صناعةُ الخطاب السِّياسيِّ


فئة :  أبحاث محكمة

صناعةُ الخطاب السِّياسيِّ

صناعةُ الخطاب السِّياسيِّ[1]

الهُروبُ مِنَ الرَّبِّ:

الخطابُ السِّياسيُّ هو شكلٌ من أشكال الخطاب، يرتبط بالسُّلطة على الدَّوام، ويُعَدُّ من أهمِّ الأدوات الَّتي تستخدمها القوى السِّياسيَّة؛ لمواصلة تملُّك السُّلطة في الصِّراع السِّياسيِّ مع الفئات الأُخرى. يهدف الخطابُ السِّياسيُّ، في كلِّ عصرٍ من العصور، إلى الإقناع، فهو يُعَدُّ خطاباً إقناعِيَّاً بامتياز، هدفُه حَمْل المخاطَب على القبول والتَّسليم بصدقيَّة الدَّعوى؛ مِن خلال استخدام وسائل حجج مُتنوِّعة، كاللُّغة والمنطق، أو المكوِّنات التَّعبيريَّة الأُخرى الموازية للتَّواصل... وهو يهدف إلى إضفاء المشروعيَّة على إجراءات السُّلطة السِّياسيَّة[2].

لقد خبِر فرعونُ السِّياسةَ ولغتَها؛ «فكان يُجَسِّد ذاتَه من خلال بناءِ خطابِه، باعتماده استراتيجيَّة خطابيَّة تمتدُّ من مرحلة تحليل السِّياق ذهنيَّاً، والاستعداد له، بما في ذلك اختيار العلامة اللُّغويَّة الملائمة، وبما يضمن تحقُّقَ منفعتِه الذَّاتيَّة»[3].

حاول فرعون أنْ يستثمِرَ ضعْفَ الخطاب لدى موسى؛ بما يمتلكُه من معلومات سابقة عن عُقدة اللِّسان لديه؛ وذلك بتوجيه السُّؤال إليه في سورة «طه»: {قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسَى} [طٰه: 49]. في هذا السُّؤال المُوَجَّه من المُرْسِل «فرعون» إلى المُرْسَل إليه «موسى»؛ يُلاحَظ أنَّ المُرْسِل استخدم كلمةَ «رَبُّكُمَا»؛ أي: رَبَّ موسى وهارون، في صيغة السُّؤال، بينما خصَّ النِّداء -وهو جزء من الآية- بموسى: «... يَا مُوسَى»؛ معتقداً أنَّه سيُحْدِث ربكةً في خطاب موسى؛ فتضعف حُجَّتُه، وقد أشار فرعون إلى هذه الزَّاوية النُّطقيَّة الحَرِجة عند موسى، في سورة الزُّخرف: {وَنادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ *أَمْ أَنا خَيْرٌ مِنْ هَذا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ} [الزّخرُف: 51-52]. فآيتا «الزُّخرف» ترصدان -أيضاً- خطابَ فرعون السِّياسيَّ الَّذي يُكرِّس دكتاتوريَّة السُّلطة، والَّذي يُشير إلى المُلكيَّة المُطلقة؛ الَّتي تختزل الشَّعْب ومقدَّراته في شخصيَّته الفرعونيَّة: {قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاّ ما أَرَى} [غَافر: 29]. وتصبغُ الجماهيرَ بثقافة القَطيع.

لقد أدركَ فرعونُ -بالمقابل- أنَّ موسى يريد أنْ يستفزَّه ويجرَّه إلى الاعتراف بربوبيَّة الله، حين أسندَ ضميرَ «الكاف» إلَيْهِ في خطابه: {إِنّا رَسُولا رَبِّكَ} [طٰه: 47]، فحدثَ أنْ رَدَّ فرعونُ الضَّميرَ نفسَه إلى الرَّسُولَيْنِ: {رَبُّكُما}. فجملةُ {إِنّا رَسُولا رَبِّكَ}؛ انحرفَ بها فرعون إلى جملة الاستفهام {فَمَنْ رَبُّكُما}؟.

أمَّا في سورة «الشُّعراء»؛ فكان خطابُ فرعون مُكرِّراً جملةَ الرَّسُولَيْن؛ بانحرافِه بجملة استفهاميَّة تدلُّ على استنكاره الرُّبُوبيَّة في غيره، وذلك بحرف «ما»: {وَما رَبُّ الْعالَمِينَ} [الشُّعَرَاء: 23]. إنَّ تساؤل فرعون {وَما رَبُّ الْعالَمِينَ}؛ يحمل دلالةَ السُّخرية والتَّجاهل، ولعلَّ أداة الاستفهام «ما» الَّتي يُستفهَم بها عن الأشياء؛ تعطي هذا المعنى، وتعكس التَّصوُّرَ الخاطئ الَّذي يحمله فرعون عن الله... فهو يعدُّه شيئاً، ويتساءل: أيُّ شيءٍ يكون هذا الرَّبُّ الذي تدَّعِي أنَّه ربُّ العالمين[4]؟. لهذا؛ فإنَّ خطابَ موسى في السُّورَتَيْن اختلف باختلافِ صيغة سؤال فرعون، ففي سورة «طه»؛ كان ردُّ موسى بصيغة الخصوصيَّة الَّتي تتناسب و{رَبُّكُما}، فكان ردُّه: {قالَ رَبُّنا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى *قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الأُولَى *قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طٰه: 50-52]، بينما في سورة «الشُّعراء»؛ كان ردُّ موسى بصيغةِ الشُّمول الَّتي تتناسب و{رَبُّ الْعالَمِينَ}، فكان ردُّه: {*قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} [الشُّعَرَاء: 24]، وهو يحمل في ردِّه استصغارَ ما يدَّعِيه فرعون مع بُطلانه، وتوجيه نظره إلى هذا الكونِ الهائل، والتَّفكير فيمن يكون ربُّه[5]، وعقَّبَ بعد ذلك «بما هو أشدُّ مساساً بفرعون ودَعواه وأوضاعه»[6]: {قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الأَوَّلِينَ} [الشُّعَرَاء: 26].

