حوار مع الناشط الحقوقي تامر وجيه: حــول حقـــوق الإنســـان في مصر


فئة :  حوارات

حوار مع الناشط الحقوقي تامر وجيه: حــول حقـــوق الإنســـان في مصر

مرت مصر بتجربة جديدة من نوعها، وهي حكم الإسلام السياسي، حيث عاشت عاما كاملا من الاضطرابات السياسية، والفكرية، والمجتمعية، إلى أن تم إسقاط هذا النظام بعد عزل ممثله، وهو الرئيس محمد مرسي. لقد مثل عزل الرئيس الإخواني صدمة قوية للإسلام السياسي في المنطقه العربية بأكملها وليس في مصر فقط. حالة من الذهول انتابت الإسلاميين، لإيمانهم بأن فرصة حكمهم مرة أخرى لمصر هو شيء مستحيل، مما دفعهم للاعتصام في ميداني النهضة ورابعة العدوية، وتحصينه وكأنه معسكر حربي. وترتب على ذلك قيام الأجهزة الأمنية بفض الاعتصام بالقوه بعد تحذيرات كثيرة لم تستجب لها قوى الإسلام السياسي. ودون الدخول إلى التفاصيل، كان إنهاء الاعتصام من قبل قوى الأمن دمويا، سقط فيه كثير من الضحايا من الجانبين، الأمر الذي أثار انشقاقا في الآراء من قبل الحقوقيين؛ فمنهم من أيد طريقة فض ذلك الاعتصام؛ ومنهم من رفض تلك الطريقة وأدانها.

من هنا كان الحوار مع أحد الحقوقيين، وهو الأستاذ تامر وجيه، الناشط في مركز المبادرة الشخصية لحقوق الإنسان، والممارس السياسي أيضا في جماعة الاشتراكيين الثوريين.

ما موقف حقوق الإنسان من سياسات وأفكار الإسلام السياسي؟

- الطرق الحقوقية للنظر في مجريات الأمور لا تميز بين تيار وآخر وفقا للمضمون الفكري الذي يحمله التيار، ولكنها تميز وفقا لممارساته التي تتعلق بالقضايا الحقوقية؛ فمثلا عند وجود تيار سياسي يستخدم العنف، فهذا ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان، وخصوصا عندما تكون ممارسة هذا العنف تجاه فئة على الهوية، وليست تجاه سلطة جائرة أو شيء من هذا القبيل، وليس هذا بالنسبة للإسلاميين فقط، بل هذا الكلام ينطبق على أي فصيل يمارس هذا النوع من العنف. وفي الوضع الراهن، هناك خطاب يطلق عليه على الأقل تحريض على الكراهية من جانب رموز وقيادات إسلامية، وبعضهم أعضاء قياديون في جماعة الإخوان المسلمين، وهذا ضد حقوق الإنسان.

كيف ترى تأييد الإسلاميين للحكم العسكري في السنتين الماضيتين أثناء وجودهم بمجلس الشعب؟

- ذلك التأييد كان ينبع من وجهة نظر مصالحهم الشخصية، وهذا ليس له علاقة لا بالعدالة ولا بحقوق الإنسان ولا باستمرارية الثورة. هذا الموقف موقف سياسي وليس حقوقيا، ولكن يعتبر حقوقيا وفقا لنتائج تلك الممارسات؛ بمعنى آخر، إن التأييد حركة سياسية ما للسلطة، ولكن يعتبر موقف حقوق الإنسان عندما يترتب على ذلك التأييد انتهاكات أو أفعال عنيفة، ولكن من وجهة نظري السياسية، وليست الحقوقية، بمنظور أعم وأشمل، الإسلاميون فعلوا ذلك ليس لمصلحة الثورة، ولكن ضد مصلحة الثورة، وكانت فعلا انطلاقا من فكرهم عن ثورة ذات طابع رجعي، والثورة بالنسبة لهم انتهت يوم 11 فبراير بسقوط مبارك، ولكن المقصود بالثورة هو تحقيق الديمقراطية والعدالة وانتخابات نزيهة للوصول إلى الحكم، وليس المقصود بها تعديل بنية العلاقات في المجتمع.

