روسّو وفلسفة الاعتراف


فئة :  مقالات

روسّو وفلسفة الاعتراف

روسّو وفلسفة الاعتراف[1]

يُنظَر إلى هيغل عادةً على أنّه «العرّاب الفلسفيّ للمقاربة النموذجيّة للاعتراف»[2]. ويمكن الحديث عن وجود اتّجاهين أساسيّين؛ فيما يتعلق بتأريخ ظهور نظريات الاعتراف وبداية تأسُّسها فلسفيّاً. يرى الاتّجاه الأول أنّ هذا التأسيس قد بدأ مع المثاليّة الألمانيّة عموماً، ومع فلسفة كلٍّ من فيشته وهيغل خصوصاً أو تحديداً[3]. أمّا الاتّجاه الثاني، فيرى أنّ ذلك الظهور وتلك البداية موجودان منذ تأسيس الفلسفة اليونانية، وأنّ المثالية الألمانية ليست سوى مرحلةٍ -لا جدال بخصوص أهميّتها- من مراحل تكوُّن وتطوُّر، ما بات معروفاً، في الفلسفة المعاصرة، باسم «فلسفة الاعتراف». الاتّجاه الأوّل هو السائد عموماً، وهو يرى، في فلسفة فيشته، بداية التأسيس الفلسفيّ لمفهوم الاعتراف، وفي فلسفة هيغل، اكتمال هذا التأسيس وذروته[4]. أمّا الاتّجاه الثاني، فيعترف بمركزيّة اللحظة الهيغليّة في مسيرة فلسفة الاعتراف، لكنه يعود إلى فلاسفةٍ، مثل أفلاطون وديكارت وكانط، في تأريخه الفلسفيّ لهذه المسيرة. ويتجسّد الاتجاه الثاني، بشكلٍ نموذجيٍّ، لدى بول ريكور في كتابه المهمّ «مسيرة الاعتراف: ثلاث دراساتٍ»[5]، وبشكلٍ جزئيٍّ ونسبيٍّ، لدى فرانسيس فوكوياما في كتابه الشهير «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» (1992)[6].

ينطلق هذا البحث من أطروحةٍ مختلفةٍ؛ إذ يقول إنّ البداية الفعليّة والمركزيّة لفكرة الاعتراف في الفلسفة حصلت تحديداً مع جان جاك روسّو، وليس مع من جاء قبله أو بعده من الفلاسفة. فمع روسّو، وليس مع من قبله، أصبحت فكرة الاعتراف محوراً أساسيّاً في الفلسفة، بل ربما يمكن أن نجازف بالقول إنّها كانت المحور الأساسيّ - وليس مجرّد محورٍ- الذي تدور حوله كلّ عناصر فلسفة روسّو تقريباً. وبهذا المعنى، تمثِّل فلسفة روسّو حالةً غير مسبوقةٍ في تاريخ الفلسفة، لكنّ هذه الحالة وجدت صدىً كبيراً، لاحقاً، لدى فلاسفة عصره، كأدم سميث وفيشته وهيغل. وفضلاً عن ذلك، يمكن تتبّع آثار فلسفة روسّو عن الاعتراف أو صداها في بعض نظريّات الاعتراف المعاصرة، على الرّغم من الحضور النادر لفلسفة روسّو عموماً، في تلك النظريّات، وفي الدراسات التي تتناولها تحليلاً ونقداً وتقييماً. وبالرغم من اتّفاقنا المبدئيّ مع فريدريك نيوهوسير -أحد أبرز من تناولوا فكرة الاعتراف عند روسّو[7]- في قوله إنّ «روسّو هو أوّل مفكّرٍ، في تاريخ الفلسفة، يضع الكفاح من أجل الحصول على اعتراف الآخرين، في صميم قلب الطبيعة البشريّة»[8]؛ فإنّنا لن نذهب معه إلى درجة القول «إنّ فلسفات الاعتراف في القرنين التاسع عشر والعشرين ليست جوهريّاً سوى سلسلةٍ من الهوامش بالنسبة إلى روسّو»[9]. ويمكن لنا أن نوافق على القول الأخير، إذا تبنّينا نظرةً تفكيكيّةً ترى أنّ الهوامش والحواشيّ، في نصوص فلسفة الاعتراف، لا تقلّ أهميّةً عن المتن، بل ربما فاقته أهميّةً أحياناً. ولا يروم بحثنا هذا الدخول في تفاصيل نظريّة الاعتراف الروسّويّ، وإنّما يسعى إلى التدليل على أهميَّة البحث في هذه النظريّة وضرورته، ومناقشة بعض أهمّ العقبات أو الاعتراضات المبدئيّة التي يمكن توجيهها إلى هذه المحاولة. ولهذا السبب، وضعنا كلمة «تمهيد» في عنوان هذا البحث. فهو تمهيدٌ لبحث نظريّة الاعتراف الروسّويّة، وليس تناولاً مباشراً لهذه النظريّة. ولا تبيّن الاعتراضات المبدئيّة المفترضة صعوبة التدليل على أطروحتنا فحسب، وإنَّما تبيّن، في الوقت نفسه، المعقوليّة الجزئيّة والنسبيّة لأطروحتي الاتّجاهين المخالفين.

العقبة أو الاعتراض الأكثر أهميّةً يتعلق بمسألة الاصطلاح أو اللغة. فارتباط فكرة الاعتراف المعاصرة بكلمة «die Anerkennung» الألمانية - التي أصبحت تقابل لاحقاً كلمة «reconnaissance» الفرنسية، وكلمة «recognition» الإنكليزية - لم يبدأ مع روسّو، وإنّما بدأ، تحديداً، مع فيشته، في كتابه الأهمّ، في هذا الخصوص، «أسس الحقّ الطبيعيّ وفقاً لمبادئ مذهب العلم» (1796)[10]. ففي هذا الكتاب المهمّ، ظهر وتبلوّر، بشكلٍ مبدئيٍّ وأساسيٍّ، مفهوم الاعتراف المعاصر؛ إذ تمّ فيه تأويل الحقوق، من خلال ارتباطها الضروريّ بالاعتراف الفرديّ المتبادل الذي يمنح كلّ شخصٍ وضعيّة حامل الحقّ، ثمّ قام هيغل لاحقاً بتعميق هذا المفهوم وتوسيعه، في «فينومينولوجيا الروح» (1807)، وفي «أصول فلسفة الحق» (1821)[11]، ليصبح، منذ ذلك الحين، «موضوعاً مألوفاً في الفلسفة الأوروبيّة»[12].

إنّ المفهوم أو المصطلح الأساسيّ، في فلسفة الاعتراف عند روسّو، لا يتعلّق بكلمة «reconnaissance»؛ فهذه الكلمة موجودةٌ وبكثرةٍ في نصوص روسّو، لكن تغيب عنها معظم المعاني الأساسيّة الملازمة لمفهوم الاعتراف الفيشتيّ- الهيغليّ. فكلمة «reconnaissance» لا تمثّل مصطلحاً تقنيّاً خاصّاً أو متميّزاً في فلسفة روسّو، وهي تحمل عموماً الدلالات نفسها التي نجدها في اللغة الفرنسيّة آنذاك، والملازمة لها حتّى أيامنا هذه. ويمكن أن نميّز ثلاث دلالاتٍ أساسيّةً لهذه الكلمة، في النصوص الروسّويّة: الشعور بالعرفان بالجميل أو بالامتنان، أو التعبير عن هذا الشعور (وهذه الدلالة الأولى نجدها واضحةً مسبقاً في «انفعالات النفس»[13] لدى ديكارت)؛ الاعتراف أو الإقرار بحقيقةٍ ما؛ والتعرّف إلى أو على شيءٍ أو شخصٍ ما، أو إعادة معرفته. فالمفهوم المركزيّ في فلسفة الاعتراف الروسّويّة هو «amour propre»، والذي سنعتمد مصطلح «الحبّ الشخصيّ» مقابلاً له، كما فعل بولس غانم في ترجمته لكتاب روسّو عن التفاوت[14]. ففكرة الاعتراف عند روسّو تتعلّق بمصطلح «الحبّ الشخصيّ»، وليس بمفهوم «confession»، الذي كان روسّو قد وضعه عنواناً لسيرته الذاتيّة، والذي قد يتبادر إلى ذهن الكثيرين، حين يكون هناك حديثٌ عن الاعتراف عند روسّو. ويحيل مفهوم «الحبّ الشخصيّ» على حاجة الذات، أو سعيها إلى، أو رغبتها في، الحصول على استحسان الآخرين، أو إعجابهم، أو تقييمهم الإيجابيّ.

