سؤال الهويَّة في الثقافة العربيَّة المعاصرة


فئة :  مقالات

سؤال الهويَّة في الثقافة العربيَّة المعاصرة

سؤال الهويَّة في الثقافة العربيَّة المعاصرة

قراءة في أربع مقاربات عربيَّة معاصرة([1])

حامد بن الهادي السَّالمي

ما الهويَّة؟ وهل للهويَّة حدٌّ به تُعرّف، وبه تتميَّز عن غيرها؟ وهل للهويَّة بُعد واحد كي يسهل نعتها؟ وما العوامل المؤثّرة في تشكّل الهويَّة؟ هل الهويَّة ثابتة لا تتغيَّر ولا تتأثّر بعوامل التاريخ والثقافة والدّين، أم هي مفهوم زئبقي يصعب حدّه، كلّما اعتقدت بلوغ تعريف واضح له، وجدته سراباً يُطلب فلا يُدرك؟

تلك أسئلة ننطلق منها في مساءلة الفكر العربي المعاصر، وذلك انطلاقاً من أربعة كتب لأربعة مفكّرين تبنَّوا مقاربات مختلفة في مساءلتهم للهويَّة. فإلى جانب تعدُّد مشارب أصحاب تلك الكتب (الفلسفة، البحث الحضاري)؛ فهم ينتمون إلى دوائر فكريَّة متنوّعة (القومي، الإسلامي، اليسار الإسلامي، ...)، وهم أيضاً يتوزَّعون على فضاءين متباعدين نسبيَّاً، وهما: الشرق العربي

ممثلاً في مصر (حسن حنفي[2]، محمَّد عمارة[3])، والمغرب العربي ممثّلاً في تونس (سعد غراب)[4] والمغرب (محمَّد عابد الجابري)[5].

وقد ارتأينا أن نعالج القضايا الموصولة بمبحث الهويَّة عند الجماعة من ثلاثة مستويات مختلفة: يتمثل الأوَّل في تبيّن دلالات العناوين التي اتخذوها لكتبهم محاولين الوقوف على أبعاد الهويَّة والقضايا التي تخيّر كلّ كاتب تناولها بالتحليل. أمَّا المستوى الثاني، فنتطرَّق فيه إلى الآليَّات التي اعتمدوها في ضبط الجهاز المفهومي الذي انطلق منه كلّ باحث من الأربعة. أمَّا المستوى الثالث، فنحاول من خلاله الوقوف على المؤتلف والمختلف بين الباحثين الأربعة.

دراسة عناوين الكتب

ننطلق في هذا العنصر من سؤال بسيط: ما دور العنوان في كشف الأطروحة التي يدافع عنها المؤلّف؟ نطرح هذا السُّؤال بالنظر إلى أنَّ العنوان هو فاتحة كلّ كتاب وأوَّل شيء تقع عليه عين القارئ، فإمَّا أنْ يكون الاتصال بينهما، وإمَّا أنْ يكون الانفصال[6].

لقد بلغ الاهتمام بالعناوين في الثقافة الغربيَّة مستوى متقدّماً تحوَّل بمقتضاه وضع العناوين إلى علم له مقاربته وأسسه، وهو علم العناوين (Titrologie)[7]. وقد أشار المنظّر الفرنسي وعالم السرديَّة "جيرار جونات"(Gerard Genette) [8] في ثنايا تناوله لعتبات النَّص (Seuils) إلى أنَّ العنوان يندرج ضمن ما سمَّاه النَّصّ الموازي (La Paratextualité) المتمثل في خطاب المقدّمات والعناوين، وهو نصٌّ لا ينفصل عن النَّص المتن بالنظر إلى وجود ترابط وثيق بين النَّص الموازي ونص المتن، سواء تعلقت المسألة بالموضوع أو بالرّتبة النَّصيَّة (العنوان، المتن، ...). وقد تكون العلاقة بينهما علاقة تلازميَّة؛ أي إنَّها تقوم على مبدأ التأليف على اعتبار أنَّ العنوان أهمّ أشكال التأليف (synthèse) الذي يعني بالأساس ردّ الأجزاء إلى الكلّ، وبهذا الشكل يغدو النَّص تفريعاً للعنوان وشرحاً له. وقد تتخذ العلاقة بين نصّ العنوان ونصّ المتن دلالات أخرى مثل الدّلالة الرّمزيَّة أو السخريَّة أو التَّهكّم، ... كأنْ يكون العنوان محيلاً على دلالة لا تتوفر في النَّص المتن، ومثال ذلك قصيدة "يوميَّات المدينة السعيدة" للشاعرة المكسيكيَّة إديالا مانديز (1954- 1993) (Adela Méndez) التي تتحوَّل فيها مدينة الورد (Ciudad de las Rosas)[9] إلى خراب وأرض يباب، ويعمّ فيها الفقر والموت ويتفشّى فيها الوباء، فإذا بالقصيدة تتغنَّى بالموت والخراب، وهي أبعد ما تكون عن السعادة والطمأنينة والأمان.

ونحن إذا ما تأمَّلنا الدّراسات والكتب التي نشتغل عليها في بحثنا، نجدها من تأليف باحثين أكاديميين تخرَّجوا في جامعاتنا العربيَّة في اختصاصات مختلفة (الفلسفة، الآداب العربيَّة)، ولهم انتماءات فكريَّة وثقافيَّة مختلفة (القومي، اليساري، الإسلامي، ...) على أنَّ الجامع بينهم اعتبارهم النصَّ الذي يكتبونه نصَّاً أكاديميَّاً - بوجه من الوجوه-، وهو يتوجَّه إلى جماعات لها معرفة بمسألة الهويَّة والمرجعيَّات الثقافيَّة وأهمّ المصادر المتَّصلة بالمسألة، بصرف النظر عن مدى دقّة تلك المعرفة، وهو ما يجعل العناوين تتعلق بالبُعد الأوَّل الذي أشرنا إليه، ونعني به البُعد التأليفي. وقد جاءت العناوين على النحو التالي:

"العامل الدّيني والهويَّة التونسيَّة" لـ"سعد غراب"، الدار التونسيَّة للنشر، تونس (ط 2، 1990).

"مسألة الهويَّة: العروبة والإسلام...والغرب" لـ "محمَّد عابد الجابري" ـ مركز دراسات الوحدة العربيَّة ـ بيروت (ط 1، 1995).

"مخاطر العولمة على الهويَّة الثقافيَّة"، لـ "محمَّد عمارة"، دار النَّهضة، القاهرة (ط 1، 1999).

"الهويَّة"، لـ"حسن حنفي"، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة (ط 1، 2012).

جاء العنوان الأوَّل في شكل مركَّب اسمي بالعطف؛ ففي الأوَّل كان المعطوف والمعطوف عليه مركَّباً اسميَّاً نعتيَّاً (العامل الدّيني والهويَّة التونسيَّة). أمَّا العنوان الثاني، فجاء في شكل مركَّب اسمي بالبدل (مسألة الهويَّة) و(العروبة والإسلام والغرب)، فإذا بالسؤال عن الهويَّة في تقدير محمَّد عابد الجابري يدور في فلك ثلاثة مفاهيم، وهي: الإسلام والعروبة والغرب، وهو ما يعني بالضرورة أنَّ الكتاب يبحث في العلاقة القائمة بين تلك المفاهيم كي يحدّد مفهوم الهويَّة. وفي العنوانين حذف لأجزاء من النواة، فالكتاب الأوَّل يفترض أنْ يكون عنوانه: "العلاقة بين العامل الدّيني والهويَّة التونسيَّة"، أو: "هذه دراسة في العامل الدّيني والهويَّة التونسيَّة"...، أمَّا الكتاب الثاني، فيفترض أنْ يكون عنوانه على النحو الآتي: "هذه هي أبعاد مسألة الهويَّة: العروبة والإسلام... والغرب"، أو: "إنَّ معنى الهويَّة ماثل في السؤال عن العلاقة بين العروبة والإسلام ونظرة الغرب للمجتمعات العربيَّة المسلمة".

