الإرهاب العالمي والشباب - التجربة الأردنية: خارطة الإرهاب العالمي


فئة :  مقالات

الإرهاب العالمي والشباب - التجربة الأردنية:  خارطة الإرهاب العالمي

الإرهاب؛ مشكلة عولمّية يتحرك في فضاءات العولمة محمل بكل آلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية، ولذلك لا يمكن معالجته بالوسائل الأمنية والعسكرية والحروب فقط. وإذا كان الإرهاب مهما كان مصدره أو شكله "يستحق الإدانة، فإن الإرهاب المضاد لا يختلف عنه".

والسؤال الجوهري الذي يواجه مجتمع الدول والمجتمعات في العالم في الحقبة الحالية من العولمة هو، كيف تواجه العنف بشكل عام، والأسباب التي تحرك وتحفز وتدفع إلى الإرهاب؟ وما هي الأدوار التي يمكن أن تقوم بها الأطراف المختلفة في المجتمع، وعلى رأسها الشباب في مكافحة الإرهاب ؟

تشير إحصائيات "معهد الاقتصاد والسلام" لعام 2017 إلى أن الدول التي شهدت صراعات عسكرية عنيفة، تعرضت لخطر الإرهاب أكثر من غيرها

ثم محاولة الإجابة عن سؤال: ما هو هذا "المشروع" الذي يستطيع حشد وجمع أكثر من 40 ألف مقاتل من 80 دولة في العالم مستعدين للتضحية بالغالي والنفيس وللموت من أجله؟

إذن، هذا المشروع ليس سهلاً، أو عابراً، بل يستحق منا المزيد من التعمق والدرس الموضوعي، حتى نفهمه ونستوعب دروسه الحالية والمستقبلية.

تشير إحصائيات "معهد الاقتصاد والسلام" لعام 2017 إلى أن الدول التي شهدت صراعات عسكرية عنيفة، تعرضت لخطر الإرهاب أكثر من غيرها، وأن الدول العربية التي تأثرت أكثر بموجات ما يسمى بالربيع العربي 2010م تعرضت لعمليات إرهابيه أكثر.

وأن 99% من مجموع قتلى العمليات الإرهابية و96% من مجموع العمليات الإرهابية عالميا حدثت في الدول التي تعاني من صراعات عسكرية، والدول التي تعاني من ارتفاع معدلات الإرهاب السياسي.

وفي ظل هذا الوضع، يطرح السؤال: أين موقع الشباب في معادلة الإرهاب المعولم؟

لأنه حسب رأيي، لا يمكن اليوم وفي ظل سيرورة العولمة الطاحنة الفصل بين الإرهاب الداخلي أو المحلي والإرهاب على مستوى الدول.

الشباب والإرهاب العالمي

لقد سبق للسكرتير العام للأمم المتحدة "بان كي مون" أن أكد خلال جلسة لمجلس الأمن 23 آذار 2015م، خصصت لبحث العنف والتطرف "أن الشباب في العالم يشكلون نصف المجتمعات التي تتعرض لخطر التطرف الديني والإرهاب"

ومن المؤسف أن معظم هذه الدول هي عربية وإسلامية وعلى رأسها الآن: سوريا العراق، ليبيا، والصومال، واليمن والباكستان وأفغانستان، ونيجيريا.

وفي تلك الجلسة التي تعتبر من أهم المصادر والمؤشرات على أهمية الشباب في مكافحة الإرهاب، تحدث الأمير الشاب ولي العهد الأردني - الحسين بن عبدالله الثاني عن دور الشباب في مكافحة التطرف العنيف والارهاب، وأكد "أن الأحداث والنزاعات وتبعاتها التي شهدها العالم في العقود القليلة الماضية، جعلت أعدادا متزايدة من الشباب عرضة للوقوع في ظلمات التطرف وشراك المضللين، فالشباب هم الأكثر استهدافا بالتجنيد الطوعي وغير الطوعي من قبل الجيوش والجماعات المتطرفة والإرهابية. لذلك، لا بد من اتخاذ التدابير السريعة، لوقف تغذية نيران الإرهاب بدماء وأرواح الشباب.

وأن أكثر من نصف سكان العالم هم دون سن الــثلاثين، غالبيتهم العظمى من الدول النامية. وتشير الدراسات إلى أن الفقر والبطالة والجهل وضعف العلاقات العائلية توفر بيئة جاذبة للفكر المتطرف والأفكار الظلامية.

