"الربيع العربي" والخطاب السوسيولوجي


فئة :  حوارات

"الربيع العربي" والخطاب السوسيولوجي

"الربيع العربي" والخطاب السوسيولوجي([1])


قال الدكتور أحمد شرَّاك، إنَّ "الربيع العربي" ساهم في منح الباحثين السوسيولوجيين جرأة علميّة أكبر في تناول بعض القضايا الشائكة، التي كانت تعتبر إلى عهد قريب من الخطوط الحمراء في العالم العربي، على غرار مسألة السّلطة والدولة، في حين لم يكن لهذا الحدث أيّ تأثير على البحث السوسيولوجي من حيث المنهج والتوصيف الإبستمولوجي.

وأضاف الدكتور شرَّاك، المتوَّج أخيراً بجائزة المغرب للكتاب في صنف العلوم الاجتماعيّة عن كتبه "سوسيولوجيا الربيع العربي"، في حوار مع مجلة "ذوات"، إنَّ المقاربة السوسيولوجيّة في معالجة أحداث "الربيع العربي" كانت شبه غائبة، أمام غلبة المقاربات الصحفيّة والإعلاميّة والسياسيّة والقانونيّة والتاريخيّة والأيديولوجيّة.

وأوضح شرَّاك أنَّ الأطروحة المركزيّة التي يدافع عنها في كتابه "سوسيولوجيا الربيع العربي"، هي أطروحة النقد والاستمرار أو الاستراتيجيّة النقديّة لـ "الربيع العربي"، وهي أطروحة تنطلق من كون "الربيع العربي" هو فعل احتجاجي مستمرّ في الزمن لم ينتهِ بعد، ويجب إخضاعه للنقد والتفكيك.

وأشاد شرَّاك في هذا الحوار بدور الجمعيّة العربيّة لعلم الاجتماع، التي ساهمت في خلق فضاء يجمع السوسيولوجيين العرب من خلال منبر مجلة "إضافات"، في مقابل فشل الجمعيّة المغربيّة لعلم الاجتماع التي وصف عملها بالصوري. وحول وضع السوسيولوجيا في العالم العربي اليوم، ذكر شرّاك أنَّ العالم العربي بشكل عام عرف تململاً في الكتابة السوسيولوجيّة، حيث ظهرت اجتهادات نظريّة، وأبحاث ودراسات، سواء في المشرق العربي أو المغرب، ما جعل البحث السوسيولوجي العربي يتطوّر، ويصبح أكثر فاعليّة، خاصّة في الجوانب الميدانيّة، لأنَّ البحث الميداني كان ينظر إليه إلى حدود الثمانينيّات من القرن الماضي، على أنَّه غير نافع، على الأقلّ في المغرب العربي.

وأشار إلى أنَّ الجميع اليوم أصبح يؤمن بجدوى وأهميّة الأبحاث الميدانيّة، غير أنَّ العائق الوحيد المستمر هو سياسة البحث العلمي المعتمدة في البلدان العربيّة، والتي يجب أن يُعاد النظر فيها، وأن تُخصَّص ميزانيات حقيقيّة للأبحاث السوسيولوجيّة.

وأكّد شرّاك أنَّ السوسيولوجيا في الطريق نحو الأبهى والأجمل، خاصّة بعد إيمان الدول العربيّة بوظيفتها العقلانيّة والتنويريّة وتربية النشء على أفق مغاير، وتكوين بنيات جديدة في التفكير بعيداً عن التطرُّف والمغالاة.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ الدكتور أحمد شرَّاك، أستاذ السوسيولوجيا بجامعة سيدي محمّد بن عبد الله، كليّة الآداب ظهر المهراز، يُعدّ من بين السوسيولوجيين القلائل في المغرب والعالم العربي المهتمّين بسوسيولوجيا الثقافة، حيث ساهم في إغناء المكتبة المغربيّة والعربيّة بالعديد من المؤلفات، نذكر من بينها: "الثقافة والسياسة"، "سوسيولوجيا التراكم الثقافي"، "فسحة المثقف"، "الثقافة وجواراتها"، "الكتابة على الجدران المدرسيّة" و"الهدر المدرسي والمسألة الثقافيّة"، و"سوسيولوجيا المغرب: المقاربة الأنجلوساكسونيّة"، و"العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بالمغرب: طروحات ومقاربات" (في مجلّدين بالعربيّة والفرنسيّة)، و"سوسيولوجيا المشكلات الاجتماعيّة: مقدّمات في مقاربة البيدوفيليا"، إضافة إلى المشاركة في العديد من الكتب الجماعيّة.

