"الإسلام بين الدولة الدينيّة والدولة المدنيّة" خليل عبد الكريم، سينا للنشر، القاهرة، 1995، 231 ص.


فئة :  قراءات في كتب

"الإسلام بين الدولة الدينيّة والدولة المدنيّة" خليل عبد الكريم، سينا للنشر، القاهرة، 1995، 231 ص.

1- يوضّح المؤلف في مقدّمة الكتاب أنّ هدفه الأساس هو نزع "القداسة الزائفة" التي طالت بعض المفاهيم، والتي يتمّ تداولها دون تدقيق أو تمحيص، من قبيل:

- القول بأنّ "الشورى هي الطبعة الإسلامية، أو هي البديل الإسلامي للديموقراطية، مع أنّ الشورى نظام وُلد في بيئة معيّنة، ثم استجدّت موجبات عديدة حتّمت تخطيه"، لا سيما فيما يتعلق بالشعائر، أو الأحوال الشخصية، أو الأمور العسكرية، أو الشؤون الاقتصادية، أو النظريات السياسية، أو ما سواها. فصلاة الخوف مثلاً، أو صلاة الكسوف، أو قسمة الغنائم على المحاربين، أو تحريم التصوير ولعنة المصوّرين، أو منع سفر المرأة بغير ذي رحم محرم، أو النهي عن السفر بالمصحف خارج دار الإسلام، أو تقسيم الكرة الأرضية إلى دار إسلام ودار حرب، وما سوى ذلك، لم تعد مسايرة لتطورات واقع الحال كما يقول الكاتب.

ويتابع قائلاً: وبالتالي، فالتسليم بها، إنما هو مظهر من "مظاهر الأزمة الحادة التي يعاني منها الفكر الإسلامي المعاصر". من هنا، ضرورة الانعتاق من قيود هذه المفاهيم/المسلّمات، لأنّ من شأن ذلك أن "يثري الفكر الإسلامي، ويضيف إلى الإسلام ذاته قوة وحيوية وعافية تزيل عنه علامات الشيخوخة التي بدأت تظهر على وجهه كتجاعيد وتشققات وجفاف".

ـ والقول بأنّ "الإسلام سبق كل نظرية"، سواء في علوم التجريب أو العلوم الإنسانية، في حين أنه دين هداية وأخلاق ومواعظ ..."لم يكن ضمن رسالته اختراع نظريات علمية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية...إلخ"، بل يلاحظ الكاتب "أنّ العلماء المسلمين الذين ساهموا في صناعة الحضارة الإسلامية، لم يدّعوا أنّ ذلك تأتّى لهم من وحي النصوص (وكانوا قريبي العهد بمرحلة التأسيس)، بل تأتّى لهم نتيجة الملاحظة والتجريب والسبر والاختبار".

ـ والقول بأنّ الحريّات الشخصية والسياسية والاعتقادية والفكرية والإبداعية "مطلقة"، في الأديان الإبراهيمية الثلاثة، في حين أنها ليست كذلك، بل هي مقيّدة ومقنّنة، ولم تمنح، بل تمّ إدراكها مقابل تضحيات جسيمة.

ويخلص الكاتب، من جهة أخرى، إلى أنّ الشورى تحديداً، كانت مرتبطة ببيئة معينة، وظهرت في مجتمع مغاير كانت ملائمة له، وأنه "قد آن الأوان للأخذ بالديموقراطية، حتى ينصلح حالنا، مثلما حدث مع الأمم والدول التي تمسكّت بها، مع الوضع في الاعتبار أنه ليس من الضروري أن تكون ديمقراطيتنا نسخة كربونية، بل ما نعنيه هو روح الفكرة وجوهرها. أمّا الأنماط، فمن الطبيعي، بل من البديهي أن تتمايز".

ثم إنّ الشورى، بنظر الكاتب، غير ملزمة، ولمّا كانت كذلك، فإنها لم تسهم في تقييد الإرادة المطلقة للحاكم، والحؤول دونه ودون التحوّل إلى طاغوت ديكتاتور. في هذه النقطة يُحذّر الكاتب من التجمّد في فهم النصوص، أو"التعبد بها"، باعتبار ذلك "الوجه المقابل لجحود فضلها، لأنه نكران للمغزى الذي استهدفته وتغيّته".

