اليسار العربي والدين

فئة: المشاريع البحثية السابقة

اليسار العربي والدين

 اليسار العربي والدين 

لتحميل أنموذج السيرة الذاتية المرجو الضغط هنا

لتحميل استمارة ملخّص البحث المرجو الضغط هنا


يبدو من الصعب تحديد سمات مشتركة جامعة لتيارات اليسار؛ التي تضم  ألوانا شتى لتنظيمات مختلفة تتبنى هذه التسمية، لئن كانت تلتقي على عدد من المبادئ الأساسية، فإنها تختلف في كثير من الممارسات السياسية والمرجعيات النظرية والأيديولوجية. ومع هذا التنوع اتسعت مظلة اليسار، وتعددت المصطلحات والتصنيفات التي يعبر بها كل فصيل يساري عن نفسه ويصنف عبرها الفصائل الأخرى، من الشيوعية إلى الاشتراكية إلى يسار الوسط (الديموقراطية الاجتماعية)، وصولا لليسار الأناركي الراديكالي، فضلا عن ظهور تيارات يسارية متنوعة عرفت نفسها بالقومية مثلما هو الحال على الصعيد العربي؛ حيث أضيفت لقائمة قوى اليسار اتجاهات قومية وعروبية ربطت بين قضية التحرر الوطني وقضايا العدالة الاجتماعية والاستقلال الاقتصادي.

الحاصل أن توصيف تيار ما بأنه ينتمي إلى اليسار ليس أكثر من إشارة عامة إلى قوى سياسية لها فعلها في الواقع دون وجود تحديدات قطعية لطبيعتها، لذا فإن هناك ضرورة لتحديد مفهوم إجرائي، ولو أولي، للتعريف بهذا التيار، وتحديد طبيعته وخصائصه ومرجعياته، وتمييزه عن بقية القوى السياسية والاجتماعية، اعتمادًا على المحددات الاجتماعية والأيديولوجية لوجوده، مع الأخذ في الاعتبار تقاسمه بعض هذه المحددات مع قوى أخرى تصنف على أنها تنحاز إلى اليمين.

وفي سياق البحث عن مفهوم إجرائي لليسار قُدِّمت العديد من الاجتهادات لعل أشهرها ذلك الذي قدمه محمد عابد الجابري، إذ وضع تحديدًا عامًا لليسار باعتباره: "ضد اليمين"، مشيرًا إلى تناقض ذي بعدين في تحديد المفهوم، بُعد اقتصادي يتحدد أساسًا بالعلاقة مع وسائل الإنتاج (بملكيتها: اليمين، أو عدم ملكيتها: اليسار)، وبعد إيديولوجي يتحدد أساسا بنوع النظرة الميتافيزيقية للكون، النظرة الدينية (اليمين)، والنظرة المادية الموسومة بالعلمية (اليسار). وبالارتباط مع هذين البعدين، ومع البعد الإيديولوجي بصفة خاصة، ظهر مرادفان، لمصطلح يسار/يمين هو مصطلح تقدمي/رجعي، فأصبحت التقدمية سمة لليسار والرجعية سمة لليمين. وحيثما يكون البعد الاقتصادي في التصنيف ضعيفا أو منعدما كان البعد الإيديولوجي يقوم مقامه، وهكذا غدا التقدمي هو المتحرر دينيا، والرجعي هو المتمسك بالدين. فصار التقدمي بهذا المعنى يساريا حتى ولو لم يكن من صفوف الكادحين، وصار الرجعي بهذا المعنى أيضا يمينيا، حتى ولو لم يكن من صفوف الأغنياء.

استفادة من التعريف السابق وتعميقًا له، يمكن الرجوع إلى محددين رئيسين في تصنيف التيارات السياسية والاجتماعية عامة، وفي العالم العربي على وجه الخصوص، لإنشاء مفهوم للمزدوج التناقضي يسار/يمين؛ المحدد الرئيس الأول هو المحدد الاجتماعي/الاقتصادي، ووفقا لهذا المحدد فإن اليسار هو ذلك التيار الذي يستهدف القضاء على  كافة أشكال الاستغلال الطبقي، بحيث تكون فيه جميع وسائل الإنتاج والتوزيع والتبادل ملكا للجمهور، أو للدولة في مرحلة انتقالية.فاليسار كمفهوم اجتماعي/اقتصادي يعبر عن ذلك الاتجاه ، الذي يرفع شعارات العدالة والمساواة دفاعا عن الطبقات المسحوقة من عمال وفلاحين، في مواجهة أصحاب رؤوس الأموال وسلطة الدولة التي تؤبد سيطرتهم على أدوات الإنتاج، وتسمح عبر وسائلها القمعية بإعادة إنتاج المجتمع الطبقي وسيطرة أصحاب رؤوس الأموال عليه.

