ما بعد الهيجلية: فويرباخ أنموذجا


فئة :  مقالات

ما بعد الهيجلية: فويرباخ أنموذجا

ديباجة:

إن الدارس والمتتبع للفلسفة المعاصرة، سوف يجد أنها ما هي إلا انعكاس للفلسفة الحديثة بشكل نقدي يتماشى والمعطيات الجديدة للتاريخ؛ لأنه لا يمكن الحديث عن قطيعة أيا كان شكلها، خصوصا إن تعلق الآمر بالجانب الفكري. فالفكر ما هو إلا تموضعات مختلفة للعقل ناتجة عن تفاعل الذات والموضوع، تركن في كل مرة في الزاوية التي تحشرها فيها خصوصية العصر؛ فلا يمكن الحديث عن فلسفة معاصرة إلا في ظل فلسفة حديثة كرست بكل محمولاتها موضوعات العقل المعاصر الذي أراد أن يكون أكثر تخصصا، وتحرّرا، وانفتاحية، منتشيا بذلك إنسانية اندثرت تحت رحمة العلم.

ولعّل نقطة الانعطاف بين المرحلتين؛ الحديثة والمعاصرة هي الهيجلية التي احتضنت وأصًلت للكلي في كل حيثياتها، ونظًرت للعلم بالنسقية، وجمعت بين متباينات التجربة الإنسانية في نظام أراد أن يتجاوز كل بناء فوق العقل ويتدارى كل مبطن قد يتعالى على المعقول. هكذا قال هيجل كلمته. مات هو، لكن هي خلدت، لتصنع عقل القرن التاسع عشر، بل تتجاوزه إلى اليوم - إن لم نبالغ - رغم صعوبة المقاربة الهيجلية والغموض الذي يعتريها، إلا أنها كانت حاضرة بقوة في الفكر المعاصر، وأسست لكثير من مدارسه، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ونخص بالذكر هنا الماركسية وما أنجر عنها، وهي خير دليل لرد الفعل الهيجلي.

صحيح أن الماركسية هي التي خطفت كل الأقلام، وأسالت الكثير من الحبر حولها، واعتبرت المستثمر المباشر لهيجل، وكأن الحديث عن هيجل المعاصر يجد فحواه في الماركسية. لكن في حقيقة الأمر، أن حلقة الوصل بن الماركسية والهيجلية هي شخصية لم تول الكثير من الاهتمام مقارنة بماركس وأتباعه؛ شخصية فويرباخ، وهي من أهم الشخصيات التي كان لها سبق الفضل في الدراسات الهيجلية قبل وفاة هيجل وبعدها، وهي من قدم فكر هيجل بوجه آخر بقراءة أخرى، غيرت الكثير من المفاهيم وخصبت ولينت فكر هيجل ووضعته ضمن أطروحات يسهل التعامل معها؛ أي خففت من تركيزه وجعلت من مثالية هيجل تظهر بشكل مادي وهنا المفارقة. لكن اللافت للنظر، أن فويرباخ 1804 م - 1872م، أنه بدأ في تكوينهِ الأكاديمي كتلميذ في اللاهوت البروتستانتي Protestantism، في جامعة هايدلبرغ. بعد ذلك، تحول إلى جامعة برلين، وفيها أضحى طالباً مُولعاً بفلسفة هيغل، إذْ كان يحضر دروسه بانتظام. ولــكن مع مرور الوقت، أدت به تأمّلاته الشخصية إلى نبذ كُلّ الإلهيات والفلسفة الهيغلية والإسهاب في فلسفةٍ إلحادية جليّة حول الإنسان تنطوي على تبدّلٍ واعٍ لوجهة نظر هيغل Hegel، إذ يُعلق كارل بارث Karl barth الذي تشكلت آراؤه اللاهوتية إلى حد ما كرد فعل على فلسفة فويرباخ، يقول: "إنّه مع اطلاعه الواسع لهيجل Hegel وكانط kant أيضا، ينتمي فويرباخ إلى تلاميذ زعيم برلين الذين استشفّوا الرواسب اللاهوتية في تعاليمه ونزوعها عنها"[1].

في هذا الإطار، تكمن أهمية دراستنا لفيورباخ، وسنُحاول في هاته الجزئية بالضبط أن نسلط الضوء على الكيفية التي احتضن بها فويرباخ هيجل من خلال أهم النقاط التي انتقده فيها، وكانت هي البؤر الثورية في فكر هيجل. وعليه، نجد أنفسنا أمام إشكالية تفرض علينا الإجابة عليها، وهي: لماذا فلسفة فويرباخ تغذت من رحم فلسفة هيجل أكثر من غيرها؟ وكيف للمثالية الهيجلية أن تصبح مادية في محك النقد الفيورباخي؟.

قبل التعرض بالطرح لما بعد الهيجلية والقراءات الجديدة لهيجل على يد فويرباخ بالوجه الأخص، لا بد أولا من المنطق والمنهج المعمول به أن نعرج بالذكر لفلسفة هيجل في حد ذاتها، مع أنه ليس من السهل الغوص في فكر هيجل، وهذا من خلال بسط النظريات الأساسية فيها، وتتضح لنا فيها نقاط القوة والضعف، وتكون لنا مقارنات بين قراءات فويرباخ وقراءات أخرى في العملية النقدية؛ لأن فويرباخ بدوره يكون تحت النقد، فنقده لهيجل لا يسلم من الثغرات والعيوب، وتكون بذلك بداية لغيره وهكذا دواليك؛ لأنه كما قلنا لا توجد قطيعة فكرية، فكل فكرة هي وليدة فكرة سبقتها.

إذن ففلسفة هيجل أهم ما يميزها هو أن طابعها العام يتسم بالمثالية، ومثالية هيجل تكمن في اعتباره أن الفكر هو الأساس؛ أي إنه الحقيقة النهائية لكل شيء، وبصيغة أدق أن كل حقيقة لا بد أن تكون فكرا، وهذا ما يجرنا إلى القول إن ما ليس فكراً ليس حقيقة. فهيجل هنا يضع الفكر هو المبتدأ، وكل ما في الكون هو حديث عنه. وهاته الأسبقية للفكر هي بداية الخيط الثوري في المثالية الهيجلية[2].

يقول هيجل: "أساس المذهب المثالي هو القضية القائلة بأن المتناهي ذو طبيعة مثالية؛ فالمذهب المثالي في الفلسفة لا يعتمد على شيء آخر سوى اعتماده على القول بأن المتناهي ليس له وجود حقيقي، وكل فلسفة هي بالضرورة فلسفة مثالية، أو إنها على الأقل تتخذ من المثالية مبدأ لها"[3]. ومن هاته الزاوية، نستشف أنه يحول كل موجود إلى الفكر؛ أي إنّ أساس المادي هو اللامادي وحقيقة الأول تكمن في الثاني؛ فالحقيقة لا يمكن أن تكون متناهية، فكل متناه لا يمثل حقيقة، وهذا هو حال الموجودات الخارجية. وبهذا، فإن الفلسفة الحقة، وهي الفلسفة المثالية التي يكون موضع تأملها في اللامتناهي؛ لأنه هو الحقيقة عينها.

