جدل الواقع والخيال في المجال السياسي: "الخيال السياسي" لعمار علي حسن


فئة :  قراءات في كتب

جدل الواقع والخيال في المجال السياسي: "الخيال السياسي" لعمار علي حسن

صدر حديثا (أكتوبر 2017) كتاب "الخيال السِّياسي" للكاتب الصحافي، والروائي، والباحث في علم الاجتماع السِّياسي، المصري، د. عمار علي حسن، وذلك ضمن سلسلة عالم المعرفة الشهيرة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت. يقع الكتاب في 280 صفحة (شاملة صفحات الهوامش التي تبدأ من ص 231، فضلا عن صفحات المراجع التي تبدأ من ص 255)، مقسَّمة إلى: مقدِّمة، وستة فصول، وخاتمة (تحت عنوان "خلاصة وتوصيَّات").

أهمية الكتاب وراهنيَّته

يتصدَّى هذا الكتاب، كما يذهب المؤلِّف نفسه، لموضوع نادر في التحليل السِّياسي لم يُطرَق من قبل بشكل مباشر وشامل، سواء في الدراسات العربيَّة أو حتى الغربيَّة. لذا، يمثل الكتاب رؤية أو دراسة أوليَّة تفتح بابا لنقاش مستقبلي، قد تعقبه دراسات ميدانيَّة وتحليلات نظريَّة أكثر تشعُّبا وتعمُّقا لموضوع "الخيال السياسي"، الذي بات يمثل ضرورة لابد منها، لتخليص عالمنا العربي من كبوته الحاليَّة بسبب افتقار القائمين على الشَّأن العام فيه للخيال السياسي، سواء في التنبؤ بالأزمات والمشكلات قبل وقوعها أو حتى في التعامل معها بعد وقوعها.

فالتخلُّف الحالي الذي تعانيه المجتمعات العربيَّة يرتبط ارتباطا وثيقا بغياب الخيال عموما، والخيال السِّياسي بوجه خاص. ويضرب المؤلِّف مثلا على ذلك بعجز الأنظمة السِّياسيَّة في البلدان العربيَّة عن التنبُّؤ بوقوع أحداث الرَّبيع العربي، وعجزها أيضا - الذي ما زال مستمرا - عن وضع رؤية استشرافيَّة للمستقبل تواجه بها التحدِّيات (الداخليَّة والخارجيَّة) التي خلقتها تلك الأحداث.

مقدِّمة الكتاب

يحاول المؤلِّف في المقدِّمة الكشف عن أهمية الخيال عموما باعتباره الطَّاقة السِّحريَّة التي تقود إلى التقدُّم في كافة مناحي الحياة. وينبِّهنا المؤلف منذ البداية إلى أن الخيال الذي يقصده ’’ليس الشرود في أوهام وضلالات لا أصل لها ولا فصل، وليس الاستسلام للخرافات والأساطير التي قد تُسرِّي عن النفس [...] وليس هو بناء التصرُّفات وفقا لما يقوله العرَّافون والمنجِّمون وقارئو الكف، بل هو التنبُّؤ العلمي بما سيأتي بعد فهم ما جرى، وتحليل ما يجري وفق منهج منضبط دقيق، مع إعطاء فرصة قويَّة للتأمل والبصيرة، أو الحدس والاستبطان العميق‘‘([1]).

بحسب المؤلِّف، إن غياب الخيال السِّياسي أو جموده هو الآفة السِّياسيَّة الكبرى. فبناء المستقبل يحتاج إلى رؤية للمستقبل، وبناء هذه الرؤية أمر غير ممكن بدون الخيال السياسي. لكن مجرد امتلاك الرؤية - رغم أهميَّته - ليس كافيا، حيث لابد من البحث في كيفية الانتقال من هذه الرؤية إلى الواقع العملي. وهنا يشير المؤلف إلى نقطة غاية في الأهميَّة، وهي التفاعل الجماهيري مع الرؤية المطروحة؛ فهذا التفاعل هو العامل الحاسم في ترجمتها إلى واقع عملي. فالأحلام تتحوَّل إلى واقع ملموس بالتفاف الناس حولها.

الفصل الأول: معنى الخيال السِّياسي وأهميته

يبدأ د. عمار علي حسن هذا الفصل، بالإشارة إلى عدم إمكانيَّة وضع تعريف دقيق لمفهوم "الخيال السِّياسي"، الذي لا يزال سائلا، دون التطرُّق أولا لمفهوم الخيال بوجه عام.

يعرِّف حسن الخيال عموما بأنه: ’’العقل في أقصى درجات المرونة اللازمة لاختراق المجهول، وكشف الغامض، وإتمام الناقص، ونقد السَّائد، وإبداع الجديد‘‘([2]). والخيال بهذا المعنى هو الذي يدور في "عالم العلم" وليس "عالم الغيب". إنه الخيال الذي يرتبط بالتنبُّؤ العلمي الذي ’’لا ينبع من فراغ، بل من نواميس الكون وأحكامه، وسنن الحياة، ومراقبة السلوكيَّات الإنسانيَّة وتكرارها، ولا يتناقض مع قواعدها، بل يتماشى معها‘‘([3]).