في الوقت الَّذي يعتمد فيه فرعون استراتيجيَّةً لخطابِه بانحرافِه عن العلامة اللُّغويَّة الَّتي تُشَكِّل تهديداً لسُلطتِه؛ يعتمد موسى في خطابِه استراتيجيَّةً شاملة؛ تضمُّ تلك العلامة اللُّغويَّة؛ مع تِبيان تفرُّعاتها بشكلٍ مباشر:

في سورة «طه»: (خَلْقَهُ /جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً /وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً /وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ).

في سورة «الشُّعراء»: (رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرْضِ /رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الأَوَّلِينَ /رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما ).

الكَذِبُ باسْمِ الدِّينِ والوَطَن:

لقد أدَّى ظهور الثُّعبان المُبين (المُثير الخارجيُّ) -الَّذي يبدو أنَّه أثارَ الرُّعب في البَلاط الفرعونيِّ- إلى استفزاز (فرعون)، ليبحث عن صيغة مناسبةٍ تُعزِّز خطابَه، فكانت فكرة السِّحْر الَّتي يعتمد عليها فرعون في سُلطته، ويؤمن بها المجتمعُ المصريُّ؛ بصفتها سُلطةً دينيَّةً عُليا، هي المخرَج الآمِن والمناسب. في سورة «الشُّعراء»؛ يظهر الخطابُ على لسان فرعون: {قالَ لِلْمَلأِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ *يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ} [الشُّعَرَاء: 34-35]، بينما يتكرَّر الخطابُ الفرعونيُّ في سورة «الأعراف» على لسان الملأ؛ ما يُعَدُّ خطاباً مُنْجَزاً وجاهزاً، ردَّدَه أصحابُ المصالِح من قوم فرعون: {قالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ *يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ} [الأعرَاف: 109-110]، وهو ما تناسبَ مع بدايةِ القصَّة: {ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآياتِنا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [الأعرَاف: 103].

إنَّ فرعون يُوَجِّه خطابَه إلى الملأ، بينما يُوجِّه الملأُ خطابَهم إلى ملأ إسرائيل، وهو يُؤَسِّس، في تعبيرِه ضدَّ موسى، وبتكرار الملأ مقولتَه، خطاباً جماهيريَّاً يُحرِّضُ فيه على موسى ورسالته. لقد تُعُوِّدَ من السُّلطة -على مرِّ التَّاريخ- أنْ يكون لها بُوقٌ تَنْفخُ فِيه أمانِيَها، وتطلُّعاتها المشروعة وغير المشروعة، وقد كان الملأ أحدَ أهمِّ أبواقِ السُّلطة الفرعونيَّة؛ يحافظ كلٌّ منهما على مصالِحه؛ إذْ إنَّ انهيارَ السُّلطة -بالنِّسبة للملأ- انهيارُ مصالحهم، وتهديدُ بقائهم، فحدثَ أنْ تحَوَّلَ الملأ إلى أداةِ شحنٍ جماهيريٍّ، وتحريضٍّ إعلاميٍّ. فبما أنَّ الجمهور -كما يرى فرويد- عظيمُ التَّأثُّر بالقوَّة السِّحريّة للكلمات القادرة على إثارة أعنفِ العواصف في النَّفسِ الجماعيَّة...[7]؛ فإنَّ ثِيمةَ الدِّين والوطن هي أخطرُ الأفكار الَّتي تاجَر بها الطُّغاة في الماضي، وأعنفُها، وما زال يُتاجَر بها اليوم في أسواق الجماهير، والإعلام؛ مُستغلِّين بذلك العاطفة الدِّينيَّة، والهُوِيَّة الجغرافيَّة والحضارية لدى الشُّعوب: {وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسادَ} [غَافر: 26]. علَّلَ أبو السُّعود مقولةَ فرعون في الدِّين والأرض، بقولِه: «لحَمْلِ قومِه على غاية المَقْت لموسى؛ بإبراز أنَّ مراد موسى ليس مُجرَّد إنجاء بني إسرائيل، بل إخراج القِبط من وطنِهم، وحيازة أموالِهم وأملاكهم؛ حتَّى لا يتوجَّه إلى أتباعِه أحد، ويبالغوا في المُدافعة والمخاصمة»[8].

لم يكن فرعون لتغيبَ عنه -في خطابه السِّياسيِّ- استراتيجيَّةُ الاحتضانِ الجماهيريِّ، فضميرٌ واحدٌ في الكلمة؛ كفيلٌ بأنْ يُحْدِثَ فَرقاً في سياسة الاحتضان، ويستحوذَ على عاطفة الجماهير؛ إذْ إنَّ انتقاءَ الكلمات والمصطلحات عِلْمٌ في غاية الدِّقَّة لدى صُنَّاع القرار السِّياسيِّ. إنَّ قادةَ السِّياسة يُناضلون باستمرارٍ لإقناع النَّاس بأنَّ آراءَهم هي التَّفسيرات الذَّاتيَّة الصَّحيحة للواقع، والَّتي ستؤدِّي إلى أفضل النَّتائج[9].