وفي كتابه "العقل في التاريخ" الذي خصه لدراسة فلسفة التاريخ، يؤكد هيجل في قوله عن الفعل الفلسفي: "وإذا لم تكن الفكرة الواضحة عن العقل قد تطورت بما فيه الكفاية في أذهاننا في بداية دراستنا للتاريخ الكلي، فلا بد أن يكون لدينا على الأقل الإيمان الراسخ الذي لا يتزعزع بأن العقل موجود فعلا في التاريخ، وأن عالم العقل والإرادة الواعية ليس نهبا للصدفة، وإنما لا بد له أن يتجلى في ضوء الفكرة الواعية بذاتها"[4]، وهنا يقر هيجل بأن تاريخ العالم ما هو إلا مسار تطوري للعقل الذي بدوره ينعكس ضمن الفكرة التي بالضرورة تكون معقولة ويُنظر لها من منظور تطوري؛ لأنها ما هي إلا تجلّ للأول؛ أي تاريخ العقل ذي المسار التطوري. ويوضحه هيجل بشكل كبير في قوله: "فنحن إنما نستخلص استنتاجا من تاريخ العالم حين نقول إنّ تطوره كان مساراً عقلياً، وأنّ التاريخ الذي ندرسه يشكل المجرى العقلي الضروري لروح العالم، ذلك الروح الذي تظل طبيعته واحدة، وإن يكن يكشف عن هذه الطبيعة الواحدة في ظواهر العالم، ولا بد أن يظهر ذلك كما ذكرنا فيما سبق، على أنه النتيجة النهائية للتاريخ، لكن علينا أن نتناول التاريخ كما هو، وأن نسير بطريقة تاريخية أعني بطريقة تجريبية"[5]، فما أراد هيجل قوله عن تاريخ الفلسفة، إنما هو استنتاجات مستخلصة من ذلك التاريخ، وهي ليست تحكمات اعتباطية فرضت مسبقا وبررت لا حقا، ومن بين تلك التحديدات تعريف الفكرة كتطور، أو بوصفها تطوراً.[6]

ومن فكرة التطور هاته، جاء الديالكتيك الهيجلي؛ فهيجل يعتبر أن العالم وفكرته المطلقة لا يعيشان ولا يتجليان إلا في سيرورة الحركة والتطور المتصل، وأن العالم يفسر كما يتطور فلا شيء ثابت، كل شيء يتحرك، يتغير، يندثر، ولفهم الظواهر التي تحيط بنا لا يكفي أن ندرسها كما هي موجودة، بل ينبغي أن نفهم كيف تطورت؛ لأن كل ما حولنا هو نتيجة تطور سابق. والأكثر من ذلك، يعتبر هيجل أن الشيء، حتى وإن بدا ساكنا فهو يحمل حركة وصراع بداخله نكتشفهما حينما نتفحصه بانتباه ودقة، كما أنه توجد فيه مؤثرات وقوى تُبقي عليه في المظهر الذي نعرفه عليه، ومؤثرات أخرى وقوى أخرى تجنح إلى تغييره. في كل ظاهرة، في كل علة يحدث صراع بين مبدأين: الأطروحة والنقيض. أول هذين المبدأين يثبت ويصون، وثانيهما يهدم ويدمر، وصراع هذين المبدأين الموجود في كل ظاهرة يفضي إلى شيء ما وسيط إلى اتحادهما؛ فالعقل والفكر في نظر هيجل لا يبقيا ساكنين، لا يستقرا في أطروحة؛ بل هما في صراع تناقضات وهذا نفسه مصدر كل تطور[7].

فمبدأ هيجل قائم على الوحدة الجدلية بين كل من الوجود والفكر؛ فالوجود واحد ومتحرك، فهو واحد لأنه لو كان أكثر من ذلك لأصبح محدودا بوجود آخر، وهو خالد لأنه علة ذاته؛ أي إنه العلة والمعلول في نفس الوقت وهذا يعني أن المتناهي الذي هو نتاج لمتناهيات أخرى يعمل هو نفسه مع متناهيات أخرى من أجل خلق متناهيات. وهكذا، فإن الحركة الكلية؛ أي الصيرورة تعتبر بمثابة المعمل الذي تنتج فيه كل حقيقة. أما إمكانية وجود الصيرورة، فيتوقف في حد ذاته على تكون الوجود من عنصرين متناقضين لا يمكن الفصل بينهما إنهما: الوجود والعدم. كما تُعتبر كل من الوحدة والانفصال الأبديين لهذين العنصرين عن السر الذي يكمن في كل من الوجود ونقيضه.[8]

فرؤية هيجل هاته القائلة بأن كل فكرة تحمل في طياتها بذور فنائها طبقها تلامذته على فلسفته؛ أي إنهم انتقدوا فكره بفكره، حيث رأوا أنها تحمل في الكثير من جزئياتها نقاط إلغائها خصوصا في المثالية، حيث استعانوا بالجدل كي يقتلوا المثالية التي يصطبغ بها التوجه الهيجلي، ويكون بذلك الانتقال من الفكر إلي الواقع على عكس ما جاء به هيجل على أن الفكر أساس الوجود والمبدأ هو الروح لا الطبيعة الفكرة لا المادة. ورغم هذا إلا أن المراس التأثيري للنظرية الهيجلية، كان واسع المجال، حيث مسّ العلوم الاجتماعية والتاريخية، بل أكثر من ذلك العلوم الطبيعية على حد السواء؛ لأنه رغم المثالية التي تميزت بها فلسفة هيجل، إلا أنها لم تُلغ الواقع، بل دعت إلى دراسته، ناهيك عن دعوته إلى الإبحار في حالات تطور الفكرة المطلقة، باعتبار أن المادة أو المتناهي يمثل أحد أهم مراحل اللامتناهي، ولهذا لا يمكن تجاوز الواقع، هذا الأخير الذي بنيت عليه جل فلسفات ما بعد الهيجلية. التي أرادت أن تكرس العقل المادي، وتتجاوز كل عقل تأملي كل ما هو لاهوتي. اللاهوت الذي سيطر على الفكر الغربي لعصور طويلة، ووجد مكانا له أيضا في نسق هيجل وبشكل متجذر ومتأصل جعل منه حجة غائية جوهرها المطلق يستند إليها هيجل للدفع بالفكر، وجعله حقيقة للعالم لا تعلوها حقيقة غيره، حيث نجد هيجل يتفرد إلى مقولة المقدس الديني والفلسفة اللذين يصلان في النهاية إلى مفهوم المطلق، بلا إقصاء، وهو ما سماه ابن رشد الحقيقة المزدوجة، إذْ يبرر هذا القول: "بأن الدين نفسه يشارك الفلسفة بالضرورة في رفضها القول بأن للمتناهي وجودا حقيقيا، أو إنه شيء نهائي أو مطلق"؛ ومعنى هذا أن الدين يدعم المثالية ويساندها في هذه الفكرة الأساسية؛ فالعالم في نظر الدين ليس الوجود الحقيقي لأنه وجود متناه، كما أنه ليس شيئا نهائيا، أو مطلقا؛ لأن العالم مجرد ظاهر أو مظهر خارجي. أما الحقيقة النهائية، فهي الله الذي هو فكر خالص أو عقل محض. ولهذا، فإنه وحده الوجود المطلق.[9]

وفي نقطة الدين بالضبط، كان المأخذ على هيجل؛ لأنه اعتبره غاية في حد ذاته، يقول هيجل: "أن الله هو رب العالم الطبيعي ومملكة الروح. إنه هو التناغم المطلق، وهو الذي يوجد هذا التناغم بين العالم الروحي والعالم الطبيعي ويواصل هذا التناغم (...). والفلسفة لكي تبدأ عليها أن تتأمل المطلق، باعتباره الفكرة البسيطة المنطقية، الفكرة العادية كما هي في الفكر، في المظهر الذي فيه يتشكل محتواها بالأشكال الخاصة بالفكر. زيادة على ذلك، فإن الفلسفة تعرض المطلق في نشاطه، في إبداعاته. وهذه هي الطريقة التي بها يصبح المطلق محسوسا به أو يكون لذاته. إنه يصبح الروح، ومن ثم فإن الله يكون بالإدراك ثمرة للفلسفة."[10] فنلاحظ أن موضوع الدين هو في العمق هو موضوع الفلسفة نفسه. إنه المطلق أو الله، فالمضمون النظري هو نفسه غير أنّ ما يدركه الدين بشكل حسي وصوري؛ أي بالتصور تعقله الفلسفة بشكل مطابق عن طريق الأفاهيم...[11]. ففي الدين المضمون هو نفس مضمون الفلسفة؛ أي الفكر المطلق، لكن الصورة متوسطة، فهي في جانب منها حسية وفي جانب آخر عقلية. وهذا ما أطلق عليه هيجل اسم: التمثل التي يمكن ترجمتها بالفكر أو ارتسام الصور أو الفكر التصوري أو المجازي.[12]

