منهج ابن لب وأصوله في الإفتاء

فئة :  أبحاث محكمة

منهج ابن لب وأصوله في الإفتاء

منهج ابن لب وأصوله في الإفتاء

ملخص البحث:

يقصد هذا البحث إلى بيان منهج ابن لب وأصوله في الإفتاء، وقد استوت هذه الورقة البحثية على تمهيد ومبحثين؛ ضمنت التمهيد ترجمة لابن لب، وخصصت المبحث الأول للكشف عن منهج ابن لب، بينما تولى المبحث الثاني ذكر الأصول التي اعتمدها ابن لب في إفتائه.

وسعيا إلى تحقيق ذلك، فقد اعتمدت المنهج الاستقرائي؛ وذلك من خلال تتبع وجمع المادة العلمية المتصلة بالموضوع، كما لجأت إلى المنهج التحليلي لدراسة ما تيسر لي جمعه، وبعد الدراسة توصلت إلى بعض النتائج، أهمها أن ابن لب تميز بالأمانة العلمية في أجوبته، كما أنه جنح في أجوبته إلى التيسير ورفع الحرج عن المستفتين.

مقدمة:

ضرب فقهاء المالكية بسهم وافر في مجال الإفتاء؛ تشهد لذلك المؤلفات المعروفة لهم في هذا الشأن، من قبيل جامع مسائل الأحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام للبرزلي، والمعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب للونشريسي، ونوازل ابن هلال، وغيرها من الجوامع التي تدل على رسوخ قدمهم في مجال الصنعة الفقهية النوازلية، وكشفت عن جهود مضنية في استجلاء حكم القضايا الطارئة، والنوازل العالقة.

والناظر في مدونات النوازل في الغرب الإسلامي، تتَراءَى له مناهج وأنظار الفقهاء، وكيفية تعاملهم مع الوقائع التي كانت تعرض عليهم، مما يكشف للمتأمل في نصوصها، والباحث عن أسرارها، مسالك صناعة الفقيه وكيفية بناء ملكاته الاجتهادية؛ لأنه يمثل الفقه التطبيقي في أعلى مستويات.

والمتتبع لأجوبة الفقهاء المالكية، يرى أن عمليـة الاجتهـاد الفقهي لم تتوقف؛ وذلك لتميزهم بوفرة الأصول، فتراهم يستندون في بناء فتاواهم إلى القرآن الكريم، ويدعمون أجوبتهم بالسنة النبوية، ويحكون الإجماع في المسائل، ويقيسون النظير على النظير، والفرع على الأصل، كما أنهم يراعون أحوال الناس، وأعرافهم بصورة واقعية، ويأخذون بالاعتبار ما يعـتريهم مـن أحـداث متغـيرة، ومتجـددة.

في هذا السياق يأتي هذا البحث، ليكشف اللثام عن منهج ابن لب وأصوله في الإفتاء؛ ذلك أن هذا العَلم كان مفزع الناس في معرفة الحلال والحرام، وفض الأقضية الطارئة، كما تعد أجوبته إضافة في بابها، تمكن أهل الاختصاص من الوقوف على منهجه في تقرير الأحكام الشرعية في القضايا التي عرضت عليه.

واضح إذن أن إشكالية هذا البحث تتحدد في التعرف على منهج ابن لب وأصوله التي استند عليها في بناء فتاواه. ويمكن تفريغ هذا التصور في السؤال المركزي الآتي:

  • ما هو منهج ابن لب في إصدار فتاواه؟
  • ما هي الأصول التي استند إليها ابن لب وهو يجيب عن أسئلة المتفتين؟

وتتجلى أهمية البحث في مما يلي:

  • معرفة منهج ابن لب في الإجابة عن النوازل والفتاوى المرفوعة إليه.
  • معرفة الأصول التي وظفها ابن لب في صناعة فتاواه، مما يمكننا من تطبيقها على الوقائع المتجددة في عصرنا.
  • بيان مدى بطلان الرأي القائل بخلو فتاوى الغرب الإسلامي من الدليل.

المنهج المتبع:

وسعيا إلى تحقيق هذا الهدف، فقد اعتمدت المنهج الاستقرائي؛ وذلك من خلال تتبع وجمع المادة العلمية المتصلة بالموضوع، كما عمدت إلى المنهج التحليلي لدراسة ما تيسر لي جمعه.

الدراسات السابقة:

لم أقف -بعد البحث والتقصي -على دراسة أكاديمية تتنـاول هذا الموضوع بهذا التحديد، غير أن هناك أعمالا تناولت بعض القضايا من فتاوى ابن لب، ومن ذلك:

-    فقه النوازل عند المالكية تاريخا ومنهجا، لمصطفى الصمدي، مكتبة الرشد ناشرون، الرياض، ط: 1، 1428هـ- 2007م.

يتحدث هذا الكتاب عن منهج المدرسة الأندلسية وأصولها في فض النوازل، مستشهدا بفتاوى عدد من الأعلام، وقد خصص بعض الصفحات للحديث عن منهج ابن لب وأصوله في الإفتاء، غير أنه اقتصر على بعض الأصول العقلية، مما حدا ببحثي إلى استقصاء الفتاوى والنوازل للكشف عن منهج الفقيه الغرناطي.

-              مقصد التيسير ورفع الحرج وتطبيقاته عند سعيد بن لب إعداد: حسن بودس؛ مجلة ابن خلدون للدراسات، المجلد الأول، العدد الثالث، 2021م.

قصر الحديث فيه عن ثلاثة أصول تميز بها ابن لب في فتاواه، وهي العرف والاستحسان والاستصحاب، وقد تميزت دراستي بذكر عدد من الأصول التي اتكأ عليها ابن لب في صياغة فتاواه.

خطة البحث:

ولقد جاء البحث – بعد المقدمة- في تمهيد ومبحثين وخاتمة.

خصصت التمهيد للتعريف ابن لب. أما المبحث الأول، فقد كشف عن منهج ابن لب في عملية الإفتاء، وانصب اهتمامي في المبحث الثاني على بيان أصول الإفتاء التي اعول عليها ابن لب في الإجابة عن الفتاوى المرفوعة إليه.

وتكفلت الخاتمة بذكر أهم النتائج التي توصل إليها البحث.

تمهيد: التعريف بابن لب

لما كان البحث متعلقا بمنهج ابن لب وأصوله في الإفتاء، كان لزاما أن أعرف بشخصية ابن لب الذي غدا حامل لواء الإفتاء في عصره.

المطلب الأول: اسمه ومولده ونشأته

هو أبو القاسم الأندلسي الغرناطي، مفتي غرناطة وقاضي الجماعة بها، ولد سنة 701 هـ/ 1301 م، ونشأ في غرناطة عاصمة دولة بني الأحمر التي استقرت بها بقايا علوم الأندلسيين ومعارفهم بعد أن امتد الغزو الصليبي على ما تبقى من ديارهم وأموالهم، فارتحل إليها كثير من العلماء([1]).

المطلب الثاني شيوخه:

تلقى ابن لب العلوم عن كوكبة من مشاهير عصره الذين كانوا مهوى أفئدة طلبة العلم، وعليهم المدار في الفقه والأصول، ومن هؤلاء الشيوخ:

أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي العاص ([2]).

أبو علي القيجاطي([3]).

أبو محمد عبد الله بن سلمون الكناني الغرناطي ([4]).

أَبُو الْعَبَّاس الْفضل بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْكُوفِي النَّحْوِيّ الْمُقْرِئ ([5]).

أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف بن عمر الهاشمي الطنجالي ([6]).

المطلب الثالث: تلامذته

أخذ عن ابن لب جماعة من الأئمة الكبار نذكر منهم:

إبراهيم بن موسى الشاطبي([7]).

أبو عبد الله محمد بن علي بن علاق ([8]).

