حوار مع المفكر المغربي حسن أوزال

فئة :  حوارات

حوار مع المفكر المغربي حسن أوزال

في حوار مع المفكر المغربي حسن أوزال

تُؤَرِّقُنَا في كل مرة هواجس العيش وفنونه، سؤال السعادة التي ينشدها الإنسان هربا من وطأة الوجع المشاكس، فنطبق حواس الجسد لنفتح عين الروح في دواخلنا؛ إذّاك تتلقفنا فلسفات العيش السعيد كأفيون جديد مخلص وكتمارين روحية؛ ليست المسألة قدحية بطبيعة الحال، بل لا تزيدها في نظرنا إلا رقيًّا، أن تنشغل الفلسفة بانفعال الموجود مع الوجود؛ أي أن تتصل بحياة الفيلسوف عملياً.

لحسن أوزال العديد من الإصدارات المهمة تأليفا وترجمة، وأبحاث ومقالات، وقد شارك في العديد من الندوات داخل المغرب وخارجه؛ في هذا الحوار مع المفكر المغربي حسن أوزال، وبمناسبة نشره لمنجزه الفكري الأحدث، أتساءل وإياكم معه عن ضروب ما قُمْتُ ببسطه آنفا، عن فن العيش الحكيم لا أن نحيا فقط؛ لأن صدورنا ما زالت تستنشق عَبِيرَ أو زَنَخَ الحياة.

س.- بمناسبة الإصدار الجديد لأستاذنا حسن أوزال "العيش بصحبة الفلسفة"، مرحبا بك وبنا كضيوف عند مأدبة الفلسفة، صحيح أن الفلسفة محبة وصداقة الحكمة؛ هل شعرتم يوماً أن الفلسفة كانت "رفيقا" ساعدك في مواجهة أزمة أو سؤال وجودي؟

حسن أوزال: اسمح لي بداية سي محمد، أن أعبر لك أوّلا عن مدى امتناني وشكري لاهتمامك بمنجزي الفكري المتواضع قبل أن أرد عن تساؤلك. بالتأكيد أعتبر أن الفلسفة منقذي من الضلال بأكثر من معنى؛ إذ قبل أن تجعلني في مستوى ما يجري ويحدث، فهي كثيرًا ما أنارت سبيلي وساعدتني، سواء في بناء ذاتي ونحتها استعدادا لمواجهة مفاجآت الحياة أو للعيش على نحو بسيط يخولني أن أظل حرًّا طليقا، مطمئنا وراضيا بوضعيتي كما هي دون رعب أو خوف. تبعا لذلك، أضيف إن التفلسف ليس نشاطا نمارسه يوميا فحسب من أجل إيجاد حلول محض نظرية لمشاكلنا في الحياة، بل عملية أيضا وهو اﻷهم؛ ذلك أن الفلسفة بوصلة كفيلة بإرشادك جغرافيا، حتى تستطيع على الأقل أن تميز بين الجهات الأربع، وأن تعرف الشمال من الجنوب والشرق من الغرب قبل أن تتخذ وجهة ما، وأن تخطو أولى خطواتك في صحراء الوجود. ولعل ذلك هو ما حاولت أن أوضحه لا في كتابي الأخير” العيش بصحبة الفلسفة “(منشورات محترف أكسجين، 2024)فحسب، بل أيضا في كتبي السابقة، حيث حاولت على سبيل الذكر لا الحصر أن أؤسس لرؤية كفيلة بجعل الفكر مفيدًا لكل منا في حياته الخاصة، وإلا استوى لدينا الجاهل والعارف، وصار التمييز بين أستاذ الفلسفة والفيلسوف ضربا من ضروب التخريف والمزايدة ليس إلا. استئناسا بهذا الطرح، كنت في كتابي” تضاريس فكرية، نحو فلسفة محايثة ”(الصادر عام 2012 ضمن السلسلة الفكرية التي يشرف عليها مركز اﻷبحاث الفلسفية بالمغرب)، أصر على ضرورة تفكيك صرح الفلسفات المتعالية رابطا كيان كل إنسان بصفته فردا بما دعوته حينئذ بالحيز الأنطولوجي، حيث بوسعه كفرد أن يبلور أبعاده الوجودية مبدعا جماليته الخاصة به، وموظفا زمانه توظيفا متعويا يليق به ككائن راغب. ولما كان الإنسان كائنا راغبا وحسيا بامتياز، وجب علينا بالتالي استحضار ميكانيزمات اشتغاله الشهوي في علاقتها بمنطق ما يعتمل في ذهنه من تمثلات؛ هكذا وجدتني مجبرا على الخوض في إشكالية فلسفية مقوضة للتصور السائد تاريخيًّا حول اﻹنسان ككائن راغب منذ “أريسطوفان” حتى “لاكان”، فجاء كتابي بعنوان “منطق الفكر ومنطق الرغبة “(الصادر عن دار إفريقيا الشرق، 2013). أخلص من هذا الكلام كله، للقول إن الفلسفة من حيث هي بوصلتنا في الوجود ليست معطى سابقا بمكنة أي كان، بل هي ما ينشأ كمنظور نكتسبه عبر التجربة في خضم ما نمر به من أزمات حقيقية، وما نجتازه من محن هي “رحم التحول الفلسفي” كما أكدت في كتابي” العيش بصحبة الفلسفة “؛ ذلك أن الإنسان بقدر ما ينزع بطبعه إلى نيل قدر من السعادة متفاديا الشقاء بقدر ما يدرك في خضم هذا النزوع ذاته أن الأمر ليس بالهين، بل هو ما يستدعي إمبريقيا خوض غمار تجربة الأزمة؛ ذلك أن اجتياز المرء لاختبار الأزمة هو وحده الكفيل بضمان عملية انتقاله من حالة أولى كان فيها تابعا وخنوعا إلى حالة ثانية يستعيد معها وبفضلها نوعا من الاستقلال والحرية. توازي عملية الانتقال هاته، عملية انتقال أخرى مضاعفة يتم معها التحول من منطق الحاجة إلى منطق الرغبة. والظاهر أن البون القائم ما بين الحدين، لمن الشساعة بمكان طالما أن من يحتكم لمنطق الحاجة هو أشبه ما يكون بالحيوان، ولا يستطيع أن يتصرف إلا وفق نهج أهوج عديم الوعي، سواء في تعامله مع نفسه، أو في تعامله مع الناس والعالم من حوله خلافا للإنسان الذي اكتسب وعيا فلسفيا وصار يحتكم لمنظورية جديرة برده كائنا آهلا للسعادة. على هذا النحو، ارتأيت في كتابي الأخير الوقوف عند مسألة السعادة موضحا في فقرة بأكملها أنها إذا كانت في شقها الأول ترتبط بنظام الوجود، فهي في شقها الثاني ترتبط بنظام الفكر، شريطة استدعاء ثلاثة أقطاب لازمة لتحقق عملية التحول الفلسفي السالفة الذكر، والتي هي على التوالي: "التجربة" و"مبدأ الاختيار" و"شرط المجهود".