ويأخذ هذا الخيال عدة صور أو أشكال، من بينها الخيال السِّياسي، الذي يزوِّد القيادات السِّياسيِّة بالقدرة على حل المشكلات وتفادي الأزمات التي تعترض طريق النظام السِّياسي نحو تلبية احتياجات الشعب وتحقيق طموحاته وآماله. فبدون إعمال الخيال السِّياسي في شؤوننا العامة، سوف نظل ندور في مكاننا، إن لم نتقهقر إلى الخلف، بدلا من أن نمضي قُدُما إلى الأمام. فامتلاك أي فرد أو مؤسَّسة للمعلومات - مهما كانت درجة كفايتها ودقتها - لا يكفي وحده لتحقيق تقدُّم ورقي المجتمع، حيث لابد أيضا من امتلاك مَلَكَة الخيال، التي تمنح القدرة على التبصُّر والتَّفكير الخلاَّق في المعلومات المتوافرة.

من هذا المنطلق، يجب أن يكون الخيال السِّياسي صفة ملازمة لرجل السِّياسة، وإلا كان هو نفسه عُرضة للسقوط. ويضرب المؤلِّف مثلا على ذلك بمرجريت تاتشر التي أسعفها الخيال في موقفها الصَّلب من الجيش الجمهوري الأيرلندي، وموقفها من حرب الفوكلاند، بينما خذلها في التعامل مع قضية الوحدة الأوروبيَّة حين اعتقدت أن بوسع بريطانيا أن تشقَّ طريقها بمنأى عن القارة العجوز، ما دفع حزبها إلى التخلُّص منها والدفع بجون ميجور إلى كرسي رئاسة الوزراء.

الفصل الثاني: السِّياسة مجالا للخيال... بين الإيهام والإبهام

يبدأ المؤلِّف هذا الفصل بالتأكيد على العلاقة الوثيقة بين السِّياسة والخيال، ثم يشرَع بعد ذلك في تفنيد رأي مَنْ يتنكرون لهذه العلاقة اعتقادا منهم أن الإقرار بها سوف يعيد عِلْم السِّياسة إلى مدار الينبغيَّات، وبالتَّالي الابتعاد عما هو قائم؛ الأمر الذي يتعارض - في زعمهم - مع الدقة العلميَّة والانضباط المنهجي اللذين يستلزمان القياسات الكميَّة والأساليب الإحصائيَّة.

بحسب المؤلِّف، لا يمثِّل إعمال الخيال في الدِّراسات السِّياسيِّة أي خطر على الصِّبغة العلميِّة لهذه الدِّراسات، بل إنه - على النقيض تماما - يثريها ويدفعها قُدُما للأمام. إن الخيال المرتبط بالسِّياسة، أو الخيال السِّياسي، ليس مجازفة أو مقامرة، بل هو استبصار وتأمُّل يعتمد بالأساس على الوعي، والخبرة، ونقاء المشاعر، وذكاء الرُّوح في سبيل الاختيار الأمثل بين البدائل المتعدِّدة؛ وبذلك يسهم الخيال في تطوُّر علم السِّياسة ذاته.

الفصل الثالث: منابع الخيال السِّياسي

في هذا الفصل، يعدِّد المؤلِّف الوسائل أو السُّبل التي تشحذ الخيال السِّياسي. وهي تتمثَّل عنده فيما يلي:

أولا: استقراء التاريخ

إن الإلمام بما قد مضى لا يعني امتلاك الإنسان بعض القصص والحكايات التي تسلِّيه في أوقات فراغه أو تجعله قادرا على أن يتباهى أمام أصدقائه بما لديه من معلومات عن الذين رحلوا، بل هو وسيلة مهمة لقياس ما يجري أمام عينيه الآن، أو ما يتوقع حدوثه في المستقبل [قياسا] على ما حدث لآخرين، كي يحاول أن يتفادى الأخطاء التي سقطوا فيها، ويستفيد من الصواب الذي سلكوه([4]).

بحسب المؤلف، إن مزج الحكمة الكليَّة للتاريخ مع ما يجود به العقل والفؤاد من قدرة على التبصُّر يجعلنا قادرين على التنبُّؤ بما سيجرى. وهنا يستشهد المؤلِّف بجون ج. تايلور الذي يقول في كتابه "عقول المستقبل": ’’من المؤكد أن المستقبل يخبِّئ للإنسان إنجازات أخَّاذة، ولكن أهمها سيتعلق بتلك الميزة الخاصة التي يمتلكها [هذا الإنسان]، ألا وهي تدوين خبراته حتى يستفيد منها الآخرون؛ فهذه القدرة الفريدة تسمَّى الترميز symbolization، وبها تكون الكلمات المكتوبة رموزا للأفكار... وبالمزج بينها وبين الخيال يستطيع الإنسان أن يخطِّط للمستقبل عن طريق إدراكه الواقعي لنتائج حدث معيَّن مُختار من بين عدد من البدائل والاحتمالات‘‘.

ثانيا: الوعي بالمستقبل

في مقابل استقراء التَّاريخ والوعي به، لابد أيضا من الوعي بالمستقبل من أجل شحذ مَلَكَة الخيال. ويستشهد المؤلِّف في هذا الصَّدد بتوم لومبارد، أستاذ علم النفس والفلسفة بجامعة ريو سالدو بولاية أريزونا، الذي يقول: ’’سواء كان المرء مثاليَّا أو واقعيَّا، متساميَّا أو براغماتيَّا، كونيَّا أو متمركزا ذاتيَّا في الموقف والميل، فإن الوعي بالمستقبل يزوِّد الدماغ الإنساني بالطاقة، ويغنيه ويفيده‘‘.