محمد بن محمد بن سراج الغرناطي ([9])

المطلب الرابع: منزلته وثناء العلماء عليه

أجمع المترجمون لابن لب على جلال قدره، ورفعة شأنه بين العلماء، فقد أكد ابن الخطيب سمو مكانته العلمية فقال: "فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي غرناطي أبو سعيد، من أهل الخير والطهارة والذكاء والديانة وحسن الخلق، رأس بنفسه وبرز بمزية إدراكه وحفظه، فأصبح حامل لواء التحصيل وعليه مدار الشورى وإليه مرجع الفتوى، لقيامه على الفقه وغزارة علمه وحفظه، إلى المعرفة بالعربية واللغة، ومعرفة التوثيق والقيام على القرارات والتبريز في التفسير، والمشاركة في الأصلين والفرائض والأدب، وجودة الحفظ" ([10]).

كما حلاله ابن فرحون بقوله: "شيخ شيوخ غرناطة كان شيخاً فاضلاً عالماً متفنناً انفرد برئاسة العلم وإليه كان المفزع في الفتوى وكان إماماً في أصول الدين وأصول الفقه"([11]).

المطلب الخامس مؤلفاته ووفاته

مؤلفاته:

  • فتح الباب ورفع الحجاب بتعقيب ما وقع في تواتر القرآن من السؤال والجواب ([12])
  • شرحه الكبير على مختصر خليل.
  • الطريق الممتاز لسلوك مسألة ابن المواز ([13]).
  • تقريب الأمل البعيد في نوازل الأستاذ أبي سعيد.
  • ينبوع العين الثرة في تفريع مسألة الإمامة بالأجرة([14]).

وفاته:

توفي رحمه الله ليلة السبت لسبع عشرة ليلة مضت من ذي الحجة عام اثنين وثمانين وسبعمائة ([15]).

المبحث الأول: منهج ابن لب في تدوين إجاباته.

بعد مطالعة نوازل ابن لب وتفحص أسلوبها وكيفية الجواب عنها، تبين لي أنه قد سلك في أجوبته مسالك شتى وطرائق قددا، ولعله يتم استيفاء حقها بإيراد المطالب الآتية:

المطلب الأول: عزو النصوص إلى قائلها

لا غرو أن الأمانة العلمية من أبرز أخلاق العلماء، وقد كان سلفنا الصالح -رحمهم الله- يتحرون الدقة والأمانة العلمية فيما ينقلونه، وينسبونه لصاحبه، وفي هذا الصدد تناقل طلبة العلم كلمة غدت نبراسا للباحثين والدارسين، وهي قولهم: "من بَرَكة العلم وشكرِهِ عَزوه إلى قائله ([16]).

وهذا الخلق النبيل يندرج "لدى الباحث المسلم تحت المفهوم العام للأمانة التي حملها الإنسان؛ ليرفع الظلم والجهل عن نفسه، عملاً بإرشاد الحق تعالى في قوله: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب: 72]" ([17]).

وقد كان ابن لب متشبثا بهذا الخلق الرفيع، فيذكر القول منسوبا لقائله، ولهذا أمثلة عديدة، منها: جوابه عن مسألة الإمام المعتبر في التضحية حيث قال: "وقع كلام في الإمام الذي يعتبر ذبحه، أهو الخليفة أم لا الصلاة؟ والظاهر أن المتقدمين من الفقهاء أغفلوا بيانها، وتعرض المتأخرون للفحص عنه فاختلفوا فيها، ومثار الخلاف فيها ظاهر، وهو أنه عليه السلام كان المقتدى به في ذلك، ثم الخلفاء بعده، فهل ذلك لأجل الإمامة الكبرى أو لإمامه الصلاة؟ ذلك كله محتمل. قال القرافي: الإمام فيها هو الإمام المعتبر شرعا، أما هؤلاء الذين يملكون بالقهر فحكم الناس معهم حكم من لا إمام لهم، يقتدون بأقرب الأئمة إليهم بالتحري ورجح بعض الشيوخ طريقه ابن رشد، لأن التضحية من توابع الصلاة، وهي معتبرة معها، فيظهر اعتبارا إمامها، ألا ترى أن الحنيفة وجماعه يعتبرون الصلاة وقوعا، والشافعية فيما ذكر عبد الوهاب وغيره يعتبرون الصلاة وقتا أي قدر ما تصلى فيه من الوقت وان لم تفعل"([18])..

ومن هذا القبيل أيضا جوابه في إحدى الأحباس، حيث قال: "خفف محمد بن اسحاق بن السليم في تصريف الأحباس بعضها في بعض، وقد فعل ذلك غيره من القضاة بقرطبة، وهو قول ابن حبيب في كتاب الحبس من واضحته" ([19]).

وفي كثير من المواضع وجدت ابن لب ينقل فتاوى كاملة، ويحيل على أصحابها، ومن ذلك قوله مجيبا عن إحدى نوازل الإجارة على الإمامة: "سئل ابن رشد عن أجرة الإمام فقال: وإنما تجب أجرة الإمام على من التزمها ورضي بأدائها. فإن لم يريدوا أن يستأجروا من يقيم بهم الجمعة ولا وجدوا من يقيمها بهم دون أجر لم يصح لهم المقام بذلك البلد، ووجب عليهم الانتقال منه والسكنى حيث تكون الجمعة، أو بمكان لا يلزمهم فيه إتيان الجمعة. وكان حقاً على الإمام أن يجبرهم على ذلك"([20]).

ومن ذلك أيضا جوابه عن مسألة تعدد الأئمة في مسجد واحد، حيث دعم جوابه بنازلة عرضت على ابن وضاح، ونصها، قال: "وقال الشيخ الفقيه المشارك الحافظ أبو عبد بن وضاح في الجزء الذي وضعه في مسألة أجرة الإمام على الصلاة، ومسألة إمامين في مسجد ما نصه: وأما ما سألت عنه - وفقني الله وإياكم – عن مسألة مسجد عليه أوقاف محبسة لتصرف فيما يحتاج إليه من استيجار إمام ومؤذن ووقيد وبسط وبنيان ما يحتاج إليه من احتاج، هل يسوغ للناظر فيه من حاكم وغيره أن يقدم فيه ابتداء من غير عذر إمامين فأزيد أم لا ؟ وإن قدم هل يسوغ له دفع أجرة لهما أو لأحدهما من وقف المسجد أم لا ؟ وأقرب القول في ذلك إن شاء الله تعالى ما ذكره ابن خويز منداد في كتاب أحكام القرآن له أن ذلك لا يجوز، قال: ولا خلاف للمالكية أذكره فيه" ([21]).

وفي بعض الآحايين قد يعدل المفتي عن التصريح بأسماء الفقهاء والمفتين، ويكتفي بصيغة عامة، كما هو شأن نازلة بنت نحلها أبواها عند تزويجها، ثم توفى الأب وادعت الأم أنها فعلت ذلك استحياء، حيث ورد فيها: "وقد قال الفقهاء في الصدقة، إذا طلبت من المتصدق، وفهم من حاله أنه أعطاها حياء وخجلاً وغير طيب النفس، إنها لا تحل للمتصدق عليه، والنحلة إنما هي عطية، وإلى هذا فمحال الأبوين في تجهيز بنتهما مشترك بينهما، الأب بماله، والأم بإلحاحها عليه، والاقتناء منه وسؤال والإِصلاح فيه بالنظر وشبهه" ([22]).

المطلب الثاني: عدم تخريج الأحاديث

من السمات البارزة التي اصطبغت بها فتاوى فقهاء الغرب الإسلامي، عدم الاهتمام بتوثيق النصوص الحديثية، ولم تكن ابن لب بمعزل عن هذا المنهج؛ فتراه يستند إلى حديث نبوي من غير أن يخرجه أو يعزوه إلى مظانه، ولم أجد في فتاواه سوى النزر القليل من الأحاديث التي أحال على مظانها، ومن أمثلة ذلك جوابه عن سؤال: هل النيل من أنهار الجنة؟ فقد ورد في جوابه: في الحديث الصحيح من رواية أبي هريرة أنه عليه السلام قال: «سيحون وجيحون والفرات كلٌّ من أنهار الجنة» ([23])، وفي رواية أخرى: «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ»، وهما لغتان في هذين النهرين، وفي كتاب مسلم في حديث الإسراء: «ن النيل والفرات يخرجان من أصلها»، وبيّنه في البخاري فقال: ذلك من أصل سدرة المنتهى([24]) ([25]).