وبمعنى آخر، إن وحدة النهائي واللانهائي التي تفكر فيها الفلسفة بواسطة الأفاهيم يشعر بها الدين ويتخيلها. ففلسفة الدين عند هيجل تحاول أن تبين أن اللانهائي في النهائي، والنهائي في اللانهائي، وأن توفق بين العاطفة الدينية والفاهمة من وجهة نظر العقل. فالعاطفة تمثل الجانب الذاتي. أما من الجانب الموضوعي، فإن المضمون الديني يتخذ أولاً صورة التصور، غير أنّ هاته الأخيرة ليست بعد متحررة حقاً من الصور الحسية. لذلك، فإن الفكر النظري وحده يبرز هذا المضمون في وضوحه التام. فالعلاقة بين النهائي واللانهائي هي الوحدة غير القابلة للانفصام، والتي يبدو فيها النهائي لحظة رئيسة من لحظات اللانهائي.[13]

نُلاحظ كيف أن هيجل في رؤيته الدينية جعل من الدين هو اللحمة التي يستكين فيها المادي باللامادي؛ أي المتناهي باللامتناهي، وأنه الفضاء الذي تجد فيه الروح كمالها؛ لأنها لا ترى نفسها في المتناهي؛ لأنه ليس من طبيعتها اللامتناهية، فهي تريد أن تعي ذاتها. وهذا لن يتأتى لها إلا بعد إدراكها المطلق؛ ألا وهو الله، الذي منه كل شيء وإليه يعود كل شيء؛ أي إن الله الكل المتجلي في كل موجود على ظاهره. وهنا المتمعن في هاته الرؤية الهيجلية يؤول به الأمر إلى الحكم على أن هيجل من دعاة وحدة الوجود، وقيل الكثير حول هذه النقطة رغم رفض هيجل لها.

ولقد كانت المهمة الأولى الملقاة على عاتق الأتباع هي المحافظة على مذهب المعلم من التبدد والضياع. ولذا إثر موته، قامت مجموعة من تلاميذه بنشر أعماله الكاملة وتجميع محاضراته، ثم انكب التلاميذ على الشرح والتفسير، وقد أثارت فلسفة هيجل في أذهانهم عدة تساؤلات، واختلف التلاميذ في تحديد موقف هيجل منها. فقد بدأ الجميع يتساءلون ما إذا كان هيجل من القائلين بوحدة الوجود أم لا، ما ترتب على ذلك من إثارة لموضوعات مثل خلود النفس وتشخيص الله [14]. فالجوهر الأساسي في الخلاف هو موقف هيجل من علاقة الفلسفة بالدين، ورأينا كيف أنّ هيجل وفق بينهما، وحاول أن يسُد الهُوة بينهما من خلال فكرته عن الوحدة بين الطبيعة البشرية والإلهية، باعتبار أن الله رب الطبيعة ومملكة للروح، كما أنه حصر الفلسفة في زاوية المطلق الذي تصبو إليه الفلسفة من خلال رحلتها البحثية عن ماهية الوجود اللامتناهي، وهي حسب المعتقد الهيجلي تتمثل المطلق الذي يتجلى الذات الإلهية.

فهاته هي أهم معطيات المدرسة الهيجلية، والتي على الرغم من بعض نقاطها الغامضة أو المتنازع حولها، إلا أنها استطاعت أن تُحافظ على وحدتها خلال حياة المعلم على وجه التقريب، وفي ذات الآن كانت هي التي انبثق منها الانقسام وما تلاه من نزاع بين ما سمي باليمين واليسار الهيجليين، والذي ظهر جليا بعد وفاة هيجل؛ بيد أن الخلافات داخل المدرسة كانت قد بدأت تلوح ابتداء من عام 1829 م؛ أي قبل مماته بسنتين، وكانت تتناول هاته الخلافات بصورة أساسية المسألة الدينية. ففي عام 1829، نشر غوشل (1781-1861) أحد كبار القضاة كتابه 'جوامع الكلم حول الجهل والعلم المطلق في علاقتهما بالإيمان المسيحي'، حيث دافع عن العقائد القائلة بالشخصية الإلهية وخلود النفس. وفي المقابل نشر لويس فويرباخ (1804-1872) كتابه: "أفكار حول الموت وخلود النفس"، حيث بشر بوحدة الوجود وأنكر خلود النفس.[15]

لكن الخِلاف أخذ شكله الجلي، وبدأ يأخذ شكلاً واضحاً وحاسماً في سنة 1835 م داخل المدرسة الهيجلية، بسبب كتاب د.ف شتراوس "حياة يسوع". والذي اهتم فيه شتراوس بزاوية لم يعطها هيجل انتباها كبيرا، وهي تاريخية الأناجيل. فقد صرف انتباهه إلى مضمونها الرمزي. لكن اعتبر شتراوس تاريخية الأناجيل جوهر المسيحية، وتعامل معها على أنها ليست رموزاً، ولكنها أساطير تعبر عن الرغبات العميقة للبشر. إنها تعبير خيالي أنتجه الوعي الجمعي لشعب كان وصل إلى درجة معينة من التطور. ولقد آثار كتاب شتراوس ضجة كبرى في الأوساط الهيجلية. ورغم الرقابة المشددة في ذلك الوقت على الكتابات الدينية[16] واعتبار الهجوم على المسيحية هجوماً على الدولة؛ إلا أن كتاب شتراوس قد أجيز من الرقابة، باعتباره بحثا في اللاهوت.[17]

وبهذا الكتاب، بدأ الانشقاق والانقسام في المدرسة الهيجلية علنا وبصورة صريحة، وبدأ الحديث عن يمين وعن يسار هيجليين، كما نشأ موقع وسط بينهما؛ فأصحاب اليمين هم من مثلوا الاتجاه الروحاني؛ أي الإلهيون الذين يؤكدون على وجود إله شخصي وعلى خلود النفس، وهم الهيجليون الشيوخ، وفيهم شق معتدل وآخر متطرف. أما اليمين الهيجلى، فتبنى موقفاً وسطاً ودافع عن الموقف الحقيقي لهيجل. أما اليسار الهيجلى، ويضم الهيجليين الشبان فيرفض رفضا قاطعا ما هو تصور في المجال الديني، وينادي بوحدة الوجود حتى إنه ينتهي إلى الإلحاد. فاليسار الهيجلى بمعناه الواضح يمثله شتراوس، أما اليسار المتطرف، فيمثله ماركس وإنجلز وفويرباخ.[18]

والواقع أن ما يسر انقسام المدرسة الهيجلية إلى يمنيين ويساريين هو، بشكل أساسي، الازدواجية التي يتضمنها الرفع الديالكتيكي، الذي كان بالإمكان تفسيره، إما كمُحافظ أو كثوري. من هذا المنطلق، رفض الشباب مصالحة هيجل للعقل والواقع في مقولة الواقع الحقيقي، وخاصة قول هيجل: "ما هو عقلي واقعي حقيقة، وما هو واقعي حقيقة عقلي."[19] فمن النظرة الأولى يبدو هذا القول مجرد تبرير للأوضاع الاجتماعية القائمة، مجرد توضيح فلسفي للمؤسسات الاجتماعية أيّا كانت، ومهما كانت رجعية، وهذا مما مثلته الأوساط المحافظة. وعلى النقيض من هذا، عرض إنجلز تفسيرا مغايرا لهذا التعبير، ويرتكز على رؤية هيجل بالذات. فإنجلز لفت الانتباه إلى تفريق هيجل بين الوجود والواقع. فليست جميع الظاهرات الاجتماعية برأي هيجل، واقعية كذلك، فالواقع أعلى من الوجود حسب هيجل، وهو يلازم سوى الظواهر التي وجودها ضروري موضوعيا[20].