في سُوَر «الأعراف» و«طه» و«الشُّعراء»؛ اختلفَت لغةُ الخطاب باختلاف السِّياق، إلَّا أنَّها اجتمعت على تزوير قضيَّة الوطن، فبينما يلتفت فرعون في سورة «الشُّعراء» إلى الملأ، على أنَّهم مُكَوِّنٌ أساسٌ من مُكَوِّنات الوطن، وجزءٌ من صنْعِ القرار السِّياسيِّ؛ لا يفعل ذلك في سورة «طه»، بل يبرز مُنفرداً بالخطاب وآليَّة الاشتغال عليه، وتنفيذه. أمَّا في «الأعراف»؛ فهو خطابٌ مُنجَزٌ ردَّدَه الملأُ الَّذين كانوا قد رَدَّدُوا من قبلُ خطابَ التُّهمة بالسِّحْر. فالخطاب في التَّعبير القرآنيِّ في هذه القضيَّة؛ جاء مُوزَّعاً بين فرعون والملأ؛ حيث كان المُرْسِل في سورة «الشُّعراء» هو «فرعون»، والمُرْسَل إليه هم الملأ: {قالَ لِلْمَلأِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ *يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ} [الشُّعَرَاء: 34-35]، ليُصبح المُرْسَل إليه في سورة «الأعراف» مُرْسِلاً؛ فيتَّجه الخطابُ مِن ملأ فرعون إلى ملأ بني إسرائيل: {قالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ *يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ} [الأعرَاف: 109-110]. لقد حدثَ أنْ أصبح ملأُ بني إسرائيل المُتَنَفِّذون جُزءاً من الوطن عند فرعون وملأه؛ لارتباطِ المصالح بينهم وبين الدَّولة؛ مع ثيمة الاحتضان {تَأْمُرُونَ} الَّتي يتبادلها الطُّغاة فيما بينهم عبرَ مراحل التَّاريخ؛ للظُّهور بعباءةِ الشُّورى، والاحتفاء الكاذِب بالرَّأي الآخَر؛ حفاظاً على مصالحِهم. من ذلك أنْ وظَّفَتْ مَلكةُ سبأ المعنى نفسَه في خطابها إلى الملأ، كما وظَّف ملأُ البَلاطِ الفعلَ نفسَه في خطابهم إلى المَلِكة: {قالَتْ يا أَيُّها الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ *قالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ} [النَّمل: 32-33].

لقد اتَّخذَ اسمُ الملأ في النُّصوص القرآنيَّة -في أغلب سياقاتِه- دَوْرَ المُحَرِّض أكثرَ منه دورَ المُستشار، ويمكن رَصْدُ ذلك من خلال الجدول الإحصائيِّ الآتي:

1

الـبـقــــــرة

1

2

الأعـــــــــراف

8

3

هُـــــــــــــــود

3

4

يــــــــوســــف

1

5

المُـؤمـنـــون

3

6

الشُّــعـراء

1

7

النَّــمــــل

3

8

القـصـــــص

3

9

الصَّـافَّــــــات

1

10

ص

2

11

يــــونــــــس

3

12

الزُّخـــــــرف

1

المجموع

12 سورة

30

تخصيصُ الملأ

الرَّقم

الموضوع

الـــعــــدد

السُّـــــــورة

1

فرعون وملأه

13

الأعراف 103/109/127

القصص 20/32/38

الشُّعراء 37

يونس 75/83/88

هود 97

المؤمنون 46

الزُّخرف 46

2

مَلِك مصر

1

يوسف 43

3

بلقيس مَلِكة سبأ

2

النَّمل 29/32

4

سليمان عليه السَّلام

1

النَّمل 38

5

الملائكة (الملأ الأعلى)

2

الصَّافَّات 8 ص 69

6

سادة القوم الَّذين عارضوا الرُّسُل والأنبياء

11

البقرة 246

الأعراف 60/66/75/88/90

هود 27/38

المؤمنون 24/33

ص 6

 

الموضوعات 6

30

عدد السُّـوَر 12

وكانت سورة «الأعراف» قد ذكرت في حوادثِ الأقوام السَّابقة؛ مُعارضة الملأ أنبياءَهم، ودورَهم في التَّحريض عليهم:

تحريض الملأ من قومِ نوح على النَّبيِّ نوح:

{قالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأعرَاف: 60].

تحريض الملأ من قومِ عاد على النَّبيِّ هود:

{قالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ} [الأعرَاف: 66].

تحريض الملأ من قوم ثمود على النَّبيِّ صالح:

{قالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [الأعرَاف: 75].

تحريض الملأ من قوم مدْيَن على النَّبيِّ شُعَيْب:

{قالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنّا كارِهِينَ} [الأعرَاف: 88].

وأخيراً؛ تحريضُ الملأ من قوم فرعون على النَّبيِّ موسى:

{قالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ *يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ} [الأعرَاف: 109-110].

بعد انهزامِ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ؛ اتَّخذَ خطابُ التَّحريضِ أيضاً ذريعةَ الأرض والدِّين:

{وَقالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ} [الأعرَاف: 127].

فلا توجد قوَّةٌ -كما يرى بريستد- أثَّرت في حياة الإنسانِ القديم مثل قوَّةِ الدِّين؛ يتعرَّف بها الإنسانُ ما حولَه في العالَم ويُخضعُه -بما فيه الآلهة- لسيطرته، فصار وازعُ الدِّين هو المسيطِر الأوَّل عليه في كلِّ حين، فما يولِّده الدِّين من مخاوف؛ هي شغلُه الشَّاغل، وما يُوحي به من آمال؛ هي ناصحُه الدَّائم[10]. لهذا؛ فإنَّ فرعون اتَّخذَ قضيَّة الدِّين، وقضيَّة الإرهاب (الفساد في الأرض) مدخلاً عاطفيَّاً خطيراً؛ للطُّغيان والجبروت، ومحاولة ممارسة ذلك على الخصوم، وتصفيتهم:

{*وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسَى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ *إِلَى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذّابٌ *فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ *وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسادَ} [غَافر: 24-26].

