348
2016 )9(
العدد
طرابيشي والجابري: تفاصيل التفاصيل
ثمّة لائحة من الدروس العلمية والأخلاقية والمعرفية
التي نستحضرها في معرض التوقف عند معالم تفاعل جورج
طرابيشي مع أعمال محمد عابد الجابري، ولأنّ المقام لا يسمح
بالتفصيل في هذه الدروس، فسوف نتوقف عند إشارات دالة
نحسبها هادفة.
في تقديم الطبعة الثانية من مشروع «نقد نقد العقل العربي»،
وجاء بعنوان: «العقل المستقيل في الإسلام» نقرأ ما يلي: «لامَني
أكثر من صديق وقارئ على كوني وضعت نفسي في مأزق عندما
كرّست كلّ هذا الوقت (نحواً من خمسة عشر عاماً) وكلّ هذا
المجهود (أربعة مجلدات حتى الآن)، لأرد ّعلى الجابري في «نقد
العقل العربي» بدلاً من أن أنصرف إلى إنجاز مشروع شخصيفي
.
7
قراءة التراث العربي الإسلامي»
وفي تقديم الطبعة الرابعة من المشروع ذاته، وجاء بعنوان:
«نقد نقد العقل العربي: نظرية العقل»، نقرأ ما يلي: «استغرق منّي
الإعداد لهذا العمل ـ على شيء من التقطع ـ ثماني سنوات. فقد
كان عليّ أن أقرأ كلّ ما كتبه الجابري، وليس كلّ ما قرأه أوصرّح
بأنّه قرأه فحسب، بل كذلك ما لم يصرّح بأنّه قرأه وما كان يفترض
به أنّه قرأه: أي المصادر والمراجع الأمهات في التراث اليوناني،
والتراث الأوروبي الفلسفي والعقلي في طوريه الكلاسيكي
والحديث، فضلاً عن التراث العربي الإسلامي، الفلسفي أساساً،
.
8
وكذلك التاريخي والفقهي والكلامي والنحوي»
في الإشارة الثانية، نستحضر تواضع الأعمال النقدية
السائدة اليوم في مجالنا التداولي، بكلّ مقتضياتهذا التواضع،
وفي مقدمتها تواضع العدة المعرفية والمنهجية، هذا دون
الحديث عن سقوط بعضها في مأزق تصريف الخصومات
الإيديولوجية.
ـ جورج طرابيشي، نقد نقد العقل العربي: العقل المستقيل في الإسلام، دار
7
.9
، ص
2011 ،
الساقي، الطبعة الثانية، بيروت
ـ جورج طرابيشي، نقد نقد العقل العربي: نظرية العقل، دار الساقي، الطبعة
8
.7
، ص
2011 ،
الرابعة، بيروت
أن يستغرق تحرير كتاب نقدي كلّ هذه الفترة الزمنية، أمر ليس
هيّناً، ودرس علمي وأخلاقي موجّه من الراحل جورج طرابيشي
إلى كلّ الباحثين المعاصرين من أجل التدقيق مليّاً قبل خطّ كلمة
واحدة في معرض نقد هذا المشروع أو ذلك الكتاب.
تفاعلاً مع أهم المؤاخذات النقدية التي وُجّهت لطرابيشي
بخصوص مقدمات هذا التفرغ للتفاعل النقدي مع أعمال
الجابري، أضاف أيضاً أنّ هذا المأخذ صحيح وغير صحيح في
الآن نفسه: فهو «صحيح مادام كلّ مشروعي قد انحصر بنقد
النقد، ولكن، هل فعلاً ما فعلت شيئاً سوى أن «رددت» على
الجابري؟».
يضيف طرابيشي: «لا أعتقد، فالواقع أنّ الجابري قدّم لي،
بالمناسبة، التكأة، نقطة الانطلاق، ولكن ليسمحطة الوصول. فقد
كفّ مشروعي عن أن يكون مشروعاً لنقد النقد ليتحوّل إلى إعادة
.
9
قراءة وإعادة حفر وإعادة تأسيس»
ومعلوم أنّ سلسلة «نقد العقل العربي» للجابري تعرّضت
للتقييم والتقويم في عدّة محطات علمية، سواء عبر تنظيم ندوات
،
10
أو محاضرات، وتمّت خصوصاً عبر إصدار عدّة أعمال نقدية
ومن بينها كتابطه عبد الرحمن الذييحمل عنوان: «تجديد المنهج
في تقويم التراث»، والذي تضمن ثلاثة أبواب، جاء بابها الأول
ُصّصاً للتفاعل النقدي مع الخطوط العامّة لمشروع الجابري
سالف الذكر.
ميزة النقد الصادر عنطرابيشي، مقارنة مع النقد الصادر عنطه
عبد الرحمن، تكمن في أنّ القراءة النقدية لصاحب «فقه الفلسفة»،
.9
ـ انظر: جورج طرابيشي، العقل المستقيل في الإسلام، مرجع سابق، ص
9
ـ هناك لائحة عريضة من نقاد مشروع الجابري، نذكر منها على سبيل المثال
10
لا الحصر، ما حرّره هشام غصيب وكمال عبد اللطيف ويحيى محمد وعلي حرب
وإبراهيم محمود والطيب تيزيني وحسن حنفي، سواء في كُتب أو دراسات،
ولكنّ أبرز نقد للمشروع جاء بشكل عام من خلال كتاب طه «تجديد المنهج في
تقويم التراث»، وجاء بشكل مفصّل ودقيق، وأشبه بعملية تشريح نقدي، من
خلال رباعية جورج طرابيشي.
منتصرحمادة
شخصيات وأعلام