ففكر هيجل مبني كله على "قناعة راسخة بأن الحقائق الأزلية يجب أن تؤسس على العقل وحده، وأن تستنتج من جوهره"[21]؛ أي التجريد الخالص للوجود واعتبار الفكر أساسه وجوهره، وأنّ الحقيقة تكمن في اللامتناهي ولا توجد حقيقة تدخل ضمن اللامعقول؛ أي إن العقلي موجود في الواقع. من هاته النقطة وغيرها من النقاط وخاصة الدينية منها أفاض اليسار الهيجلى في نقد هيجل، حتى إنه آل به المآل إلى استبدال ثوب هيجل المثالي بثوب مادي. وسوف نأخذ فويرباخ كنموذج عن الهيجليين الشبان، ونرى كيف كان تناوله النقدي لفلسفة هيجل والتحول الثوري الذي ألحقه بها ليركن في أحضان الماركسية.

ففويرباخ اسم ذو دلالة قوية تعكس قوة عقله، feuerbach، وهو كلمة ألمانية مؤلفة من مقطعين: feuer وتعني النار، وbach وتعني الجدول؛ فاسمه إذن يعني 'جدول نار'.[22] وفعلا كان نارا على هيجل وجدولا على ماركس أحرق الأول وطهر الثاني. ففويرباخ من أكثر تلامذة هيجل موهبة بفلسفته هو من مواليد 1804 م بمدينة لاندس-هوت البافارية التي أنهي بها دراسته الثانوية، وكان فويرباخ في هاته المرحلة أكثر ميلا للدين متأثرا بالإصلاح اللوثري[23].

وفي نِهاية المرحلة الثانوية، قرر فويرباخ تكريس نفسه لدراسة اللاهوت البروتستانتي. وفي سنة 1823 م، ذهب إلى هيدلبرغ للدراسة في جامعتها، حيث كانت فلسفة هيجل تدرس هناك، وهاهنا حاول فويرباخ في ظل الفلسفة الهيجلية أن يُصالح بين الفلسفة والدين، والعقل والإيمان، سنة 1824 سافر إلى برلين، حيث كانت الفلسفة التي يدرسها هيجل في جامعتها تخوض حواراً حيوياً ومستمراً مع اللاهوت البروتستانتي في حينه، ممثلا بشليرماخر ومارهاينكي، وشتراوس، ونايندر، وهنا بدأ فويرباخ يفكر في الفصل بين الفلسفة واللاهوت، وضرورة التضحية بأحدهما من أجل الآخر. وفي برلين تأصل فكره اللاحق، حيث أنهى دراسته بها سنة 1826 م برسالة قدمها إلى أستاذه هيجل تحمل عنوان: "العقل الواحد، الكلي، اللامتناهي". وفي سنة 1828، تم نشرها وعلى أثرها تم تعيينه أستاذاً حرّاً في جامعة ارلنغن حاضر فيها إلى غاية 1832 م، وهاته الفترة كللت بنشره لمقالته: "أفكار حول الموت والخلود"، حيث كان لها الأثر البالغ في الأوساط الهيجلية وبسببها فُصل عن الجامعة سنة 1835 م، وهو في الحقيقة لم يقم إلا بدفع التفسير الهيجلي للعقل نحو نهايته المنطقية. وفي العام الموالي، تزوج فويرباخ من برتا ليق الشريكة في وراثة قصر بوركبرغ، حيث عاش حياة ريفية نبيلة، وعاش سعادة تتلاءم وذوقه. وحياة الريف لم تنعكس سلبا عليه، بل مددت فكره بمقاس الطبيعة التي مع فويرباخ أخذت مفهوماً جديداً. الطبيعة التي تشمل الأنا والآخر وتتسع للجميع. إذن فالدين، وإبعاده عن الجامعة، والطبيعة، هذه العوامل الثلاثة مجتمعة هي التي أثرت في تكوين فكر فويرباخ الفيلسوف الأصيل [24]. أما عن مخلفات فويرباخ الفكرية، فنجدها في أهم مؤلفاته نذكر منها: 'جوهر المسيحية' سنة 1841، كذلك 'فلسفة المستقبل' سنة 1843 م، كذلك 'أصل الدين' سنة 1851 م.[25]

هذا بصفة مختصرة عن شخص فويرباخ وأهم محطات حياته التي ساهمت في رسم الملامح الأساسية لفكره. فقد كان في بداياته مثالي التوجه، وهذا لاهتمامه باللاهوت، ولاسيما البروتستانتي ناهيك عن تتلمذه على يد هيجل، لكنه سرعان ما تخلى عن المثالية، واتخذ توجها ماديا وهذا بعدما أمعن النظر في فلسفة هيجل بعين ناقدة. لكن لو أردنا الغور والانغماس في معطياته النقدية لفلسفة هيجل، لوجدنا أن الزاوية التي سُلط عليها الفعل النقدي الفويرباخي بشكل كبير هي اللاهوت، بالإضافة إلى جوانب أخرى مثل الجدل، وفلسفة الطبيعة إلى غير ذلك من النظريات الهيجلية التي تُرجئ العالم إلى الفهم اللامادي. وهنا فويرباخ أسقط لام النفي عن المادية، وقال بضرورة ترجمة الظواهر ترجمة مادية. فلماذا هذا الصد من فويرباخ على فلسفة هيجل، رغم أنه تغذى منها؟ وكيف صبغ العالم بفلسفة مادية استمدت جذورها من فلسفة مثالية؟

لقد كان فويرباخ بادئ بدء من أبرع تلامذة هيجل، ولكنه تحول إلى مناضل منسجم ضد سحر المذهب الهيجلي الذي سمر العالم الفلسفي وجمده بسلاسله. وقد أشار فويرباخ في عدد من مؤلفاته إلى خطأ المبادئ الانطلاقية الأساسية للفلسفة المثالية، وعلّل ضرورة فهم العالم فهما ماديا. ومن بين مؤلفاته كتاب 'جوهر المسيحية' الذي صدر سنة 1841، والذي حظي بشهرة خارقة الاتساع، وكان له تأثير جوهري في تطور الفلسفة وكل الحياة الروحية في ألمانيا. وقد كتب إنجلز قائلا: "كان ينبغي أن يجتاز الناس الفعل الشافي لهذا الكتاب لكي يكونوا فكرة عن ذلك، فالحماسة كانت عامة: جميعا غدونا، بلحظة من أنصار فويرباخ". هكذا كانت فلسفة فويرباخ المادية شكلا من أشكال قطع الصلة مع الفلسفة المثالية الهيجلية، وكانت في الوقت نفسه كما قال إنجلز الحلقة الوسيطة بين فلسفة هيجل والفلسفة الماركسية.[26]

إنّ فلسفة فويرباخ المادية كانت نتيجة نقده لفلسفة الدين عند هيجل الذي يرى أن الدين هو أعلى صُورة من صُور الوعي بالذات. وقد حاول البعض التقريب بين هيجل وفويرباخ في هاته النقطة، فقد جعلوا من فويرباخ امتدادا أنثربولوجيا للدين الذاتي عند هيجل الذي يعتبره الجانب الحي الذي صار حياة دينية. أما النوع الآخر من الدين عند هيجل، فهو الدين الموضوعي وهو اللاهوت، باعتباره نسقا من الحقائق، وإذا كان اللاهوت مجرد حرف ميت، فإن الدين الذاتي هو ما يستحق فقط أن يطلق عليه اسم الدين؛ لأنه يتعلق بالقلب ويتصل بالمشاعر والعواطف، ويتحول إلى أفعال وأعمال، وعندما يتحدث هيجل عن الدين، فهو يقصد ذلك الجانب الذاتي. وهذا المفهوم يعد البداية التي انطلق منها فويرباخ في تفسيره للدين.[27]

ولقد قارن الكثير من مؤرخي الفلسفة بين نظرة كل من الأستاذ وتلميذة في رؤيتهما للدين، فوجدوا التشابه في عدة مواضع، إذ نجد هيجل قائلا: "إن الدين هو أعلى صورة من صور التعبير عن الوعي الذاتي"، ونجد فويرباخ قائلا في جوهر المسيحية: "إنّ الديانة المسيحية ليست إلا الوعي التي تحصله البشرية ذاتها من حيث هي جنس عام".