كما شارك الدكتور أحمد شرَّاك في مجموعة من الندوات والمؤتمرات، وهو عضو في مركز الأبحاث والدراسات النفسيّة والاجتماعيّة، كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، ظهر المهراز بفاس، وعضو في هيئة التحرير والاستشارة العلميّة في مجموعة من المجلات المغربيّة مثل مجلة "الاقتصاد والمجتمع"، ومجلة "فلسفة"، ومجلة "مقاربات"، ومجلة "دفاتر".

أمينة زوجي: المتتبع لكتابات الباحث والأكاديمي المغربي أحمد شرّاك سيلاحظ أنّ جلّها، إن لم نقل كلّها، تندرج ضمن حقل "سوسيولوجيا الثقافة"، فلمَ هذا الاختيار بالتحديد؟

الدكتور أحمد شرَّاك: نعم، يمكن القول إنَّ جلّ مساهماتي وأبحاثي وكتاباتي تنتمي إلى سوسيولوجيا الثقافة، وهو تخصّص ملتبس ودقيق في الآن ذاته، وقد لا نجد في العالم العربي سوى بعض علماء اجتماع عرب ينتمون إلى هذا التخصّص، أو يهتمّون، على الأقل، بقضايا الثقافة... أذكر من بينهم، على سبيل المثال، د. الطاهر لبيب. كما نجد أصواتاً متفرّقة ومهتمّة بقضايا الإبداع والثقافة في هذا القطر أو ذاك... والمفارقة أنَّ سوسيولوجيا الأدب والثقافة نجد لها حضوراً لدى التخصّصات الأدبيّة أكثر من التخصّصات السوسيولوجيّة. إنَّ هذا التخصّص شاسع ومركّب ومتراكب نظراً لتعدّد معمار الثقافة وتلفيظها، من ثقافة عالِمة إلى ثقافة جماهيريّة (إعلاميّة) إلى ثقافة شعبيّة، إلى ثقافة الجماهير، إلى ثقافة الظلّ أو الثقافة التحتيّة، أو ثقافة الهامش، فضلاً عن ثقافة الفئات والشرائح والطبقات. أمام هذا التعدّد، كان عليَّ أن أختار موضوعات على غير منوال، منها الغرافيتيا كثقافة تحتيّة وثقافة الهامش... وقضايا تهمّ الثقافة العالِمة مثلاً إشكاليّة القراءة تحت لواء سوسيولوجيا القراءة والكتاب والنشر في المغرب والعالم العربي.

إنَّ هذا الاختيار جاء نتيجة تحوّل من الاهتمام إلى التخصّص، خاصّة بعد إنجازي (بمعيّة عبد الفتاح الزين) بيبليوغرافيا السوسيولوجيا المغربيّة في 1987، حيث تبيّن بالملموس غياب تام لهذا التخصّص، وطغيان تخصّصات أخرى لدى الجيل الأوّل والثاني في السوسيولوجيا المغربيّة، والأمر ينعكس إلى حدٍّ واسع على المشهد السوسيولوجي العربي عموماً.

أمينة زوجي: حاولتم من خلال أعمالكم البحثيّة تفكيك الواقع السوسيوثقافي في المغرب، ونقله من واقع اجتماعي/ ثقافي/ سياسي إلى واقع سوسيولوجي قابل للدّراسة، فهل كان من السّهل عليكم الحفر بشكل منفرد في سوسيولوجيا الثقافة، في الوقت الذي تتّسم فيه الساحة العلميّة بهيمنة الدراسات التي تنتمي إلى حقل السوسولوجيا القرويّة، وسوسيولوجيا العائلة، والسوسيولوجيا الحضريّة، وسوسيولوجيا الهجرة، والسوسيولوجيا السياسيّة؟

الدكتور أحمد شرَّاك: صحيح أنَّ السوسيولوجيا المغربيّة طغت عليها التخصّصات التي ذكرت من السوسيولوجيا القرويّة والسوسيولوجيا الحضريّة والسوسيولوجيا السياسيّة... إلخ، ولعلّ الحال يعود إلى حالة العالم العربي، ومنه المغرب، الذي كان يحاول الإجابة عن الأسئلة الكبرى والقضايا الكبرى، التي ظلّ منشغلاً بها فترة طويلة ما بعد الاستقلال الوطني عن النفوذ الأجنبي... ومن ثمّ وجدت نفسي أمام تخصّص فريد تزكّيه ميولاتي الأدبيّة منذ مرحلة التعليم التأهيلي الثانوي، أقصد منذ اليفاعة والشباب... إلى أوّل بحث في السوسيولوجيا، أقصد بحث الإجازة الذي تناولت فيه سوسيولوجيا الجمعيّات الثقافيّة.

