الأسس الفلسفية للمناهج الكمية والمناهج الكيفية في علم الاجتماع


فئة :  مقالات

الأسس الفلسفية للمناهج الكمية والمناهج الكيفية في علم الاجتماع

الأسس الفلسفية للمناهج الكمية والمناهج الكيفية في علم الاجتماع

 الحسن أسويق

ملخص البحث

تنقسم مناهج البحث في علم الاجتماع، عموماً، إلى نوعين يقعان تحت مسميين اثنين: المناهج الكمية من جهة، والمناهج الكيفية من جهة أخرى؛ وكل منهج من المنهجين ينهض على افتراضات نظرية - فلسفية من طبيعة أنطولوجية وابستمولوجية.

ولهذا، فإن التمييز بين البحث الكمي والبحث الكيفي لا يعتبر ببساطة مسألة تتعلق بالمداخل المختلفة لعملية البحث، لكل منها مناهجها الخاصة؛ وإنما تتعلق بوجهات نظر متناقضة حول القضايا الجوهرية والمداخل النظرية التي يتم الانطلاق منها في تناول موضوعاتها.

نحن إذن أمام طريقين مختلفين لإنتاج خطاب علمي حول نفس الواقع؛ أي أمام عقلانيتين منهجيتين مختلفتين: التماميّة المنهجية من جهة، والفردانية المنهجية من جهة أخرى.

مقصودنا في هذا المقال، بيانُ الخلفيات الفلسفية للخصومات المنهجية في علم الاجتماع محاولين الكشف عن مسوغات هذه الخصومات، انطلاقاً من نموذج إميل دوركهايم (ممثلاً للمنهج الوضعي)، وماكس فيبر (ممثلاً للمنهج التفهمي)، مع التركيز بشكل خاص على المنهج الأخير، الذي لا يستبعد التفسير استبعاداً كلّياً.

1- إشكالية المنهج في علم الاجتماع

1-1- في المنهج على سبيل الاختصار

يُستفاد من مختلف القواميس والمعاجم، سواء بالعربية أو باللغات الأعجمية، أن مفردة "منهج"، من فعل نهج، تدل على الطريق، كما تدل على الإبانة والوضوح. "طريق نهج"؛ أي بيّن وواضح[1]. معنى هذا أن ناهج الطريق يستطيع الاطمئنان إلى أنَّه بالغٌ الغاية وواصلٌ إلى المراد ومدركٌ للبُغية.

وكلمة méthode الفرنسية، تجد أصولها الكلمة اليونانية Μέθοδος، وهي مركبة من كلمتين هما: ميتا وتعني ”نحو وفي اتجاه“، و"أودس" وتعني الطريق؛ إنه ذلك الطريق "الذي نسلكه من أجل الوصول إلى نتيجة ما، حتى وإن لم يكن هذا الطريق مرسوماً مسبقاً بشكل إرادي ومُفكر فيه"[2].

وهكذا يصبح المنهج اصطلاحاً هو الطريق الأقصر[3] لبلوغ الحقيقة باعتماد مجموعة من الإجراءات العقلية، والعمليات الذهنية، وقواعد التفكير، وضوابط البحث التي من شأنها أن تعصم الذهن من الوقوع في الخطأ، والتي تتيح للباحث في الظواهر المختلفة، القدرة على تحليل وتفسير وفهم تلك الظواهر....[4]؛ لكن، وبشكل خاص، وهذا من معالم العلم الحديث الذي يقوم على "أولوية المنهج"[5] حسب مارتن هايدغر، "رصد الواقع رصداً دقيقاً للتأكد منه وتحديد مجاله".[6]

وغني عن البيان أن الفضل يرجع إلى أرسطو[7] في وضع الأطر العامة للمنهج العلمي الذي صار يتكون من بُعدين متمايزين ومتكاملين في نفس الوقت: بعد تجريبي- إمبريقي يتصل بالمعطيات الحسية، وآخر عقلاني- منطقي يرمي إلى إنتاج نظريات وقوانين كلية اعتماداً على عمليتي التجريد والصورنة؛ البعد الإمبريقي يتجلى في مسلك الاستقراء induction (الانطلاق من الجزئيات للوصول إلى ما هو عام)، والبعد العقلاني يتجلى في سلك سبيل الاستنباط المنطقي logique déduction

غير أن تطبيق مقتضيات الأطر المنهجية الأرسطية على الظواهر الاجتماعية أسفرت، بحكم تعالُق الاستعمالات المنهجية ومستلزماتها التقنية بالمرجعية الفكرية والتصورات النظرية الواعية أو غير الواعية، عمّا صار يعرف بالنزعتين المنهجيتين: التماميّة méthodologique holisme والفردانية individualisme méthodologique.

