النجاح السياسي للسلفيين في مصر يمتحن دعم الولايات المتحدة الأمريكية للديمقراطية


فئة :  مقالات

النجاح السياسي للسلفيين في مصر يمتحن دعم الولايات المتحدة الأمريكية للديمقراطية

يتناول التقرير النشاط السياسي للسلفيين كوافدين جدد على الساحة السياسية الرسمية في مصر، والذين كانوا في نظر المراقبين مرشحين ضعفاء في أول انتخابات برلمانية بعد مبارك ( في نوفمبر 2011 ). وبالرغم من أن نجاح حزب الحرية والعدالة لجماعة الإخوان المسلمين أحد أقدم وأكثر القوى السياسية في مصر تنظيما كان متوقعا بشكل كبير، لكن قليلين توقعوا أن التحالف الإسلامي الناشىء الذي تزعمه حزب النور السلفي سيفوز على الأقل بـ 25% من مقاعد البرلمان .

وبما أن الولايات المتحدة تسعى لإيجاد سبل الشراكة مع قادة مصر الجدد، فإن النجاح السياسي للحركة السلفية التي تسعى لجعل المجتمع المصري منسجما مع فهمها لممارسات ومبادىء النبي محمد وخلفائه، حتى لو علي حساب الأقليات وحقوق المرأة، كل هذا يضع تحديا هائلا أمام صناع القرار في الولايات المتحدة. لكن إذا ما ترددت الولايات المتحدة في بدء حوار مع الجماعة الإسلامية التي تنحرف أجندتها السياسية جوهريا عن معايير حقوق الإنسان العالمية والمصالح الاستراتيجية الأمريكية، فإن التقرير يرى أهمية عدم التخلي عن فرصة للشراكة مع فصيل نجح في أن يحتل ربع مقاعد البرلمان المصري المنتخب بعد الثورة .

***

يبدأ التقرير بتحليل الظهور السلفي غير المتوقع على الساحة السياسية لأول مرة، فيبدأ بمقدمة تاريخية عن ظهور السلفيين في مصر منذ عشرينيات القرن الماضي، وكيف سعت هذه الحركة الإسلامية المتزمتة إلى إحياء التفسير التقليدي للعقيدة الإسلامية ومماراساتها، بمحاكاة سلوك النبي محمد والأجيال الثلاثة الأولى من المسلمين، وقد انتشرت الحركة السلفية بشكل كبير بعد الطفرة النفطية في السبعينيات؛ حيث سعت المؤسسات الدينية المحافظة للاستفادة من العائدات المتزايدة للنفط في ضم السلفيين في مصر وكل أنحاء العالم الإسلامي إلى كنفهم. ومنذ ذلك الحين، أصبح السلفيون تحت سيطرة بعض دول النفط، وأصبح هناك نحو 4000 مسجد في مصر. ويقدر التقرير عدد المنتمين للتيار السلفي بنحو أكثر من ثلاثة ملايين تابع ؛ حيث رجح مرشح الرئاسة الإسلامي عبد المنعم أبو الفتوح أن عدد السلفيين يتجاوز عدد الإخوان المسلمين بنسبة عشرين إلى واحد. ويرى التقرير أن النجاح المفاجئ لحزب النور السلفي في الانتخابات البرلمانية عام 2011، قد أظهر أن سلفيي مصر استطاعوا تحويل القاعدة الشعبية التي تكمن فيها قوتهم إلى أداة لحملة انتخابية وجهاز سياسي هائل.

ويعزو التقرير جذور الكفاءة السياسية للسلفيين قبل الثورة إلى انتشار الحركة في ظل نظام مبارك الذي تساهل مع انتشار التأثير السلفي من خلال المساجد والمنظمات الخيرية؛ حيث قام زعماء الحركة بالدعوة إلى مبدأ الطاعة المطلقة للحاكم مهما كان مستبدا، ولهذا السبب قام شيوخ السلفيين في البداية باستهجان المظاهرات ضد الحكومة في بداية ثورة يناير2011 . لكن مع الإطاحة بنظام مبارك، والانتشار السريع للأحزاب السياسية الجديدة، أدركت الحركة أهمية السياسة الانتخابية كتقنية جديدة يمكن لها استخدامها لدعم أهدافها في أسلمة المجتمع المصري .

وعلى صعيد المسرح السياسي، تقبل الإسلاميون والليبراليون حقيقة أن السلفيين سيصبحون قوة يحسب لها حساب في مجلس الشعب، لكن التقرير يؤكد صعوبة التنبؤ بمسارهم وأدائهم السياسي، خاصة بعد تصريحات نواب حزب النور في البرلمان عن حظر الخمور ، والسياحة الشاطئية، ورفض الديمقراطية كوسيلة مبتدعة للحكم، مما زاد من مخاوف المصريين .

