقيروان أهم أقطاب جذب للمسافرين الراغبين في دراسة الطب. أما بالنسبة للرياضيات، فقد شهد القرن التاسع والعاشر الميلاديين فترة انطلاق جيدة، فظهر في الأندلس عدد معين من العلماء الذين اكتسبوا معارفهم في الشرق من خلال

 

الجمع بين دراسة الحساب وعلم الفلك، وقاموا بتأليف أعمال قيّمة في هذه المجالات. كانت هذه الأعمال نتيجة الجهود الكبيرة التي بذلوها لتعميق المصادر الهندية واليونانية وترجماتها، ثم الكتب التي كتبها مسلمو الشرق على هذه النماذج.

فيما يتعلق بالهندسة كان كتاب أقليدس - المسمى أيضًا كتاب الأسس أو العناصر – مرجعهم، وقد تُرجم هذا العمل في الشرق في زمن أبي جعفر المنصور، وشاركهم الأندلسيون في الدراسات التي أجريت عليه، ويُعد السمح (المتوفى عام 426هـ/1034م) من أشهر أولئك الذين قدموا له تعليقات تفسيرية وهو مؤلف لعملين في الهندسة[10]. وقد عرفت الأندلس أيضا إنجازات علمية ملحوظة في مجال علم الفلك، ووصلت إلى ذروتها في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، ويعود الفضل إلى علماء الفلك الأوائل الذين سافروا قبل هذا الوقت إلى الشرق، حيث استمدوا معرفتهم، ومما لا شك فيه أن الأعمال التي تم تنفيذها في الشرق، والتي كانت متوفرة قد أعطت الأندلسيين وقتًا لمضاعفة جهودهم، فبرز العلماء الذين درسوا على يد أساتذة مثل مسلمة بن أحمد المجريطي الذي يعد رائدا في هذا الباب، الأخير تكمن أهميته في إنجازاته العلمية المبنية على دراسات رياضية وفلكية، كما تشهد هذه الإنجازات أيضا على مستوى عالٍ ومعرفة واسعة في مراقبة النجوم والحساب الفلكي، وأبو القاسم الغرناطي الذي اشتهر بكتاب العمل بالإسطرلاب، وأبو بكر الكرماني (ت 458 هـ) الذي اشتهر بالجراحة والهندسة وغيرهما الكثير.[11]

كما دخلت الفلسفة إلى الأندلس عن طريق بن مسرة (المتوفى عام 319 هـ / 931 م) الذي تأثر بآراء المعتزلة، ولا سيما في البصرة التي تعد قطب جذب لقادة هذه المدرسة، فبعد عودته من المشرق شرع ابن مسرة في نشر المذهب الاعتزالي[12]. وقد ترك ابن مسرة مؤلفين، لا يزال الجدال يثار حولهما؛ “كتاب الحروف” و”رسالة الاعتبار”[13].

إن الرحلات العلمية نحو الشرق بلا شك، ساهمت في زيادة الروح النقدية للأندلسيين، ففي البداية كان ينظر الأندلسيون إلى كل ما جاء من الشرق باحترام وإعجاب، لكن الاتصال الدائم بين الطرفين والمعرفة التي اكتسبها علماء الأندلس بعلوم الشرق كان له أثره في زيادة الاهتمام بينهم ببحث هذه العلوم وانتقادها بشكل علمي. فكل العلوم التي جيء بها من الشرق لم تعد علوما ذات

حقائق مطلقة على اعتبار أنها دقيقة ولا جدال فيها، أصبحت الآن قابلة للتطوير والنقد، ومغزى ذلك أن الأندلس بدأت تتخطى مرحلة التقليد والاستعارة وصولاً إلى نضج شخصيتها العلمية وبناء كيانها الفكري المستقل، والتاريخ يروي لنا عن هذه المحطة التي تتناول هذا التجاوز، ويستعرض لنا بعض الشخصيات التي تدعو إلى الاستقلال العلمي والثقافي منها مثلا: ابن بسام الذي يقول: (...فغاظني منهم ذلك، وأنفت مما هنالك[14]، وأخذت عن نفسي بجمع ما وجدت من حسنات دهري وتتبع محاسن أهل بلدي وعصري غيرة لهذا الأفق الغريب أن تعود بدوره آهلة)[15]. إن هذا القول لهو إحساس صادق وردة فعل ضد الممارسات العلمية التقليدية للمشارقة التي يفرضها بعض المتأثرين من علماء الأندلس كوصاية عن أن لا علم إلا ما جاء من الشرق، وابن البسام يدعو هنا إلى الافتخار بالهوية الأندلسية وإلى حضارتها. وقد سبق ابن بسام رجل آخر لا يقل أهمية يدعى أحمد بن فرج الجياني، والذي كتب مؤلفا في محاسن أهل زمانه سماه "كتاب الحدائق"، كذلك نفس النزعة نجدها عند ابن حزم الظاهري الذي صنف رسالته في فضائل الأندلس وأهلها[16]، يعرض فيها علماء ومصنفات أهل بلده ويقارنها بعلماء المشرق، حيث انتهى إلى تفوق الأندلسيين وبراعتهم في شتى حقول المعرفة.