1-2- بين التماميّة المنهجية والفردانية المنهجية

في سعيها لمعرفة علمية بالإنسان، واجهت العلوم الإنسانية جملة من الصعوبات تلخصت بشكل عام في قدرتها على تحقيق العلمية؛ أي إن كانت قادرة على جعل معارفها حول الإنسان معرفة موضوعية.

ومن بين هذه الصعوبات ما يرتبط بالتفريق بين الطبيعي (المادي الصرف) والإنساني الاجتماعي- النفسي كواحدة من القضايا الفلسفية الأكثر استعصاء على البحث. وهذا ما يطرح مشكلة خصوصية الظواهر الاجتماعية، والتمايز بين العلوم الطبيعية من جهة، والعلوم الاجتماعية والإنسانية من جهة أخرى.

ومن هنا انبثقت الأسئلة التالية: ما الذي يميز الظواهر الاجتماعية والفعل الاجتماعي بالقياس إلى ما يحدث على مستوى الطبيعة المادية؟ وهل من الممكن أم من غير الممكن نسخ منهج العلوم الطبيعية وتطبيقه على حالات السلوك البشري وظواهره؟، أو بمعنى آخر: هل اختلاف الظاهرة الاجتماعية عن الظاهرة الطبيعية يستوجب بالضرورة اختلافاً في طبيعة المنهج الذي يعتمده الباحث في دراستها؟، هل من المحتم دراسة الإنسان والمجتمع بمناهج تختلف عن تلك التي تستخدم في دراسة الظواهر الطبيعية المادية؟، وما هي تلك المناهج؟ وما الذي يجمع أو يفرق بينها وبين تلك المستخدمة في العلوم الطبيعية؟

هي مجموعة من الأسئلة الابستملوجية أفرزت اختلافات جوهرية حول الاختيارات والمقاربات المنهجية، حيث أصبحنا أمام مناهج متعددة ومتنوعة تتفرع عن اختيارين منهجيين كبيرين: التماميّة المنهجية من جهة، والفردانية المنهجية من جهة أخرى.

وإذا كان أنصار الاختيار الأول يرون أن الظواهر والوقائع الاجتماعية يمكن دراستها بنفس المناهج التي تُدْرس بها العلوم الطبيعية (أصحاب المنهج الكمي – التجريبي)، فإن أنصار الفريق الثاني يرون أن المناهج المستخدمة في العلوم الطبيعية غير صالحة، لكي تستخدم في دراسة الظواهر الاجتماعية لاختلاف الظواهر الطبيعية عن الإنسانية: فإذا كانت العلوم الطبيعية تدرس العالم الخارجي (البرّاني)، فإن العلوم الاجتماعية تدرس العالم الداخلي (الجوّاني)؛ أي موضوع خاص غير قابل للملاحظة والقياس والتكميم والتجريب وفقاً لمعايير العلم الوضعي- التجريبي.

1-2-1- أطروحة التماميّة المنهجية:

تتمثل في منح الأولوية للجماعة في إطار العلاقة: فرد – جماعة. كما تؤكد هذه الأطروحة أن الجماعة هي الحقيقة الأساسية والجوهرية؛ لأن للمجتمع وجودا موضوعيا، لا يمكن اختزاله إلى مجرد تجمع للإفراد، بل تذهب إلى حد التأكيد أن الفرد لا وجود حقيقي له خارج المجتمع الذي ينتمي إليه. هذا الموقف نجده عند ماركس (1818-1883) كما نجده عند دوركهايم (1858-1917). إن المجتمع بالنسبة إلى هذا الأخير يشكل حقيقة أخلاقية مختلفة نوعياً عن الأفراد الذين يكوّنونه. إنه كيان حي بمصالحه وأفكاره وبسلطته الخاصة بمعزل عن وعي الأفراد. وعليه، فإن موضوع علم الاجتماع دراسةُ المجموعات الاجتماعية التي يتم ملاحظتها من الخارج بمعزل عن تحليل الحالة النفسية للأفراد.

وفي هذا النطاق يندرج القول الشهير لدوركهايم: "إن الظواهر الاجتماعية بمثابة أشياء، ومن ثم يجب أن تُدرس كأشياء {...} في انفصال تام عن الأفراد الواعين الذين يتمثلونها فكرياً، ينبغي أن ندرسها من الخارج كأشياء منفصلة عنا"[8]. وهذا معناه، كما عبر عن ذلك رايمون آرون، "التخلص من المفاهيم والأحكام المسبقة التي تصيبنا بالشلل عندما نريد معرفتها علمياً"[9].

1-2-2- أطروحة الفردانية المنهجية

عل النقيض من ذلك، تؤكد أطروحة الفردانية المنهجية، كما يسميها رايمو بودون[10]، أن الفرد هو وحده يتمتع بوجود ملموس. أما المجتمع، فليس إلا بناء مجرداً ليس له وجود موضوعي. لا وجود إذن، تبعاً لهذه الأطروحة، إلا لأفراد متعددين. ومن ثم، فإن الظواهر الاجتماعية ليست إلا أنماطاً للعلاقة بين الأفراد ومجموع السلوكيات الفردية في سياقها الثقافي والتاريخي. وهكذا، فإن السوسيولوجيا لن تكون إلا علماً للتفاعلات الفردية.