ثالثا: الدِّراسات عَبْر النوعيَّة

بحسب المؤلِّف، إن عدم الإحاطة بكافة جوانب المعرفة والإفراط في التخصُّص يؤدِّيان، بمرور الوقت، إلى ضمور ملكة الخيال، وبالتالي العجز عن رؤية الصورة الكليَّة للحياة الإنسانيَّة. لذا، يجب التمرُّد على ضيق التخصُّص، والخروج منه إلى براح المعرفة الإنسانيَّة الواسعة، عن طريق استخدام عطاءات العلوم والمعارف الأخرى المختلفة التي تعزِّز التخصُّص وتُثريه. ويضرب حسن مثلا على ذلك برايموند جيس، الذي استخدم ’’الدراسات عبر النوعيَّة في إطلاق خياله، حيث وظَّف معرفته الواسعة بالتاريخ والأدب والفنون واللغات الأوروبيَّة والفلسفة لتحليل وضع السياسات العالميَّة في الوقت الراهن، واستشراف مستقبلها‘‘([5]).

رابعا: روح الفريق

يفتح العمل بروح الفريق آفاقا جديدة للإبداع والخيال. فالقرارات الجماعيَّة غالبا ما تكون أكثر دقَّة وعمقا واتِّساعا من القرارات الفرديَّة، لأن المجموعة تأتي بما لا يمكن لفرد واحد أن يصل إليه؛ علاوة على أن الأفراد يكونون أكثر التزاما بالقرارات التي يشتركون في اتِّخاذها.

ومما يؤكد أهميَّة التفكير الجماعي والعمل بروح الفريق، الانتشار الواسع الذي يشهده العالم الآن لما يسمَّى ببيوت الخبرة think tanks، حيث تعكف فرق علميَّة من ميادين متنوِّعة لدراسة مشكلات معيَّنة يتم طرحها عليهم، كلٌّ حسب تخصصه، لإيجاد حلول لها.

خامسا: الخيال المنطقي الخلاَّق والتَّفكير الجانبي والتَّباعدي

بالنسبة إلى هذه المصطلحات الثلاثة: "الخيال المنطقي"، "التَّفكير الجانبي"، "التَّفكير التَّباعدي"، فإن تعريفاتها، كما استعرضها د. عمار علي حسن، تتشابه بدرجة كبيرة جدا، إن لم نقل إنها تتطابق، حيث ترتكز جميعها على فكرة أساسية، ألا وهي: ’’تَرْك العَنان للخيال لتجاوز المألوف في البحث عن أفكار إبداعية‘‘([6]).

سادسا: نظريَّة المباريات

يُطلَق مصطلح "نظريَّة المباريات" game theory على عمليَّة تحليل تضارب المصالح أو تصارع الأهداف بُغْيَة الوصول إلى أفضل خيار ممكن، أو بتعبير آخر، بُغْيَة اتِّخاذ القرار الأكثر رشدا عبر عمليَّات رياضيَّة محدودة([7]). ولقد عُرفت هذه النظريَّة لأول مرة في مجال الفكر الإحصائي المعاصر، ثم انتقلت بعد ذلك إلى مجال العلوم الاقتصاديَّة؛ ومن مجال العلوم الاقتصادية بدأت تنتقل إلى مجال الفكر السياسي. ليس هذا فحسب، بل انتقلت أيضا إلى مجال الفكر الأخلاقي على يد الفيلسوف الأمريكي جون رولز([8]).

وتفترض هذه النظريَّة وجود مجموعة من اللاعبين يرمي كلٌّ منهم إلى تحقيق ربح كامل على حساب غيره، أو إنجاز وضع حسن للجميع، وتختلف نظرة كل طرف إلى الرِّبح والخسارة وفق عدة معايير، منها: القيم التي تسيطر على سلوك الأطراف المنخرطة في اللعبة، والقواعد التي تحكمها، وحجم المعلومات المتوافرة لدى كل منهما، وإدراكاتهما المتبادلة، وبيئة اللعب، ومراقبة كل حركة يقوم بها الطَّرف نحو تحقيق هدفه وتعديل الاختيارات بناءً على هذا([9]).

سابعا: توظيف الخيال الإبداعي

يركِّز المؤلِّف هنا على الخيال كما يتمثَّل في الأعمال الأدبيَّة عموما، وبشكل خاص الرِّواية، وبشكل أخص الرِّواية التَّاريخيَّة، التي صارت - بحسب المؤلِّف - أحد مصادر التَّاريخ. فالأعمال الأدبية تمثِّل نوعا من المجاز الإبداعي الواعي والقاصد، الذي يطرح رؤية نقديَّة (غير مباشرة) للعالم الواقعي. لذا، يلعب الأدب دورا مهمَّا في في إثراء الخيالي الاجتماعي والسياسي.

