الضمير في مرآة بول ستروم


فئة :  مقالات

الضمير في مرآة بول ستروم

عند الحديث عن الأخلاق، بصفة عامّة، في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، نكون أمام مجموعة من الضوابط، التي تجعل من أفعالنا وأقوالنا، مضبوطة ومقبولة لدى الآخر. ويحكمنا في ذلك؛ قاض خاصّ هو (الضمير)، فإذا ما قام الفرد بسلوك سلبي؛ فإنّ الضمير يتولّى عملية العقاب والزجر، ممّا يجعل الشخص يعيش حالة من الندم، حتّى لو لم تعرف العامّة بما قام به من سلك مشين؛ فالضمير لا يسمح بما هو سلبيّ. وقد ارتأيت التوقّف عند هذه الموضوع المهمّ من منظور غربي، من خلال رؤية بول ستروم (Paul Strohm)، الذي أفلح في سبر أغوار الضمير، خصوصًا في علاقته بالدين وانسلاخه عنه.

في البداية، يقرّر بول ستروم؛ أنّ ظاهرة الضمير، قد ظلت حاضرة على امتداد عصور، وإمبراطوريات، ومعتقدات، وعقائد، وأثّرت في السلوك البشري منذ ألفي عام وأكثر، وقد عرفها الرومان، (وأطلقوا عليها اسم "كونشينتيا"، ثم استأثر بها المسيحيون الأوائل، وتساوى الإصلاحيون البروتستانت، والكاثوليك المخلصون في اعتمادهم على نصائح الضمير وتحذيراته، وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر، أعاد الضمير اجتياز الحدّ الفاصل بين التديّن والعلمانية، مبدّلاً موضع الاهتمام من الكمال الديني إلى التحسين الأخلاقي والاجتماعي. واليوم، يؤمن به المتديّنون وغير المتدينين، على حدٍّ سواء؛ فهو يحظى بمكانة متميزة في علم اللاهوت والعبادات، ولا تقلّ مكانته عن ذلك في الفلسفة والفنون، ويدَّعي السياسيون التصرف وفق تعاليمه، وهم يفعلون ذلك أحيانًا، ومن اللافت للنظر بالقدر ذاته، اتساع نطاق الاحتكام إليه بين كلّ أطياف الناس وفئاتهم؛ فهو مبحث أكاديمي عظيم القيمة، يستخدمه أيضًا عوامّ الناس، ويستشهد به الناس في كل مناحي الحياة بثقة، بوصفه أساسًا لأفعالهم. يعلّق بول ستروم بالقول: "قد يبدو أنّ هذا الرسوخ المذهل، الذي يتمتّع به الضمير، يشير إلى أنه كيان ثابت، ووجهة نظر أحادية، لا تتغير بمرور الزمن. والحق؛ أنّ الضمير يحيا في الزمن، ومن أشد خصائصه؛ جاذبية قدرته على التعديل الذاتي، والتكيّف مع الظروف الجديدة، على نحو ثابت، وكذلك إدراكه اللامتناهي لشروط الملاءمة الجديدة والملحَّة، لن أعتبر الضمير ثابتًا، لا يتغيّر؛ بل سأعدُّه منقبة من صنع البشر، تحمّل تاريخًا مميزًا وزاخرًا بالأحداث"[1].

ويرى ستروم: أنّ الضمير يرفض أيّ محتوًى ثابت أو غير متغيّر؛ فبإمكانه أن يبرّر التضحية الكريمة بالذات، وفي الوقت نفسه، يبرّر حبّ الذات الذي ينطوي على أنانيّة. وبوسعه أن يحضّ الضمير على عمل خيّر، أو على عمل إرهابي. وقد تكون إملاءات الضمير، مسيحية أو وثنية، تستند إلى الدين أو شديدة العلمانية، قوميّة أنانية، أو دوليّة سخيّة؛ بل إنّ جنس الضمير يظلّ مجهولًا؛ فقد يكون مذكّرًا أو مؤنثًا، وقد يكون صوتًا روحانيًّا بلا جسد، أو صوتًا أبويًّا؛ بل إنّه قد يتحدّث بصوت جمعي كالرأي العام. ولما كان الضمير متغيرًا، بالقدر نفسه، فيما يتعلق بمصدره وموضعه؛ فإنه قد يُصغَى إليه بوصفه صوتًا محفّزًا من الداخل، أو صوتًا آمرًا من الخارج، وغالبًا ما يكون كليهما في آن واحد: هو كائن خارق للطبيعة، يعلم عنا كل شيء، لكنه يدين بولاء خارجي لإله أو للصالح العام؛ فقد فُعلت أشياء رائعة، وأخرى نكراء، باسمه؛ كالإصلاح الاجتماعي الخاضع للعقل، والاستثنائية الجنونية العارضة.