أمَّا في سورة «طه»؛ فكانت نظرةُ فرعون في الخطاب اتَّخذتْ منحًى آخَرَ؛ حيث استبدلَ الضَّمير الــــ «نا» في: {أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا} بــــ «ميم» الجمع، في سورَتَي «الأعراف» و«الشُّعراء»: {يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ}؛ إذ إنَّ سورة «طه» ذكرت طغيانَ فرعون قبل هذه الآية ثلاث مرَّات؛ مرَّتين بالتَّوكيد الإلهيِّ: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طٰه: 24] /{اذْهَبا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طٰه: 43]/ومرَّةً في خطاب موسى: {قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طٰه: 45].

فكان التَّعبير يتعلَّق بفرعون؛ كونَه يُمسك زمام الخطاب؛ بسبب انفعاله الشَّديد، وغضبِه من حضور مُعارضٍ يُشَكِّك في ألوهيَّتِه، أو مكانتِه المُقدَّسة، فكان أنْ عكسَ المفاهيم، فاختزلَ الأرضَ (الوطن) في شخصِه، والشَّعبَ تحت لوائه، فهو (أي: الشَّعب) جزءٌ منه، وليس العكس: {أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسَى} [طٰه: 57]. لهذا؛ تابع خطابَه بالاستراتيجيَّة نفسِها: {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوَىً} [طٰه: 58]. أمَّا الجماهير (الشَّعب)؛ فهي خارج إطار الاستشارة أو القرار، لا تظهرُ على المسرحِ السِّياسيِّ إلَّا بدور المُتَفَرِّج أو المتلقِّي، إذْ قام الملأ بدور الجمهور، ودور المُستشار، وأصبحت فئةٌ صغيرة، مرتبطةٌ بمصالح معيَّنة مع السُّلطة الحاكمة، ومؤمنةٌ بعقيدتها؛ تختزل فِكْر الجماهير، وتُمَثِّل إرادتها، فيصبح الوطنُ جميعُه مُسَيَّراً بشعار: {ما أُرِيكُمْ إِلاّ ما أَرَى} [غَافر: 29].

يقول غوستاف لوبون: «ليس الجمهور بحاجة لأن يكون كثيرَ العدد لكي تُدَمَّر إمكانيَّته على الرُّؤية بشكلٍ صحيح، ولكي تحلَّ الهلوسات محلَّ الوقائع الحقيقيَّة الَّتي لا علاقة لها بها. فيكفي أن يجتمع بعضُ الأفراد لكي يُشكِّلوا جمهوراً، وحتَّى لو كانوا علماء مُتميِّزين؛ فإنَّهم يتحلَّون بكلِّ صفات الجماهير فيما يخصُّ الموضوعات الخارجة عن دائرة اختصاصهم؛ ذلك أنَّ ملَكَة الملاحظة والرُّوح النَّقديَّة الَّتي يمتلكها كلُّ واحدٍ منهم؛ تضمحلُّ وتَتَبَخَّر. عندما نرى هذه السُّلطة تُمارَس على شخصيَّات كبيرة ('الملأ' على سبيل المثال) يصعب خداعها؛ فإنَّه يمكننا أن نتصوَّر مدى السُّهولة الَّتي تسقط فيها الجماهير العاديَّة في الأوهام»[11].

لعلَّ ما يُلاحظ في خطاب سورة «الأعراف» الَّذي يتَّجه به الملأ إلى ملأ بني إسرائيل؛ هو إفراغُه من ثيمة السِّحْر: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ} [الأعرَاف: 110]؛ إذ إنَّ فكرة السِّحْر وسطوته لا تُقدِّم شيئاً من النَّاحية العاطفيَّة، فضلاً عن أنَّ السِّحْرَ لا علاقة لهم به، وإنَّما يطال طَرَفَي الصِّراع، فما قُدِّم لهم في قضيَّة الوطن؛ أشبهُ بالمقايضةِ على الحياة. فلم تكن هناك حاجةٌ لذِكْر فكرة السِّحر والسَّحَرة بحسبانها رسالة إقناع قويَّة أو تأثير عالٍ، مع هذا؛ فإنَّ فكرة السِّحْر لم تَغِبْ عن هؤلاء الملأ الَّذين تَشَكَّلَت لديهم الفكرةُ من خلال خطاب فرعون، وإنْ لم يذكرها السَّرد؛ لكنَّها ستظهر في رَدِّهم على قضيَّة الأرض والدِّين؛ فالأرضُ والدِّينُ الشَّاغلان الأسمى في تحريك العاطفة لدى ملأ بني إسرائيل، بشكلٍ خاصٍّ، وبقيَّة الجماهير، بشكلٍ عامٍّ. أمَّا السِّحْرُ؛ فهو أداةٌ دِينيَّة وحربيَّة للحفاظ على الشَّاغِلَيْن، لذا؛ اختار الملأُ من قوم فرعون الشَّاغِلَيْن؛ الدِّين: لتهييج العاطفة، والأرض: لصناعة وَعْيٍ مزيَّف؛ إذ يكمن فيهما الحفاظُ على مصالحهم ورعايتُها.

أمَّا مجموعة {حاشِرِينَ} الَّتي أُوْكِلَ إليها مهمَّة انتقاء السَّحَرة، للزَّجِّ بهم في صراع المصالح، فلعلَّها مجموعةٌ مِن رجالات الاستخباراتيَّة تنتشر في البلاد، تعتمد عليها سُلطة فرعون وحكومته في بَثِّ الأخبار والمعلوماتِ الَّتي ترغب السُّلطةُ في إشاعتها بينَ النَّاس لاحتواءِ الجماهير وإخضاعها، ويبدو أنَّها مارسَت العُنف على بعض السَّحَرَة؛ حتَّى يقبلوا بمواجهة موسى.