وإذا ما نظرنا إلى البيانات، نجد أن وضع الشباب على المحك: ففي العالم ما يقارب ثلاثة وسبعين مليون شاب عاطل عن العمل، وأكثر من أربعة عشر مليون شاب نازح أو لاجئ. كما أن غالبية ضحايا النزاعات المسلحة هم من فئة الشباب.

إن الشباب هم الأكثر تأثيرا على واقع الأمور وعلى مستقبلها، والأكثر تَأثّرا بالحاضر وظروفه، وقد تجلى ذلك واضحا خلال الأحداث الأخيرة في منطقتي العربية. وأنا شاب ضمن تلك الفئة العمرية، وأشارك في حوارات عن جيلي، وعن التحديات التي تواجهه ووجوب تمكينه.

وكثيرا ما يتم الحديث عن الشباب على أنهم شريحة مهمشة، واسمحوا لي بأن أقول إن الشباب ليسوا شريحة مهمشة، بل هم شريحة مستهدفة. مستهدفة لطاقاتهم الهائلة، لثقتهم بأنفسهم، وبأنهم قادرون على تغيير العالم. لذلك، فهم يبحثون عن فرص تُستَثمَر فيها طاقاتهم، وحين يصطدمون بغياب الفرص، يتحول طموحهم إلى إحباط تستهدفه تلك الفئات التي تبحث عن وقود لأجنداتها.

إننا في سباق للاستثمار في عقول الشباب وطاقاتهم، ويمكن للفكر الظلامي أن يصل إلى حيث لا يمكن للجيوش الوصول. فقد أعطت وسائل الاتصال الحديث كل من له صوت فرصة للوصول إلى كل أذن صاغية.

إن الشباب هم الشريحة الأكثر تواجدا على الإنترنت، والجماعات المتطرفة تبث سمومها عبر وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، لاستمالة الضحايا لدخول عالمهم المظلم، مدَّعين مخاطبتهم بالدين والثواب من خلال أفلام مسجلة بتقنيات جذابة، فينظر الشباب إلى تلك الفئات بانبهار، وبأن جرائمهم إنجازات عظيمة. علينا أن نواجه هذا الخطر الذي يستغل طاقات الشباب لبناء عالم خال من الإنسانية، وأن لا نركِّز كل طاقاتنا للإجابة عن "ماذا نفعل"، بينما روح الإجابة تكمن في "كيف نفعل".

ولذلك، فعلينا تمكين الشباب من خوض معركة المستقبل بأنفسهم، بإعطائهم الأدوات ليخاطبوا جيلهم من خلال منصات التواصل الإلكتروني، ليشكلوا شبكات فكرية وتحالفات عملية تصل هذا الجيل، وتقود الرأي الشبابي والفكر المبني على التعايش واحترام التنوع ونبذ العنف.

وأعلن الأمير عن استعداد وترحيب المملكة الأردنية الهاشمية لاستضافة المؤتمر الدولي الأول حول "دور الشباب في صناعة السلام المستدام" بالشراكة مع الأمم المتحدة في شهر آب 2015م، لتعزيز قدرات "الشباب صناع السلام" في مواجهة التطرف والإرهاب.

وأؤكد أن شباب اليوم بحاجة إليكم، فأنتم من يرسم السياسات التي تؤثر في السلم والأمن الدوليين، ومن يتخذ القرارات التي من شأنها أن تُشرك الشباب في عملية البناء بدلا من أن يكونوا هدفا للعنف والدمار. وجيلكم هو المسؤول عن رسم سياسات التعليم والتنمية والاقتصاد.

فأمامنا اليوم أكبر جيل شاب عرفه التاريخ، وأكبر فرصة لبناء وتمكين مجتمعات قانونها العقل، ودستورها الأخلاق، ومبادئها السلام والمساواة، الاحترام والحوار، العيش المشترك وتقبل الاختلاف، فتلك هي أسس إنسانيتنا المشتركة"([1]).