ويطرح غياب مصطلح الاعتراف، بالمعنى المعاصر له، عن فلسفة روسّو، شكوكاً كبيرةً في خصوص إمكانيّة التدليل على معقوليّة أطروحتنا القائلة بريادة روسّو في مضمار فلسفة الاعتراف. ولا يمكن نفي المعقوليّة الجزئيّة والنسبيّة لهذه الشكوك، إذا أخذنا في الحسبان التعريف الدولوزي- الغتّاري للفلسفة بوصفها «فنّ تكوين وإبداع، وصناعة المفاهيم»[15]. وخلقُ مفهومٍ ما لا يعني مجرّد إحلال كلمةٍ ما محلّ كلمةٍ أخرى، بل يعني تكوين فضاءٍ دلاليٍّ جديدٍ تبدو الكينونة معه مختلفةً عمّا سبق. فالمفهوم الجديد يفسح المجال أمام منظورٍ مختلفٍ، و«مسطَّحٍ معرفيٍّ» جديدٍ، تكشف الكينونة من خلالهما عن نفسها، بطريقةٍ مختلفةٍ. وعلى هذا الأساس، نفهم اقتران المناقشات اللغوية بالمناقشات الفلسفية، منذ «كراتيليوس»[16] أفلاطون على الأقلّ، حتّى عصرنا الراهن، حيث «تتلاقى كلّ البحوث الفلسفيّة في مجال اللغة»، كما يقول ريكور محقّاً[17].

ومن المشروع دائماً، ومن الضروريّ غالباً، على الأقلّ، أن يرافق التحليل أو النقاش اللغويّ للمبنى التحليل أو النقاش الفكريّ/ الفلسفيّ للمعنى. ونجد ذلك واضحاً بصورةٍ نموذجيَّةٍ، لكن ليست حصريّةً، في تساوق التحليلين الأنطولوجيّ واللغويّ عند كلٍّ من هايدغر وغادامِر[18]. ولكن ينبغي، من وجهة نظرنا، عدم اختزال التحليل الفلسفيّ، بشكلٍ كاملٍ، أو بشكلٍ جزئيٍّ وشبه كاملٍ، إلى مجرّد تحليلٍ لغويٍّ، كما فعل بعض أعلام الفلسفة التحليليّة[19] والوضعيّة المنطقيّة (ألفرد آير[20]، على سبيل المثال)، في تناولهم للمذاهب أو المواضيع الفلسفيّة؛ وكما حصل سابقاً في عصر روسّو، حيث كان من الشائع عموماً، لدى فلاسفة القرن الثامن عشر، «تقديم الخلافات الفلسفيّة على أنّها خلافاتٌ سيمانطيقيّةٌ»[21]؛ أي بوصفها خلافاتٍ تتعلّق، بالدرجة الأولى، بمدى دقّة، أو عدم دقّة، الدلالات المعزوّة إلى الكلمات أو المفاهيم المستخدمة.

ويتضمّن التمييز بين النقاش اللغويّ، أو المتعلّق باللغة أو بمبنى الفكرة، بالدرجة الأولى، والنقاش الفلسفيّ المتعلّق بالفكرة، من حيث دلالاتها أو معانيها ومضامينها، تمييزاً بين الفكرة والاصطلاح المعبِّر عنها. ويأتي قولنا بريادة روسّو، في ميدان فلسفة الاعتراف، في إطار الاهتمام بتاريخ فكرة الاعتراف، وليس بتاريخ المصطلح المعاصر الذي يبيّن أسبقيّة فيشته، ومن بعده هيغل، في هذا المجال. ومن حيث المبدأ، ينبغي لهذا الفصل -الجزئيّ والنسبيّ بالتأكيد- بين الفكرة والكلمة أو الكلمات التي تعبّر عنها، ألا يثير الاستهجان أو الرفض؛ لأنّ إمكانية قول الشيء نفسه «تقريباً» بكلماتٍ أخرى -كما يبيّن أمبرتو إيكو[22]- مسألةٌ غير خلافيّةٍ إلى حدٍّ كبيرٍ؛ وفي هذه الإمكانيّة يكمن معنى الترجمة بالمعنى الواسع للكلمة. فهذه الإمكانيّة بالتحديد هي التي تسمح بالترجمة الخارجيّة - ترجمة الكلمات من لغةٍ إلى أخرى - وبما يمكن تسميته، مع ريكور، بالترجمة الداخليّة[23]؛ أي محاولة شرح معنى كلامٍ ما، والتعبير عنه، بكلماتٍ أخرى من داخل اللغة نفسها. ولولا القناعة بوجود هذه الإمكانية وبمعقوليّتها، لما تسنّى القول بوجود تكافؤٍ نسبيٍّ، في المعنى، بين كلمات «recognition» الإنكليزية، و«reconnaissance» الفرنسيّة، و«die Anerkennung» الألمانيّة، و«الاعتراف» العربيّة، بل ولما استطعنا القول بإمكانيّة الترجمة أصلاً؛ لأنّ الترجمة قائمةٌ أصلاً على افتراض معنىً مثاليٍّ ما، يمكن التعبير عنه بكلماتٍ مختلفةٍ، داخل اللغة الواحدة، أو من خلال لغاتٍ مختلفةٍ. وعلى هذا الأساس، نتّفق مع رولز وأمارتيا سِن، في أنّ «للكلمات أهميتها، أي نعم، لكنْ يجب ألا تكبّلنا كثيراً»[24].

ويوضّح التمييز، في دراسة الاعتراف، بين الفكرة واللغة المعبِّرة عنها، سبب، أو أحد أسباب، «تجاهل» ريكور التامّ لفلسفة روسّو، في معجمه الفلسفيّ والتأريخيّ لمفهوم الاعتراف، في الفلسفة الغربية. فبتتبّعه للمبنى أو لتاريخ الكلمة في الفلسفة، أحالنا ريكور على معانٍ متباينةٍ وغير متجانسةٍ في معظمها؛ وليس لبعضها، على الأقلّ، علاقةٌ وثيقةٌ بفكرة الاعتراف السائدة منذ فيشته وهيغل حتّى الفلسفة المعاصرة.

