قراءة في كتاب: "الاعتراف، تاريخ أوروبي لفكرة"


فئة :  قراءات في كتب

قراءة في كتاب:  "الاعتراف، تاريخ أوروبي لفكرة"

قراءة في كتاب:

"الاعتراف، تاريخ أوروبي لفكرة"

الملخص:

عرفت المقاربة الفلسفية والسوسيولوجية لأكسل هونيث تطوّرات هيكيلية منذ أطروحته للدكتوراه حول "نقد السلطة" (1981) مرورا بنظريته "الصراع من أجل الاعتراف" (1992)، وصولاً إلى انعطافته الأخيرة نحو "الحق في الحرية" (2015). وقد تمحور برنامجه على إعادة بناء الأخلاق المهيمَن عليها؛ وذلك عبر القيام بتشخيص سوسيولوجي للمجتمعات المعاصرة، مركزاً على مسألة النزاعية الاجتماعية من خلال النظر في البعد الأخلاقي المتجذر في الصراع الذي يقوده الفاعلون الاجتماعيون، انطلاقا من التجارب السلبية التي يعيشونها ومطالباتهم الأخلاقية بالاعتراف، إلا أن مفهوم الاعتراف هذا يحمل معانٍ متباينة ومضامين متضاربة في فضاءات وسياقات ثقافية مختلفة (الألمانية والفرنسية والإنجليزية)، لهذا خصه هونيث بهذا الكتاب قصد رفع اللبس ليس عن معانيه ومصادره ومضامينه الفلسفية والسوسيولوجية فقط، وإنما أيضا تشعّباته في عالم اليوم. أما هدفه، فهو إعادة بناء التاريخ المعاصر لفكرة الاعتراف؛ لأنه في مرآة مثل هذا الفحص التاريخي يمكننا، وفقا له، أن نحدد معا كيف ولماذا أصبحنا ما نحن عليه اليوم، وما هي المتطلبات المعيارية المرتبطة بهذه الرؤية المشتركة لأنفسنا. وهذه المقالة تعرض مضامين الكتاب وتقرّبها لجمهور القرّاء.

تقديم

يعد الفيلسوف والسوسيولوجي الألماني أكسل هونيث (Axel Honneth) واحدا من أبرز الوجوه الفكرية البارزة في عصرنا الحالي، ويعدّ في نظر المهتمين[1]، بفضل نظريته للاعتراف، ممثلا للجيل الثالث للنظرية النقدية (مدرسة فرانكفورت). ويريد لنظريته أن تحيط بالنزاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الجديدة التي طفت على سطح الأحداث العالمية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، والتي تتم صياغتها باعتماد مفاهيم وقواعد لغوية جديدة قوامها المطالبة بالاعتراف، وهي نزاعات وصراعات تخوضها ذوات فردية وجماعية، وحركات احتجاجية واجتماعية وسياسية وثقافية، خصوصا تلك التي تُحسب على الأقليات والمجموعات المستبعدة اجتماعيا والموصومة، لكنها تتجاوزها للإحاطة بكل التجارب الأخلاقية السلبية التي تعيشها الذوات وحوافز الصراع من أجل الاعتراف الذي تخوضه، وهي صراعات تحيل على المطالبة بالإدماج الرمزي والقانوني والهوياتي والاختلاف الثقافي وأنساق القيم، وتحيل أيضا على رهانات اجتماعية واقتصادية تتغيّا تحقيق الحياة الجيدة والعادلة.

ومن أجل توضيح مفهوم الاعتراف هذا، تتبع أكسل هونيث، عبر فصول كتابه "الاعتراف: تاريخ أوروبي لفكرة"[2] (الصادر سنة 2020 بفرنسا ترجمة بيير روش (Pierre Rusch) وجوليا كريست (Julia Christ)، عن دار النشر GALLIMARD)، المسار التاريخي لفكرته واقتفى آثارها عند المفكرين والفلاسفة. فعلى خلاف بول ريكور (Paul Ricœur) مثلا، الذي بحث عن دلالات ومعاني كلمة الاعتراف وأصلها اللغوي عبر المعاجم والقواميس الفرنسية[3]، تتبع هونيث التباين الموجود في الحمولة الفكرية لمفهوم الاعتراف؛ وذلك في كل من الثقافة الفرنسية (Reconnaissance) والإنجليزية (Recognition) والألمانية (Anerkennung)[4]؛ إذ إن اعتماد كل ذات على الاعتراف الذي تحصل عليه من الآخرين هو موضوع تفسيرات مختلفة ومتباينة للغاية ضمن هذه الثقافات الوطنية الثلاث التي درسها عن كثب.

ففي فرنسا بداية الحداثة؛ أي منذ لاروشفوكو (La Rochefoucauld) إلى روسو (J.J. Rousseau)، وفيما بعد مع سارتر (J.P. Sartre) وألتوسير (L. Althusser) ولاكان (J. Lacan)، يُنظر إلى هذا الاعتماد التأسيسي قبل كل شيء على أنه تهديد للذات أمام وصولها "الأصيل" إلى ذاتها الحقيقية. أما في بريطانيا العظمى، منذ شافتسبري (Shaftesbury) إلى جون ستيوارت ميل (J. S. Mill)، مرورا بديفيد هيوم (D. Hume) وآدم سميث (A. Smith)، فيُنظر بالأحرى إلى الاعتراف، بكونه الوسيلة التي يحقق بها الشخص الرقابة الأخلاقية على الذات. وفي ألمانيا، نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، فَهِم كانط (E. Kant) وفيخته (J. G. Fichte) وهيجل (F. Hegel) هذا الاعتماد على أنه شرط لإمكانية الاستقلالية الفردية (أو تقرير المصير الفردي l’autodétermination individuelle).

