لعبة الشيطان: دور الولايات المتحدة في نشأة التطرف الإسلامي


فئة :  قراءات في كتب

لعبة الشيطان: دور الولايات المتحدة في نشأة التطرف الإسلامي

عرض محتوى كتاب روبرت دريفوس:

لعبة الشيطان

دور الولايات المتحدة في نشأة التطرف الإسلامي


يُعَدُّ كِتاب روبرت دريفوس «لعبة الشيطان» الصادر في سنة 2005، استمرارًا وتطويرًا لمؤلفاته السياسية السابقة حول موضوع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وأمنها القومي، لِمَ لا والمؤلف قد عَوَّد قارئه في كل مرة على كشف المزيد من الحقائق والمغالطات التي كانت وراءها بلاده في إطار سياستها نحو السيطرة على العالم واستغلال ثرواته لصالح أمنها القومي، لِمَ لا و«روبرت دريفوس» أيضًا معلق ومحلل سياسي بارز يظهر في العديد من الشبكات التلفزيونية الأمريكية، وحسب ما جاء في الكتاب فإنّ المؤلِّف قد اعتمد على أبحاث واسعة وتقارير رسمية ومقابلات مع الكثير ممن ساهموا في صياغة السياسة الأمريكية سواء البنتاجون أو الخارجية الأمريكية أو السي أي إيه من أجل إعداد فقراته.

تمهيد:

في كتابه «لعبة الشيطان» دور الولايات المتحدة الأمريكية في نشأة التطرف الإسلامي، يَطرح «دريفوس» أفكاره النظرية ثم يُقدم العديد من البراهين والأدلة الواقعية والملموسة لتأييدها، وهو بالإضافة إلى ذلك يُغطي الكثير من الموضوعات والقضايا التي تَطرَّق إليها، وهذه تشمل دور الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط وأبعاد هذا الدور في نشأة التشدد الإسلامي أو ما وصفه بـ «الإسلام السياسي»، كذلك يسعى الكِتاب للإجابة على العديد من الإشكالات من قبيل: ما جذور العلاقة الأمريكية بالإسلاميين الأصوليين أو المتطرفين؟ من الذين جَندتهم الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط لِرَدْعِ الاتحاد السوفياتي والحركات الوطنية والقومية العربية؟

للإجابة عما سبق يُقدِّم المؤلف العديد من الرؤى والأطروحات، أصاب في الكثير منها كما جَانَب في بعض منها الصواب ويتعلق الأمر خاصة بأُطروحاته حول الإسلام والمسلمين، الأمر الذي قد يَدفع الكثير من قراء العالم الإسلامي إلى رفضها واتخاذ موقف مضاد منها، على أساس مُغالاته في ربط كل ما هو إرهابي، عنيف ودغمائي بالإسلام، وعدم تمييزه بين الحركات والجماعات الإسلامية وحتى الرسمية منها، بحيث جعلها في مستنقع واحد، وألصق كافة النقائص والسلبيات بحركات الإسلام السياسي، بحيث يصعب معها تحديد نوع الإسلام الذي يريده صاحب الكتاب للمسلمين على حد تعبير المترجم، هذا الذي حاول تجاوز هذه الثغرة في كتاب «دريفوس» وأَقَامَ في كل سياق تعرض فيه المؤلف بالنقد للإسلام أو لأحد رموزه عدة ملاحظات وتوضيحات في الهوامش، حتى لا يَنْفُرَ القارئ من الكتاب، ويُصِرَّ على إتمامه للوقوف على الحقائق القَمِينة التي يحتويها بالرغم من ثغراته تلك، والتعامل مع الكتاب بعقلانية مُنْفَتِحة وتجنب الانغلاق والتحجر في الفكر والرأي.