في حين جاء العنوان الثالث والرابع في شكل جملة (فعليَّة/ اسميَّة) حذف منها المسند أو المسند إليه، فقد يكون العنوان الثالث على النَّحو التالي: "هذه هي مخاطر العولمة على الهويَّة الثقافيَّة" أو: "تتمثل مخاطر العولمة على الهويَّة في..."، أمَّا العنوان الرابع، فقد يكون: "هذه هي الهويَّة"، أو: "الهويَّة هي..."، أو "تتمثل (تتجلى، تُعرّف) الهويَّة في/ بـ ...".

إنَّ مقصدنا من تقديم هذه الفرضيَّات هو تحديد أبعاد الأطروحات التي سعى كلّ كاتب إلى الدّفاع عنها، فـ"سعد غراب" انطلاقاً من العنوان يبحث في الدَّور الذي ينهض به العامل الدّيني في تأسيس الهويَّة التونسيَّة وتأصيلها. ويتولّد من هذه العلاقة أسئلة عديدة منها: هل العامل الدّيني في تصوُّر سعد غراب العامل الوحيد المحدّد لمفهوم الهويَّة؟ وهل الهويَّة ترتبط بالحيز الجغرافي المحدود تونس أو مصر أو الجزائر أو المغرب أو العراق أو السودان؟ ونصبح بناء على ذلك أمام هويَّات داخل الموحّد (العامل الدّيني)؟ وكيف يستقيم البحث في الهويَّة القُطريَّة (التونسيَّة) انطلاقاً من عامل يتجاوز القُطر (العامل الدّيني)؟ هل العامل الدّيني متغيّر من قُطر إلى آخر؟ أسئلة تخامر ذهن القارئ للعنوان، فالعنوان مستفزّ - بالمعنى الإيجابي- فهو يلقي بالقارئ منذ الوهلة الأولى في دوَّامة من الأسئلة الحارقة، فالهويَّة التي بدت له مرتبطة بالعامل الدّيني والعامل اللّغوي في أغلب الأحيان يضربها سعد غراب في مقتل عندما يجعل من الهويَّة مفهوماً موصولاً بالجغرافيا وبالتاريخ أساساً. أمَّا محمَّد عابد الجابري، فهو ينظر إلى المسألة من منظور مغاير، وذلك بالبحث في علاقة "الهويَّة" بالعروبة والإسلام، باعتبارهما المحدّدين الرئيسين للهويَّة من ناحية، وعلاقة الهويَّة بالغرب من ناحية أخرى، فهو من هذه الزاوية يبحث في تجليَّات العلاقة وأبعادها ودلالاتها دون الاقتصار على جانب مخصوص، فلا ندري هل سيتحدَّث عن الحدود بين العروبة والإسلام؛ أي عن وجود هويَّتين، أم سيعمد إلى البحث عن التأثير السلبي للغرب في بناء الهويَّة، أم أنَّه سيقوم بمقارنة بين الهويَّة هنا وهناك؟.

أمّا محمَّد عمارة، فقد ارتأى التدقيق في المسألة، فهو يولي وجهه شطر المخاطر التي تمثلها العولمة على الهويَّة الثقافيَّة".

وفي هذا السياق، نلاحظ اختلافاً بين محمَّد عابد الجابري ومحمَّد عمارة؛ فالأوَّل يتطرَّق ـ بدءاً من العنوان- إلى مسألة الهويَّة من منظور إبستمولوجي، يطلب الملاحظة قبل الوصول إلى النتيجة. أمَّا الثاني، فإنَّه يتناول تلك العلاقة انطلاقاً من مسلّمة واضحة لديه، مؤدَّاها أنَّ العولمة خطاب فكري هدَّام للهويَّة الثقافيَّة.

أمَّا في ما يتعلق بالكتاب الرابع "الهويَّة" لحسن حنفي، فما يلفت الانتباه تعميمه للمبحث، فهو لا يتطرَّق إلى مسألة الهويَّة من دائرة معيَّنة (الدّين، الثقافة، ...)، وهو لا يعالجها من مستوى محدَّد (العربيَّة، الإسلاميَّة، ...)، وإنَّما يلقي بالقارئ منذ البداية في دائرة أسئلة عديدة من أهمها: ما الهويَّة؟ وماذا تمثل بالنسبة إلى الإنسان؟ (وليس الإنسان العربي أو المسلم بالضرورة)، ولماذا نعرّف الهويَّة اليوم؟

لقد وسَّع سعد غراب مفهوم الهويَّة وضيَّق فيه في الآن نفسه، فالهويَّة لا تقتصر على البُعد الدّيني، ولكنَّه ضيّق في دائرة الهويَّة عندما عدَّها مسألة قُطريَّة (التُّونسيَّة)، وفي المقابل نحا عمارة والجابري إلى تحديد المقصود بالهويَّة، فهي ثقافيَّة تشمل مختلف جوانب الثقافة، ولا سيَّما البُعد الدّيني ـ خاصَّة مع محمَّد عمارة على النحو الذي سنبيّنه بعد حين- أمَّا حسن حنفي، فالهويَّة عنده مفهوم غير واضح الحدود، على عكس ما يعتقد أغلب الناس، هو إشكال مهم يجب التفكير فيه تفكيراً فلسفيَّاً ونقديَّاً، بعيداً عن النزعات الأيديولوجيَّة (حنفي، الهويَّة، ص ص 7-8).

وفي هذا السياق، نتساءل: إلى أيّ حدّ كان نصُّ العنوان معبّراً عن أطروحات الرّجال الأربعة؟ وما المرجعيَّات المؤثرة في البنية الفكريَّة لكلّ واحد منهم؟

ملابسات التأليف

التوظيف السياسي للهويَّة

صدرت الطبعة الثانية من كتاب "العامل الدّيني والهويَّة التونسيَّة" للباحث التُّونسي المرحوم سعد غراب سنة 1990، ضمن سلسلة "موافقات"، التي أدارها الجامعي التُّونسي المتميّز كمال عمران لفائدة الدَّار التونسيَّة للنشر.

ومن المهمّ في تقديرنا الإشارة إلى أنَّ الكتاب قد ألّف في إطار مراجعة (بعد 1987) (غراب، العامل الدّيني، ص 18) لمشروع ثقافي واجتماعي تميّز بحرص السُّلطة السياسيَّة في تونس ممثلة في الزَّعيم الحبيب بورقيبة[10]على بناء دولة وطنيَّة متقدّمة، وهو ما تجلّى في جوانب عديدة، منها التعليم والإعلام. فقد حدَّث بورقيبة التّونسيين والتّونسيات عن الأمَّة التونسيَّة[11]، وسمَّى مجلس الشَّعب "مجلس الأمَّة".

وفي الحقيقة إنَّ الذين عاشوا في تونس خلال تلك الفترات يعرفون أنَّ هذه المقاربة قد وجدت صدى في الأوساط المثقفة وفي شرائح عديدة من المجتمع التّونسي الحالم بالتقُّدم والقطع مع التخلّف.