بهذا التمييز دخل هونيث في سجال مع منتقديه، والذين ربط كل واحد منهم فكرة الاعتراف بأحد الفلاسفة والمفكرين من تاريخ ثقافته الوطنية. فبالإضافة إلى إستفان هونت (Istvan Hont) ومارسيل هيناف (Marcel Hénaff) وآخرين وردوا في الكتاب[5]، فإننا نضيف أسماء أخرى، نذكر منها مثلا آلان كايّي (Alain Caillé) الذي أكد على كون الجذور الأولى لفكرة الاعتراف تعود إلى ج. ج. روسو حتى مارسيل موس[6] من داخل الإرث الفكري الفرنسي. أما باربارا كارنيفالي (Barbara Carnevali)، فقد عادت إلى طوماس هوبز (T. Hobbes) نفسه[7]، وحاولت من خلاله استنباط فكرة الاعتراف داخل الإسهام الفكري الإنجليزي. ومن جهته، عاد باتشن ماركيل (Patchen Markell) إلى المفهوم الإغريقي "anagnôrisis" عند أفلاطون (Platon)[8].

لقد تتبع هونيث تاريخ فكرة الاعتراف، ليؤكد أطروحته القائلة إن المعنى أو المعاني التي نعرفها اليوم عن "الاعتراف" ارتبطت بالفلسفة الهيجيلية[9]، لهذا عمل على تحيين هذه الأخيرة بعد نزع منطلقاتها الميتافزيقية[10]. وهذه الأطروحة هي الخيط الناظم للكتاب، والذي يقع في 224 صفحة، حيث قسّمه المؤلف إلى خمسة فصول، إضافة إلى تمهيد أو ملاحظة تمهيدية وملحق حول العودة إلى منابع التضامن الأوروبي[11].

الفصل الأول: تاريخ الأفكار في مقابل تاريخ المفاهيم، متطلبات منهجية

في عودته للجذور التاريخية لمفهوم الاعتراف، اعتمد هونيث على "تاريخ المفاهيم" كما يُمارس في ألمانيا؛ وذلك خلافا لـ"تاريخ الأفكار" الممارس في كل من أمريكا وفرنسا. وهذا مطلب منهجي ينبغي الانتباه إليه؛ ذلك أن تاريخ المفاهيم يتيح لنا الوقوف عند المعاني المتباينة لنفس المفهوم في سياقات ثقافية متباينة وفي أزمنة مختلفة[12]. فالتحديد "السوسيوثقافي" والدلالات أو المعاني الخاصة أو "الوطنية" (هونيث، ص 19)(*) للمفهوم، ولكن أيضا من منظور "نفسي" باعتباره حاجة، يسلتزم القيام بـ "تاريخٍ للتطور الحجاجي لفكرة" (ص 18)؛ وذلك بغية استخراج منظور جديد لها. ومن خلال هذا المطلب المنهجي أكد هونيث أن مفهوم الاعتراف له معانٍ مختلفة وغير متطابقة في السياقات الثقافية الثلاثة، الإنجليزية والفرنسية والألمانية.

من خلال هذا المنطلق المنهجي، استحضر هونيث موقف الفلسفة الفرنسية، من روسو إلى سارتر، لمفهوم الاعتراف، لإبراز نواقص نظيره الإنجليزي لدى إستفان هونت (István Hont) (مؤرخ اقتصادي بريطاني)[13]. ففلاسفة الفلسفة الأخلاقية الفرنسية وجون جاك روسو في القرن السابع عشر، قد بيّنوا كيف أن تراجع النظام اللاهوتي القديم، والانتقال من الفيودالية إلى البورجوازية، قد دفع الذات الإنسانية إلى المطالبة بالاعتراف بها وظهور مسألة الاستقلال الذاتي. أما داخل الفلسفة الإنجليزية، فطوماس هوبز - حسب هونيث- لم يخرج عن إطار الفلسفة السياسية، إذ كان هدفه الوصول إلى تحقيق الاستقرار السياسي وليس الاعتراف.

لم يقتنع هونيث بفكرة أن الحاجة "النفسية" إلى التميز والشرف التي أوردها إستفان هونت عند هوبز، هي التي تحفز البشر على التفاعل مع الآخرين، كأساس يمكّننا من أن ننسب جذور مفهوم الاعتراف إلى هوبز؛ وذلك لأن هذه الأنثروبولوجيا السياسية ستحصر الذوات ضمن اختيارات عقلانية في إغفال تام للأبعاد الأخلاقية، وهذه الأخيرة هي التي تحضر في الإرث الفلسفي الفرنسي، لهذا اقتفى الجذور التاريخية للاعتراف داخل هذا الإرث الفكري.

الفصل الثاني: من روسو إلى سارتر: الاعتراف وفقدان الذات

داخل الإرث الفكري الفرنسي، عاد أكسل هونيث إلى جون جاك روسو وتحديدا في كتابه "في أصل التفاوت بين البشر"[14]؛ وذلك ليقف عند ثلاثة مفاهيم مركزية عند هذا الأخير، وهي: حب الذات "amour de soi" كمفهوم إيجابي وطبيعي في الإنسان، يدفعه إلى المحافظة على كل كائن. وamour propre [15]، الذي هو شعور سلبي، قريب من الغرور، حيث يدفع الإنسان إلى مقارنة نفسه بالآخرين، ويكوّن لديه إرادة التفوق عليهم، وهو الذي يؤثر سلبا ويعمّق من هوّة التفاوت الاجتماعي بين الناس. وبواسطة هذا الـamour propre لا تتمكن الذات من إصدار حكم عن ذاتها انطلاقا من نفسها فقط، وإنما تنتظر من الآخرين اعترافهم وتأكيدهم لأفعالها أو أنها ترهنهم بأحكامها الخاصة، في حالة إن كانت في موقع قوة.