2- الخصومات المنهجية امتداد للمنازعات الفكرية

نشأت بين أنصار كل اختيار من الاختيارين خصومات منهجية في ظاهرها؛ لكنها فكرية – فلسفية في جوهرها. وفي تقديرنا أن السبب الرئيس في هذه الخصومات والمنازعات بين الاختيارين يرجع إلى بعض الأصول ذات الحمولة الفلسفية، ويمكن إجمالها في ما يلي:

2-1 – العلاقة بين الذات والموضوع:

في علوم الطبيعة، نجد أن ثمة مسافة بين الذات (الباحث-العالم) وموضوعه؛ بينما نجد أن هذه المسافة في العلوم الاجتماعية تكاد أن تكون منعدمة (تماهي الذات مع الموضوع الذي هو ذات أخرى). لكن لا بد من الإشارة إلى "استمرارية الثنائية dichotomie التي تطبع العلم الاجتماعي؛ إذ نجد من جهة قطب عقلاني- علموي الذي يستمر في اعتبار "العلوم الصلبة" كنموذج، وقطب إنسانوي يعتبر العلم الاجتماعي كـ"إيديولوجيا" (بالمعنى الإيتمولوجي)، والذي تقوم فيه العلاقة بالموضوع المدروس علاقة "ودية" أو "تعاطفية"[11]. من جهة أخرى، فإن الإنسان يعتبر كذات حرة تنفلت من العليات الطبيعية والمعيارية المجتمعية. وهذه الحرية الإنسانية تحول دون أية إمكانية للتنميط، كما تمنع كل إمكانية للتوقّع (التنبؤ) أو التعميم على مقتضى العلوم النمولوجية التي هي "علوم العام"[12]. هذه الدعوى تبلورت في شكل تعارض بين تقليدين[13]: "التفسيري" من جهة، و"التفهمي" من جهة أخرى.

يذهب دلتاي[14]، الذي يعدّ رائداً في التمييز بين علوم الإنسان وعلوم الطبيعة[15]، إلى أن هذه خصوصية موضوع علم الاجتماع من طبيعة ”انطولوجية“، حيث إن ثمة تعارضاً بين ”المعيش“ ”الجواني“ (النفسي أو الذهني) من جهة، والظواهر الفيزيائية ”الخارجية“ من جهة أخرى؛ معتبراً أن العناصر الأولى تنفلت من الضبط، والتكميم، والقانون العلّي. وهذا ما يطرح صعوبة منهجية يمكن التعبير عنها بـ"مشكلة تكميم الكيف"[16].

من أسباب تعدد وتنوع المناهج السوسيولوجية إذن، الاختلافُ في إدراك العلاقة بين ما هو طبيعي (مادي، محسوس) في الفعل الإنساني الاجتماعي، وما هو معنوي (فكري، رمزي، ذهني) في الفعل نفسه.

2 -2- مشكلة الفعل الإنساني:

"يشكل مفهوم الفعل Action حجر الزاوية في الدراسات التي تطلق عليها تسمية ”العلوم الاجتماعية والإنسانية“. فمع أن الإنسان الفرد لا يوجد إنساناً إلا في المجتمع، فإن المجتمع بدوره ليس شيئاً مستقلاً عن الأفراد الذين يتكوّن منهم، والذين يصنعون من خلال أفعالهم، في سياقات الحياة الفردية والاجتماعية، مادة الظواهر والسيرورات والتغيرات التي تعكف العلوم الاجتماعية والإنسانية على دراستها"[17]؛ لكن السؤال المحير الذي أرق الفلاسفة والحكماء وعلماء النفس والاجتماع ولا يزال، هو العلاقة بين هذين الصعيدين: الصعيد المادي المحسوس الملموس، والصعيد النفسي العقلي في الإنسان (أي صعيد الأفكار والمشاعر والمفاهيم والمعاني والقيم). اختلف الفلاسفة وانقسم صفهم بين ماديين لا يرون في الإنسان ما يتجاوز المجريات الفيزيائية – الكيميائية – البيولوجية البحتة، وفلاسفة مثاليين يرون أن في الإنسان جانباً روحياً لا يمكن اختزاله للمادة بأية صورة من الصور.