محمد بن الظاهر: رسخت الفلسفة منذ البداية تقليداً أو لنقل صنفت نفسها دوما مع القلة ضد الجمهور من أفلاطون الذي خص الحكام بالفلسفة فقط ومروراً بأرسطو في دروس الصباح ودروس المساء وهكذا؛ ألا ترى أنه يمكن للفلسفة أن تكون أداة للتعبير الجمعي وللشارع؟

حسن أوزال: الأرجح أن الفلسفة عموما لم تكن في يوم من اﻷيام حكرًا على أشخاص معينين دون غيرهم؛ وذلك لأنها أولا قضية كل إنسان على حدة قبل أن تغدو قضية عامة، وثانيا لأن كل إنسان من حيث هو كائن عاقل يولد بالفطرة فيلسوفا. وهذا شأن الطفل مثلا الذي يكون مهووسا، منذ تمكنه من الكلام وقدرته على النطق، بطرح أسئلة وجودية دائما ما تحرج أبويه ومحيطه؛ مما يدفعهما إلى التسريع بتسجيله في المدرسة التي تتكفل شرعيا بعملية اﻹجهاز على كل ما يسكنه من تساؤلات، ليتحول مع مرور الوقت إلى كائن مطواع ومدجن ينظر إلى الكون بمنظار الضفدعة مجسدا نموذج اﻹنسان ذي البعد الواحد بتعبير "هربرت ماركوز". أما إذا ارتأينا الرد عن سؤالك من زاوية تاريخية محضة، فبوسعي القول إن تاريخ الفلسفة عرف منحيين اثنين على اﻷقل في هذا الباب؛ ولا بأس هنا من اﻹشارة إلى أن المنحى اﻷول الذي ابتدأ مع أفلاطون صاحب اﻷكاديمية، واستمر مع تلميذه أرسطو معلم الإسكندر اﻷكبر، وصولا إلى هيجل وكانط، هو المنحى الذي رسخ أكثر من غيره، نخبوية الفكر وأعلن رسميته، سواء عبر المؤسسات التي اتخذها كفضاء لبناء المعرفة أو عبر الطريقة البيداغوجية المعتمدة في التلقين والموجهة أساسا للخاصة قبل العامة؛ إذ ليس يخفى على العارفين في هذا المجال أن كانط في دعوته التنويرية لم يكن يتوجه إلا إلى أولئك الذين يستطيعون أن يفكروا من الذكور طالما أن المرأة قاصرة مبدئيا بحسب قاموس فيلسوف التنوير الذي ما فتئ ينعتها دون خجل بالجنس الضعيف Ie sexe faible. وللعلم، فإن فيلسوف غونسبورغ، لم يكن يقصي النساء والعبيد من دعوته تلك فحسب، بل كان يقصي أيضا الفلاح والعامل كما الموظف وسائر المواطنين السلبيين بتعبيره les citoyens passifs؛ وبذلك صار التنوير مكافأة يحظى بها فقط من يستحقه من النخبة، وليس من ينتمي إلى عامة الشعب. يتضح ما تفضلت به عندما نخضع للتمحيص طريقة تمييز فيلسوف اﻷنوار بين الاستعمال العمومي والاستعمال الخاص للعقل، حيث إن الاستعمال العمومي لا يخص سوى القراء، وكل من هم مؤهلين معرفيا للإحاطة بالقضايا المطروحة. وعليه، يضحى الاستعمال الحر للعقل مرهونا بالنصوص التي يدبجها الفيلسوف بالحبر والقلم، ما دام يكتب لنظرائه ويدرس أمثاله. وإذا كان الاستعمال العمومي للعقل غير موجه البتة لعامة الجمهور، فإن الاستعمال الخاص للعقل ليس بدوره استعمالا محصورًا على الفضاء البيتي والمجال الداخلي كما قد يخال البعض. هكذا يوظف كانط التنوير مُقزِّما من إمكاناته، حيث يجعل له حدودًا ملزمة للجميع، سواء كان موظفا أو رجل أمن أو كاهن؛ إذ على نحو ما ينبغي للموظف مثلا أن يستخدم عقله استخدامًا لا يتعارض في شيء مع نظام المرفق الذي يشتغل فيه حفاظًا على المصلحة العامة، ينبغي على رجل اﻷمن كذلك أن يخضع للأوامر التي يتلقاها من رؤسائه، دون أن يفكر في التمرد عنها؛ وعلى نحوهما أيضا يجب على الكاهن أن يحرص على الدفاع عن تعاليم دينه دون اﻹدلاء بآرائه الخاصة في هذا الباب؛ مثلما يجب على المواطن أن يؤدي ما بذمته من ضرائب حتى ولئن تبين له أن ثمة حيفًا في النظام الضريبي المعمول به. لنقل بتعبير آخر إن كانط لا يخجل في كل مسعاه من دعوتنا إلى أن نحتفظ لأنفسنا بحرية التفكير فيما نشاء وكما نشاء لكن شريطة خضوعنا للقوانين السائدة في الوطن والدولة التي ننتمي إليها ودون أدنى تنديد بالجور الذي يطالنا جراء حيفها. إيجازا بوسعنا اﻹشارة إلى أن الجانب اﻹيجابي في دعوة كانط إن كان يعود إلى شيء، فإنما يعود باﻷساس إلى تحريره للفلسفة من الوصاية الدينية والسياسية. أما الجانب السلبي من هذه الدعوة، فيعود إلى تعليقه لأفق حدوث الثورة (مع كانط صارت ثورة 1789 ممكنة دون أن تتحقق واقعيا) وإرجائه لها خاصة وأن عملية التنوير ظلت رهينة قاعات الندوات وحبيسة الدروس الجامعية. فضلا عما سلف، اسمح لي أن أعرج للقول إن ما انتهى إليه كانط غربيا سبقه إليه ثلة من الفلاسفة، وعلى رأسهم ابن رشد عربيا الذي درج على تصنيف الناس إلى ثلاث فئات؛ هي فئة البرهانيين، وفئة المتكلمين، وفئة العامة. ووفق هذا التصنيف، حرم بدوره العامة من حق ممارسة التأويل، وأجبرها بالتزام ظاهر النص الديني بدعوى عجزها عن فهم الحقيقة مع تسليمه بكل اﻷحقية في هذا الباب للفلاسفة لا غير. هكذا نلاحظ كيف أصبح استعمال العقل مرة أخرى محصورًا على أهل البرهان دون سواهم؛ ويكفينا والحالة هاته الاستئناس بكتاب ابن رشد بعنوان "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال" لنتبين مدى حرص الرجل على التمييز بين اﻷقاويل الخطابية والجدلية والبرهانية، معتبرا البرهان أساس بلوغ اليقين المعتمد كنهج من لدن فئة الخاصة من الراسخين في العلم والقادرين على إدراك المعقولات وتحصيل العلوم النظرية، خلافا لفئة العامة التي يجب عليها أن تكتفي بالقياس الشرعي مرجعا والانكباب على الصناعات العملية دون النظرية على حد تعبيره. هذا إذن قولي في كل ما يتعلق بالمنحى التاريخي اﻷول الذي بموجبه تقلصت مساحات التفلسف، وصارت تهم النخبة وعلّية القوم دون باقي الجماهير. أما المنحى التاريخي الثاني، فهو الذي كان فيه التفلسف شأنا عاما لا يمكن لجهة ما أن تستفرد به لوحدها. وهو الاتجاه الذي عرف أوجه مع سقراط (فيلسوف اﻷغورا) و"أنتيستين" مؤسس الفلسفة الكلبية بمعية "ديوجين دو سينوب" وصولا إلى "ديدرو" الذي كان في عز القرن الثامن عشر يدعو في كتاب له بضرورة تعميم الفلسفة حتى تسترد شعبيتها، مرورا بطبيعة الحال بالرواقية بزعامة زينون، والأبيقورية برئاسة صاحب البستان. لعل الفيصل بين هذين التيارين الفلسفيين إن كان يرجع إلى شيء، فإنما يرجع أساسا إلى كون الفلسفة الشعبية خلافا للفلسفة النخبوية إن جاز التعبير، تعمل وفق نهج خاص مفاده أنها كلما اكتشفت فكرة ما إلا واتخذتها بوصلة للحياة لتغدو بمثابة العمود الفقري الذي ينهض عليه صرحها الوجودي. فالتفلسف والحالة هاته طريقة للعيش قبل أن يكون رزنامة من اﻷفكار وأسلوب حياة قبل أن يعد ترسانة نظرية. لذلك، يبقى اﻷهم عندما نريد إقامة نوع من المفاضلة بين الفلسفتين أن نتساءل بداية، عن أي من هذه الفلسفات تقربنا من الحياة وأي منها تبعدنا عنها؟ أي منها تبنيك وأي منها تخربك؟ جراء ذلك توقفت مليا، في كتابي "العيش بصحبة الفلسفة" عند إشكالية العلاقة القائمة ما بين الفكر والحياة متسائلا على النحو التالي: من منا اختبر مرة أن يعيش فكرة ما؟ إذ لا يكفينا أن نقرأ النصوص، وأن نلتهم المتون، بل يلزمنا أيضا أن نختبر وجوديا نجاعة ما يستهوينا من تمثلات وما يجول بعقولنا من أفكار حتى ندرك بالتالي قيمتها أو تفاهتها.