- الضمير المسيحي:

لما احتضت الكنيسة، في الماضي، الضمير سريعًا، وبلا عناء يذكر؛ فإنه غالبًا ما يُظَنُّ: أن مفهوم الضمير مسيحيٌّ في أصوله، لكن ذلك غير صحيح، حسب بول ستروم، يقول: "لكن الكلمة اللاتينية كونشينتيا (الضمير)، كانت بالفعل مفهومًا مزدهرًا في فن الخطابة الإقناعي، والمرافعات القانونية لدى الرومان، قبل مولد المسيح بفترة طويلة، وقد منح مفهوم الضمير، عند الرومان، الأفكار المسيحية المبكّرة عن الضمير، قوامًا وثراءً في الخيال، وستلقي الكثير من خصائصه الضوء على التصوّرات الكاثوليكية والبروتستانتية عن الضمير. ولمّا كان هذا المفهوم قد انتقل عبر هذه التصوّرات؛ فقد ظلّ مؤثرًا على رؤيتنا للضمير في العصر الحاضر"[2]. وقد اعتبر ستروم؛ أنّ أساس الضمير الكلاسيكي، هو الرأي العام، أو ما اتفق عليه المجتمع؛ ومن ثَمَّ، فإن الناس الذين كانوا على خلاف مع الرأي العام، أو الاتفاق الجمعي، يجدون أنفسهم عرضة لتأنيب الضمير واتهاماته.

- المذهب الكاثوليكي والبروتستانتي:

حسب ستروم: إنّ النتيجة الرئيسة لاستيلاء المسيحية على الضمير؛ هي اختيار جيروم لكلمة "كونشينتيا" اللاتينية، في ترجمته للعهد الجديد من الإغريقية إلى اللاتينية في أواخر القرن الرابع؛ ففي النسخة الإغريقية من العهد الجديد، تعتمد رسائل بولس على مصطلح syneidesis "سينيديسيس": وهو مصطلح عام شامل يسبق "كونشينتيا" في الإيحاء؛ بمعنى المعرفة المشتركة، أو المعرفة بواسطة الذات "التي تعرف بذاتها".

يقول ستروم: "وعن طريق ترجمة الاسم "سينيديسيس" إلى "كونشينتيا"، قدم جيروم هذا المصطلح الأخير، في خطوة واحدة، بوصفه نوعًا شديد الأهمية من معرفة الذات في الديانة المسيحية. وبالطبع؛ فإن المصطلحين ليسا مترادفين تمامًا، فباختياره مصطلح "كونشينتيا"، لم يستطع جيروم تجنب بعض مدلولاته التي تكونت سابقًا، فأولًا: كان تاريخ كلمة "كونشينتيا"، يربطها حتمًا بالتوقعات العامة، والمجال العام. وبينما تعد "سينيديسيس": صفة داخلية متأصلة في الفرد، تعد "كونشينتيا": مصطلحًا ذا وجه مزدوج، ينظر في اتجاهين: اتجاه داخليّ بلا ريب، لكن أيضًا، اتجاه خارجيّ إلى الرأي العام، والقيم المشتركة، كما هو الحال في الفهم الشيشروني والقانوني الكلاسيكي. وهكذا، فقد أصبحت شخصية الضمير الإنجيلي والمسيحي، شخصية مختلطة في بداية نشأتها؛ حيث مزجت بين مبادئ الوعي الأخلاقي الخاص والتوقعات العامة. وكان هذا المزج، أو ربما التشوش المحتمل، بين الجانبين الداخلي والخارجي، يعني أن؛ الضمير المسيحي، ربما سيظل يخدم سيِّدَين للأبد؛ صاحبه أو الخاضع له من ناحية، والآراء المذهبية أو اللاهوتية لراعيه الكنائسي من ناحية أخرى"[3].

