الدين والعقل والعقلانية في الفلسفة المغربية المعاصرة: "محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن نموذجين"


فئة :  مقالات

الدين والعقل والعقلانية في الفلسفة المغربية المعاصرة:  "محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن نموذجين"

تعالج هذه الورقة قضية الدين والعقل والعقلانية، وفق ما تطرق إليها كلّ من الدكتور محمد عابد الجابري، من خلال مشروعه نهضة العقل العربي القائم على التفكيك والنقد، والعقل عند الدكتور طه عبد الرحمن، من خلال مشروعه القائم أساسا على القيم الإسلامية والتربية الروحية.

فكثيرا ما يتم الحديث هنا وهناك عن قضية الدين والعقل، وخاصة بعدما انتهى القدماء من مصطلح النقل والعقل، حيث لا تكاد تنتهي الدراسات حول موضوع الدين والعقل إلا وتظهر نداءات أخرى تدعو إلى فتح النقاش من جديد في هذه المسألة، في العالم العربي والإسلامي بوجه عام وفي المغرب على وجه الخصوص، الذي يشهد تميزا واضحا في هذا الموضوع نظرا لمكانة الفلسفة المغربية المعاصرة في المجتمع المغربي، وقد انصبت تلك المقاربة بقوة بين الدين والفلسفة في إطار العقل واللا معقول، أو عقدة العقلانية وصراع "المعقول واللامعقول"؛ فالمعقول عند الجابري "هو بناء فكري يحترم القواعد التي يعمل العقل بموجبها، ويقبل بشكل آخر نوعا من التحقق في الواقع الذي يتعامل معه، وأن "اللامعقول" هو بالعكس من ذلك، تصور غيبي لا يؤسسه العقل ولا يقبل التحقق واقعيا لكونه يقدم نفسه بديلا عن كل واقع."[1]

فالعقلاني عند الجابري علامة على كل ما هو حسّي تجريبي، واللاعقلانية علامة على كل ما هو غيبي

فالعقلاني عند الجابري علامة على كل ما هو حسّي تجريبي، واللاعقلانية علامة على كل ما هو غيبي، أو أنه يضع العقل في مقابل الوحي، فكل إيمان بالغيبيات دليل على اللاعقلانية، والأسلوب العلمي لا يتم إلا في إنكار الغيبيات باعتبارها تفكيرا خرافيا، وكل ذلك مبني على الإيديولوجية التي ينطلق منها الرجل، فكأنما المعركة الفكرية قائمة ابتداء بين العقل واللاعقل.

وهذا ما كتب فيه الرجل خلال القرن الماضي، وأسس فيه لمشروعه من خلال بعض كتبه مثل: "تكوين العقل العربي" و"بنية العقل العربي" و"العقل السياسي العربي"؛ فالعقل عند الجابري كما هو عند ديكارت تماما أو يقترب منه، إذ يعتبر أداة الإنتاج النظري أو منظومة القواعد للنشاط الذهني المستخلصة من ثقافة خاصة، وفي رأيه أن العقل العربي قد يكون عندما وضعت أسسه الأولى والنهائية والمستمرة خلال "عصر التدوين"؛ أي منذ أواخر الدولة الأموية، انطلاقا مما سماه بالبيان المكون من: (حقول الفقه والبلاغة والكلام...) والعرفان من (التصوف....) والبرهان من (علوم المنطق وعلوم الطبية...) على غرار المنهج الذي سلكه أحمد أمين صاحب كتاب "فجر الإسلام" و"ضحى الإسلام" و"ظهر الإسلام" كما يرى بعض الباحثين اليوم، وكيف انتقل إلى العقل السياسي، ثم إلى عقل المستقبل الذي يحتاج إلى الابتكار كما استند في ذلك عبد الرحمن بدوي قبله.

وفي مقابل ذلك، نجد ما انتصر إليه الدكتور طه عبد الرحمن في كتابه "سؤال العمل" فيما عالجه من عقول سمّاها بالعقل المجرد؛ أي العقل الفلسفي، والعقل المؤيد والعقل المسدد، وكيف اعتمد في تصنيفه لهذه العقول وتقسيمها إلى عقلانيات، وجعلها مراتب متفاوتة، حيث يرى أن القلب مصدر الإدراكات العقلية وأفعالها، وربط ذلك بالقيم والأخلاق، من خلال كتابه: "العمل الديني وتجديد العقل".

وكلاهما يطرح سؤال النهضة، لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟ كما يحاول كل منهما وفق منهجية خاصة، إيجاد طريقة تخلص العقل العربي من الركود والجمود، وتقلص هوة التخلف بيننا وبين من سبقنا.

إذ يرى الجابري أن سبب التخلف يكمن أساسا في التراث والتعلق به، وعليه يجب تجاوزه والتحرر من سلطته، والسعي إلى بناء تراث جديد نصنعه نحن، ولا يتأتى لنا ذلك إلا عن طريق "الأخذ بالحداثة الأوروبية في مختلف الميادين"، فيما يعتقد طه عبد الرحمن أن التراث الإسلامي يجب أن يكون منطلق النهضة والحضارة ولا يمكن إغفاله، بل يجب الاهتمام به وتجديده وتجديد الفكر فيه، نظرا لأهمية العقل والعقلانية في الفلسفة المغربية المعاصرة.

ما انتصر إليه الدكتور طه عبد الرحمن في كتابه "سؤال العمل" فيما عالجه من عقول سمّاها بالعقل المجرد؛ أي العقل الفلسفي، والعقل المؤيد والعقل المسدد

في البداية، نبحث في هذه القضية لنعرج عن العقل واللا معقول كما ذهب إليه كل من الجابري وطه عبد الرحمن، في مشروعهما، كأساس للنهضة كنموذج للفلسفة المغربية المعاصرة التي تجيب عن هذا الإشكال الفلسفي.

فعلاقة الدين بالعقل والعقلانية في الفلسفة المغربية المعاصرة مبنية على تراث ضخم لا يمكن تجاوزه أو تغافله بسهولة، لما في هذه العلاقة من صلة بين الفلسفة القديمة والفلسفة المغربية المعاصرة، فقد اشتغلت الفلسفة الإسلامية قديما على العقل والنقل، حينما كان الصراع يهم بالأساس حاجة أحدهما إلى الآخر، أو ضرورة تقديم أحدهما على الآخر في الاستدلال والتبيين خاصة عند المتكلمين، فحدث نقاش حاد في مثل هذه المسائل لدى الفرق الإسلامية التي خاضت في هذا المجال، وخاصة المعتزلة والأشاعرة، ووقفوا طويلا عند قضية العقل، باعتباره مناط التكليف والثواب والعقاب، فعلى "أساس العقل شرعت الشرائع وسنت القوانين وقامت الحضارات وامتدت المدنيات. لهذا، لا عجب إذا ورد في كتاب الله وعلى لسان نبيه الكريم، فقد شرف الله العقل وأعلى مكانته، وعظم الرسول العقل وقدس حرمته، ومجده الفلاسفة والحكماء والعلماء، فصرفوا جهودهم إلى إعلاء شأنه والبحث فيه".[2]

فاعتقدت المعتزلة أن العقل هو الأساس في فهم الشرع، حتى "قالوا بسلطان العقل وآمنوا به، فأطلقوا له العنان وجعلوه حكما في كل شيء، وبحثوا على ضوئه في جميع الموضوعات دينية كانت أو علمية؛ فالعقل عندهم هو المرجع وهو الأساس، فإذا تحاكموا فإلى العقل، وإذا حاجوا فبحكم العقل يقررون ما يرشد إليه"[3] في المقابل، رأى الأشاعرة أن النقل لا يخالف العقل وإنما يوافقه، ولم يحصل اتفاق في هذا الموضوع، بل اختلفوا فيه، وعندما تنامى الخلاف عند فلاسفة المشرق تم تهجير هذا النوع من الفلسفة إلى الغرب الإسلامي، حيث وجدت بيئة مناسبة لها، وخاصة الفلسفة التي كانت لدى الكندي والفارابي وابن سينا والرازي وغيرهم "فعندما تعرف المسلمون على المدارس الأساسية في الفلسفة اليونانية القديمة، وإن كان أرسطو محط اهتمامهم الأول، وإلى أواخر القرن التاسع قد نقلت إلى العربية الأعمال الأرسطية الرئيسة، إما مباشرة من اليونان أو بتوسط السريانية مع أن أغلب الترجمات السريانية تمت بعد الفتح الإسلامي"[4]، وبعد ذلك أجبرها الغزالي على الهجرة إلى الغرب الإسلامي، فانتعشت من جديد مع ابن طفيل وابن رشد وموسى بن ميمون.