إن هذا الإحساس النرجسي بالذات، أو هذه النخوة والحب المفرط للذات أو الاعتداد بها، عند روسو، هي أصل التفاوت بين البشر؛ إذ يحس البعض بالتفوق تجاه البعض الآخر، وهؤلاء يحسون بالدونية أمام أولئك. بهكذا إحساس، يفقد الإنسان "حب الذات" حيث يكون هو نفسه سيدا لحكمه تجاه نفسه، ليصير في حاجة إلى آخرين "يحكمون" على أفعاله في "amour propre"، وبذلك تفقد الذات زمام نفسها وتفقد ذاتيتها.

والمفهوم الثالث لديه هو الاعتبار "considération"، حيث لا تنحصر العلاقة بين الذوات على تلك الأحاسيس التنافسية، وإنما على المرور من النظرة، »فكل واحد يبدأ بالنظر إلى الآخرين ويريد أن يكون منظورا إليه« (هونيث، ص 56-65)، حيث يأخذ كل واحد الآخر بعين الاعتبار؛ ذلك أن الغير ضروري لاستكمال الكمال الذاتي.

وعلى هذا المسار السلبي للاعتراف، وعلى ضوء قراءة ألكسندر كوجيف (A. Kojève) لفلسفة هيجل[16]، سار جون بول سارتر. إذ سيركز على التجارب الأخلاقية السلبية والقائمة على الإنكار كشرط لانبثاق ونشوء النزاع الاجتماعي، نزاعات تنشأ عن عدم احترام قواعد الاعتراف الاجتماعي. وقد جسّدها سارتر في مثال "النظرة"، حيث يعمل الآخرون على جعل الذات "موضوعا" لنظرتها وبالتالي إفراغها من كينونتها. ولكن رغم هذه السلبية، إلا أن الذات تحتاج إلى هذا الغير لكي تعي بذاتها، لكونه وسيطا بينها وبين ذاتها.

هكذا، وبخرق قواعد الاعتراف، فإن الذوات تدخل في صراع من أجل الحصول عليه، وهي لا تصارع من أجل الحفاظ على الذات، كما تعتقد الفلسفة السياسية الإنجليزية، وإنما تُصارع من أجل تغيير وتحويل التقديرات الجماعية من أجل الوصول إلى التقدير الاجتماعي؛ أي الوصول إلى الشروط الاجتماعية للاعتراف، ولكنها تواجَه عادة بالإنكار عوض الاعتراف. ولكن إذا كان هذا المسار مهما، فإنه يغفل شيئا مهما في الاعتراف، وهو أن دوافع الصراع ليست أداتية، وإنما هي أخلاقية. لهذا يرى هونيث أن الإرث الفكري الفرنسي يغفل الجانب الأخلاقي من المسألة، وفي هذا يقول: »هناك قبل كل شيء حقيقة لغوية/لسنية أن الكلمة الفرنسية "reconnaissance" لا تميز بوضوح بين المعنى المعرفي والمعنى الأخلاقي.« (هونيث، ص 57)

هكذا يستخلص هونيث أن »التوجه السائد في الفلسفة الفرنسية، منذ الأخلاقويين (des moralistes) هو اعتبار البينذاتية كمشكلة أكثر من النظر إليها بالأحرى كفرصة أو كحظ للذات الفردية.« (هونيث، ص 57). أما نظيرتها المعاصرة، فسوف تحصر نفسها داخل نفس التصور، ولكن تحت تأثير قراءة كوجيف لهيجل، حيث توقفت عند جدلية السيادة والعبودية التي تصل إلى كون مآل الصراع هو انتصارُ وعيٍ على وعي آخر. فسواء عند ألتوسير أو حتى في التحليل النفسي مع جاك لاكان، فإن هذه الاجتهادات قد انحصرت على فلسفة الاعتراف "السلبية" الموروثة عن كوجيف[17]؛ ذلك أنه »تحت تأثير قراءة هيجل هذه، يقول جاك لاكان، إن الرغبة هي مصدر الوعي وتتخذ الآخر موضوعا لها. وبناء على جدلية السخرة والسيادة، عند هيجل، فهو يرى في الصراع والعدوانية لحظة ضرورية في تكوين الكائن البشري«[18].

الفصل الثالث: من هيوم إلى ميل: الاعتراف والرقابة الذاتية

وفي سياق مغاير، حيث لم يعد للاعتراف معنى سلبياً قائما على خضوع الذات لتقييمات الآخر وأحكامه، تتبع هونيث المفهوم الإيجابي للاعتراف في الفلسفة الإنجليزية؛ وذلك سيدخل في »مجال سياسي- ثقافي مختلف كليا« (هونيث، ص 58) عن مثيله الفرنسي. فعوض مفهوم amour propre السلبي لدى جون جاك روسو والمبني على المصلحة الأنانية، أو حتى مفهوم "الاعتبار" لديه، والقائميْن على فكرة التعاقد الاجتماعي لنشأة المجتمع السياسي. فإن السياق الأنجلوساكسوني، سيعرف استعمالاً لمفهوم آخر هو التعاطف Sympathy (هونيث، ص 60)، والذي سنجده لاحقا في الفينومينولوجيا لدى ميرلوبونتي[19].

