حوار مع د. فوزي البدوي : تدريس المسألة الدّينيّة بالجامعات


فئة :  حوارات

حوار مع د. فوزي البدوي : تدريس المسألة الدّينيّة بالجامعات

حوار مع د. فوزي البدوي[1]:

تدريس المسألة الدّينيّة بالجامعات

د. نادر الحمّامي: كيف يمكن الاستفادة من هذه المناهج القائمة على النّقد التّاريخيّ الرّاديكاليّ في مستوى الجامعات العربيّة، والحال أنّ أكثرها دأبت على تدريس التّاريخ العربيّ الإسلاميّ وفق مناهج تقليديّة؟

د. فوزي البدوي: إنّ أخطر ما في المدرسة الأنجلوسكسونيّة هو القضايا المنهجيّة الّتي تثيرها بطريقة راديكاليّة، تنتهي إلى محاولة إخراج الإسلام من الحضارة المسيـ- هوديّة (la civilisation judéo-chrétienne)، وبالتّالي إخراجه من الفضاء الإغريقيّ الرّومانيّ (espace gréco-romain) الّذي يشمل حضارة حوض البحر الأبيض المتوسّط. وليس غريباً أنّ استتباعات المنهج الأنجلوسكسونيّ تمتدّ لتطال واقع العرب والمسلمين اليوم في إطار علاقاتهم الاستراتيجيّة والجيوسياسيّة مع محيطهم العالميّ، خاصّة مع سياسة ما يسمّى «المحافظون الجدد» الّذين يمثّلون اليمين المحافظ الصّهيونيّ المسيحيّ في الولايات المتّحدة وفي إسرائيل، مع فترة الرّئيس الأمريكيّ جورج بوش الابن، حيث عمد هؤلاء إلى تكريس الفرضيّات النّظريّة الّتي اعتبرت الإسلام النّاشئ مجرّد توليفة أو أخذ من التّيّار المسيــــ-هوديّ اقتباساً واستعارة، والدّفع بها إلى أقصى مدى، وقد تكفّلت باتريشيا كرون في كتابها عن الهاجريّة ببيان أنّ الإسلام قوّة خام مقتبسة من قيم يهوديّة سامريّة على وجه الخصوص وأنّ هذا الإسلام ليس في الحقيقة سوى نتيجة لاحقة لحركة معقّدة من الاتّصال والانفصال عن اليهوديّة. وهذا إشكال حقيقيّ على الجامعات العربيّة مواجهته، وإدراك أنّ الإسلام ما هو في نهاية الأمر سوى شكل من أشكال اليهوديّة، وأنّه وليد حركة انشقاقيّة داخل هذه الدّيانة وبالتّالي فهو مرتبط أيضاً بالفضاء المسيحيّ، وأزعم أنّ الإسلام هو الوريث الحقيقيّ للمسيــــ - هوديّة الّتي يحاول هؤلاء إقصاءه منها. وعلى الباحثين في هذه الجامعات فهم أنّ دورهم الحقيقيّ تجاه ما تطرحه هذه المدرسة لا يقتصر على الردّ على بعض القضايا الجزئيّة المتعلّقة بالمضمون وإنّما هو يكمن في كيفيّة التّعامل مع السّؤال الرّاديكاليّ الجوهريّ الّذي يمسّ موقع الحضارة الإسلاميّة في العالم، وهذا يتطلّب جهداً نظريّاً كبيراً. ويرجع الفضل إلى بعض الباحثين الألمان المغمورين في أنّهم واجهوا هذا السّؤال وبيّنوا أنّ الإسلام ديانة جديدة ناشئة عن اليهوديّة، وأنّه ينتمي إلى المسيــــ - هوديّة؛ أي حركة الانشقاق الّتي ظهرت بعد «صلب» المسيح أو «رفعه» أو «قتله» في حدود 150م، والتي كانت تضمّ طوائف متعدّدة رفضتهم اليهوديّة التّقليديّة كما رفضتهم المسيحيّة، فقد اعترض القدّيس بولس على دخول طوائف عديدة من الوثنيّين إلى الدّين المسيحيّ، وتمّت مطاردتهم، فانتشروا في البراري والصّحاري، وتُبيّن بعض الدّراسات صلة هؤلاء بالحنيفيّة.