هل ترى أن وصول محمد مرسي للرئاسة كان انتصارا لثورة يناير أم الثورة المضاده؟

- وصول محمد مرسي ليس انتصارا لثورة يناير، وليس انتصارا للثورة المضادة، لأن السياق كانت فيه أزمة طاحنة تمر بها الثورة، ولدي وجهة نظر شخصية أن الثورة وضعت في مأزق، نظرا للخيانات المتكررة لها، ونظرا لعدم وجود موازين قوى سياسية، حيث إن الانتخابات وضعتنا في اختيارين " كلاهما مر"، والسؤال المطروح: ما الذي يمكن عمله لتجنب هزيمه أفدح وليس للانتصار؟ وكان هناك ثلاث إجابات على هذا السؤال؛ الأولى هي مقاطعة الانتخابات، وستكون هناك نتيجة إيجابية، والإجابة الثانية اختيار شفيق، والإجابة الثالثة هي اختيار مرسي. والاختيار الأول هو إبراء للذمة، ولكن هذا الاختيار الذي اختاره بعض الثوريين وبعض القوى السياسية، كان لا يستطيع أن يقضي على فكرة الانتخابات وتعطيلها، لذلك كانت المفاضلة بين شفيق ومرسي. ومن وجهة نظري، فإن الثوريين المشاركين في تللك الانتخابات لو أخذنا نسبا وتناسبا، نستطيع أن نقول من بين كل 10 أشخاص كان هناك 9 أشخاص قاموا بالتصويت لمحمد مرسي، وشخص قام بالتصويت لشفيق، وكان المنطق أن وجود مرسي سيجعل ضعفا أكبر في العدو، في مقابل أن وجود شفيق سيجعل العدو أقوى. وهل هناك عدوان في تلك الفتره ؟ لا، لأن فوز شفيق كان سيعجل عودة نظام مبارك ونجاح الثورة المضادة، وكان فوزه سيحدث تناغما شديدا بين مؤسسات الرئاسة ومؤسسات الدولة، وكان هناك رأي أن الشرطة في حالة فوز شفيق، ستحتفل في الميادين على الشعب، ولكن في حالة فوز مرسي، سيكون هناك تنازع بين السلطتين الرئاسية ومؤسسات الدولة، وما نقوله لغو، لأنه ليس لدينا قوة على الأرض.

هل ترى أن الإخوان المسلمين وصلوا للحكم بإرادة الشعب وانتخابات حرة نزيهة ؟

- بالمعيار المتوسط أو لضيق الديمقراطية، يمكن اعتبارها انتخابات نزيهة من حيث فرز الأصوات وعدد الناخبين وهكذا...، ولكن بالمعنى العميق للديمقراطية لا، لأن الديمقراطية لا تعني أن من يملك الأموال الضخمة يؤثر على أصوات الناخبين، سواء إعلاميا أو ماليا بشكل مباشر، وكانت هناك تحالفات رديئة وغيرها...

ما موقف حقوق الإنسان من الممارسات التي تمت في عهد محمد مرسي، وليكن أحداث الاتحادية؟

-لا يوجد أدنى شك عن تلك الانتهاكات التي تمت في عهد مرسي، وأن منظمات حقوق الإنسان بأكملها أدانت تلك الممارسات والانتهاكات الكبيرة في عهد مرسي، سواء الانتهاكات التي قام بها جماعة الإخوان المسلمين، وأهمها أحداث الاتحادية، أو الأحداث التي تمت بعد 30 يونيو، مثل أحداث المقطم، وأيضا الانتهاكات التي تمت بالتحالف مع الجيش والشرطة، ولتكن مذبحة بورسعيد وخلافه... وكل منظمات حقوق الإنسان أدانت تلك الممارسات، وأنجزت تقارير كثيرة عنها، وهذا لم يكن امتحانا لحقوق الإنسان، ولكن الامتحان الآن، حيث إن أهواء حقوق الإنسان مدنية، فليس لديهم أية مشكلة على الإطلاق لإدانة حكم الإخوان المسلمين، ولكن الآن بما أن التيار مدني هناك، فبعض الحقوقيين أو بعض المنظمات لديها غصة، أن تعترف بأن ما يحدث الآن هو مذابح.

ما حدث بعد 30 يونيو هل هو انقلاب عسكري أم تأييد من الجيش لإرادة الشعب؟

- حقوق الإنسان لا تستطيع الإجابة على هذا السؤال بشكل مباشر، لكن العلوم السياسية ترى هذا انقلابا مدعوما شعبيا، حيث إن مرسي كان رئيسا منتخبا من خلال انتخابات شرعية قبل بها العالم، وقبل كل السياسيين نتيجتها، وبعد سنة واحدة من الحكم. بغض النظر عن حجم المظاهرات والأعداد، أعلن الجيش -وبشكل مباشر- مهلة محددة، وبعدها إنذار أخير، ثم اتخذ القرار بالإطاحة بمرسي، وعزله وحبسه، فهذا بلا أدنى شك يقع تحت مسمى "انقلاب مدعوم شعبيا"، ويرى البعض أنه سيستعاد مسار الديمقراطية مرة أخرى وفق خارطة الطريق الموضوعة.