ثامنا: المحاكاة

بدأت تجلَّىَّات المحاكاة - باعتبارها تصويرا للعالم الخارجي وتمثُّلا له - في الرَّسم والشِّعر والموسيقى والرَّقص والنَّحت. لكن لم تظلّ هذه التجلِّيَّات مقتصرة على مجال الفنّ والأدب، حيث انتقلت بمرور الوقت إلى مجالات علميَّة وواقعيَّة عدة، من بينها المجال السِّياسي. ففي المجال السِّياسي يمكن للباحث أن يخلق بيئة مشابهة لبيئة الظاهرة الواقعيَّة التي يدرسها - لا سيَّما إذا كانت معقدة - بُغْيَة فهمها على نحو أوسع وأعمق([10]). كما يُمْكِنه أن يتخيَّل موقفا يصعب حدوثه، أو يستحيل حدوثه، في الواقع الفعلي بُغْيَة استخلاص مبادئ أو نظريَّات معيَّنة، أو للتأكُّد من صحَّتها.

في هذا الصَّدد، يَحضُر كاتب هذه السُّطور قصة "حي بن يقظان"، لابن طفيل، حيث تمثِّل هذه القصة نموذج متخيَّل يستخدمه ابن طفيل في تفسير الطبيعة الإنسانيَّة، ودور الخبرة الذاتيَّة في حياة الإنسان الفكريَّة والدينيَّة.

ومن أشهر النَّماذج المعاصرة للمحاكاة، هو النَّموذج الذي قدَّمه الفيلسوف السِّياسي المعاصر جون رولز، والذي أَطْلَقَ عليه اسم "الموقف الأصلي" the original position، ’’[و] هو عبارة عن موقف افتراضي (يتشابه إلى حد كبير مع "حالة الطبيعة" the state of nature عند توماس هوبز وجون لوك) لجأ إليه جون رولز ليبيِّن من خلاله كيف يصل الأفراد عن طريق التفاوض إلى مبادئ العدل الاجتماعي‘‘([11]).

تاسعا: استطلاعات الرَّأي

تمثِّل استطلاعات الرَّأي وسيلة مهمة للحاكم كي يقف على مدى رضا المحكومين عن سياساته. إنها إحدى الوسائل المهمة للتنبُّؤ. لذا، فإنها تمثل أحد عناصر صناعة "الخيال السِّياسي"، بشرط أن تتَّسم بالنَّزاهة.

عاشرا، القائد المتبصِّر

بوسع القائد الملهَم، ذو البصيرة النَّافذة، أن يمتلك خيالا سياسيَّا يساعده على إدارة المواقف والأزمات. ويضرب حسن مثلا على ذلك بعدد من القادة السِّياسيين والعسكريين والحقوقيين، من بينهم: السِّياسي البريطاني الفذّ "ونستون تشرشل" (1874 – 1965)، والبطل العسكري الفنزويلي "سيمون بوليفار" (1783 – 1830)، والزَّعيم الرُّوحي للهند "المهاتما غاندي" (1869 – 1948)، والمناضل الحقوقي الأمريكي، ذو الأصول الأفريقيَّة، "مارتن لوثر كينغ" (1929 – 1968).

حادي عشر: استعراض التَّجارب الناجحة ودراستها

يعيب حسن على القائمين على الأوضاع في عالمنا العربي، لا سيَّما السِّياسيَّة منها، عدم وجود مسعى حقيقي لديهم للاستفادة مما عركه الآخرون أو تركوه من تجارب ناجحة، سواء على الصَّعيد المحلِّي أو الدَّولي. والاستفادة هنا لا تعني مجرَّد التَّقليد أو النَّقل الحرفي، الذي لا يراعي اختلاف السِّياقات التاريخيَّة والظروف الاجتماعيَّة وطبائع البشر واحتياجاتهم، بل يُقصَد بها النَّظر في هذه التَّجارب ودراستها بُغْيَة رسم خطة جديدة للمستقبل تتجاوز كل التجارب السابقة التي كانت تتناسب مع مكان وزمان مختلفين.

الفصل الرابع: سُبل تنمية الخيال السِّياسي ومعوقاته

يبدأ حسن هذا الفصل باستعراض أهم سُبل تنمية الخيال السِّياسي عند رايت ميلز، وهي تتمثَّل، باختصار، فيما يلي:

1-      إعادة ترتيب الملفات والمزج بين الأفكار التي يُعتقد، للوهلة الأولى، أن بينها افتراقا أو خصاما تاما.

2-      التَّحديد الصارم والجلي للمشكلة المراد حلها أو الفكرة المراد تحليلها، وذلك عن طريق التَّحديد الدقيق والفهم العميق للمفاهيم والمصطلحات؛ وهذا يتطلب استعمال القواميس والمعاجم والموسوعات والكتب ذات الصلة بموضوع البحث.

3-      نقد السَّائد وإبداع الجديد.

4-      الاطلاع على كل ما يتعارض مع ما نتخذه من مواقف وما نتبناه من أفكار، فبضدها تتميز الأشياء وتنجلي.

5-   عدم الاستسلام للقوالب المنهجية الجامدة، وتجنُّب الغموض الذي يلجأ إليه كثير من الباحثين للهروب من استخراج أحكام محدَّدة عن المجتمع.