ويشهد العالم اليوم، أعلى مستويات التشريد أكثر من أي وقت مضى، حيث شرد 59.5 مليون شخص في جميع أنحاء العالم من أوطانهم. ومن بين هؤلاء، هناك ما يقرب من 20 مليون لاجئ، أكثر من نصفهم تحت سن ال 18 واعتبارا من منتصف شهر آذار عام 2016، سجلت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 2.1 مليون سوري لاجئ في مصر والعراق والأردن ولبنان، وسجلت الحكومة التركية 1.9 مليون سوري، وسجلت المفوضية أكثر من 28 ألف لاجئ في شمال أفريقيا. وكان هناك ما يقرب من 900 ألف طلب لجوء من السوريين في أوروبا بين 2011 و 2015.

ولعل ما يزيد من قتامة هذا المشهد، الوقوف على حقيقة أن نصف الشباب العربي حسب الاستطلاعات الحديثة يفكر بالهجرة إلى الخارج خاصة أوروبا، وأعدادا أخرى هاجرت أو اضطرت إلى الهجرة القسرية واللجوء نتيجة الحروب والصراعات العنيفة في العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال وأفغانستان.

والخطير في الأمر، أن هذه البيئة تشكل مجالاً مناسباً لاستهداف فئة الشباب من قبل الجماعات الإرهابية التي تستغل حالة الضعف والإحباط والغضب والتمرد الذي تشكله مآسي الحروب والصرعات للتجنيد ونشر إيديولوجيتها.

وعلى الرغم من أنه لم يثبت أن هناك علاقة بين زيادة الهجرة واللجوء وزيادة العمليات الإرهابية خاصة في الغرب، إلا أن انتشار الشعبوية واليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا زاد من وتيرة الإسلاموفوبيا والخوف من الأجانب وفي مقدمة هؤلاء فئة الشباب.

وتؤكد بعض الدراسات - دراسة رند- أن الفقر والحرمان المادي لهما أثر أقل على درجة التطرف بالمقارنة مع ما يتخذه البلد المستضيف للاجئين والمجتمع الدولي من أفعال أو ما يمتنعان عن اتخاذه من الأفعال.

ولا شك في أن الجماعات الإرهابية تركز على تجنيد "شباب" لاجئين غالبا ما تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاما، ويمكن أن يبدأ التطرف قبل سن 15 عاما. وتزداد هذه المخاطر إذا لم يكن أمام الشباب سوى فرص قليلة للتعليم ما بعد المستوى الابتدائي، وإذا كانوا يشعرون بالتمييز، أو إذا كانت الجماعات المتطرفة تقدم التدريب.

إن التطرف العنيف والغلو الديني كانا وراء معظم العمليات الإرهابية في العالم، رغم الرطانة الواسعة والدفاع المستميت عن قيمة التسامح في الأديان عامة

إن المقاربة التي تدعي أن الشباب الذين تجذبهم الجماعات الإرهابية أو ينتمون لهذه التنظيمات، يتعرضون لغسل دماغ أو أنهم فقراء معدمون لا يجدون قوت يومهم وعاطلون عن العمل أو مهمشون؛ هي مقاربة مظللة وخاطئة تنزع عنهم الحافز والإدارة والتخطيط وحرية الإرادة والعقلانية، ولا تساعد أبدا في فهم وتحليل أسباب توجه الشباب للتطرف والإرهاب.

وتشهد حقبة الإرهاب العالمي الحالية كثيراً من الاتجاهات الجديدة والمميزة، منها أن؛ دولاً مثل (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والسويد والنرويج والدنمارك) أصبحت تُصدّر المتطرفين والإرهابين الإسلاميين الشباب ذكورا وإناثا إلى مناطق الصراع التي فتحت ثورات الربيع العربي أبوابها، وخاصة في العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال.

ولا يحتاج المتابع لهذا المشهد السوريالي لكثير عناء ليلحظ ما يلي:

1. أن التطرف العنيف والغلو الديني كانا وراء معظم العمليات الإرهابية في العالم، رغم الرطانة الواسعة والدفاع المستميت عن قيمة التسامح في الأديان عامة.

2. أن معظم أعضاء الجماعات الإرهابية في العالم هم من الشباب، وخاصة في جماعات مثل القاعدة وداعش مقارنة بجماعات اليمين المتطرف في أمريكا وأوروبا.

3. أن فئة الشباب من سن 17الى 27 هم غالبية المنفذين للعمليات الإرهابية والانتحارية في العالم، سواءً من جماعات تدعي الاسلام أو من جماعات اليمين المتطرف في الغرب أو أسيا.