ومازالت هذه الفلسفة في الإسلام تترعرع إلى أن بلغ بها الأمر إلى المعاصرين، الذين حاولوا إلباسها الثوب الغربي كطريقة جديدة في التفكير والإبداع، وحاولوا إسقاط التجربة الغربية الناجحة بعد الثورة الفرنسية 1789م وانتشارها في أوروبا بعد ذلك، حيث أصبحت تبعية الخطاب العربي للفكر الغربي وعدم استقلاله عنه حتى اشتهرت العبارة القائلة "وراء كل مفكر عربي ثابت غربي"، وظلت تستسقي الأفكار العربية من التيارات الفلسفية الغربية، فتعالج القضايا الفلسفية بنفس الوسائل التي تمت هناك في الغرب، وخلصوا في نهاية التحليل إلى ضرورة تجاوز التراث للانطلاق في الإبداع، ونبذ كل ما ينتمي إلى الميتافيزيقا بما في ذلك الدين نفسه، كشرط للإبداع والالتحاق بالمادية الغربية، لكن رغم استصدار جميع المناهج تقريبا، مثل الوجودية مع عبد الرحمن بدوي والشخصانية والماركسية مع روادها، ومع ذلك فقطار النهضة لم ينطلق بعد، رغم هذه المدارس ورغم البعثات الطلابية التي شهدتها الدول العربية إلى أوروبا وتجاوز حضارة الفلسفة وحضارة الفقه إلى حضارة العلم قصد النهوض من جديد، فلم يتحقق ذلك بعد.

اشتغلت الفلسفة الإسلامية قديما على العقل والنقل، حينما كان الصراع يهم بالأساس حاجة أحدهما إلى الآخر، أو ضرورة تقديم أحدهما على الآخر في الاستدلال والتبيين خاصة عند المتكلمين

فالاهتمام بالعقل أصبح أمرا ضروريا لما له من أهمية في فهم إنسانية الإنسان وتفكيك عقله ومحاولة فهم أفعاله؛ حتى قال أحدهم: يجب أن نبتدئ بدراسة العقل؛ لأن الظواهر العقلية تشكل الجسر الذي يربطنا مع بقية العالم[5]. ولهذا أولى بقية الفلاسفة أهمية قصوى للعقل، وخاصة الفلاسفة المعاصرين المغاربة.

وهنا يمكن أن نمثل بنموذجين اثنين من الفلسفة المغربية المعاصرة، الأول يمثله الدكتور محمد عابد الجابري، ويدعو إلى تبني المناهج الغربية المادية، وذلك بالاعتماد على العقل والعقلانية وتجاوز سلطة التراث بما في ذلك الدين نفسه، "فهو لا يدع مجالا للبس في تحديد مقاصده من وراء مشروعه لنقد التراث وتفكيك بنيته...وقد أعلن أن التفكيك والتجاوز لا يستثني الدين"[6]، والثاني يدعو إلى إثبات الذات بالرجوع إلى التراث، واستحضار القيم الإسلامية ويمثله الفيلسوف والمفكر طه عبد الرحمن.

*- نموذج محمد عابد الجابري

في البداية لا بد من الإشارة إلى أن الدكتور محمد عابد الجابري متهم إلى درجة كبيرة من طرف كبار الباحثين في مجال الفكر الإسلامي والفلسفي عموما، بعدم الحياد الذي ينفيه عن نفسه في كل كتاباته ومؤلفاته، ولهذا يجدر بنا الحديث عن المنهج الذي اختاره الجابري لنفسه منذ بداية مشواره الفكري والنقدي حول العقل العربي ومشكلة التراث الذي آثر الاشتغال عليه، انطلاقا من السبعينيات من القرن الماضي إلى حين تأليفه كتاب مدخل إلى القرآن الكريم.

فمن خلال هذا المنهج المتبع في نقل العقل ومحاولة تفكيكه وبنائه من جديد، حتى يتمكن من النهوض مرة أخرى أيضا، رأى أنه من الضروري تحقيق التراث والعودة إليه واستيعابه؛ وذلك لتجاوز التراث[7]، وإحداث قطيعة معرفية كبرى معه أو على الأقل تجاوز الضوابط التي يفرضها النص الشرعي على العقل المسلم وتجاوز جهازه المفاهيمي الذي يستخدمه في فهم النص كشرط لتحقيق التحرر الفكري[8]، وتجاوز تلك السلطة التي تحاصر العقل العربي من التفكير، فتراه لا يفكر إلا في إطار ما يمليه التراث أو قل ما يمليه الدين وهذا يعد عائقا لتطوير العقل والتفكير عند الجابري.

ولما كان الأمر كذلك، فإن جميع إنتاجات الرجل تظل تحت الرقابة، رقابة مشروعه من طرف المفكرين الإسلاميين والمهتمين، ثم الرد عليه وعلى تلك الاجتهادات، وفي هذا كتب الدكتور محمد عمارة كتابا سماه "رد افتراءات الجابري على القرآن الكريم"، وقد أثنى عليه وأشاد بمجهوداته المبذولة، وتعامل مع كتبه بلباقة وترحم عليه كثيرا، حيث يذكر أنه تردد كثيرا حسب تعبيره في استئناف تأليفه لهذا الكتاب عندما علم بوفاته، لكن لما تذكر أن الجابري في حياته كان واسع الصدر، ويتقبل النقد ولا يهتم له في أغلب الأحيان، وهذه من صفات الباحث، هنا فضل متابعة الكتابة والرد؛ لأن الرجل حسب قوله قد "رحل بجسده كما سنرحل نحن، وسيرحل كل ما عدا الله، فلن يبقى إلا وجهه، لكن مشروعه الفكري ما زال قائما.".[9]

ولهذا، انتقد آخر أعمال الجابري التي تتعلق أساسا بالمقدّس وليس بالتراث؛ أي ما كتبه عن القرآن الكريم وتفسيره، ووضح فيه موقف الجابري من التراث الذي يسعى إلى تجاوزه والقطيعة معه، وإحلال الحداثة الأوروبية مكانه، بتحويل الثابت إلى متحول واللا تاريخي إلى تاريخي، والعقيدة إلى رأي والتحرر من سلطات العقيدة والشريعة، وانتقد أيضا ترتيب القرآن حسب النزول كما عرج عن الأخطاء التي وقع فيها الجابري، في ادعائه، التناقض بين الإيمان الإسلامي، وبين البرهان وبين العبادات والعقل، وبين التجربة الروحية والحس والعقل، كما تطرق إلى خطايا الجابري وليس الأخطاء، بل الخطايا المتعلقة بالصورة التي رسمها لرسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوات التي قام بها فضلا عما نسبه من أخطاء ونسيان وسهو وتبديل وتغير ومحو، وأن مصحف عثمان لم يضم كل القرآن. وهذا الذي قاله الجابري فعلا في مؤلفاته عن القرآن الكريم.[10]

وإلى جانب محمد عمارة انتقده آخرون في إيديولوجيته ومشروعه الفكري، إذ يرى محمد أمزيان أن ما فعله الجابري في الحقيقة هو إقصاء الدين عن المجال العلمي التجريبي أو "تجريد الفكر الديني من كل عناصره العلمية والمنطقية والبرهانية، وهو يعني حتما أن الفكر الديني ليس من اختصاصه أن يهتم بالمشكلات العلمية، ويظلّ بعيدا عن النظام العلمي الذي نشأ في البيئة العربية بعيدًا عن الأصول الدينية".[11]

ولكن هذا الانتقاد قد يجعل المتتبع له في دائرة مشروعه أكثر من كونه معترضا على أفكاره، فبمجرد أن يدخل المنتقد دائرة الانتقاد يعدّ شريكا في المشروع وليس خصما له، ولهذا يرى محمد عمارة أنه يجب الرد على ما وقع فيه الجابري من أخطاء فيما يتعلق بالقرآن الكريم، عندما حاول أن يرتب سوره على أسباب النزول، حتى تتضح له درجات التأثير التي تأثر بها العقل العربي.

