تقديم كتاب "أنوار من أجل رؤى حداثية أصيلة"

فئة: أنشطة سابقة

تقديم كتاب "أنوار من أجل رؤى حداثية أصيلة"

استضافت مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث بالاشتراك مع رابطة تونس للثقافة والتعدد، بمقرهما المشترك بمدينة باردو التونسية يوم 15 مايو (أيار) 2015، الباحث التونسي مصدق الجليدي لتقديم كتابه: "أنوار من أجل رؤى حداثية أصيلة"، وقد أدار اللقاء الأستاذ احميدة النيفر، وترأسه الباحث التونسي ناجي الحجلاوي الذي قدم الكتاب.

 أكد الأستاذ ناجي الحجلاوي، في معرض تقديمه للكتاب، أن المؤلَّف بحث عن السنن التجديدية في الفكر الإسلامي من أجل تأسيس أنموذج تأويلي جديد، من معالمه: أن يكون منتجا للمعرفة عبر مقولة ختم النبوة، وذلك بالنسبة إلى الكاتب الكوجيتو المنتج للمعرفة (الأنا المفكرة)؛ واعتماد المنهج البنائي بما هو صفة تطلق على كل النظريات والتصورات التي تعتمد في تفسيرها لنظرية التعلم، انطلاقاً من التفاعل بين الذات المتعلمة والمحيط؛ والتأكيد على أنّ السنن التجديدية متوفرة في الموروث الثقافي، وينبغي علينا تفعيلها واعتمادها، وهو أنموذج تأويلي "منفتح يجمع بين خصائص الذات من جهة وخصائص العالم الموضوع من جهة ثانية" على حد عبارة الأستاذ الحجلاوي.

وقال الأستاذ الحجلاوي، إن هذا الكتاب ذو خلفية ثقافية بحثية شهودية تنهض على مسطح ختم النبوة الذي يلعب دوراً مزدوجاً: فهو يوفر العدة المنهجية من ناحية ويوفر الإطار النظري الذي ينتظم الوعي وفقه من ناحية ثانية.

وبين الأستاذ الحجلاوي في كلمته، أن الكتاب يعكس تمشياً واعياً نحو تحقيق التحرر من هيمنة الميتافيزيقا وإشاعة فلسفة محو الذات، ومقاومة الاستلاب الذي تفرضه العقلانية الباردة (العقلانية الغربية المهيمنة). ثم إن الكتاب، في نظره، محاولة جادة لبناء الأدلة على تنسيب الثقافة الغربية ومركزيتها لتأسيس الحداثة الأصيلة عبر فهم جديد للظواهر النصية والكونية اعتمادا على مقولة محمد إقبال: "إن النبوءة لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوءة ذاتها".

وأما في القسم النقدي من مداخلته، فقد انتصر فيها الأستاذ الحجلاوي لكتاب "أنوار من أجل رؤى حداثية أصيلة" لأنه، على خلاف المشاريع الفكرية الكبرى التي لم تتحقق، قد انطلق من تجديد نظرية المعرفة ذاتها للتأسيس للحداثة والتحول عبر إثارة مشكلة التعلم والمعرفة. غير أنه أبدى تحفظه على فكرة البحث عن السنن التجديدية في الموروث، فذلك ما اعتمده مالك والشافعي في عصرهما ولكن النص، في رأيه لا يفهم كما تفهم المادة الجامدة، فإذا كان الدم مثلا يعني في السنن القديمة سائلا أحمر، فإنه اليوم مكون من آلاف العناصر المتكاملة بفضل الاكتشافات العلمية وتغير الواقع ووسائل إنتاج المعرفة. كما عبر الأستاذ الحجلاوي عن تخوفه من التنافر بين عبارتي "حداثة" و"أصيلة"، فقد تعودان بنا على بدء، فنجد أنفسنا منشدين إلى الوراء نقدس الماضي والتراث.

من جهته أوضح الدكتور مصدق الجليدي في كلمته، أن الكتاب "يريد أن يكون لبنة في ثورة ثقافية تتم عبر تجذير الوعي الثقافي". ويعكس عنوان الكتاب حذراً، لأنه لا يزعم أنه سيصيب كل معاني الحداثة الأصيلة، على حد تعبيره. كما بين أن الكاتب لا يزعم أنه وحده سيأخذ بجماع هذه المعاني.