محمد بن الظاهر: عادة ما ينظر للفلسفة على أنها نظر في الحقائق المجردة وبالتالي، هل يمكن أن يؤدّي التفلسف إلى العزلة والاغتراب عن الآخرين؟

حسن أوزال: لا يمكن للفكر عموما وللفلسفة خصوصا، أن يؤدي إلى الاغتراب بالمعنى السلبي؛ لأن التفلسف بوصفه أسلوبا للعيش، طريقة للحضور في العالم على نحو فردي جمالي، يقينا من الوقوع ويحمينا من الانجراف باﻷحرى وراء النزعة القطيعية التي ما فتئت تتكاثر في عصرنا الحالي تكاثر الطحالب في المستنقعات. ضد التدجين إذن، يسعى الفيلسوف الحقيقي للتأسيس لدينامية تحررية تنأى به بعيدا عن الانتماءات الاجتماعية الخانقة للفرادات الجميلة وتصون من اﻹعلام المُنمِّط للعقول والمُجيِّش للحشود، مقترحا أساليب مغايرة وطقوس فنية قمينة بأن تسعف كل واحد على بناء ذاته شريطة التعاطي معها بكل نزاهة من قبيل فن المشي والموسيقى والعزلة والتزهد والاكتفاء الذاتي والاستقلالية واﻹنصات للطبيعة والتأمل وغيرها من الطقوس القابلة للابتكار؛ هكذا نرى كيف احتفظ لنا تاريخ الفكر بعظماء من هذا القبيل عاشوا الفلسفة حقا دون أن يعيشوا منها أمثال "هنري دافيد طورو" الذي من فرط اعتزاله في الغابة لمدة عامين وشهرين، ظل في مؤلفاته يرسخ لسلسلة من تقنيات العيش التي أسعفته بالفعل على أن يحيا مطمئنا وسعيدًا بعيدًا عن إكراهات الأبناك ودون أن يرهن نفسه بتفاهات السوسيال من قبيل العمل والديون والاستهلاك. فبدل اليأس والبؤس الذي ينهش نفوس الناس يستحسن أن يعزز المرء ويرعى في ذاته إرادة الاستمتاع تفاديا لروح السلبية التي ما فتئت تجرف الجميع. علاوة عن هذا الفيلسوف اﻷمريكي العصامي الذي علمنا أن الحياة شيء يبدع ويبتكر، وليست أبدا معطى جاهزا، يطيب لي أن أستحضر كذلك "ديوجين الكلبي" (وهو الذي أهديته بالمناسبة كتابي بعنوان "العيش بصحبة الفلسفة") الذي تبنى فلسفة التهكم لمواجهة الابتدال والتفاهة، حيثما وجدا، فلم يدع الترهات والخرافات تقاليدا كانت أو أعرافا تخنق إمكانات السعادة المتاحة لنا، وتجهز على جرعات الحرية التي بوسعنا ابتكارها. لقد اتخذ ديوجين البرميل مسكنا نكاية في البيت والسكن الاقتصادي الذي يرهن حاليا حياة معظم الناس تماما، كما لو كان هذا اﻷخير بمثابة الغاية الوحيدة التي ولدوا من أجلها. الواضح بعد هذا البسط، أن روعة كل هؤلاء الفلاسفة إن كانت تعود إلى شيء ما، فإنما تعود إلى ما خلفوه من أثر إبداعي يخترقه عشقهم الغريب للحياة. عشق ظل بيِّنا وبارزا، سواء في أسلوب عيشهم أو في طريقة تعاملهم مع إكراهات المعيش قبل أن يصاغ في شكل نصوص إن وجدت (لأن ديوجين وسقراط بالمناسبة لم يتركا لنا مؤلفات بالمرة). إن الفكر بطبيعته يشتغل والحالة هاته على مستويين اثنين؛ اﻷول خاص يهم الذات الراغبة فلسفيًّا في التغير والتحول. أما الثاني، فهو خارجي مجتمعي يؤدي حتما بتأثيراته المتعددة إلى إحداث تغيير شامل أي على مستوى المجتمع برمته. ويكفينا أن نستحضر على سبيل الذكر لا الحصر الماركسية في شخص رائدها نفسه، لنجد أن ماركس الذي كان مهووسا بتغيير العالم بدل الاقتصار على تفسيره على حد قوله، قد تفوق بهذا الشكل أو ذاك في إحداث نقلة نوعية لا على المستوى الفردي فحسب، بل أيضا وأساسا على المستوى المجتمعي؛ ذلك أن اﻷشكال السياسية التي انتظمت حولها مجتمعات القرن العشرين، لم تكن لتنضوي تحت سقف ما يجوز لنا أن ندعوه بالسعادة الاجتماعية l'eudémonisme social دون أن تخلف لنا في اﻵن نفسه تحفا جديرة بالاقتداء من طراز "رأس المال" و"بؤس الفلسفة" و"البيان الشيوعي" وغيرها من الكتب. يتقاطع هاهنا قطب أول عنوانه تغيير العالم بقطب ثان هو تغيير الذات بشكل لا يمكننا فيه إطلاقا عزل الأول عن الثاني؛ مما يجعل من فرضية اغتراب المبدع عن وسطه التي تفضلت بها، فرضية واهية، وتكاد لا تقوم على أي أساس.