ما يجب التأكيد عليه: أنّ لتصورات الضمير التي وردت في رسائل القديس بول، كما نقلتها ترجمة جيروم اللاتينية للغرب، مقاييسَ ثابتة، وأيضًا، أسبابًا للجدال عبر التاريخ المسيحي اللاحق، وتظهر أكثر هذه التصوّرات، تأثيرًا في رسالة القدّيس بولس إلى أهل رومية، في الإصحاح الثاني الآيات 14- 16، والتي يوضح فيها القديس بولس: أن اليهود تحكمهم قوانينهم، أما غير اليهود أو المسيحيين؛ فهم يحكمون أنفسهم بالنواميس النابعة من أنفسهم، ويظهر أثر الناموس محفورًا في قلوبهم؛ حيث إن ضمائرهم تشهد عليهم. وهكذا، يُعدّ الضمير لدى القديس بولس؛ جزءًا أساسيًّا من صاحبه، وهديّة مباشرة وشخصية من الله إلى المؤمن، وهو رأي سوف يزداد أهمية مع ظهور العديد من المذاهب البروتستانتية الحديثة الأولى. لكنّ الضمير برأيه يؤدي، أيضًا، دورًا قضائيًّا أعمّ؛ فهو يقضي بين الأفكار المختلفة، وأخيرًا؛ فهو يشهد أمام الله يوم القيامة.

ولتوضيح هذه النقطة أكثر؛ نتوقف عند القديس أوغسطين، الذي ظل متنقّلًا بين العقائد الإيمانية المختلفة، قبل أن يتحوّل إلى المسيحية؛ فقد كان متردّدًا في اختياره؛ لأنّ المسألة عنده مسألة ضمير. يقول في كتابه "الاعترافات": لقد أتى اليوم الذي يجب أن أتجرّد فيه أمام نفسي، ويتمتم ضميري بداخلي، قائلًا: أين لساني؟ صحيح أنك قد ظللت تؤكد أنّك لن تطرح عبء الكِبَر، لأجل حقيقة غير مؤكّدة، ولكن انظر، فالأمور الآن مؤكدة، ومع ذلك، ما زلت مهمومًا بنفس العبء، بينما الآخرون الذين لم يرهقوا أنفسهم هكذا في البحث عن الحقيقة، ولم يقضوا عشرة أعوام وأكثر يفكّرون في الأمر، قد تخلّصوا بالفعل من أعبائهم، وهكذا، فقد أصبت بالضيق الداخلي، وشعرت بالحيرة العنيفة، والخزي الشديد"[4].

فحسب ستروم: إنّ شخصية الضمير لدى أوغسطين، كانت شخصية تتميز بنفاذ الصبر، وأيضًا، سرعة الغضب، لكن لم تكن هذه الشخصية محرّضة على الخطأ؛ فالضمير، إذن، يمثل صوت المعارضة المخلصة، ويتميز بالحرص على التحسين الذاتي، وهو ما حصل مع أوغسطين، فرغم التردّد، اعتنق المسيحية؛ لأن ضميره هداه إليها، ففي البداية كان الضمير يتأرجح بين دوريْن؛ مرّة صديق ومرّة عدو. لكن في العصور الوسطى، حسب ستروم، حدث نوع من الاستقرار من خلال اتحاد الكنيسة والضمير، يقول: "فلأوّل مرّة أصبح الضمير، بدلًا من التحول، حسب تقلبات الموقف والرأي العام، مزوّدًا بمحتوى راسخ في صورة اللاهوت المسيحي، واحتفظ الضمير، في العصور الوسطى، بقدرته على الحديث الداخلي ومخاطبة باطن المرء"[5]. وقد عدّ الراهب البنيدكتي (بيتر) الضمير: مرسلًا من الله إلى الروح المسيحية المتقلّبة.

