Next Page  350 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 350 / 362 Previous Page
Page Background

350

2016 )9(

العدد

، سوف يتوقف بشكل نائي

17

أحد رموز الفكر العربي المعاصر

عن التأليف، مباشرة بعد اندلاع أحداث الفتنة العربية السائدة

اليوم، والتي اصطلح عليها إعلامياً بأحداث «الربيع العربي»،

وعلى امتداد السنوات الأربع الأولى لاندلاع أحداث «الربيع

،

2011

مارس

21

العربي»، لم ُرّر طرابيشيسوى مقالة مؤرخة في

موازاة مع اندلاع الأحداث، ومقالة ثانية، خاصة بالحالة السوريّة،

، محذّراً حينها من أنّ «سورية، متعدّدة

2011

مايو

28

مؤرخة في

الأديان والطوائف والإثنيات، تقف بدورها على أبواب جحيم

الحرب الأهلية»، ومتيقناً لاحقاً من ثقل و«دور العامل الخارجي

إعلاماً وتمويلاً وتسليحاً، وهو الدور الذي يدفع اليوم الشعب

السوري بجميع طوائفه ثمنه دماً وموتاً ودماراً غير مسبوق إلا

هولاكيّاً، وهذا في ظروف إقليمية وأممية تشهد احتداماً في الصراع

الطائفي السنّي/ الشّيعي ينذر بأن يكون تكراراً للصراع الطائفي

الكاثوليكي/ البروتستانتي البالغ الشراسة الذي كانت شهدته

.

18

أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر»

ما تعرّض له طرابيشي، هو ما تعرّضت له النخبة العربية

الإسلامية منهولصدمة الأحداث، وبيانذلكفيحالةطرابيشي

أنّه بعد كلّ ما كتبه على امتداد حياته من أبحاث ومقالات قاربت

في عددها الخمسمئة، ومؤلفات نيّفت على الثلاثين، وترجمات

زادت على المئة، سيكون موقفه الصمت والصدمة وما اصطلح

عليه بـ«الشلل التام عن الكتابة» من هول تطوّرات الساحة، دون

ّ بنهاية هذه الفتنة.

أن يلوح في الأفق ما يُب

  ـ قوبل كلّ هذا المجهود العلمي للفقيد بما يُشبه الجحود والنكران بعد إعلان

17

وفاته، بحيث بالكاد صدر الخبر في بعض المنابر الفكرية والثقافية، والمسألة لا

ترتبط فقط بمقتضى العداء لـ«ثقافة الاعتراف» كما أشرنا في متن هذه المقالة،

ولكن ترتبط على ما يبدو، بمقتضى النهل من المرجعية العقدية للفقيد، من

منطلق أنّه مسيحي الديانة، وهو المقتضى نفسه الذي يُفّ تواضع التفاعل

مع الجهد النقدي الضخم الذي قام به في معرض قراءة وتدقيق مشروع محمد

عابد الجابري، وهو القائل للمفارقة: «القضيّة ليست فقط قضية مسلمين وغير

مسلمين، ومسيحيين وغير مسيحيين، من حيث الوعي الاجتماعي حتى ولو كانوا

ينتمون إلى أيديولوجيا واحدة. فالقضية أعمق من ذلك بكثير، قضية بنى عقليّة

في المقام الأول».

انظر: جورج طرابيشي، ستّ محطات في حياتي، مرجع سابق.

  ـ انظر: جورج طرابيشي، ستّ محطات في حياتي، مرجع سابق.

18

طرابيشي: أحد روّاد «ثقافة الاعتراف»

خاتمة هذه المقالة عبارة عن القليل من «الاعتراف» لهذا الهَرم

العلمي الذي تمرّس قولاً وعملاً على الانتصار لثقافة الاعتراف،

ونتوقف هنا عند إشارتين اثنتين في هذا السياق:

أ ــ بخلفيته التربوية المسيحية التي حالت دون صدور شهادات

اعتراف من طرف أغلب نقاد مجالنا التداولي، سيُحرّر جورج

طرابيشي هذه الشهادة الوازنة في حق الحضارة العربية الإسلامية:

«نستطيع أن نقرّر بكلّ طمأنينة أنّه ما مِن حضارة، قبل الحضارات

الحديثة، أنجبت مثل ذلك القدر من العلماء الذين أنجبتهم

الحضارة العربية الإسلامية وأقرّت لهم باستقلالية نسبية كبيرة

في ميادين الطبّ والصيدلة والكيمياء والرياضيات والطبيعيات

. وكُتب

19

والبصريات والفلاحة والحيوان والفلك والحيل

هـ، تُعَدّ

377

العلوم كانت، حتى منذ أحصاها ابن النديم في سنة

بالآلاف. وهذا بدون أن نتحدثعن الفلاسفة الذين كان أكثرهم

من العلماء، والذين كانت الطبيعيات، بالإضافة إلى الإلهيات

»

20

والمنطقيات والأخلاقيات، بنداً ثابتاً في برنامجهم الفلسفي.

ب ــ رغم شدّة الخلاف النقدي الذي جمع طرابيشي بالجابري

في سياق قراءة التراث الإسلامي، والتدقيق في أهم المُسببات التي

تقف وراء تراجع الإشعاع العلمي والفلسفي للعقل الإسلامي

بشكل عام، إلا أنّ المقالة الأخيرة لطرابيشي، ستتضمن فقرة أو قلْ

شهادة للتاريخ، تكرّس انتصار طرابيشيلأخلاق الاعتراف أولاً

وأخيراً، وجاءت كالتالي: «إّ لأقولها صراحة اليوم: إّ أعترف

للجابري، الذي قضيت معه ربع قرن بكامله وأنا أقرأه وأقرأ

مراجعه ومئات المراجع في التراث الإسلامي ومن قبله المسيحي

ومن قبلهما التراث اليوناني وكلّ ما يستوجبه الحوار مع مشروعه،

إّ أقرّ له، وأعترف أمامكم، بأنّه أفادني إفادة كبيرة، وأنّه أرغمني

على إعادة بناء ثقافتي التراثية. فأنا أدين له بالكثير، رغم كلّ النقد

.

21

الذي وجّهته إليه»

  ـ يرى طرابيشي في هذه الجزئية أنّ «الاستقلالية النسبية في العلوم الدنيوية

19

من

359

يؤسس لها قول مشهور للرسول: «أنتم أدرى بأمور دنياكم». هامش ص

.2011 ،

كتاب «نظرية العقل»، الطبعة الرابعة

.359

  ـ جورج طرابيشي، نظرية العقل، مرجع سابق، ص

20

  ـ جورج طرابيشي، ستّ محطات في حياتي، مرجع سابق.

21

منتصرحمادة

شخصيات وأعلام