قراءة في كتاب: "الحياة سياسة –كيف يغير بسطاء الناس الحياة في الشرق الأوسط" لآصف بيات

فئة: أنشطة سابقة

قراءة في كتاب: "الحياة سياسة –كيف يغير بسطاء الناس الحياة في الشرق الأوسط" لآصف بيات

نظمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث مدارسة لكتاب الحياة سياسة –كيف يغير بسطاء الناس الحياة في الشرق الأوسط- لآصف بيات، يوم السبت 22 يوليو 2017 بصالون جدل الثقافي، الكائن بمقرها بالرباط، شارك فيها كل من رشيد الجرموني ومحمد مصباح.

بيّن هذا الأخير، في ورقته الأهمية التي يكتسيها هذا الكتاب، والتي حددها في ناحيتين:

أولا من ناحية الكاتب؛ فآصف بيات يعد من أبرز الباحثين المتخصصين في الشرق الأوسط؛ فقد ولد وترعرع في إيران، وعاش سنوات طويلة في مصر أثناء اشتغاله بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وهو يمزج بين تخصصات مختلفة (علم الاجتماع، علم السياسة...) في تحليل الظواهر السياسية المعقدة في الشرق الأوسط.

ثانيا: هذا الكتاب يهم الباحثين وغير الباحثين على حد سواء، لأنه يركز على السياسة من أسفل (بدل السياسة من أعلى)؛ أي على الأفراد العاديين، باعتبارهم فاعلين Agents يمتلكون إرادة بدل التركيز على البنيات السياسية أو النخب (الأحزاب والحركات الاجتماعية المنظمة)، وهو توجه جديد في العلوم السياسية  يهتم بالرموز، والشعارات، بدل التحليل الطبقي والمؤسساتي.

يعطي بيات في هذا الكتاب صوتا لفئات اجتماعية لم تكن مسموعة من قبل (المهمشون) (النساء، الشباب، والعاطلون...)، ويرى كيف أن هؤلاء الأفراد العاديين الذين لا ينتمون إلى فئات النخبة، قادرون على تغيير السياسة من خلال سلوكياتهم اليومية البسيطة التي تأخذ شكلا احتجاجا سلبيا على الأوضاع والمظالم.

إن هذا الكتاب يمتلك، في نظر محمد مصباح،  ميزة تنبؤية مهمة؛ فقد كتبه سنة 2009، وكأنه يتنبأ بوقوع الثورات العربية ويستشرفها. ويرى كيف أن الثورات العربية انطلقت بشكل عفوي من طرف لاحركات اجتماعية تفتقد للقيادة عبر دراسة لحالة حركة كفاية في مصر، والحركة الخضراء في إيران.

من الناحية المنهجية، فالكتاب، حسب مصباح دائما، ذو طبيعة نظرية ووصفية، وهو تجميع لمقالات ودراسات منشورة بين سنة 2000 و2007، مع نسخة معدلة سنة 2013 لإدماج الربيع العربي والحركة الخضراء بإيران. وعلى طول الكتاب يقوم بيات بانتقاد مزدوج لكل النزعة المركزية الأوروبية التي تنظر للمجتمعات العربية/الإسلامية، باعتبارها استثناء في مسار الحداثة والديمقراطية. وأيضا للمقاربات الستاتيكية للمجتمعات العربية باعتبارها ثابتة، وأن محركها هو الدين أو الأنظمة السلطوية. فالنزعة الاستشراقية تنظر للإسلام، باعتباره غير متطابق مع الديمقراطية وحقوق الإنسان ومشكلة هذه المقاربة هي أنها تركز على النصوص، وليس إلى ديناميات المجتمعات الإسلامية كما هي في تطورها التاريخي. (انظر كتاب بيات حول ما بعد الإسلاموية). ومن هنا فحسب بيات، فإن القول إنه بدون حركات اجتماعية، فإن المجتمع ثابت ولا يتحرك، وأن الأمل الوحيد للدمقرطة يتم فقط من خلال دولة مركزية قادرة على إصلاح مؤسساتها هو أمر خطأ.

يشكل مفهوم اللاحركات اجتماعية ، حسب مصباح، المفهوم المركزي في هذا الكتاب: ومفهوم اللاحركات اجتماعية يحيل على الأفعال الجماعية لفاعلين غير جمعيين، وهي تتميز بالعفوية وغير منظمة، وتنتهي بانتهاء الهدف الذي تأسست من أجله، وتتميز بخمس مميزات:

تتوجه نحو الفعل وليس الإيديولوجية

هادئة بشكل كبير وتبتعد عن الانتشار الضوضائي

تقوم الحركات الاجتماعية بالضغط على الحكومة من أجل تحقيق المطالب ولكن اللاحركات تقوم بالممارسات بشكل مباشر، مثلا حسب بيات، لا تحتاج النساء الإيرانيات الى الاحتجاج على التضييق على الحريات، ولكن ينتهكن بشكل يومي القواعد الأخلاقية التي يفرضها النظام الإيراني.

ممارسات تختلط مع الحياة اليومية، حيث تصبح جزء من حياة المواطن البسيط.