في المقابل، نجد المذهب البروتستانتي؛ حيث يصرّ لوثر على أنّ الضمائر لا يقيّدها سوى أمر من الله، وبالتالي، نهاية دور البابوات، وتدخّلهم في الحياة الإيمانية. يقول ستروم: "ولم تنتقص الادعاءات البروتستانتية، بشأن الضمير، بالطبع، من ولاء الكاثوليكيين لفهمهم الخاص لنفس المفهوم، ولكن الآراء التي يطلق عليها "كاثوليكية" و"بروتستانتية"، بدأت تتباعد؛ حيث ادَّعى كلٌّ من إراسموس الكاثوليكي، ولوثر البروتستانتي: أنّه هو ما فوضهما لتفسير الكتاب المقدّس، ومن ثم؛ فهو البوصلة التي يسترشدان بها في الحياة. إلا أن لوثر يرسخ الادِّعاء الإنجيلي المعتاد: بأن الضمير الشخصي؛ هو أساس تفسيره للإنجيل. بينما يزعم إراسموس، على نحو لا يخلو من المعقولية: أنّ ممارساته التفسيرية، تعتمد على الضمير، وعلى القدرة على التمييز على حدٍّ سواء"[6]. وهنا، ملاحظة لا بد منها؛ فالضمير الشخصي يجب أن يكون، وفق القانون، لا يتحدى النقط الحمراء، ليس فقط فيما يخصّ قضية الإيمان؛ بل وكل ما يخالف الأخلاق.

- علمانية الضمير:

يرى ستروم: أنّ هجمات كالفن على الضمير، كانت شديدة القسوة؛ حيث يرى كالفن: أنّ أمر الخلاص، يرجع إلى مدى إيمان الفرد بالمسيح، وبالتالي، فإنّ البروتستانتية نزعت عن الضمير الصفة المؤسّسية، فتفكّكت الروابط بين الشعائر الدينية، والضمير الفردي، وظهر ضمير أكثر دنيوية، وهو ما كان موجودًا لدى الرومان؛ كان الضمير عندهم اجتماعيًّا أكثر منه دنيويًّا، وهكذا، حسب ستروم: إنّ رؤية الضمير على أنه كان مستقلًّا جزئيًّا، أو حتّى كلّيًّا عن الوازع الديني، كانت دائما مطروحة وموجودة، ومنذ أواخر القرن السابع عشر، بدأ الضمير العلماني في التنافس بشكل عملي مع الضمير المسيحي على التأثير في تنظيم حياة البشر. وقد رفض لوك الادّعاء القائل: إن الضمير ينبع من الإيمان الفطري، أو كونه هديّةً مرسلة من الله؛ لذلك ذهب إلى القول: إن العقل؛ هو الحكم. مع عدم إنكاره التنوير الإلهي، لكن المصدر الرئيس للقيم الأخلاقية ليس الوحي الإلهي، مؤكّدًا أنّ أيّ وحي مزعوم، يجب تقييمه بناءً على أسس معيّنة غير الاقتناع العاطفي؛ بل يجب أن يحكم عليه بالعقل.

توقّف ستروم عند قضية مهمّة؛ وهي الضمير والإجماع الاجتماعي، وقد أكّد أهم فلاسفة القرن الثامن عشر، تأكيدًا متزايدًا على مفاهيم العقل والعاطفة، وأخيرًا، الإحساس بالأمور المتعلقة بالاختيار الأخلاقي. إلا أنّ أي اختيار أخلاقي، يتم بالكامل داخل عقل صاحبه يظل عرضة للدوران في حلقة مفرغة، وعرضة للسفسطة. والعقل وحده، أو حتى بعد تطبيقه على الدليل التجريبي، غير كافٍ لمراقبة عمل الضمير، وخاصة عند تطبيقه بواسطة الفرد المستقل؛ فهو يظل عرضة للخطأ، أو للتأثر بالمصلحة الشخصية، عندما يُستخدم في غياب سلطة خارجية أو قيد. وإذا كان ذلك القيد لن يوفره إله متدخّل بقوة، أو توفّره أوامر الدين. ويعتقد كلٌّ من لوك وشافتسبيري: إنه يجب ألا يحدث ذلك؛ فإن الميل نحو القواعد الاجتماعية والإجماع، يوفر أساسًا بديلًا لنظرية السلوك الأخلاقي. وتطرق إلى عمل آدم سميث بطريقة لطيفة، يقول عنه ستروم: "كان الشخص الذي وضع كل ذلك، على أساس اجتماعي بطريقة لطيفة، وهو أساس لا يحتاج إلى إنكار مشاركة الله في الشؤون المتعلقة بالضمير، لكنه لا يتطلب، إطلاقًا، حضور الله. (هو الفيلسوف الإسكتلندي آدم سميث). ولا يستبعد سميث الإله تمامًا عن نظامه، لكنه يقدمه في صورة ضعيفة، لا تتيح له السيطرة مستقلًّا فيما يتعلق بأحكام السلوك البشري"[7]. وهذا يُعدّ تأكيدًا على أهمية السلوك لدى الفرد، دون ربط ذلك بالإله. وبالتالي، حسب سميث: يجب على الإنسان أن يعتبر نفسه عرضة للمساءلة أمام رفاقه من البشر، قبل أن يكوِّن فكرة عن الإله، أو عن القوانين التي يستخدمها ذلك الربّ، في الحكم على سلوكه.