عرض محتويات الكتاب:

يُقدم الكتاب أطروحة أساسًا مَفَادُها أنً الولايات المتحدة الأمريكية أسست للتطرف الإسلامي ليكون شريكًا مريحًا لها في مواجهتها ضد الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة ومشروعها التوسعي لفرض الهيمنة في الشرق الأوسط، ولهذا تَكَون محتوى الكتاب من 12 فصلاً قَدِّم فيها المؤلف تَسلسلاً دقيقًا لكيفية تطور الأوضاع داخل العالم العربي والإسلامي، وعلاقة الولايات المتحدة الأمريكية بتمدد حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية بل وتمددها خارج حدودها.

الفصل الأول (الجامعة الإسلامية في حضن الاستعمار): في هذا الفصل يَرى المؤلِّف أنّه وخلال الفترة ما بين 1875 و1925 تَراصت لَبِنَاتُ صَرْحِ اليمين الإسلامي بمساعدة الإمبراطورية البريطانية، حيث أنشأ «جمال الدين الأفغاني» البناء الفكري للجامعة الإسلامية بعد احتفاء بريطانيا به في الهند وتَوصيلِه إلى مصر، وهناك ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف «الأفغاني» وتلميذه النَّجيبُ «محمد عبده» من بعدِه عن التنظير الفكري والدعوة إلى الإسلام، وهي الأفكار ذاتها التي انتشرت ووجدت تربتها الخصبة عن طريق مجلة «المنار» بمصر والتي كان يديرها «رشيد رضا»، هذا الذي سيكون له عميق التأثير بأفكاره وتوجهاته في فكر «حسن البنا» مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر في العام 1928.

في هذه الأثناء لجأت بريطانيا إلى إقامة تحالف وثيق مع الملك المقبل في السعودية والحركة الوهابية الإسلامية المتشددة، حيث وفر قيام المملكة العربية السعودية مَرْسَى الطموحات الاستعمارية خلال القرن 20، كما سَيُعلن الرئيس «روزفلت» فيما بعد السعودية خاضعة للحماية الأمريكية: "أُعلن هنا أنّ الدفاع عن السعودية أمر حيوي للدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية".

الفصل الثاني (إخوان إنجلترا): يَتَطرق المؤلف بعد ذلك إلى الحديث عن تطورات الوضع في المنطقة، حيث أبرمت بريطانيا من أجل الحفاظ على إمبراطوريتها معاهدات واتفاقيات مع العديد من الشياطين على حد تعبير «دريفوس»، وشكلت تلك الاتفاقيات من أواخر العشرينات إلى غاية تأميم قناة السويس عام 1956 بداية ظهور الإسلام السياسي على الساحة، حيث قدمت بريطانيا دعمًا لا محدودًا لـ «الحسن البنا» في مصرو «أمين الحسيني» في فلسطين، فكان أن ازدهرت الحركتان ونتج عن ذلك تأسيس البنا جماعة الإخوان المسلمين في مصر (وهي المُنظمة التي سَتُغير مسار التاريخ في الشرق الأوسط في القرن 20)، وستلعب هاتان الشخصيتان دورًا حيويًّا وديناميًّا في نمو التشدد الإسلامي في العقود التالية للحرب العالمية الأولى، وكما هو الحال بالنسبة إلى العائلة الملكية السعودية فقد بدأ كل منهما بدعم بريطاني.

خلال فترة الأربعينيات أصبح للإخوان المسلمين نفوذ وحضور قويّ داخل حكومة الملك في مصر واحتل بعضهم فيها مناصب سياسية وقيادية، لدرجة أنّ الرئيس اللاحق لمصر «أنور السادات» سيكون منهم، وفي الخارج ساعد التحالف بين «البنا» و«أمين الحسيني» على الحرب الفلسطينية، ونجح الإخوان في مد نشاطهم إلى سوريا، الأردن، لبنان وفلسطين، وبالرغم من اغتيال «الحسن البنا» عام 1949 إلا أنّ الإخوان تمكنوا من تجاوز الأزمة والحفاظ على تَرَاصِّ صفوفهم داخل مصر بل وخارجها أيضًا، وبفعل الحرب الباردة سوف يستمد الإخوان المسلمون الطاقة والنفوذ من الحملة العالمية ضد الشيوعية. في غضون ذلك ووسط أوزار الحرب العالمية الثانية ستقوم أمريكا بأولى خطواتها نحو الشرق الأوسط من خلال لقاء الرئيس الأمريكي «روزفلت» الشهير بالملك «عبد العزيز» آل سعود في الباخرة وإعلانه الحماية على السعودية.

الفصل الثالث (الإسلام في مواجهة الحرب الباردة): يُقِر «دريفوس» في هذا الفصل أنّ الشرق الأوسط حتى نهاية الحرب العالمية الثانية كان منطقة نفوذ بريطانية وكانت كل الدول بما فيها المستقلة منها تدور في فلكها، غير أنّ قبضة بريطانيا على المنطقة ونفطها بعد الحرب بدأت تتداعى، الأمر الذي أوجد الفرصة مناسبة للولايات المتحدة الأمريكية لتَحُل مكانها ويزداد نفوذها، لكن نقص الخبرة الأمريكية في المنطقة بما فيها معرفتها بالإسلام أعاقت السياسة الأمريكية منذ البداية.

في هذه الفترة بدأ نجم «جمال عبد الناصر» زعيمًا للقومية العربية في الظهور والإشعاع وامتدت مُساندته والدعاية له خارج حدود مصر، الأمر الذي أشعر ملوك السعودية بتهديد الشيوعية، ولذلك ومن أجل مناهضة الشيوعية والقومية العربية شجعت السعودية على نمو الإخوان المسلمين في مصر وفي الشرق الأوسط قاطبة، حيث لعب «سعيد رمضان» زوج ابنة «البنا» دورًا بارزًا وحساسًا في بروز مظاهر تشدد الإسلام السياسي وتطرفه: من أعمال الإرهاب في مصر في الخمسينات والستينات، إلى ظهور «آية الله الخميني» في إيران في السبعينات إلى الحرب الأهلية في الجزائر في التسعينات، ويشير «دريفوس» إلى أنّه ليس هناك دليل قاطع على أنّ «رمضان» كان مجندًا من قِبَل المخابرات الأمريكية، لكن حضوره إلى مؤتمر برينسون يُوحي بذلك.

الفصل الرابع (الحرب ضد عبد الناصر ومُصدَّق): تَتَوالى أحداث الكتاب بعد ذلك إذ انضمت أمريكا إلى بريطانيا في محاربة القومية العربية، عن طريق فكرة استغلال الإخوان المسلمين ضد «عبد الناصر»، وفي غِمار محاولاتها القضاء عليه أخذت أمريكا معها قوميًّا آخر هو «محمد مصدق» في إيران، وكما كان الحال في مصر حيث تم تعبئة الإخوان المسلمين فيها ضد «عبد الناصر»، فإنّ القوى المتشددة في إيران خضعت للاستغلال ضد «مُصدَّق»، ومنذ ذلك الوقت اعتبرت مسألة أنّ الإسلام يمكن أن يَنْفَعَ في مقاومة الشيوعية والأفكار الماركسية والقومية العربية خطة استراتيجية ذات نتائج محمودة، واحتلت مَرتبة متقدمة في فكر العديد من الأكاديميين وصناع القرار داخل السياسة الأمريكية، لكن «جمال عبد الناصر» بعد خروجه من حرب 1956 منتصرًا وعدم انكساره، دَحَر الإخوان المسلمين في مصر واضطرهم إلى الهرب للخارج، ومن ثم أصبح الزعيم القومي يمثل خطرًا داهمًا على إيديولوجيا الحرب العالمية الثانية التي وضعتها الحكومة الأمريكية بقيادة «إيزنهاور».

