إبستمولوجيا المعتقدات الدينية من منظور العلوم الاجتماعية


فئة :  ترجمات

إبستمولوجيا المعتقدات الدينية من منظور العلوم الاجتماعية

إبستمولوجيا المعتقدات الدينية من منظور العلوم الاجتماعية[1]

تُطرح مسألة عقلانية المعتقدات الدينية ولاعقلانيتها في العصر الحديث بطريقة خاصة جدًّا. وأصبحت هذه المشكلة الحديثة موضوعاً رئيساً على يد تقليدين خصبين، ولكنهما بعيدين عن بعضهما البعض، وهما الفلسفة التحليلية للدين والعلوم الاجتماعية للأديان، الفرد والجماعة كما هو جدير بالملاحظة. مع ذلك، لا يؤدي هذا الموضوع المشترك إلى تفاعلات حقيقية بين التخصصين، ودون الحكم مسبقاً على المعرفة المباشرة –بشكل أو بآخر- التي يتمتع بها الباحثون في أحد التخصصات بأعمال التخصص الآخر، فأقل ما يمكننا قوله إن الأعمال المنشورة التي من شأنها أن ترتبط بين المجالين ليست وفيرة.

تهدف الفلسفة التحليلية للدين إلى دراسة مختلف أنواع الأسئلة، انطلاقًا من إبستمولوجيا المعتقدات الدينية وصولًا إلى اللاهوت الفلسفي1. ضمن هذه التساؤلات، نجد عادةً أسئلة مثل "هل من العقلاني أن نؤمن بإله كلي القدرة؟"، "هل وجود الشر ليس سببا كافيا كي نؤمن بعدم وجود إله؟"، "إذا كان الإله كلي المعرفة، فهل يمكننا أن ندّعي أننا أحرار؟". هذه أسئلة قديمة في معظمها، لكن المعالجة المقترحة تسعى لمراعاة الوضع الحالي للعلوم الطبيعية والفلسفة التحليلية الأكثر معاصرة.

تقوم إبستمولوجيا المعتقدات الدينية على تحليل هذه المعتقدات بالتساؤل عمّا إذا كان من الممكن أن تكون عقلانية، وفي أي ظروف، وتحت أي شروط. هذا يفترض بعض الوصف للمعتقدات الدينية قبل أي شكل من أشكال التقييم، وعلى هذين المستويين الوصفي والتقييمي، لا بد من الدخول في صدام مع العلوم الاجتماعية للأديان. تدرس إبستمولوجيا المعتقدات الدينية بشكل عام المعتقدات القضوية propositionnelles، المعتقدات التي لها الشكل التالي: يؤمن X بأن P. وبالطبع لا يتعلق الأمر بقول إن هذا (التبسيط) يستنفد طبيعة المعتقدات الدينية والممارسات المصاحبة لها، بل يتعلق بعملية إرشادية من أجل دعم التحليل العقلاني.

النقطة المهمة قبل كل شيء، هي ملاحظة أن محتوى P يتم تصديقه، ومن خلال الإيمان به، فإن X يلتزم بطريقة أو بأخرى بإبقائه حقيقيًّا. ومن ثم يتدخل الإبستمولوجيّ لتقييم إذا ما كان هذا المحتوى معقولًا، وإذا ما كانت طريقة الاعتقاد مشروعة من وجهة نظر متطلبات العقلانية التي سيتم تحديدها. من الواضح أن الآراء منقسمة، البعض يؤيدون أن بعض المعتقدات الدينية يمكن منحهم الشرعية بشأن ادعائهم الحقيقة، وهذا لا يعني حتى الآن أننا يمكننا التأكد من كونهم حقيقيين؛ وآخرون يعترضون على هذا الادعاء ذاته، بالإضافة إلى أن هناك كل أنواع الأعمال المتشككة، وكل هذا متعارف عليه في عالم الفلاسفة.

ربما سيشعر الباحث في العلوم الاجتماعية بالقلق على الفور فيما يخص الادعاء بتقييم حقيقة المحتوى القضوي في مسائل الدين. فهل مازال هناك فلاسفة يتساءلون هل الإله موجود؟ الإجابة واضحة: نعم، هناك عدد غير قليل منهم. بالتأكيد يوجد في عالم الفلاسفة من ينظر أحيانا إلى هذا التساؤل المباشر عن وجود الإله أو عدم وجوده على أنه سذاجة، بالأخص بالنسبة إلى أولئك الذين يؤيدون النقد الكانطي للميتافيزيقا النظرية. أقل ما يمكن أن نقوله إن النقد الكانطي للميتافيزيقا في حد ذاته محل خلاف على نطاق واسع في عالم الفلاسفة التحليليين، وأنا لا أصر على هذه النقطة التي يجب مع ذلك أن تؤخذ في الاعتبار. على النقيض من ذلك، فما يجب أن يجذب انتباه الباحثين في العلوم الاجتماعية هو بالتأكيد النقاش الفلسفي حول معايير التقييم وتاريخيتها. من أجل تقييم عقلانية المعتقدات لا يقتصر الأمر على افتراض أنها تدعي امتلاكها لمحتوى حقيقي، بل ينبغي أن نفترض أيضا اتخاذ إجراء للتقييم أو لمعايير التسويغ أو لضمان عقلانية المعتقدات. مع ذلك، يبدو أنه في العصر الحديث، مع لوك Locke ثم مع بعض فلاسفة التنوير، أصبح المطلب الواجبيّ* déontologique للتسويغ هو القاعدة.

من المناسب أن نوضح كيف تطرح إبستمولوجيا المعتقدات الدينية سؤال عقلانية المعتقدات من خلال إدخال عناصر من العلوم الاجتماعية للأديان، وهذه العناصر ذاتها تضع بعض الإثباتات الفلسفية موضع تساؤل. على العكس من ذلك، يمكننا مناقشة بعض إثباتات العلوم الاجتماعية، ليس من وجهة نظر متعالية transcendant لفيلسوف يعطي درسًا، وهذا لأن مناقشة عقلانية المعتقدات تهدف كذلك إلى وصف جانب من هذه المعتقدات، فتُفهم عقلانيتها على أنها علاقة بالحقيقة المحتملة أو تُفهم لاعقلانيتها على أنها لاشرعية فيما يتعلق بادعائها بالحقيقة2. يؤكد النموذج الأكثر صلة بالموضوع أن المعتقدات يمكن ضمانتها دون فحص تأملي réflexif، على الرغم من وجودها في سياق تعددي، فالمطلب النقدي التأملي هو الشرط الضروري للعقلانية.

تحدي الحداثة: تسويغ المعتقدات الدينية

الإبستمولوجيا الواجبيَّة

إن الحماسة -ما يسمى بالانتقال الإلهي- تُدرج ضمن المخاوف الرئيسة لفلاسفة القرن السابع عشر وفلاسفة التنوير، وهو شيء معروف جيّدًا. هكذا خصص لوك فصلا كاملا لها في كتابه "مقالة حول الفهم البشري Essai sur l’entendement humain". تكمن مشكلة المتحمس في أنه يرتكب خطيئة خطيرة ضد مبدأ التناسب: فهو يمنح الكثير من الاعتقاد إلى قضية لا تجيزها البراهين. وبذلك، فهو لا يحب الحقيقة لذاتها، ولكن للرضا الذي تمنحه إياها. بالنسبة إلى لوك، إن الحماسة هي تعبير عن ذاتية تتخيل دخولها في اتصال مباشر مع الإله دون العبور من خلال ضبط العقل أو الإيمان أو الوحي؛ فالوحي ذاته يجب أن يتم فحصه بطريقة عقلانية. يطرح لوك مطلبا نجده كثيرا في الإبستمولولجيا: شكلًا من أشكال العقلانية التي تخول للمرء أو لا تخول له بأن يتبع إيمانه بتعارض قطعي مع الحماسة والخرافات.

"إذا كان يجب تنظيم ]الإيمان[ بوصفه واجبنا، فلا يجب أن يتم منحه إلا لسبب وجيه، وبالتالي لن يمكن أن يكون متعارضا مع العقل. من يؤمن دون أن يكون لديه أي سبب لإيمانه قد يكون مغرما بأوهامه، لكنه لا يبحث عن الحقيقة كما ينبغي (...) ما هو مؤكد على الأقل أنه يجب أنه يكون مسؤولا عن الأخطاء التي يقع فيها مهما كانت" (2002 : IV, 17, § 24).

إذن فهناك أخلاق حقيقية في الاعتقاد، أخلاق واجبيّة تشدد على واجبات المؤمن، وواجب استخدام عقله من أجل ضبط تصديقه وفقا للمعطيات التجريبية (evidences) التي يمتلكها. هذه الإبستمولوجيا دلائلية وتأسيسية.

يسمح لنا العقل باكتشاف يقينية أو احتمالية القضايا بفضل الملكات الطبيعية التي لدينا. الإيمان هو الاعتماد أو التصديق الذي نمنحه للقضية التي لم نستطع اكتشافها بالعقل، والتي تنتقل إلينا من خلال شاهد يشهد بأن القضية جاءت من الإله أو موحى بها. إذا لم يكن العقل قادرًا على اكتشاف بعض القضايا بذاته، فيجب مع ذلك أن يفحص ما يُقترح عليه وألّا يعطي موافقته بشكل أعمى. لا يجب أن يتعارض مطلقا ما هو موضوع للإيمان مع المعرفة العقلانية، وفي حالة أن الأمر يتجاوز الفهم العقلاني، فيجب على العقل أن يخبرنا ما إذا كان هذا وحياً بالفعل. هذا ما يعني طريقة موثوقة للتصديق بالنسبة إلى لوك. "لا زال الأمر يقع في نطاق العقل ليحكم في حقيقة كونه وحيًا، بالإضافة إلى حكمه على دلالات الألفاظ التي تنقل هذا الوحي: هنا حيث نُقدِّر أن شيئًا ما موحى به يقع في تعارض مع المبادئ الواضحة للعقل والمعرفة المؤكدة، فالعقل لديه أفكاره الخاصة الواضحة والمميزة، وهنا يجب أن نستمع له وهو يفصح عن نفسه في مسألة تقع في مجاله." (2002 : IV, 18, § 8).