محمد بن الظاهر: لماذا هذه العودة، وفي هذا الوقت بالذات، إلى فلسفات العيش والتداوي بالتجربة الفلسفية الروحية، ألا تشاطرني الرأي بأن الفلسفة استحالت كبزَّة نجاة من موج خطابات الشك وضياع اليقين وتيه الإنسان المعاصر؛ أي بتعبير دقيق الفلسفة دينا جديدا للخلاص؟

حسن أوزال: يستدعي الرد عن هذا السؤال الإحاطة مرة أخرى بما تكونه الفلسفة في ارتباطها طبعا بحياة الفيلسوف وطريقة توظيفه لزمانه. توظيف يعكس مدى جديته في الوصل بين ما يشغله من أفكار من جهة، وما يعيشه كشخص من جهة ثانية؛ ذلك أنه من الابتذال بمكان أن يمضي المرء كل وقته في الكتابة والتنظير دون أن يكون لهذا الفعل أدنى أثر في حياته؛ دعني أقول لك إن استعمال زمان الفيلسوف يخضع سلفا وبالضرورة لنوع من الانتظام القبلي على شاكلة "ورقة الموسيقى" إن صح التعبير؛ إذ في خضم تفاصيل الحياة المعيشة بوسعنا البحث عن جواب شاف للسؤال الفلسفي التالي: كيف لنا أن نحيا حياة فلسفية، عندما نتقدم بأطروحة نظرية لا محيد لها من أن تأخذ بعين الاعتبار هذا العالم العبثي المنذور للعدم؟ وكيف إذن يمكننا عمليا أن نعيش بأريحية تامة ونحن نعي أن العدم ميتافيزيقيا أمر محتوم؟ ألا تبدو مسألة العيش والحالة هاته، ضربًا من ضروب العبث الذي لا يملك المرء الحصيف معه، إلا أن يطلق رصاصة على رأسه ويرتاح؟ هل من المعقول أن نظل متشبثين بالعيش في عالم يكون فيه اﻷسوأ (اﻷلم والعذاب) هو حليفنا باستمرار والخراب والموت قدرنا المحتوم حيثما كنا ومهما فعلنا؟ هاهنا ستتضح لنا أهمية فعل التفلسف الذي يضعنا أمام سجلين اثنين لا ثالث لهما، سجل اﻷنطولوجيا وسجل الحياة، سجل نظري وسجل عملي، سجل الميتافيزيقا وسجل الفيزيقا. إننا مع الفكر إذن نواجه حتمية لا محيد لنا عنها هي حتمية المزاوجة بين حدين متنافرين أيما تنافر؛ حتمية تجبر الفيلسوف على إيجاد مخرج، حتى لا نقول حل توفيقي يوائم فيه تأملاته بتصرفاته، مقيما الجسور ما بين أفكاره من جهة، ونمط عيشه من جهة أخرى. وهذا ما حاولت توضيحه والدفاع عنه في كتابي "العيش بصحبة الفلسفة"، على طول فقرات عديدة، منبهًا القارئ إلى الهاجس الذاتي الذي شغلني وما يزال، حيث إن الفيلسوف لا يفكر من أجل أن يحيا فحسب، بل أيضا توخيا منه لحياة أفضل. ومن ثمة يكون ملزما بتوجيه سلوكياته وفق ما يتصوره فكريا تيمنا بسارتر الذي يقر "بأن اﻹنسان ليس سوى مجموع ما يأتيه من أفعال وما يصدر عنه من سلوكيات؛ إنه ليس إلا حياته". تضحى الفلسفة وفق هذا التحديد نوعا من "اﻹتيقا البيضاء" التي تأتي عصارة لما يشملنا وجوديا من "أنطولوجيا سوداء"؛ إذ بذلك فحسب، ننفلت مما قد يزج بحيواتنا في البؤس والتعاسة، لنجعل من كل ما يروم التقليص من قدراتنا على العيش، فرصة لحشد قوانا وازديادها. يجب علينا على حد تعبير نيتشه أن نصير شعراء حيواتنا، وأن نرُدَّ اﻷشياء جميلة حتى عندما لا تكون كذلك. تبدو الفلسفة بهذا الشكل أبعد ما تكون عن الدين لا لشيء، إلا لأنها ليست وصفات جاهزة يقتضي اﻷمر اتباعها وتقليدها كما الشأن بالنسبة إلى الأديان، بل هي أكثر من ذلك قضية بناء وهدم. تبعا لذلك، فأنا لا أحبذ تلك التعابير الكيدية التي عادة ما تشبه الفلسفة بصيدلية تعج بالعقاقير القادرة على علاج الناس من كل داء دون الحاجة إلى بذل أدنى جهد أو خوض غمار معارك حقيقية واجتياز محن وأزمات. فالفلسفة بالنسبة لي، وهذا ما أوضحته في أكثر من مقام، ليست مهنة ولا وظيفة، ولا عملا مأجورا ينتهي بصاحبه إلى تدبيج مقالات على أعمدة الصحف والمجلات، بل هي ما نرمي به إلى الزيادة من قوتنا في الوجود؛ زيادة بقدر ما تحصل طبعا، عبر المران الدؤوب لا الكسل والخمول، بقدر ما تفضي بالمرء إلى اكتساب تقنيات للعيش جديدة ستسعفه لا محالة على مواجهة الصعاب رسما لأفق خاص يمتزج فيه الزمان بالحرية والمتعة بالفرح، تشييدًا لما دعوناه "بالحيز اﻷنطولوجي" حيث يغدو تحقق اﻹتيقا البيضاء بتعبير شوبنهاور أمرا ممكنا، ولو في خضم اﻷنطولوجيا السوداء اللامحيد عنها. الحقيقة أن صياغتي لهذا التصور لم يكن عبثا، بل أخذ مني جزءا كبيرا من حياتي (بأفراحها وانكساراتها) وهذا ما انتبه إليه مؤخرا الروائي الجزائري الحصيف "سمير قسيمي" الذي فاجأني بمقال مبروم ومتقن الصنع صدر له مشكورًا في مجلة "المجلة السعودية" احتفاء بكتابي "العيش بصحبة الفلسفة"، حيث لاحظ محقا أن ما نشر لي "في مجلة نزوى العمانية كبحث تأملي خصب في درس متأخر لميشيل فوكو بصدد أفلاطون هو ما تحول بعد عقدين من الزمن إلى بيان فلسفي وجودي مستقل، لم يتغير فيه العنوان أكثر ما اتسع فيه المنظور وتكثف فيه المعنى". إن العيش بصحبة الفلسفة على حد تعبير سمير قسيمي: "لم يعد كما كان في المقال عنوانا لقراءة أفلاطونية فوكوية، بل صار عنوان كتاب يدعو إلى نمط حياة يقترحه أوزال، يقوم على دعوة مفتوحة إلى أن نقيم مع الفلسفة ونعيشها، لا كمعلومة نستفيد منها بالمجاورة أو نتخذها تمرينا ذهنيا خالصا، بل كمرافقة حسية طويلة النفس" (انظر مجلة المجلة السعودية، سمير قسيمي، العيش بصحبة الفلسفة لحسن أوزال: صفعة للفكر الكسول، 1 أبريل 2025). استئناسا بهذا المقطع، بوسعي أن أضيف أن الفلسفة هي قبل كل شيء آخر، تأسيس لنهج متعوي يقينا من عسر الهضم الذي ما فتئ يعاني منه معظم الناس جراء اعتقادات تيولوجية عجلت في المجتمعات المعاصرة باغترابهم عن أنفسهم وغيرهم والعالم من حولهم. هاهنا تمتثل الحياة الفلسفية بوصفها ما يناقض حياة البؤس بامتياز، خاصة إذا أدركنا على حد التمييز الدقيق لجيل دولوز "على أن وجود الفلسفة مقرون بالضرورة بالمحايثة خلافا للدين الذي يوجد حيثما وجد التعالي، وترسخت أسس الدولة اﻹمبريالية". دفاعا عن هذا التصور أيضا، كتبت مؤلفي بعنوان "تضاريس فلسفية، من أجل فلسفة محايثة" عام 2012، معلنا حينها أن ثمة نمطين من العيش يتصارعان منذ قرون؛ اﻷول فلسفي محض يقوم على "مبدأ الوجود" l'être، بينما الثاني استهلاكي- قطيعي ينهض على مبدأ الامتلاك l'avoir. خلافا للحياة الفلسفية إذن يحيا معظم الناس حياة البؤس القائمة كما يعلم الجميع على ما رسخته "مجتمعات الفرجة" بتعبير "غي دوبور" من يقينيات ما فتئت تترجم عمليا في الطقوس اليومية المهلوسة للعقول، بدءا من الرغبة المفرطة في التبضع وحشد الثروة وصولا إلى الانتشاء بالشهرة والمجد والسلطة مرورا بهوس الاستهلاك وحيازة كل ما استجد من سلع مواكبة للموضة وغيرها من العادات الرديئة التي تجسد قوام كَدْر حضاري قاتل.