لقد اتَّخذ الخطاب السياسي في تونس يومها منحى مخصوصاً في ظلّ التحوُّلات العربيَّة، فلئن عمل جمال عبد الناصر في مصر على تأسيس كيان قومي عربي - وقد انخرطت في هذا المشروع الجزائر وليبياـ فإنَّ النّظام البورقيبي سعى إلى استثمار العامل التّاريخي في غرس تصوُّر مغاير للهويَّة[12]، وهو تصوُّر سيجد في المقابل مشروعاً منافساً له حمل لواءه الزيتونيُّون، الذين نادوا بخطاب يمجّد الهويَّة الإسلاميَّة، وهو ما يجعلنا نقول: إنَّ الحديث عن الهويَّة التونسيَّة في الخطاب السياسي كان حديثاً لا يخلو من غايات سياسيَّة. ويكفي أنْ نشير في هذا المجال إلى دور الهويَّة في إذكاء الصّراع بين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف[13]، فالأخير أبدى ميلاً واضحاً للنَّزعة العروبيَّة (مصر جمال عبد الناصر يومها)[14]، وهو ما جعل بورقيبة يستشعر الخطر، ويسارع إلى اغتيال بن يوسف في ألمانيا؛ لأنَّ الخطاب السياسي الذي اتَّبعه صالح بن يوسف له أرضيَّة في البيئة التونسيَّة، ومن شأن السكوت عنه أنْ يعصف بالنظام السّياسي القائم.

غرس الحبيب بورقيبة في التّونسيين والتّونسيَّات شعوراً بأنَّهم شعب مختلف عن بقيَّة الشعوب العربيَّة، فتاريخه يؤكّد أنَّه شعب متنوّع الأعراق (الأمازيغ، الفينيقيُّون العرب، الإسبان، الوندال، الإيطاليون، الأتراك، ...)، وهو شعب قدره الانفتاح على الآخرين وبناء هويَّته الدّينيَّة والفكريَّة وفق آليَّات مخصوصة، ومن الأمثلة الدّالَّة على ذلك سعي بورقيبة إلى سنّ قوانين وأعراف جديدة تقوم على تأويل النصّ القرآني، ومنها منع تعدُّد الزوجات، والحثّ على الإفطار في شهر رمضان حتى "يقوى على العمل ويوفّر الإنتاج ويتمكّن بذلك من الخروج من التخلف. وقد اعتمد في هذا الرأي القياس واستشهد بالرَّسول الذي طلب من قومه في إحدى غزواته الإفطار في رمضان حتى يقووا على أعدائهم." (غراب، العامل الدّيني، ص19).

وقد نبَّه سعد غراب إلى أنَّ كتابه يأتي بعد انتهاء تجربة حكم بورقيبة التي دامت أكثر من ثلاثين سنة (1956-1987)، وهو بهذا المعنى يخبرنا بأنَّه يقوم بعمليَّة تقييم لعلاقة "العامل الدّيني بالهويَّة التونسيَّة" خلال تلك الفترة، وتأثير تلك التجربة في المجتمع التّونسي (غراب، العامل الدّيني، ص 18).

الهويَّة والسُّؤال عن الغرب والعولمة

يبدو هاجس محمَّد عابد الجابري ومحَّمد عمارة واحداً، فالكتابان صدرا في الفترة نفسها تقريباً (1995-1999)؛ أي في أواخر القرن العشرين وعلى مشارف القرن الحادي والعشرين، وهي فترة تميَّزت فيها الأوضاع في العالم العربي بأحداث دراماتيكيَّة بعد حرب الخليج الأولى وحصار العراق ومفاوضات أوسلو 1994[15]، وما تبع تلك الأحداث من تنامي الحركات الأصوليَّة وشعور أغلب المسلمين والعرب بالإحباط وبأنَّهم سائرون في طريق مجهولة، وهو ما جعل من الغرب ومن العولمة وجهين لعملة واحدة، أو وحشاً مخيفاً يحاول ابتلاع العرب واقتلاعهم من جذورهم.

إنَّ هذا الوجه القبيح زجَّ بالفكر العربي في دائرة قضايا جديدة، قبل أنْ يبلغ الكلمة الفصل في قضايا الحداثة والنهضة والتقدّم.

ونرى أنَّ العولمة كشفت بالأدلّة القاطعة كم هي المسافة بعيدة بين الفكر العربي والواقع العالمي وقضاياه، فالقطار يسير بسرعة فائقة، أمَّا العرب، فما زالوا ينظرون إلى الخلف.

صدمة نابليون بونابارت[16]، صدمة الحداثة، لم يستوعب العرب أبعادها وما ترتَّب عليها من نتائج، وما كاد العرب يدركون حجم الهوَّة، حتى جاءت العولمة لتؤكد للعرب أنَّ القضايا التي يعالجونها أكل عليها الدَّهر وشرب.

في هذا السياق المعرفي والتاريخي، كتب محمَّد عابد الجابري ومحمَّد عمارة كتابيهما، فإذ بالبحث في قضايا الهويَّة والعولمة مسألة فرضت نفسها على المفكِّرين، فبوادر العولمة ومفاهيمها بدأت تلوح في بوادي العرب غيوماً، ولا معنى لتجاهلها أو غضّ النظر عنها.

والسؤال الذي يطرحه المفكّران ضمنيَّاً: كيف نتعامل مع العولمة (الغرب)؟ ماذا يجب أن نفعل كي لا تبتلعنا العولمة؟ سؤالان سعى كلٌّ من الجابري وعمارة إلى الإجابة عنهما من منطلقات فكريَّة مختلفة (إسلاميَّة، قوميَّة...).

الهويَّة وآمال الانعتاق من التخلّف، والالتحاق بركب الدّيمقراطيَّة

أهدى حسن حنفي كتابه "الهويَّة" "إلى شهداء الرَّبيع العربي"، وقد حرص على توقيع هذا الإهداء يوم 25 يناير (جانفي) 2012.

لا شكَّ في أنَّ حسن حنفي، وهو يكتب عن الهويَّة في زمن الرَّبيع العربي، كان يفكّر في ما يُفترض طرحه من أسئلة على النّخب المثقفة والطبقة السياسيَّة في تونس ومصر وليبيا، وماذا يجب أن تفعله في تأسيسها للجمهوريَّة الجديدة. ولعلَّ حسن حنفي كان يخشى من اختزال الهويَّة في جملة من الضوابط والمفاهيم المتجمّدة التي قد تذهب ـولعلها ذهبت ـ بمكتسبات ثورات الرَّبيع العربي.

لقد وقّع حسن حنفي كتابه بعد مُضي سنة كاملة على ثورة يناير 2011، والمسألة ـ في تقديري- مقصودة؛ ذلك أنَّ مرور سنة كاملة على ثورة الياسمين في تونس (14 يناير 2011) وثورة ميدان التَّحرير (25 يناير 2011)[17] يتيح لحسن حنفي الإدلاء بدلوه في قضيَّة الهويَّة ودورها في انتشال العالم العربي الجديد من الواقع المتردّي، وذلك ما يفسّر -في تصوُّرنا- عودة حسن إلى قضيَّة الهويَّة، فالربيع العربي أحيا في النّفوس الرَّغبة في التقدُّم واللّحاق بالحضارة المتقدّمة، ولكنَّه أيضاً أعاد للواجهة صراعات سياسيَّة وفكريَّة في تونس ومصر (الفكر الإخواني، الفكر الشّيوعي، ...).