أما بالنسبة إلى معوقات أو كوابح الخيال السِّياسي، فإنها تتمثَّل عند حسن، باختصار، فيما يلي:

1-   الوقوعيَّة: أي الاستسلام للواقع والرِّضا بالمقسوم. وتختلف "الوقوعيَّة" بهذا المعنى عن "الواقعيَّة" التي يُقصد بها فهم الواقع وتقدير ما به من موارد بغرض تعبئتها نحو تحقيق الأهداف المرجوَّة.

2-   بلادة صنَّاع القرار: وهذه مسؤولية القيادة العليا، أو متَّخِذ القرار، حين يستريح لاختيار الأشخاص الأقل كفاءة، وأضحل معرفة، لسهولة انقيادهم وتنفيذ ما يُملى عليهم دون مراجعة أو تفكير.

3-   التحكُّم البيروقراطي: أي - على حد تعبير حسن - "سلطة المكاتب" عندما تتحوَّل إلى مصدر تعويق بسبب عُقم القوانين واللوائح التي تحكم عملها.

4-   نقص المعلومات والاستهانة بدورها أو الاستسلام التَّام لها: على خلاف التكهُّن والتخمين، يحتاج الخيال السِّياسي إلى توافر معلومات غزيرة وسليمة لفهم الظاهرة، وهذا يتطلب اعتماد أسس متينة من التفكير العلمي. لكن، في الوقت ذاته، يجب عدم الانشغال، فقط، بالتفاصيل والاكتفاء بجمع المعلومات الغزيرة وكأنها هدف في حد ذاتها، حيث لابد من هضم هذه المعلومات، لا سيَّما المهمَّة منها، ثم إدخالها في عمليَّة ذهنيَّة خلاَّقة للتنبُّؤ بما سيأتي.

5-   الجهل بالتَّاريخ: إن معرفة ما جرى مهمّ لفهم ما يجري والتنبُّؤ بما سيأتي، لأن أحداث التَّاريخ تتشابه في معانيها ومراميها. فمنطق الصراع السِّياسي والاجتماعي لا يتغيَّر، سواء على المستوى الدَّولي أو المحلِّي.

6-   الاستسلام للموروث: أي الوقوع في أسر التقاليد الموروثة، لا سيَّما الدينيَّة منها؛ الأمر الذي يعوق الإبداع والتَّجديد. ولا يعني ذلك إهمال الموروث، بل - على حد تعبير محمود أمين العالم - استيعابه استيعابا نقديَّا في إطار واقعه التاريخي الخاص.

7-   التَّفكير بالتَّمنِّي: أي اتِّخاذ المواقف والقرارات وفق ما يرغب فيه المرء، وليس وفق أدلة علميَّة قائمة على إمعان النَّظر في الواقع ودراسته. ويضرب حسن مثلا على ذلك بأحمد داود أوغلو، وقت أن كان وزير خارجية تركيا، حيث أعلن، بثقة متناهية، في أغسطس 2012، أنه لم يعد أمام الرئيس السوري بشار الأسد سوى بضعة أشهر، إن لم يكن بضعة أسابيع فقط، للرحيل. وتبيَّن بمرور الوقت أن هذا التوقُّع خطأ إلى درجة يُرثى لها.

ويَحضُر كاتب هذه السُّطور حالة أخرى تنطبق على الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، حيث أَخَذَ، خلال فترة الدِّعاية الانتخابيَّة له في 2014، يُطلِق العديد من الوعود البرَّاقة، التي كانت في مجملها تدور حول نقل مصر نقلة نوعيَّة لم يسبق لها مثيل، ورغم ذلك فقد أوشكت فترته الرئاسيَّة على الانتهاء (وفقا للدستور تنتهي في يونيو 2018) دون أن يتحقَّق أي وعد من وعوده، بل ساءت الأوضاع أكثر بعد تولِّيه السُّلطة، سواء فيما يتعلق بالاقتصاد أو الحقوق والحرِّيَّات.

8-   الإيديولوجيا: رغم أن مفهوم الإيديولوجيا من أعقد المفاهيم السياسيَّة وأكثرها إثارة للجدل، فإنه من الممكن تحديد التَّأثير السَّلبي للإيديولوجيا على الخيال السِّياسي من خلال ما يلي:

(أ) تمثِّل الإيديولوجيا، بما تحمله من تنبُّؤ هو أقرب إلى الحتميَّة التَّاريخيَّة منه إلى التنبُّؤ العلمي، عقبة أمام التَّفكير في المستقبل بحرِّيَّة.

(ب) عندما تصير الإيديولوجيا هي المرجعيَّة النهائيَّة للعقل، فإنها توجِّه التَّفكير إلى مسارات بعينها.

(جـ) عندما تُجبِر الإيديولوجيا أتباعها على تطويع نتائج تخيُّلهم لخدمة أغراضها النهائيَّة؛ فإن هذه النتائج تتحوَّل إلى أوهام، وهو ما يُسمَّى بـ"الأدلجة".

الفصل الخامس: مجالات توظيف الخيال السِّياسي

في هذا الفصل، يعدِّد حسن أهم مجالات توظيف الخيال السِّياسي، وهي تتمثل، باختصار، فيما يلي:

أولا: عبور الأزمات

يعرِّف حسن الأزمة بأنها تهديد لشيء جوهري أو هدف قومي مع ضيق في الوقت ونقص في المعلومات. ويرى أن التصدِّي للأزمة بهذا المعنى يتطلَّب من صانع القرار توظيف الخيال السِّياسي، الذي يمكن عن طريقة ترميم النقص في البيانات من ناحية، والتغلُّب على مأزق الزمن من ناحية أخرى.