كما نرى، يجب تسويغ الاعتقاد الديني من قِبل العقل، إما بشكل مباشر من حيث اعتراف العقل بحقيقة القضية الذي يكتشفها الإيمان في البداية، وإما بشكل غير مباشر من خلال تسويغ الثقة الموضوعة في دليل يخص الوحي، وإلا فلن يكون الاعتقاد مسوَّغًا.

لكي يكون الاعتقاد مسوغًا، يجب على المؤمن أن يمتلك معطيات أكثر دقة تؤسس لاعتقاده، وهذه المعطيات يجب أن تكون من الممكن الوصول إليها وداخلية؛ بمعنى أن يكون المؤمن على وعي بما يؤسس عليه اعتقاده. ولا يكفي أن تؤمن عن طريق المصادفة، فالأمر مثل أن يكون الخيال الشخصي هو المرشد الوحيد، أو أن تؤمن وفقا لعملية موثوقة موضوعيًا، لكنها لا يمكن الوصول إليها وغير واضحة. ينبغى على المؤمن أن يستطيع الإجابة عن اعتقاده، إذا ما أراد التمكن من ادعاء أنه يؤمن بشكل عقلاني أو بطريقة مسوَّغة. ويقترن شرط الوصول الداخلي عن طريق الالتزام بالبحث عن المعطيات التي تؤسس الاعتقاد. فعقلانية المؤمن هي إذًا جهد أخلاقي لفحص الذات والعالم من أجل ضمان شرعية معتقداته الدينية. وهذا الجهد، يتمثل في كونه ضبطًا إبستمولوجيًا وأخلاقيًا لطريقة إيمانه، وهذا لا يعني أن يختار المرء معتقداته بشكل تجريدي، ولكن هناك إجراءات لا بد من اتباعها، لكي تكون فاعلًا دينيًا مسؤولًا ومستنيرًا.

حتى نتمكن من تحديد الواجبيّة الحديثة التي تفرض نفسها في مسائل المعتقدات بشكل أفضل، يمكننا الرجوع إلى ما يُسمى بمبدأ كليفورد Clifford، الذي سُميَ على اسم فيلسوف ورياضي إنجليزي من القرن التاسع عشر، والذي على خلاف لوك يرى أن المعتقدات الدينية -على عكس الإلحاد- لا تجتاز الاختبار الواجبيّ.

من الخطأ دائما في كل مكان ومن أي شخص أن يعتقد بأي شيءٍ كان بناءً على دليل غير كافي.** يفرض مبدأ التناسب العقلاني هذا وجود أسباب للإيمان تُظهر أننا نؤمن بالطريقة الصحيحة، وتمنع من الإيمان بدون سبب وجيه. لا يكفي حتى أن نعرف الحقيقة أو أن يكون لدينا اعتقاد حقيقي، فما زال من الضروري أن تكون هذه المعرفة أو هذا الاعتقاد مُكتسب بشكل صحيح ومُنطلق من أساس شرعي. يجب على الملحدين والمؤمنين على حد سواء الارتقاء إلى مثل هذا المستوى الواجبيّ.

قبول تحدي تسويغ المعتقدات الدينية

إن أكثر الأشكال نجاحًا في إبستمولوجيا الاعتقاد الديني تأخذ التحدي اللوكوي أو الكليفوردي بعين الاعتبار، وتوجد على الأرجح في أعمال سوينبرن3 Swinburne في دفاعة عن الألوهية، وفي كتاب معجزة الألوهية The Miracle of Theism لجون ماكي J.L.Mackie في دفاعة عن الإلحاد. اشتهر سوينبرن بإدخال المناقشات حول الحجج المؤيدة والمعارضة لوجود الإله إلى الفلسفة مرة أخرى. لقد أعاد صياغتها مع وضعه لتصوراتنا العلمية عن العالم في الحسبان وأعطاها قوة تراكمية، مع إضافة مختلف الحجج حول وجود الإله تُزيد من احتمالية وجوده، على الرغم من أنها توازن الحجج المضادة لهذا الادعاء. هذا العمل مصحوب بإبستمولوجيا تمت مناقشتها كثيرًا، والتي تركز على الألوهية، وأترك للقراء مهمة فهم كيف يمكن أن يكون هذا مفيدًا –بشكل متناظر- للإلحاد.

انطلاقًا من تحليل بسيط للإيمان، يميّز سوينبرن (2005) بين عنصرين: من جانب، الاعتقاد القضوي بأن الإله موجود، وبأنه يفعل هذا أو ذاك وأنه كذا أو كذا، ومن جانب آخر، الثقة التي هي بمثابة أساس لأعمال المرء. هذه الثقة التي يمكن وصفها على أنها اعتقاد بالإله ليست مجرد اعتقاد قضوي، لكنها ليست مستقلة عن الاعتقاد القضوي؛ لأنه لكي يعمل المرء وفقًا لاعتقاده بالإله يجب أن يفترض -بوصفه حقيقيًّا أو على الأرجح حقيقي- أن الإله كذا أو كذا وأنه يفعل هذا أو ذاك. لذلك، فالإيمان بـ (كذا) يعني دائما الإيمان بأن (كذا). إذا كان الفرد واثقًا في فاعلية شعيرة ما، وأنها تضعه في علاقة مع كائنات فوق طبيعية، فيجب عليه إذن أن يدرك -بطريقة أو بأخرى- أنه يؤمن بوجود هذه الكائنات، وأنها حساسة تجاه الشعيرة؛ بمعنى أن الشعيرة لها تأثير على سلوكهم4.

مع ذلك، يمكننا أن نعتقد أن مثل هذا التحليل متأثر إلى حد كبير بالمسيحية من أجل توفير نقطة انطلاق لإبستمولوجيا المعتقدات الدينية بشكل عام. يبدو أن النموذج الذي اتخذه سوينبرن يتمثل في المعتقدات التي تعبر عن نفسها في شكل عقيدة credo قابلة للنقاش، ووفقا لإجراءات جدلية مقننة من خلال سلطة ما. من الصحيح كذلك أن سوينبرن طوَّر لاهوتًا فلسفيًّا للمسيحية، لكن رؤيته الإبستمولوجية تشبه عمله حول الألوهية، حول الاعتقاد بأن الإله روح كلي المعرفة، وكلي القدرة وخيِّر مطقًا وخالق، وتهدف إلى استكشاف التناغم والحقيقة المحتملة للجوهر الميتافيزقي الذي نجده في الأديان التوحيدية الثلاثة. وبذلك، فهو يضع نفسه على أرضية فلسفية، حيث يقول الشكاكون والملحدون كلمتهم أيضًا. وبشكل أعم، فإن عمله يستأنف أقدم التقاليد الفلسفية. منذ بداية الفلسفة الغربية، قام سقراط Socrate وأفلاطون Platon وأرسطو Aristote بانتقاد محتوى المعتقدات الدينية لعصرهم دون أن يتخلوا عن الحديث عن الإلهي، وهدفوا كذلك إلى إظهار عقلانية المعتقدات الدينية أو لاعقلانيتها. فمن المحتمل جدًّا بالنسبة إلى سوينبرن، كما هو الحال بالنسبة إلى الفلاسفة الغربيين الأوائل، أن عددًا كبيرًا من المعتقدات الدينية لا يمكن أن تدعي أي عقلانية -باستثناء المعتقدات العملية- أو أنها ليست سوى خرافات، ولهذا السبب يتم إهمال هذه المعتقدات في الإبستمولوجيا التي يمارسها المؤمنون وخصومهم. وبالتالي، فمن السهولة بمكان أن نشخص المركزية المسيحية الضعيفة في مثل هذا العمل؛ لأن هذا من شأنه أن يكون نسيانًا للتقليد الفلسفي المتمثل في فحص محتوى المعتقدات، والذي تمت استعادته وتوريثه لنا من قِبل الفلاسفة التوحيديين بالتأكيد، ومنهم العديد من الفلاسفة المسيحيين، لكنها لا تُختزل فيهم.

الاعتقاد والاحتمال

تكمن أهمية الإبستمولوجيا عند سوينبرن في أنها تجمع في آنٍ واحد بين استئناف المشروع الحداثي الموروث من لوك وبين الطرائق المعاصرة، ولا سيما تلك التي ندعوها بالإبستمولوجيا البايزية bayésienne، والتي سأعود للحديث عنها. كما اقترح لوك، فالمعتقدات الدينية لا يمكن أن تدعي اليقين، وبالتالي فهي تخضع بالأحرى للحكم على أنها حقيقة محتملة. من أجل أن نفهم كيف يربط سوينبرن بدوره بين الاعتقاد الديني ودراسة الاحتمالات، يجب علينا أن نلاحظ الطبيعة التباينيّة للإيمان (R. Swinburne, 2005 : chap. 1). الإيمان بأن P يتم توضيحه من خلال الإيمان بـ P بدلًا من الإيمان بـ "لا P"، أو الإيمان بأن P بدلًا من P’، P’’ إلخ. ويتم توضيح هذا الإيمان المتباين بدوره تحت شكل الإيمان بأن P أكثر احتمالًا من الإيمان بأن لا P.

"هؤلاء الذين يؤمنؤن بأن P ليس لدهم اعتقاد جلي فيما يخص احتمالية P: على سبيل المثال، فالأطفال الصغار ليس لديهم مفهوم الاحتمال. تكمن وجهة نظري في أن كل أشكال الاعتقاد متباينة، وأننا يمكننا استخدام مفهوم الاحتمال لإظهار ما هو ضمني في مثل هذا التباين من خلال أن ننسب إلى المؤمنين معتقدات أكثر وضوحا من تلك التي يمتلكونها في بعض الأحيان" (R. Swinburne, 2005 : 7).

من خلال قياس الاحتمالات على مقياس من 0 إلى 1، يمكننا القول إننا نؤمن بدرجة تساوي تقريبا 0.7، أو لكي نكون أكثر حذرًا، فهي تقع عند درجة تتراوح ما بين 0.7 و 0.8. إن استخدام الاحتمالات في تقييم الادعاء بالحقيقة ليس عملا مبتكرًا من جانب سوينبرن، فهو يندرج ضمن إطار النظرية البايزية5 التي تستخدم بعض جوانب حساب الاحتمالات من أجل قياس أي شكل كان من أشكال إبستمولوجيا المعتقدات. في هذا الإطار ليس مفيدًا أن ندّعي قياس درجة الاعتقاد بدقة، فنحن لا نعتقد أننا يمكننا القول بصور معقولة بأن X يؤمن أن P بدرجة تساوي 0.68. فالأمر يتعلق فقط بأن نقوم بطريقة أكثر دقة برصد التباين وقوة الاعتقاد بأن القضية المنظور فيها حقيقية، وهذا من خلال إتاحة فجوة نضع فيها درجة الاعتقاد بين الحد الأدني والحد الأقصى الذي نحن على استعداد للالتزام به أو الرهان عليه. وعندما يكون من الضروري تقييم أو مقارنة الفرضيات المتعلقة بالمعطيات أو الاعتقادات الأخرى، هنا حيث تصبح الاحتمالات مفيدة بالفعل، وهذا ما ندعوه بالاحتمالات الشرطية، سأعود إلى هذه الجزئية. لكن بالنسبة إلى سوينبرن، فالاعتقاد بوجود الإله ليس أساسيًا، فهذا الوجود مُبرر من خلال معتقدات أخرى أكثر تأكيدًا وجوهرية. ومع الافتراض الكامل للمتطلبات التأسيسية والدلائلية، يقوم سوينبرن بتقييم عقلانية المعتقدات الدينية بناءً على المعطيات التي تدعمها، والتي ربما يكون بإمكانها أن تؤسس لحقيقهم، وهذا يعني هنا احتماليتهم الاستقرائية6.

"الاحتمال الاستقرائي لقضية ما (أي فرضية في العموم) استنادًا على قضية أخرى (المعطيات ذات الصلة عموما بهذه الفرضية) هو قياس للمدى الذي ستتمكن فيه هذه الأخيرة (المعطيات) من جعل الأولى (الفرضية) حقيقية على الأرجح. فالاحتمال الاستقرائي وثيق الصلة بالمعطيات" (R. Swinburne, 2005 : 15).

ستكون هذه المعطيات عبارة عن مجموعة من المعتقدات الأساسية التي يميل الشخص إلى الاعتقاد بها، مثل الاعتقاد أن هناك فنجانُا من القهوة أمامك، أو أن 2 + 2 = 4، إلخ. تستند هذه المعطيات على معتقدات مشتركة يمكن التوصل إليها بسهولة، وإذا كان سيتم استخدامها لتأسيس احتمالية معتقدات أخرى فمن الضروري أن تكون لها ذات المصداقية.

دعونا نحاول أن نرى كيف يجري الأخذ بهذه الإبستمولوجيا، لنقول إن الفرضية هي H، والمعطى هو E، تم تطبيق نسخة مبسطة من مبرهنة بايز Bayes في إبستمولوجيا المعتقدات على النحو التالي:

P(H/E) = P(E/H). P(H)/ P(E)

هذا يعني أن احتمالية الفرضية H، نظرًا للمعطى E، تساوي ناتج احتمالية المعطى E بمعرفة H من خلال الاحتمال القبلي a priori -باستقلال عن المعطى، وعن H- مقسومًا على الاحتمال القبلي للمعطى في استقلال عن الفرضية المدروسة. تشير P(E/H) إلى القوة التفسيرية لـ H فيما يخص E. إذا أراد محقق الشرطة أن يشرح أنه يوجد أثران مختلفان بالقرب من مسرح الجريمة (E)، سيجب أن تكون فرضيته ذات صلة بأن تشير إلى شخصين وليس واحدًا أو بالأحرى إلى ثلاثة أوأكثر. يتم تقييم P(H) بناءً على بساطة الفرضية: إن افتراض وجود اثنين من المجرمين وليس واحدًا هو أمر أقل بساطة قبليً، ا ولكنه قد يثبت أن لديه إمكانية تفسيرية أفضل P(E/H). وتشير P(E) إلى أي مدى تستحق E أن تكون أوضح. إذا كانت E غير محتلمة، فإن احتمالية P(H/E) ستزداد، لكن إذا كانت E محتملة جدًّا أيا كان السياق، وإذا كانت P(E) قريبة من 1، إذن فإن P(H/E) لن تزداد بشكل ملحوظ. على سبيل المثال، إذا لاحظ المحقق آثار أقدام في ممر مزدحم، فإن وجود آثار أقدام أمر متوقع للغاية، واستخدام هذه الآثار كمعطيات لبناء فرضيات حول الجريمة هو أمر ليس له أهمية.

دعونا نأخذ مثال الحجة الغائية التي طورها سوينبرن، لكي نفهم بشكل أفضل كيفية عمل الإبستمولوجيا الواجبية. إن الاعتقاد بوجود الإله –وهذا يعني أنه روح كلي القدرة وكلي العلم وخيّر مطلقًا وخالق– هي الفرضية التي يجب ضمان تسويغها. إن المعطيات التي تتم دراستها هي نظام الطبيعة الذي يأخذ عدة أشكال: قوانين الطبيعة التي تظهر انتظام سلوك الكائنات في العالم، وتكيفها الدقيق مع بعضها البعض هو من المعايير الأساسية التي تحكم عمل الكون، وهو ما يجعل من وجود حياة ذكية على الأرض شيء ممكن. هذان الشكلان من النظام هما معطيان يستحقان التفسير، هذا لأن احتماليتهم القبلية لا تساوي 1 ولاحتى قريبه منه. توفر فرضية الألوهية تفسيرًا معقولًا لهذين المعطيين، لقد خلق الإله عالمًا منظمًا ضمن خطة للمشاركة في علاقة مع كائنات حرة وذكية، عالمًا حيث تستطيع هذه الكائنات الحرة والذكية أن تتطور فيه. تتمتع الفرضية الألوهية باحتمالية قبلية كذلك، يمكننا محاولة تقييمها بقياس مدى بساطة هذه الفرضية. يطور سوينبرن حُججًا فلسفية لقياس احتمالية كل عامل في المعادلة، حجج خاصة ببساطة الألوهية؛ وبتفسير قوانين الطبيعة من خلال خالق؛ وبالحاجة إلى تفسير هذه القوانين، إلخ. يأتي القياس النهائي لـ P(H/E) ليقوم فقط بتلخيص وتقعيد ما كشفه الاستدلال بالفعل7.

هذه الحسابات التي يمكن أن تبدو مصطنعة للغاية هي في الواقع أدلة ترشدنا إلى طريقتنا في الاعتقاد، وهذا لأنها تسمح لنا بقياس آثار معتقداتنا التي تمر عمومًا مرور الكرام. وبالتالي، يمثل هذا الإجراء شبه الرسمي جزءًا من الأخلاق الفكرية للمؤمن، بالرغم من أن الجدال ذاته أكثر أهمية بكتير من الحساب. إذا كان اعتقادي بأن فرضية الألوهية تفسر ظاهرة ما لها درجة متغيرة على مدى فترة زمنية معينة، وبأن الألوهية تبدو مزودة باحتمالية قبلية متغيرة على مدى فترة زمنية أخرى، وبأن الظاهرة المدروسة بتلك الاحتمالية القبليةمتغيرة على مدى فترة زمنية ثالثة، إذن فيجب أن أدرك أن الدرجة المنطقية للاعتقاد في هذه الفرضية تنتمي إلى فترة زمنية محددة بعينها. هكذا من الممكن اكتشاف أن الفرضية مؤسسة بشكل أقل أو بشكل أفضل مما تصورناه في البداية، وهذا هو الهدف من التقعيد formalisme. إذا قارنا على المنوال نفسه بين مصداقية فرضيتين، فإن تحديد الفترات الزمنية للاحتمال يسمح برؤية الأمور بشكل أكثر وضوحًا. إن الرغبة في الشفافية واضحة، ويجب عدم تجاهلها لأنها تكشف عن محاولة للعقلنة والسيطرة تتعارض مع الرخصة الفكرية التي كثيرًا ما تنتجها فلسفة الأديان. ومع ذلك، لا ينبغي أن تعمينا عن التحيزات التي تحكمها.

هل المعتقدات الدينية قضوية بالفعل؟

إن الافتراض المسبق الجَسيم للإبستمولوجيا الواجبية هو أننا نستطيع دراسة المعتقدات الدينية كما نفعل مع أي فرضية. إن هذا الامتداد للفحص النقدي الذي يأتي إلينا من الحداثة يستحق أن يكون هو ذاته موضوع للمناقشة في ضوء توصيفات المعتقدات الدينية في العلوم الاجتماعية. إن نقًدا معقولًا من شأنه أن يطعن في إمكانية ربط المعتقدات الدينية والمواقف القضوية8.

تفترض الإبستمولوجيا الواجبية أن الاعتقاد الديني –لكي يكون عقلانيًّا– يجب أن يكون من بعض الجوانب مثل الفرضية التي نسعى إلى تقديم الأسباب لها. ليس من المؤكد أن مراقبة الدين عن كثب ستكون متوافقة مع مثل هذا التأكيد. يشدد بييت Piette على خطر العمى عن الطبيعة الحقيقية للإيمان إذا ما قمنا بصياغة المعتقدات الدينية بمصطلحات قضوية. ومن المؤكد أن المؤمن يمكن أن يقول لمن يراقبه إنه يؤمن بهذا أو ذاك. لكن التعبير القضوي ينشأ من موقف مصطنع عندما يُنظر إلى الأنثروبولوجيّ على أنه الشخص الذي يطلب صياغة محتويات محددة للمعتقدات، وهو الطلب الأكثر صراحة من جانب الإبستمولوجيّ. ويُنتَج الوهم إذا بأثر رجعي: ما فعله المؤمنون سيستند على ما يقولون إنهم آمنوا به. ومع ذلك، يكون الإيمان الديني مفهومًا بشكل أفضل عن طريق تأويل الأفعال والإيماءات والخطابات في الموقف.

"إن مطابقة معتدات الفرد مع تمثلاته العامة أو المحيطة أو المنظمة في عقيدة وإيضاح هذه التمثلات لتناسق التفرد الثقافي يصرف النظر بشكل مباشر عن السلوكيات والأفعال الملموسة. فإن هذا لا يفترض تجاهلًا للاختلافات الفردية فحسب، ولكنه يفترض كذلك التفكير في أن الفرد لديه حق الوصول الكامل إلى تمثلات واضحة تمامًا" (A. Piette, 2003, 59).

وبالتالي، فإن الإبستمولوجيّ الذي يقيّم المحتوى القضوي سيعمل على محتويات الاعتقاد التي لا وجود لها حقًّا سوى عند الأفراد الذين يعقلنون حياتهم الدينية بالفعل. يرتكز هذا الرفض للاعتقاد القضوي على مفهوم الاعتقاد شبه القضوي الذي قدمه دان سبيربر Dan Sperber (1982 : partie II) أثناء التفكير حول لاعقلانية المعتقدات9. إن الاعتقاد شبه القضوي هو اعتقاد لا يمكننا أن نحدد له قضية بعينها تتصل بالصيغة ذات الصلة بالاعتقاد10. يتم استخدام المفاهيم، ولكن بعض المصطلحات تظل غير محددة من حيث دلالتها، مما يمنع الوصول إلى قضية محددة. في مواجهة مشكلة عدم التحديد هذه، يتم اقتراح تأويلات على أمل أن تسمح إحدى هذه التأويلات بالوصول إلى قضية محددة. وما لم يكن هناك أي تأويل متوفر من أجل تحفيز لعبة التأويلات على سبيل المثال، فيظل معنى صيغة الاعتقاد غير محدد في النهاية. وهذا لا يعني أنه ليس هناك ادعاء بالحقيقة في حالة المعتقدات الدينية، فهناك بالفعل صلة محتملة بالحقيقة، ولكن ليس من خلال تأكيد الإيمان بأن P، ولكن من خلال التأكيد أن P حقيقية دون تأكيد P التي ليست واضحة تمامًا. إذا كان الاعتقاد شبه القضوي أن X يؤمن بأن R لغز مقدس، إذن فإن X يرى أن هناك تأويلًا حقيقيًّا لـ R دون أن يتمكن من تقديمه بنفسه.

لكن من الضروري أن ننظر عن كثب للمحتويات القضوية التي درسها الإبستمولوجيون. يمكن للقضية أن تتضمن اسم علم ("الإله"، "الله"، إلخ) تكمن وظيفته في الإشارة المباشرة إلى الكيان، إذا كان موجودًا11. في هذه الحالة، يمكن تعيين المحمولات دون أن نفترض معرفة متعمقة للغاية بالكيان فوق الطبيعي، تمامًا كما لو أنني أقول "أينشتاين لا يصفف شعره" من خلال رؤية صورة أينشتاين، والتي لا أعرفها إلا بناءً على الملصق الموجود أسفل الصورة. أعتقد أن أينشتاين لا يصفف شعره، هذا يكفي من أجل الاعتقاد القضوي، على الرغم من أن الكيان غير معروف إجمالًا، وأن تأويل جملة "لا يصفف شعره" يمكن أن يختلف بشكل كبير، بيني وبين أمّي على سبيل المثال. لكننا سنعترض على أن اسم العلم يحدد القضية بدقة، ويفترض أن الكيان موجود لكي يكون لديه مرجعًا مباشرًا. إذا لم تتضمن القضية اسم علم، على سبيل المثال: "الروح كلية القدرة تعتني بي"، فيمكننا كذلك أن نفرد لها محتوى قضوي متصلًا بها ونقوم بالإشارة إلى X، كأن نقول إنه يوجد X روحاني وكلي القدرة وعطوف تجاهي. ويجوز تصديق هذا المحتوى دون أن يكون معفيًا من تضاربات التأويل. هذه الاختلافات في التأويلات تافهةً تمامًا. إذا قلت: "كراسي الشرفة بحاجة إلى إصلاح"، توجد عدة تأويلات ممكنة بحسب عدد الكراسي التي بحاجة إلى إصلاح أو إلى حجم الإصلاحات. ومع ذلك، نرى بصعوبة ما الذي يمنعنا من أن ننسب معتقدات قضوية بشكل شرعي إلى المحاورين.

ربما تأتي مشكلة غياب المحتوى القضوي بالأحرى من التناقض أو عدم الاتساق الذي يبدو أنه يشكل ملامح بعض المعتقدات، كالإيمان بأن الإله واحد وثالوث، والإيمان أن الإمبراطور إلهيّ لكنه ليس لديه قدرات الإله، والإيمان بأن هناك حياة بعد الموت والتركيز على العناية بجثمان الميت، وإيمان هؤلاء البشر بأنهم أيضًا أرارا*** Araras، وما إلى ذلك. أشار سبيربر (1983 : 53-4) إلى أنه قبل أن نعيّن المعتقدات غير العقلانية، يجب أن نبحث إذا ما كان التأويل المتسق غير ممكن في بعض الأحيان. إذا قارن البورورو les Bororos أنفسهم بالأرارا التي تمتلك النساء، فهذا ليس لأنهم يخلطون بين البشر والأرارا، ولكن لأنهم يتماثلون بطريقة مثيرة للسخرية مع هذه الطيور للتعبير بشكل أفضل عن حالتهم الذكورية. وبالتالي، فإن تعيين المعتقدات القضوية ليس مصطنعًا أو غير شرعي، خاصة إذا تعلق الأمر بمعتقدات بسيطة وأولية إلى حد ما؛ بمعنى أنه لكي يكون هناك مركب ما –مسيحية فرد معين أو إلحاد فرد آخر– يجب على هذا المركب أن يقدم لنفسه سلفًا العناصر الأولية للألوهية أو الإلحاد. إن الإبستمولوجيين يقومون مبدئيًّا بتقييم المعتقدات، وليس المؤمنين، لذلك يمكنهم أن يهتموا أولًا بمحتويات الاعتقاد قبل التساؤل حول عقلانية المؤمن نفسه12.

وهنا إذن تأخذ مسألة الاعتقاد النصفي والمعتقدات المترددة والمتناقضة معناها الكامل، ليس لأنه لا يوجد محتوى محدد للاعتقاد به، ولكن لأن مثل هذا المحتوى المحدد لا يجد له دائمًا مكانًا متناسقًا ضمن شبكة المعتقدات أو لأن التصديق لا يكون كلّيًا أبدًا. ووفقًا لبييت13، فإن هذا التذبذب الكامن في قلب الاعتقاد لا يجب أن يُفهم على أنه تذبذب في المحتوى، بل على أنه تذبذب في نهج الدراسة على المدى الطويل وفي التأكيدات والقيود المقدمة، ولا يزال هذا غير كافٍ لفهم نهج المؤمن. فهو عندما يؤكد شيء ما، فإنه يعرف أيضًا أنه لا يمكن أن يعرف أو يكون متأكدًا تمامًا من المحتوى المحدد. لكن حتى إذا فهمنا ذلك، فإن إيمانه هو في الواقع علاقة فريدة جدًّا بالمحتوى بكل تأكيد.

هل يجب علينا العودة إذن إلى الإبستمولوجيا الواجبيّة ومتطلبات تنظيم المعتقدات؟ هذا ليس ضروريًّا؛ لأنه إذا كان ممكنًا الإبقاء على وصف الجانب القضوي للمعتقدات الدينية، وعلى تأويل الإيمان على أنه افتراض أو تأكيد لفرضية كمان فعل سوينبرن، فإنه أمر مضلل. لذلك، فإن معايير التقييم بحاجة لإعادة النظر. إذا قبلنا التمييز بين المؤمن ومعتقداته القضوية، فإن هناك خيارين متاحين للإبستمولوجيّ:

1) تقييم الإيمان من خلال الفعل بوصفه موقفًا عامًّا غير قضوي للمؤمن، وهذا هو الخيار الذي اختاره جيمس James، حيث يدرس المؤمن بدلًا من دراسة المعتقدات واحدًا تلو الآخر.

2) إظهار أن الفحص العقلاني ليس ضرورة، وأنه يجب تطوير إبستمولوجيا أخرى ترفض التحدي الواجبي، كما فعل بلانتينجا Plantinga.

البراجماتية الدينية عند جيمس

لا يريد جيمس أن يجعل العقلانية النظرية معيارًا لتسويغ "شرعية النهج الإيماني في الأمور الدينية، فهي شرعية لا ينبغي أن تعيقها مقاومة الفهم المنطقي البحت" (W. James, 1897/2005 : 39).

لن تأتي هذه الشرعية من الدفاع عن عقلانية المعتقدات الدينية من خلال الفهم الذي يقدم أدلة إمبيريقية تدعم هذه المعتقدات، بل تعتمد على الإرادة واختيار "فرضية" حيوية14. يرفض جيمس المطلب الإبستمولوجي لكليفورد، وبالتالي فهو يرفض التوقع الحديث لأن تكون المعتقدات الدينية مؤسسة نظريًّا بشكل جليّ. فكليفود مخطئ في نقطتين: من جانب، فهو يتصور أن الفهم وحده يستطيع أن ينتج المعتقدات ويحقق اليقين، وهذا خطأ فيما يتعلق بسيكولوجية المعتقدات، ومن جانب آخر، لم يعرف كيف يرى عقلانية الإرادة التي تختار بين نظامين من القيم أو بين نظاميين دينيين، وهذا خطأ إبستمولوجي. يريد كليفورد بالمبالغة في تقدير قوى العقل أن يكافح أي مجازفة بالخطأ؛ وذلك من خلال المطالبة بتسأسيس كل أشكال الاعتقاد. وهذا مستحيل وغير شرعي مع ذلك؛ لأننا إذا أردنا وقاية انفسنا من الخطأ، فنحن نجازف بالتوقف عن البحث في أي شيء، مشلولين بالخوف من الزيف. لذلك، يجب أن نفضل البحث الإمبيريقي عن الحقيقة الذي يقبل المجازفة بالخطأ.

لهذا يلعب جيمس دور باسكال Pascal ضد كليفورد. إن رهان باسكال هو نموذج الاختيار الإلزامي والحاسم، فمن المستحيل ألّا نختار بين الدين ونقيضه، حتى المتشكك يقوم بذلك، وبهذا لا يقدم بديلًا للاختيار، فهو يمثل خيارًا ما. لذلك، يجب علينا أن نختار حتى لو عنى ذلك الوقوع في الخطأ، يجب أن نسعى إلى الحقيقة دون انتظار تأسيسسها على دلائل. ويضيف جيمس أن الرهان الذي يبدو أنه يُخضِع الاختيار للحساب، هو في واقع الأمر يوضح العلاقة بين طبيعتنا الإرادية وفهمنا وإرادتنا المتعقلة. وتتألف الطبيعة الإرادية من:

"جميع عوامل الإيمان، مثل الخوف والأمل، التحيزات والأهواء، المحاكاة وروح الحزبية، تأثير الطبقة الاجتماعية والبيئة" (W. James, 1897/2005 : 49).

تتحدد هذه الطبيعة الإرادية ضمن الخيارات الدينية الممكنة، تلك التي تكون ممكنة وحيوية بالنسبة لي. يضع جيمس في اعتباره أن جمهوره لا يمكن أن يعتبروا الإيمان بالمهدي خيارًا حيويًا بما أنه يوجه عمله إلى البروتستانت الأمريكان، بالرغم من أن هذه الفرضية يمكن أن تكون حيوية بالنسبة إلى الأتراك. الحجة والمنطق في حد ذاتهما لن ينتجا القرار، لكن الطبيعة الإرادية يمكنها ذلك. ومع ذلك يوجد نهجًا أكثر عقلانية، وهذا عندما تصبح الطبيعة الإرادية متعقلة، ويمكن أن تأخذ في الاعتبار الفهم الذي يشارك في القرار دون أن يكون شرطًا كافيًا. سيركز هذا التفكير على العواقب الأخلاقية والوجودية للمعتقدات الدينية وغير الدينية.

"عندما ندعم وجود أي حقيقة أخلاقية، فإن طبيعتنا بأكملها تلعب دورًا، وتجعل انتصارتنا أو هزيمتنا تعتمد على نتائج تأكيداتنا" (W. James, 1897/2005 : 57).

إن مبدأ كليفورد مثله مثل المطلب الواجبيّ يتم عكسهما تمامًا هنا، لأن الحقيقة التي يجب أن تؤسس الاعتقاد لا تُعطى قبل الاعتقاد. وعلى العكس، فإن إرادة الإيمان، وبالتالي تحقيق هذا المثال أو ذاك، ستودي في النهاية إلى إنتاج الحقيقة التي تتوافق مع المثال أو الفرضية الدينية؛ وذلك لأن المؤمن يقرر لفرضية حيوية معينة أنها ستعمل وربما ستحقق الخير15. وإذا تحقق الخير، فهذا يعني أن اعتقاده حقيقي. وبالرغم من أن جيمس يتجنب مشكلة عقلانية المعتقدات بتناولها الواحدة تلو الأخرى، فإنه من خلال الإصرار على اختيار المؤمن ينجح في تقديم تسويغًا للمعتقدات الدينية، وهو تسويغ عملي ومتجذر في البحث عن الحقيقة في نفس الوقت، وهذه هي قضية البراجماتية التي نجدها هنا.

ومع ذلك، يبدو جيمس أسير المطلب الواجبيّ لمسؤولية المؤمن؛ ذلك المطلب الذي نجده في العديد من التقاليد الدينية والروحانية والفلسفة الحديثة كما رأينا. ويُدخل جيمس بطريقة مثيرة للدهشة في الإبستمولوجيا البراجماتية خاصته عنصرًا واجبيًّا مركزيًا، ألا وهو إلزامية الاختيار، وكذلك الانتقال من الطبيعة الإرادية كمصدر للمعتقدات إلى الإرادة المتعقلة للإيمان. إن دفاعه عن عقلانية المؤمن هو في الأساس دفاع عن الإيمان المتعقل والمسؤول (James, 1897/2005 : 39)، كذلك الذي نجده عند لوك بفارق بسيط، وهو أن الحقيقة تُقاس على العواقب اللاحقة وليس على العلاقة بالمعطيات الإمبيريقية. ويترتب على ذلك صعوبة معرفة إذا ما كانت المعتقدات غير المتعقلة، والتي لا تتحمل المسؤولية الكاملة عقلانية أم لا، وتحت أي شروط يمكننا اعتبارها كذلك.

إبستمولوجيا غير حداثية

الخيار الآخر لمحاولة إظهار العقلانية المحتملة للمعتقدات الدينية لا يتمثل في التذكير بواجبات المؤمن، ولكن في إظهار أنه من الممكن أن يؤمن بطريقة بسيطة، دون تفكير ودون تأسيس معتقداته على معتقدات أكثر أساسية كما أراد لوك وكليفورد. هذا الدفاع هو ما يُسمى بالابستمولوجيا الإصلاحية نظرًا لأنه تم تطويره أولا على يد الفلاسفة البروتستانت، وهو في الواقع يتعلق بالدفاع عن عقلانية المعتقدات الدينية داخل الإطار المسيحي بالأخص، لكنه يمتد على نطاق أوسع بالتأكيد.

إذا ما توجب علينا تلخيص الحجة بطريقة أبسط، فيمكننا أن نقول التالي: إذا كان الإله موجودًا، فمن المحتمل جدًّا أن الكائنات البشرية مخلوقين بطريقة تجعلهم يطورون تلقائيًا معتقدات دينية تتعلق بهذا الإله، وبذلك فهم عقلانيون تمامًا حتى لو لم يقدموا حججًا من أجل بناء معتقداتهم، وحتى لو لم يلتزموا بوضوح كما تتطلب الإبستمولوجيا عند جيمس. وبالتالي، فهي إبستمولوجيا غير حداثية من حيث إنها ترفض في آنٍ واحد أي عنصر واجبيّ، وتُدخِل إمكانية وجود الإله في التسويغ. وإذا كانت النقطة الأولة متوافقة مع منهجية الباحثين في العلوم الاجتماعية، فالنقطة الثانية تبدو أقل توافقًا مع ما نسميه بالميتودولوجيا méthodologique الملحدة، إلا إذا كانت هذه الميتودولوجيا ليست مبدأً ضروريًّا إلا في دراسة عقلانية معتقدات الملحدين.

إن بيتر ڤان إنواجن Peter van Inwagen (1996/2010) لم يكن مناصرًا بالمعنى الدقيق للكلمة للإبستمولوجيا الإصلاحية، لكنه كان رفيقًا للطريق، وقد طور نقدًا راديكاليًا لمبدأ كليفورد. وقد اتهم كليفورد بالدفاع عن أطروحة الاختلاف، وهي أن المعتقدات الدينية ستكون خاضعة بدون سبب إلى متطلبات إبستمولوجية أعلى بكثير من تلك المطبقة على المعتقدات الأخرى. إذا ما توجب علينا بناء معتقداتنا على أدلة كافية فإن عددًا كبيرًا جدًّا من المعتقدات التي لسنا مستعدين للتخلي عنها ستكون غير شرعية. وهذا ينطبق بشكل خاص على معتقداتنا الأساسية التي هي معتقدات ليس لدينا سيطرة عليها؛ لأنها تتشكل داخلنا دون أن نستطيع فعل أي شيء حيالها، ومع ذلك يمكنها أن تكون عقلانية تمامًا. إذا اعتقدت أنني أكلت البيض هذا الصباح، فأنا لست مضطرًا لبناء ثقتي على الذاكرة وعلى هذه الذكرى بالذات في تحليل ملكاتي، فهذا الاعتقاد بسيط ومكفول بموجب الأداء الجيد للذاكرة بشكل عام. إن طرح موثوقية ملكاتنا للتساؤل بشكل عام هو كما قال فتجنشتاين Wittgenstein نسيان لها:

"إن الأسئلة التي نطرحها وشكوكنا تستند على التالي: إن بعض القضايا ليست موضع الشك، فهي مثل المفصلات التي تدور حولها الأسئلة والشكوك." (1950-1/2006 : 341).

وبعيدًا عن كونها مسألة ثقة عمياء، فالأمر يتعلق بملاحظة بسيطة تنطلق من عقلانية أساسية وعادية، حيث يمكننا أن نبدأ في التساول عن حدودها. ومن هذه العقلانية الأولية، نستنتج الحق في الاعتقاد دون المرور بواجب فحص معتقداتنا. فأنا لست مضطرًا إلى فحص ذكرياتي لهذا الصباح، ولا جانبي النفسي بشكل عام، لكي يُسمح لي بالاعتقاد وأن أؤمن بعقلانية، بأنني أكلت بيضًا هذا الصباح.

ولكن هل ما ينطبق على الإدراك أو الذاكرة أو المنطق الرياضي16 ينطبق على ما يُنتِج المعتقدات الدينية؟ إن نقد أطروحة الاختلاف يفتح الطريق أمام المقارنة ولكن هذا ليس كافيًا، فمن الضروري إظهار أننا يمكننا أن نفسِّر كيف يمكن للمعتقدات الدينية أن تكون معتقدات أساسية مضمونة. فقد فعل بلانتيجا (2000) هذا للمعتقدات الألوهية مثل المسيحية، لكن نموذجه ينطبق على نطاق أوسع بالتأكيد، على الأديان الأخرى وعلى الإلحاد، وهو الأمر الذي لا يخلوا من عواقب متناقضة.

يمكن ألّا تُنتِج ملكاتنا العقلانية معتقدات حقيقية بثلاث طرائق مختلفة (Plantinga, 2000 : 151): هذا لأن ملكاتنا تتعطل؛ ولأننا نلجأ إلى عمليات معرفية ليس وظيفتها إنتاج معتقدات حقيقية؛ أو حتى لأن ملكاتنا تنحرف عن هدفها بسبب مشاعر مختلفة كالخوف من الموت، أو بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تعمينا. ومن خلال أعمال فرويد، يمكننا –بحسب بلانتينجا– أن نستنتج فكرة أنه حتى لو كانت عملية إنتاج الاعتقاد تعمل بشكل صحيح في حالة المعتقدات الدينية، فإن وظيفتها هو إنتاج تفكير رغبي wishful thinking، وبالتالي فإن إنتاج المعتقدات الحقيقية ليس هو الغاية من هذه العملية. على العكس من ذلك، ستكون المعتقدات مضمونة إذا ما تم إنتاجهم من خلال ملكات معرفية تعمل بشكل صحيح في بيئة ملائمة؛ وإذا ما كانت هذه الملكات موجهة نحو إنتاج معتقدات حقيقية. فالذاكرة ملكة معرفية تُتنتج معتقدات حقيقية عمومًا، وهذا لأنها تم اختيارها بشكل طبيعي لتوفير معلومات موثوقة بوجه عام حول ماضينا. لكن هناك استخدامات أقل موثوقية، والتي يمكن أن نعتقد أنها ليست جزءًا من الأداء الطبيعي للذاكرة. إذا استخدمت ذاكرتي لكي أتذكر يومي الصباحي، فهذه الملكة ستُنتج معتقدات مضمونة، بينما إذا أردت أن أتذكر طفولتي الأولى، فإن فرصي في امتلاك معتقدات حقيقية تكون ضعيفة للغاية.

يقترح بلانتينجا توفير نموذج لضمان المعتقدات الألوهية، نموذج معقول إبستمولوجيًا؛ لأنه قادر على الترابط مع معتقداتنا ومعارفنا الأخرى. هذا النموذج هو نموذج توما الأكويني/ كالفين، الذي سُمي على اسم اللاهوتيين اللذين استعار منهما بلانتينجا أفكاره الأساسية لعرضه17. سيكون لدينا في هذا النموذج معرفة طبيعية بالإله، قدرة كونية أو تدبير كوني للاعتقاد، وشعورًا بالألوهية sensus divinitatis مماثل للذاكرة أو للإدارك. سيكون من شأن هذا الشعور بالإلهيّ أن يُنتج معتقدات دينية في ظروف مختلفة، وهي مناسبات لتفعيل التدابير التي تؤلف الشعور بالإلهي، وليست مقدمات ومعطيات من أجل الاستدلال على الإله. هذه المناسبات متنوعة للغاية، وهي تتراوح بين بعض مشاهد الطبيعة وتجارب الندم أو المخاطر المميتة، مرورًا بقراءة النص الديني. في تلك المرحلة، يكون الوصف العام إلى حد ما لميلاد المعتقدات الدينية مقبولًا، لكن كيف يمكن لهذه المعتقدات الأساسية أن تكون مضمونة، وبالتالي أن يتم إضفاء الشرعية عليها إبستمولوجيًا؟

يدافع بلانتينجا عن ضمان المعتقدات الدينية من خلال إدخال فرضية وجود الإله، وأنه بشكل أو بآخر هو الخالق المباشر18 للكائنات البشرية. إذا أراد الإله بطريقة أو بأخرى أن تقوم كائنات ذكية بتطوير معتقدات دينية، وأنه تأكد من أن لديهم هذه القدرة؛ إذن فالمعتقدات الأساسية التي ينتجها هذا الشعور بالألوهية مضمونة دون الحاجة إلى فحص. يمكننا أن نتصور منطقًا مماثلًا من شأنه أن يُظهر أننا لا نملك شعورًا بالألوهية، وأن هذا يفسر لماذا يكون عدم الإيمان بالإله أمرًا أساسيًّا بسبب ملكاتنا الطبيعية، لكن لنترك هذه النقطة جانبًا. ومع ذلك، فهناك مشكلة تحد من نطاق الإبستمولوجيا الإصلاحية. في البداية، فإن قلة قليلة من المؤمنين يجدون أنفسهم في حالة الضمان التي وصفها بلانتينجا بسبب التعددية.

"وبالتأكيد، فإن هذا لا يكاد يحل مسألة ما إذا كان الاعتقاد المسيحي (حتى لو كان حقيقيًا) يملك أو يستطيع امتلاك ضمانًا في الظروف التي يجد معظمنا أنفسهم فيها بالفعل. يمكن لشخص ما أن يقول الأشياء التالية: "حسنا، ربما يمكن أن تكون هذه المعتقدات مضمونة، وربما حتى (إذا ما كانت حقيقية) تكون مضمونة بدرجة كافية لكي تكون معرفة. توجد ظروف، حيث يمكن أن يحدث هذا (...) إن ما دافعت عنه بالفعل هو فقط أن الاعتقاد الألوهي والمسيحي (بمعناهما الأساسي) يمكن أن يكونا مضمونين إذا لم يكن هناك مقوِّضات19**** defeaters، لكن يوجد مقوِّضات." (A. Plantinga, 2000 : 358).

إن المعتقدات الأساسية ليست محصنة ضد الانتقادات والظروف التي من شأنها أن تُجبر المؤمن على التساؤل عمّا بدا مضمونًا في البداية. وبالنظر إلى عموم معتقدات شخص ما، فالمقوِّضات هي المعتقدات التي إما تدخل في تعارض مع الاعتقاد الأوَّلي وبالتالي تتطلب تفكير، وإما تقضي على الأسباب التي تجعل الاعتقاد الأوَّلي حقيقيًا. يقوم بلانتينجا بفحص سلسلة من المقوِّضات ويقدم دفاعات عن المعتقدات الدينية، وهو لا يعود إلى مشروع تأسيس المعتقدات على المعطيات، لكن استراتيجيته الدفاعية تظهر – كما يلاحظ سوينبرن (2005 : 62)– أن غياب التفكير النقدي حول أسباب الاعتقاد هو ما يعطي القوة إلى نظرية الضمان، والتي لن تعد ذات قيمة بمجرد أن يلعب المقوِّض defeater دور المعطى الذي سيتم فحصه، مثلما هو الأمر في الإبستمولوجيا الواجبيّة. في سياق التعددية الحديثة –السؤال الذي أُثير من قبل– فإن اختلافات المعتقدات المعروفة لدى العديد من المؤمنين تتطلب منهم النظر بمسؤولية إلى الاعتراضات على اعتقادهم، وبالتالي على أسباب حفاظهم عليه. وعلى هذا المستوى، يظهر الواجب مرة أخرى جنبًا إلى جنب مع العمل على المحتويات المحددة.

تأخذ هذه التعددية منعطفًا مفارقًا إلى حدٍّ ما إذا توسعنا في النموذج المقترح من قِبل بلانتينجا لأجل المعتقدات الدينية. يسعى بلانتينجا فقط إلى إظهار ضمانة الاعتقاد الألوهي، وبالأخص الاعتقاد المسيحي. لنفترض أن مسلما سيتبنى حجة بلانتينجا: أؤمن أن هناك إلهًا جعل البشر قادرين على تطوير معتقدات ألوهية مضمونة في بعض الظروف، وليس هذا فقط، ولكن قادرين أيضًا على تطوير معتقدات إسلامية نموذجية مضمونة (E. Baldwin, 2010). دعونا نمد هذه النقطة إلى أديان أخرى قادرة في كل مرة على إظهار أنه إذا كان الإله كما وصفه هذا الدين موجودًا بالفعل، بالتالي فمن شأن هؤلاء الذين ينتمون إلى هذا الدين أن يكونوا ضامنين لعقيدتهم، باستثناء إذا ما كان هناك مقوِّضات. يبدو أن الإبستمولوجيا الإصلاحية تمهد الطريق إلى صراع الضمانات الذي يصبح مقوِّضًا بسبب التعددية الدينية. ويبدو أن الإبستمولوجيا الإصلاحية المفهومة بوضوح تؤدي إلى تفاقم الحاجة إلى التفكير النقدي حول تسويغ المعتقدات الدينية بدلًا من تسويغها على أنها معتقدات أساسية مضمونة.

سوسيولوجيا النقد والمنعرج الأنطولوجي إزاء الإبستمولوجيا

يقترح سوينبرن تنفيذ المطلب الواجبيّ للفحص وإعادة تأسيس المعتقدات الدينية من قِبل مؤمن واعٍ بالاعتراضات، وواعٍ بافتقار معتقداته إلى الشرعية في سياق تعددي. لا يشدد بلانتينجا على مطلب تأسيس الفرضية الألوهية؛ لأنه وصف ما يضمن المعتقدات الدينية، وفي مواجهة الاعتراضات فإن استراتيجيته دفاعية محضة. وإذا قام سوينبرن بتقعيد الفحص بشكل جذري، فإن بلانتينجا الذي لم يتخلّف عن الركب فيما يتعلق بدقة الحجة قد ترك الباب مفتوحًا أمام إمكانية إجراء فحص غير رسمي للمقوِّضات وأسباب الاعتقاد.

إنه درس من سوسيولوجيا النقد التي تجعلنا نعي بمدى تعقيد ودقة ممارسات كالمناقشة أو الشك أو النقد أو التسويغ، الحاضرة بالأخص في المواقف الخلافية التي ينعتها بولتانسكي Boltanski بالقضايا. يبدو أن سوسيولوجيا النقد أقرب إلى الإبستمولوجيا غير الحداثية عند بلانتينجا منها إلى سلالة لوك- كليفورد- سوينبرن- ماكي، والتي ستكون بمثابة إبستمولوجيا نقدية مثلما يوجد سوسيولوجيا نقدية. في الواقع، يبدو أن المطلب الواجبي ينشأ من موقف خارجي عن الاعتقاد اليومي وقضاياه العملية بفضل شرعية التأملية الفلسفية، والتي يمكن مقارنتها مع الشرعية التي يعطيها السوسيولوجيون النقديون لأنفسهم (L. Boltanski, 1990 : 1re partie, 3). على العكس من ذلك، فإن إبستمولوجيا بلانتينجا، مثل إبستمولوجيا جيمس، لا تضعان مشكلة الوهم في قلب فهمهما لضمان الاعتقاد. مثلما تمكن بولتانسكي (1990 : 42-3) من إبراز الاعتماد المفرط لمنهجية دوركايم على المطلب الحديث لنقد الوهم الديني، يمكننا اعتبار أن الإبستمولوجيا الواجبيّة تتمسك بجزء من فحص عقلانية المعتقدات من خلال رغبتها أولًا وقبل كل شيء في مواجهة تحدي تأسيسها على معطيات إمبيريقية لكي تحصن نفسها من أيّ وهم. وهكذا تُظهر إليزالبيث كلافري Claverie (2003) كيف أن الشهود في حالة ظهورات السيدة العذراء في مديوغوريه دمجوا بين وجهة النظر الخارجية والنقدية، دون أن يتبنوا إجراءً مُقعَّدًا أو علميًّا أو فلسفيًّا.

"وذلك لأن الحُجَّاج قادرون وهم داخل نفس الحالة التي هم فيها هنا أن يتوقعوا لحظة العودة، العودة إلى العالم الآخر، ولحظة الأسئلة الساخرة من المحيطين. فهم بالفعل على وشك التخلي عن حالة "الحماسة" من أجل الدحض الوقائي الذي يقدمه النقد" (É. Claverie, 2003 : 347).

هنا حيث يقوم الإبستمولوجيون الواجبيون والسوسيولوجيون النقديون بإعداد إجراء جدلي مقنن وتقني، ولا يمكن للمؤمنين العاديين أو غير المؤمنين الوصول إليه. إن العلوم الاجتماعية تُظهر لنا التطبيق العملي لمجموعة كبيرة متنوعة من المناقشات النقدية قبل الوضع التأملي العلمي. ما بين الضمان الأولي دون فحص للمعتقدات الدينية، وبين الفحص السوسيولوجي أو الفلسفي الخارجي للمعتقدات؛ فهناك مجال لمجموعة كاملة من الممارسات النقدية التي نادرًا ما يلاحظها الإبستمولوجيون، بالرغم من أنهم يفترضون وجودها.

لكن هذا التعارض بين الفلسفات المفرطة في التجريد وبين العلوم الأكثر إمبيريقية، بالرغم من صحته جزئيًّا، لا يُنصف الأعمال الإبستمولوجية التي ذكرتها تمامًا. في الواقع، إن نظرية المقوِّضات التي يمكن أن تكون موضوع مناقشة مُقعَّدة إلى حد ما في منبع التفكير الفلسفي، يمكننا أن نقرأ فيها بداية الإشارة إلى هذه العقلانية النقدية المشتركة. تُسلِّم إبستمولوجيا سوينبرن كذلك -ولو بطريقة مختصرة- بأهمية وعقلانية التأملية غير الفلسفية. يرى سوينبرن أن التفكير الفلسفي حول المعتقدات هو أقصى حدود العقلانية في الدراسة الاستقصائية، بما أنه يفترض معايير موضوعية للبحث في المعطيات الإمبيريقية واستخدامها في تأسيس المعتقدات، وهو استقصاء يمكن في ذلك مقارنته باستقصاء العالِم. لكن سوينبرن يُسلِّم كذلك بالمستويات الأدنى من العقلانية، عندما تتم العودة التأملية وفقًا لمعايير أكثر ذاتية. وبالتأكيد لم يشِر بلانتينجا ولا سوينبرن إلى الظروف الاجتماعية والتاريخية التي تحدد طبيعة التفكير النقدي ووسائلة المتاحة للفاعلين. لم تخضع قواعد الحكم إلى التأملات التي تستحقها من جانب الإبستمولوجيين، على الرغم من أن أعمالهم تقر صراحةً بصورة أو بأخرى بوجود ممارسة نقدية أخرى خارج إطار الفلسفة. إذا وجب أن تكون هناك مصالحة بين الإبستمولوجيا والعلوم الاجتماعية للنقد، فإن هذه المصالحة يمكن العثور عليها في وصف الاستمرارية التي ستنطلق من عقلانية المعتقدات الأساسية (أعمال بلانتينجا) إلى ممارسات التسويغ الإبستمولوجي التأملي ذات الطابع الفلسفي (سوينبرن، جيمس) أو ذات الطابع السوسيولوجي من خلال مجموعة كاملة من التسويغات "العادية".

تستند هذه الاستمراية على افتراض البراءة. فالميتودولوجيا الملحدة ليست الأكثر تنويرًا بالضرورة من أجل دراسة المؤمنين، بالرغم من أنها كذلك لدراسة الملحدين (A. Piette, 2003 : 38). على العكس من ذلك، فالميتودولوجيا الألوهية تسمح لنا بألا نترك دراسة التمثلات والأنشطة الدينية. كما أنها تقدم منعطفًا أنطولوجيًا20 يصبح فيه حضور الآلهة في تفاعلها مع البشر موضوعًا للدراسة. يمكن تلخيص الإبستمولوجيا غير حداثية للضمان على النحو التالي: إذا كان الإله موجودًا، فالمؤمن عقلاني حتى لو لم يلبّ المتطلبات المفرطة للواجبية الحديثة. وبالتالي، يصبح تبني ميتودولوجيا ألوهية تُضاعِف الاستقصاء حول أشكال حضور الآلهة هي الوسيلة لفهم أعمق من خلال التبني الفعلي لمنظور المؤمن وباتباع مساعيه النقدية للتسويغ، بل حتى لإيجاد العقلانية الداخلية ليس فقط لممارسته ولكونه مؤمنًا كما هدف جيمس، لكن أيضًا لبعض معتقداته التي تدعي الحقيقة بشأن إلهه.

******

لقد طرحنا للتو سؤالًا يتجاوز أفق هذا المقال: تساؤل العقلانية وادعاء الحقيقة في المعتقدات الدينية، والمواجهة بين العلوم الاجتماعية والإبستمولوجيا. تعزز الإبستمولوجيا الاختيار الميتودولوجي لبعض الباحثين بافتراض نموذج لعقلانية المعتقدات، والذي يتم إثراؤه كذلك بشكل واضح للغاية من خلال سوسيولوجيا النقد. لا تزال هناك نقطة خلاف أكيدة ونهائية، وهي كلاسيكية إلى حد ما: يريد الإبستمولوجيون أن يجدوا وسيلة حجاجية للحكم على عقلانية المعتقدات الدينية من وجهة نظر ادعائهم الحقيقة. فهم يدعون إلى فحص الحجج المؤيدة pro والمعارضة contra أثناء فحص المقوِّضات بغرض الحكم على عقلانية المعتقدات عندما يدعون الحقيقة. وبالتالي، لن يتم وضع حقيقة المعتقدات بين قوسين لفهمها بشكل أفضل، بل ستتم مناقشتها بشكل مباشر من أجل تقييمها والحكم عليها بشكل أفضل.