4. أن الجماعات الإرهابية على مختلف أشكالها وإيديولوجيتها تركز على أهمية تجنيد فئة الشباب في عملياتها المختلفة.

5. أن تنظيم داعش يعتمد في تجنيده على طلبة الجامعات أو المدارس الثانوية لاتصالهم الدائم بالإنترنت ولنشاطهم المستمر بوسائل التواصل الاجتماعي، وأيضا لسهولة السيطرة على عقولهم من خلال تقنيات نفسية محددة برعوا فيها، وأهم الأساليب النفسية المستخدمة من قبل داعش للسيطرة على العقول الشباب هي تقنية الإكراه أو ما يسمى تقنية التلاعب النفسي. ومن خلال هذه التقنيات النفسية تتلاعب داعش بعقول الشباب وخاصة المراهقين لتجندهم ضمن صفوفها كإرهابيين، وبذلك فإن ما يقوم به هؤلاء لا يعد خيارا بالنسبة إليهم، فهم غير مدركين ذهنيا أنهم متورطون بعمليات قتل وذبح؛ لأنه وبفضل تقنيات مسح الدماغ التي مورست على عقولهم بدرجة كافية، تجعلهم يقومون بعملية ذاتية تخيلية دائمة، وهو ما يسمى (projection) والذي يجعلهم يظنون أنهم يجاهدون ويقاتلون في سبيل أهداف نبيلة كإيجاد مدينة العدل الكاملة، والقضاء على الكفرة وإبادتهم، وإقامة الخلافة.

6. إن نحو 40% ممن تجندهم الجماعات الإرهابية هم من الطلبة والتلاميذ المتفوقين، الدارسين للاختصاصات العلمية. وأغلب من تم تجنيدهم وفق الكثير من الدراسات المتخصصة تتراوح أعمارهم ما بين 15 و30 سنة.

7. تؤكد بعض الدراسات أنه لا يوجد “نموذج” عام يحمي من الانخراط في العمل الإرهابي. ما يعني أنه لا توجد دولة في العالم بمعزل عن الإرهاب وتورط شبابها في هذه التنظيمات الإرهابية.

8. أن الدول التي تعتبر الأكثر تسامحا وانفتاحا وديمقراطية في العالم على غرار الدنمارك، والنرويج، والسويد، وهولندا بلجيكا، هي أكثر الدول التي صدرت مقاتلين إسلاميين مقارنة بعدد سكانها إلى ساحات القتال في سوريا.

9. تركزت اختراقات التنظيمات الإرهابية لمؤسسات التعليم في بعض الدول على تخصصات وأنشطة أكاديمية محددة لأهميتها وفائدتها اللوجستية والمستقبلية لتلك التنظيمات من جهة، وعلى طلبة محددين، سواء لتفوقهم الدراسي أو لانتمائهم المذهبي أو الجغرافي، حيث لوحظ تركيزها على استقطاب الطلبة والتلاميذ المتفوقين في اختصاصات علمية مثل الطب والفيزياء والكيمياء والهندسة الإلكترونية وتجنيدهم في شبكات وخلايا تتولى بعد إخضاعهم لعملية غسل دماغ تسفيرهم للقتال في صفوف - التنظيمات الإرهابية - ليستفيدوا من مهاراتهم في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت وصناعة المتفجرات والتمريض.

الإرهاب والشباب في الأردن

كيف انعكس الإرهاب العالمي على الأردن والشباب، وتاريخ الإرهاب في الأردن. واضعين في الاعتبار حقيقة أن الأردن منخرط بعمق في سيرورة العولمة، خاصة السياسية والاجتماعية وهو يحتل المرتبة (45) على مؤشر العولمة لسنة 2018م الذي يصدره معهد الاقتصاد السويسري في زيورخ (KOF)([2]).

لقد بلغ عدد العمليات "العمليات "الإرهابية في الأردن خلال الفترة ما بين 1970-حتى آخر إحصاء تاريخ 31-12-2018) ما مجموعه (132) عملية إرهابية، نتج عنها ما مجموعه (156) حالة وفاة، وما مجموعه (292) جريحاً.

وكانت نسبة العمليات التي نفذها تنظيم داعش (7.9%) من المجموع الكلي للعمليات، والذي أخذ باستهداف الساحة والمصالح الأردنية منذ 9-11-2015م. وأصبح الأردن عرضة لاستهداف الجماعات الإسلامية منذ أواخر شهر 28 أبريل - نيسان 1990م([3]).