وأجدني مدفوعا إلى التنبيه هنا على أن غياب توثيق الأحاديث في النوازل، ليس عجزا أو تقصيرا من ابن لب، وإنما جرى على مقتضى ما يمليه واقع الحال مما كان معروفا حينذاك ومعمولا به في إفادة حكم النازلة باستدعاء الشواهد الحديثية من مظانها دون الإثقال بذكر ذلك.

المطلب الثالث: قلة الاهتمام بالدليل

الطابع الفقهي العام لدى ابن لب قلة الاحتفاء بالدليل، والاعتماد على الكتب الفقهية المالكية، سواء المتقدمة منها، كمدونة سحنون والواضحة والبيان والتحصيل، أو المراجع الفقهية المتأخرة كمختصر ابن الحاجب ومختصر خليل وغيرهم، وهي كتب مجردة عن الدليل.

وليس اعتماد هذا المنهج تقصيرا من ابن لب، ولكن الباعث على عدم استدعاء النصوص الشرعية، هو كون السائل في أغلب الأحيان عاميا لا دراية له بالدليل حتى وإن تم التصريح به، وغاية قصده هو معرفة الحكم الشرعي للعمل به. قال ابن الصلاح: "فلا ينبغي له-أي السائل-أن يطالب المفتي بالحجة فيما أفتاه به، ولا يقول له: لم وكيف؟ فإن أحب أن تسكن نفسه بسماع الحجة في ذلك، سأل عنها في مجلس آخر أو في ذلك المجلس بعد قبول الفتوى مجردة عن الحجة" ([26]).

كما أن غياب الدليل في كثير من النوازل، ليس دليلا على عدم استنادها إلى دليل، وإنما هي جارية على ما عهد في كثير من الأحيان من الاكتفاء بتعريف المستفتي بالحكم الذي يتعلق بنازلته؛ إذ بذلك يحصل المقصود، ولا يهم في كل الحالات التفصيل والتوجيه والتعليل والدعم بالدليل النقلي، فالفتاوى المالكية كثيرا ما يعتريها الإيجاز؛ إذ يقتصر فيها على التصريح بالحكم المسؤول عنه، وبذلك يتحقق للمقلد المقصود من الإفتاء ([27]).

أما إذا راح المفتي يحشر الأدلة، ويحي الخلاف في المسائل، فسيكون ذلك مدعاة للتشويش على المستفتي، فلا يعلم أي الأقوال يأخذ، ولا يتحقق المقصود من الإفتاء.

ومما يجعل المفتي يحجم عن الاستدلال بالنصوص الشرعية، أيضا: كثرة المهام والأنشطة التي يزاولها؛ دينية واجتماعية وقضائية، والتي قد لا تسمح له باستقصاء المصادر والأمهات الأصلية، أو التوسع فيها عمليا في الاستدلال الشرعي، والإحاطة بها تأصيلا وتفريعا فيما يرد عليه من الأقضية الوقائع ([28]).

المطلب الرابع: اغتنام الفرصة لنصح المستفتي وتذكيره

من العوائد الحميدة التي دأب عليها فقهاء الغرب الإسلامي، أنهم كانوا يستغلون ّ المسائل المعروضة عليهم ليبثّوا للسائل التوجيهات المناسبة، وهكذا وجدناهم لا يألون جهدا في وعظ السائل وإرشاده، وتذكيره في ثنايا الجواب.

ولم يكن ابن لب بمعزل عن هذا الخلق الرفيع؛ حيث كانوا ينصحون السائلين، ويعظونهم، ومن أمثلة ذلك أن ابن لب نصح أحد المستفتين قائلا: "اتَّبْع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، من ورع لا يتسع. أ فيحسن أن يعوض من قراءة الصلاة ذكر غيرها أو شغل المأموم بالذكر عن سماعه قراءة الامام في الجهر؟! وللعبادة ووظائف الطاعات حدود وخصوص وأحوال وشروط، والقراءة سنة تتبع، وطريقة هي المورد والمشرع، ولا يجوز فيها العدول عما روي إلى غيرها"([29]).

المطلب الخامس: الحرص على التيسير ورفع الحرج عن المستفتين

من أهم السمات التي تميزت بها شريعتنا الغراء، رفع الحرج عن المكلفين والتيسير عليهم، وهذه السمة كفلت لها الخلود في مختلف الأزمنة والأمكنة، وجعلتها رسالة عالمية يخضع لها جميع البشر، متميزة بذلك عن الشرائع الأخرى السابقة التي لم تسلم من المشاق والتشديد.

ولقد حرص فقهاء المذهب المالكي على عدم التشدد، ودرء المشقة وجلب التيسير، وكانوا يوصون بها تلاميذهم، وهنا نستحضر وصية ابن لب لتلميذه الشاطبي وبعض أصحابه، بعد أن أطلعهم على مستنده في إحدى الفتاوى التي نزع فيها إلى التيسير، وقال: "أردت أن أنبهكم على قاعدة في الفتوى نافعة جدًّا، ومعلومة من سند العلماء، وهي أنهم ما كانوا يشددون على السائل في الواقع إذا جاء مستفتيا" ([30]).

والمتفحص لأجوبة ابن لب يلحظ أنه لم ينزع إلى إرهاق سائليه بالأحكام الشاقة التي تنفر من الدين، وتحجب عنهم سماحته، وإنما جنح إلى التيسير ورفع الحرج عن المستفتين في مواطن كثيرة، معتمدا على قواعد رفع الحرج، سالكا سبل التسهيل والتخفيف، دون الحياد عن روح الشريعة، ومن هذه النوازل: سؤال المسكين الصدقة في المسجد حيث أجاب: "قد ورد النهي عن السؤال في المساجد؛ لأنها سوق الآخرة، ولأنه قد يشغب على من يكون في الصلاة، وقد قال بعض الفقهاء: ينبغي أن يحرم فإنه لا يترك ولا يفعل، وإنما أجازوا في المساجد أن يسأل للمساكين لا أن يسألوا هم بأنفسهم، لحديث المصريين لكن اختار بعض الشيوخ الماضيين إباحة السؤال على الإطلاق لغلبة الحرمان للسؤال في هذه الأوقات، ومشاهد الصلوات مظنة الرحمات، ورقة القلوب الباعثة على الصدقات، فأبيح للضرورة مخافة الضيعة" ([31]).

فمعالم التيسير بادية على هذه الفتوى، فالمفتي رفع الحرج على المسكين لقلة ذات اليد وشظف العيش.

ودفعا للحرج، وعملا بمبدأ التيسير على الناس، أجاز إجابة الداعي لوليمة النكاح مع ما تشتمل عليه من الملاهي، حيث قال: "الحكم في حضور وليمة النكاح التي تكون على ما وصفتم جواز التخلف عنها، وقد شرطوا في توجه الحضور على المدعو إلى وليمة النكاح خلوها عن المنكر والباطل، وأما سماع الطر بتلك الزنوج المعروفة، ففيه اختلاف بالإباحة والكراهية والمنع، لكن جرت عادة الشيوخ العلماء وأئمة الفقهاء بحضور موضع ذلك وسماعه، ترخصًا لمكان الخلاف" ([32]).

المبحث الثاني: أصول الإفتاء عند ابن لب

يرى الواقف على فتاوى ونوازل ابن لب الغرناطي، أن الشيخ اتكأ في تقرير الأحكام وفض النوازل على جملة من أصول الاستدلال، حيث استند إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، وعول على القياس، والمصلحة المرسلة، واحتكم إلى الأعراف، كما راعى مقاصد المكلفين، إلى غير من الأصول المقررة في مذهب مالك بن أنس، ولعل ما يأتي من مطالب يكون فيه غناء لبيان هذا.