2- ينقسم الكتاب إلى أحد عشر فصلاً، أفردها المؤلف لإثارة العديد من القضايا الإشكالية المطروحة التي ارتأى ضرورة معاودة التوقف عندها:

* في الفصل الأول "الإسلام بين الدولة الدينيّة والدولة المدنيّة"، يبدأ المؤلف بالقول إنّ "الإسلام كدين لم يعرف الدولة السياسيّة"، لأنه ليس من وظيفة الدين إنشاء دولة سياسية. والإسلام في ذلك بنظره، إنما سار على نهج باقي الديانات السماوية، والرسول (ص) "لم يشر مجرد إشارة عابرة إلى كيفية إنشاء الدولة، أو تنظيم الحكم من بعده. وهذا مرجعه إلى أنها لم تكن من ضمن مهامّه كرسول ونبيّ".

يقول الكاتب: لو كان ثمة آية أو حديث في خصوصية الدولة "لبادر الصحابة إلى ذكرها، والاستشهاد بها"، وهم الذين لازموا الرسول (ص) منذ نزول الوحي عليه. ويعتقد، إلى جانب ذلك، بأنّ الدولة التي أنشأها الرسول (ص) بالمدينة، إنما كانت دولة دينيّة بامتياز. ويضيف الكاتب:

الدولة الدينية "يختار رأسها الله جلّ جلاله، بينما الدولة السياسية ينتخب الشعب أو الحزب رئيسها...أو يرث الملك عن أبيه...أو يُستولى على السلطة بانقلاب دموي أو أبيض".

في الحالة الأولى، يقوم على رأس الدولة نبي موحى إليه، وفي الحالة الثانية بشر عاديّون. رأس الدولة الدينية يوحى إليه بالحلول، في حين أنّ رأس الدولة السياسية يستوظف في ذلك عقله وتفكيره وخبراءه ومستشاريه. كما أنّ طاعة الأول فرض، بل هي محك الإيمان، على عكس الأمر في حالة رأس الدولة السياسية، حيث "لا صلة فيها بين طاعة المحكوم للحاكم وبين إيمانه، وعصيانه لا يقدح في دينه". وكذلك بالنسبة لمسألة القداسة التي يتكئ عليها الأول، بحكم الكتاب المنزل، وغيابها عن رأس الدولة السياسية، على اعتبار ارتكاز السلطة هنا على الشعب وإرادته، أو على القوة والبطش والاستبداد.

ثم إنّ "الكتاب المقدس الذي أنزله الله على رأس الدولة الدينية خالد، لا يتغير حرف منه، أزلي أبدي...حتى رأس الدولة الدينيّة ذاته لا يستطيع أن يضيف إليه، أو يحذف منه شيئاً، ولكنه يقبل التأويل ويتسع للتفسير. أمّا في الدولة السياسية، فإنّ الدستور الذي صنعه الشعب مُعرّض للصواب والخطأ، وفيه الحق والباطل، وتجوز الإضافة عليه والحذف منه والتحوير فيه والتغيير والإحلال والتجديد...ولا يعرف القداسة ولا التعالي، فهو يجهل الأزليّة ولا يطمح إلى الأبديّة...متحرك، متطور...لأنّ الحياة نهر متدفق، وهو يحاول أن يواكب هذا الجريان والسيرورة".

ورأس الدولة الدينية يعيّنه الله، فلا يجوز عزله، أو الحدّ من سلطات مُنحت له، في حين أنّ رأس الدولة السياسية، بالإمكان عزله وتحديد سلطاته. ثم إنّ مدة الأول لا تنتهي إلا بموته، في حين مدة الثاني "محددة بالدستور والقانون". ورأس الدولة الدينية لا يبتغي إلا مرضاة الله، في حين يبحث رأس الدولة السياسية عن رضى شعبه عنه، وإلا تمّ خلعه من منصبه ديمقراطياً أو بالقوة.

هذه ـ في نظر الكاتب ـ هي الفروق الأساسية القائمة بين طبيعة الدولتين، والتي تدلّل بالقطع على أنّ الدولة الدينية، إنّما هي نوع خاصّ من أنواع الدول.

إنّ وفاة الرسول (ص) قد دشّنت ـ برأي الكاتب ـ انتهاء هذه الدولة وانقطاع شكلها، وأصبح للناس بانقطاعها "الحق في إنشاء دولهم السياسية التي تتوافق مع ظروفهم، ومتطلبات حياتهم، وموجبات مجتمعهم". أمّا صبغ بعض الحكام لنظم حكمهم بصبغة الدولة الدينيّة، فإنما ذلك للاستفادة من مزايا هذه الأخيرة، لا سيّما فيما يتعلق بالعصمة والقداسة، ومن ثمّ الطغيان والاستبداد.