واحتل الأردن عام 2018م المرتبة (60) دولياً، وبنسبة (.4043) من عشرة، على "مؤشر الإرهاب العالمي" الذي يصدره "معهد الاقتصاد والسلام" في سيدني الذي يقيس آثار الإرهاب في (163) دولة في العالم خلال الفترة من 2000م - 2018م.

وهو ما يعطي مؤشرا على خطورة ظاهرة الإرهاب في الأردن من حيث إنه يدل على أن الأردن يحتل موقع متوسط في العدد الكلي للدول التي شملها مؤشر الإرهاب وهي 163 دولة، ومن ناحية أخرى يشير إلى نسبة الإرهاب على مقياس من صفر إلى عشرة، والتي بلغت ما نسبته (3.78).

وكما سبق أن أشرت، فإن الجماعات الإرهابية تستهدف فئة الشباب، ومعظم الذين ارتكبوا عمليات إرهابية على طول عمر الظاهرة كانوا من الشباب، سواءً ذكوراً أم إناثاً خاصة في الجماعات القومية واليسارية، واليوم تشير الإحصائيات إلى أن نسبة الشباب في تنظيم داعش تتجاوز 90%

ووفقا لتقرير نشره "المركز الدولي لدراسة الراديكالية" التابع لجامعة كينغز كوليج - لندن فإن هناك حوالي 41,490 ألف شخص أجنبي التحقوا بتنظيم داعش خلال الفترة 2013-2018م.

وتشير البيانات والإحصائيات (شبهة رسمية) إلى مشاركة حوالي 1250 شاب أردني في ساحات القتال في سوريا، سواء مع تنظيم داعش أو النصرة وغيرها من التنظيمات.

في حين تؤكد إحصائيات لمراكز دراسات غربية ومكتب مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة أن عدد الأردنيين يتراوح ما بين 3000- 4000 مقاتل، ما يعني أن الأردن ربما يكون الدولة العربية الأكثر تصديراً للمقاتلين مقارنة بعدد السكان متفوقة على تونس والسعودية ومصر.

من هنا يأتي خطر الإرهاب؛ من حقيقية ارتباطه وتأثره الواسع والعميق بفئة الشباب خاصة المتعلمين من مختلف التخصصات وتحديداً العلمية.

ونعلم جميعاً؛ بأن المجتمع الأردني مجتمع شاب ومتعلم، فعدد الأردنيين 2018م بلغ (10) مليون نسمة معظمهم من الشباب ما دون سن 30، وبنسبة 70 % من مُجمل السكان، وما بين سن 15-24 بنسبة 22 % من مجمل السكان حسب تقديرات دائرة الإحصاءات العامة.

وتتوقع دائراة الإحصاءات العامة، أن يصل عدد سكان الأردن الى 13 مليون عام 2030م حيث يتوقع أن يصل إلى "الفرصة السكانية" أو ما يسمى "النافذة الديمغرافية".

كل هذا يأتي في ظل ظروف صعبة تواجه فئة الشباب، حيث تصاعدت نسب البطالة بين الشباب، وتعاني فئة الشباب المتعلم نسب بطالة عالية تقدر بـحوالي 61 % من مجمل العاطلين عن العمل للفئة العمرية 20-29 سنة، منهم 43 % من ذكور، مما جعلهم عرضة للهشاشة والفقر أو الفشل في توفير المعيشة لعائلاتهم. وهذا عوامل اقتصادية – قد - تؤدي إلى جعلهم أهدافاً سهلة للتطرف العنيف وفئة مستهدفة للتجنيد من قبل الجماعات الإرهابية أو حتى الجريمة والانحراف من خلال آليات العولمة التكنولوجية، خاصة وسائل التواصل الاجتماعي.

وبالعودة إلى آخر عملية إرهابية جرت في الأردن حينما تعرض لعمليتين إرهابيتين؛ الأولى في مدينة الفحيص بتاريخ 10 آب -والثانية في مدينة السلط بتاريخ 11 آب-أغسطس 2018م. نتج عنهما مقتل (5) من رجال الأمن، و(3) من الإرهابين، وجُرح ما مجموعة (16) آخرين.