العقل أساس النهضة:

أما فيما يتعلق بالعقل عند الجابري، فهو يرى أنه لا يمكن لأيّ مشروع أن ينهض إلا بنقد العقل، ولهذا فإن العقل العربي يجب أن يخضع للنقد، ومن المعلوم أن النقد هو منهج لاكتشاف الأخطاء وتصحيحها، أو التمييز بين الفكر الصحيح والفكر الزائف، والنقد بمعنى المناقشة والحوار المبني على أسس صحيحة، والنقد سلاح الفلسفة أيضا، فيرى أنه "لا بد من مراجعة شاملة لآليات العقل ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه"[12]، حتى نتمكن من فهم هذا العقل الذي تشكل في البيئة العربية، والتحرر حينها من جميع القراءات الأخرى الاستشراقية والسلفية والقومية التي رسمت هدفها مسبقا، وليس المقصد الأساسي من دراسته وتحليله للعقل العربي، مجرد تاريخ للعقل فحسب، أو تشخيص هذا النوع من العقل ومقارنته بباقي العقول التي تعرفها الأمم الأخرى، مثل اليونان وأوروبا، كما لم يكن الهدف من أجل مطلب يتعلّق بفهم الماضي، بل الغرض من ذلك تحليل مكوناته والبيئة التي تكون فيها وتأثر فيها من أجل فهمه وفهم الحاضر، ومحاولة منه في المساهمة في النهوض بغض النظر عن الجواب الذي سيقدمه والوصف الذي سيحدده.

 الجابري يرى أنه لا يمكن لأيّ مشروع أن ينهض إلا بنقد العقل، ولهذا فإن العقل العربي يجب أن يخضع للنقد

لهذا اختار الجابري نقد العقل وليس الفكر؛ وذلك لعدة أسباب يعرج عنها هو في قوله: "ذلك أن كلمة - فكر- خصوصا عندما تقرن بوصف يربطها بشعب معين كقولنا: "الفكر العربي" أو "الفكر الفرنسي" ...إلخ، تعني في الاستعمال الشائع اليوم، مضمون هذا الفكر ومحتواه؛ أي جملة الآراء والأفكار التي يعبر بها ومن خلالها ذلك الشعب، عن اهتماماته ومشاغله، وأيضا عن مثله الأخلاقية ومعتقداته المذهبية وطموحاته السياسية والاجتماعية"[13]؛ فهو لا يريد أن ينتقد هذه الأفكار ومحتواها الإيديولوجي، وإنما الغرض الذي رسمه في مشروعه ابتداء هو العقل، باعتباره أداة للتفكير من حيث نشوؤه وتطوره في البيئة التي وجد فيها والعوامل والثقافات التي تأثر بها.

إن الغرض من نقد العقل العربي وليس العقل الإسلامي، هو عدم الاهتمام بما كتبه المسلمون بمختلف اللغات التي كتب به ذلك التراث الضخم، وإنما الاقتصار على ماهية العقل العربي من حيث تكوينه وبنيته، باعتباره أداة وليس موضوعا، حتى يتأتى فهم العقل العربي ضمن الثقافة التي تشكل ووجد فيها، وتحليل مكونات هذا العقل، العقل المكون السائد وليس العقل المكون الفاعل بتعبيره، وذلك بغية الوقوف على الخلل الذي أصابه وتجديد المكونات التي يحتاجها هذا العقل السائد، لتحديثه وتجديده وإغنائه ما أمكن، بمفاهيم جديدة تساعده في النهوض.

وقد بدأ في مشروعه هذا بمقارنة العقل العربي بالعقل اليوناني أو الأوروبي من حيث تكوينه وبنيته التي طبعت تاريخه، فهي بنيتان مختلفتان من حيث المرجعية والإيديولوجية والسياسية أيضا، فتوصل في تحليله إلى أن العقل العربي تطبعه النظرة المعيارية؛ ومعنى المعيارية هنا "الاتجاه في التفكير الذي يبحث عن الأشياء وعن مكانها وموقعها في منظومة القيم التي يتخذها ذلك التفكير مرجعا ومرتكزا"[14]؛ فهذه النظرة تختزل الشيء في قيمته وتضفي عليه معنى خاصا يتعلق بالمجتمع والثقافة، ولا تطبعه النظرة الموضوعية التي "تبحث في الأشياء عن مكوناتها الذاتية وتحاول الكشف عما هو جوهري فيها"[15] بناء على التحليل والتركيب وإعادة العناصر الأساسية للبناء، بشكل يبرز ما هو جوهري فيه، وقد استشهد بنصوص الجاحظ والشهرستاني في مقارنتهما بين العقل العربي والفارسي في مجال الفكر والثقافة.

ولهذا ألف الدكتور محمد عابد الجابري في نفس الموضوع كتابين أساسيين؛ أحدهما "تكوين العقل العربي" ويهمين عليه التحليل التكويني، والآخر "بنية العقل العربي" ويهيمن عليه التحليل البنيوي؛ ففي التحليل التكويني ركز على البيئة والثقافة والمنطقة والتأثيرات التي عرفها العقل العربي حتى تكون في بدايته، وفي التحليل البنيوي قسم العقل العربي إلى ثلاثة حقول أساسية شكلت العقل العربي، وهي (البيان والعرفان والبرهان).

العقل البياني: تطرق الجابري إلى تكوين العقل العربي أيام التدوين بصفة عامة، ومع من اهتموا بمعاني وألفاظ القرآن الكريم بصفة دقيقة، ووقفوا عند بعض العبارات التي شجعتهم في تأليف كتب ومصنفات فيها، من أمثال مقاتل بن سليمان (تـ150هـ) في كتابه "الأشباه والنظائر في القرآن الكريم" والفراء (تـ207هـ) في "معاني القرآن" ومعمر بن المثنى (ت215هـ) في "مجاز القرآن" والأساليب البيانية البلاغية في القرآن التي ستصبح فيما بعد موضوع دراسات مفصلة ومادة خصبة لاستخلاص قوانين تفسير الخطاب البياني.[16]

وقد شهد العقل البياني في هذه المرحلة المبكرة تطورا كبيرا مع الشافعي والجاحظ وابن جني وغيرهم من أهل اللغة والبيان، ومن الفقهاء وعلماء الكلام من المعتزلة والأشاعرة، حيث شهد هذا التطور أفضل المراحل التي تكون فيها العقل العربي، نظرا لغزارة التأليف والفنون والتقعيدات العلمية والأدبية واللغوية في هذه المرحلة.

إلا أن الملاحظة التي يمكن تسجيلها هنا، أن هذه الفترة التي تكون فيها العقل العربي فترة التدوين، تم فيها إلغاء وظائف العقل كثيرا، وتم تهميشها في كل العلوم التي دوّنت، ولم يستحضر فيها العقل، وإنما اكتفى هؤلاء باللغة ومعانيها وألفاظها؛ فالفقهاء مثلا يرى الجابري أنهم "همشوا مقاصد الشريعة واهتموا بمقاصد اللغة كما لاحظ ذلك الشاطبي"[17]؛ لأن وظائف العقل التي يجب الاهتمام بها، هي التي تبحث في المقاصد والأهداف وعدم الجمود على النص والبحث عن معاني النص. أما في علم الكلام، "فقد أدى الانسياق مع متاهات إشكالية اللفظ والمعنى والخضوع لمنطقهما إلى خنق العقل وتحجيم دوره...وفي مجال البلاغة، حيث كان الانخراط في إشكالية اللفظ والمعنى أشد وأقوى، فقد كانت النتيجة مضاعفة الانخراط في مشاكل المتكلمين ومشاكل الفقهاء من جهة، فأصبح الرأي في مسألة بلاغية مقيدا بما يمكن أن ينتج عنه على مستوى الكلام والفقه معا"[18].