وغني عن البيان، أن هذا الانقسام لم يبق حكراً على الفلاسفة في سجلاتهم النظرية؛ بل صار مجسداً في توجهات وآليات في مناهج البحث المتبعة في دراسة الإنسان؛ إذ نجد أن هناك من يميلون إلى الاهتمام بما هو محسوس وملموس وقابل للقياس والملاحظة، وربما التجربة في حياة الإنسان النفسية والاجتماعية، ومن هؤلاء السلوكيين والتجريبيين - الوضعيون. وهناك من يميل، من جهة أخرى، إلى النظر إلى الإنسان، بصفته كائنا يُخلق ويعيش في عالم المعاني والأهداف والمشاعر والرموز التي تقبع خلف السلوكيات والإنتاجات المادية القابلة للملاحظة، ومن هؤلاء أنصار المدرسة التأويلية.

التفاتاً إلى ما تقدم، يمكن القول إن هذا التقابل بين جانبي الفعل؛ المادي والمعنوي، أو الجواني والبراني بعبارة أخرى، يمثل وجها آخر لمعضلات فلسفية قديمة حول العلاقة بين النفس والجسد، المادة والروح، والطبيعة والمجتمع. إن هذه الأزواج المتضادة من المفاهيم لم تؤسس للانقسامات الفلسفية المتعارضة فحسب، بل إنها، وفي سياق العلوم الاجتماعية قد أسهمت في إحداث شروخ في مناهج البحث المتبعة في هذه العلوم.

وقد ذكر غي روشي[18] إلى أن إميل دوركهايم يقدم تعريفاً موضوعياً للفعل الاجتماعي، عندما يحدد الطابع الاجتماعي للفعل، انطلاقاً من الإكراهات التي تمارس على الفاعلين (القهر الاجتماعي) وفق معيارية مجتمعية تضع الفرد في مرتبة التابع والمفعول به، بينما يقدم ماكس فيبر تعريفاً ذاتياً عندما يركز على المعايير الداخلية للذوات الفاعلة.

تعريف فيبر للفعل الاجتماعي يدل على ”المعنى الذاتي“ الذي يحمله بالنسبة إلى الفاعل ومحيطه، على اعتبار أنه يتواءم تماماً مع النظرة القصدية للأفعال. يقول فيبر: ”يجوز لنا الحديث عن الفعل بقدر ما أن الفرد الفاعل ينسب معنى ذاتيا لسلوكه، سواء كان ذلك السلوك خفيا أو معلنا، وسواء تمثل ذلك في تجنب أمر ما أو السير قدما نحوه. ويعد الفعل اجتماعيا إلى الدرجة التي يشتبك فيها المعنى الذاتي مع سلوك الآخرين، وفي النتيجة يقوم الفاعل بتعديل مسار فعله آخذا سلوكهم في الاعتبار“[19].

يتبدى إذن، أن الاختلاف في الاختيار المنهجي نابع من الاختلاف في تعريف الفعل الاجتماعي؛ فإذا كان دوركهايم يُناصر فكرة أن الفعل الاجتماعي تعبير سلوكي يخضع لحتمية سببية ولعلل مباشرة causes، فإن ماكس فيبر يربط الفعل الاجتماعي بالمسوغات الذاتية raisons.

ولعل من أبرز ما يطرح من إشكالات حين يتعلق الأمر بعلمية العلوم الإنسانية، إن كانت قادرة على تفسير ظواهرها كما تفسر ظواهر الطبيعة عبر كشف القوانين الثابتة المتحكمة فيها، أم إنها تقوم بفهمها عبر التأويل وفهم الدلالات والمقاصد. وعليه، يحق لنا أن نتساءل: هل لدراسة الظاهرة الإنسانية يمكن اعتماد التفسير بما هو كشف للعلاقات السببية لظاهرة ما، أم إنه لا بد من اعتماد الفهم بما هو تأويل وفهم للدلالات والمقاصد؟

يتعلق الأمر إذن ببراديغمين[20] مرجعيين: فإذا كان البراديغم التّمامي يضرب صفحاً "عن المنهج الاستبطاني Introspection وتأملاته الفلسفية"[21]، فإنه، في المقابل، نجد أن البراديغم[22] الفرداني يتميز بتحليل معيش الفاعلين l’analyse du vécu des acteurs من أجل فهم تنوع وتعقد الظواهر الاجتماعية. وهذا يقع على نقيض المقاربة الكمية التي تعتبر أن إدراك ماهية الوقائع الاجتماعية يجب أن يتم عبر عملية انفصال بين تلك الوقائع والفاعلين.

وعليه يمكن القول، إن المبادئ الفلسفية التي ينبني عليها المنهج الكيفي هي مبادئ الفنومينولوجيا والتفاعلية الرمزية. وعليه، فإن الفرد لا يعتبر مجرد "عون اجتماعي" « agent social »؛ ولكن كفاعل واعي، يفرض على عالم الاجتماع أن يدرك ويفهم المعنى الذي يضفيه على أفعاله، انطلاقاً من عملية تحليل تتوخى فهم دلالات أفعال وسلوكيات الفاعلين اعتماداً على تقنيات أساسية مثل: الملاحظة المشاركة، المقابلة، والسير الحياتية والجماعة – البؤرة، وتحليل المضمون، وغيرها من التقنيات النوعية[23].