كان خطابُ فرعون مُحَمَّلاً عاطفةَ الدِّين والوطن، وانتقل ذلك الخطابُ بصُورتِه العاطفيَّة إلى ملأه، بل إنَّ استجابة الملأ للخطاب الفرعونيِّ، واستجابة ملأ بني إسرائيل لخطابِ ملأ فرعون؛ واحدة، ففي سورة «الأعراف»؛ جاء ردُّ ملأ بني إسرائيل: {قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ *يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ} [الأعرَاف: 111-112]، وفي سورة «الشُّعراء»؛ جاء رَدُّ ملأ فرعون: {قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ *يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحّارٍ عَلِيمٍ} [الشُّعَرَاء: 36-37].

جاء رَدُّ ملأ بني إسرائيل أخفَّ وطئاً من رَدِّ ملأ فرعون -مع أنَّ الخطابَيْنِ اتَّبَعا أسلوبَ جواب الطَّلب- فالرَّدُّ الثَّاني (ملأ فرعون) جاء مِن أجل اتِّقاء غضبِ فرعون «المُصَدِّر الأوَّل للخطاب»، فضلاً عن الخوف على مصالحِهم، بينما رَدُّ ملأ بني إسرائيل جاء؛ خوفاً من التهجير وفقدِ الامتيازات، إلى جانب أنَّ الشَّحْنَ الإعلاميَّ الَّذي قام به ملأ فرعون تجاه ملأ بني إسرائيل؛ «لم يكن ليقومَ بمجرَّد نَقْلِ الرَّسائل فحسب، بل كان يُسهم بشكلٍ جوهريٍّ في تكوين الظُّروف الاجتماعيَّة والأخلاقيَّة والوجدانيَّة لتلقِّي الرَّسائل»[12].

بينَ الخطابَيْن:

إنَّ الاختلافَ بين الخطابَيْن؛ جاء أوَّلاً في فِعْل الأمر: {وَابْعَثْ} في سُورة «الشُّعراء»، و{وَأَرْسِلْ} في سورة «الأعراف»، وثانياً: في إطلاق الصِّفَة على مَن يعمل في السِّحْر: {سَحّارٍ} في سورة «الشُّعراء»، و{ساحِرٍ} في سورة «الأعراف».

لقد جاءَت مُفردة «البَعث» في النُّصوص القرآنيَّة بمعاني القوَّة، والانبعاث مِن الموت، والحركة بعد الجمود: {ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البَقَرَة: 56].

{فَأَماتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [البَقَرَة: 259].

{قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا} [يس: 52].

{وَكَذَلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ} [الكهف: 19].

{*أَإِذا مِتْنا وَكُنّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنّا لَمَبْعُوثُونَ} [الصَّافات: 16].

{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ *ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 15-16].

فلا ريبَ أنَّ الملأ ينتقون مِن اللُّغة ما يُسَكِّن غضبَ فرعون، ويُلامس الرِّضا لديه، ويبعث في نفسِه الطُّمأنينة، وهم بذلك يُحافظون -من خلال اللُّغة- على مصالحهم وامتيازاتهم.

إنَّ الفِعْل «بَعَث» يتضمَّن القوَّة والإحياء بعدَ الجمودِ والموت، لذا؛ فإنَّ سورة «الأعراف» بدأت قصَّةَ موسى بالفعلِ نفسِه: {ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآياتِنا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [الأعرَاف: 103]. فقد جاء موسى بعد أُمَمٍ أُهْلِكَت؛ لأنَّها كفرت بالرُّسُل السَّابقين، فطال الأمدُ بعد تلك الرُّسُل، وعَمَّ الضَّلال والكُفر، فجاء موسى بعد هذا الانقطاع كلِّه «باعث أُمَّة»، فضلاً عن أنَّ الأمرَ يحتاج إلى قوَّةٍ حقيقيَّة باعثة؛ حين يكون الأمرُ متعلِّقاً بمواجهة سُلطةٍ ملكيَّةٍ ديكتاتوريَّة، تعتقد شعوبُها بمكانتِها المُقَدَّسَة، وقدرتِها الأسطوريَّة. قياساً على ذلك؛ فإنَّ الفِعْل {ابْعَثْ} في سورة الشُّعراء تَنَاسَبَ مع حالة التَّوتُّر والغضبِ الَّتي لحقَت فرعون، فأراد بنفسِه الانتقام، حين أدارَ دفَّة التَّحريض إلى الملأ، في قوله: {قالَ لِلْمَلأِ حَوْلَهُ}، فضلاً عن أنَّ سورة «الشُّعراء» كانت تعرض الشَّحنَ الإعلاميَّ الكبير، والممنهَج لصالح فرعون بعد حادثة الغضب، ومحاولة الانتقام لمكانته المُقَدَّسة، فظهر في سورة الشُّعراء حَشْر الجماهير في ساحة الصِّراع، بعد خطاب الملأ، وهي تتميَّز بالتَّفصيل في الأحداث: {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ *وَقِيلَ لِلنّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ *لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ} [الشُّعَرَاء: 38-40]، وهو ما تناسَبَ مع فكرة البعث بدلالاتها المتعدِّدة. يقول صاحِبا كتاب «الإعلام والجمهور»: «إذا أردنا تعريف الجمهور؛ فيُمكننا القول إنَّه ليس كياناً يمكن توصيفُه، لكنَّه فراغٌ يجب مَلؤه»[13]. وكان موسى قد اشترطَ على فرعون، في سورة «طه» بحَشْر النَّاس: {وَأَنْ يُحْشَرَ النّاسَ ضُحَىً} [طٰه: 59].

في المقابِل؛ لم يكن خطابُ ملأ بني إسرائيل بتلك القوَّة في سورة الأعراف؛ لاختلاف مُرْسِل الخطاب (فرعون / ملأ فرعون)، وإنَّما اكتفى هؤلاء بنَقْلِ ما أراده ملأُ فرعون مِن إشاعة الحديث.