يرى الجابري أن العقل البياني تتحكم فيه سلطة النص والإجماع والاجتهاد، والعرفاني يتخذ من الولاية والكشف طريقا إلى المعرفة، والعقل البرهاني، وإن كان يعتمد على قوى الإنسان المعرفية، فإنه لم يحسن العقل العربي توظيفها

هكذا كان يفقد العقل حريته في التفكير والتمعن، حيث كان حبيس سلطة اللفظ والمعنى ولم يكن ينفك عنهما، نظرا لما قد يترتب عن ذلك من مشاكل في الخلاف العلمي والفكري. وعليه، فقد ظل يجتهد هذا العقل في إطار اللفظ والمعنى فقط، وغالبا ما كان يستند في اجتهاده إلى الدليل، ولكن ليس كل دليل، إنما الدليل هنا بمعنى النص.

أي إن العقل ظل حبيس النص الشرعي والضوابط التي يفرضها "وعليه، فتكوين العقل البياني إنما يتم عبر حفظ النص والنظر في النص، وبالتالي فاهتمامه سيتركز أساسا على نظام الخطاب وليس على نظام العقل"[19]، فتكوينه تكوين الخطاب ومراعاة قناة التواصل والرسالة من المخاطب إلى المخاطب إليه فقط، إذ يجب احترام نص الخطاب وما يحمله من معاني ودلالات، وفي هذا تغييب لدور العقل الذي يفرض عليه التقييد بنظام الخطاب وعدم الخروج عليه.

وكثيرا ما يستعمل الجابري مصطلح السلطة، التي عانى منها العقل البياني، سلطة النص وسلطة الخبر وسلطة التواتر وسلطة الإجماع وسلطة الثقافة وسلطة المرجعية، ليثبت في نهاية تحليله، أن العقل العربي لم يكن يمارس وظائفه بشكل مطلق، وإنما كان كثيرا ما يحترم تلك القيود التي فرضت عليه، خشية أن يقع في المحظور والخلاف، أضف إلى ذلك سلطة الحكام أيضا، حتى قال: "فكان الاستبداد الذي عانى منه العقل البياني استبدادين: استبداد الحكام بالسياسة واستبداد السلف بالمعرفة، ومن دون شك، فإن الوقوع في الثاني إنما كان سبب الهروب من الأول، بسب عدم القدرة على مواجهته والتصدي له"[20] فالعقل البياني عقل ظل يفكر في إطار ما تفرضه الثقافة والمرجعية واللغة بصفة عامة، منها ما هو معرفي ومنها ما هو سياسي.

العقل العرفاني: يربط الجابري هذا العقل بالمعرفة المتعلقة بالتصوف والتأويل، والظاهر والباطن، والنبوة والولاية، والمماثلة والأسطورة، وعلاقة كل ذلك بالسياسة دائما، فالمعرفة التي اشتغل عليها هذا النوع من العقل، ترتبط ارتباطا وثيقا بالعرفان "بمعنى العلم والمعرفة، وعند المتصوفة ما يلقى في القلب على صورة كشف وإلهام"[21] وهذا الحقل المعرفي ليس جديدا على الإسلام، وإنما تعود أصوله إلى ما قبل الإسلام، حيث كان الناس يتعاطون لمثل هذه الثقافات، باعتبارها نظاما معرفيا ومنهجيا في اكتساب المعرفة، وخاصة تلك الثقافات التي كان يحتك بها العرب من حضارات كمصر والشام والعراق، فكل هذه الأمصار قد شهدت هذا النوع من المعرفة، وقد حصل هناك في الجزيرة العربية تأثير وتأثر بين الثقافات المتعددة، حتى برزت بشكل أقوى في الإسلام، فاشتغل أصحابها على ما هو باطني في مقابل ما هو ظاهري، واشتغلوا على اللفظ والمعنى والمماثلة والقياس.

فيعتقد الجابري "أن الموقف العرفاني هو موقف سحري يلغي العالم، ليجعل من أنا العارف الحقيقة الوحيدة، وهو يعتبر العالم شرّا كله، ليجعل من أنا ومن أنا وحده نفحة الخير الإلهي الوحيدة في هذا العالم.".[22]

فالمتصوف يرى أنه الوحيد الذي يصل إلى الحقيقة عن طريق معرفة الله، فهو العارف وغيره لا يملك هذه الحقيقة؛ لأنه لا يستعمل العقل الباطني الذي يكشف من خلاله أسرار الوجود والحقائق الباطنية التي تحتاج إلى عرفان، ولا يمكن التعرف على الله حق المعرفة إلا عن طريق العرفان، وبعد ذلك يصير هو العارف فقط، وغيره يجب أن يسلك طريقته قصد وصوله إلى العارف بالله وبناء عليه "فالعرفان أدنى درجات العقلانية...لأنه لا يستطيع مواجهة الواقع وبهذا يهرب العرفاني من عالم الواقع"[23] فيستعمل هذا النوع من العقل المختص في مجال الباطن هروبا من الواقع الذي يدرك بالحواس والتجارب والقياس والمماثلة، فتجده يرتقي في مراتب المعرفة من المريد إلى النقيب إلى النجيب أو الواصل إلى القطب، باعتبارها أعلى الدرجات العلمية في المدرسة الصوفية، ومحل نظر الحق تعالى[24].

العقل البرهاني: يندرج هذا العقل فيما يقرره الذهن من صدق القضايا، فهو يعتمد على الحجج والأدلة العقلية بناء على ما يتوصل إليه العقل من نتائج؛ فالبرهان كما ذهب يقول: "يعتمد على قوى الإنسان المعرفية، من حسّ وتجربة ومحاكمة عقلية وحدها دون غيرها في اكتساب معرفة بالكون ككل وكأجزاء"[25] فهذا العقل وإن حصل في العقل العربي، إلا أنه كان يفتقر إلى المنهج الصحيح، فالذين وظفوه أخذوه من أرسطو، لكن دون منهج ودون نسق، أي دون القواعد العقلية الأرسطية، حيث كان أرسطو يعالج القضايا ككل وكأجزاء، وهم خالفوه في هذه المنهجية، فرغم محاولات الغزالي الذي التقت عنده هذه الحقول المعرفية الثلاثة، وحصل فيما بينها تداخل وكان البرهان هو الضحية[26] نظرا لعدم انتظام الآراء عنده، وهو ما سماه بالتداخل التلفيقي الذي يفتقد إلى البنيات المتناسقة، وقد شهدت هذه الحقول تداخلات أخرى قبله، وخاصة بين البيان والعرفان مع الحارث المحاسبي، وبين البيان والبرهان مع الكندي، وبين البرهان والعرفان مع إخوان الصفا والفلاسفة الإسماعيليين.[27]

يدعو طه عبدالرحمان إلى تجديد الدين وتجديد الفكر وتجديد فلسفة الإسلام وتجديد علم الكلام والمناهج، ولا يمكن أن يكون هذا التجديد إلا بالثقة في النفس بدل الانسياق والتبعية للآخر والذوبان فيه

ففي نظره أن العقل البياني تتحكم فيه سلطة النص والإجماع والاجتهاد، وهي سلطات مرجعية تهدف إلى خدمة الدين والعقيدة، والعرفاني يتخذ من الولاية والكشف طريقا إلى المعرفة، ويهدف إلى الدخول في نوع من الوحدة مع الله، والعقل البرهاني وإن كان يعتمد على قوى الإنسان المعرفية، فإنه لم يحسن العقل العربي توظيفها في زمن ترجمت فيه أقوال أرسطو الذي يحظى باحترام وتقدير من أهل الفلسفة، فوظفت إيديولوجيا مع ابن سينا (تـ427هـ) ومجرد آلية ذهنية شكلية غير متناسقة مع الغزالي (تـ 505هـ).