د. نادر الحمّامي: لذلك كانت الآية: {ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرانِيّاً وَلَكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً} [آل عِمرَان: 67]؟

د. فوزي البدوي: هذه الآية ظهرت في سياق الجدل الإسلاميّ اليهوديّ، بعد انشقاق الإسلام عن الحركة المسيــــ - هوديّة؛ أي حين أصبح ديانةً مستقلّة الأركان. وكان لا بدّ لهذه الدّيانة النّاشئة أن تجد مكاناً لنبوّة محمّد داخل مسار النّبوّة السّاميّة القديمة، وهو ما تطلّب أوّلاً، توضيح ما يسمّى بعلاقة النّسب الإبراهيميّ، لذلك نازع الإسلام اليهود هذا النّسب، {ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرانِيّاً وَلَكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عِمرَان: 67]، وكان على الإسلام حينئذ أن يبيّن علاقته بالتّوراة؛ ولكن التّوراة الّتي يتحدّث عنها القرآن ليست هي التّوراة اليهوديّة، وإنّما هي الأسفار الخمسة الأولى منها دون قسم الأنبياء والمكتوبات، وهذا أمر مقصود؛ لأنّ التّصوّر اليهوديّ القديم يشترط النّسب الدّاوديّ في الّذي سيأتي بعد المسيح المنتظر أو النّبيّ المنتظر بعد ذلك، والإسلام بحديثه عن توراة ليس فيها إلّا الأجزاء الخمسة الأولى، إنّما هو يقطع الطّريق أمام كلّ زعم يهوديّ بهذا النّسب الدّاوديّ. نجد حديثاً معبّراً في سيرة النّبيّ عندما جاءه عمر بن الخطّاب وكان جذلاً فرحاً وقد أتى بجوامع من التّوراة، فتغيّر وجه رسول الله -كما تقول السّيرة- وقال له بما معناه: «يا عمر والله لو بعث فيكم موسى حيّاً ما وسعه إلّا اتّباعي، أنا حظّكم من الأنبياء وأنتم حظّي من الأمم»[2]، هذا الحديث يؤرّخ للفترة الّتي بدأ فيها الإسلام يسعى إلى الاستقلال ونشأة دين كامل الأركان، فهذا الإسلام وفق تاريخ الأديان لا يضيره أن يكون قد نشأ في خضمّ ذلك الرّصيد السّامي المشترك، واستقلّ شيئاً فشيئاً ديناً. لذلك لا مبرّر أن يخاف المسلمون اليوم على دينهم من النّقد التّاريخيّ، بقدر ما عليهم أن يتنبّهوا من خطر الإعراض عن مناهج هذا النّقد والنّظر إلى الإسلام معزولاً عن سياقاته التّاريخيّة، فالدّيانات الّتي طُبّقت عليها مناهج النّقد التّاريخيّ؛ كالمسيحيّة والبروتستانتيّة، على وجه الخصوص، أضحت قادرة على التّماسك أكثر أمام مناهج النّقد الأخرى (كالنّقد الأخلاقيّ والنّفسيّ والبنيويّ...) وحافظت بالتّالي على النّبض الحيّ الّذي يصلها بالتّاريخ، ولعلّ المسلمين يبالغون في خوفهم على الإسلام من إعمال النّقد لأنّه نقد مُمَوضعٌ (objectivant)، بعبارة غولدمان (rudolf goldman)، الّذي يقول: «كنّا نخرج من دروس التّاريخ ونحن كائنات محطّمة، كنّا نشعر بوطأة هذا النّقد التّاريخيّ على نصوصنا المقدّسة»، وفي الإسلام أيضاً قدرة على المحافظة على نبضه حيّاً في التّاريخ، فلا مجال للخوف على أيّ دين من الانقراض بمفعول النّقد، وممّا لا شكّ فيه أنّ النّقد التّاريخيّ في شكله الرّاديكاليّ والجذريّ لا يمثّل عائقاً أمام بقاء الإسلام، وعلى الجامعات العربيّة أن تقوم بدورها في بيان ذلك.

