Next Page  347 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 347 / 362 Previous Page
Page Background

347

2016 )9(

العدد

شخصيات وأعلام

القليل من «ثقافة الاعتراف» في حق جورج طرابيشي المفكر والمترجم والناقد

الأول لبعضخدماته العلمية في مجال الترجمة، مع التركيز تحديداً

على ترجمة أدبيات علم النفس، بينما ُصّص المقال الثاني للتوقف

عند معالم نقده لمشروع الجابري.

طرابيشي المترجم والناقد والمفكر

قِلة قليلة من الأسماء العلمية العربية تخصصت في علم النفس،

بصرف النظر عن مرجعية ومدرسة علم النفس المعنيّة، حتى

، سواء كانت تشتغل على هذا العلم

في المدرسة اللاكانية مثلا

من منظور تعريفي وترويجي كما هو الحال مع المصري مصطفى

صفوان أو التونسي فتحي بن سلامة أو المغربي جليل بناني، أو

اشتغلت عليه نقداً، كما تمّ مؤخراً مع طه عبد الرحمن في كتابه ما

.

3

قبل الأخير: «شرود ما بعد الدهرانيّة»

والحال أنّ ما قام به جورج طرابيشي في التعريف بعلم النفس

للقارئ/المتلقي العربي سابق على ما قام به هؤلاء جميعاً، لأنّ

بعض أمهات علم النفس في العالم، وفي مقدمتها أعمال سيغموند

فرويد، ترجمها للعربية طرابيشيدون سواه.

وأصل هذه العلاقة بين طرابيشي وفرويد، التي تقف وراء

صدور أولى أعمال فرويد للعربية للمتلقي العربي، نجدها في آخر

،

4

مقالة حرّرها الفقيد، وجاءت بعنوان «ستّ محطات في حياتي»

معتبراً أنّ أحد أعرق أحلام الإنسانية أن تجد مفتاحاً لتفسير

أحلامها، وقد تصدّى لهذه المهمّة في البدء الميثولوجيا الشعبية،

ثم الفلسفة، قبل أن يتنطع لها أخيراً علم النفس. لكنّ المساهمة

الكبرى في هذا المجال كانت للتحليل النفسي. فمع فرويد تحول

تفسير الأحلام إلى «علم». وهذا الكتاب الذي ترجمه لأول مرّة

والثقافة، بله الحُلم بثقافة الاعتراف» التي اشتغل عليها هيغل أو هونيث.

  ـ نسبة إلى عالم النفس الفرنسي الشهير جاك لاكان، ومعلوم أنّ هناك مدارس

2

لاكانية ومدارس لاكانية مضادة.

  ـ طه عبد الرحمن، شرود ما بعد الدهرانية: النقد الائتماني للخروج من

3

، وجاء العمل في

2016 ،1

الأخلاق، المؤسسة العربية للفكر والإبداع، بيروت، ط

صفحة.

560

  ـ جورج طرابيشي، ست محطات في حياتي، ونشر المقال في موقع «أثير»

4

، على الرابط المختصر التالي:

2015 ،

فبراير

23

]، بتاريخ

atheer.om[ http://goo.gl/SN79Wg

الراحل جورج طرابيشي إلى العربية لا يقدّم «مفتاحاً» لتفسير

الأحلام فحسب، بل يقدّم أيضاً مفتاحاً ومدخلاً لمجمل نظرية

فرويد في التحليل النفسي.

ويرى طرابيشي أنّه منذ أن قرأ مقالة فرويد حول تفسير

الأحلام انفتح على التحليل النفسي، وعكف على قراءة صاحب

«الطوطم والتابو» ثمشرع يُترجم له. والنتيجة كما نقرأ في المقالة

أنّ الفقيد ترجم لفرويد نحواً من ثلاثين كتاباً، ولو أنّه لم يُترجمها

عن لغتها الأصلية الألمانية بل عن اللغة الفرنسية، ولكن كان

هذا خياراً لا بدّ منه، لأنّه في الثقافة العربية، التي تهيمن عليها

نتيجة الاستعمار السابق اللغتان الفرنسية والإنجليزية، لا يوجد

من يتقن الترجمة عن الألمانية سوى قلة قليلة للغاية. ولو لم يُترجم

طرابيشي في تلك الحقبة، لبقيت الثقافة العربيّة بدون فرويد

.

5

وبدون تحليل نفسي

بعد الفتح العلمي الذي دشّنه طرابيشيفي تعامل العقل العربي

مع علم النفس، سوف تظهر للوجود أسماء علمية جديدة، أشرنا

إليها سلفاً، ولأنّ مجالنا التداولي يعاني بشكل واضح من تواضع

، فقد كان من المفروض أن ينظم علماء

6

أخلاق وثقافة الاعتراف

النفس العرب والباحثون العرب في علم النفس، الندوات

والمؤتمرات حول جورج طرابيشي، سواء في حياته أو بعد مماته،

من باب المساهمة في ردّ الجميل على ما قام به، بصرف النظر عن

مضامين ومآلات علم النفس في هذا المجال التداولي أو ذاك، إلا

أنّ واقع الحال يُفيد ويؤكد غياب مثل هذه المبادرات، هذا إن

لم نجزم بأنّ بعض علماء النفس العرب، من المتأثرين بالمدارس

الغربية القديمة والمعاصرة، لا يعرفون أساساً اسم جورج

طرابيشي.

  ـ يضيف طرابيشي في المقالة الأخيرة ذاتها، أنّه كان منصرفاً في آخر فترة من

5

حياته البحثية إلى إعادة النظر في ترجماته الفرويدية مستفيداً من صدور

ترجمات جديدة لفرويد باللغة الفرنسية، وذلك استعداداً لإعادة طبعها منقحة

وأكثر مطابَقة للنص الأصلي.

  بالرغم من أنّ التراث الإسلامي حافل بأخلاق وثقافة الاعتراف، بل حتى واقع

6

الفكر العربي المعاصر، يعجّ بثقافة الاعتراف، إلا أنّ السائد ينتصر لثقافة الجحود

والنكران.