ماذا عن الأسلــوب المستخدم في فض اعتصام أنصار الرئيس المعزول برابعة العدوية؟

- بلا أدنى شك، مذبحة نقارنها بما حدث في صبرا وشاتيلا، ويوجد عدم تناسب في القوى بشكل رهيب، وهذه قواعد معروفة حقوقيا، وأهمها مبدأ التناسب في القوى، حيث عدم التماسك في استخدام القوة جريمة، يعني هذا أن قتل 5 أشخاص من جانب الشرطة، يقابله قتل أكثر من 800 شخص من أنصار الرئيس المعزول. وأظن أن أية منظمة حقوقية على مستوى العالم، سواء مؤيدة لما يحدث أو معارضة فستعترف بأنها مذبحة. كانت هناك طرائق أخرى لفض الاعتصام، وكان لابد من وجود حل سياسي، وأنا لست من الأشخاص الذين يقولون إن العنف والدم ليس من السياسة، بل هي طريقة في ممارسة السياسة، حيث كان من الممكن أن تحدث مفاوضات للخروج من تلك الأزمة، وكان من الممكن عمل تسوية بين الطرفين، تقضي برجوع الإخوان إلى العملية السياسية، حيث يكونون الشريك الأصغر فيها. أما الأطراف المهيمنة، فلا تستطيع قبول هذا الحل، وكان من الممكن حصار الاعتصام فترة طويلة، ومنع الأغذية والمشروبات من الوصول إلى الاعتصام، وعدم السماح للأشخاص التاركين للاعتصام الدخول مرة أخرى، وهكذا.... أما بالنسبة لما قيل عن قيام الحكومة بطرح مبادرة للتصالح، فهذه معلومات مشوشة، حيث قرأت في صحف أجنبية لديها مصداقية أنه كان هناك مبادرة قادها البرادعي، ووافق عليها الإخوان المسلمون، ولكنها لم تنفذ، ونستطيع أن نقول عمليا، إنه تم إسقاط المبادرة يوم الهجوم، حيث فوجئ البرادعي بالهجوم على الاعتصام، مما أدى إلى تقديم استقالته من منصبه.

كيف ترى القبض على كوادر وقيادات الإخوان المسلمين؟

- لو تحدثنا من منظور حقوقي بحت، فسنرى أنها عملية مسيسة، والدليل على ذلك أننا نرى أنهم يقبضون على هؤلاء، ولا يقبضون على أولئك؛ فكل من مارس وحرض على العنف لابد أن يحاسب، سواء النظام المخلوع أو النظام المعزول وتوابعهم.

هل أنت مع قيام الأحزاب على أساس ديني؟ ولماذا؟

-أنا مع قيام الأحزاب الدينية، حيث نرى أنهم قبلوا الأقباط، وقالوا إنهم شركاء في الوطن، والمادة الثانية من الدستور مقبولة من الجميع. دعنا نفرق؛ فهناك حزب ديني عنصري هو ذلك الحزب الذي يتبنى منظور دين معين، ويتبنى التعرض للأديان الأخرى، وهناك حزب ديني غير عنصري، مثل الحزب المسيحي الديمقراطي بألمانيا. ولكن أنا لا أفضل الأحزاب الدينية، أنا أريد أحزابا تقوم على تحقيق العدالة والحرية، وليس أحزابا تدافع عن دين في مواجهة دين، ولكن ما يدور في ذهني إذا تم منعها ماذا سيحدث؟ ألم نحظرها ونمنعها من قبل حوالي 50 عاما؟ والإقصاء لها يطيل العملية، ومثال ذلك إلغاء اليمين المتطرف خلال 80 عاما، ماذا حدث بعدها؟ تم الصعود مرة أخرى على السطح، حيث إنه يمكن إقصاؤه بصراع سياسي طبقي، وليس بقوانين، ثم يعود لعمل حزبي غير شرعي، وأكرر أي حزب ديني عنصري يحرض على ديانات أخرى أو أجناس أخرى فأنا مع حله، وإذا نص الدستور على حل الإخوان المسلمين فأنا معه، وأنا مع شعار أن العلمانية لا تفرض بالدبابة.

ما رأيك بما حدث في الدولة من حرق للكنائس؟

-هناك آراء؛ فمنهم من يقول إن من فعل هذا هو الحزب الوطني، وهناك من يقول بلطجية، لكن أنا لا أعلم من فعلها، ولكنني على يقين من أن المجرم الأكبر في هذا النظام وفوق النظام قطاع من الإسلامين، وليس كل الإسلامين، حيث إن ذلك القطاع هو قطاع مجرم بكل المقاييس، ولا يمكن مسامحتهم عليها، حيث أحط أنواع السياسة اليمينية هي أن تقتل إنسانا مضطهدا على الهوية، أو تحرض ضده، فما فعلوه خارج عن الإنسانية.