أولا: القرآن الكريم:

من خلال تتبع فتاوى ابن لب، نجد أنه كان يلجأ إلى نصوص قرآنيه في تقرير أجوبته، وبناء أحكامه، ومن ذلك: فتواه في مسألة من أنكر الرواية وادعى أنه لا فائدة منها، حيث جاء في الجواب: "إن كان المتكلم في الإجازة للرواية، فإن الرواية هي أصل الدين والمنهج القويم، فالرسول صلى الله عليه وسلم يروي عن جبريل عليه السلام عن ربه عز وجل، وهكذا سنته صلى الله عليه سلم لأنها من عند الله تعالي، ﴿وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى﴾ [النجم/3-4]، وقال تعالى: ﴿يَا أيها الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ﴾ [المائدة: 76]، وقال: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾ [ الأنعام: 20]، ولا يصح أن ينذر به بعد الصحابة إلا بالرواية، فلذلك بلغ الأمة بعد تباعد المدة، ولولا الرواية لتعطّلت الشريعة، وضلّت الخليقة، ولم تتم على ما يأتي من الناس حجة، وما تواتر ما علم تواتره من علوم الملَّة إلا بكثرة الرواية وتكرّرها على تكرار الأزمنة" ([33]).

وفي معرض جوابه عن مسألة إمام يقرأ دبر صلاة الصبح حزباً من القرآن، ويضيف إلى ذلك آيات متعددة وتهليلاً وتسبيحاً واستغفارا، وصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى جميع أنبيائه وملائكته ورسله، فاعترض عليه في ذلك، قال رحمه الله: "الذي يقرأ هذا الإمام ويذكره داخل في باب الذكر الذي أمر الله سبحانه بالإكثار منه، وقد قالوا ما أمر الله سبحانه بالإكثار من شيء مثل ما أمر بالإكثار من ذكره والصدقة لوجهه. قال عزَّ من قائل: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [ الجمعة: 10] ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ 191. ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ [الأحزاب: 35]، وقال في الصدقة: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 274]، وهب أن ذلك محدث وبدعة بخصوص دبر الصلوات وفي جماعة، لكنها بدعة خير، ولها في الشرع ما تدخل تحته" ([34]).

ولما سئل عن رقص الفقراء بالمساجد، أجاب بأنه يجب أن المساجد عن ذلك؛ لأنها بيوت الله في أرضه، أسست على التقوى ليقترب على الله فيها بالطاعات ووظائف العبادات، محتجا بقوله تعالى: ﴿في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ﴾ [النور: 36 - 37][35].

ثانيا: السنة النبوية:

أجمع فقهاء المسلمين قديمًا وحديثًا من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا هذا -إلا من شذ من بعض الطوائف- على الاحتجاج بالسنة النبوية؛ "لأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله حجة؛ لدلالة المعجزة على صدقه ولأمر الله تعالى إيانا باتباعه؛ ولأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، لكن بعض الوحي يتلى فيسمى كتابا، وبعضه لا يتلى وهو السنة" ([36]).

قال ابن عاصم:

قَوْلُ الرَّسُولِ عِنْدَ أهْلِ الشَّأْنِ فِي مَأخْذِ الْأَحْكَامِ كَالْقُرْآنِ ([37]).

يعني أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم عند أهل هذا الشأن، أي أهل الأصول بمنزلة القرآن في مأخذ الأحكام، أي الاحتجاج به فيها متواترا، كان أو خبر آحاد، إلا أن المتواتر مساو للقرآن في الاحتجاج في القوة؛ لأنه قطعي كالقرآن، والآحاد لا يساويه، لكنه تؤخذ منه الأحكام كما تؤخذ من القرآن، إلا أنه ظني، فلا يقوى قوة القرآن في الاحتجاج، وإنما كان قوله صلى الله عليه وسلم كله حجة تؤخذ منه الأحكام الشرعية؛ لقوله عز وجل: ﴿وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى﴾ [النجم/3-4] ([38]).

وإذا رجعنَا البصرَ كرتين في فتاوى ابن لب، وجدناه قد صرح باللجوء إلى السنة النبوية في الإجابة عن القضايا التي رفعت إليه في مواطن كثيرة، يدل لذلك أنه استفتي في مسألة رجل منهمك في المعاصي في رمضان وغيره، سمع وعيد المعصية في رمضان، وأن المعصية فيه أعظم من غيره، فتاب من معصيته في رمضان توبة موفاة الشروط، وترك غيره من الشهور لم يدخله في توبته، فأفتى ابن لب بأن هذه التوبة جارية على الطريقة الشرعية وأن هذا الرجل يلقى، وهو تائب من ذلك الذنب المنتهك لتلك الحرمة في وقتها وتوبته على خصوصها اللازم لها بعقد نيتها، لقوله عليه السلام: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» ([39]). ومن أركان التوبة العزم على أن لا يعود إلى تلك المعصية بعد الإقلاع عنها ولكن هذا الشرط منزل على القصد. فان قصد ذلك الرجل أن لا يعود إلى انتهاك حرمة ذلك الوقت بذلك الذنب وجنس هذا الذنب المنوط بوقته، لا وجود له في غيره كما لو واقع الفطر في صيام غير رمضان ([40]).

وفي المسألة السابعة من نوازل المياه المساقاة، نلتقط صورة لإعمال هذا الأصل، فقد سئل عن رجل له أرض يسقيها ويخرج منها فضل على أرض الغير هل يصرفه عن أرض الغير أم لا؟

فكان جواب الفقيه: "أما مسألة صرف الماء على أرض الجار فإن ذلك يمنع منه لحق الجار؛ إذ: «لا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» ([41])، إلا أن يكون له عليه مصرف قديم يكون ذلك من حقه ولا شيء عليه في صرفه".

ومن شواهد اعتداده بالحديث الشريف جوابه عن مسألة حلق الذكر التي يعقدها الفقراء في المسجد حيث قال: "الغالب في مجالس الذكر المذكورة في الأحاديث التي يتلى فيها كتاب الله تعالى، كقوله عليه السلام: "وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ+ ([42]). وأما مجالس الذكر اللساني بالتهليل والتحميد والتقديس، فقد صرح بها حديث الملائكة السياحين. لكن لم يذكر جهر فيها بالكلمات، ولا رفع صوت ومِثلُهُ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بمجلسين في مسجده مجلس يدعون الله ويرغبون إليه والاخر يتعلمون الفقه ويعلمونة، فقال عليه السلام: كِلا المَجْلِسَينِ عَلى خَير وأحدهما أفضل من صاحبه، أما هؤلاء فيتعلمون ويعلمون الجاهل، وإنما بعثت معلماً ثم أقبل فجلس معهم"([43])([44])

ثالثا: الإجماع

يعد الإجماع المصدر الثالث في بناء الأحكام الشرعية، فإذا ثبت فهو حجة شرعية ملزمة، لا يجوز لأحد مخالفته.

ويرى الواقف على فتاوى ابن لب أنه بنى كثيرا من أجوبته على إجماع العلماء ومما يجلي ذلك:

أنه سئل عمن طلق زوجه طلقة ثالثة، ثم قال: متى حلّت حرمت، فأجاب: "قول القائل متى حلت حرمت، يحتمل وجهين: أن يكون المراد متى حلت للأزواج حرمت، فتكون الحلية منصرفة إلى جواز العقد بفراغ عدة من زوج، فعلى هذا لا يلزم طلاق، لأنه إنما حرم العقد وهو لا يحرم إجماعًا، وعلى هذا المعنى جاء لفظ الحليّة في القرآن والسنة وكلام الفقهاء ([45]).

ومن نماذج الاعتماد على الإجماع أيضا فتواه في مسألة البناء على المقابر، حيث قال: "وأما مسألة البناء على القبر بناء مسجد أو صومعة، فقد قال مالك في مقبرة داثرة فيها مسجد فيه: لا بأس به، وإنما أباحوه في الداثرة، وإنما أباحوه في الداثرة دون الجديدة، لأنه يخاف في الجديدة نبش العظام وذلك لا يجوز، فإن أُمِن من ذلك بأن يكون فوق القبور دون حفر يصل إلى مواضع العظام فذلك جائز، وما في الحديث من النهي عن اتخاذ القبور مساجد فإن ذلك مخافة أن تعبد القبور كما كان اتفق لمن سلف قبل هذه الأزمنة، فلا حرج إلا من ناحية نبش القبور خاصة. ابن الحاج في مدخله: اتفق العلماء رحمة الله عليهم أن الموضع الذي دفن فيه المسلم وقف عليه ما دام منه شيء موجوداً فيه حتى يفنى، فإذا فني حينئذ يدفن غيره فيه، فإن بقي شيء من عظامه فالحرمة قائمة لجميعه، ولا يجوز أن يحفر عليه ولا يدفن معه غيره ولا يكشف عنه اتفاقاً، إلا أن يكون موضع قبره قد غصب. وقد امتن الله بذلك في كتابه العزيز حيث يقول ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتاً، فالستر في الحياة ستر العورات، وفي الممات ستر جيف الأجساد وتغير أحوالها، فكان البنيان في القبور سبباً إلى خرق هذا الاجماع، وانتهاك حرمة موتى المسلمين في حفر قبورهم والكشف عنهم" ([46]).

رابعا: قول الصحابي

بنى المذهب المالكي كثيرا من المسائل الفقهية على قول الصحابي، يقول الإمام أبو العباس أحمد بن أبي كف الولاتي الشنقيطي المالكي:

وَقَوْلُ صَحْبِهِ وَالْاِسْتِحْسَانُ وَهُوَ اِقْتِفَاء مَا لَهُ رُجْحَان ([47]).

ومعنى البيت: أن القول المروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدلة مذهب مالك، يعني أنه حجة شرعية عند مالك، سواء كان الصحابي إماما أو مفتيا أو حاكما، وسواء كان قولا أو فعلا ([48]).

وعرف مصطفى ديب البغا قول الصحابي بأنه: "هو ما نقل إلينا، وثبت لدينا عن أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتوى أو قضاء، في حاثة شرعية، لم يرد فيها نص من كتاب أو سنة، ولم يحصل عليها إجماع" ([49]).

ومن النوازل التي دعم فيها ابن لب أجوبته بأفعال وأقوال الصحابة: مسألة رجل أنكر القيام في رمضان آخر الليل في الجماعة، وعابه على من يفعله وشدد في ذلك، فأجاب: "أما قيام رمضان جماعة من آخر الليل فلا خلاف أنه لا كراهة فيه، بل ذلك أفضل من قيام أوله. ففي الموطأ عن السائب بن يزيد في قيام أبي تميم الداري بالناس بأمر عمر له بذلك رضي الله عنه، مَا كُنَّا نَنصرفُ إلاَّ في بُزوغ الفجر يعني مباديه، وفيه أيضا: في المدونة عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال سمعت أبي يقول: كُنا نَنصرفُ في رمضان يَستعجلُ الخُدَّامُ بالطَّعامَ مَخَافَةَ الفَجر. ولا يعارض هذا قول عمر في القائمين: والتي تنَامون عنها أفضل؛ لأن هذا إنما قاله فيمن كان يقوم أوله خاصة وينام آخره، ومنهم من كان يصلي جميعه" ([50]).

خامسا: الإفتاء بالقياس

من الأصول التي اعتمدها ابن لب في فتاواه: القياس، وهو: "إلحاق صورة مجهولة الحكم بصورة معلومة الحكم؛ لأجل جامع بينهما يقتضي ذلك الحكم" ([51]).

وبقراءة ضافية لفتاوى ابن لب نجد أنه قد لجأ إلى قياس في تقرير فتاويه، من ذلك أنه سئل عن مسألة المسمع في الصلاة والخلاف الواقع فيها في المذهب. فأجاب: "الخلاف المعلوم في المسألة يحيكه الفقهاء المتأخرون حكاية عامة، وسمعت بعض الشيوخ يخص الجواز بحالة الضرورة؛ وذلك إذا كثرت الجماعة ويكون المسمع حيث ينقطع صوت الإمام، وكان هذا نظراً منه، وهو موافق لنظر ابن عبد السلام في شرح ابن الحاجب، فإنه قال: أما مع الضرورة فيجوز ذلك ابتداء، واستشهد بقضية أبي بكر رضي الله عنه إذ كان يصلي بصلاة عليه السلام في مرضه والناس يصلون بصلاة أبي بكر، ثم قال وأما لغير ضرورة فالقياس بطلان صلاة المسمع دون من اقتدى به"([52]).

سادسا: الإفتاء بالمصلحة المرسلة

 

من الأدلة العقلية التي عول عليها ابن في تقرير إجاباتهم المصلحة المرسلة، وهي "كل منفعة ملائمة لمقصد الشارع وما تفرع عنه من قواعد كلية، ولم يشهد لها نص خاص بالاعتبار أو الإلغاء" ([53])

.

والسبب في اعتماد المالكية على المصلحة المرسلة هو أنه "ليس كل واقعة يمكن وجود النص أو الإجماع أو القياس فيها، فلو لم تكن المصلحة المرسلة حجة أفضى ذلك أيضا إلى خلو الوقائع عن الأحكام الشرعية لعدم وجود النص أو الإجماع أو القياس فيها، والعذر؛ إذ ذاك يكون مشتركا".([54])

وبإمعان النظر في نوازل ابن لب يتضح لنا أنه فض كثيرا من النوازل اعتمادا على المصلحة المرسلة، ومن شواهد ذلك: النازلة التي استفتي فيها عن حكم فائد الأحباس المجهولة، ومما جاء في جوابه: "إن لوجوه الخير والبر مدخلاً في الأحباس المجهولة الأصل، فيصرف فوائدها فيما بعد ذلك من مرتبات طلبة العلم وغيرها، وإذا كانت الأحباس المعلومة المصرف قد قيل فيها بجواز صرف فائدها في غير مصرفها مما هو داخل في باب الخير وسبل البر، فكيف بالأحباس التي لا يعلم مصرفها" ([55]).

فانظر كيف أجاز الفقيه صرف فائد الأحباس المجهولة الأصل لطلبة العلم؛ لأن كثيرا من الفقهاء أفتى بجواز إنفاق فائد الوقف في غيره من أوجه البر، إذا لاحت في ذلك مصلحة. فكل "ما يقصد به وجه الله، يجوز أن ينـتفع ببعضه من بعض، وروى أصبغ عن أبي القاسم مثل ذلك في مقبرة قد عفت فيبني قوم عليها مسجداً: لم أرَ به بأساً، قال: وكذلك ما كان لله فلا بأس أن يستعان ببعضه على بعض" ([56]).

إن ما أجاب به المفتي في هذه النازلة، يمكن أن نسترشد به في حياتنا المعاصرة، خاصة في مجال التعليم العتيق؛ إذ بالإمكان صرف عائد الوقف الفاضل عن مدرسة للمدارس المجاورة، والتي لا تتوفر على أوقاف وإن لم يوجد في نص وثيقة الحبس ما يدل على ذلك؛ لأننا بذلك نراعي قصد المحبس وغرضه، وهو انتفاع الطلبة بفائدة ريع ذلك الحبس، وسد حاجياتهم منه، ونراعي أيضا مصلحة الوقف مـن جهـة اسـتمراره واستمرار منافعه.

ومن نوازل البيوع نلتقط صورة أخرى لأعمال هذا الأصل؛ حيث وردت عليه نازلة بيع الأب ما وهبه لابنه قبل بلوغه، فقد استدعى الفقيه المصلحة، ومما جاء في جوابه: "وإنما يجوز للأب أن يَبِيعَ ملك ولده الذي تحت حجره إذا باع عليهم لمصلحتهم، ولما هو سداد في حقهم، وأما أن يبيع ذلك لنفسه كما في هذه النازلة فلا سبيل إليه، لاسيما مع خراب ذمته، وما باع لنفسه من ذلك فمردود قبل منع الحاكم له من ذلك وبعده باتفاق، إن لم تكن له ذمة يقضي منها الثمن لمن باع ملكه من أولاده لنفسه، وعلى اختلاف إن كانت له ذمة، والحكم فيما باع وفات عليه كالمدة المذكورة رجوع الأولاد بثمن ذلك على من اشترى إنْ تأتى ذلك، وإن تعذر فعلى الأب يكون ذلك ديناً عليه كسائر ديونه"([57]).

سابعا: الإفتاء بالعرف والعادة

اعتمد الفقهاء في إجاباتهم على العرف وحملوا كثيرا من الأحكام على مقررات عادات الناس وأعرافهم، حتى لا تضيع حقوقهم وتهضم؛ لأنهم ألفوا هذه العادات، وجرت أحكامهم استنادا إليها.

ولنذهب الآن إلى فتاوى ابن لب؛ لنرى تطبيق هذا الأصل، وهو يجيب عن نوازل المستفتين.

فقد استفتي في قضية نهر قديم هابط من جبل على قرية إلى بساط قرية أخرى أسفل من القرية العليا ترتفع من النهر متملكة لهم قديماً، وماء الساقية موقت لهم بساعات وأيام معلومة، وأملاكها عظيمة الأثمان، وأهل القرية العليا لم يكن لهم ساقية قط ترتفع من النهر إلى أن قام الآن أهل القرية العليا يطلبون رفع ساقية من النهر، فأجاب: "العادة القديمة يجب الحكم بها، ولا يجوز أن تخالف بإحداث شيء عليها لم يكن له أصل في القديم إلاّ برضى من أصحابه" ([58]).

ومن الاحتكام إلى العرف والاتكاء عليه في إصدار الأحكام ما تخبرنا به نازلة رفعت إليه في مسألة رجل حلف ألا يأكل من يد زوجته عيشا، فجلس بعد ذلك أياما فأكل من يديها الخبز فمنع من الدخول عليها حتى يعلم ما عندكم.

فأجاب: "اليمين منزلة عند الفقهاء على المقصد وعلى السبب مع اعتبار عرف أهل الوقت في الألفاظ، ومن المعلوم أن عرف الناس في هذا الوقت في لفظ العيش، إنما هو على الثريد وما يطبخ من الدقيق مفتولا أو غير مفتول، سوى الخبز فليس في العرف متناولا للفظ العيش، والسبب الباعث على اليمين فيما ذكر السائل إنما كان عيشا صنعته له الزوجة، فيبقى النظر فيما قصده الحالف، فإن ذكر أنه لم يقصد الخبز، وإنما قصد العرف؛ فالقول قوله ولا شيء عليه في زوجته؛ لأنه على موافقة السبب والعرف، فإذن ذكر أنه إنما قصد مقتضى اللفظ لغة، وهو ما يتعيش به من خبز أو غيره، حنث بأكل الخبز لمقتضى قصده على تفسيره"([59]).

ثامنا: الإفتاء بالاستحسان

عرّف الإمام أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله الاستحسان؛ بقوله: "هو الأخذ بمصلحة جزئية في مقابل دليل كلي" ([60]).

ويرى المتتبع لفتاوى ابن لب أنه بنى كثيرا من الأحكام على الاستحسان؛ وذلك بعدما أعوزه الدليل من الكتاب أو السنة، ومن أمثلة ذلك نازلة في التحبيس على القارئ بالمسجد الجامع حيث جاء في جوابها "الذي يظهر لي في الحبس المذكور منذ سلم فيه الوارث، أن يختص به قارئ واحد بالمسجد المسمى، لاَ أَنَّهُ يقتسمه القارئان فيه، عملاً بظاهر لفظ المحبس، حيث قال: على القارئ للحديث بالمسجد الجامع، ويكون تعينه إلى نظر الناظر في الحبس، وإن رأى أن يجعله مناولة بينهما في أوقات مختلفة، فذلك له، إذا لم يثبت تخصيصه بقارئ بين العشاءين شهادة كاملة، لكني استحسن للناظر أن يجعله للقارئ بين العشاءين استحساناً، لصدق لفظ المحبس عليه؛ لأنه قارئ في المسجد مع موافقته زيادة الشاهد الآخر على تقدير صحتها. أما في العامين اللذين لم يقرأ فيهما إلا قارئ واحد بعد التحبيس، فهو له إذا لم يزاحمه غيره" ([61]).

فقد استحسن ابن لب في النازلة أن يختص قارئ الحديث بين العشاءين بالحبس؛ وذلك احتراما لشرط الواقف؛ إذ ورد في سؤال النازلة قول المحبس: يكون وقفاً على قارئ الحديث بالمسجد الجامع إضافة إلى موافقته إفادة الشاهد.

ووردت عليه نازلة مفادها أن امرأة أغضبتها خادمتها، فقالت المرأة: صيام العام يلزمها كما يلزمها طوق ثوبها لأخرجنك، فإن ردك سيدك تعني زوجها ما نبقي في هذه الدار، فأجاب: ""إن اليمين على الإخراج من موضع الانتقال عنه محملها عند الفقهاء بحسب مقتضي اللفظ انما هو على غير التأبيد، فلا يحنث الحالف بالرجوع إلى ذلك الموضع بعد خمسة عشر يوما في قول ابن القاسم، أو بعد زيادة ما عليها في قول مالك. وقد استحب ابن القاسم أن لا يرجع اليه إلا بعد شهر، وروى ابن كنانة وابن المواز أن لا حنث في الرجوع إليه بعد ما قل أو كثر من الزمان، وقد فسر ابن رشد الأقل بيوم وليلة، وقد حمل التحديد بخمسه عشر يوما أو بالشهر على استحسان، وليس بقياس"([62]).

تاسعا: الإفتاء بما جرى به العمل

من الأصول التي اعتمدها فقهاء الغرب الإسلامي في تقرير الأحكام: ما جرى به العمل، ويقصد "العدول عن القول الراجح والمشهور في القضايا، إلى القول الضعيف فيها، رعياً لمصلحة الأمة، وما تقتضيه حالتها الاجتماعية"([63]).

بإمعان النظر في التعريف السابقين يتضح أن ما جرى به العمل هو أن يأخذ فقيه من أهل الاجتهاد بقول ضعيف في بلد معين؛ وذلك إذا لاحت له مصلحة راجحة يتضح مما سبق، أن ما جرى به العمل هو اختيار قول مرجوح – لضعفه أو شذوذه– حكما أو إفتاء، في مقابل الراجح أو المشهور لموجب من الموجبات المعتبرة.

جاء في نور البصر ما نصه: "فإذا رجح بعض المتأخرين المتأهلين للترجيح قولا مقابلا للمشهور بموجب رجحانه عندهم، وأجروا به العمل في الحكم، تعين اتباعه، فيقدم مقابل المشهور لرجحانه على المشهور بموجبه لا بمجرد الهوى" ([64]).

ويرى الواقف على فتاوى ابن لب أنه أفتى في بعض النوازل التي عرضت عليه بما جرى به العمل، ومن ذلك: أنه سئل عن قراءة الحزب في الجماعة على العادة، هل فيها أجر، ومما ورد في جوابه: "إن العمل بذلك قد تضافر عليه أهل هذه الأمصار والأعصار، وهذه مقاصد من يقصدها فلن يخيب من أجرها، منها: تعاهد القرآن حسبما جاء فيه من الترغيب في الأحاديث، ومنها تسميع كتاب الله لمن يريد سماعه من المسلمين؛ إذ لا يقدر العامي على تلاوته فيجد سبيلا إلى سماعه"([65]).

وهكذا رد ابن لب كل شبهة تثار حول موضوع قراءة الجماعة والاجتماع على الحزب، وبين وجه الحق في المسألة وكشف عن الغايات المرجوة من فعلها.