هذا السياق المغاير، سيعترف بدوره بالصلة بين المصلحة الذاتية واحترام الذات، لكنه ليس محصورا فيها، بل إنه مبني على الأطروحة القائلة: إن العواطف وحدها كافية لتفسير تكوين المجتمع. هذه الفكرة هي التي دفعت برنارد ماندفيل (Bernard Mandeville)، حسب هونيث، إلى العودة إلى شافتسبيري (Lord Shaftesbury). ففي حالة تكوين المجتمع على المصلحة الأنانية، يمكن للمرء أن ينجح في إنشاء شكل من أشكال التعاون الاجتماعي بناءً على قيادة الدولة أو على تدخل آلية اقتصادية مقيدة، لكن هذا النموذج يتضمن عيبين: الأول أنه يوفر فقط الإطار الخارجي للتعاون، ولكنه يجعله إشكاليًا في التبادلات الاجتماعية القائمة على "اللباقة"؛ إذ لا يمكن للأفراد التصرف علانية لتعزيز مصالح الأنانية دون أن يواجَهوا برفض عام، والحل الأمثل عند لاروشفوكو (La Rochefoucauld)، هو التصرف كما لو كان الدافع وراء الفعل فضيلة، أو كما لو كانت تجسيدا لعلامات التحضر. هكذا، ومن وجهة النظر هذه، فإن الصراع الذي هو أصل المجتمع السياسي، وعكس منطق المواجهة العنيفة، يتخذ شكلاً سلميًا، والفائز في اللباقة هو الذي يرفض صراحةً الانتصار. في هذه الحالة، نحن نتعامل مع استبدال العنف بالتعاون الرمزي والمكاسب المرتبطة بهذا الاستبدال؛ أي المصلحة الخفية التي يتم تحقيقها عن طريق ممارسة عامة لـ اللامبالاة. ومع ذلك، فإن هذا التعاون له عيب يتمثل في أنه غير مستقر نسبيًا عندما يدمج مبدأ التنافس من أجل التفوق الحقيقي ومبدأ التواضع الظاهري. العيب الثاني هو أن نظرية الإخفاء هذه، وحتى خداع الذات، تؤدي حتماً إلى نقد للفضائل الأخلاقية المقدمة على أنها "أقنعة" كثيرة للأنانية.

هذا التصور هو الذي يرفضه شافتسبري، لهذا قام بتعويض الدافع السائد للأنانية بمبدأ التعاطف كدافع فردي يُنظر إليه على أنه "فطري"؛ إذ سيعترف في مقالته عن "الاستحقاق والفضيلة"، بأن المشاعر الإنسانية موجهة في الأصل إلى كل فرد بهدف الحفاظ عليه وتطويره، ولكن في استمرار هذا الاهتمام، يتم توجيه هذه المشاعر أيضًا نحو إرضاء المجتمعات التي ينتمون إليها: »إن الاستعداد الجيد تجاه المصلحة العامة وتجاه المصلحة الخاصة لا يتوافقان فقط، وإنما لا ينفصلان أبدا. فمن خلال لعبة مشاعر عدم الاهتمام، أي العواطف التي يكون الصالح العام موضوعا لها، يشعر الفرد بالمتعة عندما يعمل لجلب المتعة لأفراد جنسه؛ وهذه المتعة، كما يشرح المقال، يتم الشعور بها من خلال عامل التعاطف الذي يسمح بتوصيل المشاعر بين الأفراد. على الرغم من أن مفهوم التعاطف لم يتم بناؤه بطريقة منهجية من قبل شافتسبري كما هو الحال بالنسبة إلى خلفائه، إلا أنه يجعل من الممكن إظهار وجود رابط طبيعي للاستمرارية بين المشاعر الخاصة والعواطف العامة. في هذا السياق، تبدو الأنانية، بعيدة عن أن تشكل دافعًا طبيعيًا يجب على المرء أن يبدأ منه كمقدمة كما يفعل هوبز«[20].

هكذا أسس شافتسبري مفهوما إيجابيا للاعتراف في بريطانيا. وهذا أيضا ما سنجده، حسب هونيث، عند ديفيد هيوم في كتابه "رسالة في الطبيعة البشرية"، حين أكد على كون التعاطف قدرة بشرية توجد في أعماق الذات الإنسانية، والتي تتيح لها استحضار وضعيات الآخرين في دواخلها الخاصة؛ أي إن للآخرين حضورا في التكوين المعياري للذات، حيث تعمل على استحضارهم أثناء توجيه أفعالها.

هذا وقد عاد هونيث إلى آدم سميث، وركز على كتابه "نظرية المشاعر الأخلاقية" المنشور عام 1759 أكثر من تركيزه على كتاب "ثروة الأمم"[21]. فكما هو الأمر عند جون جاك روسو، فإن آدم سميث يرى أن النظرة التي نحملها عن بعضنا البعض هي وسيلة لانضمامنا للإنسانية؛ فالحاجة لأن تكون منظورا إليك هي أصل كل الحاجات، هكذا فالغني أو الثري يكون سعيدا لأن يجلب أنظار الآخرين إليه. وبالتالي، فنظرة الآخرين تجعل الذات تكتشف أعماق دواخلها.

إن المشترك بين الفلاسفة الإنجليز هو الاهتمام بالنزاع بين المصلحة الشخصية والرابط الاجتماعي، وهذا ينطبق أيضا على جون ستيوارت مِيل الذي فكر في مكانة ودور الآخر في نظامنا الداخلي وفي مستوانا المعياري، حيث تستبطن الذات حضور هذا الآخر عبر استحضارها لمسألة استياء الآخر من اختياراتها أو تصرفاتها، وهذا ما يحد من نوازعها ويجعلها تخضع للإرادة المشتركة.

الفصل الرابع: من كانط إلى هيجل، الاعتراف والاستقلالية الذاتية

بعد أن اقتفى هونيث مسار تطوّر فكرة الاعتراف في كل من الفلسفة الفرنسية (عبر مفهوم "amour propre"، باعتباره تهديدا بفقدان الذات وصهرا لخصائصها الفردية) والفلسفة الإنجليزية (من خلال مفهوم "التعاطف" الذي يُكسب الذات استبطانا للمعايير، وبالتالي قدرتها على ممارسة الرقابة الذاتية على نوازعها) عبر الفصول السابقة، فإنه استخلص الأفكار المشكّلة حول الاعتراف في كل منهما: إن ما نسميه اليوم "الاعتراف" يعني شيئين مختلفين تمامًا في هاتين الثقافتين الفلسفيتين: في السياق الناطق بالفرنسية، يُعتقد قبل كل شيء أن الآخر (أكان معيّنا أو عاما) هو الذي يمنح أو ينسب إلى الذات بعض خصائصها الشخصية. أما في السياق الناطق باللغة الإنجليزية، يتم بناؤه من منظور الشخص الذي يطمح إلى الاعتراف به، والذي يمنح للأفراد الآخرين أو المجتمع الاجتماعي ككل السلطة المعيارية لإصدار حكم أخلاقي على سلوكه. وهنا يستدرك هونيث، معقبا، بأنه نادراً ما يتم تصور الاعتراف، في أي من هذين التقليدين، على أنه عملية متبادلة ومتزامنة بين شخصين ندّيين ومتساويين. وهذا ما يحدث في السياق الألماني، حيث يتشكل وفق نظرية كاملة للاعتراف.