«إنَّ استخدامَ وسائل الاتِّصال لتشكيلِ المعاني الَّتي يشترك فيها النَّاس؛ هي استراتيجيَّة فعَّالة للغاية من أجل اكتسابِ سيطرةٍ اجتماعيَّة، أو سياسيَّة، أو اقتصاديَّة، والاحتفاظ بها... إنَّ كلَّ مَن يُسيطر على الأفكار؛ أي: إنتاج المعرفة، تكون لديه إمكانيَّة السَّيطرة على سلوك النَّاس، دون أن يضطرَّ إلى استخدامِ القوَّة»[14]: {وَنادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ *أَمْ أَنا خَيْرٌ مِنْ هَذا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ *فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ *فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ} [الزّخرُف: 51-54].

فالملأُ غضبوا لغَضَبِ فرعون، وهو غضبٌ دفعتهُم إليه المصالح، فأوهموا الآخَرينَ بما أوْهَمَهم به فرعون، لهذا؛ فإنَّ الملاحظات الجماعيَّة الَّتي تَتَشَكَّل لدى الجماهير؛ هي الأكثرُ بُعْداً عن الصَّواب. وهي تمثِّل في الأغلبِ الأعمِّ مُجرَّد وَهْمٍ تَشَكَّلَ لدى فَرْدٍ واحدٍ ثمَّ انتقلَ عن طريق العدوى إلى الآخَرين[15].

إنَّ شخصيَّة «سَحَّار» الَّتي أرادها الملأ، والَّتي تمتاز بكثرةِ السِّحْر والعمل فيه؛ تناسَبَت تماماً مع قوَّة البعث والإحياء؛ إذ يبدو أنَّ جهاز «الحاشرين» الاستخباراتيَّ قد عكفَ على التَّفتيش عن هذه الشَّخصيَّة الخَبيرة في أقصى البلاد. كما يبدو أنَّ «الاستعانة بالسِّحْر تطوَّرت مع مرور الزَّمن، وظهرت فئةٌ من السَّحَرة المحترفين بشكلٍ تدريجيٍّ»[16].

نظر المفسِّرون إلى تلك الصِّيغة من النَّاحية اللُّغويَّة، فقد أشار الزَّمخشريُّ إلى سبب تخصيص كلِّ صيغةٍ في تركيبها؛ بأنَّ قومَ فرعون عارضوا قولَه: {إِنَّ هَذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ} [الأعرَاف: 109] بقَوْلِهم: {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحّارٍ عَلِيمٍ} [الشُّعَرَاء: 37]. فجاؤوا بصيغةِ المبالغةِ {سَحّارٍ}؛ ليُطمئِنُوا نفسَه، ويُسكِّنوا بعضَ قلقِه[17]. وعلَّلَ ابنُ جُمَّاعة مجئَ صيغةِ المبالغةِ {سَحّارٍ}؛ بتقدُّم {بِسِحْرِهِ} في قوله تعالى: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ} [الشُّعَرَاء: 35]. وأمَّا في «الأعراف»؛ فلم يُذكَرْ لفظ {بِسِحْرِهِ} في قوله تعالى: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ} [الأعرَاف: 110]. فناسَبَ مَجئ {ساحِرٍ}[18]. ورأى ابن الجزريِّ أنَّ الملأ أجابوه بما هو أبلغُ مِن قوله[19].

أمَّا «الأعراف»؛ فتقصُّ الخبرَ وتُسجِّل التَّاريخ، لهذا كانت صيغة {ساحِرٍ} كافيةً في بيان هذا، وصيغة {سَحّارٍ} لا تُعارضها في إثبات الخَبَر؛ لأنَّ صيغة المبالغة تدلُّ على ما تدلُّ عليه الصِّيغة الأُخرى وزيادة، فلا تعارضَ بينهما من حيثُ إثباتُ الخَبر وبيانُه[20].

في معرض الحديث عن الاختلاف بين الفِعل {وَأَرْسِلْ} والفِعْل {وَابْعَثْ}؛ يقول شتوي: ولمَّا كانت سورة «الأعراف» معنيَّةً بإيراد الخَبَر وبيانِه؛ فقد كان لفظُ الإرسال هو الَّذي يُبيِّن ذلك؛ لأنَّ هذا اللَّفظ يدلُّ على أنَّ الَّذي حصل هو أنَّ فرعون قد أحصى السَّحَرة، بما أرسله من رُسُل يتتبَّعون أرسالاً في البلاد حتَّى لا يبقى من السَّحَرة أحدٌ يتخلَّف. وأمَّا «الشُّعراء»؛ فإنَّها كانت معنيَّة بِبَيان شدَّة حِرْص فرعون على المغالبة، ولقد كان الملأ الَّذين يشيرون عليه على شاكلتِه، فهُم حريصون كذلك؛ ولهذا أشاروا عليه بما يُحَقِّق هذا الغَرض في نظرهم، وهو أن يطلبوا السَّحَرةَ بواسطةِ الحاشرين أتباعِ المَلِك، وحتَّى تسيرَ هذه المهمَّة على أكملِ ما يكون؛ فإنَّه لا بُدَّ من إثارة هؤلاء الحاشرين وتهييجِهم لهذه المهمَّة، ولفظُ البعث هو الَّذي دلَّ على التَّهييج[21]. ومن ثَمَّ استخدم فرعونُ هؤلاء الحاشرين في بَثِّ «تشويشٍ دلاليٍّ» على رسالة موسى الحقيقيَّة بعد هزيمة السَّحَرة، في سورة «الشُّعراء»: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ *إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ *وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ *وَإِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ} [الشُّعَرَاء: 53-56].

