علم الكمبيوتر: مقدمة قصيرة سوبراتا داسجوبتا

فئة :  قراءات في كتب

علم الكمبيوتر: مقدمة قصيرة  سوبراتا داسجوبتا

علم الكمبيوتر: مقدمة قصيرة

سوبراتا داسجوبتا

ترجمة إبراهيم سند أحمد

مراجعة عبد الفتاح عبد الله

كانت إجابة أحد التلاميذ يدرس في الصف السادس من التعليم الأساسي، في عقد الثمانينيات من القرن العشرين، عن أحد الأسئلة التي تتعلق بالكمبيوتر، بعبارة مفادها "السيد الكمبيوتر" هذه العبارة تختزل طبيعة المعرفة التي لدى التلاميذ في ذلك الزمن، الذي لم تظهر فيه بعد الهواتف المحمولة، والآلات الحاسبة كما هي الآن ومختلف وسائل التكنولوجيا، ولا يعرف الناس شيئا عن الكمبيوتر... فطبيعة المعرفة بالكمبيوتر حينها، معرفة بعيدة عما هو واقعي إلى درجة أن هذا التلميذ أضاف عبارة السيد التي تليق بالإنسان تعبيرًا عن نوع من التقدير والاحترام، فهو يتصور الكمبيوتر كأنه كائن من بيت الكائنات، تدخل الأستاذ لينبهه بلطف بأن الكمبيوتر آلة لا أقل ولا أكثر، في لحظة زمنية لم يعرف شيئا عن الذكاء الاصطناعي كما هو اليوم. فالواقع الذي نعيشه اليوم يختلف كليا عما سبق، فالكمبيوتر يحضر في مختلف مجالات الحياة اليومية، فالتعليم والمسألة التعليمية لا يمكن تصورها بمعزل عن الحاسوب، فالحاسوب هو صلة الوصل بن العلم والمتعلم والمعلم. واليوم كثير من التخصصات تعتمد على التعليم عن بعد؛ إذ تم الاستغناء عن الحضور للفصل ومقابلة الأستاذ... كل هذا وغيره يتم عبر الحاسوب/ الكمبيوتر، في مجال التجارة والأعمال يتم تنظيمها دوليا من خلال مختلف الحواسيب، وفي مجال الطب لا يمكن تصوره اليوم من دون حاسوب، حيث يمكن إنشاء قاعدة بيانات لتسجيل كل معلومات المرضى وسجلات العلاج، إضافة إلى استخدام البرامج التي تم تثبيتها على أجهزة الحاسوب لدراسة الأمراض وتشخيصها بدقة وسرعة فائقة. وكذلك الأمر في مجال المعاملات المالية والمصرفية، والأمر نفسه في مجال الهندسة ... باختصار الحاسوب/ الكمبيوتر جزء لا يتجزأ من حياة الفرد والمجتمع ... ما ذا يعني هذا؟ يعني أن الحياة اليومية للفرد والمجتمع قد اختلفت جذريًّا عن سابقاتها.

مؤلف الكتاب هو سوبراتا داسجوبتا، شغل منصبَ أستاذ فخري بكلية الحَوسَبة والمعلوماتية بجامعة لويزيانا في لافاييت، كما شغل منصبَ باحثٍ زائر في عِدَّة جامعات، منها جامعتا أكسفورد وكامبريدج. ألَّف العديدَ من الكتب في مجال التكنولوجيا والعلوم والإبداع، من بينها «مقارَبة تاريخية معرفية للإبداع». والكتاب الذي بين يدينا يقربنا من تاريخ الكمبيوتر في صلة ذلك بموضوع التفكير عند الفرد والمجتمع، من خلال مجموعة من المواضيع نذكر منها: مقومات الحوسبة/ الأدوات الحوسبية/ التفكير الخوارزمي/ فن البرمجة وعلمها وهندستها/ مجال معمارية الكمبيوتر/ الحوسبة الاستدلالية/ التفكير الحوسبي