ومن التعويل على ما جرى به العمل نازلة الإمام المتصوف الذي يحضر مع الفقراء ويأخذ معهم في السماع، هل يقدح ذلك في إمامته أم لا؟ فكان جواب الفقيه هو أن ذلك الذي وصف به الإمام في الرابطة لا يمنع من إمامته، والخلاف في السماع كثير بين العلماء، والذي جرى به عمل الناس وذهب إليه الجمهور جوازه، وإن كان جائزاً فلا يكون قادحاً في عدالته ولا مانعاً في إمامته والسلام عليكم([66]).

الخاتمة:

الحمـد الله الذي بفضله تتم الصالحات، فإلى هنا ينتهي بي المطاف إلى تسطير ما توصلت إليه من فوائد ونتائج:

  1. إثبات الدراسة إجماع المترجمين على جلالة قدر ابن لب، وأنه مرجع الفتوى في عصره، وملاذ الناس في معرفة الحلال والحرام، وفض الأقضية الطارئة.
  2. إفادة الدراسة أن ابن لب تميز بالأمانة العلمية في أجوبته، فكان يتحرى الدقة والأمانة العلمية فيما ينقله، ويعزوه لصاحبه.
  3. بيان الدراسة أن عدم توثيق الأحاديث النبوية في فتاوى ابن لب جرى على مقتضى ما يمليه واقع الحال مما كان معروفا حينذاك ومعمولا به في إفادة حكم النازلة باستدعاء الشواهد الحديثية من مظانها دون الإثقال بذكر ذلك.
  4. كشف الدراسة أن ابن لب جنح في أجوبته إلى التيسير ورفع الحرج عن المستفتين، ولم ينزع إلى إرهاقهم بالأحكام الشاقة التي تحجب عنهم سماحة الدين.
  5. تأكيد الدراسة أن أجوبة ابن لب استندت إلى أدلة نقلية وأخرى عقلية، مع الاستعانة بالقواعد الفقهية، والتخريج على الفتاوى السابقة، وفي هذا دحض لمن يرمي فتاوى الغرب الإسلامي بالتجرد عن الدليل.
  6. اهتمام ابن لب بعادات المجتمع، ووعيه بالواقع المتحرك الذي يفرز تلك الوقائع، يجلي ذلك اعتباره لأعراف الناس في إصدار الفتاوى.
  7. اعتماد ابن لب على ما جرى به العمل وهو دليل مرونته، وتجاوبه مع الواقع المستجد الذي يطرأ من حين لآخر، وعدم الجمود على سطره الفقهاء من الأقوال ولو كانت مشهورة، خاصة إذا كان الأخذ بها لا يتناسب مع معطيات وظروف المسألة الطارئة.

 

 

لائحة المصادر والمراجع:

القرآن الكريم برواية ورش عن نافع.

  1. أثر الأدلة المختلف فيها، د. البغا، دار القلم للطباعة والنشر والتحقيق، ط: 5، 2013م.
  2. الإحاطة في أخبار غرناطة، للسان الدين أبي عبد الله محمد بن الخطيب، بعناية بوزيان الدراجي، دار الأمل للدراسات الجزائر، ط: 1، 2009م.
  3. الإحكام في أصول الأحكام، لعلي بن محمد الآمدي، تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، دار الصميعي، الرياض ط: 1، 1424هـ - 2003م.
  4. أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح، تحقيق: موفق عبد الله عبد القادر، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط: 2، 1423هـ-2002م.
  5. الإفادات والإنشادات للشاطبي، دراسة وتحقيق: محمد أبي الأجفان، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: 1، 1403 هـ -1983م.
  6. إيصال السالك إلى أصول مذهب الإمام مالك، محمد يحي بن محمد الولاتي، بعناية: مراد بوضاية، الدار الأندلسية للدراسات والبحوث العلمية، دار ابن حزم، بيروت، ط: 1، 1426 هـ - 2006م.
  7. بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية - لبنان / صيدا.
  8. تقريب الأمل البعيد في نوازل الأستاذ أبي سعيد -نوازل ابن لب الغرناطي –تحقيق: حسين مختاري وهشام الرامي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط: 1، 2004م.
  9. الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه لمحمد بن إسماعيل، لأبي عبد الله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة- بيروت- ط: 2، 1142هـ.
  10. درّة الحجال في أسماء الرّجال، لأبي العبّاس أحمد بن محمّد المكناسى الشّهير بابن القاضى، تحقيق: محمد الأحمدي أبي النور، دار التراث القاهرة - المكتبة العتيقة، تونس، ط: 1، 1391 هـ - 1971م.
  11. الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب لابن فرحون المالكي، تحقيق وتعليق: محمد الأحمدي أبو النور. دار التراث، القاهرة ط: 1، 1417هـ-1996م.
  12. سنن ابن ماجه تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، دار الرسالة العالمية، ط: 1، 1430 هـ - 2009 م.
  13. شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن عمر سالم مخلوف، علق عليه: عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، لبنان، ط: 1، 1424 هـ - 2003م.
  14. صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابورى، تحقيق: نظر بن محمد الفاريابي، ط: 1، دار طيبة 1427 هـ - 2006م.
  15. العرف والعمل في المذهب المالكي ومفهومهما لدى علماء المغرب، مطبعة فضالة، المحمدية، 1981م.
  16. فتاوى ابن رشد، تحقيق: المختار التليلي، دار الغرب الإسلامي، ط: 1، 1407هـ -1987م
  17. فتاوى قاضي الجماعة، محمد أبي القاسم بن سراج الأندلسي، تحقيق: محمد أبي الأجفان، دار ابن حزم ط: 2، 1427هـ-2006م.
  18. مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة السلطان محمد الفاتح، ص: 55، العدد الرابع، سنة 2014م المستصفى، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، ط: 1، 1413هـ - 1993م.
  19. المزهر في علوم اللغة وأنواعها، لجلال الدين السيوطي تحقيق: فؤاد علي منصور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط: 1، 1418هـ، 1998م.
  20. المصالح المرسلة وأثرها في مرونة الفقه الإسلامي، لمحمد أحمد بوركاب، دار البحوث الإسلامية وإحياء التراث، ط: 1، 1423هـ -2002م.
  21. المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب، أحمد بن يحيى الونشريسي، تحقيق: جماعة من الفقهاء، دار الغرب الإسلامي -بيروت-1401هـ -1981م.
  22. مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول، الإمام الشريف محمد التلمساني، تحقيق: محمد علي فركوس، المكتبة المكية - مكة المكرمة، مؤسسة الريان – بيروت، ط: 1، 1419 هـ - 1998م.
  23. الموافقات، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي، تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، ط: 1، 1417هـ- 1997م.
  24. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب، شهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر- بيروت -ط: 1، 1997م.
  25. النوازل، لأبي الحسن العلمي، تحقيق: المجلس العلمي بفاس، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية -المغرب- ط: 1، 1403 هـ -1983م.
  26. نور البصر في شرح خطبة المختصر، لأبي العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي الفلالي، بعناية: محمد محمود ولد محمد الأمين، دار يوسف بن تاشفين ومكتبة الإمام مالك، ط: 1، 1428 هـ.
  27. نيل الابتهاج بتطريز الديباج، أحمد بابا التنبكتي السوداني، عناية وتقديم: الدكتور عبد الحميد عبد الله الهرامة، دار الكاتب، -طرابلس ط: 2، 2000م.
  28. نيل السول على مرتقى الوصول إلى علم الأصول، للولاتي، تحقيق: حادي بن سيدي بن حمادي، مكتبة الولاتي لإحياء التراث الإسلامي، نواكشط، ط: 3، 1427هـ - 2006م.
  29. ينبوع العين الثرة في تفريع مسألة الإمامة بالأجرة، ابن لب، دراسة وتحقيق وتعليق: القطب الريسوني، دار ابن حزم، ط: 1، 1426 هـ 2005م.

24.  نوازل محمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين الدرعي، المشهور بالورززاي الكبير، دراسة وتحقيق: عبد العزيز أيت المكي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – المملكة المغربية، ط: 1، 1437هـ -2016م.