أما المحدد الأيديولوجي في مفهوم اليسار فيختص بنقده الجذري للميتافيزيقا والدين؛ذلك أن الدين من وجهة نظر كثير من القوى اليسارية، خاصة الماركسية، يُعد شكلاً من أشكال الوعي الاجتماعي الزائف، يعزّي البؤساء عزاءًا وهميًّا،ويخفّف من شعورهم بالظلم، دون أن يزيل أسس الظلم ذاتها. ويشتبك نقد اليسار للدين كميتافيزيقا وأيديولوجية مع نقده للمؤسسة الدينية ذاتها، فهي في نظره المسئولة عن إنتاج الرؤى الدينية وتعميمها على جموع المتدينين المنسحقين، متحالفة في ذلك مع أصحاب المصالح من مالكي وسائل الإنتاج. ويبني اليسار الراديكالي، هذه الرؤية مستشهدا بتاريخ الكنيسة ودورها في الحفاظ على مصالح الإقطاعيين وكبار الملاك في أوروبا قبل الرأسمالية، وعدائها للعلم والتنوير، واستمرار هذا الدور للمؤسسات الدينية في كافة المجتمعات الطبقية.

لكن لا بد من الالتزام بالحذر المعرفي والمنهجي قبل تعميم  تلك الرؤية لدور الدين ومؤسساته على كافة فصائل اليسار؛ فلقد وجدت نقدا حتى من داخل بعض قوى المنتمية إليه؛ إذ رأى عدد من المنظرين الماركسيين أن الماركسية في الأصل لا تهاجم الدين بقدر ما تهاجم هذا التزييف المتعمد للوعي،مؤكدين أن ماركس حين قال مرارا أنه لابد من التحول من نقد الجنة إلى نقد الأرض، وتجاوز الميتافيزيقا والتموضع حيث قضايا الإنسان المستغل، لم يكن يهاجم الدين في ذاته، بل كان يقدم نقدًا جذريًّا لهذا الواقع الطبقي الذي جعل من الدين ملاذا للمهمشين والفقراء، وهو أبدا لم يكن مبشرا بالإلحاد، لكنه كان يبحث عن خلاص الإنسان على الأرض، ولم يجعل الإلحاد شرطاً موضوعياً أو ضروريا للنضال ضد الفقر والاستغلال، بل يمكن القول أن الماركسية تجاوزت إشكاليات التدين وانحيازات أصحاب الأديان إلى ما هو أكثر تعلقاً بالإنسان.

وبالنظر لهذه الاعتبارات فقد زالت كثير من الحدود القطعية بين اليسار في ممارساته السياسية، وبين القناعات الدينية التي تحملها القوى الاجتماعية المستهدفة؛ حيث أثرت أفكار اليسار حول العدالة الاجتماعية بقوة في بعض التيارات الدينية في كثير من بلدان العالم الثالث، وعلى الأخص بلدان أمريكا اللاتينية، فظهرت تيارات دينية تجمع بين الفكر الاجتماعي الراديكالي وبين القوة الإيمانية بالمطلق الإلهي؛ فكانت حركة لاهوت التحرير التي نشأت في سبعينيات القرن الماضي حركة تصالحية بين اليسار كمفهوم اجتماعي، والدين، حيث تبنت الحركة التي نشأت في كولومبيا على يد أساقفة أمريكا اللاتينية، حقوق الفقراء والمهمشين في مواجهة الاستغلال الرأسمالي، واشتد بريق الحركة التي تزعمها القس جوستاف جيتيرز، وهو ما وقفت ضده الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان باعتباره نفوذا يساريا ماركسيا في الكنيسة.

ليس في ممارسات اليسار العربي ما يشير إلى أن الأحزاب الشيوعية، واليسارية بمختلف توجهاتها، قد جعلت من الدين عدوًّا رئيسيٌّا في صراعاتها لتحقيق المجتمع العادل كما تصورته، والحقيقة أنها راوحت ما بين موقفها الرافض للدين باعتباره أيديولوجيا لتعزية الفقراء وتبرير استغلالهم، وبين التأثر بالجوانب الاجتماعية العقلانية التقدمية في الفكر الديني وانحيازه للفقراء، فظهرت في البلدان العربية الإسلامية كثير من المحاولات لاستكناه الجانب التقدمي الإنساني في الدين الإسلامي وتراثه الفكري والفلسفي وتاريخ الصراع الاجتماعي فيه. ويمكن القول أن موقف اليسار من الدين لم يكن عدوانيًّا على طول الخط، بل حاول مفكروه البحث عن جذور مفهوم للعدالة الاجتماعية في التراث الديني الإسلامي والمسيحي، وظل المسيح رمزا للإنسانية والتجرد من المصالح الدنيوية، ووضع النبي محمد بين مصاف الثائرين على الاستغلال الطبقي وبطلا تاريخيا ينتصر لحقوق العبيد والعامة.