لكنّ إبرازنا لمشروعيّة التركيز على الفكرة، وغضّ النظر جزئيّاً عن المصطلح الحامل لها أو المعبّر عنها، يفضي إلى مواجهة إشكاليّةٍ جديدةٍ يمكن التعبير عنها من خلال طرح التساؤل التالي: إذا كان الكشف عن التأسيس الفلسفي لفكرة الاعتراف، السائدة في الفلسفة المعاصرة، يقتضي العودة إلى ما قبل اللحظة الفيشتيّة/الهيغليّة - وهي اللحظة التي بدأت فيها الصياغة الأوّليّة والأساسيّة لمفهوم الاعتراف المعاصر - أو يسمح بتلك العودة، ألا يتضمَّن ذلك الاقتضاء، أو السماح، الإقرار بمشروعيّة محاولات الحديث عن أسسٍ فلسفيّةٍ قديمةٍ، تصل غالباً إلى الفلسفة اليونانيّة (الأفلاطونيّة والأرسطيّة خصوصاً)؟ وانطلاقاً من ذلك الإقرار المُفترَض، ألا يمكن تبرير موقف ريكور بالقول إنّه لم يكن يتجاهل فكرة الاعتراف المعاصرة، لصالح التركيز على الكلمة المعبّرة عنها، وإنّما كان يسعى إلى البحث في إمكانيّة الجمع بين الدلالات المختلفة لمفهوم الاعتراف في تاريخ الفلسفة، بما يسمح، لاحقاً، بتأسيس نظريّةٍ فلسفيّةٍ شاملةٍ عن الاعتراف، وهي نظريّةٌ تفتقدها الفلسفة حتّى الآن، من وجهة نظره؟ ويتعزّز هذا الفهم، إذا أخذنا في الحسبان أنّ بحث ريكور في الاعتراف لا «يتجاهل» روسّو فحسب، وإنّما «يتجاهل» أيضاً فيشته الذي كان أوّل من استخدم مفهوم الاعتراف بمعناه المعاصر، في تاريخ الفلسفة. فهل يعقل أن يُتّهم ريكور بالتركيز على المبنى على حساب المعنى، على الرّغم من عدم اهتمامه بمن قام بأوّل عملية بناءٍ لمفهوم أو لمصطلح الاعتراف المعاصر؟

إنّ قولنا بريادة روسّو في ميدان فلسفة الاعتراف لا يعني أنّ الفلاسفة -قبل روسّو- لم يهتمّوا مطلقاً، بفكرة الاعتراف؛ وإنّما يعني أنّه، مع روسّو تحديداً، وليس مع أيّ فيلسوفٍ آخر قبله، اكتسبت هذه الفكرة مركزيّةً ومكانةً لم تحظَ بها من قبل. فمن المألوف والمشروع، من حيث المبدأ، البحث عن جذورٍ سابقةٍ لأفكارٍ لاحقةٍ، وهو ما يحصل، على سبيل المثال، عندما يُبحث عن سوابق لـ«شكّ ديكارت»، ويُعثر عليها عند الغزالي مثلاً، أو عندما يرى أنّ الكوجيتو الديكارتي موجودٌ مسبقاً عند أوغسطين. لكنّ هذه المحاولات لتأصيل المعنى، أو لتأثيل المبنى، تغفل غالباً عن تمييزٍ أساسيٍّ نسبيٍّ بين وجود الفكرة وموقعها أو وظيفتها ومدى مركزيّتها أو أهميّتها عند هذا الفيلسوف أو ذاك. فالوجود الهامشيّ أو العرضيّ للــــ«أنا أفكّر» عند أوغسطين، يختلف تماماً عن المركزيّة التي حظيت بها هذه الفكرة لدى ديكارت، حيث أصبحت أساساً ليس لفلسفته فحسب، بل وللفلسفة الحديثة عموماً. فالأهمّيّة المعطاة للفكرة، وللوظيفة التي تقوم بها، في إطار الفلسفة والواقع الذي تتحدث عنه، هي العامل الحاسم، من وجهة نظرنا، عند الحديث عن التأسيس الفلسفيّ لفكرةٍ أو لموضوعٍ ما. وانطلاقاً من ذلك، نتَّفق مع فوكوياما الذي استدعى أفكار أفلاطون ومكيافيلي وألكسندر هاملتون وروسّو وغيرهم، ليقول إنّ «المفهوم الذي يوحي ب'الاعتراف' لم يخترعه هيغل. فهو قديمٌ قدم الفلسفة السياسيّة الغربيّة ذاتها، وهو يستند إلى جانبٍ مألوفٍ تماماً من الشخصيّة الإنسانيّة»[25]. ومن دون التقليل من أهمّيّة معالجة فوكوياما لفكرة «الرغبة في الاعتراف»، فإنّنا نختلف معه في توظيفه لهذه الفكرة وربطها بأطروحته حول نهاية التاريخ، وفي تغييبه لدور فيتشه، وتقليله من دور روسّو، وإفراطه في إبراز دور أفلاطون، في تاريخ الاعتراف. كما نختلف معه في ما نرى أنّه اختزالٌ شبه كاملٍ -بتأثيرٍ من تأويل كوجيف[26] لــــ«فينومينولوجيا الروح»- لنظريّة الاعتراف عند هيغل، إلى جدل السيّد والعبد، وفي تجاهله عموماً لفلسفة الاعتراف المعروضة في «أصول فلسفة الحقّ». ولهذا ينبغي التأكيد بأنّ فكرة «الرغبة في الاعتراف»، أو «الحبّ الشخصيّ»، لم تحظَ، قبل روسّو، بالمكانة التي حظيت بها في فلسفته، بما في ذلك تناول أفلاطون لفكرة التيموس «thymos» أو النفس الغضبيّة[27] -التي يحيل عليها فوكوياما وآخرون- التي تحمل بعض سمات القرابة والتشابه مع فكرة «الرغبة في الاعتراف» أو «الحبّ الشخصيّ».

ولا تكمن ريادة أو أصالة روسّو، في ميدان فلسفة الاعتراف، في مركزيّة هذه الفكرة لديه فحسب، بل تكمن أيضاً في ارتباطها الضمنيّ، لكن المتين أو الوثيق، من وجهة نظرنا، بفكرة العدالة. وإذا كان من الشائع عدم إعطاء فلسفة روسّو مكاناً بارزاً ومؤسِّساً لنظريّات الاعتراف -عند محاولات البحث في تاريخ هذه النظريّات وفي أسسها الفلسفيّة- فمن المألوف أيضاً عدم إيلاء أفكار روسّو عن العدالة مكاناً أو مكانةً متميِّزةً، في تأريخ نظريات العدالة في الفلسفة الغربيّة، عبر تاريخها الطويل[28]. وعلى الرّغم من هذا الموقع الهامشيّ لروسّو في التأريخ الشائع لفلسفة العدالة ونظريّاتها، فقد أعاد بعض الفلاسفة، في العقود الأخيرة، اكتشاف أهمية أفكار روسّو عن العدالة، لدرجةٍ يمكن معها البحث، في فلسفة روسّو، ليس عن العدالة بوصفها اعترافاً فحسب، بل وعن العدالة بوصفها إنصافاً أيضاً، كما هو الحال في نظريّة جون رولز بالغة الأهميّة في الفلسفة السياسيّة المعاصرة.

والتلازم بين مبحثي الاعتراف والعدالة قائمٌ في كلّ نظريّات الاعتراف المعاصرة تقريباً. ويبدو هذا التلازم، في أوضح صوره، لدى أكسل هونيت الذي رأى -كما هو واضحٌ في عنوان ومضمون كتابه التأسيسيِّ الأهمّ لنظريّته عن الاعتراف- في الكفاح من أجل الاعتراف «القاعدة الأخلاقيّة للصراعات الاجتماعيّة»[29]، وبدا واضحاً - من خلال مناقشته مع نانسي فريزر[30]، على سبيل المثال - أنّه يحاول أن يجعل من نظريّة الاعتراف نظريّةً شاملةً في العدالة. وعلى الرّغم من «الندرة النسبيَّة» لإحالة هونيت على روسّو، أو لمناقشته لأفكار روسّو عن الاعتراف أو العدالة، إلا أنَّنا نعتقد بإمكانيّة قراءة العدالة بوصفها اعترافاً عند روسّو، من خلال الثالوث الهيغليّ- الهونيتيّ (التقدير والاحترام والحبّ). ويمكن أن نضيف إلى هذا الثالوث المفاهيميّ مفهوم العرفان أو الاعتراف بالجميل. ففكرة العرفان كانت وما تزل مؤسِّسَةً للمفهوم الفرنسيّ للاعتراف «reconnaissance»، إلى جانب الأفكار أو الدلالات التي تمَّ إلحاقها بها بعد فلسفة كلٍّ من فيشته وهيغل.