ويحدد التقرير عاملين من العوامل التي دعمت حظوظ السلفيين في الانتخابات البرلمانية كما يلي:

2 - الفقر كعامل يدعم الأصولية الدينية:

يرى التقرير أن حزب النور السلفي يقوم بالتركيز على قضايا العدالة الاجتماعية، والمساواة كبديل حتمي للرأسمالية التي كان يعززها نظام مبارك لمغازلة نحو 40% من المصريين الواقعين تحت خط الفقر. وفي مقابلة مع كريم هلال عضو مجلس إدارة أحد أبرز الشركات الاستثمارية في مصر، أكد أن نجاح السلفيين في الانتخابات جاء بسبب الأحوال الاقتصادية، يقول:" نظرا لزيادة أوجه الظلم، والفقر وتردي حالة التعليم، بالإضافة إلى تصاعد الأفكار المتطرفة خلال العقدين الماضيين في ظل النظام السابق، كانت هذه النتيجة متوقعة، وقد لعبها الإسلاميون جيدا. والمصوتون على دراية بشبكات الرعاية الاجتماعية الواسعة التي يشرف عليها السلفيون؛ فالمنظمات غير الحكومية المسجلة، مثل جمعية الشريعة وأنصار السنة قامت بتوزيع الطعام المجاني والدواء في المناطق الفقيرة لسنوات، وبالتالي وجد حزب النور أرضية واسعة يعمل انطلاقا منها بعد عقود من الاستبداد وتفاقم اللا مساواة الاقتصادية وتركيز أرباح نمو القطاع الاقتصادي على الفئة الفاسدة والطبقة الوثيقة الصلة بالساسة، فقد المصريون إيمانهم بمؤسسات الدولة العلمانية التي أخفقت في محو الفقر والبطالة. ولإحباطهم من الظلم والنظام الاقتصادي الذي شابه الإخلال بالقانون، تطلع الناخبون الفقراء المحبطون إلى العون الذي تمثله لهم الوعود المقدمة من حملة السلفيين الانتخابية بتحقيق العدل والمساواة.

2 ـ التمويل الخليجي

يؤكد التقرير أن العامل الرئيس الثاني الذي قام عليه نجاح السلفيين في الانتخابات هو تمكنهم من الحصول على تمويلات من دول الخليج ذات التوجه المحافظ، وأن نجاحهم لا يمكن أن ننسبه فقط للعمل التطوعي المخلص، لا للقدرة على إقناع الناخبين، فهناك تدفق دائم من التمويلات يأتي معظمه من دول الخليج، مما يعطي المرشحين السلفيين تفوقا ماديا مهما على منافسيهم في انتخابات مجلس الشعب. واستعرض التقرير ملفا أعدته الحكومة المصرية بشأن أحد قادة الجمعية السلفية من أنصار السنة المحمدية، والذي تلقى أكثر من 50 مليون دولار خلال عام واحد من مؤسسات دينية في قطر والكويت استخدمت في دعم مرشحي السلفيين في البرلمان.

كما نوه التقرير، على أن العلاقات بين السعودية والمؤسسات السلفية المصرية هي علاقات دينية، وليست مادية فحسب؛ فخلال زيارته الأخيرة لمصر ألقى الشيخ السلفي السعودي عدنان الخطيري خطبة ألح فيها على الناخبين ضرورة دعم المرشحين الإسلاميين ووصف الانتخابات بأنها " فرصة عظيمة لشعب مصر لإقامة الدولة الإسلامية، فلا تخرجوا من الانتخابات خاويي الوفاض وتتركوها لهؤلاء الذين لا يعيشون الحياة الدينية." ، فمن الواضح أن السلفيين في مصر سيستمرون في العمل على استغلال الدعم المالي والأيديولوجي من شركائهم الخليجيين. كما نوه التقرير إلى توقع حزب النور استمرار تدفق هذه التمويلات لمدة طويلة بعد الانتخابات؛ حيث صرح شحاتة درويش عضو اللجنة العليا لحزب النور السلفي: " عندما نتولى الحكم، فإننا سنجلب الكثير من الأموال" .

ويطرح التقرير إشكالية نجاح السلفيين كمعطى سياسي يضع أمام الولايات المتحدة معضلة سياسية لم تكن في الحسبان؛ ففي بداية موسم الحملة الانتخابية لمجلس الشعب في نوفمبر 2011، كان يتم تصوير مرشحي الأحزاب السلفية الوليدة في الإعلام الغربي في صورة المتعصبين الدينيين، وأن كثيرين في الغرب استبقوا الأحداث باستهانتهم بالسلفيين، وتلقيبهم بالمسلمين التقليديين التقاة الذين لا ضرر منهم، وكيف أنهم ذوو آفاق سياسية باهتة، لكن وصولهم بهذا العدد إلى البرلمان وضعهم في قلب خارطة صناعة القرار في مصر.