ثانيا الخطط والاستراتيجيَّات

يعرِّف عمار الاستراتيجيَّة بأنها: ’’عمليَّة فكريَّة منضبطة ذات مخرجات وغايات ووسائل محدَّدة بوضوح، وهي تخدم الهدف السِّياسي الوطني، وتخدم السِّياسة في إطار التقلُّبات والتعقيدات والهواجس والغموض‘‘([12]). ويتطلَّب وضع الاستراتيجيَّات بهذا المعنى ممارسة "حِسّ تقدير الأمور"، ذلك الحِسّ الذي يتطلَّب بدوره قدرا لا يُستهان به من الخيال العلمي. فعن طريق الخيال يتم تعميق الفهم، وتوسيع التفسيرات المنطقيَّة الممكنة، ووضع الخيارات البديلة، وتحديد الفرص المحتَملة.

ثالثا: الحرب

يفيد الخيال المحاربين، سواء في مرحلة التخطيط للقتال أو أثناء إدارة المعركة في الميدان نفسه، ويضرب حسن مثلا على ذلك بحرب أكتوبر 1973، التي دكَّ فيها الجنود المصريون السَّاتر التُّرابي (خط بارليف) بمدافع المياه المضغوطة، الشيء الذي لم يكن يتوقَّعه أبدا جيش الاحتلال الإسرائيلي.

رابعا [وخامسا]: مكافحة الإرهاب [ومواجهة الفساد]*

استفحال ظاهرة الإرهاب واتساع رقعتها، لا سيَّما بعد أحداث الرَّبيع العربي، يدل على أن الطُّرق التقليديَّة لمواجهتها لم تعد شافيَّة ولا كافيَّة، ما يعني ضرورة توظيف الخيال للبحث عن طُرق أو وسائل جديدة.

وإذا كان الإرهاب يشحذ طاقات الدَّولة في مواجهته، فإن الفساد يدمر هذه الطاقات أصلا. لذا، يمثل السعي الجاد للقضاء على الفساد بكافة أنواعه (السِّياسي والمالي والإداري) أمرا غاية في الأهميَّة للقضاء على الإرهاب. فالعلاقة بين الفساد والإرهاب علاقة وطيدة، وللنظر في هذه العلاقة وتحديد طبيعتها، لابد من إعمال الخيال.

سادسا: الحِسّ الأمني

يُعرِّف د. عمار على حسن الحِسّ الأمني بأنه امتلاك ’’الفرد إحساسا يجعله يستشعر الجرائم قبل وقوعها بُغْيَة منعها [...] وهو في كل الأحوال عامل مساعد على أداء الواجبات الشُّرَطيَّة في ظل المخاطر الأمنيَّة‘‘([13]). ويعتمد الحِسّ الأمني بهذا المعنى على عنصرين([14]):

لأول: وجداني، ويتمثَّل في الشُّعور بأن هناك شيئا ما أو تصرُّفا ما غير عادي، الأمر الذي يستدعي الحيطة والحذر.

الثاني: موضوعي أو عقلاني، ويتمثَّل في الوعي والخبرة التي تبدأ عطاءها بعد الومضة الداخليَّة التي يوفرها العنصر الأول.

سابعا: تقدير الموقف

يمثل "تقدير الموقف" أحد العمليات المهمَّة التي يحتاج إليها صانع القرار - أيا كان موقعه، ويعرِّفه حسن بأنه: ’’عملية مركَّبة تقوم على جمع وتحليل وربط بيانات جُمعت بعناية، ووفق طريقة علميَّة، لتتشكَّل في صياغات متعدِّدة الأبعاد تسهم في إمدادنا بالقدرة على اتِّخاذ القرار السَّليم حيال القضية أو المشكلة أو الموقف الذي نحن بصدده‘‘([15]). وهذه العملية، تحتاج إلى خيال، على الرغم من الخطوات العلميَّة الصَّارمة التي تمر بها، والتي تحتاج في بعض الأحيان إلى تحليل كمي([16]).

ثامنا: تفادي سلبيَّات الديمغرافيا السِّياسيَّة

يُعنى حقل الديمغرافيا السيِّاسيَّة بدراسة حجم السكان وتركيبتهم وتوزيعهم وعلاقة ذلك بالحكم والسِّياسة. ويعدُّ هذا الحقل من أبرز المسارات العلميَّة والحياتيَّة التي تستوجب إعمال الخيال السِّياسي العلمي، لا سيَّما أنه يتحدث في جانب مهمّ منه عما سيأتي، وليس فقط عن الوضع الراهن، بدءا من المحليات وانتهاءً بترتيبات النظامين الإقليمي والدَّولي.

تاسعا: البحث عن "الكمال الاجتماعي" والمُثُل العليا

تهتمُّ السِّياسة عموما بالتنظيم الأمثل للمجتمع. لذا، انشغل عدد كبير من المفكرين السياسيين بوضع تصوُّرات مختلفة للمجتمع المثالي أو المدينة الفاضلة، مثل أفلاطون وتوماس مور وكامبانيلا وغيرهم كثيرون في حقب زمانية مختلفة.