ويمكن مناقشة الارتباط الوثيق بين نظريتَي الاعتراف والعدالة عند روسّو من خلال وحدة المفاهيم والإشكاليّات الأساسيّة المبحوثة في كلتا النظريّتين عموماً، ومن خلال إشكاليّة المساواة/ التفاوت خصوصاً. وتكمن أهميّة هذه الإشكاليّة ومركزيّتها، ليس فقط في كونها محايثةً لكلّ نظريّات الاعتراف والعدالة في تاريخ الفلسفة عموماً، ولنظريّتي الاعتراف والعدالة عند روسّو خصوصاً؛ وإنّما أيضاً في كونها الأساس الذي تتمحور وتتضارب حوله معظم التأويلات أو الشروحات التي تتناول أفكار روسّو عن الاعتراف والعدالة. وعلى الرّغم من أنَّ الاتجاه الشائع في شرح أو تأويل أو استخدام أفكار روسّو، في هذا الخصوص، يربط العدالة والرغبة «الصحيّة» أو «السليمة» بالاعتراف، بالمساواة، لا بالتفاوت أو بالتمايز، فإنَّنا نعتقد أنَّه ينبغي لمركزيّة فكرة المساواة في نظريّتي روسّو عن الاعتراف والعدالة، ألا تفضي إلى إقصاء أفكار التفاوت والتمايز، وإلى الربط الدائم لهذه الأفكار بالظلم وبالصيغة أو بالنمط السلبيّ من «الحبّ الشخصيّ»، والذي يُسمى عادةً ب الحبّ الشخصيّ «الهائج» أو «المشتعل» أو «الملتهب» «enflammé/inflamed»[31] وإضافةً إلى المساواة على الصعيد الاقتصاديّ، يمكن مناقشة مفهوم المساواة انطلاقاً من ربطه بمفهوم «الاحترام»، بشكلٍ خاصٍّ؛ وفي المقابل، يرتبط مفهوم التمايز والتفاوت، في الحصول على الامتياز، بمفهوم «التقدير» خصوصاً. وانطلاقاً من هذا التمييز، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الاحترام/المساواة فقط هو ما تقتضيه العدالة، ويستهدفه الحبّ الشخصيّ «السويّ»، أم إن التقدير/ التفوق والتفاوت في الحصول على الامتيازات هو أمرٌ ضروريٌّ، ليس على الصعيد الأخلاقيّ فحسب، بل وعلى الصعيد الأنطولوجيّ (الوجوديّ) أيضاً؟ لكن، إذا كان بإمكان العلاقة بين المساواة والتفاوت، في نظريّتي الاعتراف والعدالة، أن تكون علاقةً تكامليّةً، غير قابلةٍ للاختزال في قضيّةٍ عناديةٍ تمنع الجمع بين الطرفين، فمن الضروري حينئذٍ بحث العلاقات المعقّدة التي تربط بين هذه المفاهيم، حيث نتبيَّن المعايير التي يمكن من خلالها تمييز الأشكال والمضامين الإيجابيّة أو الصحيّة للرغبة في الاعتراف عن الأشكال السلبيّة أو المَرَضيّة لهذه الرغبة. وتتماهى هذه الأشكال والمضامين الإيجابيّة أو الصحيّة مع نظريّةٍ في العدالة تقرّ بضرورة وأخلاقيّة المساواة/ الاحترام والتفاوت/ التقدير، في الوقت نفسه، لكن من جوانب مختلفةٍ، وعلى صعدٍ متعدّدةٍ.

قد يُثار اعتراضٌ على دراسة روسّو انطلاقاً من مفاهيم وإشكالياتٍ تبدو، للوهلة الأولى، غريبةً على نصوصه، ويصعب تصوّر أنّها مؤسِّسةٌ لمعنى هذه النصوص. فبالإضافة إلى غياب مصطلح الاعتراف المعاصر، لا يربط روسّو بوضوحٍ بين فكرة الاعتراف -المتعلّقة بمفهوم الحبِّ الشخصيِّ- وفكرة العدالة. وفضلاً عن ذلك لا يميّز روسّو تمييزاً صريحاً وواضحاً -كما هو الحال عموماً في اللغة الفرنسيّة العاديّة- بين كلمتي الاحترام والتقدير؛ إذ يستخدمهما غالباً للدلالة على المعنى ذاته، من دون أن يكون لأيٍّ منهما دلالةً تقنيَّةً خاصَّةً ومتميِّزةً، كما هو الحال لاحقاً، ابتداءً من فلسفة كانط خصوصاً. فالاعتراض المبدئيّ المحتمل على دراسة فكرتي الاعتراف والعدالة عند روسّو، انطلاقاً من مفاهيمَ وإشكالياتٍ معاصرةٍ، هو اعتراضٌ على إسقاط أفكارنا المعاصرة على نصوص روسّو، من دون مراعاة المسافة الزمنيّة التي تفصلنا عنها، وما نتج عن هذه المسافة من اختلافاتٍ كبيرةٍ، في كلّ المستويات، وفي مختلف المجالات. وبكلماتٍ أخرى، عند دراستنا لنصوص روسّو، انطلاقاً من مفاهيم وإشكالياتٍ معاصرةٍ، ألا نجازف بتحميل هذه النصوص معانٍ غريبةً عليها، وبعيدةً عن مقاصدها ودلالاتها الممكنة؟

تستدعي هذه المسألة المنهجيَّة، التي يثيرها هذا الاعتراض المفترض أو المحتمل، مناقشةً مفصَّلةً نسبيّاً. ففي الردّ على هذا الاعتراض المحتمل، وعلى الأسئلة الكثيرة التي يمكن أن نثيرها، لا بدّ بدايةً من توضيح الافتراض الأساسيّ الذي ينطلق منه هذا الاعتراض، من دون أن يفصح عنه أو يضعه موضع تساؤلٍ نقديٍّ. فهذا الاعتراض المحتمل، وما يتضمَّنه من أسئلةٍ، ينطلقان من افتراض سيرورةٍ خطّيّةٍ، من اتِّجاهٍ واحدٍ، للتاريخ أو لعلاقة الماضي بالحاضر. ووفقاً لهذا الافتراض، يؤثِّر الماضي في الحاضر، ولا يمكن تصوُّر العكس؛ وعلى هذا الأساس يؤثّر الفلاسفة السابقون في الفلاسفة اللاحقين، من دون إمكانيَّة حصول التأثير المعاكس. وفي رفضنا لهذه العلاقة الأحاديّة الاتِّجاه بين الماضي والحاضر، نحن نقول بتبادليّة أو جدليّة التأثير بينهما. فالماضي يؤثّر بالتأكيد في الحاضر، لكنّ هذا التأثير، لا يتمِّ مطلقاً بمعزل عن تأثير هذا الحاضر في ذاك الماضي. فالاهتمام بالماضي لا يمكن أن يحصل إلا إذا كان الحاضر يستدعي هذا الاهتمام، بطريقةٍ أو بأخرى، ولدرجةٍ أو لأخرى. ويختلف الماضي المستدعى، تبعاً لاختلاف العوامل التي أفضت إلى استدعائه. وحتّى على صعيد علم التاريخ، أصبح «بديهيّاً» القول إنّ صياغة الأسئلة التي نوجهها إلى الماضي، الذي نستهدف تأريخه، تلعب دوراً مهمّاً وحاسماً في صياغة الإجابات التي تشكِّل نصوصنا التأريخيَّة[32]. ولا بدّ من الإشارة، إلى أنّنا نتحدث عن الماضي، بوصفه ظاهرةً أو موضوعاً فينومينولوجيّاً؛ أي بوصفه ماضينا أو ماضٍ بالنسبة إلينا، ولا نتحدث عن الماضي، بوصفه شيئاً في ذاته، ومستقلاً عنّا وعن إدراكنا له. وانطلاقاً من هذه الإشارة، أليس من المشروع، بل ومن الضروريّ، في هذا السياق، الحديث عن وجود تأثيرٍ متبادلٍ ودائمٍ بين كلّ فيلسوفٍ ومن سبقه أو لحقه من الفلاسفة، بدلاً من الحديث عن تأثيرٍ أحاديّ الاتّجاه، بين الماضي والحاضر؟ وللتشديد على فاعليّة الحاضر في علاقته مع الماضي، ربما أمكننا القول، بمعنىً نسبيٍّ وجزئيٍّ، إنّ الماضي لا يؤثِّر في الحاضر، وإنّما الحاضر هو الذي يتأثّر بهذا الماضي، ويؤثّر فيه، في الوقت نفسه. وإذا كانت الفلسفة هي إعادة قراءةٍ مستمرّةٍ لتاريخها، فهل يبقى هذا التاريخ على حاله، بعد كلِّ قراءةٍ فلسفيّةٍ جديدةٍ له، أم إن هذه القراءة تزوّدنا دائماً برؤيةٍ جديدةٍ تؤثّر في هذا التاريخ أو الماضي، وتمنحه معانٍ ودلالاتٍ لم يكن ليحملها، من دون تأثير هذه القراءات المبدعة؟