ويمكن بيان ذلك على مستويين:

1- قواعد منهج الفهم عند ماكس فيبر

يجب، حسب ماكس فيبر، أن يكون لعلم الاجتماع منهج خاص به؛ لأن حقيقة المجتمع لا يمكن تفسيرها فقط بالعلاقات السببية كما هو الشأن في العلوم الطبيعية؛ بل تستدعي "تأويلاً تفهمياً"[24]. ويتكون هذا المنهج من القواعد التالية:

1- العلم نمط للفعل الإنساني لتحقيق هدف محدد هو المعرفة الموضوعية؛ لكن العلم، في نفس الوقت، مرتبط بمجموعة من النظم القيمية، كما أن العلم بناء غير مكتمل بطبيعته، ومن ثمة فإن معارف اليوم محكوم عليها بأن يتم تجاوزها، خاصة في مجال العلوم الإنسانية؛ لأن المجتمع يتغير باستمرار وبدون توقف.

2 – علوم الثقافة تتحدد بثلاث خصائص:

أ – تتصل بالثقافة، ومن ثمة بالبناءات الإنسانية وبالاختيارات القيمية؛

ب – إن علوم الثقافة علوم تفهمية؛

ج – إنها علوم تاريخية.

3 – تسعى العلوم الطبيعية إلى اكتشاف القوانين العامة باستعمال مفاهيم منحوتة وثابتة بعيدا عن الخصائص العارضة للمواضيع المدروسة. في حين تهتم علوم الثقافة بما هو متفرد ومميز يقترب من المعيش الحي؛

4 – علوم الثقافة علوم محايدة أخلاقيا رغم تبنيها لقيم إنسانية؛ إنها تمتنع عن إصدار أحكام قيمة؛

5 – علوم الثقافة التي تتميز عن علوم الطبيعة بطابعها التفهمي، تعتبر أيضاً علوماً تفسيرية؛

6 – تتأسس علوم الثقافة على إنشاء ”نماذج مثالية“ كبناءات ”تعديلية“ للواقع بالتركيز على عناصر، يتم افتراض كونها عناصر دالة وجوهرية على حساب عناصر أخرى يتم حذفها لكونها غير دالة (وهذا ما يسمى بمبدأ الكاريكاتور).

- النموذج الأمثل كآلية منهجية:

يستند منهج الفهم إلى ركيزة أساسية هي: النموذج المثالي - L'idéal-type

والمقصود به، ذلك الإجراء العملي- المنهجي الذي ينظر إلى الظاهرة المجتمعية نظرة كلية، باستخدام الحدس والإدراك المباشر. وفي المقابل ينظر منهج التفسير إلى الظواهر في طابعها الذري، بتفتيتها إلى أجزاء وعناصر. كما يُقصد به ذلك النموذج العقلي والمنطقي والمثالي، الصالح لوصف الوقائع المعطاة، بالتركيز على مكوناتها وسماتها وعناصرها، وإبراز خصائصها المشتركة والمميزة والمترابطة فيما بينها. كما يجسد النموذج المثالي الواقع المرصود، والذي يختزله في نموذج فكري واضح ومتسق ومنسجم. ومن ثم، فهدف الفهم هو البحث عن معنى العناصر المكونة للواقع المجتمعي، واستكشاف دلالاتها الرمزية بتأويلها وإدراكها إدراكا مباشرا. ويعني هذا أن الفهم يدرك الظواهر المجتمعية إدراكا سليما، ويحس بها إحساسا مباشرا، ويدركها دون معالجات تجريبية أو تفسيرية أو إحصائية، ودون أي استدلال أو استنتاج مباشر، وهي تظهر للعقل ظهورا بديهيا، كما لو كانت يقينا لا يضيف إليه الاستدلال شيئاً.

النموذج المثالي عند ماكس فيبر إذن هو ذلك المفهوم المجرد، أو المقولة الوصفية العامة التي تساعدنا على فهم مجموعة من الظواهر والتنظير لها، وليس من الضروري أن تكون خصائص هذا النمط متوفرة دائما، وبشكل جيد، في الظواهر الملاحظة والمدركة. ومن ثم، فهدف النموذج المثالي هو تكوين نموذج للظاهرة الاجتماعية أو منظور هادف لها.

كما أنه نتاج لعملية تركيبية لمجموعة من السمات والمواصفات لظاهرة مجتمعية ما، تكون مجردة وعامة، وتصنيفها ضمن نموذج فكري وعقلي ومنطقي متسق. فحينما ندرس، على سبيل المثال، ظاهرة البيروقراطية، فإننا ندرسها في مجالات متعددة، وفي أمكنة مختلفة، لكننا نتحدث عنها بطريقة مثالية عامة، بالتركيز على خصائصها ومميزاتها المجردة والمشتركة في عمومها، لقولبتها ضمن نموذج مفهومي ووصفي ما. أضف إلى ذلك، أن النمط المثالي هو نتيجة لمجموعة من المقارنات والعمليات الوصفية لظاهرة مجتمعية ما.

وبتعبير آخر، يعني النموذج المثالي تجريد أو تحويل الظاهرة المجتمعية المدركة والملاحظة إلى نموذج ذهني مجرد في شكل خصائص ومكونات وسمات مشتركة مجردة وعامة؛ أي: الانتقال من المحسوس إلى المجرد المثالي. فحينما يرصد الملاحظ ظاهرة مدركة ما، ومعزولة، فإنه يختزلها في مجموعة من المكونات والخصائص والسمات العامة والمجردة لبناء نموذجها المثالي والمفهومي.

وغني عن البيان، أن مقاربة الواقع الاجتماعي بوسائل منهجية لا يمكن أن يتم بمعزل عن مسلمات نظرية أساسية، والتي على قاعدتها يتأسس تمثل الكيان الاجتماعي l’entité sociale، وسلوك الأفراد والوقائع الاجتماعية عموماً؛ معنى هذا أن كل منهج يقترن بموقف فلسفي وتصور للعالم.

3- الأسس الأنطولوجية والابستمولوجية للنزعتين التمامية والفردانية

يتأطر كل منهج تحليلي ضمن وعاء ابستملوجي يستمد منه صلاحيته ووثاقته في مجال إنتاج المعرفة العلمية. كما يحيل كل منهج من المنهجين على براديغم على طرف نقيض مع البراديغم الآخر، وهذا على مستويين متكاملين:

3-1- المستوى الأنطولوجي يتصل بالعلاقة بين الفرد والمجتمع؛ فدراسة الظواهر الاجتماعية في علم الاجتماع يتوقف إلى حد كبير على تصور الكائن الإنساني ذاته في علاقته بالمجتمع. وهذه المسألة تقسم علماء الاجتماع إلى تيارين: أنصار الحتمية الذين يعتبرون أن الواقع الاجتماعي مستقل عن إرادة الأفراد من جهة، وأنصار المذهب التكويني les constructivistes الذين يعتبرون أن الواقع الاجتماعي نتيجة لسيرورات اجتماعية معقدة تتطلب فهم معناها من جهة أخرى.

بالنسبة إلى الموقف الوضعي، وبناء على أساس المنهج الكمي، فان المبدأ الأنطولوجي يتجلى في كون أن العالم الاجتماعي وجوده وجود مستقل عن الأفراد.

على النقيض من هذا التصور الذي يستمد جذوره من العلوم الطبيعية، فإن التأويليين les interprétivistes يعتبرون أن الواقع نتاج اجتماعي للفاعلين الذين يلعبون أدواراً أساسية، ويؤدون وظائف حاسمة. ومن ثم، فإن المطلوب هو فهم منظومة القيم والمعتقدات والثقافة التي تشكل أساس السلوكيات وأنماط الفعل وتفكير الأفراد داخل المجتمع. وعليه، فإنه ما دام أن الفعل البحثي يتمحور حول معقولية الدلالات والمعنى الذي ينسبه الفاعلون للأفعال الصادرة عنهم، فإن هؤلاء الفاعلين لا يمكن أن يختزلوا إلى صفات قابلة للتكميم والقياس.

3-2- المستوى الابستمولوجي أو معيار العلمية la scientificité:

بالنسبة إلى الكميين les quantitativistes، فإن السلوكيات الإنسانية يمكن أن نحللها وفقا للقوانين المتوصل إليها. يتعلق الأمر بموقف ابستمولوجي مستمد من مجال البحث في العلوم الطبيعية. في إطار هذا التصور، فإن الوقائع الاجتماعية توجد خارج إرادة الأفراد، كما أن الوقائع الاجتماعية يجب أن تدرس وتحلل كأشياء؛ لأنها تتمتع بوجود موضوعي. هنا يكمن جوهر الموقف الوضعي في العلوم الاجتماعية لتحليل السلوكيات الاجتماعية.

على النقيض من ذلك، فإن المنهج الكيفي يتصور العالم الاجتماعي le monde social كمجال يتكون بحسب الدلالة التي ينسبها الفاعلون علة الوقائع الاجتماعية. ومن ثم، فإن هدف البحث لا يكمن في تفسير الظواهر الملاحظة؛ بل إن الهدف هو فهمها بدون ادعاء إمكانية التعميم.

خاتمة:

التفاتاً إلى ما تقدم، يتبين أن التمييز بين البحث الكمي والبحث الكيفي لا يُعتبر ببساطة مسألة تتعلق بمدخلين تقنيين لعملية البحث، وإنما تتعلق بوجهات نظر متعارضة تُعتبر امتداداً لافتراضات نظرية – فلسفية. وهذا معناه: كما بيّنا ذلك، أن الخصومات المنهجية تعتبر امتداداً لمنازعات فكرية تولّدت عن إشكالية فلسفية قديمة، تتعلق، أساساً، بتمثل العلاقة بين ما هو طبيعي (مادي) في الفعل الإنساني، باعتباره حجر الزاوية في الإنسانيات، وما هو معنوي (رمزي) في الفعل نفسه.