من هنا، يؤكد الكاتب على أنّ الإسلام لم يعرف الدولة الدينيّة إلا بالمدينة المنورة في عهد الرسول (ص)، ولم يعرف في حينه الدولة السياسية، "التي هي من صنع البشر ينفذونها بوحي من عقولهم وتفكيرهم، مستهدين في ذلك بكافة العوامل الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية التي تحرّك مجتمعهم".

* في الفصل الثاني "جذور العنف لدى الجماعات الإسلامية: مثال جماعة الإخوان المسلمين"، يؤكد الكاتب على أنّ ظاهرة عنف الجماعات الإسلامية ليست بالضرورة ذات طبيعة اجتماعية، بل عنفها (العنف الديني) ذو خصوصية محددة، ترتبط بالمنتمين لهذه الجماعات وتشبثهم بمقولتين اثنتين:

- الاصطفائية، ومفادها أنّ الله تعالى اصطفى رسوله وأمّته من بعده، وسيستمر ذلك إلى يوم الدين.

- الحقيقة المطلقة التي مفادها أنّ الدين المعتنق دون ما سواه من أديان، هو مكمن "الحقيقة المطلقة في كافة الشؤون".

ويعتقد الكاتب، بالبناء على ذلك، أنّ جماعة الإخوان المسلمين هي من تلك الحركات التي ارتكزت في أدبياتها على هذين الأمرين. ويعتقد أيضاّ بأنه على الرغم من الوجه المسالم الذي كانت تظهر به؛ فقد كانت "بذرة العنف" إحدى المكوّنات الرئيسة في فكرها، "لكنها كانت مستترة كنوع من التقية، وكانت بنداً أساسياً من بنود الخطّة، التي كان مقرراً لها أن تتمّ على مراحل". ويلاحظ المؤلف أنّ الاصطفائية واحتكار الحقيقة يختلطان بقوة في وثائق الجماعة وأدبياتها، بل إنّ مرشدي الجماعة كانوا بناء على مبدإ الحقيقة المطلقة، يطلبون من الملتحقين الجدد التخلّص من ولاءاتهم السابقة للأشخاص والأفكار معتبرين فكر الجماعة الأسمى والأعلى.

ثم إنّ الهضيبي ذاته (المرشد الثاني للجماعة) "يسوّي بين دعوة الجماعة ودعوة الرسول (ص)، ولم يقل إنها مقتبسة منها، أو تسير على هديها، أو تنسج على منوالها، بل هي دعوة الرسول ذاتها، وأنها عين الحق والإيمان والمعروف والعقل والخلق القويم والإنسانية الفاضلة...وما سوى ذلك باطل يجب مصارعته ومحاربته".

من هنا، فإنّ دعوة الإخوان المسلمين إنما هي، برأي الكاتب، تماهٍ كامل مع "الإسلام في صورته النقيّة الخالصة"، وهو ادعاء بالغ الجرأة بنظر المؤلف، "فلم نسمع عن الأئمة الأعلام، مثل أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم، أنهم ادّعوا مثل هذا الادعاء البالغ الجرأة، ولم يقل واحد منهم، إنّ مذهبه مساوٍ لدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام...وهذا مرجعه إلى أنهم لم يكونوا أصحاب مطامع سياسية، ولم يسع أيّ منهم إلى كراسي الحكم".

ويضيف الكاتب: وهكذا نلاحظ أنّ ادعاء الجماعة ومرشديها امتلاك الحقيقة المطلقة، والتميّز بالسمو والاستعلاء على الغير، "وأنهم حاملو كلمة الله الذي تعهّد لهم بحفظها"، سيحول دونهم ودون "الحوار الديمقراطي أو المجادلة بالتي هي أحسن، لأنّ الآخر في نظرهم ينطق عن الهوى، ويرتع في الضلال، ويتخبّط في الظلام، ويأمر بالمنكر... وينقصه العقل، ويفتقر إلى الخلق القويم...". ويلاحظ المؤلف أنه لهذا السبب لا دواء لذلك الآخر بنظر الجماعة إلا دواء السيف: للمسلمين الذين لا يعتنقون أفكارهم، ولغير المسلمين، وهو ما تكفل به، برأيه، نظامهم الخاص المشهور إعلامياً بـ"الجهاز السرّي".