ثم إنّ مفهوم الدين عند فويرباخ نشأ من كون أنّ الإنسان عندما أخذ يدرك العظمة الكامنة فيه، قذف في السماء وهمية صورة هذه العظمة وسماها الله، وأخذ يتعبد لها غير عالم أنها مجرد صور لجوهره الإنساني، وهكذا أفقر إنسان نفسه من قواها لينسبها إلى إله من صنع خياله، يقول فويرباخ: "إن مميزات الجوهر الإلهي هي ميزان الجوهر الإنساني، وما هو جوهري في تحديد طبيعة الله مستمد من طبيعة الإنسان. إن الإنسان يجرد من كل ما يعطي لله، ويجب أن يفقر الإنسان لكي يغني الله، يُؤكد الإنسان في الله ما ينكره في ذاته".[28]

وحين قرر هيجل أن الإيمان الديني هو وعي نائم، مقابل فلسفة التنوير باعتبارها وعيا مستيقظا تقابلنا عبارة فويرباخ "أن الدين هو حلم العقل البشري" وقول هيجل في كتابات الشباب: "إن الطبيعة البشرية لا تختلف عن الطبيعة الإلهية، وأن فكرة الإنسان عن الله ليست إلا مرآة تعكس لنا فكرته عن نفسه" وكل هاته دلائل تجعل من مؤرخي الفلسفة يقربون بين تصور هيجل لله من تصور فويرباخ للإنسان.[29]

وعلى الرغم من أوجه التقارب بين كل من هيجل وفويرباخ، إلا أنه لا يمكن القول إن هيجل أقام توحيدا مطلقا بين الله والإنسان، أو بين المتناهي واللامتناهي على طريقة فويرباخ؛ ففي حين ظل هيجل ينظر إلى صلة الله بالإنسان على أنها المشكلة الأساسية في الدين، فإننا نجد عند فويرباخ قدم محاولة أخرى تقوم على رد الروح المطلق نفسه إلى الروح البشرية دون اهتمام باستبقاء عنصر اللانهاية، باعتبارها حقيقة روحية مطلقة؛ أي إنّ فكرة هيجل عن الله بقيت[30] مغايرة لفكرة فويرباخ عنه خصوصا، وأن نظرته للدين ظلت نظرة مثالية تستند إلى ميتافيزيقا نظرية لا نظرية مادية ترتكز على أنثربولوجيا اجتماعية.[31]

ففويرباخ أراد أن ينتقل بالمذهب الهيجلي في وحدة الوجود إلى المذهب المادي المحض، وهذا بانفصاله عن صوفية هيجل العقلية، وهذا ما أقره في كتابه "جوهر المسيحية"، حيث هاجم فلسفة الدين النظرية وعلم اللاهوت المسيحي يقول: "إن فكرتي الأولى كانت الله، والثانية كانت العقل، والثالثة الأخيرة كانت الإنسان". إن العقلانية الهيجلية حذفت اللاهوت، ولكن هاته الأخيرة يجب أن تترك مكانها لفلسفة الإنسان "الأنثربولوجيا"[32].

إنّ نضال فويرباخ ضد الدين لم تكن نقطة الانطلاق من المثالية إلى المادية وحسب، بل أصبح القضية الرئيسة في حياته. وخلافا لنظرات الكثيرين من الفلاسفة السابقين، وفي المقام الأول المثاليون، اعتبر فويرباخ الفلسفة والدين فهمين للعالم ينفي أحدهما الآخر. ولم ير سبب حيوية العقائد الدينية في خداع الجماهير الشعبية الجاهلة وحسب، بل فتش كذلك عن الأسباب الحقيقية لنشوء الدين ووجوده في الإنسان بالذات، وفي ظروف حياته، وقبل كل شيء في الصلة المتبادلة بين الناس والطبيعة، وفي الصلة المتبادلة بين الناس أنفسهم[33].

يقول فويرباخ: "إنّ الاعتقاد بان الله يوجد بشكل مطلق يوجد بشكل مطلق خارج عقل الإنسان وروحه دون أن يهمنا في ذلك وجود الإنسان أو عدم وجوده، تأمله أو عدم تأمله، رغبته أو عدم رغبته فيه، هذا الاعتقاد أو بالأحرى موضوعه لا يعكس لخيالك سوى الطبيعة التي لا يرتكز وجودها على وجود الإنسان بدرجة أقل بكثير مما يرتكز على فعل العقل والخيال البشري."[34] فالدين إذن عند فويرباخ هو نتاج النفسية الإنسانية، ولكنه لا ينبع من عقل الإنسان، بل ينبع من خياله، من تصوره. وقد أكد فويرباخ أنه يجب اعتبار الانفعالات والإحساسات التي تنشأ في الإنسان في سياق التفاعل مع العالم المحيط السبب الفعلي للدين[35]، يقول: "وفي الحقيقة، فإن الطبيعة إذا ما نظرنا إليها على ضوء مثل هذا الاعتقاد، فإنها تكون مملوكة للروح، ولكن هذه الروح هي روح الإنسان وخياله ونفسه التي تنتقل بذاتها طواعية إلى الطبيعة، وتجعلها رمزا ومرآة لكينونة الإنسان"[36]، وهنا يتضح التنظير الفعلي، وليس النظري للدين على يد فويرباخ، وجعل الإنسان والطبيعة هما المركز الذي تتمحور حولهما كل فلسفة ولا يوجد فصل بين ما هو أرضي وما هو سماوي؛ فالإنسان يخلق ما هو فوق أرضي؛ أي الله انطلاقا مما هو أرضي من أجل أن يعي ذاته وإنسانيته لا أن يعي شيئا آخر منفصلا عنه.

فالله حسب فويرباخ موجود في جوهر الإنسان؛ فالله والإنسان شيء واحد، ويقول في هذا الصدد: "إنه ليس أنا، لكن الدين هو الذي يعبد الإنسان، على الرغم من الدين أو بالأحرى اللاهوت ينفي هذا وليس الإنسان، لست أنا، وإنما الدين في حد ذاته، يقول: الله هو الإنسان، والإنسان هو الله، لست أنا، لكن الدين في حد ذاته ينكر الله الذي هو الإنسان، لكن هذا مجرد وجود كلي لسبب منذ أن جعل الله يصبح إنسانا، ومن ثم يكون هذا الإله، وهو غير مفروق عن الإنسان له شكل إنسان، ومشاعر إنسان، وأفكار إنسان، وموضوع عبادته وتبجيله، وأنا فقط وجدت مفتاح تشفير من الدين المسيحي وانتشال معناها الحقيقي من شبكة التناقضات الأوهام..."[37] وهنا حسب قول فويرباخ، يظهر أن نظريته حول اللاهوت مستنبطة من المسيحية أيضاً، على غرار الهيجلية. ويبرز التناقضات الموجودة في المسيحية التي من خلالها دعم فكرته حول الله، واعتبارها فكرة لا تخرج عن الذات الإنسانية، وهي التي تخلقها من أجل أن تعي ذاتها.

