ندوة: الشريعة في أفق إنساني؛ بين الثابت والمتحول

فئة: أنشطة سابقة

ندوة: الشريعة في أفق إنساني؛ بين الثابت والمتحول

باحثون يناقشون سؤال الثابت والمتحول في الشريعة


أجمع باحثون في علوم الشريعة والفكر الإسلامي على ضرورة التجديد للخروج من مأزق التأصيل التي تعاني منه العلوم الإسلامية وضرورة الانفتاح على العصر، والاستفادة من العلوم والمناهج الحديثة، وذلك في إطار ثوابت الشريعة ومقاصدها ومحورية الإنسان ضمن موضوعاتها.

جاء ذلك في أشغال ندوة علمية نظمتها مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، تحت عنوان  "الشريعة في أفق إنساني: بين الثابت والمتحول"، وذلك ضمن فعاليات "صالون جدل الثقافي"، بمقرها المركزي بالرباط، يومي 11 و12 من الشهر الجاري، وتوزعت على  أربع جلسات علمية تناولت الموضوع في إطار التعدد المفاهيمي لمواضيعه والتنوع المقارباتي لزواياه.

الخطاب الحداثي وزحزحة القداسة عن التشريع

افتتحت الجلسة الأولى لمداخلة للباحث السعودي وائل الحارثي والمعنونة  بـ"مفهوم الشريعة في الخطاب الحداثي" موقف الخطاب الحداثي من الشريعة، باعتباره أحد أبرز الخطابات السائدة في وسط النخب المثقفة التي تمارس النقد، وتحاول التفكيك وإعادة التركيب للمفاهيم والتصورات السائدة في العقل العربي المسلم.

وتوقف عند تفريق الحداثيين للشريعة إلى مستويين: المستوى التشريعي ومستوى التصورات الكونية والقيم العليا والطابع الأخلاقي للشريعة، حيث يحاول ذات الخطاب زحزحة القداسة عن الجانب التشريعي وتكريسه في المستوى الفلسفي والأخلاقي للشريعة، مبينا أن نزع القداسة يترتب عنه تجويز القراءة التاريخية –بإطلاق – على أحكام الشريعة وإحلالها محل القراءة النصية الحرفية، ومن تم تسويغ تغيير الأحكام والاجتهاد حسب مقتضيات العصر ومتطلبات الواقع.

وأورد الحارثي نماذج من مقولات الخطاب الحداثي، ومنها نقولات عن محمد سعيد العشماوي الذي يؤكد بأنه تم تعديل مصطلح الشريعة في الفكر الإسلامي عدة مرات، حتى انحصر في الخطاب الفقهي  وزعمه بأن "الدين والشريعة إنما يعنيان بالإنسان لا بالنظم ويحتفيان بالضمير أكثر من اهتمامهما بالقواعد القانونية".

وركزت مداخلة الدكتور محمد همام الموسومة بـ"حدود الشريعة بين الذاتي والعرضي وبين الحد الأدنى والحد الأعلى" على المقاربة النقدية لمفاهيم الذاتي والعرضي والحد الأدنى والحد الأعلى في مشروع المفكر الإيراني عبدالكريم سروش؛ من خلال رصد المصادر المعرفية والمنهجية لصاحب المشروع التي تمتد بين حقول متداخلة من العلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية في شكل خليط بين الميتافيزيقا والإبستمولوجيا. واعتبرت المداخلة هذا المشروع تأويليا بامتياز، يدخل في إطار فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد، كما اعتبرته مشروعا تنويريا ونقديا له خصوصيات كونه صادرا عن مثقف ديني؛ يجمع بين البحث النظري والممارسة السلوكية، مما لا يتوفر عادة لكثير من البحوث التأويلية في الظاهرة الدينية.