هكذا تبدو السُّلطة الدِّيكتاتوريَّة عبر مراحل التَّاريخ، حين تقوم بتزييف الوَعْي لدى الجماهير، من خلال السَّيطرة على وسائل الاتِّصال والتَّحكُّم بآلةِ الإعلام.

مُكافأة الصَّانع:

السِّحْرُ عِلْمُ الإنسان القديم، منذ أن شرعَ الإنسان بالتَّفكير، حاول به تفسيرَ مظاهرِ الكون وظواهرِه، وخَلْقَ توازنٍ بين واقعه الدَّاخليِّ والخارجيِّ، وكان السِّحْر، عند قدماء المصريِّين، «جزءاً لا يتجزَّأ من أسلوب فكرِهم ومُعتقداتهم»[22] وقد امتزجَ بالأسطورة والدِّين. لم يكن يُوجد في ديانة مصر القديمة سَحَرة مُتخصِّصون -كما يرى كونج- بل كان يُوجد كَتَبَة مُثقَّفون ثقافةً عالية، يلمُّون بفَنِّ الكتابة وأصولها... وكانت الكتابة بمثابةِ التَّعبير عن الكلمة الإلهيَّة، لهذا؛ فإنَّ الاستعانةَ بها لها علاقة بكلِّ ما هو مُقدَّس، وبفضلِها كان يُسَيْطَر على ما تعنيه الكتابةُ، وقد وصلَ السَّحَرة في مصر القديمة إلى أعلى المراتب، وكانوا قد استهلُّوا مهنتَهم بأسلوبٍ واحد، وهو ممارسة الطِّبِّ. وهؤلاء الأطبَّاء يتمتَّعون أيضاً بأهليِّةٍ وكفاءةٍ في مجال السِّحْر[23]. ولعلَّ هذا الأمرَ يُجلي سببَ خضوع السَّحَرة لرسالة موسى؛ إذ إنَّهُم أدركوا -تماماً- أنَّ مَا جاء به موسى لا يقع في نطاق عِلْمِهم، ولا يخضعُ لمُركَّباتِهم الصِّناعيَّة.

فلم تكن صناعةُ السِّحْر مُجرَّد استعراضٍ مفرَغٍ من القِيمة عند الشُّعوب؛ بقدرِ ما كانت عقيدةً تحلُّ محلَّ سطوةِ الدِّين وقوَّته، واستحواذه على أفكار النَّاس وعواطفهم. وقد أفرزت سياسة فرعون طبقةً من «المُتملِّقِين» و«الانتهازيِّين» و«البراجماتيِّين» الَّذين لا يعترفون بالأخلاق، والمبادئ، والقِيَم؛ بقدرِ ما يُمجِّدون المصالح الشَّخصيَّة، والإجراءات النَّفعيَّة، فشأنُ فرعون هو شأن كلِّ الطُّغاة في العصر الحديث، يصنعون -بسِحْرِهم- الملأ الخاصَّ بهم، كما يصنع أولئك الملأ -بمصالحهم-فرعونَهم الخاصَّ، وتُصْنَعُ للجماهير ثقافةٌ تُحوِّلُهم إلى قطيعٍ تدفعُهم إلى الاقتتال، والصِّراع من أجل البقاء.

عوداً إلى النُّصوص القرآنيَّة؛ حيثُ مفاوضاتٌ حدثت -بعد استدعاء السَّحَرة ومجيئهم- بين فرعون والسَّحَرة تتعلَّق بالأجْر، ذُكِرت خلاصتها في سُورَتَيْن؛ «الأعراف»: {وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لأَجْراً إِنْ كُنّا نَحْنُ الْغالِبِينَ *قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الأعرَاف: 113-114]، وفي «الشُّعراء»:

{فَلَمّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لأَجْراً إِنْ كُنّا نَحْنُ الْغالِبِينَ *قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشُّعَرَاء: 41-42].

يتَّجه التَّعبير في سورة «الشُّعراء» إلى الإطالة والتَّفصيل، وهو يشي -في خطابِ السَّحَرة السَّابق- إلى تلك المفاوضات والاشتراطات بين فرعون والسَّحَرة، والفترة الزَّمنيَّة الَّتي تخلَّلتها، من خلال أسلوب الشَّرط، وهمزة الاستفهام الَّتي تَناسَبَ حضورُها مع التَّفصيل المُراد؛ حيثُ انتظارُ المتلقِّي جوابَ فرعون، بينما لا تُذكر صيغةُ استفهام في سورة «الأعراف»، حيث جاءت الخلاصةُ مباشرةً؛ لتؤكِّدَ على المقابِل والأجر. لعلَّ ما يدلُّ على ذلك؛ هو ترتيب الخِطَابَيْن؛ إذ إنَّ الخطاب في سورة «الأعراف» اختصرَ فترة المجيء الشَّرطيَّة، وجعلَ فِعْل المجيء يتَّجه مباشرةً إلى فرعون: {وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ}، بينما لم يكُن خطاب «الشُّعراء» كذلك؛ إذْ إنَّ مقاييس السَّاحر الَّتي احتاجها فرعون للصِّراع المصيريِّ تطلَّبت فترةً زمنيَّة مُعيَّنة، فضلاً عن احتياج فترة زمنيَّة أُخرى لمقابلة فرعون؛ مِمَّا يعني أنَّ سُلطة فرعون اجتهدت وسعَ طاقتها في الحصول على مِيزات عُليا، ومواصفات خاصَّة بالسَّاحر ليواجهَ موسى. أمَّا قضيَّةُ الأجْرِ؛ فقد كان فرعون في موقفٍ لا خيارَ له فيه.