وعندما قامت "دائرة المخابرات الأردنية"، بتاريخ (13 أيلول - سبتمبر 2018م) بالكشفِ عن هوية أفراد الخلية تبين أنها مكونة من (7) أفراد جُميعهم من فئة الشباب تحت عمر 30 سنة، وجميعهم - باستثناء واحدٍ - متعلمين ولديهم خبرات تقنّية، وعلمية في المتفجرات والهندسة، والحاسوب.(3) يحملون شهادة البكالوريوس، و(3) منهم يحملون دبلوم هندسة من كلية البوليتكنك، (2) منهم هندسة ميكانيك، والثالث هندسة مدنية.

دور الشباب في مكافحة الإرهاب

الآن وبعد هذا العرض الوصفي لحالة الشباب سواء في العالم أو الأردن، فماذا يستطيع الشباب فعله في معركة الأفكار ومحاربة التطرف العنيف ومكافحة الإرهاب، وما هي الأدوار التي يمكن أن ينشطوا من خلالها؟

إن مؤسسات التعليم العالي تتحمل دورا كبيرا في مكافحة الإرهاب والتطرف من خلال الدور التنويري التثقيفي للطلبة والمجتمع بكافة مكوناته

وهنا؛ لا بد أن أشير إلى أن وضعية الشباب خاصة في الدول التي تعاني من الصراعات والحروب والأزمات السياسية والاقتصادية، مثل الأردن محكومة بحراك وآليات العمل في تلك الدول، وبالتالي فإن مجالات النشاط قد تبدو ضيقة وصعبة، لأن الشباب يكون محكوما أولاً بإيجاد حلول لمشاكله الذاتية الخاصة به وبعائلاته، ولا يستطيع التحرك خارج إطار تعاون المشترك بين بنى المجتمع ومؤسسات الدولة، وكثيراً ما يجد نفسه مكبلا بسلاسل الثقافة الشعبية السائدة.

وفي هذا المجال، تعتبر المدرسة خاصة في المراحل إعدادية والثانوية أهم الأماكن التي يجب التركيز عليها في نشر الوعي حول هذا الملف، فالطلبة في بداية التشكيل والانفتاح الذهني، لذلك يجب تعريفهم بخطورة الإرهاب، وتتم هذه التوعية من خلال التركيز على المناهج الدراسية المقررة للطلبة في عدة مراحل دراسية ولمختلف المواد وتعزيز ثقافة الحوار وقبول الآخر وآليات الفكر النقدي. خاصة إذا كانت هذه التوعية تنقل من خلال المدرسين الشباب أيضاً.

كما إن مؤسسات التعليم العالي تتحمل دورا كبيرا في مكافحة الإرهاب والتطرف من خلال الدور التنويري التثقيفي للطلبة والمجتمع بكافة مكوناته، والتركيز على نقد وكشف سلبيات الأفكار المتطرفة التي تؤدي إلى الإرهاب. وتشجيع الطلبة على العمل التطوعي والمبادرات الفردية والجماعية التي تشجع على ثقافة الحوار والنقد والتواصل. وتشجيع تأسيس الأندية الجامعية المختصة بالعمل المجتمعي التطوعي.

ونظراً للدور الخطير والحيوي الذي باتت تلعبه آليات العولمة التكنولوجية، خاصة وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الإرهاب والتجنيد والدعم اللوجستي والدعاية، فإنه بإمكان الشباب من خلال العمل التطوعي التعاون مع بعضهم البعض النشاط والتحرك المضاد من خلال تشكيل مجموعات ومبادرات بالاشتراك مع مؤسسات المجتمع المدني لمكافحة الإرهاب ومحاربة التطرف العنيف.


 

[1]- خطاب الأمير الحسين بن عبدالله الثاني خلال جلسة مجلس الأمن الدولي

https://www.alhussein.jo/ar/media/press-releases/خطاب-سمو-الأمير-الحسين-بن-عبدالله-الثاني-خلال-جلسة-مجلس-الأمن-الدولي

[2]- Gygli, Savina, Florian Haelg, Niklas Potrafke and Jan-Egbert Sturm (2019): The KOF Globalisation Index – Revisited, Review of International Organizations, https://doi.org/10.1007/s11558-019-09344-2.

[3]- -سعود الشرفات (2019) الإرهاب في الأردن، دراسة غير منشورة