- صوت الضمير:

يؤكد بول ستروم: أنّ للضمير صوتًا، ودليله؛ قصّة أوغسطين، وتردّده في الاختيار، فطالب الضمير بحقّه في التعبير عن نفسه، وهنا، يقول ستروم: "يؤكد الضمير بقوّة على حقّه في الحديث، وأنه لن يُحرم منه، ومع ذلك؛ فهو يتحدث بوصفه صديقًا ومستشارًا، وليس مغتصبًا أو متنمّرًا، وهو يعبّر عن كلماته داخليًّا، ويظهر تأثير هذه الكلمات خارجيًّا أيضًا، وتبدو صلته الحميمة بصاحبه واضحة، في اختياره مخاطبة أوغسطين بضمير المخاطب"[8]. ويؤكد ستروم، نقلًا عن إدوارد إريل كلاريندون: أنّ الضمير سيضعف في حالة مراعاة المصلحة الخاصة، أو حينما تتغلّب عليه الأعراف، وممّا تجدر الإشارة إليه، والتأكيد عليه، وفقًا لبول ستروم: هو أنّ بعض الناس يمضون في طريقهم، دون أن يمتلكوا ضميرًا على الإطلاق، وبالتالي، سيكونون قادرين على القيام بالأعمال المشينة، دون ندمهم على ذلك. ما ذهب إليه ستروم صحيح، إلاّ أنّنا، في الوقت نفسه، نقول: إن العديد من القضايا تكون فيها الاستثناءات لتعدد فئات المجتمع الواحد، وفي هذه الحالة، يغيب الضمير عن هؤلاء، أو بعبارة أخرى، نقول: إنّ ضميرهم السلبي، سيكون أمام مواجهة القانون، ومواجهة ردّ ضمير المجتمع ككلّ.

ويبقى الضمير، رغم كل ما قيل، في حاجة إلى المزيد من البحث والقراءات؛ فهناك إشكالات جمّة، مثلًا؛ عندما يرفض أشخاص ما الخدمة العسكرية، لكون ضميره يرفض الحروب؟ أو رفض الأطباء لعملية الإجهاض، مثلًا، فهل يمكن حينها اعتبار الضمير حقًّا مدنيًّا؟ أم أنه يعدّ وسيلة للتهرّب من أداء الواجب؟ وبالتالي، يكون الضمير مثله مثل الدين، يتخذه الفرد لتبرير بعض السلوكيات. وسيستمر الضمير، حسب تعبير ستروم، في عمل ما كان يعمله دائمًا، على مستويات متنوعة، لكنّه أصبح يحظى باحترام أقلّ، أو فارغ من المحتوى الأخلاقي المقنع الذي يستحقّ الإعجاب"[9].


[1]- الضمير، بول ستروم، ترجمة: سهى الشامي، مراجعة: هبة عبد العزيز غانم، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، الطبعة الأولى 2014م، ص 9

[2]- الضمير، بول ستروم، ص 13

[3]- الضمير، بول ستروم، ص ص 14 - 15

[4]- الضمير، بول ستروم، ص 15

[5]- الضمير، بول ستروم، ص 17

[6]- المرجع نفسه، ص 29

[7]- الضمير، بول ستروم، ص 48

[8]- المرجع نفسه، ص 94

[9]- المرجع نفسه، ص 99