التسامح بما هو فضيلة أخلاقيَّة وسيَّاسية من منظور هابرماس:


فئة :  أبحاث محكمة

التسامح بما هو فضيلة أخلاقيَّة وسيَّاسية من منظور هابرماس:

التسامح بما هو فضيلة أخلاقيَّة وسيَّاسية من منظور هابرماس:

من التسامح الدِّيني إلى الحقوق الثقافيَّة

العلوي رشيد[1]

ملخص:

لم يدخل مصطلح التسامح إلى اللاتينية والفرنسيَّة إلا في القرن السادس عشر مع الحروب الأهلية، ويراد به آنذاك التسامح بين الديانات (بين الطوائف الدينيَّة المتصارعة)، وفي القرنين 16 و17 اتخذ التسامح الدِّيني دلالة حقوقية حيث أجبرت الحكومات في أوروبا الموظفين على ضرورة التسامح مع الأقليات الدينيَّة، وتحديداً اللوثريين والمسيحيين الفرنسيين والبابويين، حيث وقع هنري الرابع سنة 1598 مرسوماً يدعو فيه إلى احترام الأشخاص الذين ينتمون إلى ديانات مختلفة، ويمارسون اعتقادات خاصة بهم، أو الذين ينتمون إلى جماعات دينيَّة مضطهدة. وبشكل واضح يقول هابرماس: "يميز الألمان والإنجليز بين مصطلح Tolérance الذي يعني الفضيلة، وبين Tolération الذي يفيد الفعل القانوني". ويذهب إلى أن تعددية رؤى العالم والنضال من أجل التسامح الدِّيني لا يعزز فقط ولادة الدّولة الدُستوريَّة الدِيمقراطيَّة، وإنما يعطي اليوم للحياة نفساً جديداً في عالم التعدديَّة والاختلاف.

يميز هابرماس بين دلالتين لمفهوم التسامح: دلالة حصرية أو ضيقة، حيث يفيد التسامح اتجاه الأديان الأخرى، بالمعنى الذي كان سائداً أيام الحروب الدينيَّة؛ ودلالة قانونيَّة، ظهرت في القرنين السادس عشر والسابع عشر، حيث أصدرت الحكومات مراسيم التسامح التي تجبر بموجبها الدّولة موظفيها وكل المواطنين المؤمنين على أن يكونوا متسامحين تجاه الأقليات الدينيَّة الأخرى، مثل اللوثريين أو البروتستان الفرنسيين، وهم بروتستانيون أجبروا على مغادرة فرنسا سنة 1685 بسبب الحروب الدينيَّة، ويقدر عدد المغادرين آنذاك بحوالي 300 ألف، والبابويين الذين يسندون إلى البابا السُّلطة المطلقة.

لا تقتصر هذه المراسيم على إقرار احترام الأقليات الدينيَّة، بل أيضا للأفراد المغايرين الذين يمارسون تعبدات دينيَّة أخرى؛ ذلك أن الأصل السيَّاسي لكلمة التسامح - عند هابرماس - باعتبارها نوعاً من "الفضيلة السيَّاسيَّة" التي تسمح بمعاملة المواطنين للآخرين المختلفين، تعود إلى مكيافيل وكل الفلاسفة الذين شدّدوا على الحق في التعبير عن الانتماء الدِّيني، ولو كان مخالفاً: لوك، سبينوزا... ويشدد على ضرورة إقرار البينذاتية في العلاقات المجتمعية، وهو الأمر الذي جعله ينظر إلى التسامح - لا من وجهة نظر أحادية - كفضيلة سيَّاسيَّة أي تسامح من نوع آخر، ويقصد بالأساس تسامح العلمانيين مع المؤمنين. فإذا كان التسامح الدِّيني في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، يشدد على ضرورة احترام المتدينين والمؤمنين لعقائد وأفكار العلمانيين أو غير المؤمنين، فإننا في أمس الحاجة اليوم إلى تسامح معكوس؛ أي تسامح العلمانيين أو غير المؤمنين مع المؤمنين في مجال التعبير عن القناعات في الفضاء العمومي، شريطة استبعاد الجماعات الدينيَّة والكنائس والمؤمنين للعنف، والكف عن شحن الأنصار والأتباع والمريدين بشعارات التطرف، رغم أن الشرط السيَّاسي الأخير الذي يفرض على الجماعات الدينيَّة حصر دعواتها في المجال الدِّيني الفردي والكف عن توجيه اهتمام أتباعها نحو الفعل السيَّاسي الذي يمكن أن يلعب دوراً نقدياً وممانعاً، يطرح جملة إشكالات منها أساسا: ألا يعتبر هذا الموقف نكوصيا بالمقارنة مع الوظيفة النقديّة التي يلعبها الفضاء العمومي اتجاه السُّلطة السيَّاسيَّة وأجهزة الدّولة؟ هل يعبر هذا الموقف عن تنازل هابرماس على مبادئ المدرسة النقديّة؟ ألا يخرج هابرماس بموجب هذا الموقف عن الفلسفة الاجتماعيَّة؟

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا

_______________________________________________________________

[1]- باحث مغربي.