كيف ترى التأييد القوي للولايات المتحدة الأمريكية للحكم الإسلامي، وكمية هذا التعاطف بعد عزل مرسي؟

- الولايات المتحدة تسعى إلى مصالحها، وإن المنظور السائد في إدارة أوباما بسيط جدا، حيث الثورات العربية أطاحت بالأنظمة المهيمنة والمتحالفة مع إسرائيل، فأصبحت أمريكا ترى أن الوضع غير مستقر فما هو الحل؟ قامت أمريكا بتبني الحل الذي تبناه المجلس العسكري والجيش يوم 11 فبراير، حيث قام المجلس العسكري باحتواء الإخوان الفصيل الأقوى والمنظم، مما يبدو كأنه يوجد تغيير في النظام، ولكن لا يوجد تغيير في النظام، حيث إن جماعة الإخوان المسلمين من ناحية لا تريد إلا تحقيق مصالحها والوصول للسلطة، ومن ناحيه أخرى لا تغيير لأي شيء لمصلحة الشعب، ولذلك ساندتهم أمريكا، حيث إن الشعب ثار على النخب العربية نصف العلمانية، فكانت وجهة النظر الجديدة ديمقراطيات محافظة إسلامية تتحالف معها. وما حدث في 30 يونيو وما بعدها دمر تلك الصيغة لدى أمريكا، وإن المخططين داخل أمريكا يقولون مهما كان للإسلاميين تأييد شعبي الآن، فسيخف كثيرا بعد استبعادهم من العملية؛ ففي اللحظة التي رأت فيها أمريكا أن ميزان القوى اختلف سواء من قبل الشعب أو السلطة وافقت على عزل مرسي، ولكن هي ترى أن يكون الإخوان طرفا في العملية السياسية.

كيف ترى مصر إذا استمر الحكم الإسلامي؟ وما مدى تأثيره على العملية بأكملها؟

- لم يكن مرسي وجماعته قادرين على الهيمنة على أجهزة الدولة، حيث إن الوضع لم يكن في قبضة يده، وإذا استمر فستكون الحياة السياسية مليئة بالنزاعات المستمرة؛ فجماعة الإخوان المسلمين كانت كالطفل الذي يجلس في حجر أبيه، وهو يقود السيارة، حيث إنهم كانوا غير مسيطرين على أجهزة الدولة، من شرطة وجيش وإعلام، وإن وقفوا أحيانا بجانبه وفقا لموازيين القوى، وأيضا ضغوط خارجية، وإذا استمر الوضع هكذا، فستكون الرئاسة في جانب والأجهزة في جانب آخر، ولكن إذا نجح مرسي وجماعته في السيطرة والهيمنة على أجهزة الدولة، فهناك طريقتان؛ أولها أنهم استخدموا طريقة فشلت فشلا ذريعا، وهي طريقة الاسترضاء كتأمين الجيش والشرطة والقضاء، فهي طريقة صعبة النجاح، ولكي تنجح كانت تحتاج إلى قاعدة شعبية كبيرة جدا. ومتى تقوم أجهزة الدولة بمساندتهم؟ عندما يكون هناك دافع، والدافع الوحيد هو الغطاء الشعبي، فلننظر إلى تجربة تشافيز مثلا، حيث إن أجهزة الدولة غير قابلة بوجوده، ولكن كان هناك غطاء شعبي لديه، وهذا صعب أن يحدث مع مرسي نتيجة الأحوال الاقتصادية للدولة، وأيضا طبيعة الإخوان اليمينية، حيث إنهم خسروا كل الشعب؛ والطريقة الثانية هي التكسير مثل إيران؛ أي أن تبني أجهزة جديدة وتكسر الدولة القديمة بالصراع، وهذا خارج عن طبيعة الإخوان وخارج عن توازن القوى.

هل ترى أن خارطة الطريق الموضوعة مخرج من الوضع الراهن أم لا ؟

- بالتأكيد ليست مخرجا، حيث إن النظام الراهن انقلابي إقصائي؛ فجزء كبير من القوى السياسية خارج المشهد السياسي، والمخرج الوحيد للمأزق الذي تمر به الدولة لايأتي من داخل النظام، المخرج هو الضغط الجماهيري كحركة شعبية، وليس بالضروة ثورة.

هل تعتقد إذا تحرك الثوار أو الساسة لمطالب معينة فسيدعمون من الشعب؟

- بالتاكيد لا، ولكن نواة صغيرة من الممكن أن تنشط، ولكنني أتحدث عن الحركة الجماهيرية، على أساس أنها حل افتراضي، حيث فيه تناقضات داخل الوضع الراهن غير المستقر دولياً، وهذا ليس أهم عنصر للشعب بل للسلطة، ومثال ذلك وجود كمال أبوعيطة في الوزارة، فإن جميع القيادات العمالية والثوار شعروا بالبهجة والأمل بأن مطالبهم ستحقق، ولكن هو لم يحققها، إذن توجد تناقضات .