كما تناول همام، الأكاديمي المغربي المتخصص في الفكر الإسلامي، مفاهيم الذاتي والعرضي كمفاهيم أساسية في مشروع فكري واسع. وحدد العرضيات في اللغة العربية وفي الثقافة العربية وانتقدت المداخلة مقاربة المشروع للغة العربية. كما تناول العرضيات الأخرى خاصة: التصورات والمفاهيم التي استفاد منها الشارع ، في بيان أحكامه وتعاليمه وفي الحوادث التاريخية المذكورة في الكتاب والسنة، وأسئلة المؤمنين والمخالفين وأجوبتها الواردة في النصوص الدينية، وقدرة المخاطبين وسعة إدراكهم لمفاهيم الدين. كما وقفت المداخلة عند الذاتيات التي يقترحها المشروع، وهي المقاصد والغايات وشخص النبي والإيمان وإنسانية الإنسان، وناقشت المداخلة قدرة المشروع على وضع معيار نموذجي لتحديد الذاتي والعرضي، وكذا الحد الأدنى والحد الأعلى، وماذا يتبقى من الدين بعد نزع كل تلك العرضيات والوقوف عند الذاتيات وعند الحد الأدنى.

مناقشة المصطلح يشترط السفر معه

أكد الباحث المغربي مصطفى بوكرن، في مداخلته "التطور الدلالي للفظ الشريعة: دراسة معجمية"، على أن مناقشة أي مصطلح تراثي يفرض السفر للوقوف على التطور الدلالي للكلمة، وبين الباحث في المصطلح التراثي مقصوده بالدراسة المعجمية أنها "دراسة معنى المصطلح في المعاجم اللغوية فالاصطلاحية، دراسة تبتدئ من أقدمها، مسجلة أهم ما فيه، وتنتهي بأحدثها مسجلة أهم ما أضاف، مع بيان المعنى المحوري لكل الاشتقاقات، وبيان مأخذ المصطلح، وبأي الشروح شرح في المعاجم المتخصصة".

وأكد بوكرن، أن كل مرحلة تعرف تطورا دلاليا، فالتطور الدلالي الأول هو الانطلاق من المعنى المحوري الذي هو "الفتح، والامتداد، والتيسير" إلى المعنى اللغوي للشريعة، وهو الطريق إلى المجرى المائي، فسبب هذا التطور، هو الاشتقاق، حيث اشتق من مادة "ش ر ع" لفظة "الشريعة"، فأصبح لها معنى جديدا مع اصطحاب المعنى المحوري.

 أما التطور الدلالي الثاني، وهو الانتقال من المعنى اللغوي، الذي هو الطريق إلى المجرى المائي، إلى المعنى الاصطلاحي، وهو طريقة إلهية، أوحي بها إلى نبي ما، قصد تهذيب المكلف في العاجل والآجل فهذا التطور سبب الانتقال من الحقيقة إلى المجاز. في حين يتعلق التطور الدلالي الثالث، بتعريف المصطلح في المعاجم المتخصصة، الذي يميزه التنوع وسبب ذلك هو أن كل مجال علمي يعرف المصطلح ضمن دائرته الخاصة: علم الكلام، الأصول، الفقه.

ضرورة المراجعة النقدية والانفتاح على العلوم العصرية

وافتتح الدكتور رشيد راضي أشغال الجلسة الثانية، من خلال مداخلته "الشريعة وتحولات النظم المعرفية" نسقين متمايزين يستند عليها نظام الشريعة، نسق للدلالة ونسق للاستدلال، فنسق الدلالة هو الذي يتولى توليد الدلالة اللغوية من النص الشرعي. أما نسق الاستدلال، فيتصدى لاستجماع المستفادات الشرعية من هذه الدلالة اللغوية عبر تطبيق جملة من القواعد الاستنتاجية.

