مباني من بخور كنائس وأديرة مصرية


فئة :  قراءات في كتب

مباني من بخور كنائس وأديرة مصرية

من خلال سلسلة الإصدارات الخاصة، التابعة لهيئة قصور الثقافة، التابعة لوزارة الثقافة المصرية، قام الكاتب الصحفي (روبير الفارس) بتقديم كتابه "مباني من بخور كنائس وأديرة مصرية"، الصادر في عام 2012م، كمحاولة لكسر حصار الجهل الذي طالما أحاط بمجتمعنا، خاصة فيما ينتمي إلى الآخر الديني (المسيحي).

ينطلق الكاتب من ضرورة إزاحة ستار الجهل، بتعريف الآخر (المسلم) كينونة الكنائس والأديرة، وماهيتها لدى الدين المسيحي. ذلك أن المجتمع المصري خاض العديد من التجارب والمعاناة، ليس على مستوى الجانب المسيحي منه وحسب، بل على كافة أطياف المجتمع. فلقد حفلت تلك التجارب بأعمال عنف طائفي، وانتهاك للكنائس، نتيجة للجهل الذي صور لبعض المواطنين أن اللغة القبطية (المصرية القديمة)، هي طلاسم وتعاويذ سحرية تجلب الشر والمفسدة، وما أشاعه بعض المتشددين أن الكنيسة وكر من أوكار الأسلحة، مما تسبب فيما بعد في هجوم متكرر على الكنائس، وزادت أعمال العنف والتخريب في حق البشر والمباني. أدى كل هذا إلى تغلغل الطائفية في المجتمع، وظل الجهل بالآخر شبح يلوح في الأفق ويؤرق المجتمع.

إن الناظر إلى الواقع المصري بين الأمس والحاضر، وما جد من وسائل إعلام متطورة وسموات مفتوحة للجميع، وعلى الجميع، جعل المصري المسلم يكتشف جوانب لدى المصري المسيحي، وكأنما هي المرة الأولى التى يعرف فيها، أن جاره في السكن والحياة، لديه دار عبادة تسمى (كنيسة أو المبنى الروحي الأكبر، ألا وهو الدير) !!!

لا شك أن محاولات زرع الفتن والخلل المجتمعي لم تكن لتقتصر على عادات دخيلة على المجتمع وحسب، بل فرض إطار تشويه الآخر، فتشتعل الفتن. ولطالما كانت ورقة رابحة للنظم السياسية، التي كثيرًا ما اعتمدت على جهل الطرفين بعضهما البعض، فنتجت الفتن والزعازع.

يقع كتاب "مباني من بخور كنائس وأديرة مصرية" في (206) صفحة، قُسِّمَ إلى:

-مقدمة

-الفصل الأول : من الكنائس المصرية.

-الفصل الثاني : من الأديرة القبطية.

-ملحق 1 : هل توجد أسلحة داخل الكنائس والأديرة؟

-ملحق 2 : دراسة تقدم وصف مصر بالكنائس.

-ملحق صور.

تناول الكاتب في مقدمة كتابه التعريف اللغوي لمعنى "الكنيسة" وأصلها اليوناني، والذي استقر في النهاية من مجرد اجتماع للبشر، إلى اجتماع في إطار ديني تعبدي. وقد استعرض الهيئة الخارجية للكنيسة، حيث قسم المبنى الكنسي الخارجي إلى أربعة أشكال، [الصليب – الدائرة – السفينة – المستطيل]. ومن هذا العرض، يظهر لنا جليًا أن الكنيسة لدى المسيحية والمسيحيين ليست مجرد مبنى تقام به صلوات، بل أن كل هيئة هي رمز لوضع آخر، إما أثري نابع من الميثولوجيا الدينية، أو رمز أخروي يدل على رمز ما في حياة ما بعد الموت. كما استعرض الدلالة الرمزية للأجراس في الطقوس المسيحية، مشيرًا إلى أن دقها "يعلن بدء الخدمة وأن المسيح يملك على نفوسنا". ثم ينتقل من تفاصيل الشكل الخارجي، إلى محتويات المبنى الكنسي، بداية من الهيكل والمذبح، مرورًا بالعرش واللوح المقدس، ودرج البخور وأدوات الموسيقى وحاملي الأيقونات، منتهيًا بالمقصورات وحجرة المعمدانية وتفاصيلها.