لم تأخذ الأحزاب اليسارية العربية عبر تاريخها  مسألة تدين الجماهير وإيمانها مأخذ الجد عند طرح نفسها كقيادة طبقية لتلك الجماهير، ولم ينتبه سوى القليل منها إلى ذلك الخلل في علاقتها بجماهيرها، فحاولت الاقتراب من مشاعر الناس وأمزجتها الدينية ومشاركتها إياها في مناسباتها الدينية، الأمر الذي ساعد بهذا القدر أو ذاك على تقوية نفوذها وتأثيرها داخل البلدان العربية, كالحزبين الشيوعيين السوداني والعراقي وبعض القوى القومية القريبة من اليسار، التي أدركت ضرورة التخلص من ذلك التعالي على معتقدات البسطاء، فزاد اقترابها بهذا القدر أو ذاك في مرحلة تاريخية أو أخرى من مشاعر وثقافات شعوبها الدينية، وتمكنت من التفاعل بقوة مع نضالات شعوبها من اجل الاستقلال والتحولات الإصلاحية الاجتماعية والسياسية.

وإذا كان موقف تنظيمات اليسار من الدين غائما ومرتبكا، فإن مثقفي ومفكري ومبدعي اليسار أبدوا اهتماما أكبر بإبراز الجانب الثوري المنحاز للفقراء في التراث الإسلامي، فكتب معين بسيسو عن ثورة الزنج وصلاح عبد الصبور عن أبي بشر الصوفي الحلاج، وحفر حسين مروة في هذا التراث بحثا عن جوانب العقلانية والاستنارة والعدل الاجتماعي.

لقد كان حسين مروة من الأوائل الذين لفتوا انتباه اليساريين إلى أهمية قراءة التراث العربي الإسلامي برؤية تقدمية، ففي مشروعه الكبير (النزعات المادية في الفلسفة الإسلامية) الذي قضى عقد من الزمن لانجازه، قدم مروة قراءة للتراث العربي الإسلامي بلغة ومنهج ماركسي مثيراً بتلك القراءة والتفسير جدلاً واسعاً في الأوساط اليسارية والدينية المعتدلة منها والمتطرفة، لكن منجز مروة المتميز لم يكتمل والسبب هو اغتياله من قبل قوى الظلام عام 1987، واغتالوا معه الجزء الثالث من مشروعه الفكري المتميز.غير أن كاتم الصوت الذي قتل مروة لم يقتل التوق العلمي اليساري للحفر المعرفي في الفكر والتراث الديني، بل فتح الطريق للعديد من الباحثين لاستكمال مسيرته، مثل هادي العلوي، مهدي عامل، غالي شكري، الطيب تزيني، محمود إسماعيل...

ومع صعود قوى الإسلام السياسي منذ حقبة الثمانينيات القرن العشرين وظهور الحركات الإسلامية المتشددة، انقسمت آراء اليسار في هذا الشأن؛ حيث رأى بعض اليساريين، مثل المفكر الماركسي جيلبير الأشقر، أنها تمثل قوة دفع للبرجوازية الرجعية، ويفيد "الأشقر" من مفهوم فيبر صاغه ماكس فيبر هو مفهوم "التجاذب الاختياري" حيث يرى أن لاهوت التحرير المسيحي قد جمع بين إرث المسيحية الأصلية الرافض للتمييز الاجتماعي وبين الاشتراكية، بينما عبرت تشترك كل أصناف الأصولية الإسلامية في إخلاصها لم هو مشروع خيالي لبناء مجتمع لا يتوجه إلى المستقبل بل إلى الماضي القروسطي، أو بحسب تعبيره "يوطوبيا قروسطية رجعية". وعلى النقيض رأى المفكر، الماركسي أيضا، كريس هارمن "الاشتراكيين قد اخطئوا في النظر إلى الحركات الإسلامية على أنها اتوماتيكيا رجعية وفاشية أو أنها اتوماتيكيا معادية للامبريالية وتقدمية".