وتوصل في تحليله التكويني والبنيوي للعقل العربي، إلى أنه لا عقلانية للعقل العربي، وأنه عقل لا تاريخي؛ لأنه في الحقل البياني ظل تائها وراء اللغة والمعنى، وتحكمت فيه الأدلة النصية وسلطة الحفظ والسياسة، وفي العرفاني ظل يتخبط هذا العقل في مجال بعيد عن الواقع العقلاني في زاوية اللاعقلاني. أما البرهاني، فلم يحسن العقل العربي استعمال وظائفه بشكل جيد، حيث لم يجمع بين النسق ومعالجة القضايا بشكل يحترم فيه المنهجية الأرسطية.

وكما أنه اليوم أصبح عقلا مضادا لنفسه متناقضا مع ذاته وعقلا لا يقبل التطور؛ لأن التاريخ الثقافي السائد هو مجرد اجترار وتكرار وإعادة انتاج بشكل رديء لنفس التاريخ الثقافي الذي كتبه الأجداد. ولهذا، فإن العقل العربي يعيش اليوم نوعا من الشرود بين سلطتين عظيمتين؛ سلطة التراث وسلطة الحداثة، فيصف العقلانية المعاصرة بأنها "عقلانية تجريبية وليست عقلانية تأملية كما كان الشأن من قبل."[28]

*- اقتراحات الجابري

يرى أنه آن الأوان للبحث عن تراث جديد يجب أن يكون عقلانيا وتاريخيا وحداثيا، يتخلص من جميع القيود، ويتحرر من جميع السلط. أما التراث العربي، فإنه يدعو إلى المحافظة على ما هو إيجابي فيه، وخاصة ما كان عليه العقل أيام التدوين، فيجب على هذا العقل اليوم أن يدخل مرحلة تدوين جديدة، ولكن هذه المرة بأساليب وأدوات جديدة، فهو يمدح ما توصل إليه العقل العربي من نقدية مع ابن حزم وابن رشد وأصولية مع الشاطبي وتاريخية ابن خلدون، فبهذه العقلانية وحدها يمكن إعادة بنية العقل العربي.

وكما يدعو إلى المحافظة على الأوجه الإيجابية فيه، فهو يدعو أيضا إلى ما سماه بالانتظام في التراث؛ بمعنى احتواء التراث والاحتفاظ طبعا بما هو إيجابي فيه[29]، وذلك عن طريق إثبات مشروعية المناهج الغربية وتنزيلها على تراثنا حتى يتم فصل العقلاني منه من اللاعقلاني، فهي دعوة إلى الاتصال والانفصال في نفس الوقت، والانتقائية من التراث الأندلسي المغربي وتحديثه وتجديده من أجل تأسيس البرهان للبيان.

ومن هنا يستنج أن الجابري الذي اشتغل على التراث يدعو تجاوز كل ما هو سلبي في هذا التراث والاحتفاظ على ما هو إيجابي فيه، وقد نوه بالإبداع الذي توصل إليه أهل المغرب والأندلس من أمثال ابن حزم والشاطبي وابن رشد وابن خلدون، باعتبار إبداعهم أعلى شأنا مما توصلت إليه فلسفة المشرق ومفكروها، في إحداث آليات جديدة تخدم العقل العربي من نقد ومقاصد وفلسفة وفلسفة التأريخ، ويوصي بالمحافظة عليه مع مزيد من الاجتهاد في تأهيل العقل العربي.

*- نموذج طه عبد الرحمن:

إن مما يعرف به الفيلسوف والمجدّد الدكتور طه عبد الرحمن، ضمن أفكاره وأعماله وكتاباته ومشروعه بصفة عامة، هو العودة إلى الذات والتصالح معها، من أجل التجديد والتطوير، والتجديد الذي يتحدث عنه يجب أن يكون من داخل التراث وليس من خارجه؛ فهو يدعو إلى تجديد الدين وتجديد الفكر وتجديد فلسفة الإسلام وتجديد علم الكلام والمناهج، ولا يمكن أن يكون هذا التجديد إلا بالثقة في النفس بدل الانسياق والتبعية للآخر والذوبان فيه، بل يرى أنه لا يمكن لمشروع أن ينجح إذا تم فيه إقصاء الأنا والهوية والثقافة، فهي الأساس لكل من يرى في نفسه قابلية النهضة والإبداع الفكري، الذي لا يمكن له أن يتحقق هو الآخر إلا على هذه الأسس والمناهج.

ونجد هذا بالضبط فيما يتعلق بأعماله وإبداعاته في مجال العقل، "فلا يخلو كتاب من كتبه من إبداع يبدع فيه تصورا تجديديا للعقل، بل إن مفهومه للعقل يزداد قوة من كتاب إلى كتاب"[30] فهو يؤسس لمفاهيم جديدة؛ لأن "الفلسفة عنده إبداع للمفاهيم"[31]، ومصطلحات تستمد قوتها من الفكر الإسلامي المحض، القائم على الأخلاق ومعانيها، انطلاقا من النصوص القرآنية والنبوية، لتقريب المفهوم الذي ينبني عليه نقد طه عبد الرحمن في مجال العقل لدى فلاسفة اليونان، ويعني بذلك أرسطو بالخصوص وفلاسفة الأنوار، كأنه يقصد في نقده فلسفة ديكارت.

وهو ما تم انتقاده قديما وحديثا في مجال الفلسفة والفكر الإسلامي وعلم التوحيد، فهو يثني على المجهودات المبذولة من طرف فلاسفة الإسلام الذين أبدعوا في الفلسفة والفكر عكس ما ذهب إليه الجابري تماما؛ لأنه يرى فيهم مقلدة فقط، ما عدا ابن رشد ومن اهتم بالنقد مثل ابن حزم والشاطبي وابن خلدون.

أما طه عبد الرحمن، فيرى أن ابن رشد بالخصوص هو المقلد ضمن هؤلاء الفلاسفة جميعا، لا لشيء إلا لأنه استأنف تقليد أرسطو[32]، في حين يرى كثير من الفلاسفة وأعيان الفكر أن فلسفة ابن رشد تركت أكبر الأثر في أوروبا وأخرجتها من ظلمات التقليد إلى نور العقل، ويتبين من الآراء التي بثها في كتبه أنه كان بعيدا عن التصوف يتقيد بالعقل ولا يسير إلا على هداه[33].

فهو يفتخر بالفلسفة الإسلامية، وإن كان ينتقدها انتقادا شديدا، لكن يختلف أسلوب النقد عند الرجل عن غيره من الذين تطرقوا إلى هذه المسألة؛ فالغزالي الذي ضيق الخناق على الفلسفة في المشرق العربي وأجبرها على الهجرة إلى المغرب العربي، لتجد فيها مهربا وملاذا، يثني عليه طه عبد الرحمن كثيرا حتى قيل عنه إن الصوفي ينتصر للصوفي، ولم ينتصر لفلسفة ابن رشد إلا من هذه الناحية.

فبالنسبة إليه، لابد من تجديد الفكر الإسلامي بطريقة متصلة بالإيمان والأخلاق، باعتبارهما تجربة حية وعملية ومتصلة بأدوات جديدة ومناهج حديثة متكاملة فيما بينها، فلا تجديد عنده إذا لم يكن مرتبطا بالأخلاق، فجميع مشاريعه تغدو وتروح إلى منظومة الأخلاق وإلا فلا معنى لها بالنسبة إليه، فمن أراد أن يفهم مشروعه الكبير لابد وأن يضع بين نصب عينيه هذه المرجعية الأساسية، فهو ينتقد كثيرا الحداثة وما تومئ إليه وقد ألف في هذا كتابا سماه روح الحداثة، ولا يتفق مع الجابري فيما ذهب إليه بتاتا في هذا الأمر، كما أنه لا يغفل عن الجانب العملي، حتى ألف كتابين بهذا الاسم سؤال العمل، وسؤال الأخلاق.