صورة عمل حسن حنفي على إبرازها في جميع فصول الكتاب، وقد أكَّدها في نهاية الكتاب عندما تساءل: "هل تنشأ الهُويَّة من الثقافة"؟ (حنفي، الهويَّة، ص71) سؤال يخفي وراءه ضرورة الوعي بوجود بُعد آخر -أهمّ على ما يبدو- يتمثل في الهويَّة التاريخيَّة. وقد عبَّر عن ذلك حسن حنفي بأسلوب شعري يكشف عن النَّفَس التفاؤلي، ففي الفقرة الأخيرة من الكتاب نقرأ: "كما بدأت العنقاء تطير من الشرق إلى الغرب في الماضي [...]، فإنَّها تطير من جديد عائدة من الغرب إلى الشّرق مارَّة بالمنطقة العربيَّة الإسلاميَّة. فالهويَّة التاريخيَّة تتحرَّك الآن، ونحن في قلبها. وقد يكون الرَّبيع العربي أحد مساراتها". (حنفي، الهويَّة، ص 75).

بنية الكتاب وجهازه المفهومي

العامل الدّيني والهويَّة التّونسيَّة لـ"سعد غراب".

يتكوَّن كتاب سعد غراب من خمس مقالات وملحق (رسالة الطرطوشي إلى عبد الله بن مظفر).

وقد جاءت المقالات متفاوتة الحجم على النحو الآتي:

العامل الدّيني والهويَّة التّونسيَّة: من ص 11 إلى ص 30 (20 صفحة).

المذهب المالكي عنصر ائتلاف في المغرب الإسلامي: من ص31 إلى ص 70 (حوالي 40 صفحة).

إشعاع المدرسة المالكيَّة والتوحيد المذهبي في المغرب الإسلامي: من ص 103 إلى 136 (حوالي 34 صفحة).

حول إحراق المرابطين لإحياء علوم الدّين للغزالي: من ص 137 إلى ص 177 (40 صفحة).

رسالة الطرطوشي إلى عبد الله بن مظفر: [18]من ص 178 إلى ص 186 (8 صفحات).

وقد جاء الكتاب بدون مقدّمة أو خاتمة (نشير إلى أنَّ المقدّمة هي مقدّمة السلسلة، وهي من تأليف الأستاذ كمال عمران).

لقد بيّن سعد غراب في "العامل الدّيني والهويَّة التّونسيَّة" أهمَّ الإشكاليَّات المتعلّقة بالبحث في الهويَّة، لا سيَّما الهويَّة القُطريَّة، فهو يخبرنا بأنَّ الهويَّة كمفهوم لم يقع حوله إجماع بين الباحثين، هو يعود إلى مقال الهويَّة (L’identité) في دائرة المعارف الكونيَّة (Encyclopedia Universalis) ليؤكّد أنَّ هذا المتصوّر قد دُرس على مستوى الفرد بالأساس، وذلك من مختلف المجالات الأنطولوجيَّة والفلسفيَّة والنفسيَّة بدءاً من هرقليطس[19]إلى اليوم، وقد أشار إلى أنَّ دراسة هويَّة مجتمع إنساني ما مسألة في غاية التشعُّب والتعقيد مقارنة بدراسة الهويَّة الفرديَّة، "فالمجتمع ليس مجرَّد حصيلة حسابيَّة للأفراد المكوّنين له" (غراب، العامل الدّيني، ص 11) من ناحية، ومن ناحية أخرى نبَّه إلى ضرورة الوعي بتداخل مفهومين هما الهويَّة والقوميَّة الذي يعتبر مفهوماً حديثاً مقارنة بمصطلح الهويَّة، ففي القرن التاسع عشر اعتُمد مصطلح القوميَّة للتمييز بين القوميَّات والأعراق والشّعوب والأقليَّات. على أنَّ مفهوم الهويَّة لم يكن له في الماضي -وفي الحاضر على ما يبدو- مفهوم واضح بالنظر إلى أنَّ الهويَّة كانت يومها مجرَّد فكرة أكثر منها ظاهرة محسوسة في الواقع المعيش للأفراد والجماعات.

ويواصل سعد غراب محاصرته لإشكاليَّات الهويَّة بالسؤال عن حدود الأمَّة والوطن انطلاقاً من كتاب إرنست رينان ما الأمَّة[20]؟

ليؤكّد أنَّ الوطن أو الأمَّة "لا يمكن أن يرتكز على الجنس أو اللّغة أو الدّين أو الحدود الطبيعيَّة" (غراب، العامل الدّيني، ص 13).

وقياساً على ذلك يخلص إلى أنَّ أولئك الذين يكتبون (في تونس بعد 1987 زمن الرئيس الثاني للجمهوريَّة التونسيَّة زين العابدين بن علي)[21] في الصحف مستبشرين "بالتقاء الهويَّة التّونسيَّة بذاتيّتها الإسلاميَّة في العهد الجديد "يقعون في الخلط وفي النَّزعة الاختزاليَّة المضلّلة، وذلك بجعل الدّين صنواً للهويَّة واعتبار الهويَّة مرادفة للتراث أو الإسلام، في حين أنَّ الهويَّة لا تعني عنده شيئاً آخر غير "الخصائص أو الخاصيَّة الكبرى الموحدة التي تجعل من الشيء أو من الإنسان أو من الأمَّة أو البلد هو أو هي، ولا شيء سواه".

ليدقق بعد ذلك النَّظر في شأن الهويَّة التّونسيَّة ويضع على المحكّ مقولاتها، فهي هويَّة قُطريَّة يسهل الاستدلال عليها انطلاقاً من الناحية الجغرافيَّة والتاريخيَّة، لأنَّ الهويَّة القُطريَّة التّونسيَّة لا تتطابق مع مفهوم الهويَّة الإسلاميَّة أو مفهوم الأمَّة. فالمسلم قديماً كان ينتقل من أرض إلى أرض في حريَّة تامَّة (ابن خلدون، ابن بطوطة، ...)، في حين طرحت مسألة الهويَّة وبحدَّة في الفضاء العربي الإسلامي المعاصر، ولا سيَّما في الشرق، ففي المغرب العربي تكاد تتطابق العروبة والإسلام، في حين يظلُّ بين المفهومين حدود في الشرق بالنظر إلى وجود أقليَّات دينيَّة غير مسلمة (المسيحيُّون، ...).

إذاً، فالهويَّة التّونسيَّة تستند إلى معطى الجغرافيا والتاريخ وإلى الشعور بالانتماء إلى حاضنة تاريخيَّة مميزة، فتونس كانت "المنطلق للإشعاع الدّيني واللّغوي في شمال إفريقيا في العهود الفينيقيَّة القرطاجنيَّة والرُّومانيَّة والعربيَّة الإسلاميَّة" (غراب، العامل الدّيني، ص 18)، وهو دور يؤهّلها اليوم إلى أنْ تكون لها هويَّة مميّزة عن غيرها.

بهذا المعنى تغدو الهويَّة المرآة التي تنعكس فيها عناصر الذّات والتاريخ والحضارة والجغرافيا مكوّنة ذاتاً تشعر بتميزها عمَّا يدور في فلكها وبالقرب منها، وهو ما تجلّى في انتشار أغلب المذاهب الفقهيَّة في تونس، فالحنفيَّة والمالكيَّة والإباضيَّة وجدت لها موطئ قدم في أرض تونس، على انتصار المالكيَّة، وإن أغلق باب الاختلاف ووسم المجتمع بالشدَّة، فإنَّه حقق "التطابق بين الأمَّة ومفكّريها" (غراب، العامل الدّيني، ص69).