* في الفصل الثالث "خيار القوة المسلّحة لدى الجماعات الأصولية الإسلامية المتطرفة... تاريخيته وسنده"، يتحدث المؤلف عن الحركات الإسلامية السياسية المتطرفة بمصر والجزائر وتونس والأردن واليمن والسعودية التي تريد "إقامة دولتها بقوة السلاح".

بهذا الجانب، يميّز المؤلف بين الدعوة إلى الله وإلى سبيله (وهو ما يتمّ بالمواعظ والخطب المنبرية)، وبين "الإصرار على إقامة دولة تطبق الشريعة الإسلامية في بلاد تدين بالإسلام، ولكنها لا تسير على شرعه، وهذا لا يتمّ إلا عن طريق القوة المسلحة".

ويلاحظ الكاتب أنّ الحركات الإسلامية من هذه الطينة، تنظر إلى قتال أهل الكتاب، باعتباره أمراً إلهيّاً، لا يكفّ عنه إلا في حالتين: أن يعتنق اليهود والنصارى دين الإسلام، أو "أن يعطوا الجزية عن يد، وهم صاغرون". هذه الحركات، في رأيه، ليست بحاجة إلى مسلمين إضافيين، بقدر حاجتها لإقامة "الدولة الإسلامية على دار الإسلام"، ويضيف: "وعلى دار الكفر أيضاً". بالتالي، فإنّ الذين يحاورونها أو يطالبونها بتغيير لهجتها والدعوة للدين بالحسنى، إنّما "يجهلون طبيعتها وبنيتها وكينونتها، والرسالة التي نذرت نفسها لتحقيقها".

فجماعة تنظيم الجهاد في مصر مثلاً، تقول بـ"إقامة الدولة الإسلامية، وإعادة الخلافة التي بشّر بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، هذا فضلاً عن كونها أمراً من أوامر المولى ـ جلّ وعلا ـ، واجب على كل مسلم بذل قصارى جهده لتنفيذه". ولمّا كانت إقامة حكم الله في الأرض فرضاً على المسلمين، فإنّ قيام الدولة الإسلامية فرض على المسلمين أيضاً، حسب ما تقوله أدبياتها. ومن أدبيات تلك الحركات أنّه "لمّا كان الحكّام هم الذين يقفون حجر عثرة أمام إقامة الدولة الإسلامية، فإنّ قتالهم والجهاد ضدهم أمر واجب".

* في الفصل الرابع، "إرهاب الجماعات الأصولية المتطرّفة في ميزان الإسلام"، يتحدث المؤلف عن المسيحيّة التي تجعل من البابا نائباً عن عيسى عليه السلام، في حين يلاحظ أنه لا الأزهر ولا الزيتونة ولا كبار علماء السعودية يمثلون الإسلام أو ينوبون عن الرسول (ص). ومع ذلك، يؤكّد المؤلف أنّ فتية وأمراء "جماعات العنف والإرهاب"، يصنّفون أنفسهم نواباً عن الله والرسول، ويعطون بالتالي الفرص لأعداء الإسلام ليلصقوا به أفظع التهم والألقاب.

هذه الجماعات، كما يقول، ليست تعبيراً عن ثورة "فكرية"، بقدر ما هي تعبير عن حركات احتجاجية سياسية واجتماعية نابعة من طبقات ضعيفة ومقهورة وفقيرة، وهي تدّعي أنها تريد إقامة حكومة دينية في الأرض، من خلال رفع شعار "الحاكمية لله"، وهو أمر مجانب للحقيقة، بنظر الكاتب، على اعتبار أنّ "الحكومة الإلهية" أو "الحكومة الدينية"، هي "مدينة الله" التي حكم بها الرسول (ص) بهدي من الحق تعالى، وبوفاة الرسول انتهت هذه الحكومة.

إنّ إرهاب هذه الجماعة ينقسم، برأي الكاتب، إلى ثلاثة اتجاهات:

1- "الإرهاب الموجّه ضدّ الحكام"، ويستشهد فيه بقول محمد بن عبد السلام فرج (من قياديي الجماعة الكبار)، حينما يقول: "إنّ بعض حكّام هذا العصر في ردّة عن الإسلام، تربوا على موائد الاستعمار، سواء الصليبية الشيوعية أو الصهيونية؛ فهم لا يحملون من الإسلام إلا الاسم". ويستشهدون أيضاً بالقول بـ"أنّ هؤلاء الطواغيت الذين يحكمون بلاد المسلمين بغير شرعة الإسلام يجب القيام عليهم، ولا يصحّ ولا يجوز للمسلمين بحال، أن يباركوهم على عروشهم.

ويلاحظ المؤلف أنّ هذا القول مبالغ فيه، تماماً كما هو مبالغ فيه القول بنفاق علماء الدين الرسميين وارتباطهم بالسلطة، للخلوص إلى إصدار الفتاوى بتكفيرهم. ويؤكد الكاتب، في حالة مصر، أنّ جميع القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية، "في شؤون الزواج والطلاق والمواريث والوصاية، مأخوذة من أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية، ومما رآه المشرع أصلح للمجتمع من آراء الفقهاء". أمّا تطبيق الحدود، فتبقى بنظر المؤلف عسيرة التطبيق "عسراً يصل إلى حدّ الاستحالة. فضلاً عن أنها حتى تطبق تستدعي تهيئة اجتماعية مغايرة لما هو سائد الآن، وتكون قريبة للمجتمعات الإسلامية في فجر أو صدر الإسلام".

الشيء نفسه بالنسبة للقانون الجنائي (باستثناء الحدود) الذي يبقى دون خلاف مع الشريعة الإسلامية، اللهمّ إلا من باب الاجتهاد لمطابقة مجريات العصر. ثم إنّ ما هو موضع خلاف بالإمكان حلّه بالحوار عبر القنوات الشرعية، "لا القتل وسفك الدماء"، وإلا فإنّ العملية محكومة باعتبارات سياسية، على اعتبار تطلّع "أمراء الجماعات" لبلوغ السلطة، تماماً كالجماعات العلمانية القائمة.

وقد استشهد المؤلف بالقرآن والسنة، ليبيّن أنّ طاعة الأمراء والسلاطين (الحكام بلغة العصر) واجبة بمنطوق هذه النصوص، وأنّ "شقّ جماعة المسلمين، ممّا استفظعه نبي الإسلام، وتوعّد من يقدم عليه بأنه سيموت ميتة جاهليّة". ويؤكد أنّ الجماعات المتطرفة تعرف ذلك لكنها تلوي عنق النص، أو تبتره، أو تؤوله، أو تفصله عن سياقه، أو ترتكز على نصوص من المرتبة الثانية لتبرير ما هي عازمة على القيام به.

2- الإرهاب ضدّ المواطنين المسلمين. وذلك بتحليل قتل هذه الجماعات لمسلمين مثلهم، لمجرد اختلافهم معهم سياسياً، أو إيديولوجياً، أو مذهبياً. والله تعالى وضع جريمة القتل مباشرة بعد الإشراك به، وهي قمة الكبائر في الإسلام، سواء طال القتل المسلم أم غير المسلم و"لا تقتلوا النفس".

إنّ "حكام مصر ليسوا كفرة" يقول الكاتب، والرسول (ص) أمر بـ"الصبر على أولي الأمر، حتى إذا صدر منه ما يكرهه المحكومون". ويؤكد المؤلف، أنّ قتل حراس المنشآت والكنائس وما سواها غير مبرر شرعاً، إذ لا ذنب لهم في ذلك، وهم يؤدون واجبهم، وفي الإخلال به عقاب لهم. معنى ذلك أنه لو تعلّق الأمر باستهداف أعوان الحاكم، لتمّ قتل على الأقل ستة ملايين مصري..."وهذا ما لا يقرّه مسلم مهما بلغت حصيلته من العلم".

3- الإرهاب ضدّ المسيحيين الأقباط والسائحين. في هذه النقطة، يذكّر المؤلف بالمكانة السامية التي خصّها القرآن لعيسى وأمه العذراء، وكيف أنه سما بهذه الأخيرة لدرجة التقديس، وخصّها بسورة من القرآن باسمها (سورة مريم) دون سواها من نساء البشرية، بمن فيهن زوجات وبنات الرسول (ص). ويقول عن (الإنجيل") "نور وهدى وموعظة للمتقين".

ويتساءل الكاتب: كيف لمسلم إذن والحالة هاته، أن يعادي مسيحياً؟ فما بالك بقتله؟ ثم إنّ الرسول (ص) تعامل في زمنه برحمة ومودة مع المسيحيين، وأوصى الخلفاء وباقي المسلمين برعايتهم...وكذلك الأمر بالنسبة لليهود، وإن كان المسيحيون "أقرب مودة للمسلمين من اليهود، بنصّ القرآن".