تبعات اختراع الكمبيوتر

منذ اختراع الكمبيوتر الرقمي الإلكتروني عام 1946م وأول من استعمل تسمية «الحاسوب الشخصي» كان جون موشلي في مقالة كتبها في صحيفة نيو يورك تايمز في 3 نوفمبر عام 1962 حيث عرض رؤيته، ففي نظره لا يوجد مانع أن يملك أي فتى أو فتاة الحاسب الشخصي. "لا يخفى على أحد النمو المذهل في التكنولوجيات المرتبطة بهذا الجهاز (والتي يُطلق عليها بوجه عام في الوقت الراهن مصطلح «تكنولوجيا المعلومات») وكذلك التحوُّل الثقافي والاجتماعي المصاحب لذلك (الذي يعبَّر عنه بوجه عام بمصطلحات مثل «عصر المعلومات» و«ثورة المعلومات» و«مجتمع المعلومات»). لقد اجتاحتنا فعليًّا هذه البيئة التكنولوجية الاجتماعية. وعلى الرغم من ذلك، فإن «العلم» -المنهج الفكري - الذي تقوم عليه هذه التكنولوجيا يُعدُّ أقلَّ وضوحًا، وبالتأكيد تقل المعرفة به وفهْمه خارج الأوساط العلمية لعلم الكمبيوتر. لكن لا شك أن علم الكمبيوتر يصطف إلى جانب علوم أخرى، مثل علم الأحياء الجزيئي والعلوم المعرفية بوصفه من أهم العلوم التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية. إضافة إلى ذلك، فإن علم الكمبيوتر تكتنفه بعض الغرابة التي تجذب الانتباه إليه، وتميزه عن باقي العلوم الأخرى"[1] فعلم الحاسوب يعدّ جزءًا من عائلة تضم خمسة تخصصات منفصلة ومترابطة في آن واحد: هندسة الحاسوب، وعلوم الحاسوب، ونظم المعلومات، وتكنولوجيا المعلومات، وهندسة البرمجيات. تُعرف هذه العائلة مجتمعةً باسم تخصص الحوسبة. وتترابط هذه التخصصات الخمسة من حيث إن الحوسبة هي موضوع دراستها، ولكنها منفصلة؛ لأن لكل منها منظورا بحثيا معينا.

لقد كانت ستينيات القرن العشرين فترةً عصيبةً على الصعيدين الاجتماعي والثقافي. لكن بين ثنايا الحرب الباردة وحركة الدفاع عن الحقوق المدنية والمظاهرات المناهضة للحروب والحركة النسوية والثورات الطلابية وشعارات المقاومة السلبية واللاعنف والاعتصامات والتمردُّات اليسارية الراديكالية، وعلى نحوٍ لم يكد ينتبه له أحد، ظهر علمٌ جديد في أحرام الجامعات في الغرب وحتى في بعض الأقطار غير الغربية، وإن كان على نحوٍ أقل وضوحًا. لقد تركَّز هذا العلم على نوعٍ جديد من الأجهزة؛ ألا وهو جهاز الكمبيوتر الرقمي الإلكتروني. وأُطلق على التكنولوجيا التي تعلَّقت بهذا الجهاز عدة أسماء، والتي من أشيعها «الحوسبة التلقائية» و«معالجة المعلومات». وفي البلدان الناطقة بالإنجليزية، كان يُطلق على نطاق واسع على هذا العلم اسم computer science ويعني «علم الكمبيوتر». أما في أوروبا فكانت تُستخدم أسماء مثل informatique أو informatik وتعني «المعلوماتية»[2]