محمد بن الظاهر: كيف يمكن للفلسفة أن تعيد صياغة مفهوم للسعادة في مواجهة اللامعنى؟

حسن أوزال: يذكرني سؤالك هذا بما أورده "شوبنهاور" في كتابه الشهير "العالم كإرادة وتمثل"، حيث يؤكد أن كل وعي إنما هو وعي باﻷلم. وليس يخفى عليك بطبيعة الحال التمزق الذي عانى منه الرجل، وهو يحاول أن يعثر لنفسه عن مخرج مدركا أن نفي إرادة الحياة يكاد يستحيل دون سلاح معرفي ناجع تغدو معه اﻹرادة واعية بذاتها قبل أن تسعى جاهدة إلى نفي ذاتها. وإذا كان وعي اﻹرادة بنظر "آرثر شوبنهاور" نتاج الفلسفة النظرية، فعملية النفي هي نتاج الفلسفة العملية. هاهنا على ما أظن نعثر على مفتاح فلسفة التفاؤل الذي توصل إليه فيلسوف متشائم، فاستطاع بفضله أن يحيا حياة سعيدة لم تخل في يوم من الأيام من الفرح والمتعة، بالرغم من نفحة اليأس التي طالت تأملاته وسكنت جل خطاباته. فضلا عن طرح شوبنهاور السالف الذكر، يمكننا أيضا ردًّا عن هذه المسألة استعادة طروحات الرواقيين الذين كانوا يصرون على ضرورة اشتغال المرء على تمثلاته إن أراد أن يلوذ بحياة جميلة وهادئة؛ ذلك أن ما يزعج ليس هو اﻷحداث التي تطرأ لنا، بل الطريقة التي بها نهيئ أنفسنا لمواجهتها؛ إذ والحالة هاته بدل "أن يحدونا نوع من الطموح الجارف الذي بموجبه نظل نرغب في أن تجري اﻷمور كما نشاء، وجب علينا باﻷحرى أن نقبل بها كما هي"

“ Ne demande jamais que les choses soient comme tu veux ,mais tâches seulement de les vouloir comme elles sont “

ذلك أن اﻷسوأ هو مجرد تمثل une représentation يمكننا القضاء عليه بفضل تمثلات أخرى، ما إن تخلصنا من السلبي حتى تفضي بنا إلى ما يكون إيجابيا. لعل أهمية المعرفة بوصفها اشتغالا دائما على تمثلاتنا بغاية تفكيكها والتمكن من فحواها تحديدا لكنهها وما تكون، قبل أن ننتقل إلى طرائق التعامل معها، وإيجاد آليات التصرف ضدها، هو ما يدفعنا إلى التأكيد مرة أخرى، على ضرورة الفكر الفلسفي من حيث كونه سلاحا كفيلا بتشريح أمراض الذات وعذابات النفس. بديهي إذن أن يؤدي التفكير مثلا في الشيخوخة أو المرض والكتابة عنهما إلى التخفيف من حدتيهما والتلطيف من مفعوليهما بشكل ينقلبان فيه رأسا على عقب، ليصبحا ممتعين بعد أن كانا مضجرين ومفيدين بعد أن كانا ضارين. علاوة عما سلف، يتبدى أن اﻹنسان المعاصر، لا محيد له من استعادة الفلسفة الرواقية على سبيل الذكر لا الحصر، إن أراد أن يتخلص بهذا الشكل أو ذاك من عبء البؤس الذي ما فتئ ينخره؛ لأنه بدونها لن يستطيع" أن يميز بين ما يتوقف عليه وما لا يتوقف عليه"، وسيظل يتخبط خبط عشواء كفريسة تنهشها قوى ميتافيزيقية سلبية. على هذا النحو، يظهر أن السعادة ممكنة عمليا، خاصة إن تمكنا من تفعيل ترسانة من الرؤى والتمثلات على مقاس الرواقية أو اﻷبيقورية أو الكلبية أو غيرها من الفلسفات القديمة اﻷقرب إلى البراكسيس منه إلى التنظير. يكفينا والحالة هاته، أن نستوعب على اﻷقل تصور السعادة في مستوياتها الدنيا بوصفها غيابا للألم وتبديدا للخوف، لنؤكد على أن السعادة السلبية إن جاز الوصف ليست هي أن تعيش دون أن تخشى الموت أو يرهبك مآل الزوال المحتوم، فحسب بل هي أيضا أن تحيا دون مخافة المستقبل الذي يرعبك، ناسيا الماضي بذكرياته التعيسة. إلى هذا الحد، يظهر أن مواجهة "اللامعنى" كما تفضلت هو ما يقتضي منا أن نشتغل إذن على تمتلاثنا الخاطئة التي نتحكم فيها ذهنيا- تمثل الموت- وأن ندع جانبا كل ما لا نتحكم فيه؛ مادام أن ما يخيفنا ليس هو الموت بل هو باﻷحرى تصورنا للموت.