أما عن السيّاح كائنة ما تكون عقيدتهم "فعندما يدخلون بلاد المسلمين، فإنّ لهم في أعناقهم عهداً وذمّة وعقد أمان". فكيف استهدافهم كما حدث في مصر؟ اللهم إلا إذا كانت الغاية سياسية خالصة، الهدف منها "ضرب الاقتصاد القومي للقضاء على الحكومة الحاضرة والحلول محلها".

* في الفصل الخامس، "الإسلاميون والقباب المقدّسة" يركّز الكاتب على امتطاء "الأميين" للنصوص، بالتأويل وليّ العنق، للقول "بأنّ هذه الأخيرة هي التي أفرزت كذا وكذا، في حين أنّ هذه النصوص براء مما يلصق بها". ويستدلّ على ذلك بمسألة حقوق الإنسان، حين يرجعها هؤلاء إلى النصوص الأولى، في حين أنها نتاج جهود وتضحيات و"ليست منحة إلهية"، أو "عطية نبوية، أو هبة خليفية".

ويقصد المؤلف بالقباب تلك الهالات التي يضفيها البعض على عدد من "الإسلاميين"، عندما يلوون عنق النص، أو يستقرئونه وفق ما يماشي أهواءهم وتوجهاتهم. ويستدلّ على ذلك بعلماء محدثين بالغوا في تفسير حدّ الردة، وبرّروا "للتجاوزات" التي كانت قائمة زمن الرسول (ص) وزمن الخلفاء ومن بعدهم، من قبيل قتل الأسرى، أو رميهم من الجبال، أو التنكيل بهم، أو ما سوى ذلك.

ويبدي المؤلف رأيه في مواقف لبعض الخلفاء الراشدين، كانوا أحياناً يرتكبون "تجاوزات" لحقوق الإنسان، منها مثلاً منع عمر للصحابة من مغادرة المدينة (يثرب بالأصل)، ومنعه الزواج من الكتابيات، يهوديات كنّ أم مسيحيات، على الرغم من تحليل الإسلام لذلك... هذا ناهيك عن حصر عمر للخلافة من بعده، في ستّة من قريش، و"من يخالف من هؤلاء الستة رأي الباقين، يشدخ رأسه بالسيف"، وهو ما استفظعه الله ونبيه، كما يقول الكاتب. ويخلص إلى القول بأنّ "حرية الرأي وحرية العقيدة، لم تتكسّرا على يد الكهنوت الأموي والعباسي...بل هذا هو حالها منذ البداية إلى زمن إحراق كتب ابن رشد ولسان الدين بن الخطيب، ومنع الدكتور طه حسين وعلي عبد الرازق من التدريس، ومنع رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ، واغتيال فرج فودة...إلخ".

* في الفصل السادس، "تاريخية الشورى"، يؤكد الكاتب أنّ "الشورى نظام مدني، لأنها وثيقة الصلة بسياسة الحكم، وهي من أمور الدنيا، مثل البيع والإيجار والمزارعة والممارسة... وغيرها من المعاملات أو الأنظمة المدنية التي قننتها الشريعة الإسلامية". وقد اعتمدها المسلمون فب البداية في إطار ابتكار الحلول "التي تناسب مشكلاتهم المستحثة بعد انقطاع الوحي، بانتقال الرسول (ص) إلى الرفيق الأعلى". ومع مضيّ الزمن، يقول الكاتب، تعقدت الأمور، وتشكل نظام ومجتمع دولي، وبات من الضروري إقامة بعض الأنظمة المدنية، أو الالتفاف حولها، من قبيل نظام الرقيق، "الذي حرّمته المواثيق الدولية، على الرغم من كونه وارداً بالكتاب والسُنّة، وموثقاً بالعديد من الكتب والموسوعات الفقهية".

وكذلك نظام "تقسيم الغنائم"، لأنّ المقاتل لم يعد مطالباً بتسليح نفسه أو إحضار فرسه، أو ما سوى ذلك من شروط الحرب ومتطلباتها. الدولة في وقتنا الحاضر تجهّز الجيوش، ولا معنى بالتالي لمسألة اقتسام الغنائم...الشيء نفسه مع "تحريم التصوير"، حيث باتت الصورة الفوتوغرافية ضرورية لمستجدات حياتية قاهرة، من قبيل ضرورتها لجواز السفر، أو لبطاقات الهوية أو لما سوى ذلك. وكذلك الشأن بالنسبة لـ "تحريم سفر المرأة إلا مع ذي رحم محرم"، بزمن بات فيه السفر سريعاً، وغير مرهق أو بعيد.