إنَّ ما قامَ به فرعونُ من الاستعانة بالسَّحَرة؛ إنَّما يسعى به إلى الحفاظ على هَيْبَة مُلْكِه، ومكانته، وبقاءِ عرشِه، وهي عمليَّة تزدهر كثيراً في حاضرنا عند الحُكَّامُ الطُّغاة، فالسَّحَرةُ هم السَّحَرة أنفسُهم؛ مِن رجالِ دِينٍ وسياسة...، إنَّما تَعَدَّدَت الألقابُ؛ والدِّينُ واحد. إنَّ انتصاراتٍ عسكريَّةً عدَّة قد تسلب الأرضَ والجغرافيا، لكنَّها لا تستطيع أنْ تسلبَ السُّكَّانَ دِينَهُم. وانتصاراً عَقِديَّاً واحداً -بالمقابل- كفيلٌ بسَلْب الأرض والجغرافيا، وتحويل السُّكَّان إلى سَدَنة دِينٍ، وقُــطْعان مُخلصين.

إنَّ تركيزَ فرعون على الغَلَبة والانتصار من أجل تحصين عرشِه؛ اضْطَرَّه إلى القبولِ بشروط السَّحَرة، بل أدامَ لهم الأجرَ في موافقتِه على طلبِهم، ففي سورة «الأعراف»؛ كان جواب فرعون: {قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الأعرَاف: 114]. أمَّا جوابه في سورة الشُّعراء الَّتي تتَّجه إلى التَّفصيل أكثر؛ فكان أنْ زاد حرف الجواب {إِذاً} في قوله: {قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشُّعَرَاء: 42]؛ للتَّأكيد على مِيزة المكافأة الجديدة.

يقول الشتويُّ: أمَّا خُلُوُّ سورة الأعراف من حرف {إِذاً}؛ فلأنَّ هذا الحرفَ يكشفُ عن حال فرعون وضراوتِه في المغالبة، ولم يكن مبنى «الأعراف» على هذا. وأمَّا «الشُّعراء»؛ فإنَّه لمَّا كان الغرضُ فيها ذِكْر حالِ المناظرة وقوَّة المغالبة فيها، واحتشاد أهل الباطلِ لِرَدِّ الحقِّ؛ فقد كان الحديثُ عن ذلك، ولقد كان مفتاح ذلك مَا افتتح به الموضع مِن قوله تعالى: {فَلَمّا}[24].

يرى أبو حيَّان الأندلسيُّ أنَّ في مبادرةِ فرعون للسَّحَرةِ بالوعدِ والتَّقريب منه دليلاً على شِدَّةِ اضطرارِه لهم، وأنَّهم كانوا عالِمِين بأنَّه عاجز[25].

إنَّ القُربَ من الحاكم أجْرٌ مُستدام، يُؤَهِّلُ المُقَرَّبَ لفِعْلِ ما يعجز عنه أكابرُ الدَّوْلة؛ إذْ يحتفي المُقَرَّبُ بهَيْبَة المكانة وتقديرها، وبالدَّعْم المباشر من كلٍّ مفاصل الدَّوْلة.

 

[1] - المبحث الخامس من كتاب الخطيئة والصراع، حمود الدغيشي، صدر عن مؤمنون بلاحدود للنشر والتوزيع.

[2] - مرعشلي، ص ص 195-196

[3] - الشِّهري، ص45

[4] - قطب، محمَّد، ص99.

[5] - قطب، سيِّد، في ظلال القرآن، م15، ج19، ص2592

[6] - قطب، سيِّد، م15، ج19، ص2592.

[7] - فرويد، سيجموند، علمُ نفس الجماهير وتحليل الأنا، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطَّليعة، بيروت، ط1، 2006م، ص37

[8] - أبو السُّعود بن محمَّد العمادي (982هــــــــ /1574م)، تفسير أبي السُّعود، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، مكتبة الرِّياض الحديثة، الرِّياض، ج3، ص641

[9] - العبد الله، مي، نظريَّات الاتِّصال، دار النَّهضة، بيروت، ط2، 2010م، ص225

[10] - فجر الضَّمير، ص36

[11] - لوبون، غوستاف، سيكولوجيَّة الجماهير، دار السَّاقي، بيروت، ط1، 1991م، ص ص69-70

[12] - ستيفن كولمان، كارينروس، الإعلام والجمهور، ترجمة حسن عبد القادر، دار الفجر للنَّشر والتَّوزيع، ط1، 2012م، ص81

[13] - كولمان (ستيفن)، روس (كارين)، الإعلام والجمهور، ترجمة حسن عبد القادر، دار الفجر للنَّشر والتَّوزيع، ط1، 2012م، ص8

[14] - العبد الله، مي، ص224

[15] - لوبون، غوستاف، سيكولوجيَّة الجماهير، دار السَّاقي، بيروت، ط1، 1991م، ص72

[16] - كونج، إيفان، ص17

[17] - الكشَّاف، ج4، ص389

[18] - ابن جُمَّاعة، محمَّد بن إبراهيم بن سعد الله الكناني (733هــــ/1333م)، كشف المعاني في المتشابه من المثاني، تحقيق عبد الجواد خلف، دار الوفاء، المنصورة، مصر 1990م، ج1، ص191

[19] - ابن الجزري، محمَّد بن محمَّد الدِّمشقيُّ (833هــــ/1429م)، النَّشر في القراءات العشر، تحقيق علي محمَّد الضَّبَّاع، دار الكتابة العلميَّة. ج2، ص271.

[20] - شتوي، فهد بن شتوي بن عبد المعين، دلالة السِّياق وأثرها في توجيه المتشابه اللَّفظيِّ في قصَّة موسى عليه السَّلام، رسالة ماجستير، جامعة أمِّ القرى، السُّعوديَّة، 2005م، ص271

[21] - شتوي، ص269

[22] - انظر: كونج، إيفان، ص17

[23] - انظر: كونج، إيفان، صفحات 16، 17، 34، 40

[24] - الشَّتوي، ص275

[25] - البحر المحيط، ج5، ص133