د. نادر الحمّامي: إذا عدنا إلى الإصلاح البروتستانتيّ بداية من القرن السّادس عشر، فإنّنا نلاحظ أنّ هذا النّقد قد انطلق من داخل المؤسّسة الدّينية نفسها، في حين أنّ هذا الأمر قد يستحيل وقوعه داخل المؤسّسة الدّينية في الإسلام، لذلك أنت تلحّ على أن تضطلع الجامعات العربيّة بهذا الدّور؟

د. فوزي البدوي: نحن الآن ندخل منعرجاً على درجة كبيرة من الخطورة، مع الأوضاع الّتي تعرفها البلاد العربيّة، والتي تزيد في تعميق أزمة الجامعات المتخمة بمشاكلها اليوميّة. وأذكر في هذا السّياق أنّني كتبت مقالاً منذ التّسعينيات، بعنوان «من أجل بوليتكنيك لتدريس الأديان»، وأعتقد أنّه ما يزال ذا راهنيّة كبرى؛ لأنّني وجدت أنّ هذه الدّولة الحديثة والدّول العربيّة لما بعد الاستقلال قد ركزت جهدها كلّه على المسائل التّقنيّة والعلوم والرّياضيات، ولم تهتمّ بما فيه الكفاية بالمسألة الدّينيّة، وكنت دائماً أعتبر أنّ مقتل الدّولة العربيّة الحديثة هو في تهاونها بالمسألة الدّينيّة، والنّتيجة واضحة للعيان، فجميع البلدان العربيّة تعاني من أزمات دوريّة، تجعل من المسألة الدّينيّة تعود بقوّة إلى نقطة البداية نفسها في كلّ مرّة. وطالما لم تقم هذه الدّول بإعادة ترتيب علاقتها بالدّين، ولم تضطلع مؤسّساتها الجامعيّة بدور مهمّ في ذلك، فإنّ الأزمات ستتعمّق أكثر، ولن يحصل الوعي لدى المجتمعات بأهمّية هذه القضايا الّتي من شأن الفصل فيها أن يحقّق التّوازن الاجتماعيّ المطلوب، لذلك أعتبر أنّ مستقبل هذا الدّين رهين بنوع النّخب المثقّفة والمفكّرة الّتي تتكوَّن داخل الجامعات. ولكن ذلك لا يعني بأيّ شكل أن يتمّ التخلّي عن دور المؤسّسات الدّينيّة التّقليديّة، على غرار المؤسّسة الزّيتونيّة في تونس، وإنّما يعني أنّ عليها هي أيضاً أن تجدّد من مناهجها وتعمل على الالتحاق بالمسار الجمهوري؛ فوجهة نظري أنّ النّظام الجمهوريّ في تونس كان عليه منذ البداية (1956) أن يبني مؤسّساته الدّينيّة الخاصّة به وفق روح معلمنة، مع الإبقاء على المؤسّسة الزّيتونيّة باعتبارها مؤسّسة تقليديّة راعية للكلاسيكيّة، تشتغل وفق ضوابط عامّة تراعي قيم النّظام الجمهوريّ، كما حدث في فرنسا، فالفرنسيّون لم يغلقوا المؤسّسات الدّينيّة التّقليديّة ولم يُضعفوا المعهد الكاثوليكيّ في باريس الّذي ظلّ يشتغل اعتماداً على مناهجه الّتي طوّرها حين بدأ يتفطّن إلى تأخّره التّاريخيّ، وأسّست الجمهوريّة الفرنسيّة في المقابل معهد الدّراسات العليا التّطبيقيّة وبعض المؤسّسات الأخرى الّتي تهتمّ بالنّقد الدّينيّ وتشتغل وفق قيم النّظام الجمهوريّ.

د. نادر الحمّامي: ولكن طبيعة المجتمعات مختلفة، فالمجتمع الفرنسيّ قد تخلّى عن المحافظة منذ بدايات القرن الثّامن عشر، في حين أنّ المجتمعات العربيّة الإسلاميّة لا تزال محافظة حتّى اليوم، ومتمسّكة بما تعتبره ثوابت.