وأكد الدكتور الجليدي، أن هناك "حداثة دخيلة" تؤكدها صيغ التحديث القسرية الفوقية التي بان فشلها، لأنها لم تنطلق من داخل ممكنات الفعل الثقافي العربي الإسلامي وما فتئت مظاهر التكلس أن ظهرت. ثم إن الحداثة الغربية في رأيه ليست كونية كما تزعم، إذ استدل بموقف هيجل الذي يقول إنه ليس بإمكان المسلمين بناء دولة، لأن تصورهم لله متعال مقارنة بالمسيحية التي حلّ فيها المسيح (الله) في التاريخ. كما استدل بعقدة أوديب عند فرويد، وهي مفهوم علمي كوني تدحضه حقيقة أنبياء الديانات التوحيدية الثلاث، حيث موسى لم يكن يسعى لقتل أبيه، وعيسى لم يكن له أب أصلاً، ومحمد ولد بعد أن مات أبوه، وهم بالتالي لا يعانون من عقدة أوديب كما يذهب إلى ذلك فرويد.

وذكر الدكتور الجليدي أبرز المفاهيم التي انبنى عليها مشروعه، مثل "ختم النبوة" الذي يعني رفع الوصاية عن عقل الإنسان. وبين جذور الحداثة الغربية التي انبنت على مفهوم "موت الإله" في السياق الغربي، لأنه "حرمهم من الملذات والزواج ...إلخ؛ في حين أن الأمر في الإسلام مختلف لأن الأصل في الأشياء الإباحة، ولا حاجة إذن إلى مفهوم "موت الإله". وأما "الحداثة الأصيلة"، فهي تلك التي نبنيها من داخل ممكنات العقل العربي الإسلامي ويساويها بـ"الأصالة المبدعة" كما يسميها.

وقال الدكتور الجليدي، إنه حاول تطبيق ذلك على أربعة مجالات مثلت المحاور الأساسية للكتاب، وهي: السياسي وما يقتضيه من إعادة بناء للديمقراطية والعلمانية وحقوق الإنسان؛ والديني وما يتطلبه من إعادة نظر في علم الكلام وأصول الفقه والفلسفة الإشراقية؛ ومجال التربية؛ ومجال الحوار بين أتباع الأديان.

هذا واختتم اللقاء بفتح باب النقاش للحاضرين الذين ساهموا في إثراء الحوار بأسئلتهم وتعقيباتهم واستفساراتهم، التي تفاعل معها الدكتور الجليدي، وبين أن الكتاب يقتضي قراءة متفحصة كي تزول الظنون حول اعتماده منهجاً توفيقياً ينفيه عن الكتاب.

والدكتور مصدق الجليدي باحث تونسي حاصل على الدكتوراه في علوم التربية، وهو أستاذ وباحث وأكاديمي وخبير دولي في بناء الأنظمة التربوية وتقييمها وتطويرها. يرأس تحرير مجلة الفاعل التربوي. شارك في عشرات الندوات العلمية الوطنية والدولية في مجالات التربية والفكر والثقافة. نشرت له عديد الدراسات العلمية والكتب في علوم التربية وفي الإصلاح التربوي والديني في تونس وخارجها، مثل "رواد الإصلاح التربوي في تونس" (دار سحر للنشر، تونس، 2009) و "من أجل تربية عربية بنائية" (دروب للتربية، الدوحة، 2009) و"الإسلام والحداثة السياسية"، (المركز الجامعي للدراسات والنشر، بيروت، 2010) و"أنوار حداثية أصيلة" (الدار المتوسطية للنشر، تونس، 2014)، و"تربية المستقبل" (الدار المتوسطية للنشر، تونس 2014) و "في الثورة والانتقال الديمقراطي"، (تونس، 2014) و"المجالات التربوية من منظور إبداعي أصيل" (دار الكلمة- القاهرة، جمهورية مصر العربية، تحت الطبع، 2015) .