لابد من تجديد الفكر الإسلامي بطريقة متصلة بالإيمان والأخلاق، باعتبارهما تجربة حية وعملية ومتصلة بأدوات جديدة ومناهج حديثة متكاملة فيما بينها

وينطلق الرجل في بناء مشروعه بنقد العقل أيضا، حيث استطاع أن ينتقد المفهوم السائد للعقل عند الفلاسفة الذين غالبا ما كانوا يربطونه بالدماغ، ويجعلونه جزءا من الذات وجوهرا، فوظيفة الدماغ عندهم هي إنتاج العقل، فالدماغ ينتج العقل كما تنتج الكبد الصفراء، وخاصة ما عرف به ديكارت، حينما يتحدث عن العلاقة بين العقل والجسد، فيقول: إن العقل يسبب حوادث في الجسد، وأن الحوادث في الجسد تسبب حوادث في العالم العقلي، أو عندما اعتبر التأثير المتبادل بين اعقل والجسد كونه يحصل في الغدة الصنوبرية في قاعدة الجمجمة[34] في حين أن مثل هذه الثنائية الجوهرية مرفوضة اليوم بجميع أشكالها، وخاصة الثنائية بين العقل والجسد على النمط الديكارتي.[35] كما أن هذه النظريات لا يعتد بها اليوم في الغرب، ولا يعترف بها.

وهذا مرفوض عند طه، وقد سماه بالعقل المجرد، فهو مجرد عن الحس والقلب والشعور وعن الشرع والأخلاق، ولا يؤمن هذا العقل إلا بما هو مادي ملموس فقط، وليس عقلا واحدا كما ساد قديما، ولا عقلا ينتجه عضو في الجسم، وإنما العقل شيء آخر يتمثل في أفعال القلوب حسب الأحوال؛ فالعقلانية عنده درجات "وأن أبلغ هذه الدرجات في العقلانية ما أخذ بالتجربة الإيمانية الحية"[36]، ولابد من التداول الإيماني العملي للعقل، وإلا فإن المفهوم سيكون خارجا عن الذاتية، وهذا مرفوض أيضا، فالعقل الذي ينتفي مع الإيمان لا فائدة منه؛ لأن الخطاب الديني يتعلق بالمكلفين ولا تكليف إلا على ما قام به شروط العقل[37].

وهذا هو الاقتران الذي يدعو إليه في مجاله التداولي الإسلامي؛ أي ضرورة اقترانه بالإيمان والعمل؛ لأن الدين الإسلامي يختلف عن الثقافات الأخرى، مثل الفلسفات اليونانية التي اقترن فيها العقل بالقول، وفي هذا ذهب يقول: "اقتران العقل بالعمل ليس العقل أولى بالاقتران بالقول منه بالعمل، فإذا اقترن في التداول اليوناني بالقول، فيبدو أن اقترانه بالعمل أقرب إلى التداول الإسلامي، بل قد يكون أصلا من أصوله الأساسية"[38] ولهذا، فعند عدم وجود العقل ينتفي التكليف؛ لأنه هو سبب التكليف، وإحدى كليات الشريعة الأساسية عند علماء مقاصد الشريعة، فمراتب العقل تبتدئ من الإيمان ثم العمل، وليس القول كما هو شائع في فلسفة اليونان، وهذا هو ينتصر له ويجده موافقا لما جاء به الشرع.

وعليه ينفي أن يكون العقل شيئا في الذات أو يكون جوهرا، وذلك في جميع كتاباته كما ذهبت إليه الفلسفة اليونانية أو الفلسفات الإسلامية التي نقلت تعريف العقل عن اليونان، وخاصة تعريف أرسطو الذي تحدث عن العقل، باعتباره ما تتفكر به النفس وتعقل المعاني عندما قال: "يجب إذن أن يكون العقل بالضرورة من حيث إنه يعقل جميع الأشياء"[39] أو كما نقله ابن سينا عندما، قال: "ويجب أن نعرف أن هذا الجوهر الذي هو العقل، هو جوهر مجرد عن المادة بالذات، وبالعلاقة العقلية، ومن كل جهة"[40] وبه يفارق الإنسان عن الحيوان ويستعد قبول المعرفة. وإلى هذا ذهب غير واحد من فلاسفة الإسلام، وما رجحه أيضا أبو حامد الغزالي متابعا في ذلك الجمهور، وقد سماه طه عبد الرحمن بالعقل المجرد.

العقل المجرد: فهو ينتقد هذه التعاريف، ويرى في هذا العقل قصورا ومحدودية في القضايا التي يهتم بها؛ لأنه "لا يشتغل على مبحث الإلهيات، وهو أحد العلوم النظرية التي تختص بالتوسل بالعقل المجرد في التحصيل والتبليغ"[41]، وإنما يكتفي بالظواهر والتحيز والوسائط فقط، وهذا بإمكان أيّ عقل أن يصل إليها، كما وضح أن لهذا العقل حدودا أيضا سماها الحدود المنطقية المتمثلة في عدم البث والثبات، والعجز عن رفع الحدود، ثم الحدود الواقعية المتمثلة في النسبية والاستشراقية والفوضوية والنظريات، التي لا يكمل بعضها بعضا، ثم الحدود الفلسفية المتمثلة أساسا في التظهير بمعنى (الظواهر) والتحييز بمعنى (الحيز) والتوسيط يعني (قلة وكثرة الوسائط)، فطبيعة هذا العقل إذن تحكمه الماديات فقط، ويشتغل في نطاقها دون باقي النظريات الميتافيزيقية الغيبية.

فهو إذن "تعوقه الحدود الخاصة مثل النظر في الإلهيات الإسلامية؛ لأن مثل هذا العقل يسيطر عليه التشبيه ويتوسل بالألفاظ والعبارات وحدود عامة تتمثل في الحدود المنطقية المستدل عليها بالبراهين الرياضية والحدود الواقعية والحدود الفلسفية".[42] ولا يستحضر النظريات الأخرى التي لا يمكن إنكارها؛ لأنها موجودة ولا تتعلق بما هو مادي.

وهذه الأمور التي يعتمد عليها العقل المجرد تسقطه في متاهات الإيمان بالماديات فقط، وإلغاء كل ما هو غير مادي ميتافيزيقي، لكونه يعتمد على القياسات والتجارب والمنطق والألفاظ والعبارات، وهذا لا يعني أنه يجب إهمال هذا النوع من العقل أو القدح فيه نظرا لنسبيته أو محدوديته كلا "لأن القدح في العقل المجرد يؤدي إلى القدح في المقتضيات الدينية نفسها"[43]؛ فالشريعة لا تنكر مثل هذه المقتضيات التي كثيرا ما ترتب بعض أحكامها عليها ولا تلغيها.

ثم إنه ينتقد هذا العقل لما فيه من تشيئ الإنسان وتجزيئه، فهو ينفي ما ذهب إليه بعض الفلاسفة من كون أن هناك عقلا مفارقا يفنى، وعقلا فعالا لا يفنى حتى ولو مات الإنسان، فيبقى هذا العقل، وانطلاقا من نقده لهذا العقل، فهو يبدع في إظهار أنماط أخرى من العقول التي يجب الانتباه إليها، قصد فهم العقل الإسلامي ومحاولة تجديد عمله وفكره، وسمى هذه العقول بالمسدد والمؤيد أو الموسع، وهي مراتب وليست على شاكلة واحدة ومن هذه العقول ما سماه بالعقل المسدد.