د. فوزي البدوي: الدّول العربيّة الحديثة ليست واعية بعد بأهمّيّة المسألة الدّينيّة، وهاجسها الأساسيّ الّذي حرّكها في هذا الموضوع هو كيفيّة استثمار الدّين لأجل الإبقاء على التّوازنات السّياسيّة الّتي تسمح باستمرار السّلطة، ولم تكن قادرة على مواجهة المسألة الدّينيّة في أسسها لافتقادها لوضوح الرّؤية، ورغم أهمّيّة تصوّر الرّئيس الرّاحل الحبيب بورقيبة للدّولة الوطنيّة بعد الاستقلال، فإنّ تصوّره للمسألة الدّينيّة لم يخلُ من أخطاء انعكست على تعامل الدّولة مع المؤسّسة الزّيتونيّة، فقد كان متشبّثاً بالعلمنة على النّمط الفرنسيّ، وهي علمنة مناضلة (une laïcité militante)، وكان يتصوّر أنّ بالإمكان ترويض الدّين واستثمار مؤسّساته التّقليديّة في سياق بناء الدّولة، ولكنه لم يفكّر بطريقة جذريّة في أن يقيم مؤسّسات دينيّة جديدة تأخذ على عاتقها بناء رؤية نقديّة واضحة للدّين. ولعلّ الجامعة الزيتونيّة عرفت تاريخاً من الإصلاح منذ كتاب «أليس الصّبح بقريب» للشيخ محمّد الطّاهر بن عاشور (1879-1973)، وهو كتاب تناول قضايا إصلاح التّعليم الإسلاميّ تاريخاً ومنهجاً ومضموناً، وهو من أهمّ الكتب الّتي تناولت إشكاليّة التّعليم الدّينيّ عند المسلمين في سياق المواجهة التّاريخيّة بين العالم الإسلاميّ المغلوب والغرب الاستعماريّ الغالب (حسب تعبير المؤلّف)، ولكن ذلك سرعان ما توقّف، واستسلمت تلك المؤسّسة الزّيتونيّة لتصوّرات تراثيّة عقيمة آتية من المشرق، لا ترتقي حتّى إلى ما أنتجه شيوخها التّقليديّون من قبل، لتظلّ إلى الآن فريسة تجاذبات سياسيّة، فلا هي استطاعت أن تحافظ على طابعها التّقليديّ وتنتج شيوخاً متمكّنين من الإسلام الكلاسيكيّ، ولا هي استطاعت أن تنتج جيلاً من الباحثين القادرين على تطبيق المناهج النّقديّة على الدّين. لقد أضعنا ستّين سنة منذ الاستقلال، من أجل تكوين مؤسّسات تشتغل على الظّاهرة الدّينيّة في نطاق الجامعة التّونسيّة وفق روح معلمنة، ولكنّ الجامعة التّونسيّة، كانت تنظر إلى الدّين باعتباره «الموضع العفن من الفلسفة» كما يقول ماركس؛ فلا أقسام التّاريخ اهتمّت بعلم الأديان، ولا أقسام الفلسفة اهتمّت بفلسفة الأديان، ولا أقسام علم الاجتماع اهتمّت بسوسيولوجيا الدّين، فظلّ موضوع الدّين على هامش اهتمام البحوث الجامعيّة، محشوراً في أقسام اللّغة والآداب العربيّة الّتي أخذت على عاتقها الاهتمام بالظّاهرة الدّينيّة ضمن الدّراسات الحضاريّة.

د. نادر الحمّامي: ومن هنا تبرز أهمّيّة تأسيس قسم لدراسة الأديان المقارنة صلب الجامعة التّونسيّة.