محمد بن الظاهر: ونحن نناقش العيش بصحبة الفلسفة في الوجود الأصيل (الوجود مع)، ألا يخلق العالم الافتراضي قلقا وجودياً بحيث أننا بشكل أو بآخر نعيش داخل التطبيقات؟

حسن أوزال: إن الشاشة بشتى أصنافها وتلاوينها بدءا من التلفاز والهاتف وصولا إلى الحاسوب واللوحة والسينما، دائما ما تنجح وتفلح بسهولة خلافا للكتاب، في جذب الناس واستمالتهم بفضل حبكة الصور التي بقدر ما تخلق نوعا من الفرجة الممتعة لدى المشاهد بقدر ما تجعله في الآن ذاته، وهو تحت تأثير فيض زائد من النشوة أكثر تشوقا ليحيا استيهامات و"فانطازمات" أبعد ما تكون عن الواقع. وها هنا ينكشف لنا أكثر من أي وقت مضى الوجه السلبي للشاشة التي كلما ازدادت استمالتها للناس كلما تمكنت من بسط سيطرتها على أذهانهم، وتحكمت كليا في أحاسيسهم وعواطفهم وتلاعبت بعقولهم قبل أن تزج بهم في عالم وهمي يستقطب المتفرجين ويحولهم على وجه السرعة إلى عبيد مسلوبي اﻹرادة. وقد أضرب لك مثالا في هذا الصدد بفيلم يتناول سيرة "سارتر" ورفيقة دربه "سيمون دو بوفوار"، حيث إنني لاحظت كيف أصر المخرج على تقديم حياة الفيلسوفين بشكل مغر ومحبوك يشد المتفرج إلى سلسلة من المشاهد المتتالية قبل أن يغرقه في نشوة منقطعة النظير. نشوة بقدر ما تشعره بالمتعة والاستلذاذ بقدر ما تزج به في ردهات عالم وهمي ومزيف، مفارق تماما لما عاشه المعنيان حقيقة بعيدا عن اﻷدلجة ولعبة المونتاج. والظاهر أن ما حرص المخرج على تغييبه في هذا الفيلم من حقائق ووقائع أكبر بكثير مما عرضه، سعيا منه وهو اﻷهم إلى تجييش لا شعور المشاهد وزرع المزيد من اﻷوثان في ذهنه، خاصة إذا كان المتفرج لا يقرأ السير الذاتية وغير مطلع على ما كتب في هذا الباب. وإذا علمنا على أن المشاهد المدمن على الفرجة غالبا ما يكون كسولا وعاجزا عن بذل أدنى مجهود، سواء بتفحصه للتاريخ الفعلي أو بنبشه في ما روي من سير، فلا بد له أن يغدو كبش فداء روح التنميط السائدة في العالم الافتراضي. تتجلى بشاعة هذا السطو التقني، من ناحية أخرى، في معدل منسوب القراءة الذي تقلص بشكل مذهل، وبخاصة في العالم المتخلف، حيث جرى التأكيد وفقا لإحصائيات تقرير منظمة اليونسكو لعام 2023، أن ما يقرأه الطفل العربي يكاد لا يتجاوز سبع دقائق سنويا؛ أي ربع صفحة بالتمام والكمال، وهذا في أفضل اﻷحوال. أما النتيجة الحتمية لذلك، فيتبدى أن أثرها السلبي قد انعكس بشكل واضح، سواء في أسلوب حياة البشر الذي تردى إلى درجة صار فيها التقتيل والعنف أمرا عاديا أو في طبيعة الأواصر الاجتماعية المسمومة والقائمة على النفاق اﻷخلاقي والنميمة وغيرها من العادات المنحرفة؛ بديهي إذن بعد تشخيصنا للمرض الذي ما فتئ ينخر المجتمعات المعاصرة، أن نقر سويا بمدى أهمية فعل القراءة لا بوصفه ما يؤسس للفضيلة والسعادة معرفيا كما كان يرى سقراط (يقوم التفاؤل الثلاثي السقراطي على المعادلة الشهيرة التالية: المعرفة = الفضيلة= السعادة) فحسب، بل أيضا باعتبار أن القراءة هي الحياة بحذافيرها lire c'est vivre كما لاحظ فيليب صولرز ذات مرة (انظر مقالي المترجم في حوار منشور سابقا مع فيليب صولرز)؛ ذلك أن فعل القراءة هو الفن اﻷنجع إلى جانب فنون أخرى، لبناء الذوات ونحتها بما يرقى بها إلى مستوى يؤهلها لمقاومة الرداءة والانفلات من طغيان اﻹيديولوجيا. وعودة إلى موضوع حديثنا يمكنني التوكيد أن هذا الفيلم للإشارة إذا كان يرمي إلى تقديم سارتر بصفته بطلا وفيلسوفا اكتسب من الشهرة ما يكفيه للخلود؛ فالتاريخ المكتوب يروي عن سيرة رجل لا يستحق كل هذا التبجيل والتطبيل. حجتي في ذلك، هي أن سارتر وبوفوار ما قبل الحرب العالمية الثانية ليس هو سارتر وبوفوار ما بعد الحرب، حيث إنهما لم ينشغلا إطلاقا كما يروج، بالسياسة قبل الحرب وظلا بعيدين عنها ils étaient apolitiques. وما إن تمكن الاحتلال من بسط نفوده في كل البلاد، حتى تعاملا مع الوضع بانتهازية وقحة قبل أن يغتنما فرصة ما بعد الحرب، معلنان اصطفافهما إلى جانب الطغاة المناصرين لليسار. وتوضيحا لما سلف يلزمنا التنبيه إلى أن الاثنين قد سافرا معا سنة 1937إلى إيطاليا بتذاكر مخفضة الثمن مهداة من لدن موسولوني كما أن رائد الوجودية فضلا عن ذلك كله، قد ساهم بمقالاته في مجلة كوميديا النازية مرتين اثنتين ما بين 1941 و1944. هذا علما أن هذه المجلة ذاتها هي التي احتفت بسارتر كأفضل كاتب في عام 1943. ناهيك طبعا عن صفقة التوظيف التي تمت بإيعاز من مدير هذه المجلة، والتي على إثرها اشتغلت سيمون دوبوفوار في راديو فيشي عام 1944. وعلى هذا النهج، نلاحظ خلافا لما يعرضه الفيلم من ترهات تزييفا للحقائق، كيف استرسل الفيلسوفان في اقتناص الفرص واحدة تلو اﻷخرى إلى أن انتهت الحرب، فصارا يدافعان معا عن الغولاغ معلنان تأييدهما لكل اﻷنظمة الشيوعية بدءا من الاتحاد السوفياتي وانتهاء بـ"فيديل كاسترو"، مرورا بـ"كيم يونج الثاني" و"ماو سيتونغ"… وبهذا الشكل يتبدى لنا جليا كيف انتصر الكاتبان للأنظمة الديكتاتورية مؤيدين العنف كأداة بدعوى أن الغاية تبرر الوسيلة انسجاما مع النزعة الميكيافيلية.