إن البحث عن اليوتوبيا ليس تَرَفَا فكريَّا لا يفيد، لكنه - بحسب الأديب الفرنسي الشَّهير أناتول فرانس - محاولة لبلوغ مستقبل أفضل. وبذلك تمثِّل اليوتوبيا، من خلال ما تنشده من مُثُل اجتماعيَّة وسياسيَّة عليا، أبرز أشكال الخيال السِّياسي.

في هذا الصَّدد، يَحضُر كاتب هذه السطور ما وُصفت به نظريَّة العدل الاجتماعي عند الفيلسوف الأمريكي الشَّهير رونالد دوركين، حيث وُصفت هذه النَّظريَّة، من قِبـَل قِلَّة من النُّقاد، بأنها ليست أكثر من مجرد أحلام فيلسوف غارق في الخيال. لكن في المقابل، ذهب أغلب النُّقاد إلى أن نظريَّة دوركين، رغم مثاليَّتها، تمثِّل أهميَّة في السَّعي نحو التخلُّص من الظلم الاجتماعي والقهر السِّياسي؛ لأنها تضع الواقع، بكل ما فيه من مرارة وقسوة، في مقارنة مع عالم آخر يخلو من الظُّلم والقهر([17]).

عاشرا: الجماعات المتخيَّلة

يُعرِّف حسن الجماعات المتخيَّلة بأنها ’’القوميَّات القائمة على أساس العِرق أو الدِّين أو اللغة أو الجهة أو الظرف التَّاريخي والمصلحة المشتركة، حيث يتخيَّل أفراد كل قوميَّة حدودهم الجغرافيَّة وحدودهم السياسيَّة والإداريَّة، أو يتخيَّلون سيادتها، وقد يخترعون لها أساطير وحكايات، بل قد يمتدُّ هذا الاختراع إلى ميلاد دول بأكملها‘‘([18]). وهكذا - بحسب حسن - يعدُّ نشوء الدَّولة هو المرحلة الأعلى من الخيال السِّياسي. فلو أن القادة التَّاريخيين أو المجموعات النَّشطة التي أقامت الدُّول تفتقر إلى الخيال السِّياسي الواسع، ما كان بوسعها أن تعلن قيام دولة، سواء على أنقاض الاستعمار أو الإمبراطوريات.

حادي عشر: توظيف الصناعات الإبداعيَّة في خلق التماسك الاجتماعي/ السياسي

تمثِّل الصناعات الإبداعيَّة، من ثقافات وفنون وآداب ورياضة، لا سيَّما خلال القرن الحالي، عنصرا مهمَّا في تكوين الاقتصاديَّات المتقدِّمة، فضلا عن إمكانيَّة التَّوظيف الاجتماعي والسِّياسي لها. لذا، يتعيَّن الاهتمام بها في إطار مؤسَّسي قد يكون "مدنا إبداعيَّة" أو "مناطق إبداعيَّة".

ثاني عشر: صناعة دور دولي

الآن، يتَّسم التنافس بين الدُّول الكبرى على المكانة السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والعسكريَّة، سواء على المستوى الإقليمي أو الدَّولي، بالشِّدة والضراوة. لكن هذا لا يعني فقدان الأمل تماما أمام أية دولة تسعى نخبتها السِّياسيَّة إلى إعمال خيالها السِّياسي للاستفادة من إمكاناتها الماديَّة والبشريَّة بأقصى قدر ممكن. وينطبق ذلك على الدِّول العربيَّة، التي هي في أمسِّ الحاجة الآن إلى إعمال الخيال السِّياسي، لا سيَّما بعد الهزَّات العنيفة التي تعرَّضت، ولا تزال تتعرَّض، لها بعد اندلاع أحداث الرَّبيع العربي.

الفصل السادس: نماذج للتخيُّل السِّياسي

في هذا الفصل، يعرِض حسن بعض النَّماذج النَّاجحة لإعمال الخيال السِّياسي، سواء على المستوى العام - الذي ينصرف إلى حالات عامة - أو على المستوى الجزئي - الذي ينصرف إلى حالات بعينها.

من الحالات العامة، على سبيل المثال، المحاولة ’’التي قام بها غاريث ستيدمان وإيرا كاتزنيلسون، حيث تخيَّلا تأثير التَّفكير الدِّيني والعلمنة في الحالة السِّياسيَّة في المستقبل، بعد أن فحصاها في الماضي، وتحديدا منذ بداية القرن السادس عشر، ليوفِّرا وسائل جديدة للتَّفكير في إلحاح المسائل الدِّينيَّة على عالمنا المعاصر، وعلى ما سيأتي فيما بعد‘‘([19]).

ومن الحالات العامة الأخرى لإعمال الخيال السِّياسي، النِّظام الفيدرالي في الولايات المتحدة، الذي بدأ كحلم سياسي بتشكيل سلطة عامة قادرة على الاستمرار عبر الزمن عن طريق تعزيز ولاء المواطنين - على اختلاف انتماءاتهم الدِّينيَّة والإثنيَّة والثقافيَّة - للحكومة الاتِّحاديَّة والولايات المحلِّيَّة في آن واحد.

وبالنسبة إلى نماذج إعمال الخيال السِّياسي على المستوى الجزئي، فإن هذه الحالات تنقسم - بحسب حسن - إلى نوعين: فرديَّة ومؤسسيَّة.