بالتالي، فليس كلّ ما أتت به الأنظمة المدنية التي جاءت بها الشريعة قابلة للتطبيق على مرّ العصور...مع التأكيد هنا على أنّ المقصود هو الفروع، وليس الأصول والثوابت (العقيدة والعبادات والأخلاق).

ويرى المؤلف، أنّ الشورى ليست من أصول الإسلام ولا من ثوابته. "فإذا وجد المسلمون نظاماً جديداً يحقق مصالحهم ولا يتصادم مع الأصول أو الثوابت في شريعتهم، فلا بأس من الأخذ به". من هنا مناداة المؤلف بنظام الديمقراطية بدلاً من نظام الشورى، مادام النظام الديمقراطي هو الكفيل بضمان مصالح العباد... بل يؤكد أنّ نظام الشورى لم يكن معمولاً به دائماً، إذ استشار أبو بكر الصديق الصحابة والأنصار في مسألة فصل الصلاة عن الزكاة، فكانوا مع الفصل، لكنه اعتمد قراراً معاكساً لذلك.

ويؤكد المؤلف على الفارق بين الشورى والديمقراطية، فيقول بأن الأولى ترتكن لرأي الأقلية أو النخبة، في حين أنّ الديمقراطية تحتكم للقاعدة الجماهيرية الواسعة. ثم الديمقراطية انتخاب يعين بموجبها الحاكم... والعرب لم يعرفوها، بدليل أنه لم يكن ثمة سلطان أو خليفة أو والٍ وصل إلى السلطة بانتخاب ما، تشارك فيه كلّ جماهير المسلمين (السواد أو العامة أو الرعية). ويؤكد الكاتب أنّ البيعة ليست انتخاباً.

ويتابع: وليس صحيحا أيضاً أنّ "الشورى هي الطبعة العربية أو الإسلامية للديموقراطية". هما نظامان متنافران ومتباينان. إنّ التمسك بالشورى والهجوم على الديمقراطية، (باعتبارها دخيلة أو مستوردة)، إنما "يساعد على تجذير الطغيان السياسي وتكريسه واستشرائه، وإضفاء سند شرعي عليه"، بل إنّ العديد من النظم العربية تدعو للعودة إلى الشورى، وتتهجّم على الديمقراطية آليّة وتفكيراً.

* في الفصل السابع، "الردّة والسياسة"، يزعم المؤلف أنّ النصوص المرتبطة بحدّ الردة "ظنيّة الدلالة"، وليست قطعيتها. ويؤكّد أنّ "نظام" الردّة كان قائماً قبل مجيء الإسلام، وعندما أتى تبنّاه هذا الأخير. بالتالي، فهو مرتبط بظروف المجتمع الاقتصادية (حد السرقة) أو الاجتماعية (حد قذف المحصنات) أو السياسية والاقتصادية معاً (حد الحرابة). و"لو كانت تركيبة المجتمع بما فيه البنية الفوقية مغايرة لجاءت الحدود مختلفة عن الحدود المذكورة أو مباينة لأغلبها".

ويلاحظ المؤلف أنّ أبا بكر كان يأمر جيوشه (بعد اضطرارهم لصدّ الثورات التي أعقبت وفاة الرسول): "إذا لم يسمعوا أذاناً من أهل القرية...أو في مضارب القبيلة التي يمرّون بها...فعليهم هم أن يؤذّنوا، فإن لم يجاوبهم أهل القرية أو أبناء القبيلة بأذان مثله، عاجلهم جيش المدينة بالتالي: القتل، والحرق بالنيران، واستصفاء الأموال، وسبي الذريّة والنسوان...". وبالتالي، فانفجار الثورة بعد وفاة الرسول، وارتداد الناس عن الإسلام بالمدينة، واتساع نطاق الحرب عليهم، يبيّن بجلاء العلاقة بين السياسة والردّة بالإسلام، كما يقول المؤلف. لكنّ السؤال الأساس في نظره هو "لماذا طفا موضوع الردّة في هذه الأيام، وعاد حدّ الردّة ليلعب دوره التقليدي كسلاح ماض في وجه الآخر؟". ويجيب بأنّ للإسلاميين "مشروعاً سياسياً"، يتمثل في الوثوب على السلطة بالقوة، أو بالوعيد (من قبيل القول بجاهلية المجتمع، والإسلام هو الحل، والحاكمية لله، والإسلام مصحف وسيف، وأسلمة العلوم والاقتصاد والبنوك والشركات....الخ). ولمّا تعرضت هذه الشعارات لنقد المثقفين وانتقادهم خرج عليهم "الإسلاميون" بسيف الردّة.