العقل المسدد: هو العقل الذي يبتغي به صاحبه جلب منفعة أو دفع مضرة متوسلا إلى ذلك بإقامة الأعمال التي فرضها الشرع[44]، فهذا العقل يشترط فيه أن يكون موافقا لما جاء به الشرع الإسلامي، فيجلب المصلحة في الوقت الذي يدفع فيه المفسدة مع إقامة الأعمال، فهو عقل مجرد في حقيقته، إلا أنه تميز بالعمل وجلب المصلحة بما يوافق الشرع ولا يخالفه وهذا العقل كما يقول طه عبد الرحمن "استوفى شرطين أساسين النظري والعملي"[45]، فلا يغفل الجانب العملي وإلا فهذا العقل سيختلف عن التداول الإسلامي القائم على العمل والأخلاق.

العقل المؤيد: هو العقل الذي يتدارك الآفات الخلقية والعملية التي تقع فيها الممارسة المسددة، وهي التصوف[46] فهو عقل باطني يشتغل على معرفة باطنية ولا يقتصر على الظواهر من الأعمال فقط، فهو عبارة عن الفعل الذي يطلب به صاحبه معرفة أعيان الأشياء بطريق النزول في مراتب الاشتغال الشرعي مؤديا النوافل على إقامة الفرائض على الوجه الأكمل"[47]

خلاصة مراتب العقول:

العقل المجرد يطلب أن يعقل من الأشياء أوصافها الظاهرة (المقارب)

العقل المسدد يقصد أن يعقل من هذه الأشياء أفعالها الخارجية (القرباني)

العقل المؤيد بالإضافة إلى هذه الأمور، يطلب الأوصاف الباطنة والأفعال الداخلية للأشياء (المقرب).[48]

فهو لا يتفق مع العقل الذي يفتقد إلى الإيمان ويبطله، وفي هذا مضى يقول: "ينبغي التسليم بوجود عقل أكثر توسعا من العقل المجرد، وميزة هذا العقل الموسع ذي الأصل الديني أنه يجمع إلى الحقائق الوجودية التي يتوصل إليها العقل المجرد حقائق إيمانية يضيف عنها هذا العقل، وهي التي ينبغي أن تتأسس عليها حقائقه حتى تكسب معناها، ويستوي مبناها"[49] فلابد من إضافة الحقائق الإيمانية إلى الحقل الذي يشتغل فيه العقل المجرد، ولا يبقى رهين ما تمليه الحواس فقط، والتجارب التي من شأن العقل أن يعتمد عليها مطلقا، فلا يمكن للحقائق أن تستوي من دون النظر الإلهي الملكوتي، وهذا ما يسمى بالعقل الموسع الذي يتفوق على العقل المجرد بهذه الحقائق؛ لأن الأمور المتعلقة بالظواهر والتحيز خاصة التي يتوصل إليها العقل المجرد يستطيع أن يتوصل إليها العقل الموسع، ويضيف عليها التوسع في الملكوت.

ومن الأمور التي ظل ينتقدها طه عبد الرحمن في كتاباته، هو ذلك الفصل الذي عرف عند فلاسفة اليونان وفلاسفة الإسلام وفقهاء الإسلام أيضا، الذين يولون اهتمامهم بالأساس لظاهر موافقة الأفعال للأحكام، ويهملون القيم الأخلاقية التي تنبني عليها[50] وخاصة ذلك الاتصال والتأثير المتبادل بين العقل والقلب، والذي لا يمكن إنكاره، وينتقد تخصيص الدماغ بالعقل والقلب بالعواطف والانفعالات، ويرى أن العقل ناتج عن القوى الإدراكية التي يكون محلها القلب؛ فالقلب هو عبارة عن إدراك للعلاقات القائمة بين الأشياء.[51]

العقل ليس بجوهر في الإنسان، وإنما فعل تتشارك فيه القوى الإدراكية في الإنسان، يتصف بالفاعلية (الفاعلية) والتجديد (التكوثر)

إن ما ميز فكر طه عبد الرحمن أنه فكر استطاع أن يفتح للعالم بأكمله بابا للنقد حول العقل ظل لآلاف السنين مقدسا لا يمكن انتقاده، وإنما الاجتهاد في ظل المفاهيم التي يفرضها فقط منهج فلاسفة الإغريق مرورا بفلاسفة الإسلام وفلاسفة الأنوار حول مفهوم العقل القديم والحديث، حتى انتقده وبين عيوبه من مختلف الجهات، وبنى نظريته على مفاهيم نصية جديدة ثابتة في الفكر الإسلامي في وقت تعيش فيه الأمة الإسلامية أزمة فكرية وجمودا على الفكر الغربي، حتى صار ما يقوله المفكر الغربي يردده المفكر العربي، وبهذا استطاع أن يفتح باب الاجتهاد والتجديد في الفكر الفلسفي منتقدا كل فكر يسيء إلى الفكر الإسلامي من تحديث وحداثة وبدأ بأرسطو وديكارت والحداثة.

وتوصل إلى أن العقل ليس بجوهر في الإنسان، وإنما فعل تتشارك فيه القوى الإدراكية في الإنسان، يتصف بالفاعلية (الفاعلية) والتجديد (التكوثر).

وبهذا المنهج الذي ارتضاه طه عبد الرحمن، يكون قد احترم قواعد الفلسفة في النقد والبحث والتأمل وطرح أفكار من إبداعه من داخل الدين وليس من خارجه؛ لأن الدين بالنسبة إليه يجب أن يخدمه الفكر والتأمل والتجديد ولا يهدمه؛ فالدين هو الأخلاق والمعاملة والعمل والعلم في نفس الوقت، كما أن الدين يدعو إلى التفكر وإعمال النظر والعقل في الإسلام أوسع من العقل في الفلسفة القديمة والحديثة؛ لأن العقل الفلسفي جزء من العقل الإسلامي، أو قل إن ما يتوصل إليه العقل الفلسفي من القضايا والقوانين، يتوصل إليه العقل الإسلامي ويزيد عليه أمرا عظيما لا يطيقه العقل المجرد ما بقي على تجريده الضيق، ألا وهو تأسيسها على الحقائق الإيمانية، وتأسيسه للنظر الملكي على النظر الملكوتي؛ أي تأسيس عالم الظواهر على عالم الآيات.

خلاصات:

لا يسعنا القول في الأخير إلا أن نحدد بعض الخلاصات التي يمكن التوصل إليها من خلال عرض منهجية كل واحد منهما فيما يتعلق بطريقة تعاملهم مع العقل في فلسفتهما معا.

- فالجابري اقتحم التراث العربي الإسلامي، عندما اشتغل على العقل العربي في تكوينه وبنيويته، ليخلص في النهاية إلى أن العقل العربي يجب عليه أن يتحرر أكثر فأكثر، حتى يستطيع قبول أدوات جديدة للتفكير والتجديد.

- كما أنه يدعو العقل العربي إلى إحياء فترة زمنية مهمة سماها عصر التدوين، وإن كان لديه تحفظ في نسبة تحرر هذا العقل في هذه المرحلة، فعلى الأقل تعتبر أهم مرحلة في مسيرته التاريخية فكرا وإبداعا وتجديدا.

- كما أن الجابري يفضل بعض الجوانب الإيجابية التي حصلت للعقل العربي، وخاصة في المغرب والأندلس مع نقدية ابن حزم والشاطبي وعقلانية ابن رشد وتاريخية ابن خلدون، فهو إذن يفتخر بالعقل المغربي على وجه الخصوص، ويفتخر به ويعتقد أنه يجب استعادته في هذه الظرفية التي تعيشها الأمة اليوم.

-  ويرى كذلك أنه قد آن الأوان إلى تأسيس عصر جديد للتدوين بآليات مختلفة اليوم يتم استجلابها من الغرب وحداثته.

أما الفيلسوف طه عبد الرحمن، فقد بدأ من حيث انتهى الجابري، هو رفض كل الآليات والأدوات الغربية التي تحكمت في العقل العربي الإسلامي، وأنه لا نهضة بدون التحرر من الاستعمار الفكري أولا والعودة إلى الذات وذلك عن طريق:

-  التحرر من المنظومة الغربية المتجاوزة هناك، والعودة إلى الذات وعدم الخوف من الإبداع.