قوة اللاحركات أنها مشتركة بين الملايين. فالعدد الكبير يضفي مشروعية على الفعل، وتصبح قمع هذه الممارسات غير ممكنة.

وتتشكل اللاحركات اجتماعية من خلال بروز هوية مشتركة انطلاقا من شبكات سلبية passive networks، وهي أشكال الاتصال التلقائية بين الأفراد التي لا تربط بينهم رابطة عبر الاعتراف بوجود تشابهات بينهم. تتشكل بشكل مباشر في الشارع وبشكل غير مباشر من خلال وسائل التواصل الجماهيرية (مثل حركة 6 أبريل). الذي يجمع بينها هو الإحساس بتهديد مشترك ينتج مقاومة منظمة. وتؤدي عملية التنشيط والنضالات في حالة استمرارها إلى التحول نحو حركات اجتماعية (تحول نوعي)، وهنا تظهر القيمة المضافة لتحليل بيات. فالنشاطات التي يقوم بها البسطاء في مقاومتهم لسلطة الدولة تؤدي مع تراكمها إلى التحول نحو حركات اجتماعية وربما إلى ثورات.

من جهته، قال رشيد الجرموني في مداخلته، إنها  قليلة هي الكتب  في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي عالجت مسألة الحراك الاجتماعي في علاقته بالتغيير، بنوع من العمق والتأصيل المنهجي والعمل الميداني، مثلما يقدمه لنا كتاب " الحياة كسياسة: كيف يغير بسطاء الناس الشرق الأوسط"، للباحث "آصف بيات"، والذي استطاع أن يكشف عن مجموعة من العناصر التفسيرية التي توضح كيف يغير المواطنون العاديون واقعهم الاجتماعي ويتحدون الاشتراطات التي تحد من فاعليتهم، في ظل وجود أنظمة استبدادية وتسلطية؟  وكيف أن تلك التحركات البسيطة والعفوية واليومية، والتي- أطلق عليها الباحث "اللاحركات"- ، والتي يقوم بها  الشباب والنساء والباعة والطلاب وحتى المتظاهرون في الميادين العامة-، تؤثر في كل النظام السياسي برمته. وبشكل أكبر بل يضاهيه، هو أن هذه الدينامية المجتمعية، تسمح بفهم أعمق لمختلف الاشكال البسيطة التي يبدعها الناس العاديون لتغيير أوضاعهم في كافة المجالات.

ويندرج هذا المؤلف، حسب الجرموني، في سياق احتدم فيه النقاش حول مدى إمكانية التغيير بالمنطقة أم لا، إذ إن المعروف أن العديد من الباحثين وصناع القرار العالمي، كانوا ينظرون إلى المنطقة، باعتبارها تعيش وضعا استاتيكيا(Statu quo)، وإذا ما كان هناك تغيير، فإنه سيكون من خلال التدخل الخارجي (نظرية جورج بوش وفكرة تغيير الأنظمة السياسية من الخارج)، وهي فكرة مازالت تجد لها صدى حتى عند الباحثين والمهتمين، ولعل ذلك ما يفسر سبب عقم المنظور الإستراتيجي للبحث العلمي بالمنطقة، وارتهانه لمثل هذه النظريات. ولهذا فالكتاب، يحاول أن يقدم وجهة نظر مختلفة، حيث يوضح الباحث، أن المنطقة شهدت دينامية اجتماعية، تمثلت في مختلف الحركات الاجتماعية والاحتجاجية والانتفاضات، بل وحتى الثورات، مما أطلق عليه نفس الباحث مفهوم "اللاحركات اجتماعية"(non-movement).

يقدم الكتاب، رؤية لمجموعة من القضايا الحساسة في المنطقة، وذلك عبر التركيز على العوامل المفسرة للحركة الاجتماعية، مثل أسباب إخفاق الدولة القومية، وخبايا تراجع الخطابات الإيديولوجية، في مقابل بروز توجهات جديدة هوياتية وإثنية وعرقية، وأخيرا فشل الإسلام السياسي، وبروز موجة ما بعد الإسلاموية، ولعل بروز موجة الاحتجاجات والتظاهرات والانتفاضات، أو ما أطلق عليه الباحث مفهوم "الثورات ما بعد الحداثية"، يعبر بعمق عن هذه الدينامية الجديدة. وأخيرا، فإن الكتاب، يحاول أن يفسر ما سمي ب "ثورات الربيع العربي"، مبرزا الفروق الجوهرية بينها وبين الثورات التي وقعت في مناطق مختلفة من العالم.

يشار إلى أن الكتاب، يقع في 600 صفحة، من الحجم المتوسط، يتوزعه أربعة عشر فصلا في  ثلاثة أبواب منتظمة بطريقة منهجية وممفصلة عبر تيمات مختلفة، تؤطرها وحدة الموضوع. ولا تسعى هذه القراءة لتقديم تلخيص مبتسر لكل ما ورد في الكتاب، بقدر ما تحاول أن ندخل في نقاش نقدي وجدلي مع ما طرح من أفكار ومنطلقات ومفاهيم وخلاصات.