فكرة الفينومينولوجيا إدموند هوسرل


فئة :  قراءات في كتب

فكرة الفينومينولوجيا إدموند هوسرل

 الفينومينولوجيا أو الظاهراتية هي مدرسة فلسفية ترتكز على الخبرة الحدسية للظواهر، ثم الانطلاق نحو تحليل الظاهرة سعياً إلى فهم أعمق لوجود الإنسان والعالم.

الكتاب: يعرض الكتاب خمسة دروس لهوسرل الأستاذ في جامعة غوتنجن عام 1907م، وقد اختيرت هذه الدروس لأنها تعكس رؤية فلسفية عميقة ومهمة لهوسرل باعتباره مؤسس الفلسفة الظاهراتية " الفينومينولوجية " التي عدت لاحقاً المعبر الأساسي لتأسيس فلسفة متجذرة في الفكر تكرس منهجية متفردة تتوجه مباشرة نحو الظاهرة، لتصف عملية الإدراك مباشرة.

  هذه الدروس هي مقدمة لدراسات فينومينولوجية عينيّة متعلّقة بما يسميه هوسرل "التقوُّم" وارتباطه بميدان الموضوعات الحسية بادئ الأمر، ويحيل مفهوم التقوم هنا على إشكالية المعرفة وكيفية تحصيل وجود موضوعات المعرفة من حيث أصولها في الوعي المدرك وتعلّقها بكيفية من كيفيات الظهور.

  ويتضح من الكتاب أن التمييز بين مقامين أو بين علمين، أحدهما طبيعي والآخر فلسفي، أمر مميز لتصور هوسرل لكيفية بناء البدء في الفلسفة، حيث يستعيد الفصل بين الفكر الذي يفتح له فضاءات جديدة (الفينومينولوجيا) وما اعتاد الفكر الاستناد إليه من تلقاء نفسه (الوجود الطبيعي)، أي الانقياد نحو الموجود من حيث هو موجود كأساس موضوعي للعقل.

الدرس الأول : ينطلق هوسرل من قيامه بالفصل والتمييز بين العلمين؛ الطبيعي والفلسفي مؤكداً أن موقف الروح الطبيعي لا ينشغل أبدا بنقد المعرفة ، ثم يمضي ليعمل في تراتبية فلسفية على مقابلة موقف الفكر الطبيعي أو المطالب الطبيعية للفكر بالموقف الفلسفي ، وذلك عبر الإغراق في تأمل العلاقة بين المعرفة والموضوع ، واضعاً يده على المصاعب الرئيسية التي تواجهه في هذا السياق ، وذلك لأن المعرفة تتجلى، من وجهة نظره، مرة واحدة  في الفكر الطبيعي ، كما لو كانت سراً،  وأن إمكان المعرفة بالنسبة للفكر الطبيعي أمرٌ بينٌ ، واللافت في هذا الفكر أن عمله يتصل اتصالاً غير محدود في كل ما يستجد من العلوم ناهيك عن إمكانية تطوره في إطار هذه العلوم.

   ثم ينطلق مباشرة نحو إشكالية يطرحها في سؤال هو: كيف تكون المعرفة المتعالية ممكنة؟ فيناقش بإسهاب قضية العلم بشكل عام، مؤكداً أن المعرفة لا يمكن أن تعتمد على علم مُعطى مسبقاً حول موضوعات تتسم بالتعالي، فيقارن بين الأصم الذي يعلم وجود نغمات وإيقاعات تؤسس شيئاً ما، لكنه لا يدرك إطلاقاً كيف تكون الأعمال الموسيقية، لأنها ببساطة شيء لا يمكن أن يتمثل لإدراكه.

الدرس الثاني:

   ينطلق هوسرل في هذا الدرس من نقد المعرفة مبادراً بالسؤال التالي: كيف لنقد المعرفة أن يقوم؟ فيبدأ بوضع كل معرفة موضع سؤال، ويطرح منهج الشك الديكارتي، مؤكداً ضرورة الامتناع عن كل الأحكام الوجودية السابقة (تعليق الحكم)، ولا يقصد المنهج الديكارتي بعينه إلا أنه يعتمد في نظره على ضرورة حيازة منطقة فكرية مطلقة اليقين انطلاقا من اعتبار الشك، فديكارت اكتشف لكنه لم يعن بالاستكشاف. ثم يتناول ما سماه " لغز المعرفة الطبيعية المفارقة"، ويفرق بين مفهوم المحايثة والمفارقة (وهي بالنسبة له المسألة الأولية والناظمة لنقد المعرفة) وصولاً إلى مبدأ الرد النظري المعرفي.

الدرس الثالث: ويري في هذا الدرس ضرورة الحاجة إلى يقين يمكن التماسه في الرد النظري المعرفي، مع التحذير من الخلط بين الظاهرة المحضة على معنى الفينومينولوجيا، والظاهرة النفسية موضوعاً للعلم الطبيعي بالنفس، ويرى هوسرل أن:"كل معيش نفسي على سبيل الرد الفينومينولوجي معيش محض تكشف المحايثة ماهيته بوصفها معطى مطلقاً "، كما يتناول الظاهرة المحضة ومسألة الصحة الموضوعية للظاهرات المطلقة وصولاً إلى اعتبار المعرفة الفينومينولوجية معرفة بالماهية.

الدرس الرابع: ويتناول في هذا الدرس الظاهرة المعرفية المفردة التي ترد إلى سيل الوعي وتختفي منه، وهنا تصبح الفينومينولوجيا نقداً لنظريات المعرفة باعتبارها نظرية في المعرفة تقوم على نقد عميق لشتى نظريات المعرفة الأساسية، متناولاً المنهج الفلسفي للتحليل الماهويّ. ثم ينتقد النظرية الشعورية للبداهة فيرى أن:" اتخاذ مجرى حدسي مثلي في أضيق حدود الرد الفينومينولوجي إنما هو خاصتها فحسب، إنه المنهج الفلسفي بخاصة على قدر كونه منتسباً أساساً إلى معنى نقد المعرفة غير منفصل عموماً عن نقد العقل".

الدرس الخامس: يرى هوسريل في هذا الدرس أن حصول الماهية على منوال بديهي تام يحيل إلى حدس مفرد يجب أن يتقوم على أساسه، لا على إدراك مفرد، فالماهية الفينومينولوجية معطاة بنفسها. ثم يمضي في مقابلة بين الوجود والماهية من أجل التمييز بين نحوين من الوجود يظهران في ضربين من التجلي بالنفس عند مجرد تخيل اللون، فإن الوجود الذي يجعل اللون واقعاً فعلياً في الزمان لا يُسأل عنه، مؤكداً أنه ليس لماهية الموضوع بعامة أن تفحص إلا بالمعرفة بكل ما لها من الهيئات الأساسية، وليس لها أن تعطى إلا فيها وأن تتمثل للرؤية البديهية، ومن ثم تصبح تلك الرؤية هي المعرفة التامة بعينها.