ومع استحواذ حزب الحرية والعدالة على الأغلبية الحاسمة في البرلمان المنتخب، أكدت الولايات المتحدة بشكل قاطع، بعد سنوات من التعاون السري الهادىء مع الإخوان، على الأهمية الاستراتيجية لبدء علاقات مفتوحة ورفيعة المستوى مع قيادات الحزب. كما حظي اللقاء بين نائب وزير الخارجية الأمريكية ويليام. ج. برنز ، وزعيم حزب الحرية والعدالة محمد مرسي في أواخر يناير من عام 2012 بدعاية إعلامية كبيرة، ويرى التقرير أن هذا التقارب يعكس سياسة أوباما الحكيمة، في التواصل مع الحزب الذي يتربع على عرش الساحة السياسية بلا منازع الآن، لأن عكس ذلك سيعني فقدان النفوذ الأمريكي مع حكومات مصر القادمة التي بلا شك سيحتل فيها الإخوان حصة كبيرة .

واستشهد التقرير برد هيلاي كلنتون عندما سئلت في أكتوبر 2011 إذا ما كانت الولايات المتحدة مستعدة للشراكة مع الإسلاميين، وكيف أنها صرحت: " ننوي ومنفتحون على العمل مع الحكومة التي يلتزم ممثلوها بنبذ العنف واحترام حقوق الإنسان ". كما استعرض التقرير سياسة بناء جسور التفاهم بين واشنطن وجماعة الإخوان التي تمتلك مفاتيح التحول الديمقراطي في مصر و خطط عمل النظام السياسي مستقبلا – على حد وصف التقرير – حيث تقابل وفد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مع أعضاء من حزب الحرية و العدالة في فبراير 2012 في محاولة لإيجاد حل لأزمة اتهام مصر لموظفي المنظمات غير الحكومية الأمريكيين بالعمل على أرض مصرية بشكل غير قانوني .

ويصل التقرير إلى أن احتمال العمل مع السلفيين المتشددين الذين يستلهمون وحيهم من المؤسسات الدينية السعودية البالغة التحفظ أمر يبدو صعبا، وأن نجاح السلفيين السياسي واجه صانعي السياسة الأمريكيين بالمعضلة الدائمة المتعلقة بدعم الديمقراطية، وأنه من الخطأ الاستراتيجي تجاهل فرصة الشراكة مع أكبر ثاني فصيل سياسي في مصر ما بعد الثورة . الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها للولايات المتحدة الحفاظ على الشرعية، هي أن تدرك أنهم ممثلو الشعب الذي انتخبهم بطريقة قانونية, بالرغم من أن مناهجهم تتناقض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان؛ فبدلا من تجنب العمل مع السلفيين مما قد يؤدي إلى ازدياد النظرة السلبية لهم، وربما يؤدي إلى إمعانهم في التفكير الرجعي أكثر، وأوصى في النهاية بضرورة قيام الولايات المتحدة بتوظيف الدبلوماسية لتحفيز التوافق مع المبادئ الديمقراطية في مقابل الفوائد الاقتصادية والسياسية التي ستعود عليهم من التعاون مع الولايات المتحدة.

ويحدد التقرير مسارات الشراكة مع سلفيي مصر، مؤكدا أنه طالما استمر السلفيون في مصر في الإفادة من التدفق المستمر للتمويلات الآتية من دول الخليج، ومن ولاء المصريين الفقراء الذين يعتمدون على معوناتهم الخيرية، فإنهم سيظلون قوة مسيطرة في النظام السياسي لمصر ما بعد مبارك. وبالرغم من أن الخطاب السلفي بعناصره التي تشمل التعصب والأصولية يمثل مشكلة للكثير من صانعي السياسة الأمريكيين، فإن رفض التعاون مع الإسلاميين المحافظين سيجرفهم إلى التطرف العقائدي أكثر إذا ما تم عزلهم، فتهميش السلفيين قد يعطي نتائج عكسية، لأنه قد يدفعهم إلى الانغماس أكثر في الأصولية .

ويثني التقرير على اللقاء الذي تم مع ممثلي حزب النور في سفارة الولايات المتحدة في القاهرة في يناير 2012 كبادرة مثلت خطوة إيجابية لسياسة الشراكة البالغة الأهمية للحفاظ على نفوذ الولايات المتحدة في مصر. فقادة مصر المقبلون بغض النظر عن ميولاتهم الفكرية، لن يخاطروا على الأرجح بالإخلال بعلاقة الشراكة التي تمنحهم فوائد اقتصادية وأمنية كبيرة.

ويؤكد التقرير في الختام على ضرورة بناء جسور للتواصل والشراكة مع السلفيين في مصر، لقطع الطريق أمام دول أخرى، مثل روسيا والصين للتعاون معهم والهيمنة على الشأن المصري، فبدلا من إقصاء السلفيين أكثر ونبذهم، باعتبارهم أصوليين ضد الديمقراطية، فإن إبقاء الباب مفتوحا للحوار قد يشجعهم على جعل آرائهم السياسية أكثر اعتدالا. ومن أجل المضي قدما في هذا المسار، يجب على صانعي السياسة الأمريكيين الإشارة إلى استعدادهم لإشراك السلفيين في الحوار والتصريح بوضوح أن المساعدات العسكرية والاقتصادية لقادة مصر في المستقبل، ستكون مشروطة باحترامهم لحقوق الإنسان والحريات السياسية للأقليات .

* د.ســامح إسمــاعيل باحث مصري