الفصل الخامس (ملك الإسلام): يُشير المؤلف في هذا الفصل إلى أنّ السعودية استغلت الإخوان المسلمين ضد مصر وسوريا والعراق في سياستها الخارجية، وشيدت نفوذها وقوتها في السودان وشجعت الحركة في أفغانستان وباكستان، وما فعله الإخوان المسلمين في مصر وسوريا يتفق مع الفكر السعودي حول أهمية الإسلام في معارضة القومية العربية وفعاليته بوصفه عنصر قوة للتوحيد، غير أنّ السعوديين لم يكونوا تَوَّاقِينَ إلى وجود الإخوان المسلمين في بلادهم لكونهم يرفضون أي قوة سياسية على أرضهم، وبالرغم من ذلك حاولوا خلق أفضل الظروف للتعايش معهم على أرضهم، في أعقاب ذلك وخلال العام 1962 تم إنشاء رابطة العالم الإسلامي، كما تم تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي في العام 1969، ومن ثم عملت السعودية تحت حكم الملك «فيصل» بِجُهد جَهيد على إنشاء كتلة إسلامية بدعم أمريكي كامل، ونجحت في النهاية في إقصاء الزعيم القومي «جمال عبد الناصر».

الفصل السادس (تلميذ الساحر): يُشير «دريفوس» في هذا الفصل إلى ظروف تَوَلي «أنور السادات» رئاسة الجمهورية وكيف قَلَبت تَوْلِيَتُه أوضاع العالم الإسلامي رأسًا على عقب، فقد أعاد الإخوان المسلمين إلى مصر بإيعاز من المخابرات السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وهو بهذه الخطوة كان قد فتح القمقم، فالإخوان المسلمون بمجرد خروجهم إلى النور انطلقوا بلا حدود وعملوا في وطنهم الأم بجد وجهد لنشر نفوذهم عالميًّا، وكانت النتائج عميقة الأثر، كما ساعد «السادات» على التوسع الأمريكي الكبير في الشرق الأوسط، وتعاون مع السعودية في تنظيم الأفكار الإسلامية بدلاً من القومية العربية، وبذلك أصبحت مصر الحليف الأول لأمريكا في الشرق الأوسط وساندت الجهاد في أفغانستان ووفرت قاعدة للنفوذ الأمريكي في الخليج العربي الغني بالنفط، بموازاة ذلك بدأ «أنور السادات» المفاوضات مع إسرائيل وانتهى الأمر بتوقيع اتفاقية "كامب ديفيد" بين البلدين.

أصبحت السبعينات عصر التحولات بامتياز حيث ازداد اليمين الإسلامي تشددًا، وفي مصر سيصبح قَلْبَ الجهاد الإسلامي (بزعامة أيمن الظواهري)، وفي إيران اتخذ هذا التحول شكل المتشددين المُسلحين الذين كونوا الجناح المتشدد مع حركة «آية الله الخميني»، وفي السعودية معقل الوهابيين أفرز الشكل الجديد «أسامة بن لادن» وأتباعه، وازدادت الأحداث عنفًا وتفاقمًا فيما بعد (احتلال الكعبة، اغتيال السادات، قنبلة حزب الله التي قتلت 241 من مشاة البحرية الأمريكية)، لكن الأمريكيين بالرغم من ذلك ظلوا ينظرون إلى اليمين الإسلامي على أنّه حليف، ولعل الأسباب التي أبقت على جعل الصعود الإسلامي مُغريًا بالنسبة إلى الغرب هو ظهور الاقتصاد الإسلامي في السبعينات، حيث أسس المتشددون الإرهابيون على حد تعبير المؤلِّف مشاريع اقتصادية وبُنُوكًا وظهروا في عيون العالم على أنّهم مواطنون مزدهرون وأثرياء، لكن هذه المشاريع والبنوك حققت أرباحًا وأتباعًا للتشدد أيضًا.