تجدر الإشارة إلى أن وضع حد فاصل بين التفسير والفهم أصبح أمرا تقليدياً[25]؛ لأن الاتجاه التأويلي - التفهمي لا يقصي التفسير نهائياً؛ بدليل أولاً: ما انتبه إليه العديد من الباحثين ك: فان ورايت، وطوماس هوسمان، ووليام دراي، وبول ريكور، وهانس جورج غادامير، وكارل أطو آبل، وغيرهم من الباحثين الألمان بالدرجة الأولى، الذين، بعد أبحاثهم، أصبحت هذه الثنائية متجاوزة، وثانياً: ما تثبته نصوص ماكس فيبر، كأبرز ممثل لـ "السوسيولوجيا التفهّميّة"، والتي تُمثلت تمثلاً مغرقاً في السطحية[26] في الكثير من الأحيان. ومعلوم أن ماكس فيبر قد نحت مفهوماً يدمج فيه التفسير والفهم معاً، وهو مفهوم "التفسير التفهمي" -« l’explication compréhensive »[27]؛ وقد استعمله، لأول مرة، في تعريفه لعلم الاجتماع بالقول: "نعني بعلم الاجتماع ذلك العلم الذي ينتدب نفسه لفهم النشاط الاجتماعي عبر التأويل، وانطلاقاً من ذلك تقديم تفسير سببي لجريانه وآثاره".[28]

ملــــحق:

مقارنة مفاهيمية بين المنهجين

المنهج الكمي \ المنهج التفسيري

المنهج النوعي \ المنهج التفهمي

Holisme méthodologique

causes

Le « comment »

Objectivité

Distanciation

Fait social

Explication

Individualisme méthodologique

raisons

le « Pourquoi »?

Subjectivité

Actualisation

Action social

compréhension

 

لائحة المراجع

André Lalande, Vocabulaire technique et critique de la philosophie, PUF,1926

Boudon, R. (2002). Théorie du choix rationnel ou individualisme méthodologique ? Sociologie et sociétés, 34(1), 9–34

Colliot-Thélène Catherine. Expliquer/comprendre: relecture d'une controverse. In: Espaces Temps, 84-86, 2004. L'opération épistémologique. Réfléchir les sciences sociales. pp. 6-23

Dilthey, Le Monde de l'Esprit, traduction de M. Rémy, 1947

Drulhe Marcel. La sociologie entre l'explication et la compréhension. In: L'Homme et la société, N. 75-76, 1985. Synthèse en sciences humaines. pp. 23-30

Emile Durkheim, Les règles de la méthode sociologique, éd. Flammarion, 1988

Geogg Henrik von Wright, Explicación y Comprensión Versión castellana de Luis Vega Riñón, Alianza Universidad Madrid, 1980

Guy Rocher, Introduction à la Sociologie générale, Hurtubise, 1992, Canada.

Kamel Boucherf, « Méthode quantitative vs méthode qualitative ?: contribution a un débat », pp. 9-29, les cahiers du cread n°116

Jurgen Habermas, Logique des sciences sociales et autres essais, Puf, 1968.

Raymond Aron, les étapes de la pensée sociologique, Gallimard, 1967.

Paolo C. Biondi, Aristote et la méthode scientifique, Aspects sociologiques, novembre, 1993, pp. 4-9

Max Weber, « Essai sur quelques catégories de la sociologie compréhensive », in: Essais sur la théorie de la science, Traduits de l’allemand et introduits par Julien Freund, PLON, 1965

Max Weber, Economie et société, t1, Plon, 1971

الحبيب الحباشي، العلوم الإنسانية: إشكالية مناهج ودراسات استراتيجية لتحقيق مقاصد إنسانية"، تبين، العدد 30-8، خريف 2019، ص. 101- 128

رجا بهلول، "أحداث الطبيعة وأفعال الإنسان: كيف نذرك العلاقة بين الطبيعي والاجتماعي؟"، مجلة تبين، العدد 30-8، خريف 2019، ص.. 31-54

[1] انظر مادة نهج في لسان العرب. لفظ "نهج" في: أبو الفضل محمد بن مكرم (ابن منظور)، لسان العرب، بيروت: دار صادر، 2003,

[2] André Lalande, Vocabulaire technique et critique de la philosophie, PUF,1926 ,p.623

[3] إشارة إلىقولة ديكارت الشهيرة في كتابه "مقال في المنهج":

« Et ceux qui ne marchent que fort lentement peuvent avancer beaucoup davantage, s'ils suivent le droit cheminque ne font ceux qui courent et qui s'en éloignent ».