ويضرب حسن مثلا على الحالات الفردية بما قدمه بريجنسكي في كتابه "الاختيار"، حيث حاول في هذا الكتاب ’’أن يجيب عن أسئلة من قبيل: ما هي التَّهديدات الرَّئيسة التي تواجه أميركا؟ وكيف تتصدَّى لها؟ وهل يحق لها أن تكون الأمة الأكثر أمانا في العالم؟ وهل في وسعها أن تدير بكفاءة علاقاتها الاستراتيجيَّة مع العالم الإسلامي الذي ينظر إليها غالبا بوصفها عدوا؟ وهل بمُكنتها أن تحسم الصِّراع العربي - الإسرائيلي؟‘‘([20]) وغيرها من الأسئلة التي تتعلَّق بمستقبل العلاقات الأمريكيَّة مع أوروبا وروسيا والشرق الأقصى.

أما بالنسبة إلى الحالات المؤسسيَّة، يضرب حسن مثلا عليها بمركز دراسات الوحدة العربيَّة، الذي قام، خلال النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، بتنفيذ مشروع حول "استشراف مستقبل الوطن العربي". ومن أهم ما انتهى إليه هذا المشروع، بعد أن قدَّم عددا من السيناريوهات المُحتَملة للمستقبل، التأكيد - كخطوة وقائيَّة - على ضرورة إطلاق مشروع نهضوي عربي بُغْيَة تحقيق الأهداف التَّالية: الوحدة العربيَّة، والديمقراطيَّة، والعدالة الاجتماعيَّة، والتنمية المستقلة، والاستقلال الوطني، والتجدُّد الحضاري.

كما يضرب حسن مثلا آخر بجامعة الأمم المتحدة، التي شجَّعت، في مطلع ثمانينيات القرن العشرين، باحثين وطنيين في أقاليم مختلفة من العالم الثالث على استشراف مستقبل بلادهم، كان في مطلعها العالم العربي، حيث اشتغل باحثون في مشروع يحمل اسم "المستقبلات العربيَّة البديلة"، والذي ركَّز على الديناميات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والحضاريَّة التي يُحتمَل أن تؤدِّي إلى خلق مسارات لتنمية بديلة؛ وقد صدرت حصيلة هذا الجهد في كتاب بعنوان "صور المستقبل العربي"، شارك في تأليفه عدد من الباحثين والخبراء الاقتصاديين المرموقين، من بينهم: إبراهيم سعد الدين، وإسماعيل صبري عبدالله، وعلي نصَّار، ومحمود عبد الفضيل.

خلاصة وتوصيَّات

من أهم ما تشتمل عليه خاتمة الكتاب، التي تحمل عنوان "خلاصة وتوصيَّات"، التَّأكيد على ضرورة توسيع الدِّراسة العلميَّة للخيال السِّياسي - نظريَّا وتطبيقيَّا - في حياتنا المعاصرة. وتتطلَّب هذه الدِّراسة مراعاة ثلاثة أمور، هي:

1-      استبعاد كلمة "حتما"؛ لأننا لا نعرف كل شيء عن المستقبل مهما حاولنا.

2-   استبعاد كلمة "مطلقا"؛ لأن الأمور التي نفكر فيها نسبيَّة، والأدوات التي نستخدمها نسبيَّة أيضا، ومُختلَف على حُجِّيتها.

3-   استبعاد كلمة "أبدا"؛ لأن النَّتائج التي سنتوصَّل إليها ستكون، مهما حاولنا، مؤقته. فنحن نتفاعل مع شبكة معقدَّة جدا من المواقف والحالات والظَّواهر والظُّروف المستجدة باستمرار.


[1]- عمار علي حسن، الخيال السياسي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أكتوبر 2017، ص 12

[2]- نفسه، ص 28

[3]- نفسه، ص 30

[4]- نفسه، ص 66

[5]- نفسه، ص 76

[6]- نفسه، ص 87

[7]- انظر المصدر نفسه، ص 87

[8]- نصار عبدالله، مفهوم العدل بين تصور المفكرين الليبراليين والماركسيين: دراسة لنظرية الفيلسوف الأمريكي "جون رولز" في العدل، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة القاهرة، 1982م، ص 99

[9]- نفسه، ص 88

[10]- انظر المصدر نفسه، ص 98

[11]- محمد عبده أبو العلا، الحرية والمساواة في الفكر السياسي المعاصر: دراسة في الليبرالية الاجتماعية عند رونالد دوركين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، طـ 1، 2017، ص 220

[12]- نفسه، ص 155

* آثر الباحث أن يضم "مواجهة الفساد" مع "مكافحة الإرهاب" نظرا للعلاقة الوطيدة بينهما كما يتضح من خلال عرض المؤلِّف نفسه.

[13]- عمار علي حسن، الخيال السياسي، ص 179

[14]- المصدر نفسه، ص 180

[15]- المصدر نفسه، ص 182

[16]- المصدر نفسه، ص 182

[17]- انظر محمد عبده أبو العلا، مرجع سابق، ص 153

[18]- عمار علي حسن، الخيال السياسي، ص 204

[19]- المصدر نفسه، ص 214

[20]- المصدر نفسه، ص 215