وإذا أردنا استعراض بعض المنجزات فيما يتصل ببعض حقول المعرفة، نجد:

  • في العلوم الدينية محمد رجب بيومي الذي ردّ على من يقول بأن الأندلسيين لم يأتوا بإبداع جديد في سائر أنواع الفكر، وكذلك فعل ابن حزم في رسالته الآنفة الذكر وصديقه عبد البر النمري.
  • في التنجيم كان عباس بن فرناس (274 هـ /887 م) أحد رواد الطفرة المذكورة، إذ لم يكن شاعراً وعالماً في التنجيم فحسب، بل حاول الطيران أيضاً بالقفز من قصر الرصافة في قرطبة ولسوء طالعه لم يع ابن الفرناس وظيفة ذنب الطيور لدى هبوطها إلى الأرض وعياً كافياً فأصيب إصابة بَليغة، بيد أنه كان رجلاً سبّاقاً فحوّر وطوّر حفر الزجاج المرو (quartz) الذي عرفه الساسانيون والروم؛ كما أنشأ في إحدى حجرات داره هيكلاً للأجرام السماوية، واخترع ساعة مائية بمقدورها تحديد الصلاة بصورة تقريبية. ولعل تلك الماكنة (التي يسميها النص العربي المنقانة ("minqãna" غدت النموذج الأصلي للساعات المائية التي صنعت في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي.
  • في علم الطب والصيدلة، نجد إسطفان بن باسيل (عاش في القرن الثالث هجري /التاسع ميلادي) الذي ترجم كتاب لديسقوريدوس الذي نقله من اليونانية إلى العربية، ويعد هذا الكتاب أحد أهم الكتب الوافدة إلى قرطبة في حدود سنة (337 هـ / 948 م).[17] أما في الطب وصل الطبيب الحرّاني[18] إلى قرطبة، وانتقل حال ذلك إلى البلاط للعمل طبيباً خاصاً للسلطان عبد الرحمن الثاني. ويأتي ابن جلجل على ذكر هذا الطبيب وابنين لبعض إخوته هما أحمد وعمر الحراني.

كما استطاع العرب بمعونة أحد الرهبان يدعى (Nicolas) أن ينجزوا مراجعة دقيقة وكاملة للنص العربي المشرقي لكتاب (المواد الطبية) وأن يتعرفوا على هوية القسم الأكبر للنباتات المذكورة فيه، وهو إنجاز ذو أهمية فائقة؛ لأن اللغة اليونانية العلمية أصبحت تشكّل منذ ذلك الحين جزءاً من ميراث مجموعة من الحكماء مثل حسداي بن شبرط وابن جلجل ومسلمة المجريطي، وهي الفترة التي ستعرف ظهور أول نماذج الطب الأندلسي المحلي، إذ وضع عريب بن سعيد رسالته في علمي طب الأطفال والتوليد، ثم أعمال أبي القاسم الزهراوي الذي ألف موسوعة الطب التي تميزت فيها الأقسام المتعلقة بالجراحة.