واعتبارا لذلك، فإن رهان التطوير والتجديد لا يمكن كسبه بغير العكوف على مراجعة نقدية تجديدية لهذه المكتسبات النظرية الدلالية التأويلية والاستدلالية التعليلية الكامنة خلف نماذج التنزيل التشريعي لنظام الشريعة. ويخلص بالتالي إلى أن تطوير النظام التشريعي لن يتحقق إلا بالعكوف على مراجعة نقدية تجديدية لكل من النسق الدلالي والاستدلالي لهذا النظام التشريعي، ويلحق بهذه الدعوى العامة دعوى أخرى فرعية تعتبر تطوير النظرية الدلالية والاستدلالية في النظام التشريعي لا يمكن أن يحصل على الوجه الأجمل بغير الاستمداد من المكتسبات الحديثة والمعاصرة لمبحثي التأويل والتدليل. مما يفرض انفتاح علوم التشريع الإسلامية على فروع البحث اللغوي المعاصر، والانخراط في مشروع موسع لوصل علوم الشريعة بعلوم اللغة المعاصرة وإطلاق البحث النظري والتطبيقي في هذا المجال.

العودة إلى التراث السياسي ضرورة منهجية وموضوعاتية

كما أشار الدكتور نبيل فزيو في مداخلته "الفقه السياسي السني وأفق الدولة الحديثة" إلى أن العودة إلى التراث السياسي العربي الإسلامي تبررها الضرورة المنهجية والموضوعاتية، وتفرضها وضعية الفكر السياسي العربي اليوم، أمام انتعاش القاموس السياسي التراثي وتموقعه في جغرافيا المجال السياسي، ونظرا إلى مفعوله في تلقي مفاهيم الفكر السياسي الحديث والمعاصر وتأويلها أيضا.

كما اعتبر القول الفقهي في السياسة مادة غنية من شأن التفكير في تشكلها التاريخي والنظري أن يضيء كثيرا من الإشكاليات التي ما انفكت تفرض نفسها على الوعي السياسي المعاصر في العالم الإسلامي؛ مبرزا أن الغاية من مداخلته تتجسد على مستوى بيان أهمية التراث الفقهي السياسي السني، وهو ما يتأتى من خلال بيان مكوناته ومساءلته على ضوء مكتسباته هو أولاً، ثم على ضوء مكتسبات النظرية الحديثة للدولة ثانياً، قصد الوقوف على قيمته النظرية ومحدوديته، التي من شأنها أن تكشف لنا عن المسافة التي باتت تفصل مكتسبات الفكر السياسي الحديث والمعاصر عن الأفق الذي أينعت فيه مقولات ذلك التراث؛ إذ في ذلك ما يسعفنا بفهم أسباب استمرارية مقولاته حية بين ظهراني الفكر العربي الإسلامي المعاصر.

ترشيد الخطاب الديني ضرورة مستعجلة

وانطلق الباحث المغربي عبد الصمد صابر في مداخلته "العنف بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي "قواعد (الجهاد) حق الدفاع عن النفس نموذجا" من واقع الساحة العربية الحمالة لخطاب متشدد يتجاوز المعقول في العيش المشترك واحترام الآخر، لذلك باتت، في نظره، مهمة ترشيد الخطاب الديني مهمة رئيسة ومستعجلة لإصلاح الصورة التي أفسدها –حسب قوله- اللغويون والفقهاء ودعاة الإسلام السياسي بقراءاتهم المغلوطة لمفهوم الجهاد حين ربطوه بالعنف.

وللخروج من مأزق الواقع الفقهي، يفترض الباحث مقاربة الأحكام الفقهية على ضوء التشريع المعاصر، وبالتالي يحاول تلمس أجوبة لأسئلة مركزية في الموضوع بقوله  بإمكانية لعب التشريع الوضعي دوراً أساسيا في إخراج الأحكام المقدسة من دائرة المجال المطلق الإلهي الخاص إلى المجال الإنساني النسبي العام، ومساهمة القانون الدولي في تنزيل مقاصد الشريعة الإسلامية في مجال الدفاع عن النفس على أرض الواقع وتأطيره ومأسسته

كما يرى الباحث في إنشاء هيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، إبرازا لنقط الالتقاء بين الشريعة والقانون الدولي عبر مبدأي السلم والأمن الدوليين وحظر اللجوء إلى القوة أو التهديد بها، إذ إن هذا يؤسس لقاعدة التوافق حول المعنى الحقيقي لمفهوم الدفاع عن النفس.