([1]) الإحاطة في أخبار غرناطة، للسان الدين أبي عبد الله محمد بن الخطيب، بعناية بوزيان الدراجي، دار الأمل للدراسات الجزائر، ط: 1، 2009م. 4/212-213. بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، جلال الدين السيوطي، تح: محمد أبي الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية - لبنان / صيدا، ص: 372. تقريب الأمل البعيد في نوازل الأستاذ أبي سعيد -نوازل ابن لب الغرناطي –تح: حسين مختاري وهشام الرامي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط: 1، 2004م1/16

([2]) الإحاطة في أخبار غرناطة 1/382

([3]) بغية الوعاة 2/244

([4])نيل الابتهاج بتطريز الديباج، أحمد بابا التنبكتي السوداني، عناية وتقديم: الدكتور عبد الحميد عبد الله الهرامة، دار الكاتب، -طرابلس ط: 2، 2000م، ص: 219

([5]) بغية الوعاة 2/244

([6]) درّة الحجال في أسماء الرّجال، لأبي العبّاس أحمد بن محمّد المكناسى الشّهير بابن القاضى، تح: محمد الأحمدي أبي النور، دار التراث القاهرة - المكتبة العتيقة، تونس، ط: 1، 1391 هـ - 1971م، 2/113

([7]) نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب، شهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني، تح: إحسان عباس، دار صادر- بيروت -ط: 1، 1997، 5/515

([8]) نفح الطيب 5/515

([9]) شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن عمر سالم مخلوف، علق عليه: عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، لبنان، ط: 1، 1424 هـ - 2003م، ص: 248

([10]) الإحاطة 4/213

([11]) الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب لابن فرحون المالكي، تحقيق وتعليق: محمد الأحمدي أبو النور. دار التراث، القاهرة ط: 1، 1417هـ-1996م 2/139

([12]) ا المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب، أحمد بن يحيى الونشريسي، تح: جماعة من الفقهاء، دار الغرب الإسلامي -بيروت-1401هـ -1981م، 12/76-77

([13]) المعيار 2/50-51

([14]) حققه وعلق عليه: القطب الريسوني، دار ابن حزم، ط: 1، 1426 ه- 2005م

([15]) نفح الطيب 5/ 513

([16]) المزهر في علوم اللغة وأنواعها، لجلال الدين السيوطي تح: فؤاد علي منصور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط: 1، 1418هـ، 1998 م، 2/273

([17]) مقال: الأمانة العلمية بين الضوابط الأخلاقية وورع العالِم الربّاني، لمصري محمود، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة السلطان محمد الفاتح، العدد الرابع، سنة 2014م، ص: 55

([18]) المعيار 2/34. تقريب الأمل البعيد 1/110

([19]) المعيار 7/92. تقريب الأمل البعيد 1/ 145

([20]) ينبوع العين الثرة في تفريع مسألة الإمامة بالأجرة، ، ص: 101

([21]) المعيار 7/95

([22]) المعيار 3/207

([23]) في رواية مسلم: «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ»، صحيح مسلم، كتاب الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا، بَابُ مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، ح: 283، 4/2183

([24]) يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ المُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا كَأَنَّهُ قِلاَلُ هَجَرَ وَوَرَقُهَا، كَأَنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: أَمَّا البَاطِنَانِ: فَفِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: النِّيلُ وَالفُرَاتُ». صحيح البخاري، كِتَابُ بَدْءِ الخَلْقِ، بَابُ ذِكْرِ المَلاَئِكَةِ، ح: 3207 4/109

([25]) المعيار 11/361-361

([26]) أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح، تح: موفق عبد الله عبد القادر، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط: 2، 1423هـ-2002م، ص: 171

([27]) فتاوى قاضي الجماعة، محمد أبي القاسم بن سراج الأندلسي، تح: محمد أبي الأجفان، دار ابن حزم ط: 2، 1427هـ-2006م، ص: 69

([28]) المعيار 10/296. نوازل محمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين الدرعي، دراسة وتحقيق: عبد العزيز أيت المكي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – المملكة المغربية، ط: 1، 1437هـ -2016م.، ص: 136

([29]) المعيار 1/48. تقريب الأمل البعيد1/69

([30]) الإفادات والإنشادات للشاطبي، دراسة وتحقيق: محمد أبي الأجفان، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: 1، 1403 هـ -1983م، ص: 153

([31]) المعيار 1/147

([32]) المعيار 8/212

([33]). المعيار 11/15. نوازل ابن لب 2/188

([34]) المعيار 1/149

([35]) المعيار 3/252

([36]) المستصفى، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، تح: محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، ط: 1، 1413هـ - 1993م، ص: 103

([37]) نيل السول على مرتقى الوصول إلى علم الأصول، للولاتي، تح: حادي بن سيدي بن حمادي، مكتبة الولاتي لإحياء التراث الإسلامي، نواكشط، ط: 3، 1427هـ - 2006م، ص: 207

([38]) نفسه، ص: 207

([39]) صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله، ح: 1، 1/6

([40]) المعيار 11/85. تقريب الأمل البعيد 1/87

([41]) سنن ابن ماجه، كتاب الأحكام، بَاب مَنْ بَنَى فِي حَقّه مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ، ح 2341، 1/82

([42]) صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، ح 2699.

([43]) سنن ابن ماجه، الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، بَابُ فَضْلِ الْعُلَمَاءِ وَالْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ، ح229، 1/83

([44]) المعيار11/35-36. نوازل ابن لب 1/192

([45]) المعيار 1/122

([46]) المعيار 1/329

([47]) إيصال السالك إلى أصول مذهب الإمام مالك، محمد يحي بن محمد الولاتي، بعناية: مراد بوضاية، الدار الأندلسية للدراسات والبحوث العلمية، دار ابن حزم، بيروت، ط: 1، 1426 هـ - 2006م، ص: 164

([48]) إيصال السالك إلى أصول مذهب الإمام مالك، ص: 164

([49]) أثر الأدلة المختلف فيها، د. البغا، دار القلم للطباعة والنشر والتحقيق، ط: 5، 2013م، ص: 339

([50]) المعيار 1/148-149

([51]) مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول، الإمام الشريف محمد التلمساني، تح: محمد علي فركوس، المكتبة المكية - مكة المكرمة، مؤسسة الريان – بيروت، ط: 1، 1419 هـ - 1998م، ص: 129

([52]) المعيار 1/151-152

([53]) المصالح المرسلة وأثرها في مرونة الفقه الإسلامي، محمد أحمد بوركاب، دار البحوث الإسلامية وإحياء التراث، ط: 1، 1423هـ -2002م، ص: 59

([54]) الإحكام في أصول الأحكام، لعلي بن محمد الآمدي، تح: عبد الرزاق عفيفي، دار الصميعي، الرياض ط: 1، 1424هـ - 2003 م، 4/ 36-37

([55]) تقريب الأمل البعيد، 1/ 145

([56]) النوازل، لأبي الحسن العلمي، تح: المجلس العلمي بفاس، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية -المغرب، ط: 1، -1403 هـ -1983م، 2/313 -314

([57]) المعيار 6/433

([58]) المعيار 10/275

([59]) المعيار 4/191

([60])الموافقات، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي، تح: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، ط: 1، 1417هـ/ 1997م، 4/ 205

([61]) المعيار 7/207

([62]) المعيار 2/99

([63]) العرف والعمل في المذهب المالكي ومفهومهما لدى علماء المغرب، مطبعة فضالة، المحمدية، 1981م، ص: 342

([64]) نور البصر في شرح خطبة المختصر، لأبي العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي الفلالي، بعناية: محمد محمود ولد محمد الأمين، دار يوسف بن تاشفين ومكتبة الإمام مالك، ط: 1، 1428 هـ، ص: 132

([65]) المعيار1/ 155- 156

([66]) المعيار 1/134