محمد بن الظاهر: هل السعي نحو السعادة يمكن أن يتحول إلى عبء نفسي في ظل مجتمع الوفرة أي بدائل واختيارات لا نهائية للترويح؟

حسن أوزال: ينبغي لنا أن نستوعب أولا، أن السعادة بقدر ما تتوقف على مدى فهمنا لذواتنا وللطبيعة والعالم الذي نحيا فيه، بقدر ما يستعصي حصرها في أو ربطها ببدائل تدعي أنها تكفل للمرء الترويح عن النفس والعيش الجيد؛ مما يجعل مسألة السعادة ترتبط بنظري بنوعية الحياة التي نود أن نحياها وجماليتها أكثر مما ترتبط بطول العمر وعدد السنوات التي عشناها. يطغى سؤال الكيف هنا على سؤال الكم، وتتفوق الحياة القائمة على الوجود عن الحياة القائمة على اﻹلامتلاك؛ إذ ما الجدوى من أن نحيا حياة مصطنعة ومزيفة، عندما يكون بوسعنا أن نعيش حياة بسيطة وحقيقية؟ إننا في الوضعية اﻷولى، إن كنا نعيش كعموم الناس متشبثين بأتفه الأشياء خاصة في مجتمع استهلاكي يجبرنا على العمل ليل نهار مستنفذين وقتنا كله في نشاط مأجور لا يفتأ ينخر قوانا، فنحن في الوضعية الثانية نولي اهتمامنا للأهم فحسب لنلوذ بما يكفينا من الوقت الممتع متحررين تماما من عبودية الوظيفة وإكراهات العمل. هكذا يتبدى لنا أن البون شاسع بين الطرفين أو النوعين من الحياة، ولا يمكنك الانتقال من الحياة البئيسة لتلوذ بحياة فلسفية إلا بعد اشتغالك على تمثلاتك كما أسلفنا، وتأسيسك لمنظور كفيل بأن يجعلك بعد فهمك لكل اﻹشكاليات المتعلقة بهذا اﻷمر، تنتقل إلى الوضعية الثانية، حيث تستطيع "أن تستمتع بالأرض بدل أن تستهويك رغبة امتلاكها" على حد تعبير "هنري دافيد طورو". تقوم السعادة إذن على مدى تحلينا بنزعة الوجود بدل نزعة الامتلاك لنقيم بالتالي علاقة خاصة مع زمان نعيشه كـ"أوتيوم" otium متخم بسلسلة من الفنون من قبيل فن المشي وفن القراءة والموسيقى والتأمل …ذلك أن الحياة الرائعة تكاد أن تكون مستحيلة دون ابتكارنا لإمكانات عيش جديدة تغدو فيها كل هذه الفنون على اختلافها أنشطة أنطولوجية غير متاحة للهواة. لنتذكر بالمناسبة كيف اعتبر شوبنهاور أن الفنون الجميلة قادرة على حل مشكلة الحياة ملحًّا على مدى أهمية الموسيقى في هذا المضمار، لما لها من تأثير على المرء الذي ينصت إليها، حيث إنها بقدر ما تعمل على تذويبه في "الشيء في ذاته" (بوصفه إرادة ونومين) بقدر ما تخلصه كلّيا من الفينومين، ولنستحضر أيضا كيف ثمن نيتشه طقس المشي حد اعتباره مبعث اﻷفكار المهمة. والظاهر أن فيلسوف المطرقة لم يهج فلوبير عبثا واصفا إياه بثقيل المؤخرة، إلا بعدما أدرك مدى خطورة ما يتخلل الجسد الثابت من أفكار عدمية شعبوية قمينة بأن تجعل من المفكر القابع في مكتبه مجرد ناسك ينتهي سيكولوجيا بتبخيس الحياة معارضا إياها بعالم أخروي أفضل بحسبه من هذا العالم الذي فيه نحيا؛ ذلك أن المشي كما لا يخفى على محترفيه، فن ييسر عملية التفكير، بتحريرنا من براثن الوعي والضمير باعتبار هذا اﻷخير مجرد رد فعل "اﻷنا" الذي لا يمثل سوى جزءا ضئيلا من النشاط الشامل للجسد، حيث إن قدرات الجسد تتجاوز بكثير إمكانات الوعي جراء ما يعتمل فيه (أي الجسد) من ميكانيزمات فيزيولوجية خارقة. ولا بأس من اﻹشارة إلى مسألة في غاية اﻷهمية بمكان، مؤداها أن الفكر ليس قدرة، بل حدث تعمل حركة المشي على التعجيل بميلاده في صيغة معرفة مرحة un gai savoir (بلغة نيتشه، وهو عنوان أحد أعظم كتبه) عادة ما تأتي مخلخلة ليقينيات عصر بأكمله؛ على اعتبار أن المفكر يفكر دوما ضد زمانه؛ معنى ذلك بتعبير آخر هو أن الفيلسوف إن كان في مسعاه لقلب القيم، لا يبدع مفاهيم تاريخية أكثر ما يبدع مفاهيم لا راهنية، فذلك لا لشيء إلا لأنه يتقن فن المشي الذي يكفل له باستمرار أن يظل قادرا على التفكير ضد زمانه.

محمد بن الظاهر: في كتابكم منطق الفكر ومنطق الرغبة تجاوزتم "تاريخ اللعنة" الذي كان يرادف الرغبة، وكذلك أزلتم عن الرغبة والجسد لبوسهما الأفلاطونية والدينية والنفسية، في نظركم أستاذنا حسن هل تحقيق الرغبة يؤدي إلى تحقيق السعادة؟