فنقد فويرباخ للاهوت هو نفسه نقد للفلسفة الهيجلية، فهيجل ليس سوى لاهوتي متنكر بثياب فيلسوف؛ فغاية الدين عند فويرباخ هي أن يعي الإنسان ماهيته الخاصة، هي وعي ذات الإنسان؛ أي وعي الإنسان لذاته. ولكن هذا لا يمكن أن يعني بأن إنسان الوعي الديني يعي مباشرة أن وعيه لله هو وعي ذات ماهيته؛ ذلك لأن الحاجة لهذا الوعي هي بالضبط التي تؤسس الماهية الخاصة بالدين.[38]

نجد أنّ فويرباخ فهم جيّدا الجانب الثوري في فلسفة هيجل، والتي كان أساسها مبنيا على الفكرة المطلقة، ولكن طرح السؤال التالي: هل يمكن لتلك الفكرة المطلقة أن تحقق في تطورها الكينونة كلها؟ يجيب بالنفي وقلب الأطروحة الهيجلية، وبين أن الكينونة على العكس من ذلك هي التي تحدد الوعي، وأنه مر زمن كانت فيه الكينونة موجودة بلا وعي، وأن الفكرة والفكر هما نتاج الكينونة. وبذلك تكون الهيجلية آخر الأنظمة اللاهوتية؛ لأنها تحل محلّ الله كائنا، عنه يصدر كل شيء، الفكرة المطلقة. وأكد فويرباخ أن جميع أفكارنا عن الله ومختلف الأنظمة الدينية بما فيها المسيحية، هي من نتاج الإنسان عينه، وأن الله ليس هو الذي يخلق الإنسان، وإنما الإنسان هو الذي يخلق الإنسان على صورته، وحسبنا أن نعشق عالم الأشباح والملائكة والساحرات وسائر تظاهرات الماهية الإلهية، حتى يظهر العالم الإنساني. وعلى هذا، يكون الإنسان المبدأ الأساسي في كل فلسفة فويرباخ. وأسمى شرائع العالم الإنساني ليست شريعة الله، وإنما خير الإنسان بالذات. وبعبارة أخرى، عارض فويرباخ المبدأ اللاهوتي الإلهي القديم، بمبدأ جديد المبدأ الأنثربولوجي.[39]

وكان التأسيس لهذا المبدأ كما رأينا، انطلاقاً من نقد اللاهوت وهنا يعترف فويرباخ بضرورة الدين في المجتمع البشري، لا في الماضي فقط، بل أيضاً في المستقبل، وفضلا عن ذلك يفسر الدين بصورة أوسع مما كان مصطلحا عليه، ولا يحصره في الأشكال التي كانت[40] قائمة ولا تزال قائمة للعقائد الدينية. وفي هذا الصدد، كتب إنجلز يقول: "فالدين تبعا لنظرية فويرباخ هو علاقة قلبية بين الإنسان والإنسان قائمة على العاطفة، علاقة كانت حتى الآن تبحث عن حقيقتها في الانعكاس الخيالي - للواقع بواسطة إله واحد أو عدة آلهة، هذه الانعكاسات الخيالة للصفات الإنسانية - وتجدها الآن مباشرة، ودون أي وسيط، في الحب بين 'أنا' و'أنت'" وهكذا لا يحتاج دين فويرباخ الجديد إلى الإله بوصفه كائنا خياليا جبارا يتوكل الإنسان على رحمته ومساعدته. وليس لهذا الدين، طقوس، وليس بحاجة إلى الكنيسة مع خدمها الكثيرين. وهذا الدين الحقيقي ليس سوى تأليه للعلاقات بين الناس. هو يقوم على المبدأ القائل: "الإنسان للإنسان إله" علماً أنّ فويرباخ لا يرى في جميع العلاقات البشرية سوى جانب واحد هو الأخلاق التي ترتكز على سعي الإنسان بالفطرة إلى السعادة.[41]

لكن هذا الاهتمام البالغ بالإنسان في فلسفة فويرباخ، وخُصوصاً في جانب اللاهوت يجعل منه محل تأويلات عدة لعّل أبرزها تأليهه للإنسان وجعله وكأنه ليس تابعا لشيء. لكنه يرد على هذا في كتابه 'جوهر الدين' قائلا: "لقد اعترضوا على كتابي 'جوهر المسيحية' بقولهم إن الإنسان ليس تابعا لشيء وبهذا أكون قد تابعت في زعمهم أولئك الذين ألهوا الإنسان من قبلي، ولكن الرأي عندي أنّ الكائن الذي هو شرط مسبق للإنسان، إنما هو الطبيعة" ويضيف: "إن كينونة الطبيعة هي بالنسبة إلي الكينونة الأزلية التي لا أول لها. إنها الكائن الأول في الزمان وليس في المرتبة، هي الكائن الأول فيزيقيا وليس أخلاقيا"[42]؛ أي إنّ الإنسان في فلسفة فويرباخ منظور له، باعتباره مُعطى أساسيا من منظومة طبيعية يستمد منها وجوده وكينونته؛ فلا يمكن تصور إنسان يعيش بمعزل عن اللا إنسان؛ فالإنسان كائن له وجوده الفيزيولوجي كما له وجوده النفساني، فهو اتحاد للمادي باللامادي؛ فالطبيعة هي أساس الإنسان وبالتالي هي أساس الفلسفة الفويرباخية.

ومن هنا، فالطبيعة هي الموضوع الأصلي الأول للدين كما يبرهن على ذلك تاريخ كل الديانات والأمم؛ فالتأكيد بأن الدين فطري بالنسبة إلى الإنسان زائف إذا تطابق مع الثيولوجي، ويكون صحيحا إذا كان الدين هو الشعور بالتبعية الذي يدرك فيها أنه لا يستطيع الوجود بدون كائن آخر مختلف عنه. وإذا فهمنا الدين هكذا، فإن هذا الكائن يكون ضروريا بالنسبة إلى الإنسان كضرورة النور بالنسبة إلى العين، والهواء للرئتين والطعام للمعدة. فالدين هو إظهار مفهوم الإنسان لنفسه، ولكن علاوة على ذلك فإن الإنسان كائن لا يوجد دون ضوء، دون هواء دون ماء، دون أرض، أو طعام. إنه باختصار كائن يعتمد على الطبيعة.[43]

وهذا التوجه الطبيعي لفكر فويرباخ كان عبر الانتقاد المدفوع الدين إلى نهايته المنطقية، ولأقرب قريباته الفلسفة المثالية، وذلك قبل كل شيء، في شخص المثالية المطلقة الهيجلية [44]، وقد رأى عيب العقيدة المثالية الأساسي في اعتبار الوجود والفكر أمراً واحداً، في الاعتراف بالفكر؛ أي المبدأ المثالي مصدر كل كائن. وخلافا للمثالية، أكد فويرباخ أن العالم مادي من حيث جوهره، وأنه يُوجد خارج الفكر البشري الذي يدركه وبصورة مستقلة عنه. إن الطبيعة بكل تنوع وتعدد مظاهرها، هي منبع وأساس وجود الإنسان، والإنسان هو جزء لا يتجزأ من الطبيعة ويخضع مع قوانينه الخاصة لنفس القوانين الموضوعية التي تخضع لها سائر الكائنات الطبيعية.[45]

فمن أجل تفسير الطبيعة، وتفسير الوجود البشري فلا داعي للبحث عن أسباب ما غير التي نراها في الواقع المحيط بنا. وعدا عالم الظواهر الطبيعية الفعلي، لا وجود لأيّ عالم آخر، غيبي أو فائق الطبيعة. وتبعا لذلك، رأى فويرباخ المهمة الأساسية التي تواجه الفلسفة الجديدة التي ابتدعها في حصر كل ما هو خارق للطبيعة في الطبيعة بواسطة الإنسان، وفي حصر كل خارق للإنسان في الإنسان بواسطة الطبيعة. ففلسفة فويرباخ الجديدة يلخصها في قوله: "إنّ الفلسفة الجديدة تجعل من الإنسان بما في ذلك الطبيعة بوصفها أساس الإنسان، إلى الموضوع الوحيد والكلي والأسمى للفلسفة، وتحول بذلك الأنثربولوجيا، بما فيها الفيزيولوجيا إلى علم كلي"[46]. ففويرباخ بفلسفته هذه، يهدف إلى إزالة الستار على أقنمة اللاهوت، وذلك بالعودة بصور الوعي الديني التي هي في الأساس صور حسية، تلبي رغبات عاطفية، إلى أصولها في العالم الواقعي والطبيعي، وليس في التأمل التجريدي[47].