ضرورة التجديد في إطار الثوابت

في مستهل الجلسة الثالثة، شددت الدكتورة بثينة الغلبزوري في بداية مداخلتها، بعنوان "أحكام المرأة بين الثابت والمتغير"، على احترام ثوابت الشريعة الاسلامية دون التنكر لمرونتها في التكيف مع واقع الإنسان المتغير، مبينة أن الجدل حول الشريعة أفرز تيارات لا تميز بين المطلق والمقيد، الثابت والمتغير، القطعي والظني، العالمي والمحلي... كما هو حاصل في موضوع المرأة، مؤكدة أن المساواة هي الأصل في علاقة المرأة بالرجل في الإسلام، لأنها علاقة بين جنسيين متساويين، لكن هناك تمييز في بعض المواقع كالقوامة والإرث، دون أن يعني ذلك انتقاصا للمرأة أو دونيتها.

كما عبرت عن إيمانها بالتجديد في إطار الشروط التي وضعها العلماء في من له الحق بممارسة التجديد أولا وكذا مع احترام المنهج التجديدي الذي يقوم على ثلاثة أسس تتمثل في: 1- التجديد بالنص وفق قواعد اللغة العربية وقواعد الاستنباط ومراعاة دلالة السياق، 2- إعمال المقاصد لا يعني أبدا إلغاء النص القطعي، وإنما يعني استخدام المقاصد باعتبارها معاني وقواعد مستخلصة من عموم الأدلة، 3- مراعاة فقه الواقع الذي يتضمن الإحاطة بمجريات الواقع مع التمكن من العلوم التي تسهم في فهم الواقع والحكم عليه، من علوم اجتماعية ونفسية وسياسية.

ضرورة استحضار البعد الإنساني في العقيدة

أكد الدكتور أحمد البوكيلي في مداختله بعنوان "الأبعاد الكونية للدين وإشكالية الآفاق الإنسانية" أن الإشكال المطروح على مستوى الشريعة "لا يرتبط بالزاوية التأصيلية لأن الإطار المقاصدي الكلي للدين محدد بالقرآن"، وهو ما تترجمه الآية القرآنية: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". لكن المشكل يكمن في التفكير بمنطق الخصوصية في حين أن السياق العالمي صار يفرض فلسفته على أنها كونية، مما يجعل الاجتهاد مفروضا وضرورة ملحة.

وتوقف عند مغزى رسالة الأنبياء الذي ينصرف إلى التوحيد والحكمة والتزكية، وأنها رسالة للإنسان المؤهل لوظيفته الحضارية. وأردف في متن مداخلته إلى أن انتقال الأمة إلى مقام الكونية لا يتم إلا بتحرير العقيدة من الأنساق المغلقة التي جعلت الأمة مجزأة على مستوى عقائدها الطائفية، وذكر مدارس ونماذج معرفية للتجديد، مثل طه عبد الرحمان وعبد الله كولن ومحمد حسين فضل الله من أجل حمل الأمة على التفكير من خارج حدودها الجغرافية..

وهنا يشدد الباحث المغربي على ضرورة اعتبار الخاصية الإنسانية في استحضار العقيدة، وأنها المنطلق لثقافة الحب والمحبة في التدين الذي يشكل ورش الفلسفة العرفانية. فالله لا يحتاج للإنسان ليقاتل باسمه، بل الحكمة الإلهية جعلت التعدد والتنوع مدخلا للتواصل والتعارف لقوله: "تعالوا لكلمة السواء"؛ أي أن الكلمة السواء هي ميثاق أخلاقي إنساني يحل مشاكل الاختلاف.

الإنسان يحتل مركز العناية في الخطاب القرآني

استحضر الدكتور عدنان أجانة في مداخلته "خطاب الناس في القرآن قراءة في نوعية المضامين وآفاقها" جلال الإنسان في الخطاب القرآني بصفته يحتل مركز العناية والاهتمام فيه

وأرجع أزمة الخطاب الدعوي إلى عدم التبصر في خطاب القرآن الكريم؛ فالخطاب القرآني يخاطب النوع الإنساني، موظفا بذلك ما في اللغة من طاقات دلالية، وقدرة على البلاغ والبيان، وهو يقوم على مجموعة من المفاهيم الضابطة والقضايا المترابطة، وينسج بينها ربطا مفهوميا يؤسس في النهاية خطابا رصينا في العناوين عميقا في المضامين، يهدف إلى جعل الإنسان المستخلف، محور الخطاب الديني.

كما ذكر أن خطاب الناس في القرآن له موارد منها مورد النداء الذي بث فيه الله سبحانه وتعالى مجموعة من المضامين السنية التي تنتقل بالناس إلى عالم أرحب وأفق واسع، مبينا أن آيات النداء رتبت مطالب أولها مطلب العبادة وآخرها مطلب التعارف بين الناس، وأنها مطالب تمثل أصول الخطاب الدعوي في القرآن الكريم، وعليها تتأسس دعوة الشريعة وبها تنفتح على العالمين، لأنها مطالب حاضرة في كل جيل وسمات بارزة في كل مجتمع، وقضايا إنسانية عامة تمثل مرجعية الخطاب وأرضية التخاطب.

القانون هو تحويل لإرادة الله كما حددها في شريعته

افتتح الأستاذ عبد القادر خاضري، أشغال الجلسة الرابعة من خلال مداخلته "القرآن و القانون الوضعي: سؤال التوفيق بين الإلهي والزمني في التشريع"، أن كلمة القانون ومفاهيمه تعود كلها إلى الفلسفة السياسية والعلوم الاجتماعية الأوربية، ولا وجود لهذه المصطلحات وتقسيماتها في تاريخ المسلمين ولا في شريعتهم، غير أن هذا لا ينفي – حسب قوله- وجود عبارات تقترب من حيث الصياغةمن تلك الاصطلاحات،كمصطلحالفرائض، الحدود، الشرع، الشرعة، المنهاج، السنن.

وفي سياق آلية التوفيق بين المرجعيتين ذهب إلى إمكانية تعريف القانون في منظور الإسلام بأنه " تحويل إرادة الله كما حددها في شريعته أو شرعته، في القرآن و الحديث، إلى وسيلة للحكم على الأرض، و أداة للدولة، عن طريق الاجتهاد أو التشريع أو أي طريقة أخرى"، أي تحويل تلك الإرادة إلى أحكام مدنية ونظريات فقهية وفكرية ومعارف مصاغة ومحددة حسب حاجات الدولة والنظام الاجتماعي، والأوضاع والظروف التاريخية، عبر مسطرة الإجماع، و بهذا يحصل التمييز بين التشريع الوضعي البشري والشرع الإلهي.

كما اعتبر القاعدة القانونية عملا إبداعيا للفكر الإنساني، ونتيجة للإرادة الإنسانية الهادفة إلى تنظيم مختلف الفعاليات الإنسانية. وفي ختام مداخلته استعرض خمسة عناصر للتفكير لتعزيز التوافق تتمثل في "الأمة والاجتماع المدني بين القرآن والفلسفة الوضعانية"، "التعاقد الاجتماعي بين القرآن والفلسفة الوضعانية"، "السلطة والدولة بين القرآن والفلسفة الوضعانية"، "النظام والتنظيم بين القرآن والقانون الوضعي"، "القانون بين الإلهي والوضعي".