حسن أوزال: تقتضي منا اﻹحاطة بهذا اﻹشكال أن نقف عند تلك العلاقة التي يقيمها كل إنسان مع جسده بوصفها علاقة ظلت للأسف موسومة تاريخيا بالتشنج والخصام. ويكفينا توضيحا لهذا اﻷمر أن نستأنس بتوكيدات سقراط في محاورة "فيدون"، حيث يرى أن الفيلسوف الحقيقي هو من يهتم فقط بروحه قدر المستطاع، دون أن يكترث بالجسد وملذاته، سواء في ما يتعلق منها باﻷكل أو الشرب أو الجنس. يمتثل الجسد والحالة هاته عدوا للروح؛ لأنه دائما ما يشوش مسارها معرقلا نشدانها للحقيقة واكتساب المعرفة. من ثمة، وجب على الفيلسوف الحقيقي بحسب سقراط أن يبخس جسده، ويحط من قيمته بما يجعل روحه تسمو عاليا، وتمضي بعيدا عما قد يزعجها ويربك سيرها نحو عالم المثل. منذ هذه اللحظة إذن، جرى التأسيس للفلسفة كنمط عيش متقشف يقوم على مصادرة الرغبة، ويتطلب منا أن نحيا حياة الرهبان والقساوسة. هكذا صارت الفلسفة لقرون خلت وفية لمنهج تزهدي صارم مدعوم نظريا بوصفات ومفاهيم، إن لم أقل خطابات ترمي إلى تبرير الحرمان والتقشف بدل الاستمتاع والاستلذاذ. لعل هذا الانقلاب الأنطولوجي المهين للجسد، والذي ظل ينظر للرغبة كلعنة انقلاب أفلاطوني بامتياز بلغ أوجه مع ظهور المسيحية وباقي الديانات التي قضت نهائيّا على الحكمة القديمة في صيغها المتنوعة بدءا من الفلسفة الفيثاغورية حتى اﻷبيقورية، مرورًا بالرواقية والكلبية والقورينائية. وعلاوة عما سلف، بوسعي أن أحيل القارئ أيضا على كتاب "المأدبة" لأفلاطون، حيث تم التأصيل للرغبة كنقص لتضحى كل متعة بالنتيجة إشباعا موصولا لامحالة باﻷلم؛ معنى ذلك أن الرغبة بحسب هذا المنظور هي دوما نزعة تجعلنا ننشد ما نحن محرومين منه في الحاضر أي ما لا نملكه؛ فاﻹنسان وفق هذا التصور لا ينجذب بطبعه إلى ما يكون بحوزته قدر ما ينجذب نحو ما لا يملكه. لكن واستيعابا لهذا اﻷمر، لا بأس من استعادة قصة الخلق كما وردت في المأدبة تأصيلا لميلاد الحب، حيث يروي أفلاطون أن اﻹله زوس قد أفلح في خلق كائن في غاية الكمال، على شاكلة خنثى l'androgyne برأس واحد ووجهين وأربعة عيون وفمين وأنفين؛ لكن هذا المخلوق المثالي سرعان ما بدا لله مع مرور الوقت أكثر تعجرفا وزهوا بنفسه، ويكاد لا يبالي بوجود قوة تفوقه؛ مما أثار غضبه واضطره إلى شطره نصفين بمساعدة أبولون. أما النتيجة الحتمية لهذا البتر، فقد تجلت في ميلاد كائن مربع الشكل le carrelet، والذي سرعان ما وجد نفسه في أمس الحاجة للبحث عن نصفه الآخر نشدانا للاكتمال المفقود ودرءا لما يشعر به من نقص دائم. هكذا صارت الرغبة منذئذ سعيا مشؤوما إن لم نقل مأساة وعقابا وألما نتكبده بحثا عن وحدة ضائعة وتكفيرا عن خطيئة أصلية. وهاهنا يميز أفلاطون الحب عن الرغبة، حيث إن اﻷول بقدر ما يدل على السعي نحو الاكتمال والتناغم والزواج بقدر ما تدل الرغبة على اللا اكتمال والنقص. بوسعي القول إن تصور "أريسطوفان" للرغبة، والذي تبنته كل الأديان تصور استمر حتى "لاكان" مرورا بشوبنهاور الذي أكد في كتابه بعنوان "العالم كإرادة وتمثل" أن "الحياة تتأرجح كالبندول من اليمين إلى اليسار، بين اﻷلم والملل". استئناسا بهذه الشذرة، يلاحظ أن شوبنهاور من جهته ما فتئ ينظر إلى الرغبة على أنها نقص ما، إن يتم ردمه وإشباعه حتى يتحول إلى متعة مصحوبة بدورها بالاكتئاب والاشمئزاز والحزن في انتظار ميلاد رغبة جديدة، وهكذا دواليك. بديهي إذن أن تكتمل دورة الحياة بحسبانه بخضوع العود اﻷبدي للأشياء، لمنطق تراجيدي سرعان ما ينقلب فيه اﻷلم (الرغبة المكبوتة) إلى متعة (الرغبة المشبعة) تنطوي في ذاتها على الملل؛ فتظل اﻹرادة بالتالي معلقة (مفرزة للحزن) وفي تأرجح دائم. لكن لابد لنا من التنبيه إلى الحل اﻹمبريقي الذي تمكن بفضله شوبنهاور، بالرغم من نظرته هاته، وخلافا لأفلاطون، من العثور عن مخرج ناجع، مقوضا بالتالي كل الطروحات الاثنينية والروحانية، بل وحتى المادية، حيث تبنى الرجل فلسفة واحدية moniste تنظر إلى العالم أولا بوصفه إرادة من جهة كونه "شيئا في ذاته"، وثانيا باعتباره تمثلا من جهة كونه ظاهرة. ولئن بدت هذه اﻹرادة بحسبه، أشبه ما تكون بقوة عمياء تنفلت من كل تحديد معرفي (لأنها النومين بتعبير كانط) فاﻹنسان بوسعه توجيهها حسّيا من حيث كونها أيضا تمثلا للعالم. يعزى هذا الربط الذي أقامه شوبنهاور بين اﻹرادة والحواس إلى إقراره على أن "الدماغ أشبه ما يكون بوزارة العلاقات الخارجية"، ويلعب معرفيا نفس الدور الذي تلعبه المعدة على مستوى عملية الهضم، مما يعني ضمنيا أن العالم تمثل ندركه إراديا بالعقل ونصوغه عبر إفرازاته لا غير. ولما كان لكل إنسان على حدة دماغ خاص به وجب علينا تبعا لذلك، أن نقر أيضا بلا موضوعية العالم؛ ذلك أن العالم يتعدد بقدر تعدد اﻷشخاص الذين يتمثلونه ويتصورونه. العالم إذن مجرد فكرة أصوغها بعد النظر إليه والتمعن فيه إراديا كظاهرة، حيث بقدر ما نكون تحت تأثير سلسلة لا متناهية من العوامل la théorie des motifs القادرة على حسم أفقنا وتحديد مصيرنا بقدر ما يمكننا أن نغير المنحى بإقامتنا في حقل الظواهر تعديلا لما يمكننا تعديله. هكذا يضحى بوسع اﻹنسان عمليا أن يشتغل استراتيجيا في أفق انتزاعه لقدر من السعادة؛ وذلك عبر تغليبه لعامل أقوى، من بين هذه العوامل الممكنة، بدءا من عامل التربية والعادات وصولا إلى عامل التاريخ والاقتصاد واﻷذواق وغيرها. بعد هذا الجرد التاريخي أعرج للقول إنني تقويضا لهذا التصور الفلسفي الذي يربط الرغبة بالنقص من حيث كونها طاقة تروم استعادة الوحدة الأصلية المفقودة، حاولت في كتابي "منطق الفكر ومنطق الرغبة" أن أدافع عن طرح بديل يعيد للرغبة طابعها المادي الذي بموجبه تغدو ثراء وغنى يستدعي اﻹنفاق؛ فقبل أن ينظر إلي كوحدة مبتورة بحاجة إلى نصفها الآخر كيما تكتمل، أجد أنني وحدة منعزلة، وفي غنى عن تجربة الغير. توخيا لتحقيق نوع من المصالحة مع أجسادنا إذن، حاولت في هذا المؤلف الكشف عن آليات التنميط التي ما انفكت تسوق للتصور اﻷفلاطوني منذ أن حل رجل الدين (ترتيليان 160-220 م) محل رجل العلم (الطبيب جالينوس 129-216 م)، وصارت الخرافة والطروحات المزاجية تسود للأسف على حساب الطروحات البيولوجية والكيميائية.

أختم بالقول اختصارًا إن الهاجس الذي شغلني طيلة هذا العمل، هو الخروج من حقل اﻹبستيميات المهيمنة التي اختزلت سؤال الرغبة في قضية مغلوطة هي قضية الماهية (ما معنى الرغبة؟) للتفكير في كيفية اشتغال الرغبة؟ وعلى أي نحو نبني المتعة خارج الوضعيات الاجتماعية المألوفة؟ وهل من سياسة لفن الاستلذاذ في ارتباطه بالرغبة كتدفق خارج اﻷنساق المعهودة؟ ذلك أن الطابع الثوري للرغبة يجعلها دوما أكثر تمردا كطاقة على كل تلك اﻹطارات القطيعية التي سرعان ما تعمل على إلحاقها بأخطبوط اﻷودبة على اختلاف ألوانه كما أكد الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز.