لقاء فكري حول كتاب: "يهود ومسلمون في تونس" للأستاذ عبد الكريم العلاقي

فئة: أنشطة سابقة

لقاء فكري حول كتاب: "يهود ومسلمون في تونس"  للأستاذ عبد الكريم العلاقي

انتظم بمقر مؤمنون بلا حدود وجمعية الدراسات الفكرية والاجتماعية، بتونس العاصمة، الأربعاء 15 مارس الجاري، لقاء فكري حول كتاب «يهود ومسلمون في تونس. منذ البداية إلى اليوم» لصاحبه الأستاذ عبد الكريم العلاقي، الذي قدّم مداخلة تمهيدية حول مؤلَّفه، أعقبه الأستاذ فوزي البدوي بقراءة في الكتاب. وأدار اللقاء الأستاذ نادر الحمامي.

استهل الأستاذ عبد الكريم العلاقي مداخلته ببعض الملاحظات حول أهمية الموضوع من وجهة أكاديمية وعلمية، بغض النظر عن المواقف السياسية من قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقال إن الكتاب يهتم أساسا بتواجد اليهود في تونس، وهم موجودون في تونس قبل تواجد العرب والمسلمين فيها، منذ القرن الثاني الميلادي، وبيّن أن اليهود عانوا منذ تلك الفترة من الاضطهاد المسيحي، وصولا إلى ما بعد القرن السابع الميلادي مع بداية التواجد العربي الإسلامي في تونس، وقد تخلّص من ذلك إلى السؤال الجوهري الذي يطرحه الكتاب حول العلاقات بين المسلمين والأقليّة اليهودية. وقال إن اليهود كانت لهم علاقات مع المسلمين في جميع الحقب التي مرّت بها تونس منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، وأن تلك العلاقات تراوحت بين الودّية والتوتّر، واعتبر أن ما تذكره الدّراسات الحديثة عن تلك العلاقات اليهودية الإسلامية في تونس تاريخيا من أنها علاقات توتّر وصراع متواصل لا يتطابق كلّيا مع الواقع.

وعرّج العلاقي في مداخلته على بعض مميّزات التّعايش اليهودي الإسلامي في العصر الحديث بداية من القرن التاسع عشر، مع ظهور الحركات الإصلاحيّة وعهد الأمان والدّعوة إلى تحديث المجتمع، وتأسيس حكم يستند إلى العدل والمساواة بين الناس، وبين اليهود والمسلمين. وذكر في هذا الإطار، موقف أحمد بن أبي الضياف الذي أشار إلى ضرورة احترام المعتقد وربط الصّلة بين اليهود والمسلمين والجمع بين الشعبين حتّى لا يحصل انقسام وتشتّت، وقال إن ابن أبي الضياف اعتبر اليهود «إخوتنا في الوطن»، وبالتالي يجب معاملتهم معاملة الإخوة المواطنين. كما دعا رجال السّياسة بعد ذلك في عهد الاستعمار الفرنسي للبلاد التونسية اليهود إلى الاتحاد مع إخوتهم المسلمين والوقوف جنبا إلى جنب في وجه المستعمر.... وبيّن العلاقي أن العلاقات بقيت مع ذلك يشوبها بعض التوتّر الذي كان يغذيه المستعمر الفرنسي.

وصنّف العلاقي اليهود بناء على ذلك التوتّر والصدام إلى ثلاثة فرق لكلّ فريق فهم وتوجّه. وقال إن الفريق الأوّل كان محدود العدد، وكان يدعو إلى الاتّحاد مع المسلمين والدّفاع عن مصالح تونس ومقاومة المستعمر الفرنسي. أمّا الفريق الثاني، وكان أكثر عددا فكان يرغب في الانضواء تحت جناح فرنسا لما توفّره من حماية ومن خدمات، وقد هاجر الكثير من هؤلاء إلى فرنسا وفيها استقرّوا وتمكّنوا. أمّا الفريق الثالث، فكان صهيوني التوجّه وكان يدعو صراحة إلى نصرة إسرائيل والعيش فيها، وختم العلاقي مداخلته بالإشارة إلى أنه لم يبق في تونس من اليهود إلا من أحبّ البلاد، ورأى أنّه تونسيّ، فكرا وحسّا وتاريخا.

وتناول الكلمة الأستاذ فوزي البدوي، فاعتبر أن هذا الكتاب يضيف شيئا جديدا إلى المكتبة التونسية، لأنه يجمع أهم مراحل تاريخ علاقات اليهود في البيئة التونسية قبل مجيء الإسلام وبعده إلى اليوم، وقال إن ما يميّز هذا الكتاب هو راهنيته، وأنه يعالج قضية أساسية لم تجد لها حلاّ بعد في البلاد الإسلامية، وهي مشكلة الأقليّات، واعتبر من ثم أن تعطّل العلاقات الإسلامية اليهودية في المجتمع التونسي يعود إلى ثلاثة أسباب؛ السبب الأوّل منها هو انهيار النظام الذمّي الذي كان يوفّر الحماية لليهود في المجتمع المسلم، والذي استمر إلى حين سقوط الإمبراطورية العثمانية، وكان يوفر شروط التعايش مع اليهود، وقد ظهر نظام المواطنة، باعتباره نظاما بديلا عن نظام الذمّة. والسبب الثاني هو أن المجتمع الإسلامي بقي يتعامل مع مسألة الأقليات في إطار نظام المواطنة بعقل فقهي قديم لم يتجاوز الذمّية. وقال البدوي إن تونس عرفت أجيالا من اليهود الذين تعلّقوا باللغة العربية وكتبوا فيها، وعدد أمثلة كثيرة من مساهمات اليهود في الثقافة العربية والإسلامية، ولكن في المقابل لم يهتم المسلمون بهؤلاء، فتوقف اهتمامهم بالعربية وظهرت تيارات تعبّر عن الحنين إلى الأفكار الصهيونية التي سادت في أوروبا. وأضاف أن السبب الثالث الذي يعتبره مهما في توتر العلاقات بين اليهود والمسلمين هو انسحاب المؤسسة الدينية التقليدية الرسمية من مشهد الحوار مع اليهود، ووصفها قائلا إنها ما تزال في حالة سبات عميق جدّا. وختم البدوي مداخلته بردّ جميع أشكال التوتّر في العلاقة بين المسلمين واليهود في تونس إلى تراكم تلك الأسباب مجتمعة، وإلى تواصلها في الواقع الرّاهن، ما فسح المجال إلى سيطرة نوع من التصوّر الشعبي البسيط على أذهان العامة والنخب المثقفة على حد السواء، امتد ليطال بتعبيراته المعادية لليهود جميع طبقات المجتمع وفئاته.