وينهي الكاتب مقدمته بعرض وتعريف ملحقات المبنى الكنسي الأربعة، ما بين مبان خدمية للمجتمع، ومبان أخرى تخص الرهبان والأساقفة...

شمل الكتاب فصلين، الفصل الأول اختص بذكر الكنائس الأرثوذكسية، الحديث منها والأثري، مثل كنيسة الزيتون، والتي بُنيت عام 1925م بالجهود الذاتية، وقام ببنائها مهندس إيطالي يسمى (ليموفيلي). وورد ذكر الكنيسة المعلقة بمنطقة مجمع الأديان في القاهرة وتاريخها كأثر يبدأ عمره من أواخر القرن الثالث الميلادي، وكنيسة القديس (يحنس القصير) في صعيد مصر، انتهاءً بكنيسة العذراء بابليون الدرج.

أما الفصل الثاني، فاختص بذكر الأديرة، وانتهى بذكر الكنيستين الإنجيلية والكاثوليكية... حيث تحدث الكاتب عن تعريف مصطلح الأديرة، وأن أصل الكلمة يعود إلى "موناستيريون" اليونانية. ويعد أقدم دير في العالم هو دير الأنبا "أنطونيوس" في مصر؛ فهنالك زهد الرهبان الحياة الدنيا، واعتزلوا الناس للتعبد والتأمل. ويذكر الكاتب أربعة أديرة قديمة في منطقة وادي النطرون، واضعًا لمن أراد الذهاب إليها كيفية الوصول. كما ذكر أديرة الراهبات في القاهرة بمنطقة مصر القديمة بمارجرجس، وأعيادهم الداخلية المرتبطة بالقديسين ورفاتهم. ولعل نقطة مهمة ذكرها تفصيلًا، وهي الأديرة في العصر الحديث قبل تنحي البابا شنودة الثالث، حيث بدأها في 1979م حتى 1992م، فقد زاد في عهده عدد الرهبان، وقد اهتم بعمران الأديرة والمباني المتعلقة بها.

أما فيما يخص كنائس الطوائف الأخرى، فقد ذكر وصف كنيسة "القديس كيرلس" الكاثوليكية في الكوربة في منطقة مصر الجديدة؛ هي كنيسة مبنية على الطراز البيزنطي. كذلك أيضًا، الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة وسط القاهرة.

اختتم الكاتب مؤلفه بعرض دراستين سابقتين له، بجريدتي روزا اليوسف ووطني، حول مزاعم وجود أسلحة وتعداد الكنائس في مصر، مفسرًا سبب كِبر حجم مباني الكنائس والكاتدرائية الكبرى في العباسية. كما ذكر مصطلحات، مثل "حق الذخيرة" و"ذخائر القديسين"، فيظن السامع أنها أسلحة، لكنها جزء من القربان المقدس وتستخدم لمناولة المرضى، ويختم كتابه بتفاصيل حول عدد الكنائس والأديرة، على مستوى مصر، من جنوبها إلى شمالها...

ختامًا

الكتاب في مجمله محاولة جيدة لكسر حالة الجمود المعرفي، وخشية الدخول في نطاق ما يدور في الكنائس المصرية، وللتعريف بالآخر الديني (المسيحي)، وإيضاح ما ظنه الآخر الديني (المسلم) سرًا خفيًا، ووراءه شرًا مستترًا، لكنه عكس ذلك. ويعاب على الكاتب أنه لم يلتزم السياق العلمي لكتابه، سواء في ترتيب الكنائس من الأقدم إلى الأحدث، ولم يذكر حواشي اقتباساته، فقط اكتفى بذكر المراجع في نهاية صفحات كتابه...