ويحيل الحديث عن تأثير الحاضر في الماضي على الحديث عن تأثير الذات في الموضوع، أو بالأحرى الذاتيَّة في الموضوعيَّة، حيث يكون الإقرار بوجود أثرٍ للذات في عمليَّة المعرفة هو إقرارٌ، في الوقت نفسه، بوجود نقصٍ في موضوعيَّة هذه المعرفة. وعلى أساس هذا الفهم لعلاقة الذاتيَّة بالموضوعيَّة، تتناسب موضوعيَّة أيّ معرفةٍ عكساً مع تأثير الذات في هذه المعرفة. وبالتضادِّ مع هذا الفهم، ينطلق بحثنا من فكرة أنَّ الذاتيَّة ليست مضادَّة، بالضرورة، للموضوعيَّة، بل هي، في كلِّ الأحوال، عنصراً ضروريّاً لتأسيسها، والسبيل الوحيد الذي يمكن أن يفضي إليها. والأمر نفسه نقوله بخصوص العلاقة بين الحاضر والماضي، فالتناول المعرفي للماضي ينطلق من حاضرٍ ما، ويستند، صراحةً أو ضمناً، إلى معارف هذا الحاضر وإشكالياته ومفاهيمه وحاجاته... إلخ. فتدخُّل أو تأثير الذاتية والحاضر، في معرفتنا لمواضيع الواقع والماضي، أمرٌ لا يمكن تجنُّبه، وهو ليس أمراً سلبيّاً بالضرورة. لكن، إذا كان من غير المناسب الحديث عن رفضٍ أو انتقادٍ مبدئيٍّ لهذا التدخُّل، فهذا لا يعني أنّ كلَّ أشكال هذا التدخُّل أو التأثير مناسبةٌ ومقبولةٌ؛ ومن هنا ضرورة المعاينة الإفراديّة لكلّ حالةٍ من حالات ما يسميه غادامر بـ«الإشكالية التأويليَّة» المحايثة للعلوم الإنسانيَّة[33]، بشكلٍ خاصٍّ.

وإذا كانت دراسة نصوص روسّو، انطلاقاً من مفاهيم وإشكاليَّاتٍ معاصرةٍ، تندرج نسبيّاً في إطار تأثير الحاضر في الماضي، أو اللاحق في السابق، فينبغي لهذه الدراسة أن تتضمَّن أيضاً إبرازاً لتأثير ذلك الماضي في هذا الحاضر، من خلال مناقشة صدى هذه النصوص في نصوصٍ ونظريَّاتٍ معاصرةٍ لها أو لنا، حيث لا يكون لعلاقة الماضي بالحاضر سمةً أحاديَّةً غير جدليَّةٍ. ونعتقد أنّه من المفيد والضروريّ، في هذا السياق، دراسة صدى أفكار روسّو، عن الاعتراف والعدالة، لدى ثلاثة فلاسفة مهمِّين في تاريخ فلسفة الاعتراف: آدم سميث, أيريس ماريون يونغ, تشارلز تايلور. فآدم سميث تبنَّى، تبنِّياً كاملاً تقريباً، أفكار روسّو، ليس عن مركزيَّة «الحب الشخصيّ»[34] في حياة الإنسان في المجتمع فحسب، وإنَّما، أيضاً، عن الاستعدادات الطبيعيَّة أو الفطريَّة للإنسان، والمتمثِّلة خصوصاً، عند روسّو، في حبّ الذات «l'amour de soi» والشفقة أو التحنُّن «la pitié». أمَّا يونغ، فهي تركِّز -بوصفها عَلَماً من أعلام الفلسفة النِّسويّة المعاصرة- على رؤية روسّو بخصوص المرأة، وعلاقتها بالرجل، ومكانتها في الدولة والمجتمع. ويمكن لمناقشة أفكار يونغ أن تفسح المجال أمام تناولٍ نقديٍّ، مفصَّلٍ ومعمَّقٍ، لرؤية روسّو للعدالة المتعلّقة بمسألة الاختلاف أو التماثل، والتفاوت أو المساواة، في العلاقة بين الرجل والمرأة[35]، وبين تبني سميث لأفكار روسّو، وموقف يونغ الانتقادي، يتموضع موقف تايلور «الوسطيِّ» من أفكار روسّو عن الاعتراف والعدالة. فعلى العكس من هونيت، الذي لم يستند، عموماً، إلى أفكار روسّو، في نصوصه الأولى المؤسسة لفلسفة الاعتراف[36]، فإنَّ تايلور هو أحد المنظّرين القلائل لفلسفة الاعتراف الذين يقرُّون، صراحةً وبوضوحٍ، بأهميَّة أفكار روسّو في فلسفة الاعتراف، ويستندون إليها، لدرجةٍ كبيرةٍ، في تناولهم أو تنظيرهم لهذه الفلسفة. وإضافةً إلى إبرازه أهمّيّة روسّو وريادته، في مضمار فلسفة الاعتراف، تكمن أهميَّة تايلور -في سياق تناول أفكار روسّو عن العدالة والاعتراف- في تأكيده الحضور المهمّ لروسّو في الميدان التقليديّ والأساسيّ لفلسفة الاعتراف المعاصرة، وهو الميدان المتعلِّق بمسألة الاعتراف بالهُويّة، بشكلٍ عامٍّ، والهُويّة الثقافية للجماعات والأفراد، ومدى العدالة في التعامل مع الأقليّات الثقافيّة أو القوميّة أو العرقيّة... إلخ، بشكلٍ خاصٍّ. وهكذا، فإنَّ دراسة صدى أفكار روسّو، عن الاعتراف والعدالة، لدى كلٍّ من سميث ويونغ وتايلور، تسمح بتناولٍ أوسع، وأكثر تفصيلاً، لعلاقة الاعتراف بالعدالة الاقتصاديّة (من خلال سميث خصوصاً)، والعدالة الجنسيَّة المتعلِّقة بوضعيَة المرأة في المجتمع، ولا-عدالة هذا الوضع (من خلال يونغ خصوصاً)، إضافةً إلى العدالة الثقافيّة التي تتمحور حولها «سياسة الاعتراف» عند تايلور.

لكن ما الجِدّة التي يمكن أن يضيفها بحثٌ جديدٌ في فلسفة روسّو، إذا أخذنا في الحسبان آلاف البحوث التي سبق أن تناولت هذه الفلسفة؟ وهل يمكن لبحثٍ جديدٍ أن يزعم امتلاكه مثل هذه الجدّة؟ سنجازف بالإجابة بالإيجاب عن السؤال الأخير، مع الإقرار المسبق بعدم إمكانيّة التدليل عليها أو تقديم المبرّرات أو المسوِّغات الكاملة أو الكافية لها، في السياق الحاليّ؛ لكنّنا سنعمل على توضيح الخطوط الأساسيّة العامّة لماهيّة هذه الجدّة المزعومة أو المفترَضة.

تتضاءل إمكانيّة الإتيان بجديدٍ، بقدر ما تتّسع مساحة المقارنة. فعلى سبيل المثال، إذا تحدّثنا فقط عن الأبحاث الموجودة باللغة العربيّة عن روسّو، فمن السهل المسارعة إلى القول حينها إنَّ بحثاً في نظريّة الاعتراف عند روسّو، هو بحثٌ جديدٌ كلَّ الجدّةٍ؛ إذ لا يوجد حتّى الآن -على حدّ علمنا- أيُّ بحثٍ يتناول فكرة الاعتراف عند روسّو أو يربطها بفكرة العدالة لديه. لكن يصعب قول الشيء نفسه، إذا أخذنا في الحسبان الأبحاث الموجودة باللغتين الفرنسيّة والإنكليزية. فمعظم الكتب الفرنسيّة والإنكليزية التي تتناول فلسفة روسّو، تُبرز، لدرجةٍ أو لأخرى، أهمّيّة فكرة «الحبّ الشخصيّ» أو «الرغبة في الاعتراف» في فلسفة روسّو. ولعلّ كتب نيكولاس دِنت[37]، عن فلسفة روسّو، هي من أبرز الكتب التي ينبغي الإشارة إليها في هذا الصدد. فكثيراً ما تمّ الحديث عن هذه الكتب على أنّها (من) أهمّ الكتب التي تتضمن «أفضل نقاش متاحٍ لرؤية روسّو النفسانيّة»[38]، و«شرحاً غنيّاً»[39] ومفصّلاً لمفهوم أو فكرة «الحبّ الشخصيّ» عند روسّو؛ ولهذا، لا يتردّد معظم من يتناول هذا الموضوع في الإحالة على دِنت، وإعلان تبنّيهم، الجزئيّ أو الكامل، لشروحاته واستنادهم إليها، في خصوص موضوع «الحبّ الشخصيّ»[40].

يلاحظ أيّ قارئٍ لكتب دِنت، وغيرها من الكتب التي تتناول فلسفة روسّو عموماً، أنَّ هذه الكتب تقتصر على تناول «الحبّ الشخصيّ» بوصفه مجرّد فكرةٍ مهمّةٍ، أو، على الأكثر، بوصفه مجرّد محورٍ من محاور فلسفة روسّو. وعلى هذا الأساس نعتقد بضرورة تناول هذا المفهوم، بوصفه المحور الأساسيّ الذي تدور حوله، وتُشرح من خلاله، الأفكار الأساسيّة في الفلسفة الروسّويّة. ويمكن أو ينبغي لهذا التناول ألا يقتصر على تناول فكرة «الحبّ الشخصيّ» في فلسفة روسّو، وإنّما أن يعمل أيضاً على توضيح فلسفة روسّو بمجملها، انطلاقاً من هذه الفكرة، واستناداً إليها، وتأسّساً عليها. ويغيب هذا الجدل بين الكلِّ (فلسفة روسّو) والجزء (فكرة الحبّ الشخصيّ لديه) عن كتب دِنت وغيره من الكتب التي تتناول فكرة «الحبّ الشخصيّ» أو الرغبة في الاعتراف، في فلسفة روسّو، بوصفها مجرّد جانبٍ من جوانب فلسفته. ومن المفيد والضروري دراسة فكرة الاعتراف في فلسفة روسّو، ودراسة مختلف جوانب هذه الفلسفة كلُّها، من منظور هذه الفكرة، وانطلاقاً من الصلات المباشرة أو غير المباشرة معها.

يبقى أن نناقش مشروعيّة القيام ببحثٍ جديدٍ عن نظريّة الاعتراف أو «الحبّ الشخصيّ» عند روسّو، مقارنةً مع بحوث فريدريك نيوهوسير في فلسفة الاعتراف عند روسّو، بشكلٍ عامٍّ، وكتابه المعنون بــــ«ثيوديسيا روسّو عن الحبّ الشخصيّ: الشر والعقلانيّة والدافع من أجل الاعتراف»[41]، بشكلٍ خاصٍّ. وتأتي أهمّيّة هذا الكتاب من كونه الكتاب أو البحث الوحيد -على حدّ علمنا- المكرّس بالكامل لهذه الفلسفة. ونظراً إلى تهميش أو إهمال دور روسّو في فلسفة الاعتراف المعاصرة وفي معظم محاولات تأريخها، من قبل معظم الباحثين المهتمّين بهذا المجال؛ فقد أخذ بعض الباحثين المختصين في الفلسفة الروسّويّة، على عاتقهم القيام بهذا الدور. ويُعدّ نيوهوسير من أبرز هؤلاء الباحثين؛ ففي كتابه المذكور، يناقش نيوهوسير، بتوسُّعٍ وتعمّقٍ، طبيعة الحبّ الشخصيّ، وأخطاره، والأنواع المختلفة لصيغته الملتهبة أو المَرَضيّة، وسبب شيوع هذه الصيغة أو تلك الأنواع، ومدى إمكانية تجنّب وجودها أو معالجتها أو التخفيف من آثارها السلبيّة، مع تأكيد الجوانب الإيجابيّة الكبيرة والكثيرة المرتبطة بالحبّ الشخصيّ، في فلسفة روسّو. وقد يتساءل القارئ لهذا الكتاب: ما الحاجة إلى كتابٍ جديدٍ عن فكرة الاعتراف عند روسّو، بعد كتاب نيوهوسير؟

سنكتفي بالإشارة إلى بعض النقاط التي قد تساعد على التدليل على معقوليّة القول بوجود مشروعيّةٍ وضرورةٍ ما، لكتابة بحثٍ بل أبحاثٍ جديدةٍ عن فلسفة الاعتراف عند روسّو. ويمكن لهذه الأبحاث أن تستند، لدرجةٍ أو لأخرى، إلى كتابات نيوهوسير (بالإضافة إلى استنادها إلى غيره من الباحثين المهمّين، في هذا السياق)، لكنّ ذلك الاستناد لا يعني، بالضرورة، تبنّيها لكلّ آرائه؛ إذ تستطيع هذه الأبحاث أن تختلف عن كتاب نيوهوسير، بقدر استطاعتها الاختلاف معه. ومن النقاط التي يمكن فيها الاختلاف عن نيوهوسير، نذكر، على سبيل المثال، لا الحصر:

أوّلاً، يهتمّ نيوهوسير خصوصاً بربط فكرة الاعتراف بفكرة العقل أو العقلانيّة، في فلسفة روسّو (في الفصلين الأخيرين من الكتاب خصوصاً)، في حين أنّنا نعتقد بفائدة وضرورة تناول فكرة الاعتراف في فلسفة روسّو ومناقشتها في إطار علاقتها بفكرة العدالة في تلك الفلسفة. ثانياً، على الرغم من قول نيوهوسير إنّه يهتمّ بتطوّر أفكار روسّو وباستكشاف الوعود الفلسفيّة التي تقدمها، أكثر من اهتمامه بأصول هذه الأفكار أو بسوابقها في تاريخ الفلسفة[42]، فإنّنا لا نجد، في كتابه، أيّ حضورٍ تقريباً لأعلام فلسفة الاعتراف المعاصرة، سواءٌ من اهتمّ منهم بروسّو (تايلور مثلاً) أو لم يهتمّ به (هونيت مثلاً). وانطلاقاً من الأطروحة القائلة بريادة روسّو وأصالته في ميدان نظريتي الاعتراف والعدالة بشكلٍ خاصٍ، نعتقد بضرورة إيلاء اهتمامٍ أكبر بمقارنة أفكار روسّو، ليس مع بعض من لحقه أو تلاه من الفلاسفة والمفكرين فحسب، وإنّما مع بعض من سبقه أو عاصره من المفكرين والفلاسفة أيضاً؛ كما نعتقد بضرورة التركيز، بشكلٍ خاصٍّ، على العلاقة الجدليّة التي يمكن إقامتها بين فلسفة الاعتراف والعدالة عند روسّو وفلسفة الاعتراف والعدالة المعاصرة، وعلى صدى روسّو أو تأثيره في فلسفة الاعتراف المعاصرة عموماً، وفي فلسفتي تايلور ويونغ، خصوصاً. ثالثاً، لا يناقش نيوهوسير نظرة روسّو التمييزيّة إلى طبيعة الرجل والمرأة، وإلى موقعهما «التراتبيّ» في المجتمع والدولة، وبدلاً من استخدام الضمائر اللغويّة المحدّدة لجنس من تشير إليه (مذكّراً كان أو مؤنّثاً)، فهو يتناول خطاب روسّو كما لو أنّ روسّو يتحدّث عن الإنسان عموماً، بعيداً عن الاعتقاد بوجود اختلافاتٍ كبيرةٍ أو جوهريّةٍ بين الجنسين (وهذا غير صحيحٍ، كما يقرّ نيوهوسير نفسه). والسبب الذي يقدّمه نيوهوسير لتبرير أو تسويغ معقوليّة موقفه، في هذا الخصوص، هو أنّه مهتمٌّ بإعادة بناءٍ معاصرةٍ لنصوص روسّو، أكثر من اهتمامه بالوفاء للمعاني التي تتضمّنها هذه النصوص، أو بتقديم صورةٍ تأريخيّةٍ دقيقةٍ عن وجهة النظر التي كان روسّو يتبنّاها[43]. في هذه النقطة خصوصاً، يمكن للاختلاف عن نيوهوسير أن يتقاطع مع الاختلاف معه. فمع الإقرار بالمشروعيّة النسبيّة والجزئيّة للمنهجيّة التأويليّة التي يتبّعها، فإنّنا نعتقد أن لا ضرورةً لوضع وجهة نظر روسّو الدقيقة، والآفاق المعاصرة التي يمكن تأسيسها على نصوص روسّو، موضع تضادٍّ أو تناقضٍ يصعب الجمع بين طرفيه، كما يفعل نيوهوسير، في هذا السياق. وانطلاقاً من هذا الاعتقاد، فإنّنا نرى أنّ السعي إلى إظهار التأثير البنّاء والإيجابي لروسّو في فلسفة الاعتراف والعدالة المعاصرة، لا يمنع، بالضرورة، أو من حيث المبدأ، إبراز موقفه التمييزيّ، في خصوص طبيعة المرأة وعلاقتها بالرجل ومكانتهما المتفاوتة في المجتمع والدولة. فإحياء جانبٍ من روسّو قد يتطلّب دفن جانبٍ آخر منه. وحتّى إذا كان غرض نيوهوسير هو البناء أو إعادة البناء، انطلاقاً من النصوص الروسّويّة، فهذا لا يقتضي، بالضرورة، استبعاد كلّ عمليّة هدمٍ. فالهدم أو التقويض جزءٌ أساسيٌّ من كلِّ عمليّة بناءٍ، كما علّمنا هايدغر. وعلى هذا الأساس، لا نرى تناقضاً في محاولتنا استكشاف الآفاق المعاصرة لفلسفة الاعتراف عند روسّو، من جهةٍ أولى، وإظهار النقد، أو بالأحرى الانتقاد، الذي تعرّضت، أو يمكن أن تتعرّض، له بعض جوانب هذه الفلسفة، انطلاقاً من نظريّات الاعتراف المعاصرة أو غيرها، من جهةٍ ثانيةٍ. ويظهر هذا الجانب الانتقاديّ، بشكلٍ خاصٍّ، في تناول يونغ لأفكار روسّو حول طبيعة كلٍّ من الرجل والمرأة، ومكانتهما المرغوبة أو الواجبة، في المجتمع والدولة.

فخصوصيّة أيّ بحثٍ لا تكمن، بالدرجة الأولى، في تبنّيه أو تضمُّنه هذه الفكرة أو الفقرة الجزئيّة أو تلك؛ فهذه الخصوصيّة ماثلةٌ، أوّلاً وأساساً، في النصّ بوصفه كلّاً، وفي تفاعل هذا الكلّ مع أجزائه، وتفاعل أجزائه بعضها مع بعض. ونعتقد بمشروعيّة أن يكون محور هذا الكلّ، في بحثٍ عن فكرة الاعتراف في فلسفة روسّو، هو الأطروحة القائلة بمركزيّة فكرة الاعتراف في هذه الفلسفة، وريادة هذه الفلسفة، في هذا المجال، وبالارتباط الوثيق لهذه الفكرة مع فكرة العدالة، وبتأثيرها المستمر في نظريّات الاعتراف والعدالة في الفلسفات الحديثة والمعاصرة. وإمكانيّة الاختلاف عن معظم البحوث، التي تتناول فلسفة روسّو عموماً، وفكرتي الاعتراف والعدالة خصوصاً، لا تقتصر على الاختلاف في الأفكار أو المضامين، وإنّما يمكن أن تمتدّ لتكون اختلافاً، جزئيّاً، لكن أساسيّاً، في «المنهج» أو في بعض الأسس المنهجيّة، الصريحة أو الضمنيّة، التي توجّه البحث. وتبيّن النقطة الثالثة السابقة، من نقاط الاختلاف الممكنة عن بحث نيوهوسير، التشابك والتقاطع بين الاختلاف على صعيد الأفكار أو المضامين والاختلاف على صعيد المنهج أو المنهجيّة. فالاختلاف في أيٍّ من هذين الجانبين يفضي، غالباً على الأقلّ، إلى اختلافٍ في الجانب الآخر. ومن هذه العلاقة الجدليّة، تأتي، عموماً، ضرورة توضيح الأسس المنهجيّة للبحوث والدراسات الأكاديميّة وما يماثلها.

[1] - المقال مقتطف من كتاب في فلسفة الاعتراف، حسام الدين درويش، مؤسسة مؤمنون بلاحدود للنشر والتوزيع.

[2]- Patchen. Markell, Bound by Recognition, (Princeton: Princeton University Press, 2003), p. 7

[3] - Cf. Robert R. Williams, Recognition: Fichte, Hegel, and the Other, (Albany: State University of New York Press, 1992).

[4]- Cf. Ludwig Siep, ``Recognition in Hegel's Phenomenology of Spirit and Contemporary Practical Philosophy,'' in Hans-Christoph Schmidt am Busch & Christopher F. Zurn, eds., The Philosophy of Recognition: Historical and Contemporary Perspectives, (Plymouth: Lexington Books, 2010), pp. 107-27, pp. 107

[5] - Paul Ricœur, Parcours de la reconnaissance. Trois études, coll. «folio essais 459», (Paris: Gallimard, 2004).

[6] - فرنسيس فوكوياما، نهاية التاريخ والإنسان الأخير، ترجمة فؤاد شاهين، جميل قاسم، رضا الشايبي، إشراف ومراجعة وتقديم مطاع صفدي، (بيروت: مركز الإنماء القومي، 1993).

[7] - Frederick Neuhouser, Rousseau's Theodicy of Self-Love: Evil, Rationality, and the Drive for Recognition, (New York: Oxford University Press, 2008).

[8]- Frederick Neuhouser, ``Rousseau and the Human Drive for Recognition (Amour Propre),'' The Philosophy of Recognition..., op. cit., p. 21

[9] - Ibid.

[10] - J. G. Fichte, Foundations of Natural Right According to the Principles of the Wissenschaftslehre, trans. Michael Bauer, ed. Frederick Neuhouser, (Cambridge, Mass.: Cambridge University Press, 2000).

[11] - هيغل، فنومينولوجيا الرّوح، ترجمة وتقديم ناجي العوْنلِّي، (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2006)؛ أصول فلسفة الحق، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1996).