وعمدة القول عند سعد غراب، أنَّ "ذات المجموعة منغرسة جذورها في التاريخ. وتاريخ التفكير والعقليَّات من أدلّ التَّواريخ على هويَّة الأمَّة ومن المكوّنات الرئيسيَّة للشخصيَّة القاعديَّة". (غراب، العامل الدّيني، ص 70).

مخاطر العولمة على الهويَّة الثقافيَّة لمحمَّد عمارة

وزَّع محمَّد عمارة كتابه على النحو التالي:

تحرير مضامين المصطلحات: الثقافة والهويَّة والعولمة: من ص 3 إلى ص 14 (12 صفحة).

نظرة تاريخيَّة على الجذور والخلفيَّات: مرحلة غواية التَّرغيب والتَّرهيب: من ص 15 إلى ص 23 (ثماني صفحات).

مرحلة العولمة: من ص24 إلى ص 36 (12 صفحة).

لكن، هل العولمة قضاء وقدر لا فكاك من الاندماج فيها: من ص 37 إلى ص 41 (خمس صفحات).

وأخيراً، ما العمل؟ من ص 42 إلى ص 46 (خمس صفحات).

بدا محمَّد عمارة واعياً بالحدود الاصطلاحيَّة، فقد خصَّص المبحث الأوَّل من كتابه للنظر في المفاهيم المحوريَّة لكتابه، وهي: مفهوم الهويَّة، ومفهوم الثقافة، ومفهوم العولمة.

وقد انتهى في شأن الهويَّة إلى أنَّها تعني "جوهر الشيء[22] وحقيقته المشتملة عليه اشتمال النّواة على الشجرة وثمارها [...] هويَّة الشيء هي ثوابته التي تتجدَّد ولا تتغيّر" (عمارة، مخاطر العولمة، ص 6).

وأمَّا الثقافة، فهي لا تعني المدنيَّة، لأنَّ الثقافة تعني، فيما تعني، "كلّ ما يسهم في عمران النفس وتهذيبها [...وذلك] بالأفكار والعقائد والقيم والآداب والفنون. [أمَّا المدنيَّة، فهي] تهذيب الواقع بالأشياء [...فإذا بالثقافة متغيرة تغير الحضارات، وإذا بـ] المدنيَّة المشترك الإنساني العام بين الحضارات" (عمارة، مخاطر العولمة، ص ص 5-6). وقد انطلق من هذين التعريفين لتحديد المقصود بالهويَّة في عالمنا استناداً على مرجعيَّات فكريَّة (ميشيل عفلق[23]الفكر القومي، السنهوري الفكر الإسلامي[24]) متباعدة نظريَّاً، ليثبت منها أنَّ المحدّد الأوَّل والرئيس للهويَّة في عالمنا العربي هو الإسلام، وبهذه الطريقة تتساوى الثقافة مع الإسلام وتصطبغ الهويَّة بلونه (الإسلام)، ويغدو الإسلام الاسم الآخر للهويَّة العربيَّة. في حين تُمثل العولمة الوجه القبيح لفكر الإكراه والقهر، وهو فيما يخصُّ هذه المسألة يميّز بين أمرين، وهما: العالميَّة والعولمة؛ فالعالمية تعني عنده انتشار حضارة بمقتضى الحريَّة والاختيار، أمَّا العولمة (وهي على وزن فعْللة)، فتعني بالأساس "القسر والقهر والإجبار على لون من الخصوصيَّة يعولمه القهر ليكون عالميَّاً" (عمارة، مخاطر العولمة، ص 13).

إنَّ محمَّد عمارة يخشى من أن تمحى الهويَّة الإسلاميَّة للثقافة العربيَّة في ظلّ العولمة وإكراهاتها المتنوّعة، وهو إذ يراهن على بناء وعي بتلك المخاطر، فإنَّه يضع لبنات مشروع نهضة عربيَّة إسلاميَّة جديدة، ولكي يوضح ذلك عمد إلى الحفر في تاريخ العولمة التي بدت عنده مشروعاً قديماً تمتدُّ جذوره إلى حملة نابليون.

فالعولمة في شكلها القديم قامت على ثنائيَّة التَّرهيب والتّرغيب، في حين أنَّ العولمة الجديدة استبدلت تلك الثنائيَّة، وفرضت النموذج الثقافي الأمريكي باعتباره نموذجاً راقياً للعولمة، على أنَّ هذا النموذج ينطوي على قيم هدَّامة تتعلق ببنية المجتمع ومنظومة الحقوق والواجبات العائليَّة وحقوق الإنسان، وبالمنظومة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة. فالعولمة تسعى إلى جعل البشر على اختلاف أصولهم وثقافاتهم يؤمنون بالقيم نفسها، ويتأثرون بالفكر الاستهلاكي، ويتخلّصون من جميع الضوابط التي تحمي الفرد والمجتمع.

والحق أنَّ ما أقرَّه محمَّد عمارة -وإن كان لا يخلو من مبالغة وسوء فهم لبعض جوانب العولمة- فإنَّ ما ذهب إليه حقيقة لا تنكرها عين الناظر في/ إلى العولمة[25]، فاعتبار العولمة مشروعاً موجَّهاً ضدَّ الإسلام مسألة فيها مبالغة في تقديرنا، ذلك أنَّ العولمة وأباطرة رأس الماليَّة الفاحشة لا يعترفون بمسيحيَّة أو إسلام، لأنَّ المبدأ أو العقيدة التي يؤمنون بها هي المال، ولا شيء غير المال.

مسألة الهويَّة العروبة والإسلام...والغرب (ط 1 1995، ط 4، 2012).

وزّع محمَّد عابد الجابري كتابه "مسألة الهويَّة العروبة والإسلام...والغرب على مدخل وثلاثة أقسام جاءت على النحو التالي:

مدخل: ما العربي؟ من ص 7 إلى ص 20 (14 صفحة)

القسم الأول العروبة والإسلام والوحدة العربيَّة: من ص 21 إلى ص 88 (68 صفحة)، وقد احتوى هذا القسم على تسعة مباحث عالج فيها تجليَّات العروبة والإسلام في مظانّ التيَّارات الفكريَّة القديمة والنهضويَّة والمعاصرة، مؤكّداً على ضرورة الأخذ في الحسبان أنَّ "الدَّولة القُطريَّة هي أساس الوحدة العربيَّة" (الجابري، مسألة الهويَّة، ص59).

أمَّا القسم الثاني، فعنوانه: "نحن والآخر والمستقبل"، وقد امتدَّ من ص89 إلى ص 166. وقد تكوَّن من عشرة مباحث دارت على ثنائيَّات (الماضي/ المستقبل)، (الأنا/ الآخر) (الاستشراق/ الفكر العربي)، وفيه خلص محمَّد عابد الجابري إلى ضرورة بناء "نوع جديد من النّضال" (الجابري، مسألة الهويَّة، ص 156) يراعي متطلّبات الواقع العربي وما يفرضه الظرف الدَّولي من متغيّرات، ليؤسّس في القسم الثالث الموسوم بـ"صورة العرب والإسلام والمهاجرين في وسائل الإعلام الغربيَّة" الذي امتدَّ من ص 167إلى ص198، وفيه مباحث أربعة اهتمَّ فيها بالصُّورة المغلوطة التي روَّجتها وسائل الإعلام الغربي عن الإسلام، وهو بذلك يشير إلى دور الإعلام الغربي في صناعة صورة غير حقيقيَّة عن العرب والمسلمين من جهة، ومن جهة أخرى لاحظ أنَّ هذا الخطاب العدواني يدفع العربي والمسلم إلى الاحتماء بمقولات تساهم في نشأة الكراهية تجاه الآخر.