التطور في مختلف البرمجيات على الحاسوب وحضورها في مختلف جوانب الحياة، جعل الإنسان اليوم أمام نمط من التفكير يسمى بالتفكير الحوسبي؛ أي التفكير في العقل بطريقة حوسبية، "بمعنى تأثير علم الكمبيوتر في علم النفس المعرفي. بطرح سؤال تورنج الشهير — هل بإمكان أجهزة الكمبيوتر التفكير (الذي هو أساس الذكاء الاصطناعي)؟ — بنحو عكسي، يدرُس علماء علم النفس المعرفي السؤال التالي: هل التفكير عملية حوسبية؟ تعود الإجابة عن هذا السؤال إلى العمل الرائد الذي قدَّمه ألين نيويل وهيربرت سايمون في أواخر خمسينيات القرن العشرين، حينما وضعا نظريةَ معالجة المعلومات الخاصة بعملية حل المسائل البشرية، والتي تمزج المنطق بمسائل حوسبية مثل الأساليب الاستدلالية ومستويات التجريد والبنيات الرمزية. وقد أدَّى ذلك في وقتٍ لاحق جدًّا إلى بناء نماذج من «المعمارية المعرفية»، والتي كان أبرزها على يد باحثِين أمثال عالم النفس جون أندرسون، وعلماء الكمبيوتر ألين نيويل، وجون لايرد، وبول روزنبلوم."[3]

فالتفكير الحوسبي ليس مجرد برامج يجب على المُبرمجين معرفتها، بل هو أيضًا أداة تفكير لفهم عالمنا الاجتماعي المُشبع بالتكنولوجيا. فهو يَزيد من وعيِنا بكيفية عمل أدواتنا الرقمية اليومية، ويدعم أخلاقياتنا الإلكترونية، ويتساهم في تعزيز توجيه سلوكنا الاجتماعي في نشر المعلومات وتداولها بسرعة البرق، وتحليل تحركاتنا عن طريق جمع كَميات هائلة من البيانات على نطاقٍ واسع. يأخذ التفكير الحوسبي كينونته من الحوسبة نسبة إلى الحاسوب، فمختلف تعريفاته تعود إلى الحاسوب وطبيعة حضوره في عملية التفكير في حل مختلف شؤون الحياة في العمل وخارج العمل، والحقيقة أن التفكير الحوسبي سار يشكل جزءا محوريا في تصورنا للأشياء وإلى العالم، من جهة ما توفره مختلف برامج الحاسوب من إمكانيات في معرفة وتتبع مختلف الحقائق والظواهر، فالتفكير الحوسبي حاضر بقوة في مختلف البرامج التعليمية والجامعات والمختبرات، فضلا على مجال الصحة والمال والأعمال وحتى في مجال الأدب والرسم... يحضر فيه التفكير الحوسبي إذ نجد مجالات لرسم مختلف اللوحات عن طريق الحاسوب، وهناك نقاش في مجالات الأدب يعنى بالأدب الرقمي...

ونشير هنا أن التفكير الحوسبي قد "قدم مجموعة الأدوات العقلية للعلوم الحوسبيَّة الجديدة، والتي طُورت على نحوٍ مشترك عبر العديد من المجالات. وأصبح التفكير الحوسبي مهارة ضرورية للباحثين في المجالات التي يمكن فيها تفسير الظواهر الطبيعية بوصفِها عمليات معلوماتية. وللمفارقة، فإنه في الوقت الذي رأى فيه العلماء السابقون أن الحوسبة ليست علمًا؛ لأنه لا توجَد عمليات معلوماتية طبيعية، وجَد الجيل الجديد من علماء الحوسبة عملياتٍ معلوماتية في كل أنحاء الطبيعة. وكما هو الحال مع علماء الكمبيوتر في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، تعلم علماء الحوسبة التفكير الحوسبي من ممارسة تصميم عمليات الحوسبة لاستكشاف الظواهر وحل المشكلات في مجالاتهم"[4].

[1] علم الكمبيوتر: مقدمة قصيرة جدًّا، سوبراتا داسجوبتا، ترجمة إبراهيم سند أحمد مراجعة عبد الفتاح عبد الله، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، ط.1، 2023م، ص.12

[2] نفسه، ص. 11

[3] نفسه، ص.126

[4] بيتر جيه دنينج وماتي تيدري، التفكير الحوسبي، ترجمة هبة عبد العزيز غانم، مراجعة هبة عبد المولى أحمد، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، ط.1، 2025م، ص.112