وإلى جانب الممارسات النظامية لقوى اليسار، ظهرت محاولات محدودة الانتشار والتأثير لتكوين حركات يسارية حاولت المزج بين اليسار كمذهب سياسي، والدين كموضوع اجتماعي، وهو ما أنتج محاولات بعضها مشوه، وبعضها نجح نجاحا ضئيلا في تحديد أطر فكرية ومنهجية، ليظهر مفهوم اليسار الإسلامي.

إن العلاقة بين الدين واليسار في عالمنا العربي شديدة الأهمية ولم تنل بعد حظها من الدراسة والاستقصاء ,ولذا يهدف هذا المشروع البحثي الى سد هذه الثغرة التي لها اثارها المعرفية والعملية في الحقل السياسي.

نطاق البحث:

يهدف هذا المشروع إلى تحليل موقع الدين من فكر وممارسات اليسار العربي، وعرض أبرز حالات الصراع والتحالف بين اليسار والقوى الدينية. ويتناول البحث إشكاليات علاقة اليسار العربي بالدين أيديولوجيا وممارسة، وذلك من خلال إجراء الدراسة في عدد من البلدان العربية التي لعبت فيها القوى اليسارية دورا سياسيا وأيديولوجيا قويا في تاريخها الحديث. ولقد تم اختيار إحدى عشر دول كحالات محددة للدرس هي: المغرب والجزائر وتونس ومصر والسودان والعراق وسورية ولبنان والكويت وفلسطين والأردن.

إشكاليات البحث ومحاوره:

   وتجرى الدراسة في كل بلد على حدة ثم توضع التقارير المتعلقة بكل دولة في سياق مقارن ضمن التقرير النهائي للبحث. وتتناول الدراسة عدة محاور، هي:

1-   مدخل تاريخي حول تشكل أهم القوى اليسارية المؤثرة في البلد المعني.

2-  الطرح الأيديولوجي والفلسفي لتلك القوى والجذور الاجتماعية لهذا الطرح.

3-  موقف قوى اليسار من قضية الدين.

4-  اجتهادات اليسار في فهم ظاهرة الدين وتفسيرها.

5-  دور الدين في تشكيل الشخصيات القيادية في اليسار العربي فكرًا وممارسة (دارسة التاريخ الشخصي لنماذج من تلك القيادات).

6-  الإنتاج الفكري لمثقفي اليسار حول التراث الديني.

7- موقف قوى اليسار من مؤسسات الدولة الدينية.

8- موقف قوى اليسار من تسييس الدين ومن قوى الإسلام السياسي والمسيحية السياسية.

9-  موقف قوى اليسار من تدين الجماهير العام (التدين الشعبي).

10- أنماط التحالف والصراع بين اليسار وقوى الإسلام السياسي.

11-   لماذا لم ينتج اليسار العربي ظاهرة تحتوي الدين في تيار تحرري مثل لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية؟

المنهج:

     يتبنى البحث حزمة من الأدوات المنهجية، يتم تطبيقها على الحالات المحلية وعلى التقرير العام والمقارن: التحليل التاريخي، تحليل الخطاب، المقابلات الشخصية المعمقة مع قادة اليسار من منتجي الفكر.

البرنامج الزمني للمشروع

-   06 يوليو 2015 : إطلاق المشروع البحثي على موقع المؤسسة.

-   15 أغسطس 2015 : آخر أجل للتوصل بملخصات البحوث.

-   15 أغسطس وحتى 15 سبتمبر 2015: عرض الملخصات علي لجنة التحكيم والإعلان عن نتيجة التقييم.

-    29 فبراير2016: آخر أجل للتوصل بالبحوث تامة ومحررة.

-    مارس وأبريل 2016:  تحكيم البحوث وإعداد التقارير التقييمية في شأنها.

-    مايو ويونيو 2016: يخصص للباحثين الذين يطلب منهم القيام بتعديلات علي بحوثهم لتكون صالحة للنشر.

-    شهر يوليو كامل 2016: يخصص للمشرف حتى ينسق بين عناصر المشروع ومكوناته.

-    أغسطس 2016: إرسال المشروع البحثي إلى إدارة المؤسسة

 

يشرف على هذا المشروع مركز دال للأبحاث والإنتاج الإعلامي التابع لمؤسسة مؤمنون بلا حدود.

لإرسال مقترحاتكم، يرجى التواصل على العناوين التالية:

daal.center@gmail.com

 Project@mominoun.com

البحث في الوسم
اليسار العربي مشروع بحثي