لهذا عرج هونيث على تطور مفهوم الاعتراف داخل الفلسفة الألمانية منذ كانط وفيخته حتى هيجل. فإذا عدنا إلى كانط، سنجد أن احترام الآخر[22] يمرّ دائماً عبر تجاوز "حبّ الذات". أما إذا تضخم وتغوّل هذا الحب، فإن الآخر يصير لا مرئياً، أو لا يستحق الاحترام، حينها لا ترى الذات إلا نفسها. يرى هونيث، انطلاقا من كانط، في الذات التي تعترف بالآخر تجاوزاً لمركزيتها الأنوية؛ لأننا أمام ذات تتحقق أصلاً كاعتراف لا كذاتوية. إن عدم رؤية الآخر فعل إرادي، وهو بالتالي فعل عنف.

ومن جهته، يؤكد فيخته، ضمن كتابه "أسس القانون الطبيعي"، على أهمية الضبط الذاتي للحرية الشخصية، وبالتالي على التعامل مع الآخرين بنفس الشكل الذي تريد الذات أن يُتعامل به معها؛ لأن ذاتيتها لا تتأسس وتتشكل إلا بينذاتياً[23]. إن الذات، بهذا المعنى، كائن عاقل، قادر على التعقل، يكتشف حريته في ضبطه الذاتي؛ وذلك باستحضار الآخر من جهة، وعلى الاعتراف المتبادل بينهما من جهة أخرى.

أما هيجل، فهو أول من استخدم بشكل صريح مفهوم الاعتراف، ويُعدّ الفيلسوف الأساسي لفلسفة الاعتراف، حيث شيد مشروعا فكريا قائما على إعادة بناء تاريخ تطور المناقبية أو الحياة الإيتيقية الإنسانية (La vie éthique). فما يميز الإنسان عن الحيوان هو أن هذا الأخير يخضع لنظام الغريزة من أجل الحفاظ على البقاء. أما الأول، إضافة إلى الرغبة البيولوجية في البقاء، فإنه يطمح في الحصول على الاعتراف بقيمته من طرف الغير، بل بإمكان الإنسان الذهاب بعيدا حتى الموت للحصول على مرتبة الشرف والمقام، لهذا فـ"الصراع من أجل الاعتراف" بالنسبة إلى هيجل، حسب هونيث، هو أصل تقدم الحياة الإيتيقية. وقد ميز هيجل بين ثلاثة أشكال للاعتراف: الاعتراف القائم على الحب، والذي يضمن الثقة في النفس والإحساس بالأمان، والاعتراف القانوني الذي يحدد فضاء الحرية الفردية، ثم التضامن أو الاعتراف في الدولة الذي يتيح لكل واحد الإسهام في إعادة إنتاج النظام الاجتماعي المبني على الاحترام المتبادل.

يحلل هونيث، إضافة إلى كل ما سبق، ليس أشكال الاعتراف وحدها، وإنما أيضا التجارب السلبية التي تعيشها الذوات فعليا، والتي تتراءى في أشكال من الاحتقار والإذلال والتقليل من الاحترام والإهانة[24]. وفي ما يرتبط بمفهوم الاحترام الذي نحن بصدده، وقف هونيث ملياً عند شكل من أشكال الاحتقار؛ أي شكل من أشكال التجربة الأخلاقية السلبية، هو "اللامرئية الاجتماعية"[25] (L’invisibilité sociale). فاللامرئي (L’invisible) هو المقابل للشفاف وكل ما لا يمكن رؤيته، أو بصيغة أدق هو ما لا نريد رؤيته، ولا نريد الاعتراف بوجوده؛ وذلك نتيجة لموقف استعلائي أو عنصري؛ أي لبنية علاقات اجتماعية باثولوجية (Pathologique).

ولتقديم إبيستيمولوجيا المفهوم، عاد هونيث إلى رواية رالف إليسون (R. Ellison) "الرجل اللامرئي"، والتي صدرت لأول مرة عام 1952، حيث يتحدث السارد، بمرارة، عن لا مرئيته، بالرغم من أنه إنسان من لحم ودم كباقي الآخرين، وتم تجاهل وجوده في احتقار. لقد تم "النظر عبره" كما ظلّ يردد؛ بمعنى أن الآخرين يُمعنون في تجاهله، كما لو كان شفافا غير مرئي؛ أي صار عَدماً لا تلحظه العين، ولا وجود له. وبذلك يحيل السارد على ما يسميه بالعين الداخلية؛ لأن الأمر لا يتعلق هنا بمرض ألمّ بالعين الحسية، فحرمها الرؤية، أو لم يكن بمقدورها التطلع إليه ورؤية ملامحه وجسده ووجوده، وإنما سنكتشف، بأن مصدر لامرئية السارد في الرواية أنه، رجل أسود بعكس الآخرين (البيض).

إنه صار شيئاً لا مرئياً، أو لا يستحق ذلك، وعدم رؤيته فعل إرادي، وهو بالتالي فعل عنف قائم على "الاحتقار". فالأمر يتعلق، وفقا لهونيث، بأفعال وسلوكيات تؤكد في وضوحٍ الرغبة الشعورية في عدم رؤية الآخر؛ أي في الحطّ من شأنه، كما هي حال السارد التي تُقدم، حسب هونيث، فينومينولوجيا لظاهرة اللامرئية الاجتماعية.