وبهذا الشكل لفت محمَّد عابد الجابري الفكر المعاصر إلى ضرورة الوعي بالدَّور الذي تنهض به العوامل الخارجيَّة والوضع الدَّولي في بناء مفهوم الهويَّة، فالهويَّة وفق هذا التصوُّر بنية متطوّرة وغير ثابتة، ويصعب تبيّن العوامل المساهمة في إنشائها.

لقد حدَّد الجابري في الصفحة الحادية عشرة -وهو يقارن بين مشروع الوحدة الأوروبيَّة ومشروع الوحدة العربيَّة- أهمَّ مقومات الهويَّة في العالم العربي بالقول: إنَّ الوحدة العربيَّة تتأسَّس على "وحدة اللّغة والثقافة بينما ترتكز [الوحدة الأوروبيَّة] على الاقتصاد والمصالح" من جهة، ومن جهة أخرى بيَّن أنَّ "الهويَّة الثقافيَّة هي حجر الزاوية في تكوين الأمم، لأنَّها نتيجة تراكم تاريخي طويل، فلا يمكن تحقيق الوحدة الثقافيَّة بمجرَّد قرار سياسي"، عناصر يعتبرها الجابري متوفّرة في العالم العربي، مرجعاً تأخُّر الوحدة إلى غياب الإرادة السياسيَّة، وهي إرادة ستظلُّ غائبة ما لم يطرق العرب أبواب الديمقراطيَّة، وهو يعتبر تحقق ذلك الشرط مهمَّاً في بناء وحدة أقوى من الوحدة الأوروبيَّة المبنيَّة على المصالح الاقتصاديَّة بالأساس، ويضيف الجابري إلى ما تقدَّم إقراراً بأنَّ الوحدة العربيَّة تصطدم بعوائق أخرى؛ أهمُّها التدخُّل الأجنبي في صنع القرار العربي.

وقد أبدى محمَّد عابد الجابري في مواضع عديدة من كتابه ثقته بأنَّه لا مخرج للعرب إلّا بالوحدة، وهو يستدلُّ على ذلك بأسلوب واضح عندما يقول: "يستطع المرء [...] أنْ يجزم بأنَّ أفراداً قليلين فقط من سكان هذه المنطقة [...] لا يتحمَّسون لأنْ يوصف الواحد منهم بأنَّه عربي" (الجابري، مسألة الهويَّة، ص14).

بهذا المعنى تتوفَّر جميع مقوّمات الهويَّة على أساس أنَّ الانتماء للثقافة العربيَّة ماثل في أنفس الجميع سواء كانوا عرباً أو بربراً...، مسلمين أو مسيحيين، ففي داخل كلّ واحد منَّا شعور قوي بالانتماء إلى الثقافة العربيَّة تاريخاً ولغة وثقافة، وهي عناصر يصعب توفُّرها في أيّ فضاء جغرافي في العالم، وهو ما دفع الجابري إلى الخوض في العوائق التي حالت دون تحقق الوحدة العربيَّة، فهو يركّز على العوامل الداخليَّة والخارجيَّة، وبهذا المعنى انتهى الجابري إلى تعريف واضح ودقيق للهويَّة، فهي الوجه الآخر للوحدة العربيَّة، وهي بمقتضى ما تقدَّم ليست "شيئاً آخر سوى التعبير الإيجابي عن ذلك الشعور خارج أوقات الأزمات. وهل الهويَّة شيء أخر غير ردّ الفعل ضدّ الآخر ونزوع إلى تأكيد الأنا بصورة أقوى وأرحب"؟ (الجابري، مسألة الهويَّة، ص ص 16- 17).

الهويَّة نحت للذّات وتأصيل للكيان انطلاقاً من وحدة التَّاريخ واللّغة، فالجابري لا يتساءل عن حدّ الهويَّة قدر ما يتساءل عن الآليَّات التي نترجم بها هذه الهويَّة، ونحوّلها إلى حقيقة ملموسة وواضحة للعيان.

الهويَّة لـ"حسن حنفي"

الإهداء: ص 5 (صفحة واحدة).

الموضوع والفهم: من ص 7 إلى ص 20 (14 صفحة).

الهويَّة والاغتراب: من ص 21 إلى ص 38 (18 صفحة).

الهويَّة والاغتراب الديني: من ص 39 إلى ص 50 (11 صفحة).

الهويَّة والاغتراب السياسي: من ص 51 إلى ص 60 (10 صفحات).

هل يمكن تحديد الهويَّة؟ من ص 61 إلى ص 75 (15 صفحة).

لقد تناول حسن حنفي مبحث الهويَّة في نصوص عديدة بطرق مختلفة؛ منها ما كان عرضيَّاً، ومنها ما كان فيها البحث في الهويَّة المبحث الرئيس والمحوري، ومثال ذلك كتابه "الهويَّة". وقد عمل حنفي في هذا الكتاب انطلاقاً من المبحث الأوَّل على تحديد دلالات الهويَّة، فاعتبر السؤال عنها سؤالاً فلسفيَّاً بالأساس، لم يتفق في شأنه الفلاسفة (المثاليون، الوجوديون، ...) من جانب، ومن جانب آخر بيَّن أنَّ الهويَّة مفهوم ملتبس شديد الالتباس بمفهوم الجوهر والماهيَّة، ففي الصفحة العاشرة تطرَّق إلى مظاهر ذلك التداخل بالقول: "يتداخل مفهوم الهويَّة مع مفهوم الماهيَّة، فالهويَّة لغويَّاً أن يكون الشيء هو هو وليس غيره، وهو قائم على التطابق أو الاتّساق في المنطق، والماهيَّة أن يكون للشيء ما هو بزيادة حرف الصلة ما على الضمير المنفصل "هو"، والمعنى واحد [...] يتداخل أيضاً مع مفهوم الجوهر [...]، لئن كان مفهوما الماهيَّة والهويَّة مشتقين لغويين من الجذر نفسه "هو"، فإنَّ الجوهر استعارة من علم المعادن من الجوهر النفيس" (حنفي، الهويَّة، ص ص 10-11)

وانطلاقاً من هذه الحدود اقترح حسن حنفي تعريف الهويَّة بأنَّها خاصَّة بالإنسان فرداً كان أم جماعة، وبأنَّها مسألة ميتافيزيقيَّة تتعلّق بالإنسان، ولها أبعاد عديدة.

غياب الهويَّة = اغتراب

 

الهويَّة

مشكلة نفسيَّة

الهويَّة والغيريَّة وجها الإنسان

تجربة شعوريَّة

خاصيَّة تتعلق بالنفس

تعبير عن الحريَّة الذاتيَّة

الهويَّة مسألة تتعلق بالفرد

إمكانيَّة قد توجد

الهويَّة مسألة تتعلق بالمجتمع

أن يكون الإنسان هو نفسه

 

انطلاقاً من هذه المحاور التي حدَّدها حسن حنفي نتبيَّن أنَّ المسألة تتَّصل بواقع الإنسان دينيَّاً وسياسيَّاً، ولعلَّ ذلك ما دعاه إلى تخصيص المبحث الثاني والمبحث الثالث والمبحث الرابع للنَّظر في ثنائيَّة الهويَّة والاغتراب عموماً والاغتراب الدّيني والسّياسي خصوصاً، فالهويَّة العربيَّة التي يشير إليها حسن حنفي بين الفينة والأخرى هويَّة أوغلت في الاغتراب، وهي تستعيد ذاتها في زمن الرَّبيع العربي، عليها أن تعيد النظر في مختلف أشكال اغترابها، فلئن كانت الهويَّة تعني بالضرورة أنْ يكون الإنسان هو نفسه متطابقاً مع ذاته، فإنَّ الاغتراب هو أنْ يكون غير نفسه بعد أنْ ينقسم إلى قسمين: هُويَّة باقية، وغيريَّة تجذبها" (حسن حنفي، الهويَّة، ص 12).