الفصل السابع (صعود الإسلام الاقتصادي): يستعرض المؤلف في هذا الفصل نشأة ما يعرف بالاقتصاد الإسلامي، حيث بدأ ببطء في الخمسينات وزادت قوته في الستينات عندما أسس مُمَوِّلُ الإخوان المسلمين الأول (السعودية) أول بنك إسلامي، في السنوات التالية زاد مستوى تنظيم شبكة البنوك الإسلامية بفعل دعم البنوك والمؤسسات المالية الغربية التي وفرت الخبرة والتدريب وأحدث التقنيات المصرفية، وقد ساعد على ذلك أيضًا وحسب ما ورد في الكتاب كون الإسلام يدعو في الأساس إلى اعتماد اقتصاد السوق أي أنّه رأسمالي في أساسه، ويقدم المؤلف في هذا السياق نموذج بيت التمويل الكويتي ليعرض حجم النفوذ السياسي الذي أصبحت عليه مؤسسات المال الإسلامية، فقد ساهمت هذه المؤسّسة في انتشار الإسلام اليميني في الكويت التي كانت علمانية، ومن ثم انتشرت البنوك الإسلامية في العالم الإسلامي وخارجه كالنار في الهشيم، وسيطر عليها الناشطون الأثرياء من الإخوان المسلمين في الغالب، هؤلاء استغلوها لتمويل التَّحوُّل إلى الجناح اليميني السياسي في مصر والسودان والكويت وباكستان وتركيا والأردن.

الفصل الثامن (الإسلاميون في إسرائيل): لم تقتصر علاقات الدعم والتمويل الموجهة للإخوان المسلمين على أمريكا وحُلفائها من حكومات المنطقة فحسب، بل انتقلت إلى العدو أيضًا (إسرائيل والأردن)، حيث انطلقت جهود إسرائيل والأردن لدعم الإخوان في أواخر السبعينات واستمرت حتى الثمانينات، ويستغرب المؤلف كيف لدولة يهودية وأخرى ملكية علمانية أن تتحالفا مع التشدد الإسلامي، لكنه يفسر ذلك برغبة البلدين في أن يَكُونَ الإخوان المسلمون سلاحًا ضد سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة «ياسر عرفات»، بل إنّ إسرائيل وحسب ما أورده دبلوماسيون أمريكيون هي من أنشأت حماس التي كانت مشروعًا من صنع المخابرات الإسرائيلية الداخلية.

ومن ثم بدأ الدعم الاسرائيلي المُوَجَّهُ للحركة الفتية (حماس) مع 1977 ثم منحها الاعتراف الرسمي سنة 1978 باعتبارها جمعية إسلامية يرأسها «أحمد ياسين»، وشكل هذا الاعتراف تصريحًا للجمعية ببدء نشاطها السياسي الإسلامي، لتتولى السعودية أيضًا دعمها المالي لياسين وجماعته ويصبح للجمعية فيما بعد نفوذ جبار مكنها من الوقوف في وجه أعتى حكومة عربية علمانية وهي سوريا، لكن توالي الأحداث بعد ذلك خاصة التحول في وضع إيران بفعل الثورة الإسلامية دفع أمريكا إلى التحرك لأول مرة لرؤية ما إذا كان الإسلام السياسي يمكن أن يشكل خطرًا جسيمًا على الغرب.

الفصل التاسع (جحيم آية الله): أذهلت الثورة الإيرانية أمريكا وجعلتها تتخبط، وكانت سياسة أمريكا منذ السبعينات مرتبكة ومترنحة، حيث كانت تجهل تركيبة المجتمع الإيراني والمعارضة الدينية التي كانت تنشط في خفاء، كما تغاضت التقارير الأمريكية عن الحركة الإسلامية التي تطورت ببطء على مدى عدة سنوات، ثم استولى «الخميني» على السلطة وبدأ في بناء مؤسسات قوية ستضمن بقاء السلطة في أيدي رجال الدين طوال ربع القرن التالي، وأدت الثورة الإسلامية في إيران إثر ذلك إلى انهيار إحدى الدعامتين اللتين كانتا تحملان صرح أمريكا في الخليج العربي بينما كانت الدعامة الثانية هي السعودية، بالرغم من ذلك استمرت أمريكا في تعبئة العالم الإسلامي ضد الاتحاد السوفياتي بقيادة باكستان والسعودية ومصر.