* في الفصل الثامن، "خطوط أوليّة لدراسة العلاقة بين المقدّس والسياسي في نظرية الراعي والرعية"، يعتبر المؤلف أنّ الرسائل السماوية تنزل من السماء، من لدن ربّ متعال جبّار. ويؤكد أنّ الخليفة هو الراعي، "الذي يمثل سلطة السماء، لا الحاكم الدنيوي المسؤول أمام من نصّبوه عليهم". والخليفة لا يتساهل مع رعيته (حتى وإن كان واليه أو وزيره) إذا لم تُلتزم الأخلاق: "الجانب المقدس هو حجر الأساس وأصل الأصول، وتأتي بعده الجوانب الأخرى، العسكرية والإدارية والفنية...إلخ، فبتداخل الثيولوجي في السياسي لدى الراعي يتعيّن تقديم الأول على الآخر".

* في الفصل التاسع، "بشرية الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ"، يعتقد المؤلف أنّ نفي تاريخيّة محمد (زمناً وبالأمكنة) "يعني نفي بشريته التي أكدها القرآن ذاته، في أكثر من موضع".

الرسول محمد (ص) ابن مجتمعه وبنيته، وتعامل معهما وفق هذا السياق، بل إنّ معطيات الشريعة الإسلامية هي ذاتها "معطيات تاريخية، تأثرت بالبنية التي ظهرت فيها، والمجتمع الذي وردت فيه، وأنها اتفقت مع مدارك المخاطبين الذين توجّهت إليهم، دون تعال أو تجريد".

* في الفصل العاشر "الإسلام والمرأة: الصورة الصحيحة"، يؤكّد الكاتب أنّ الرسول (ص) أوضح أنّ من شروط إتمام الزواج أخذ رأي المرأة (بكراً كانت أم ثيّباً)، وإلا فبإمكانها اللجوء للحاكم لينصفها. كما يجوز للمرأة فصم عرى الزوجية إذا كرهت زوجها، أو لاحظت به عجزاً جنسياً. كما أنّ للزوجة أن تستقبل ضيوف زوجها، وتدخلهم المنزل، حتى يحضر زوجها من الخارج، وأنه من حقّ المرأة الاعتراض على طريقة الجماع، "إذا ما رأت امتهاناً لها، أو حطّاً من كرامتها، أو أنها لم تتعوّد عليها". أمّا في جانب العبادة، فقد كان الرسول (ص) يأمر النساء بالخروج يوم العيد، والوقوف خلف الصفوف، يكبّرن ويدعين.

معنى هذا، في رأي المؤلف، أنّ المرأة كانت تتمتّع بحريّة كبيرة، وبصراحة في الرأي ضمنها لها الدين. أما اليوم في السعودية أو في مصر، فقد "تغيرت الصورة، وانتكست ونكصت".

* في الفصل الحادي عشر، "مكان المرأة ووظيفتها في الخطاب الأصولي"، يقف المؤلف عند نظرة سيد قطب للمرأة، باعتباره المرجع المباشر للجماعات الأصولية. يعتبر سيد قطب أنّ مكان المرأة هو البيت، وأنّ خروجها لتعمل "كارثة على البيت، قد تبيحها الضرورة" فقط. أمّا أن يتطوّع بها الناس، وهم قادرون على اجتنابها، فتلك "هي اللعنة التي تصيب الأرواح والضمائر والعقول في عصور الانتكاس والشرور". وعلى الرغم من قيمة سيد قطب ودوره في الجماعة، فإنّ رأي شيخ الإسلام ابن تيمية يكاد يبلغ حدّ التقديس...وهو حازم في ضرورة "انصياع" المرأة لزوجها والائتمار بأوامره.

إنّ "الخطاب الأصوليّ في نطاق مكانة المرأة أو وضعها ووظيفتها، يستند إلى أحكام خلقت من رحم أنساق اجتماعية تغيّرت تماماً، وبشكل لم يكن يخطر على بال مخلوق عن الأنساق الاجتماعيّة المعاصرة في مجتمعاتنا العربية...". ويتساءل الكاتب: هل الطائف من أربعة عشر قرناً هي الطائف اليوم؟.