- وفتح آفاق جديد للعقل العربي الإسلامي في التجديد والتحديث بالمعنى الإسلامي وليس بالمعنى الغربي الداعي إلى التحرر من الذات.

- شق طريقة جديدة في الفلسفة الإسلامية، بإحداث مفاهيم ومصطلحات إسلامية تستمد من الكتاب والسنة، ومنهجية جديدة عقلانية نقدية ترتبط بمنظومة الأخلاق الإسلامية والإيمانية، وهي ما سماها بالفلسفة الائتمانية.

وعلى العموم، فقد ظل كل من الجابري وطه عبد الرحمن يمثلا ن الفلسفة المغربية المعاصرة التي يستشهد بها في مختلف المحافل العلمية والفلسفية في العالم الإسلامي وبجهودهما، التي ما فتئت تخلق جدلا واسعا في الأبحاث الأكاديمية، وتفتح آفاقا كثيرة لرواد الفلسفة والفكر الإسلامي، وهذا الذي يجب الافتخار به من نماذج فلسفية مغربية معاصرة.

 

المصادر والمراجع:

-       ابن سينا، أحوال النفس، تحقيق ودراسة، د. أحمد فؤاد الأهواني، دار بيبليون، باريس، ط 2007

-       أرسو طاليس، كتاب النفس، ترجمة أحمد فؤاد الأهواني، القاهرة، ط 2، 2015

-    بدر، الحمري، مقال، مفهوم العقل في فلسفة طه عبد الرحمن مؤسسة مؤمنون بلا حدود، www.mominoun.com، 13 أبريل 2016

-       جون ر-سيرل، مجلة عالم المعرفة، ترجمة، أ.د. ميشيل حنا متياس، عدد 343، سنة 2007

-       عبد الحكيم، عبد الغني قاسم، المذاهب الصوفية ومدارسها، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط 2، 1999

-       عبد الرحمن، طه، العمل الديني وتجديد العقل، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط 2، 1997، ص: 12

-    عبد الرحمن، طه، سؤال العمل بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 2012، ص: 47

-    عبد الرحمن، طه، سؤال العمل، بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط 1، 2012، ص ص: 109-110

-       قدري حافظ طوقان، مقام العقل عند العرب، دار القدس، بيروت، 2002

-    محمد عابد الجابري، مقال بعنوان "صراع المعقول وألا معقول في الفكر العربي الإسلامي"، مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد 20-21-22، ص: 11

-       محمد عابد، الجابري، الخطاب العربي المعاصر دراسة تحليلية نقدية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط 5، 1994، ص: 39

-       محمد عابد، الجابري، بنية العقل العربي، نشر المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط 1، 1986، ص: 252. (تحقق)

-       محمد عابد، الجابري، تكوين العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط10، 2009، ص: 5

-       محمد عابد، الجابري، مدخل إلى القرآن الكريم، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2006، ص: 233

-    محمد، إبراهيم، سلسلة تاريخ الفرق الإسلامية الكتاب الرابع، المعتزلة، تكوين العقل العربي أعلام وأفكار، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 2006

-       محمد، عمارة، رد افتراءات الجابري على القرآن الكريم، دار السلام، مصر، ط1، 2011، ص: 12

-       محمد، محمد أمزيان، منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية، بيت الحكمة والترجمة والنشر، وجدة، ط 3، 1996، ص: 104

-    مصطفى، الرويجل، مقال، العقل العربي: من النقد إلى السلفية، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، www.mominoun.com، 17 يوليو 2018

[1]- محمد عابد الجابري، مقال بعنوان "صراع المعقول واللا معقول في الفكر العربي الإسلامي"، مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد 20-21-22 ص: 11

[2]- قدري حافظ طوقان، مقام العقل عند العرب، دار القدس، بيروت، 2002، ص: 17

[3]- نفسه، ص: 78

[4]- محمد، إبراهيم، سلسلة تاريخ الفرق الإسلامية الكتاب الرابع، المعتزلة، تكوين العقل العربي أعلام وأفكار، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 2006، ص: 12

[5]- جون ر-سيرل، مجلة عالم المعرفة، ترجمة، أ.د.ميشيل حنا متياس، عدد 343، سنة 2007

[6]- محمد، عمارة، رد افتراءات الجابري على القرآن الكريم، دار السلام، مصر، ط1، 2011، ص: 30

[7]- محمد، عمارة، المرجع نفسه، ص: 12

[8]- محمد، محمد أمزيان، منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية، بيت الحكمة والترجمة والنشر، وجدة، ط3، 1996، ص: 104

[9]- محمد، عمارة، رد افتراءات الجابري على القرآن الكريم، ص: 22

[10]- محمد عابد، الجابري، مدخل إلى القرآن الكريم، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2006، ص: 233

[11]- محمد، محمد أمزيان، منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية، ص: 100

[12]- محمد عابد، الجابري، تكوين العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط10، 2009، ص: 5

[13]- نفسه، ص: 11

[14]- محمد عابد، الجابري، تكوين العقل العربي، ص: 32

[15]- نفسه، ص: 32

[16]- محمد عابد، الجابري، بنية العقل العربي، ص: 21

[17]- نفسه، ص: 105

[18]- نفسه، ص ص: 105- 106

[19]- نفسه، ص: 107

[20]- محمد عابد، الجابري، بنية العقل العربي، ص: 135

[21]- نفسه، ص: 252

[22]- محمد عابد، الجابري، بنية العقل العربي، ص: 379

[23]- نفسه، ص: 378

[24]-عبد الحكيم، عبد الغني قاسم، المذاهب الصوفية ومدارسها، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط 2، 1999، ص: 128

[25]- محمد عابد، الجابري، بنية العقل العربي، ص: 384

[26]- نفسه، ص: 487

[27]- محمد عابد، الجابري، بنية العقل العربي، ص: 486

[28]- محمد عابد، الجابري، تكوين العقل العربي، ص: 25

[29]- مصطفى، الرويجل، مقال، العقل العربي: من النقد إلى السلفية، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، www.mominoun.com، 17 يوليو 2018، ص: 16

[30]- بدر، الحمري، مقال، مفهوم العقل في فلسفة طه عبد الرحمن مؤسسة مؤمنون بلا حدود www.mominoun.com، 13 أبريل 2016، ص: 6

[31]- نفسه، ص: 7

[32]- عبد الرحمن، طه، سؤال العمل بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 2012، ص: 47

[33]- قدري حافظ طوقان، مقام العقل عند العرب، ص: 204

[34]- مجلة، عالم المعرفة، العدد، 343، ص: 33

[35]- نفسها، 343، ص: 40

[36]- عبد الرحمن، طه، العمل الديني وتجديد العقل، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط 2، 1997، ص: 12

[37]- عبد الرحمن، طه، سؤال العمل، ص ص: 109-110

[38]- نفسه، ص: 58

[39]- أرسو طاليس، كتاب النفس، ترجمة أحمد فؤاد الأهواني، القاهرة، ط 2، 2015، ص: 108

[40]- ابن سينا، أحوال النفس، تحقيق ودراسة، د. أحمد فؤاد الأهواني، دار بيبليون، باريس، ط 2007، ص ص: 112-113

[41]- عبد الرحمن، طه، العمل الديني وتجديد العقل، ص: 21

[42]- نفسه، ص: 50

[43]- نفسه، ص: 52

[44]- عبد الرحمن، طه، العمل الديني وتجديد العقل، ص: 58

[45]- نفسه، ص: 68

[46]- نفسه، ص: 119

[47]- نفسه، ص: 121

[48]- عبد الرحمن، طه، العمل الديني وتجديد العقل، ص: 121

[49]- عبد الرحمن، طه، سؤال العمل، ص: 110

[50]- نفسه، ص: 77

[51]- نفسه، ص: 73