[4] Diccionario de Epistemologia, p. 176

[5] Martin Heidegger, Science et Méditation, pp. 49- 79, in: Essais et Conférences, Gallimard, 1958

[6] نفس المرجع.

[7] Paolo C. Biondi, Aristote et la méthode scientifique, Aspects sociologiques, novembre1993, pp. 4-9

[8] Emile Durkheim, Les règles de la méthode sociologique, éd. Flammarion, 1988, p. 103-104

[9] Raymond Aron, les étapes de la pensée sociologique, Gallimard, 1967, p.363

[10] Boudon, R. (2002). Théorie du choix rationnel ou individualisme méthodologique ? Sociologie et sociétés, 34(1), 9–34

[11] Drulhe Marcel. La sociologie entre l'explication et la compréhension. In: L'Homme et la société, N. 75-76, 1985. Synthèse en sciences humaines. pp. 23-30

[12] Colliot-Thélène Catherine. Expliquer/comprendre : relecture d'une controverse. In: Espaces Temps, 84-86, 2004. L'opération épistémologique. Réfléchir les sciences sociales. pp. 6-23

[13] Geogg Henrik von Wright, Explicación y Comprensión, Versión castellana de Luis Vega Riñón, Alianza Universidad Madrid, 1980 P. 17

[14] Dilthey, Le Monde de l'Esprit, traduction de M. Rémy, 1947

[15] يذهب يورغن هابرماس إلى أن ريكرت Rickert هو الأسبق، عن جدارة، إلى بيان ثنائية علوم الطبيعة وعلوم الثقافة. وذلك في كتابه:

Jürgen Habermas, Logique des sciences sociales et autres essais, Puf, 1968…p.10

" el problema metodológico de cuantificar lo cualitativo "وهو ما يُعبر عنه بالإسبانية: [16]

[17] رجا بهلول، "أحداث الطبيعة وأفعال الإنسان: كيف نذرك العلاقة بين الطبيعي والاجتماعي؟"، مجلة تبين، العدد 30-8، خريف 2019، ص. 31-54

[18] Guy Rocher, Introduction a la Sociologie générale, Hurtubise, 1992, Canada, P.625

[19] Max Weber, Economie et société, t1, Plon, 1971, p.35

[20] يتعلق الأمر ب: براديغم وضعاني وآخر تأويلي، أو، بعبارة أخرى، بتقليدين سوسيولوجيين: الأول فرنسي (أبرز ممثليه: أوغست كونت، وليفي ستراوس، وإميل دوركهايم)، والثاني ألماني (من أبرز ممثليه: ماكس فيبر، وجورج سيمل، وألفرد شوتس).

[21] الحبيب الحباشي، العلوم الإنسانية: إشكالية مناهج ودراسات استراتيجية لتحقيق مقاصد إنسانية"، مجلة تبين، العدد 30-8، خريف 2019، ص. 101- 128

[22] في معرض شرحه لمفهوم البراديغم في كتابه بنية الثورات العلمية عام 1962، يذكر فيلسوف ومؤرخ العلوم طوماس كون عنصراً مهماً في هذا التعريف، الذي كان موضوعاً لعدة تعديلات وإضافات، وهو أن هذا المفهوم يضم ويستدخل، إلى جانب القواعد المنهجية، المبادئ الفلسفية التي توحّد أعضاء المجموعة البحثية العلمية:

Thomas. S. Kuhn, La structure des révolutions scientifiques, Flammarion, Traduit de l’américain par Laure Meyer, 1970, p. 5

[23] Kamel Boucherf, « Méthode quantitative vs méthode qualitative ?: contribution a un débat »,pp. 9-29, les cahiers du cread n°116

[24] Max Weber, « Essai sur quelques catégories de la sociologie compréhensive », in : Essais sur la théorie de la science, Traduits de l’allemand et introduits par Julien Freund, PLON, 1965, p.303

تلزم الإشارة إلى أنه، كما ينبهنا إلى ذلك مترجم الكتاب جوليان فروند، من الخطأ أن ننسب لفيبر فكرة التعارض المنطقي بين "التفسير" و"الفهم" لأنه يجمع الاثنين أحياناً في ما يسميه "التفسير التفهمي" «explication compréhensive »، يُنظر مقال فيبر، نفس الصفة من الكتاب، والهامش رقم 99، ص. 456

[25] Colliot-Thélène Catherine. Expliquer/comprendre : relecture d'une controverse. In: Espaces Temps, 84-86, 2004. L'opération épistémologique. Réfléchir les sciences sociales. pp. 6-23

[26] نفس المرجع.

[27] Max Weber, « Essai sur quelques catégories de la sociologie compréhensive », in : Essais sur la théorie de la science, Traduits de l’allemand et introduits par Julien Freund, PLON, 1965

[28] Max Weber, Economie et société, t1, Plon, 1971.