لهذا، وفي معرض نقده للامرئية الاجتماعية، يفرّق هونيث بين فعل "المعرفة" وفعل "الاعتراف"، فمعرفة الآخر، أي رؤيته، لا تعني البتة اعترافاً به أيضاً؛ ذلك أن فعل الاعتراف تعبيري أكثر منه تفكيري، فهو يتحقق في العلاقة؛ أي في الخروج من الذات، وليس في الإدراك. إنه ليس فعلاً ذهنياً، خاصاً، منفصلاً عن الآخرين، بل هو يشترط التعبير بمختلف أشكاله، المادية منها والرمزية. ومع ذلك، ففعل الاعتراف يشترط فعل المعرفة، وإن كان لا يتوقف عندها، فلا يمكنني الاعتراف إلا بشخص أراه رؤية العين.

من هنا، يعود هونيث إلى مفهوم "الاحترام" الكانطي؛ ذلك أن احترام الآخر يمرّ دائماً عبر تجاوز "حبّ الذات"، واعتبارها المركز، وبالتالي فهو يؤدي دور الرقابة الذاتية والضبط الذاتي لتضخم وتغوّل الحب المفرط للذات على حساب الآخر. هكذا يصير الاعتراف التزاما تجاه الآخر واحتراما لغيريته، سواء كان فرداً أو جماعة أو ثقافة. لهذا، فإن أحد مظاهر أزمة الديمقراطية، حسب هونيث، هو هذه اللامرئية السياسية، هذه العين الداخلية التي لا ترى ولا تريد أن ترى سوى نفسها.

خلاصة

قبل أن يسأل هونيث نفسه عما إذا كان ينبغي النظر إلى كل هذه التفسيرات المختلفة على أنها نهائية أو مكملة لبعضها البعض أو حتى غير متوافقة، أو ما إذا كان كل منها يُسهم بطريقته الخاصة في فهمٍ شامل للظاهرة نفسها، فإنه قد حاول تلخيص الاختلافات المذكورة، ليصل إلى مستوى أكثر عمومية وليَفْصل فكرة الاعتراف عن المفكرين الذين أرفقهم بها منذ البداية. أما خيطه الناظم، فهو السؤال: ما المقصود تحديدًا بمصطلح "الاعتراف" في السياقات الثلاثة المختلفة؟ وما هي التأثيرات المحددة التي تُعزى في كل حالة على الذوات المعنية؛ أي على حالة من يُرسِل الاعتراف ومن يتلقّاه؟ يثير السؤال الأول، بالنسبة إلى هونيث، صعوبات كبيرة؛ لأنه يبدو، في كلٍّ من هذه السياقات الثلاثة، أن المقصود مختلف/متباين عندما نتكلم عن الاعتراف.

في الحالة الأولى، المقابلة للخط الفكري الذي تم تمثّله في الفلسفة الفرنسية، فإن الاعتراف هو شيء تسعى إليه الذوات؛ لأنها تشعر بالحاجة إلى التمتع باعتبارات معينة، أو على الأقل أن تضمن الوجود في إطار المجتمع الذي تعيش في كنفه. فهدف الذات، في جانب أول، هو الوصول إلى مكانة اجتماعية مرموقة، وفي جانب آخر، هو مجرد أن يتم اعتبارها عضوًا شرعيًا في الجماعة الاجتماعية. أما فيما يتعلق بمعرفة ما إذا كان الاعتراف المبحوث عنه بهذه الطريقة له طابع معرفي أو معياري، فإن السؤال يبقى مفتوحًا؛ لأنه غالبًا ما يكون مجرد حاجة لضمان التأكد من أن المحيط يأخذ صفاتنا (المفترضة) بعين الاعتبار، ولكن أيضًا قد يكون نابعا، في أحيان أخرى، من الرغبة في أن تتم رؤية صفاتها تلك، وهي مثمنة ومقدّرة على المستوى الأخلاقي. ومن ثم، فإن السياق دائمًا هو الذي يحدّد المقصود في مختلف الحالات، لكن هونيث خلص إلى أن الدلالات الإبيستيمية أو المعرفية هي السائدة في هذا التقليد: وهذا أيضًا سبب صعوبة معرفة ما إذا كان الاعتراف، في هذه المقاربة، عرضة للإصابة بتباينات تدريجية، حيث بإمكانها تقديم درجات مختلفة من الكثافة. وبمجرد أن هيمنت الدلالة المعرفية، لا يبدو هذا التدرج ممكنًا؛ إذ يمكن أن يكون مجرد مسألة معرفة أو إنكار المعطيات "الموضوعية". أما من منظور معياري، فعلى العكس من ذلك، إن التدرج يصير ممكنا تمامًا، كما يتضح من التمييز الذي وضعه روسو بين احترام الند للند (على قدم المساواة) والاعتبار المتغير الذي يتمتع به كل فرد على حدة.

الأمر مختلف تمامًا في الحالة الثانية، والذي يتوافق بشكل أساسي مع تقليد الفكر البريطاني: هنا، فـ"الاعتراف" يشير إلى شيء يبحث عنه البشر بشكل عام، بطبيعتهم التحفيزية، لكنهم يفعلون ذلك بشكل أقل لاكتساب نوع من السلوك الاجتماعي المسبق أكثر من أن يصبحوا أعضاءً مقبولين في جماعتهم الاجتماعية. لذلك، فإن للاعتراف المبحوث عنه طابعا معياريا واضحا؛ لأننا نتوقع الموافقة [المديح] على الطريقة التي نتصرف بها في المجتمع - وفقًا لقدرتنا على إتقان المعايير السارية وترجمتها بشكل مناسب إلى سلوك خاص. يبدو أن الاعتراف الذي يتم تصوره على هذا النحو قابل للتدرج؛ وذلك لأن دائرة الأشخاص الذين يتوقع المرء منهم الموافقة أو الثناء يمكن أن تتسع باستمرار: فكلما كبرت مجموعة أولئك الذين يثنون أو يعترفون بسلوك شخص ما، يمكن أن يكون هذا الشخص أكثر يقينًا أن سلوكه هو حقًا سلوك صحيح ومناسب أخلاقياً.