د. فوزي البدوي: عرفت الجامعة التّونسيّة بعض المحاولات في هذا السّياق، ولكنّها أجهضت بفعل التّنافس بين جامعة الزّيتونة وكلّية الآداب، وبفعل عدم قدرة الدّولة على اتّخاذ موقف حاسم في هذا الصّدد تعلّلاً بالرّغبة في عدم خلق توتّرات صلب التّعليم الجامعيّ، ولم تتفطّن إلى أنّها كلّما تأخّرت في معالجة المسألة الدّينيّة وفق مناهج نقد الأديان سواء في إطار التّكوين الجامعيّ أو في إطار التّعليم الثّانويّ، فإنّ المجتمع سيدفع الثّمن باهظاً كلّ عشرين أو ثلاثين سنة، بحسب الأزمات الدّوريّة الّتي تطفو على السّطح في المجتمع التّونسيّ بعد كلّ جيلين أو ثلاثة، وتعود إلى نقطة البدء في طرح القضايا الدّينيّة. وفي تقديري إنّ الإشكال وراء ذلك يكمن في تغييب القضايا الأساسيّة؛ وأهمّها قضايا النّقد التّاريخيّ في سياق الدّراسات الدّينيّة. فكلّما تأخّرت المعالجة النّقديّة على أسس موضوعيّة إلّا وتعقّدت الأوضاع، خاصّة في ظلّ الثّورة المعلوماتيّة والطّفرة الرّقميّة الّتي يعرفها العالم اليوم، والتي تتطلّب العمل على بناء وعي نقديّ لدى فئات المجتمع يكسبها نوعاً من المناعة الضّروريّة حتّى لا تتلاشى في ذلك السّيل الهادر من الأفكار الدّينيّة المغلوطة والمتطرّفة الّتي تتدفّق عبر وسائط معلوماتيّة أجنبيّة، ويتلقّفها المجتمع باعتبارها مسلّمات ويبني عليها أفكاره وأفعاله. وأذكر ههنا مفارقة عجيبة عايشت ملامحها حين كنت أدرّس طلبة دار المعلّمين العليا مسائل تتعلّق بالنّقد التّاريخيّ للأديان، وكان بعضهم يتسابق فور انتهاء الدّرس لحضور دروس الشّيخ فلان أو علّان، في بعض المساجد المحيطة بدار المعلّمين، وهذا الأمر غريب ويعبّر عن خلل عميق في دور الجامعة، بالنّظر إلى أنّ دار المعلمين العليا مسؤولة عن تكوين النّخبة، ومردّ ذلك الخلل إلى أنّ الجامعة التّونسيّة لا تقوم بما يكفي لتكوين وعي نقديّ لدى النّخب المتخرّجة منها، وهذا إشكال يستوجب إعادة نظر بناءً على رؤية سياسيّة وفكريّة واضحة، ولعلّ ما شهدته البلاد التّونسيّة في العشريّة الأخيرة ساهم في تشتيت اهتمام السّياسيّين بهذه القضيّة بسبب انغماسهم في المشاكل اليوميّة، وما لم يتدارك هؤلاء هذا الأمر باتّخاذ القرارات الصّحيحة، فلن يأمن المجتمع التّونسيّ على المدى الطّويل والمتوسّط من عودة تلك الأزمات الدّوريّة بأكثر حدّة وفاعليّة. وأعتبر أنّ على النّظام الجمهوريّ أن يعمل على تكريس لائكيّة العقول والنّفوس، وأن يضمن للمشتغلين بالمسائل الدّينيّة حقّ البحث والكتابة، والحياة الكريمة، وحرّيّة التّعبير، حتّى ينعكس ذلك كلّه على المجتمع ويؤتي النّتائج المرجوّة منه.

د. نادر الحمّامي: تلك دعوة ملحّة الآن، لأنّ الأزمات الّتي عرفتها البلاد التّونسيّة منذ الاستقلال لا تنفكّ تعود لتطفو على السّطح بشكل دوريّ، ولعلّ خفوتها في زمن ما لا يعني أنّها اندثرت، مادامت أسبابها لم تُعالج معرفيّاً وموضوعيّاً وأكاديميّاً، بدءاً بالدّور الموكول إلى الجامعات الّتي تتحمّل مسؤوليّة تاريخيّة في هذا الجانب. الأستاذ فوزي البدوي، نشكرك جزيل الشّكر على ما تفضّلت به.

[1] - الحوار مقتطف من كتاب أسئلة الدين والموروث، الصادر عن مؤسسة مؤمنون بلاحدود للنشر والتوزيع

[2] - قال أحمد في مسنده 15195 - حدّثنا سريج بن النّعمان، قال حدثّنا هشيم أنا مجالد عن الشّعبي عن جابر بن عبد الله: أنّ عمر بن الخطّاب أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فغضب فقال: «أتَتَوَّكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيّة لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحقّ فتكذبوا به أو بباطل فتصدّقوا به والذي نفسي بيده لو أنّ موسى صلى الله عليه وسلم كان حيّاً ما وسعه إلّا أن يتّبعني».