هذا بصفة عامة أهم ما تضمنته فلسفة فويرباخ التي رغم أنها مادية، إلا أنها لم تسلم من النقد، حيث اعتبره ماركس ماديا من تحت ومثاليا من فوق؛ أي ماديا في نظرته إلى الطبيعة ومثاليا في نظرته إلى المجتمع. فقد رأى ماركس أن الإنسان الذي اتخذه فويرباخ كفرضية لنظريته الفلسفية والاجتماعية، لم يكن سوى إنسان مجرد لم تلده أُم، ولا يوجد له مثيل إلا في الفكر، مستنتجا أن عبادة الإنسان، التي تؤلف نواة الدين الجديد الفويرباخي كان يجب الاستعاضة عنها بالعلم عن الناس الحقيقيين، وعن تطورهم التاريخي[48].

كذلك صوب ماركس نقده لفويرباخ في الدين، حيث يقول: "إن فويرباخ يذيب الجوهر الديني في الجوهر الإنساني، ولكن الجوهر الإنساني ليس تجريدا ملازما للفرد المنعزل؛ فهو في حقيقته مجموع العلاقات الاجتماعية كافة"[49]؛ أي إنه لا يمكن اعتبار ماهية الإنسان كشيء مجرد، شيء يخص الإنسان كفرد كما يرى فويرباخ، وإنما يمثل الإنسان بنفسه جملة، منظومة علاقات اجتماعية محددة ولا وجود لإنسان منعزل. لكن الروابط الطبيعية القائمة[50] بين الناس تقل أهمية عن الروابط الاجتماعية التي تقوم فيما بينهم في مجرى التطور التاريخي. لهذا، لم يكن الشعور الديني شيئا طبيعيا، وإنما هو نتاج اجتماعي.[51]

وفي موضع آخر يقول ماركس: "إنّ الفلاسفة لم يفعلوا غير أن فسروا العالم بأشكال مختلفة، لكن المهمة تقوم على تغييره"[52] أي إن الفلاسفة بمن فيهم فويرباخ كونه خصه بالنقد في مؤلفه 'أطروحات حول فويرباخ' التي كتبها سنة 1845، أقاموا كل فلسفاتهم ونظرياتهم على فعل واحد، وهو الفهم للعالم كما هو معطى، غير أن الأجدر بهم هو ممارسة فعل التغيير على العالم والعمل على تحويله، وهذا بإدخال عنصر العمل والنشاط؛ لأن النظرية لا تكتمل إلا بالممارسة الفعلية لها على أرض الواقع. وبهذا أدخل ماركس العنصر الثوري على مادية فويرباخ، ونقلها من الطابع التأملي إلى الطابع العملي.

وكان لإنجلز كذلك بعض المآخذ على فلسفة فويرباخ، وهذا في نقده للأنثربولوجيا الفويرباخية، رأى أنها ارتكزت على تفسير بيولوجي لا على تفسير اجتماعي لطبيعة الإنسان، الأمر الذي حال دونه ودون الخروج من إطار الموقف الميتافيزيائي من معرفة العالم. ولهذا السبب بالذات، كما يشير إنجلز تبدو تعاليم فويرباخ الفلسفية من حيث مضمونها الإيجابي، أفقر بكثير من مثالية هيجل الدياليكتيكية التي يخفي غلافها الصوفي تحليلا عميقا لقوانين العالم الفعلي الأساسية. وقد قال إنجلز: "أما عن فويرباخ، فالأمر بالعكس تماما؛ فهو من ناحية الشكل واقعي، إذ يتخذ نقطة الانطلاق الإنسان، ولكنه لا ينبس ببنت شفة عن العالم الذي يعيش فيه هذا الإنسان، ولهذا يظل الإنسان عند فويرباخ دوما نفس الإنسان المجرد الذي ...لا يعيش في عالم واقعي، متطور تاريخيا ومعين تاريخيا، ورغم أنه على صلة مع أُناس آخرين، إلا أن كل واحد منهم مجرد بقدر تجرده هو نفسه"[53]، وهو نفس النقد الذي وجهه إليه ماركس وهو إهمال الجانب السوسيولوجي، بالإضافة إلى لا تاريخية مادية فويرباخ الأنثربولوجية، التي تجعل الإنسان خارج ظروفه الاجتماعية التاريخية الملموسة والمعيشة، وكان الإنسان ذا طبيعة جامدة لا تتطور، وحتى آماله وطموحاته يحدها عامل اللا تطور، وهذا ما جعل الطابع المثالي يسبغ مفاهيم فويرباخ السوسيولوجية، والذي ظهر بشكل جلي في نظرة فويرباخ الدينية والعلاقات الأخلاقية.

هذا النقد الموجه من طرف كل من ماركس وإنجلز لفلسفة فويرباخ ما هو في حقيقة الأمر إلا وجه آخر للقراءات الهيجلية التي فرضت نفسها بقوة بعد وفاة هيجل وقبلها طبعا على يد فويرباخ، هذا الأخير الذي قدمها على طبق من ذهب لماركس ورفقائه. فمع الفويرباخية كانت النقلة من السماء إلى الأرض، من اللاهوت إلى الفلسفة، من الهيجلية إلى الفلسفة الأنثربولوجيا، أو من فلسفة تأملية إلى فلسفة جديدة سماها الطبيعية أو العضوية؛ فالعقل مع فويرباخ أصبح عقلا ماديا يتعامل مع مقولات فيزيقية لا مع مقولات ميتافيزيقية. ففويرباخ ليس مجرد ملحق لماركس، أو أنه مجرد حلقة وصل بينه وبين هيجل، بل إنه كان جدول نار كما يحمل اسمه؛ نار على هيجل، حيث فند فلسفته وأسقطه من عرش الفلسفة بنباهة غارت في فلسفة هيجل ونهلت منها كي تجور عليها. وكان جدولا على ماركس وطهره بفكره، ليكون مطهرا للعالم بفلسفة عملية، قال بأنها تغيير للعالم وليست فهما له. ونجد هنا إنجلز مُثمنا للدور الذي لعبته فلسفة فويرباخ قائلا: "كان على المرء أن يرمي بنفسه في جدول النار في مُطهر الأزمنة الحديثة هذا، ليخرج منه نظيفا من كل الخرافات وجاهزا لكل المعارك".

إذن، فمع فويرباخ أخذت الفلسفة انطلاقة جديدة ثنائية التوجه: المادية والتجريد المثالي، ورغم السيطرة التي فرضتها الهيجلية والماركسية أكثر من قرن، إلا أن ما قدمه فويرباخ وجد نفسه في عالم اليوم الذي هُمش فيه الإنسان، إنسان أثقلت كاهله المشاكل، فقُتلت إنسانيته. وكأن فويرباخ كان يكتب ويعي جيدا أن فلسفته سوف تجد نفسها يوماً ما، حينما تثبط إنسانية الإنسان وتحاول أن تنشط من جديد، فتجد الفويرباخية الحاضن الأول لها، رغم أنها انتقدت في لا تاريخيتها لكن لها تاريخية من نوع خاص، فهي تظهر كلما اضطهد الإنسان، كلما كانت هناك محاولة لتجاوز الإنسان أو التفلسف على حساب إنسانيته يقف فويرباخ كجدار نقدي يهدم كل فكر مبني على أسس فوق إنسانية. ولهذا، فإن الاهتمام بفلسفة فويرباخ والقراءة المعمقة لها من شأنها أن تعيد التوازن إلى عالم أصبحت وجهته مادية، لكن ليست مادية ذات فلسفة أنثربولوجية تتمحور حول الإنسان كما هو الحال مع فويرباخ، بل تهتم بالمادة من أجل المادة في حد ذاتها من أجل الهيمنة العلمية، من أجل خلق إله جديد اسمه الطبيعة، هاته الأخيرة أخذت مكانة لها في فلسفة فويرباخ؛ لأنها امتداد لوجود الإنسان وجزء من كينونته الكلية. وعليه، فالعودة لفويرباخ هي عودة للإنسان، ولا يمكن لفلسفة جوهرها الإنسان أن تموت، فهي باقية بقاء النوع الإنساني.