أخيرًا، وفي الحالة الثالثة، التي تشير إلى المفهوم الذي تم تطويره في السياق الألماني: فالاعتراف، هنا، لا يعني شيئًا يسعى إليه الأشخاص لإشباع حاجة داخلية، وإنما هو شرط لا يمكنهم، من دونه، أن يصبحوا كائنات عقلانية قادرة على تحديد ذاتها. بهذا المعنى، فجميع الناس يعتمدون على الاعتراف الموجه إليهم من قبل أقرانهم من البشر، وهذه الوضعية مرتبطة بحقيقة أنه فقط جماعياً يمكننا، في إطار علاقة تبادلية، أن نضمن قدرتنا على السماح لأنفسنا بأن نسترشد في عملنا بالمعايير المختارة، بدلاً من الدوافع التجريبية. إن الاعتراف المتبادل ببعضنا البعض يعني في هذا السياق التخلي عن فرض دوافع المرء على الآخرين، وبالتالي إظهار قدرتنا على تكييف أنفسنا مع المعايير التي تعتبر عقلانية. إذن، مع هيجل فقط سيفقد هذا الحدث طابعه الترنسندنتالي (Transcendantal) وسيجد نفسه تاريخيًا، بطريقة ستظهر أيضًا، بالإضافة إلى ذلك، على أنه قابل للتدرج: مثل هذا الاعتراف المتبادل يتحقق في مجرى التاريخ، وفقًا لهيجل، بأشكال مختلفة، ترفع تدريجياً درجة إمكانية تقرير المصير (الاستقلال الذاتي)؛ لأن كل شخص ملزم بأخذ الآخر في الاعتبار أكثر فأكثر، مما يقلل من مجال فرض دوافع المرء الطبيعية.

 

بيبليوغرافيا

باللغة العربية

هونيث أكسل، (2015). الصراع من أجل الاعتراف، القواعد الأخلاقية للمآزم الاجتماعية، ترجمة جورج كتورة. المكتبة الشرقية بيروت، لبنان.

هونيث أكسل، (2019). الاجتماعي وعالمه الممزق، مقالات فلسفية اجتماعية، ترجمة ياسر الصاروط، سلسلة ترجمان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر.

فوارول أوليفيي، (2023). صراعاتٌ من أجل الاعتراف، ترجمة حميد توالي وسعيد بلعضيش، مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال، مراكش، المغرب.

باللغتين الفرنسية والإنجليزية

Biziou Michaël, (2005). Shaftesbury. Le sens moral, PUF. Paris.

Dosse François, (2003). La marche des idées. Histoire des intellectuels, histoire intellectuelle, Collection Armillaire, Ed. La Découverte.

Fischbach Franck, (1999). Fichte et Hegel : La reconnaissance, Coll. Philosophies, éd. PUF.

Honneth Axel, (2006). La société du mépris. Vers une nouvelle Théorie critique, trad. Olivier Voirol, et autres, Paris, La Découverte.

Honneth Axel, (2020), La reconnaissance. Histoire européenne d’une idée. Trad. Pierre Rusch, éd. Gallimard.

Hont Istvan, (2015). Politics in Commercial Society. Jean-Jacques Rousseau and Adam Smith, Cambridge, Mass. Harvard University Press.

Kojève Alexandre, (1947). Introduction à la lecture de Hegel. Leçons sur la Phénoménologie de l’Esprit, Paris, Gallimard, coll. Classiques de la philosophie.

Patchen Markell, (2003). «Tragic recognition: action and identity in Antigone and Aristotle », Political Theory, vol 31, n°1, février p. 6-38 repris dans Bound by Recognition, Princeton University Press, Princeton.

Ricœur Paul, (2004). Parcours de la reconnaissance, Trois études. Gallimard, folio essais, Paris.

Rousseau Jean-Jacques, (1964). Discours sur l’origine et les fondements de l’inégalité parmi les hommes, in Œuvres complètes, t. III, Paris, Gallimard, coll. Bibliothèque de la Pléiade.

Voirol Olivier et Gueguen Haud, (2018). « RECONNAISSANCE » in Patrick Savidan (sous la dir.), Dictionnaire des inégalités et de la justice sociale, coll. Dictionnaires Quadrige. PUF, Paris.

[1] من أمثال السويسري أوليفيي فوارول VOIROL Olivier، والأسترالي إكهايمو هياكي IKAHEIMO Heikki والفرنسي إيمانويل رونو RENAULT Emmanuel، والجزائري كمال بومنير واللبناني جورج كتورة وغيرهم كثير.

[2] Honneth Axel, (2020). LA RECONNAISSANCE. Histoire européenne d’une idée. Ed. Gallimard. Paris.

[3] Ricœur Paul, (2004). Parcours de la reconnaissance, Trois études. Gallimard, folio essais, Paris.

[4] حول الفرق بين "تاريخ المفاهيم" و"تاريخ الأفكار" يُرجى العودة إلى الفصل الأول من كتاب هونيث، ص ص 15-23. وللاستزادة حول الفروقات الدقيقة بين معاني الاعتراف في الثقافات الثلاثة، يمكن العودة إلى كتابه الصادر سنة 2006: "La société du mépris. Vers une nouvelle Théorie critique"، ترجمة أوليفييه فوارول وآخرين، عن دار النشر La Découverte، الصفحة 252 وما بعدها.

[5] سنورد أسماء البعض منهم في الفقرات الموالية.

[6] انظر على سبيل المثال:

CAILLE Alain, (2000). Anthropologie du don. Le tiers paradigme. La Découverte, Paris.