وقد راكمت عناوين كثيرة كما يدلّ على ذلك سجلّي السوسيولوجي، وبطبيعة الحال ليس من السهل أن يقوم الباحث بمساهمات مفردة في غياب جاذبيّة سوسيولوجيا الثقافة من طرف آخرين، ولغياب سياسة هادفة واستراتيجيّة للبحث العلمي، وعلى رأسها البحث في "المسألة الثقافيّة" بما تزخر به من أشكلة وأنظار، وهي في قلب مشغوليّات الدولة والمجتمع... لأنَّ السؤال الثقافي هو مفتاح مجمل الأسئلة ولا يمكن تجاوزه أو القفز على مقتضياته.

أمينة زوجي: ما هي المرجعيّات السوسيو- نقديّة التي استندتم إليها في تفكيك وخلخلة إشكاليّة المثقف؟ وكيف تأتّى لكم نحت بعض المفاهيم على غرار التراكم الثقافي، المثقف المشاكس، الثورات التأسيساتيّة، وغيرها من المفاهيم الأخرى التي تدخل في إطار سوسيولوجيا الشباب والهامش والمنع والكتابة؟

الدكتور أحمد شرَّاك: لا شكّ أنّي رجعت إلى المرجعيّات "الكلاسيكيّة" من أجل التفكيك؛ فمقولة المثقف العضوي (الكاتب الإيطالي غرامشي) والمثقف الملتزم للفيلسوف الفرنسي (جون بول سارتر) إلى مقولة نهاية المثقف لريجيس دوبري، حيث لم أنتصر لأطروحة البداية (المثقف العضوي، أو الرسولي..) أو لأطروحة نهاية المثقف أمام العلم والتكنولوجيا التي طرحها ريجيس دوبري...، ولذا اهتديت إلى أطروحة المثقف المتشاكس، الذي يمارس النقد دوماً، أو ما أطلق عليه الميتا-نقد (نقد من درجة ثانية، تمييزاً عن النقد من الدرجة الأولى للمثقف المعارض أو الرسولي، لأنَّ مثل هذا النقد قد يزول بأسباب نزوله، أقصد بما تفرزه الديمقراطيّة وصناديق الاقتراع، وبالتالي بذلك اللغز الذي تتميز به الديمقراطيّة ما بين المعارضة والموالاة، وهو لا دوام للمعارضة في الحكم كما لا دوام للموالاة.

إنَّ المفاهيم التي أحاول أن أطرحها للتداول تنطلق من إيماني بالعلاقة العميقة بين الفلسفة وعلم الاجتماع... وأنَّ علم اجتماع دون سند نظري أو بالأحرى استراتيجيّة نظريّة قد يسقط في التجريبي والتقنية واللّغة الكميّة، دون أن يكون للعالم القدرة على تقديم تأويلات ترقى إلى النظر العميق... وما يعضد هذه الرؤية هو أنَّ نتائج البحوث الاجتماعيّة والأطاريح الجامعيّة تبقى في الرفوف، أو تصدر عناوين من أجل المقروئيّة... والقارئ العربي في حاجة إلى علم اجتماع تفكيكي عميق لحال المجتمع ومآله.