 

الهوامش:

1. انظر: Voir Michon, Pouivet (2010) et le dossier Renouveaux analytiques en philosophie de la religion de la revue ThéoRèmes: theoremes.revues.org.

(*) لم أحبذ كلمة "أخلاقي" أو "أدبيّاتي" لترجمة déontologique؛ فالقصد في هذا السياق يتعلق أكثر بأخلاق الواجب، أو الالتزام الداخلي تجاه شيء، وهذا ما يدل عليه استعمالها الأوسع في إطار المهن، مثل الطب، فهي تشير إلى الأخلاق المهنية التي يتحلى بها الفرد، لذلك آثرت ترجمتها لكلمة "واجبِيّ" للتعبير عن هذا المصطلح. وهو ما وجدته متوافقًا مع شرح الدكتورجميل صليبا للمصطلح، حيث أشار إلى أن بتنام وضعه للدلالة على دراسة الواجبات دراسة واقعية، بعيدًا عن مفهوم الواجب النظري عند كانط، انظر: جميل صليبا، المعجم الفلسفي، الجزء الثاني، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1982، ص: 543 (المترجم).

2. في هذه المقاربة الأولى لم نرغب في مناقشة عقلنة المعتقدات ومعايير العقلانية كما تمكن فيبر وآخرون من تطويرها. وهذا سيكون بالطبع شيئًا يجب القيام به أيضًا.

(**) هذا هو مبدأ كليفورد (المترجم).

3. بالأخص سوينبرن (2004).

4. من هنا تأتي أهمية العلوم الاجتماعية في المنعرج الأنطولوجي القادر على وصف الكائنات الإلهية أو الخارقة للطبيعة التي يعتقد المؤمن أنه يقابلها.

5. انظر: Talbott, William, «Bayesian Epistemology», The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2013 Edition), Edward N. Zalta (éd.). url: http://plato.stanford.edu/archives/fall2013/entries/epistemology-bayesian/

6. مرة أخرى، يجب دراسة الإلحاد بنفس الإجراء.

7. كما هو الحال دائمًا قي الفلسفة، فمن الواضح أن هناك حججًا مضادة تغير المقياس النهائي.

8. غالبًا ما يتم الاعتماد على فتجنشتاين ضد التحليل القضوي للمعتقدات الدينية (discuté in Schmitt, 2011).

9. يبدو أن سبيربر (1982 : 75) يؤيد المعيار الدلائلي لعقلانية الاعتقاد، ولكن هذه الملاحظة المفيدة لتقييم المعتقدات يمكن عزلها عن وصفه للمعتقدات.

10. يأخذ سبيربر (1982 : 70) الصيغة التالية كمثال: "أصبح الركود التضخمي stagflation المشكلة الأولى للاقتصادات الغربية" والتي لا يُفهم فيها "الركود التضخمي" بالضرورة، يمكن أن تكون لهذه الصياغة عدة تأويلات، وبالتالي لا يمكن ربطها باعتقاد محدد، مع محتوى قضوي محدد.

11. أنظر: كريبكه Kripke (1972/1982).

(***) الأرارا هو ببغاء أحمر، وهو طوطم قبيلة Bororo التي كانت تعيش في منتصف الأمازون. ويحكي البارون فون دين شتاينين عن أنه عندما قابلهم أثناء رحلته في البرازيل وسألهم عن ببغاء الأرارا الذي يتخذونه طوطماً وعن الطريقة التي يحاكونه بها ووضعهم لشعاره على أماكن حميمة من جسدهم، فردوا عليه بأنهم أرارا؛ أي إنهم الطوطم ذاته. وهي مسألة تناولها الكثير من الأنثروبولوجيين مثل ليفي برول، والفلاسفة التحليليين مثل ويلارد كواين ودونالد ديفيدسون، انظر: Frédéric Keck, «Les Bororo sont des Araras» Essai d’analyse d’un cas de «logique primitive», Groupe d’études «La philosophie au sens large», 2004. (Référence numérique en ligne). (المترجم).

12. صورة رمزية جديدة لعلم المختبرات تعزل الظواهر من أجل وضعنتها بشكل أفضل.

13. للاطلاع على الحالة الأخيرة لمفاهيمه، أنظر: بييت (2012).

14. إن مصطلح "فرضية" إشكالي. سيكون مضللًا إذا قرأناه على أنه دلالة لنهج علمي للمؤمن، لكنه سيكون وثيق الصلة بالموضوع، إذا أخذنا في الاعتبار البحث الإمبيريقي الذي يصاحب أي اعتقاد أخلاقي أو ديني يقيس حقيقته بعواقبه الصالحة أو الطالحة، والذي يعلن عن خير غير موجود بعد ولكن يجب إدراكه في تجربة الفرد.

15. يميز جيمس (1907/2007, 8 leçon) بين موقفين دينيين، أحدهما أحادي يعتبر أن خلاص العالم يجب أن يتحقق وسوف يتحقق، والآخر تعددي يعتبر أن هذا الخلاص يمكن تحقيقه ولكن بشروط معينة، بالأخص الألتزام الفردي.

16. ستحتاج هذه الفئات بالطبع إلى التنقيح، على سبيل المثال فالذاكرة قصيرة المدى لا تطرح المشكلات نفسها التي تطرحها الذاكرة طويلة المدى.

17. ليس هناك شك هنا في تقييم أهمية هذه التسمية.

18. ليس من الضروي الإيمان بأن الإله خلق البشر واحدًا تلو الآخر، بل يكفي الاعتقاد أن الكون خلقه الإله بطريقة تجعل الكائنات لديها الملكة الفطرية لإنتاج المعتقدات الدينية.

19. أجد أن ترجمتها إلى المبطلين/ المبطلات défaiseurs غير قابلة للهضم تمامًا، وأن فكرة الهزيمة défaite تضيع. أحتفظ بالكلمة الإنجليزية لعدم وجود كلمة أفضل.

(****) وجدت صعوبة كذلك في اختيار ترجمة لها بالعربية، فاعتمدت هنا كلمة "مقوِّضات" لترجمة defeaters، لكن هناك ترجمة أخرى لكلمة defeater، وهي "داحض"، وهي الترجمة التي اعتمدها المترجم إسلام سعد مع شرحه للمصطلح الأصلي ودلالته في إبستمولوجيا بلانتينجا، انظر هامش ملاحظة المترجم في: روبرت أودي، الإبستمولوجيا: مقدمة معاصرة في نظرية المعرفة، تر: إسلام سعد، ابن النديم للنشر والتوزيع، الجزائر، دار الروافد الثقافية، لبنان، 2024، ص ص: 105، 106 20. انظر: S. Houdart, O. Thiery, 2011.

 

المراجع:

Baldwin Erik, 2010, «On the Prospects of an Islamic Externalist Account of Warrant» in A.-T. Tymieniecka, N. Muhtaroglu (éds.), Classic Issues in Islamic Philosophy and Theology today (Islamic Philosophy and Occidental Phenomenology in Dialogue), vol. 4, Springer.

Boltanski Luc, 1990, L’amour et la justice comme compétences, Paris, Édition Métaillé.

DOI: 10.3917/meta.bolta.1990.01

Claverie Élisabeth, 2003, Les guerres de la vierge, Paris, Gallimard.

Houdart Sophie, Thiery Olivier, 2011, Humains, non humains: comment repeupler les sciences sociales. Paris, La Découverte.

James William, 2005 (1896), La volonté de croire (The Will to Believe), Paris, Les Empêcheurs de penser en rond/Le Seuil.

–, 2007 (1907), Le Pragmatisme (Pragmatism), Paris, Flammarion.

Kripke Saul, 1982 (1972), La logique des noms propres (Naming and Necessity), Paris, Éditions de Minuit.

Locke John, 2002 (1689), Essai sur l’entendement humain: Livres IV (An essay concerning human understanding), Paris, Vrin.

Mackie John-Leslie, 1982, The Miracle of Theism, Oxford, Clarendon Press.

Michon Cyrille, Pouivet Roger [éds], 2010, Philosophie de la religion, Paris, Vrin.

Piette Albert, 2003, Le fait religieux: une théorie de la religion ordinaire, Paris, Economica.

–, 2012, «Quand croire, c’est faire et un peu plus», in E. Aubin-Boltanski, A.-S. Lamine et L. Luca (éds), Croire en actes, Paris, L’Harmattan.

Plantinga Alvin, 2000, Warranted Christian Belief, Oxford, Oxford Univ. Press.

DOI: 10.5840/pc20013234

Schmitt Yann, 2011, «Une défense du théisme, critique d’un usage antiréaliste de Wittgenstein», Revue des Sciences Théologiques et Philosophiques, no 4, p. 837-859.

Sperber Dan, 1982, Le savoir des anthropologues, Paris, Hermann.

Swinburne Richard, 2004, The Existence of God, Oxford, Oxford Univ. Press.

–, 2005, Faith and Reason, Oxford, Oxford Univ. Press.

–, 2009 (1996), Y a-t-il un Dieu ? (Is there a God?), Paris, Éditions d’Ithaque.

DOI: 10.1093/0198239637.001.0001

Van Inwagen Peter, 2010 (1996), «Il est mauvais, partout, toujours et pour quiconque, de croire quoi que ce soit sur la base d’une évidence insuffisante» («Is It Wrong Everywhere, Always, and for Anyone to Believe Anything on Insufficient Evidence?»), in Michon, Pouivet.

Wittgenstein Ludwig, 2006 (1950-1), De la certitude (Uber Gewissenheit), Paris, Gallimard.

[1] - مقال تم نشره في مجلة: Archives des sciences sociales des religions، في عدد بعنوان: "الفلسفة والدين"، نُشر عام 2015