فقدان الهويَّة يؤدي إلى الاغتراب، وإلى الانطواء على الذَّات أو الاحتكام إلى العنف، فبغياب الهويَّة وفقدانها ندخل عوالم الفراغ والشعور بالعجز، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام الاغتراب الدّيني والسياسي، فالهويَّة في عالمنا العربي ينبغي التفكير في قضاياها من خارج دائرة السياسة ومشاريع النهضة والإصلاح والمقاربات الليبراليَّة، فهي أعظم من ذلك، هي تتجاوز الجغرافيا والتاريخ والعرق والمذهب والأيديولوجيا، لأنَّها ببساطة هويَّة إنسانيَّة.

***

تناولنا في هذا البحث رؤى المفكّر العربي المسلم للهويَّة وأبعادها وتحدّياتها، فألفينا المقاربات المعتمدة متنوّعة تنوُّع المداخل والمسلَّمات الفكريَّة والمنطلقات الأيديولوجيَّة، وفي جميع الحالات بان لنا أنَّ الهويَّة في المحيط العربي -سواء تعلقت المسألة ببلاد المشرق أو ببلاد المغرب- مسألة مدار جدل واختلاف، وليس الداعي إلى ذلك اختلاف المقاربات فحسب، ولكنَّ المسألة تتَّصل بالأساس بهواجس المفكّر العربي وما ينتظره من المستقبل، فالاصرار على البُعد القُطري أو اللّغوي القومي أو الدّيني أو الكوني يعبّر عن آفاق الحضارة العربيَّة الإسلاميَّة في محيطها الإقليمي والعالمي من جهة، وعن طبيعة علاقتها بماضيها وتاريخها من جهة ثانية.

وانطلاقاً من تلك المحاولات التي حللنا أهمَّ مضامينها ومسلماتها نقول: إنَّ الهويَّة في العالم العربي تختزل هواجس العرب للتقدُّم والرُّقي، فإذا بالسؤال المحوري الذي سكتت عنه تلك القراءات: كيف نعيد صياغة أسس الهويَّة كي نستطيع تحقيق التقدُّم الحضاري؟ ذلك أنَّ أغلب الظنّ عندنا أنَّ المفكّر العربي كان يعرف الهويَّة كي يحميها، وكي يبرهن على قدرتها على التفاعل مع الواقع المتجدّد وتطوُّراته، ونقدّر أنَّ ذلك لم يعد ينفع اليوم في ظلّ التحوُّلات المعرفيَّة والتكنولوجيَّة التي تفرض علينا تنظيم البيت العربي وبسرعة، كي لا يأتي يوم نستفيق فيه وقد سُلبنا الهويَّة بعد أن سُلبنا الأرض.

[1]- يتفكرون 12

[2]ـ حسن حنفي: مفكّر مصري، ولد سنة 1935م، أحد أهمّ منظّري اليسار الإسلامي. حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السّوربون، باريس، حول المقاربة الفينومولوجيَّة. وقد تميّز مشروعه الثقافي بالدَّعوة إلى تجديد أسس الفكر الإسلامي المعاصر، وبدعوته إلى تأسيس علم الاستغراب (نظير علم الاستشراق). تميّز بغزارة الإنتاج في مجالات الفكر والفلسفة، وتوزَّعت أعماله بين التأليف والترجمة.

[3]ـ محمَّد عمارة: مفكّر إسلامي مصري، ولد عام 1931 بكفر الشيخ بمصر، انتمى إلى التّيار الماركسي ليتحوَّل بعدها إلى التيَّار الإسلامي. وقد حصل محمَّد عمارة على شهادات جامعيَّة في اختصاصات عديدة منها اللغة العربيَّة والفلسفة الإسلاميَّة، تتجاوز أعماله مئتي مؤلّف، توزَّعت على التحقيق والتأليف في شأن الفكر الإصلاحي ومقاربات النهضة الإسلاميَّة.

[4]ـ سعد بن كيلاني بن الحبيب غراب: من أبرز الباحثين التّونسيين المعاصرين الذين اختصُّوا في دراسة الحضارة العربيَّة الإسلاميَّة. ولد سعد غراب في غمراسن ـ ولاية تطاوين (الجنوب التونسي) سنة 1940م، تخرَّج في دار المعلمين العليا بتونس أستاذاً مبرزاً في اللغة العربيَّة، وحصل سنة 1970على الدكتوراه الحلقة الثالثة في الدّراسات الإسلاميَّة. وفي سنة 1974 حصل على دكتوراه الدولة من جامعة السوربون بباريس إثر مناقشة أطروحته "ابن عرفة والمذهب المالكي بإفريقية في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي".

سُمّي عميداً لكليَّة الآداب بمنوبة بتونس في نوفمبر 1987 ورئيساً لـ"بيت الحكمة" 1991، وقد توزَّعت مؤلفاته على كتب ومقالات ومحاضرات وترجمات. شارك في تحرير مجلات علميَّة مثل "إبلا" (IBLA)، وفرق بحث مثل فريق البحث الإسلامي المسيحي (GRIC) ومجامع اللغة العربيَّة (دمشق)، والاتحاد الدولي للمجامع وجمعيات ثقافيَّة (جمعية ابن عرفة). وقد انتخب سنة 1993 مديراً عامَّاً مساعداً في المنظّمة العربيَّة للتربية والثقافة والعلوم. توفّي يوم 16 جويلية 1995 بالدار البيضاء بالمغرب، وهو يشارك في ندوة التَّسامح من تنظيم فريق الحوار الإسلامي المسيحي.

[5]ـ محمَّد عابد الجابري: مفكر وفيلسوف مغربي معاصر، ولد سنة 1936وتوفي سنة 2010. من أهمّ أعلام التجديد في الفكر العربي المعاصر. وقد عمل في جميع مؤلفاته على بناء مقاربة جديدة لقضايا الواقع العربي، وذلك بتحليل بنية العقل العربي في مختلف المجالات (السّياسة، ...).

[6]ـ راجع محمَّد إدريس، تفسير البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل بين سلطة النَّص المقدَّس وسلطة الواقع المعرفي، ضمن كتاب مطارحات في التفسير والدّراسات القرآنيَّة المعاصرة، ط 1، المركز الثقافي العربي، الدَّار البيضاء، المغرب، 2015، ص 261

[7]ـ المرجع نفسه، ص 263

[8]ـ يُعدُّ جيرار جونات من أهمّ منظّري ونقاد الأدب المعاصرين، فقد ألف كتباً عديدة تُعدُّ مراجع رئيسة للنَّقد وللتنظير الأدبي، ومنها نذكر كتابه عتبات (Seuils)، وطروس (Palimpsestes)، ووجوه (خمسة أجزاء)(Figures)، ومدخل إلى النَّص الجامع(Introduction à l'architexte).

[9]ـ هذا الاسم من الأسماء التي عرفت بها المدينة المكسيكيَّة مدينة غواد لاخارا (Guadalajara)، والتي تعرف أيضاً بـ (La Perla del Occidente) (لؤلؤة الغرب)، ويعني اسم غواد لاخارا بالإسبانيَّة "وادي الحجارة"، وهو تحريف للعبارة العربيَّة.