أما الدكتور خالد العسري والذي حاضر في موضوع "الإسلاميون: من شرط الحاكمية إلى القبول اللامشروط بسيادة الأمة"، فقد استعرض بعض محطات التاريخ السياسي الإسلامي وتحدث عن ما سماه شبه اتفاق – غير مكتوب - بين الحكام والفقهاء في أن يعترف كل منهما بشرعية الآخر، حيث يصمت العلماء عن أس شرعية الحاكم، على أن يعترف هو لهم بحقهم في الوجود ومخالطة الناس وإفتاء العامة لا يمس أس السلطة. غير أن التطور التاريخي أفضى إلى انبثاق مفهوم الحاكمية من طرف أبي الأعلى المودودي الذي ساواه بمفهوم السيادة في الفقه القانوني الغربي، وقد شكل هذا المفهوم كلمة مفتاح في تصورات سيد قطب التي انتقلت إلى أدبيات الجماعات الإسلامية، فنتج عن هذا اختزال الشريعة في مجموعة أحكام مع تبني تكفير السلطة والحكم بجاهلية مؤسسات الدولة.

غير أن التيار الوسطي من الإسلاميين اجتهد لإعادة مقاربة موضوع الشريعة في الدولة الحديثة بتقبل بنية الدولة ابتداء وتبني مفهوم الأمة بالمعنى القانوني الحديث كما تطور لديهم الفهم للشريعة وآليات تنزيلها وشروط سياقها، وهو ما غير مقاربتهم لموضوعها من مقاربة معيارية تجعل شعار الحاكمية بوصلتها، إلى مقاربة تزاوج بين المدخل المعياري والمدخل الواقعي.

مسألة "الحكم بما أنزل الله" في الظرف المعاصر

قدم الدكتور محمد جبرون مداخلة بعنوان "في الحاجة إلى تجديد فهم «ما أنزل الله»" توقف فيها عند الأزمة المعروفة في الأدبيات الإصلاحية العربية بعبارة «الحكم بما أنزل الله»، مبينا أنها أزمة تتعلق بفهم النص، وقد حاول من خلال تتبع الخطاب التفسيري والفقهي المعاصر في الموضوع بيان عجز الآليات الأصولية التاريخية عن إيجاد تسوية معقولة وحاسمة لـ «أحكام الثوابت»، وبناء تأويل جديد يحافظ على حكم الله، ويدرأ التعارض بينه وبين التحديث. 

كما أشار إلى أن مسألة «الحكم بما أنزل الله» في الظرف المعاصر تعني ظاهرة مختلفة تماما عما كان مطروحا في الماضي، فهي من جهة تعني لجوء الدول الإسلامية الحديثة إلى القوانين الوضعية الغربية، والاستمداد منها في مجالات تشريعية مختلفة، مع ما صاحب ذلك من تعطيل وإهمال لأحكام الفقه الإسلامي..، وتعني من جهة ثانية استعمال آليات وضعية في التشريع كالبرلمانات، والمجالس النيابية، المستندة إلى العقل والمصلحة.

ومن خلال استعراضه لموقف الفقهاء والمفسرين المعاصرين من مسألة «الحكم بما أنزل الله»، خلص، الباحث محمد جبرون إلى فشل منهجهم في حلها، لأنه لم يساعدهم "على تبلور فهم جديد لآيات الحاكمية يخلص الأمة من التوتر القاتل بين الإسلام والحداثة السياسية"، بل على العكس من ذلك، كرس التعارض بين ما يعتبر أحكام الإسلام الثابتة والأحكام والتشريعات الوضعية، وبالتالي صار المشرع المسلم يتأرجح بين حكم الكفر من جهة، وحكم الظلم والفسق من جهة ثانية، وفي أحسن الأحوال هو ظالم أو فاسق.