  • في طليطلة وقرطبة ظهر أبو إسحاق إبراهيم ابن يحيى النقاش المعروف بالزرقالي (493هـ-1100م)، وهو من أكثر علماء الفلك أصالة ونفوذا في الأندلس. وإلى جانب الفلك، لم تكن للرياضيات الأهمية نفسها التي كانت للفلك، فأقدم نص رياضي موجود في رسالة غير منشورة حول مسح الأراضي كتبها محمد بن عبدون الجبالي. ويخبرنا خوليو سامسو[19] أن الاتجاه العلمي والتجليات الأولى في الفلك والرياضيات الأندلسية إلا مع مدرسة أبو القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي.[20]

ومجمل القول، بفضل الرحلات العلمية الأندلسية نحو الشرق، والظروف السياسية التي حكمت شبه الجزيرة الإيبيرية، والرخاء الاقتصادي، أخذت العلوم والآداب تنمو وتتشكل على نحو يكاد يكون متوازياً، فشهدت البلاد الأندلسية تقدم العلوم الرياضية والفلكية والزراعية والعمرانية والفلسفية...، في تألق حضاري أشع من الأندلس، كما أشع من الشرق فأضاء العالم بسناه قروناً مديدة من الزمن، نعمت خلالها الإنسانية عبر مسيرتها المتعاظمة بما أكد حقيقتها وأغنى وجودها.

لقد كان فضل عرب الأندلس في الحقبة العربية الإسلامية لا يقتصر على ما قدموه إلى أوروبا من ابداعات وإنجازات علمية في سبيل تحقيق نهضتها المستقبلية، بل إنهم قدموا حصيلة علوم أهل المشرق وفنونهم وآدابهم وسائر معارفهم، وكما فتن أهل الأندلس بأهل المشرق وتجاوزوا ذلك بالتطوير والنقد العلمي، فكذلك أوروبا ستكون على موعد مع هذه التجربة الفريدة. لقد حرص الأندلسيون على تغليب عنصر المشاهدة على النظر والخبرة على الخبر، لهذا يعلمنا التاريخ أن المعارف الإنسانية عبارة عن كتاب مشترك بين الشعوب.

 

المراجع:

ü      ابن خلدون، المقدمة، شرحها وذيلها الجوهر المكنون، دار الكتب العلمية، بيروت.

ü      ابن أبي أصيبعة، عيون الانباء في طبقات الأطباء، شرح وتحقيق نزار رضا، منشورات دار مكتبة الحياة، ب ت، بيروت.

ü      بشري، سعد بن عبد الله، الحياة العلمية فى عصر ملوك الطوائف فى الاندلس (422 - 488 هـ)، طبعة أولى، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية، 1993، الرياض

ü      ابن حزم، رسالة فضائل الاندلس وأهلها، تحقيق صلاح الدين المنجد، طبعة أولى، دار الكتاب الجديد، 1968

ü      شوقي ضيف، عصر الدولة والامارات –الأندلس، دار المعارف، 1989، القاهرة.

ü      القاضي عياض، كتاب المدارك وتقريب المسالك، جزء ثاني، حققه ابن تاويت الطنجي، مطبعة فضالة، 1965، المحمدية- المغرب.

ü      يحيى ذكرى، مفهوم العهد في التصوف اليهودي، دار روابط للنشر وتقنية المعلومات ودار الشقري للنشر، 2017، مصر.

[1] قوله صلى الله عليه وسلم (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة) رواه الترمذي في سننه ج2 ص674 وفي حديث آخر: (من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع.) المرجع نفسه.

[2] ابن خلدون، المقدمة، شرحها وذيلها الجوهر المكنون، دار الكتب العلمية، بيروت، ص 656

[3] المعلومات القليلة المتوفرة عن ابن حوقل مستخلصة من كتابه الذي كان مراجعة وتطويرا لكتاب «مسالك الممالك» للإصطخري والذي كان بدوره مراجعة لكتاب «صور الأقاليم» لأحمد بن سهل البلخي.

[4] أبو عبد الله محمد بن وضاح بن بزيع (199 هـ - 287 هـ) محدّث أندلسي.

[5] نحيل هنا إلى ما ورد في السجل العلمي لندوة: الأندلس قرون من التقلبات والعطاءات، الصادرة عن مكتبة الملك عبد العزيز العامة، 1996

[6] فقيه وإمام ومفسر له تفسير للقرآن وكتاب في الحديث رتبه على أسماء الصحابة، وكتاب عن فتاوى الصحابة والتابعين.