_ (dir.) (2007). La quête de reconnaissance. Nouveaux phénomène total. La Découverte, Paris.

[7] انظر Barbara Carnevali, (2013). «Glory, La lutte pour la réputation dans le modèle hobbesien» Communications, La réputation, p. 49-67

[8] انظر: Markell Patchen, (2003). «Tragic recognition: action and identity in Antigone and Aristotle » Political Theory, vol 31, n°1, février p. 6-38 repris dans Bound by Recognition, Princeton University Press, Princeton. هذا بالرغم من أنه يعترف بالتمايز الموجود بين الأناغنوريسيس والاعتراف بمعناه المعاصر.

[9] من الضروري التنبيه هنا إلى أن هيجل، كما يؤكد هونيث، لا يركز على العلاقة المعرفية (الوعي بالذات) التي تقيمها الذات مع ذاتها، وإنما على العلاقة العملية بينها وبين ذاتها (أي الاعتراف والتحقق الذاتي).

[10] هونيث أكسل، (2015). الصراع من أجل الاعتراف، القواعد الأخلاقية للمآزم الاجتماعية، ترجمة جورج كتورة. المكتبة الشرقية بيروت، لبنان. ص 123

[11]ينبغي الإشارة إلى أن الكتاب هو في الأصل سلسلة دروس ألقاها هونيث في جامعة كامبردج سنة 2017، مصحوب بملحق حول "عودة إلى منابع التضامن الأوروبي" أرسله للناشر سنة 2019، أما رهان الناشر غاليمار حسب هونيث، فهو: "إعادة بناء التاريخ المعاصر لفكرة الاعتراف"، مما يفترض أن الاعتراف فكرة، ينبغي العثور على فحواها ومضمونها.

[12] "تاريخ المفاهيم" هو فرع من الدراسات التاريخية والثقافية التي تتعامل مع الدلالات التاريخية للمصطلحات؛ ذلك أن أصل المصطلح والتغيير في معناه يشكلان أساسا حاسما في الفهم الثقافي والمفاهيمي واللغوي في الراهن. لهذا يهتم "تاريخ المفاهيم" بتطور المفاهيم وأنظمة القيم بمرور الوقت، إذ إن الواقع هو انعكاس تاريخي، ولذلك ينبغي فهم القيم والممارسات الثقافية المشروطة تاريخيا في سياقاتها الخاصة بمرور الوقت؛ لأنها ليست مجرد عمليات ثابتة... للمزيد حول تاريخ المفهوم والفرق بينه وبين "تاريخ الأفكار"، يرجى الاطلاع على الفصلين الخامس والسادس من كتاب:

Dosse François, (2003). La marche des idées. Histoire des intellectuels, histoire intellectuelle, Collection Armillaire, Ed. La Découverte, p.p 199-278

(*) كل الإشارات الموضوعة بين قوسين والتي تضم الصفحة إلى المرجع الأساسي لهذه المراجعة، وهو:

Honneth Axel, (2020). La reconnaissance. Histoire européenne d’une idée. Trad. Pierre Rusch, éd. Gallimard.

[13] Hont Istvan, (2015). Politics in Commercial Society. Jean-Jacques Rousseau and Adam Smith, Cambridge, Mass. Harvard University Press.

[14] Rousseau Jean-Jacques, (1964). Discours sur l’origine et les fondements de l’inégalité parmi les hommes, in Œuvres complètes, t. III, Paris, Gallimard, coll. Bibliothèque de la Pléiade.

[15] التمييز بين "amour propre" و"amour de soi" عند روسو أمر محيّر في اللغة العربية؛ فكلاهما "حب الذات"، غير أن "amour propre" تحيل أكثر على "النخوة" و"الاعتداد بالنفس" أو الغرور. هناك كتاب للخطيبي بهذا العنوان "amour propre" يتمحور حول معانٍ نرجسية والجرح النرجسي، الإفراط في حب الذات كما لو كانت خالصة من أي شائبة، مزيج من أحاسيس تجمع بين حب الذات المفرط والاعتداد بها وتنزيهها عن كل ما يشوبها وتفضيلها دائما عند مقارنتها بغيرها.

[16] Kojève Alexandre, (1947). Introduction à la lecture de Hegel. Leçons sur la Phénoménologie de l’Esprit, Paris, Gallimard, coll. Classiques de la philosophie.

[17] فوارول أوليفيي، (2023). صراعاتٌ من أجل الاعتراف، ترجمة حميد توالي وسعيد بلعضيش، مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال، مراكش، ص 31

[18] فوارول أوليفيي، (2023). المرجع نفسه، ص 32

[19] هونيث أكسل، (2019). الاجتماعي وعالمه الممزق، مقالات فلسفية اجتماعية، ترجمة ياسر الصاروط، سلسلة ترجمان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، صفحات 149-160

[20] Michaël Biziou, (2005). Shaftesbury. Le sens moral, PUF, p. 21

[21] إذا كان سميث معروفا بكونه عالم اقتصاد، فقد ارتكز أساسا على الفلسفة الأخلاقية، وهذا ما ركز عليه هونيث تحديدا.

[22] يحتل "الاحترام" (Achtung) و"الاحترام المتبادل" مكانة محورية في نظرية الاعتراف، وقد عاد هونيث إلى المفهوم عند كانط، وقد ضمّنه في مختلف مؤلفاته، انظر مثلا: "الصراع من أجل الاعتراف"، الصفحة 204، و337، و"مجتمع الاحتقار"، ص 252، وما بعدها.

[23] Fischbach Franck, (1999). Fichte et Hegel : La reconnaissance, Coll. Philosophies, éd. PUF. p. 8

[24] Honneth Axel, (2006). La société du mépris. Vers une nouvelle Théorie critique, trad. Olivier Voirol, et autres, Paris, La Découverte, coll. « La Découverte/Poche ». p. 181-202

[25] Honneth Axel, (2006). ibid, p. 225-244