الفصل العاشر (قوس الاسلام): انطلقت الحرب التي شنها كثيرون لصالح أمريكا في أفغانستان، وبلغ التحالف بين أمريكا والإسلام مستويات أكثر جرأة، حيث تم تعزيز قوس إسلامي في جنوب غرب آسيا ليشكل حائط صد ضد الاتحاد السوفياتي، ثم تحولت الفكرة إلى جعل الإسلام السياسي سيفًا مسلطًا على رِقاب السوفيات من خلال السعي إلى توسيع الحرب الأفغانية إلى داخل الاتحاد السوفياتي ذاته، لبلوغ ذلك استمر توجيه دعم أمريكا والزعماء الموالين للغرب إلى المجاهدين في أفغانستان ووسط آسيا والقوس الإسلامي على الرغم من المؤشرات الواضحة على مدى خطورته وتعاظم نفوذه.

الفصل الحادي عشر (الجهاد 2 في وسط آسيا): يشير الفصل إلى الأوضاع التي تلت نهاية الحرب الباردة، فبعد انسحاب الاتحاد السوفياتي من أفغانستان، بقي الجهاد والفكر الجهادي في فراغ ولم يكن للولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية قائمة أو خطة تنفيذية تواجه بها الوضع، ولا شك أنّ الدعم الأمريكي منذ البداية اعْتُبِرَ خطأً أمريكيًّا جسيمًا بفعل أنّ غالبيته ذهبت للمتشددين، مما أدى إلى تدمير أفغانستان وتمزيقها وانهيار حكومتها، وظهور شبكة عالمية من المقاتلين الإسلاميين المدربين تدريبًا عاليًا، وهنا يُصرِّح المُؤلِّف بأنّ الوضع كان من الممكن أن يزداد خطورة وتفاقمًا ويكون الحطام الذي ينجم عن الحرب الأفغانية أشد تأثيرًا وسلبية على العالم لولا المفاوضات السرية من حكومة «ريغان» نحو إيران، وعلى الرغم من ذلك أفرزت هذه الظروف وضعًا وخيمًا: في السبعينات سقطت أفغانستان في يد حركة طالبان، والجزائر في أتون حرب أهلية ضد اليمين الإسلامي، وعاث الإسلاميون الإرهابيون على حد تعبير «دريفوس» فسادًا في مصر والسعودية ولبنان، ولَمْلَمَ «بن لادن» شمل منظمة القاعدة، وازدادت سطوة الإسلام السياسي واشتد عوده وناضلت أمريكا وسط هذا كله بلا طائل.

الفصل الثاني العشر (صدام الحضارات): يبدأ الفصل بطرح مجموعة من التساؤلات: إذا كانت الحرب الباردة هي الحرب العالمية الثالثة، فهل أمريكا تحارب الحرب العالمية الرابعة ضد الإسلام هذه المرة؟ هل التشدد الإسلامي هو الشيوعية الجديدة؟ هل الحرب على الإسلام خلال القرن 21 تعادل الحرب ضد الاتحاد السوفياتي؟ وغيرها من التساؤلات، أما الإجابة التي يعرضها المُؤلِّف فتؤكد أنّ فرضية صراع الحضارات والحرب على الإرهاب وحملة حكومة «بوش» من أجل إعادة تشكيل الشرق الأوسط كانت مليئة بالمفارقات والتناقضات والكذب المبين، على اعتبار أنّ منظمة القاعدة التي كَوّنها «بن لادن» ليست قوة عالمية ولا تشكل تهديدًا لأمريكا، لكن حكومة «بوش» وسعت من نطاق تهديد القاعدة بصفة خاصة وبالغت فيه عن قصد من أجل خلق سياق جديد للتوسع الإمبريالي لوجود الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط الكبير، ويُنهي «دريفوس» كتابه بالتأكيد على أنّ لعبة الشيطان مازالت مستمرة.

لكن مستجدات الساحة العالمية حاليًّا تؤكد أنّه ربما كان البعبع الأمريكي مُخيفًا في السابق غير أن الوضع بات مختلفًا الآن خاصة بعدما آلت إليه الأوضاع في العراق وأفغانستان، حيث الأمريكي يحاول أن يصمد في وجه التيار.