 

المصادر والمراجع

1-      فويرباخ، أصل الدين، ترجمة ودراسة: أحمد عبد الحليم عطية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1991

2-      L. Feuerbach. The Essence of Christianity, ed. and Trans. George Eliot (Marian Evans), Introd. K.BARTH. Fored H.R.NIEBUHR. Harper Torchboocks: New York 1957.

3-      L. Feuerbach, L’essence du Christionisme, Trad. De I.Roly 1846

4-      فريدريك هيجل، العقل في التاريخ، ترجمة وتقديم وتعليق: إمام عبد الفتاح إمام، المكتبة الهيجلية، د ت، ط2، ج1

5-      فريدريك هيجل، محاضرات فلسفة الدين، ترجمة وتقديم وتعليق: مجاهد عبد المنعم مجاهد، مكتبة دار الحكمة. القاهرة، ط1، 2001

6-      كارل ماركس، أطروحات حول فويرباخ، يسار سينا، www.yasina.org

7-      إمام عبد الفتاح إمام، دراسات هيجلية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1984

8-      إمام عبد الفتاح إمام، هيجل، مكتبة مدبولي، القاهرة، د ط، 1996

9-      كوزنيتسوف، بصدد مؤلف انجلز "لودفينغ فويرباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية"، تر: الياس شاهين، دار التقدم، موسكو، د ط، 1987

10-  ريازانوف، محاضرات في تاريخ الماركسية، تر: جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، د ط، 1923

11-  رينيه سرَو، هيجل والهيجلية، تر: ادونيس العكره، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، ط 1، 1993

12-  يوسف حامد الثين، مبادئ فلسفة هيجل، منشورات جامعة قاريونس، بنغازي، ط1، 1994

13-  حسن حنفي وآخرون، فلسفة النقد ونقد الفلسفة في الفكر العربي والغربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط 1، 2005

14-  حنا ديب، هيجل وفويرباخ، أمواج للطباعة والنشر. بيروت، ط 1، 1994

15-  جرجي يعقوب، حياة يسوع لهيجل، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، د ت، د ط.

16-  أحمد زيغمي، الزمن في الميتافيزيقا الهيجلية، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، الجزائر، العدد الثاني، يونيو 2001

[1] L. Feuerbach. The Essence of Christianity, ed. and Trans. George Eliot (Marian Evans), Introd. K.BARTH. Fored H.R.NIEBUHR. Harper Torchboocks: New York: 1957: xii

[2] إمام عبد الفتاح إمام، دراسات هيجلية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1984، ص 13 (بتصرف)

[3] المرجع نفسه، ص ص 11-12

[4] هيجل، العقل في التاريخ، ترجمة وتقديم وتعليق: إمام عبد الفتاح إمام، المكتبة الهيجلية، د ت، ط2، ج1، ص 79

[5] المرجع نفسه، ص 79

[6] أحمد زيغمي، الزمن في الميتافيزيقا الهيجلية، مجلة العلوم الانسانية والاجتماعية، الجزائر، العدد الثاني، جوان 2001، ص257

[7] ريازانوف، محاضرات في تاريخ الماركسية، تر: جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، د ط، 1923، ص 26. (بتصرف)

[8] يوسف حامد الثين، مبادئ فلسفة هيجل، منشورات جامعة قاريونس، بنغازي، ط1، 1994، ص 186

[9] إمام عبد الفتاح إمام، دراسات هيجلية، ص 14

[10] فريدريك هيجل، محاضرات فلسفة الدين، ترجمة وتقديم وتعليق: مجاهد عبد المنعم مجاهد، مكتبة دار الحكمة، القاهرة، ط1، 2001، ص 57

[11] رينيه سرَو، هيجل والهيجلية، تر: أدونيس العكره، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، ط 1، 1993، ص 46

[12] إمام عبد الفتاح إمام، هيجل، مكتبة مدبولي، القاهرة، د ط، 1996، ص 653

[13] رينيه سرَو، هيجل والهيجلية، ص 46

[14] حسن حنفي وآخرون، فلسفة النقد ونقد الفلسفة في الفكر العربي والغربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط 1، 2005، ص ص 97-98

[15] رينيه سرو، هيجل والهيجلية، ص 53

[16] حسن حنفي وآخرون، فلسفة النقد ونقد الفلسفة في الفكر العربي والغربي، ص 98

[17] المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

[18] رينيه سرو، هيجل والهيجلية، ص 54. (بتصرف)

[19] حنا ديب، هيجل وفويرباخ، امواج للطباعة والنشر. بيروت، ط 1، 1994، ص 31

[20] كوزنيتسوف، بصدد مؤلف انجلز "لودفينغ فويرباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الالمانية"، تر: الياس شاهين، دار التقدم، موسكو، دط، 1987، ص ص 38-39. (بتصرف)

[21] جرجي يعقوب، حياة يسوع لهيجل، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، د ت، د ط، ص 25

[22] حنا ديب، هيجل وفويرباخ، ص 20

[23] المرجع نفسه، الصفحة 20. (بتصرف)

[24] المرجع نفسه، ص ص 16-20. (بتصرف)

[25] Jeffry F. Keuss, Christology in the early fiction of George Eliot, University of Glasgow, 2000, P82

[26] كوزنيتسوف، بصدد مؤلف إنجلز "لودفينغ فويرباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية"، ص 51

[27] أحمد عبد الحليم عطية، اصل الدين لفويرباخ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط 1، 1991، ص ص 13 - 16. (بتصرف)

[28] L. Feuerbach, L’essence du Christianisme, Trad. De I. Roly 1846 p p 51-52

[29] المرجع نفسه، ص 16. (بتصرف)

[30] أحمد عبد الحليم عطية، أصل الدين لفويرباخ ص 17

[31] المرجع نفسه، الصفحة ذاتها.

[32] رينيه سرو، هيجل والهيجلية، ص 55

[33] كوزنيتسوف، بصدد مؤلف انجلز "لودفينغ فويرباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الالمانية"، ص ص 88-89

[34] فويرباخ، أصل الدين، ترجمة ودراسة: احمد عبد الحليم عطية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1991، ص 49

[35] كوزنيتسوف، بصدد مؤلف إنجلز "لودفينغ فويرباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية"، ص 89

[36] فويرباخ، أصل الدين، 48

[37] Jeffry F. Keus, Christology in the early fiction of George Eliot, P83

[38] حنا ديب، هيجل وفويرباخ، ص 106

[39] ريازانوف، محاضرات في تاريخ الماركسية، ص 27

[40] كوزنيتسوف، بصدد مؤلف انجلز "لودفينغ فويرباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الالمانية"، ص 96

[41] المرجع نفسه، ص 97

[42] أحمد عبد الحليم عطية، أصل الدين لفويرباخ، ص 28

[43] المرجع نفسه، ص 28

[44] كوزنيتسوف، بصدد مؤلف إنجلز "لودفينغ فويرباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية"، ص 84

[45] كوزنيتسوف، بصدد مؤلف انجلز "لودفينغ فويرباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية"، ص 84

[46] المرجع نفسه، ص ص 84-85

[47] حنا ديب، هيجل وفويرباخ، ص 238

[48] المرجع نفسه، ص 25

[49] كارل ماركس، أطروحات حول فويرباخ، يسار سينا، www.yasina.org، ص 2

[50] ريازانوف، محاضرات في تاريخ الماركسية، ص 29

[51] المرجع نفسه الصفحة نفسها.

[52] كارل ماركس، أطروحات حول فويرباخ، ص 4

[53] كوزنيتسوف، بصدد مؤلف انجلز "لودفينغ فويرباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الالمانية"، ص ص 86-87