[7] البشري سعد بن عبد الله، الحياة العلمية في عصر ملوك الطوائف في الأندلس، طبعة أولى، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية، 1993، الرياض، ص 278

[8] القاضي عياض، كتاب المدارك وتقريب المسالك، جزء ثاني، حققه ابن تاويت الطنجي، مطبعة فضالة، 1965، المحمدية-المغرب، ص16

[9] تذكر بعض المصادر أن محمد يحيى الليثي كان إماما وفقيه الأندلس الأول وله واحدة من أشهر روايات الموطأ، أخذها عنه أهل المشرق والمغرب، ويعد الرجل شيخ المالكية في الأندلس في زمانه. ينظر: شوقي ضيف، عصر الدولة والامارات –الأندلس، دار المعارف، 1989، القاهرة، ص 115

[10] الأول هو مقدمة للهندسة (مدخل إلى الهندسة) من خلال الشرح التوضيحي لكتاب أقليدس. الآخر هو عمل هندسي عظيم (في الهندسة) حيث يدرس أنواع مختلفة من الخطوط المستقيمة والمكسورة والمنحنية.

[11] ابن أبي اصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، 1965، ص483

[12] يعتقد أن جل أعماله في هذا الباب مفقودة حاليًا.

[13] يحيى ذكرى، مفهوم العهد في التصوف اليهودي، دار روابط للنشر وتقنية المعلومات ودار الشقري للنشر، 2017، مصر، ص74

[14] يقصد التبعية العمياء لبعض علماء عصره من الأندلسيين لأهل المشرق في علومهم.

[15] بشري، سعد بن عبد الله، الحياة العلمية فى عصر ملوك الطوائف فى الاندلس (422 - 488 هـ)، طبعة أولى، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية، 1993، الرياض، ص 179

[16] ينظر: ابن حزم، رسالة فضائل الاندلس وأهلها، تحقيق صلاح الدين المنجد، طبعة أولى، دار الكتاب الجديد، 1968

[17] تشير بعض المصادر أن الإمبراطور البيزنطي أهدى نسخة بديعة من مؤلف لديسقوريدوس باليونانية إلى الخليفة عبد الرحمن الثالث، ولم يستطع الأطباء الذين كان لبعضهم إلمام باللغة اليونانية قراءة الكتاب. فطلب الخليفة الذي لم يكن لديه خبراء في الحضارة الهيلّينية من الإمبراطور أن يبعث له مَن يلقّن اللغة اليونانية العلمية إلى أطبائه. فلبّى طلبه وأرسل الراهب نيكولاس (Nicolas) إلى مدينة قرطبة. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن إسطفان بن باسيل كان تلميذا لحنين بن إسحاق، وقد اشترك معه في ترجمة الكتب العلمية، ومن أهم ما ترجم كتاب المقالات الخمس لديسقوريدوس من اليونانية إلى العربية.

[18] تذكر بعض المصادر أن هذا الحراني الذي ورد من المشرق قال ابن جلجل رأيت حكاية عند أبي الأصبغ تقول أن هذا الحراني أدخل الأندلس معجوناً كان يبيع الشربة منه بخمسين ديناراً لأوجاع الجوف فكسب به مالاً فاجتمع خمسة من الأطباء مثل حمدين وجواد وغيرهما وجمعوا خمسين ديناراً واشتروا منه شربة من ذلك الدواء، وانفرد كل واحد منهم بجزء يشمه ويذوقه ويكتب ما تأدى إليه منه بحسه ثم اجتمعوا واتفقوا على ما حدسوه، وكتبوا ذلك ثم نهضوا إلى الحراني وقالوا له قد نفعك اللّه بهذا الدواء الذي انفردت به، ونحن أطباء اشترينا منك شربة وفعلنا كذا وكذا وتأدى إلينا كذا وكذا وكذا فإن يكن ما تأدى إلينا حقاً فقد أصبنا وإلا فاشركنا في علمه، فقد انتفعت فاستعرض كتابهم فقال ما أعديتم من أدويته دواء لكن لم تصيبوا تعديل أوزانه، وهو الدواء المعروف بالمغيث الكبير فأشركهم في علم وعرف حينئذ بالأندلس‏.‏ ينظر: ابن أبي أصيبعة، عيون الانباء في طبقات الأطباء، شرح وتحقيق نزار رضا، منشورات دار مكتبة الحياة، ب ت، بيروت، ص ص 486-487

[19] أستاذ في قسم اللغة العربية في جامعتي أوتونوما وبرشلونة.

[20] سلمى الخضراء الجيوسي، الحضارة العربية في الأندلس –ج2-، مركز دراسات الوحدة العربية، ط أولى، 1998، بيروت، ص1316


مقالات ذات صلة

المزيد