[12]- Terry Pinkard, "Recognition, the Right, and the Good", The Philosophy of Recognition..., op. cit., p. 129

[13] - رينيه ديكارت، انفعالات النفس، ترجمة وتقديم وتعليق جورج زيناتي، (بيروت: دار المنتَخَب العربي، 1993)، المقالة الرابعة والستون، ص 49

[14] - جان جاك روسّو، خطاب في أصل التفاوت وفي أُسسه بين البشر، ترجمة بولس غانم، تدقيق وتعليق وتقديم عبد العزيز لبيب، (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2009). سنتبّنى عموماً الرأي الشائع الذي يسمي هذا الخطاب باسم «الخطاب الثاني» تمييزاً له عن «خطاب في العلوم والفنون» الذي يسمّى بــــ«الخطاب الأوّل». وبسبب عجزنا عن الحصول على نسخةٍ من هذه الترجمة، فسنكتفي بالإحالة على النصّ الفرنسيّ و/ أو الترجمة الإنكليزيّة لهذا الكتاب. Jean-Jacques Rousseau (1750), Discours sur les sciences et les arts, إdition إlectronique rإalisإe par Jean-Marie Tremblay, complإtإe le 1 er avril 2002 ب Chicoutimi, Quإbec.

[15] - جيل دولوز، فيلكس غتّاري، ما هي الفلسفة، ترجمة ومراجعة وتقديم مطاع الصفدي وفريق مركز الإنماء القومي، (بيروت/الدار البيضاء: مركز الإنماء القومي/المركز الثقافي العربي، 1997)، ص 28

[16] - أفلاطون، محاورة كراتيلوس (في فلسفة اللغة)، ترجمة وتقديم عزمي طه السيد أحمد، (عمان: وزارة الثقافة، 1995).

[17] - بول ريكور، في التفسير. محاولة في فرويد، ترجمة وجيه أسعد، (دمشق: أطلس للنشر والتوزيع، 2003)، ص 13

[18] - انظر، بشكلٍ خاصٍّ: مارتن هيدغر، الكينونة والزمان، ترجمة وتقديم وتعليق فتحي المسكيني، مراجعة إسماعيل المصدق، (بيروت: دار الكتاب الجديدة المتحدة، 2012)؛ هانز جورج غَادَامِير، بداية الفلسفة، ترجمة علي حاكم صالح، حسن ناظم، (بيروت: دار الكتاب الجديدة المتحدة، 2002).

[19] - انظر: براين ماجي (محرّر)، رجال الفكر. مقدمة للفلسفة الغربيّة المعاصرة، ترجمة وتقديم نجيب الحصادي، (بنغازي: منشورات جامعة قاريونس، 1998)، ص ص 272-273

[20] - للاطّلاع على عرضٍ أو تلخيصٍ لنقد آير للمذهب الوجوديّ، انظر: عبد الفتاح ديدي، الاتّجاهات المعاصرة في الفلسفة، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1985)، ص 258-265

[21]- Pierre Force, ``First Principles in Translation: The Axiom of Self-Interest from Adam Smith to Jean-Baptiste Say,'' 38: 2 History of Political Economy (2006), p. 326

[22] - انظر: أمبرتو إيكو، أن نقول الشيء نفسه تقريباً، ترجمة أحمد الصمعي، مراجعة نجم بو فاضل، (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2012)، ص ص 14-15

[23] - انظر: بول ريكور، عن الترجمة، ترجمة حسين خمري، (بيروت/الجزائر: الدار العربيَّة للعلوم ناشرون/منشورات الاختلاف، 2008)، ص ص 47-48

[24] - أمارتيا سِن، فكرة العدالة، ترجمة مازن جندلي، (بيروت: الدار العربية للعلوم، 2012)، ص 127

[25] - فرنسيس فوكوياما، نهاية التاريخ والإنسان الأخير، ص 162

[26] - Alexandre Kojève, Introduction to the Reading of Hegel: Lectures on the Phenomenology of Spirit, assembled by Raymond Queneau, Allan Bloom ed., James H. Nichols. Jr. trans., (Ithaca; London: Cornell University Press, 1980).

[27] - انظر خصوصاً: أفلاطون، الجمهورية، ترجمة ودراسة فؤاد زكريا، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974).

[28] - انظر، على سبيل المثال: ديفيد جونستون، مختصر تاريخ العدالة، ترجمة مصطفى ناصر، سلسلة عالم المعرفة 387، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، نيسان/أبريل 2012).

[29] - Axel Honneth, The Struggle for Recognition: The Moral Grammar of Social Conflicts, trans. Joel Anderson, (Cambridge; Mass.: MIT Press & Polity Press, 1995).

[30] - Nancy Fraser & Axel Honneth, Redistribution or Recognition: A Political Philosophical Exchange, (London; New York: Verso, 2003).

[31]- لم يستخدم روسّو هذا المصطلح في حديثه عن الحب الشخصيّ، سوى مرة واحدة، لكنّ هذا التمييز -الإشكالي، بحدّ ذاته، أو بالأشكال والمضامين التي يتّخذها- هو تمييزٌ أساسيٌ ومحوريٌّ في بحثنا، وفي نصوص روسّو المتعلّقة بهذه المسألة، من وجهة نظرنا. انظر: Jean-Jacques Rousseau, Emile ou De l'éducation, إdition numإrique: Pierre Hidalgo, fإvrier 2012, p. 427; Emile, or on Education, trans. Allan Bloom (New York: Basic Books, 1979), p. 247

[32] - انظر: بول ريكور، الذاكرة، التاريخ، النسيان، ترجمة وتقديم وتعليق جورج زيناتي، (بيروت: دار الكتاب الجديد المتحدة، 2009)، ص ص 270-271

[33] - انظر: هانز جورج غادامير، الحقيقة والمنهج: الخطوط الأساسية لتأويلية فلسفية، ترجمة حسن ناظم، علي حاكم صالح، مراجعة جورج كتوره، (طرابلس الغرب: دار أويا، 2007)، ص 703

[34] - لم يستعمل سميث مصطلح «الحبّ الشخصيّ» أو مصطلح «الرغبة في الاعتراف»، للحديث عن رغبة الإنسان القويّة في الحصول على استحسان الآخرين وتقييمهم الإيجابيّ، بما يعطيه مكانةً وحظوةً بينهم، وإنَّما استخدم مصطلح «vanity» الذي سنترجمه عموماً بالغرور أو بالاغترار بالذات.

[35] - Cf. Iris Marion Young, Justice and the Politics of Difference, (Princeton: Princeton University Press, 1990).

[36] - انظر خصوصاً كتاب هونيت الأهمّ، في هذا الموضوع: Axel Honneth, The Struggle for Recognition..., op. cit.

[37] - Cf. Nicholas J.H. Dent, Rousseau, (Oxford: Basil Blackwell, 1988); A Rousseau Dictionary, (Oxford: Blackwell Publishers, 1992); Rousseau, (London & New York: Routledge, 2005).

[38]- Joshua Cohen, ``The Natural Goodness of Humanity,'' in A. Reath, B. Herman, and C. M. Korsgaard (eds.), Reclaiming the History of Ethics, (Cambridge: Cambridge University Press, 1997), p. 135, n 27

[39]- Neuhouser, Rousseau's Theodicy of Self-Love..., op. cit., at 59, n 3

[40] - هذا ما فعله رولز، على سبيل المثال، في محاضراته عن روسّو، في إطار محاضراته في تاريخ الفلسفة السياسيّة، انظر:

John Rawls, Lectures on the History of Political Philosophy, (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 2008), at 198, n 9

[41] - Neuhouser, Rousseau's Theodicy of Self-Love..., op. cit.

[42] - يحيل الكتاب على هونيت إحالةً عابرةً وهامشيّةً، مرّتين فقط، في الهامشين 8 و2 من الصفحتين 62، 94، على التوالي، وفي المقابل، لا نجد فيه أيّ ذكرٍ لتايلور أو لسياسة الاعتراف لديه.

[43]- Neuhouser, Rousseau's Theodicy of Self-Love..., op. cit., p. 25