[10]- الحبيب بورقيبة (1903- 2000): أوَّل رئيس للجمهوريَّة التونسيَّة، وأحد مؤسّسي الحزب الاشتراكي الدُّستوري، ومن أهمّ مناضليه، ساهم في حصول تونس على الاستقلال سنة 1956ليتولى رئاسة الحكومة الأولى، وبعد إزاحة الملوكيَّة وإعلان الجمهوريَّة في 25 جويلية 1957 أصبح رئيساً لتونس لفترة امتدَّت ثلاثين سنة، انتهت بانقلاب عسكري قاده الجنرال زين العابدين بن علي يوم 7 نوفمبر 1987. وقد عرفت فترة حكم بورقيبة تطوُّرات عديدة في مستوى بنية المجتمع التونسي وواقع الاقتصاد والسياسة وبنية الهويَّة الوطنيَّة.

[11]ـ راجع محمَّد المزالي، وجهات نظر، ط 1، الشركة التونسيَّة للنشر، تونس، 1975

[12]ـ راجع البشير الحاجي، قراءة في التّاريخ السياسي التّونسي المعاصر، منشورات الوشم العربي، بورصة، تركيا، 2016، ص ص 125-133

[13]ـ صالح بن يوسف: زعيم وطني تونسي، ولد في جزيرة جربة سنة 1907، وهو أحد أهمّ مؤسّسي الحزب الاشتراكي الدّستوري القديم وأمين عام الحزب الاشتراكي الحر، رفض القبول بالاستقلال الدّاخلي، وهو ما أدَّى إلى انقسام الحزب قسمين بينه وبين الحبيب بورقيبة، وقد وجد بن صالح في جمال عبد الناصر خير معين، إذ احتضنته مصر وشجَّعته على مناهضة بورقيبة، وهو ما أدَّى إلى اغتياله في فرانكفورت بألمانيا في سنة 1961بإذن من الحبيب بورقيبة.

[14]ـ جمال عبد الناصر: هو ثاني رئيس للجمهوريَّة المصريَّة بعد محمَّد نجيب، وهو من الضبَّاط الأحرار الذين توَّلوا عزل الملك فاروق، وقد نادى عبد الناصر ببناء وحدة عربيَّة، وهو ما جعله يدخل في صراع دامٍ مع القوى الاستعماريَّة الغربيَّة وحليفها الكيان الإسرائيلي، فقد عمل الغرب على إجهاض المشروع القومي لعبد الناصر، لا سيَّما بعد تأميم قناة السويس وبناء السَّد العالي، وذلك بدفع مصر إلى خوض حرب مع الكيان الإسرائيلي، انتهت بما يُعرف بنكسة 1967

[15]ـ نصَّ اتفاق أوسلو (13 سبتمبر 1993) على اعتراف منظَّمة التحرير الفلسطينيَّة ممثلة في شخص ياسر عرفات بحقّ إسرائيل في الوجود باعتبارها دولة، وفي المقابل اعترف الكيان الإسرائيلي على لسان رئيس وزرائه إسحاق رابين بأنَّ منظَّمة التحرير الفلسطنيَّة هي الناطق الرَّسمي والممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، والذي يجب التفاوض معه على أساس حلّ الدّولتين.

[16]ـ نابليون بونابرت (1769م ـ 1821م): قائد عسكري فرنسي، قاد حملات عديدة (مصر، ...)، سعى إلى تحقيق إمبراطوريَّة فرنسيَّة. وقد تميَّزت شخصيَّته بالذكاء الحاد وبالمناورة السياسيَّة، وفي عهده تحققت إنجازات سياسيَّة واقتصاديَّة مهمَّة، إلّا أنَّ رغبته الجارفة في التوسّع جعلت دولاً عديدة منها روسيا والنَّمسا تتوجَّس خيفة منه، وتعمد إلى إسقاطه ونفيه.

[17]ـ تُسمَّى ثورة الغضب وثورة التَّحرير وثورة الشباب وثورة اللوتس...، وقد انتهت هذه الثورة العارمة والسلميَّة إلى تنحية حسني مبارك (استقالته) في 11 فيفري 2011 بعد حوالي عشرين يوماً من اندلاع الثورة.

[18]ـ هو أبو بكر محمَّد بن الوليد المعروف بأبي بكر الطرطوشي ـنسبة إلى مدينة طرطوشة بالأندلس- (451 هـ- 520 هـ) أحد أبرز فقهاء المالكيَّة خلال القرنين الخامس والسادس للهجرة. وقد تتلمذ على يد أبي الوليد الباجي، انتقل بين بلاد المغرب والمشرق (مكّة، الشام، العراق، مصر، ...). انظر شمس الدّين بن محمَّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748 هـ)، سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ط 11، دار الرّسالة، بيروت، لبنان، 1996ـ مج 19، ص ص 490 - 496.

[19]ـ هرقليطس Ηράκλειτος: فيلسوف يوناني عاش قبل سقراط في مدينة أفسس. وهو أوَّل من نادى باللوغوس، وقد تميَّزت فلسفته بالغموض، ممَّا جعل أغلب الدّراسات الفلسفيَّة تسمه بـ"الفيلسوف الغامض".

[20]- Ernest Renan, Qu'est-ce qu'une nation, Ed Mille et une nuits; Paris, 1997

[21]ـ زين العابدين بن علي (1936م-...): ثاني رئيس للجمهوريَّة التُّونسيَّة، تولى رئاسة الجمهوريَّة في 7 نوفمبر 1987 بعد انقلاب عسكري سلمي، وبمقتضى تقرير طبّي يفيد عجز الرئيس السابق الحبيب بورقيبة عن مباشرة مهامّه. واستناداً للدّستور (الذي يمنح صلاحيَّات الرئيس للوزير الأوَّل) تولّى بن علي الحكم لمدة ثلاث وعشرين سنة، عرفت خلالها تونس انتعاشة اقتصاديَّة وتراجعاً في الحريَّات، وهو ما أدَّى إلى انفجار الأوضاع بطريقة مفاجئة في 17 ديسمبر2010، انتهت بهروب بن علي إلى السعوديَّة في 14 جانفي 2011

[22]ـ نشير إلى أنَّ حسن حنفي في كتابه "الهويَّة" يتَّخذ موقفاً مخالفاً تماماً لموقف محمَّد عمارة.

[23]ـ ميشال عفلق (1910- 1989): مفكّر قومي عربي، وهو من أهمّ منظّري القوميَّة العربيَّة، وقد شغل منصب الأمين العام لحزب البعث (حزب البعث العربي الاشتراكي)، وهو من أكثر المنادين ببناء فكري قومي يستند إلى مقوّمات اللّغة والثقافة العربيَّة.

[24]ـ عبد الرَّزاق السَّنهوري (1895ـ 1971)، رجل قانون مصري وعضو مجمع اللّغة العربيَّة بالقاهرة، شغل منصب وزير المعارف بمصر مرَّات عديدة، ساند ثورة يوليو (ثورة الضباط الأحرار)، ونادى بتجديد القوانين العامَّة وإرساء نظام ديمقراطي، بعيداً عن سلطة الجيش (الضباط الأحرار)، إلَّا أنَّ دعوته تلك لم تلقَ الصَّدى المنتظر في الأوساط السياسيَّة والاجتماعيَّة.

[25]ـ هانس بيترمارتن وهارالد شومان، فخ العولمة، الاعتداء على الديمقراطيَّة والرَّفاهية، ترجمة عدنان عبَّاس علي، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة، الكويت، 1998