من جهة أخرى، لا شكّ أنَّ بناء المفهوم يدخل في إطار محاولة الانتقال إلى الإبداعيّة، أقصد إلى مفاهيم تخصّ الباحث، وتميز متنه السوسيولوجي، لأنَّه في مرحلة متقدّمة من البحث والتراكم قد يتجاوز الباحث ترديد مفاهيم الآخرين أو مقولة: قال وقيل، ليحاول أن يتيتّم، أقصد أن تكون له معماريّة بحثيّة مخصوصة، وملكيّة فكريّة واضحة، في حين أنَّ ورود بعض الملفوظات لآخرين قد يكون من باب المقروئيّة، والتي تدخل في الحيازة لا الملكيّة، ما دامت ملفوظات لغويّة فلا ضَيْرَ في العلوم الاجتماعيّة... المهم ألّا تكون مفاهيم أو تأويلات أو تخريجات نظريّة... خاصّة وأنَّ الباحث شديد القراءة، بل إنَّ قراءة عميقة أكثر تعطي كتابة عميقة أقل...هذه العلاقة السَبوعيّة (الكبيرة جدّاً) بين القراءة والكتابة هي التي تعطي زخماً ونفساً واستمراريّة بشرط وجود الهاجسيّة والوفاء للبحث والكتابة.

أمينة زوجي: صدر لكم حديثاً، عن دار مقاربات للنشر، كتاب ضخم حوالي (508) صفحة، بعنوان "سوسيولوجيا الربيع العربي"، قدّمتم فيه قراءة سوسيولوجيّة لثورات "الربيع العربي"، فما هي أهمّ الخلاصات التي وصلتم إليها؟

الدكتور أحمد شرَّاك: إنَّ أهمّ الخلاصات التي خرجت بها في كتابي المومأ إليه هي الانتصار لأطروحة نظريّة سمّيتها أطروحة النقد والاستمرار أو الاستراتيجيّة النقديّة للربيع العربي، أقصد بذلك أنَّ "الربيع العربي" الذي بدأ في نهاية 2010 وبدايات 2011.. فهو يستمرّ في الزمن، كفعل احتجاجي سبوعي (كبير جداً) عرفه العالم العربي.. وأنَّ هذا الاستمرار لا ينبغي أن نكنّ له الإكبار والتقديس.....، بل ينبغي أن يخضع للنقد باستمرار... لقد انتصرت لهذه الأطروحة طوال تحليلاتي لصيرورات وسيرورات الربيع... وفي الوقت ذاته، ناقشت كلّاً من أطروحة التخوين والمؤامرة، معتبراً إيّاها أطروحة تنطلق من مقدّمات لتصل إلى مقدّمات، وليس إلى نتائج عبر خطاب يركب صهوة السهولة واليقين... كما انتقدت أطروحة الخريف أو الخيبة والانكسار، باعتبارها لا تنظر إلّا إلى النتائج على صعيد الدولة والمشهد السياسي، دون أن تحلّل الفعل الاحتجاجي، ودون أن تستند إلى ذخيرة تاريخيّة في حدوث الثورات والتباساتها ومنعرجاتها وكبواتها أيضاً.

حيث نلاحظ سقوط هذه النظريّة أمام استمراريّة "الربيع العربي" أو على الأصح روح هذا الربيع، في المغرب (الحسيمة وجرادة...) وفي الأردن، وامتدّت هذه الروح إلى بلاد فارس أيضاً، كما أنَّ هذه الروح مازالت وثابة في الإبداع، إبداع كلّ أشكال الاحتجاج ضدّ الحـﯖرة والظلم والفقر والغلاء... حيث نلاحظ في المغرب مثلاً ابتكار أسلوب جديد في الاحتجاج والنضال وهو مقاطعة بعض المواد الاقتصاديّة كحليب "سنطرال"، ومحروقات إفريقيا، والماء المعدني سيدي علي...، حيث بيّنت المقاطعة قوّة هذا السلاح النضالي الجديد ضدّ التوحّش الرأسمالي، بل والاستمرار في الخطاب وبلاغة الخطاب الذي مارسه "الربيع العربي"، مستثمراً بلاغة التجويد القرآني إلى التناص مع الأغنيات الشعبيّة المتغلغلة في الوجدان الشعبي، إلى استعمال الأيقونات والصور والتشكيل... فضلاً عن سلاح السخرية وممارسة خطاب الشذريّة العميق.

وأخيراً، لقد حاول الكتاب أن يحلل الوقائع كما الخطاب من زاوية سوسيولوجيا الثقافة والسياسة والدين فضلاً عن الفلسفة والأنثروبولوجيا والسيميائيّات؛ أي كلّ العلوم المجاورة للسوسيولوجيا، باعتبارها علماً تركيبيّاً...ولعلّ هذا ملخص المدخل النظري والأطروحي للكتاب، علماً بأنَّ هناك مداخل أخرى كالمدخل المفاهيمي والسياقي والمدخل الثقافي والمدخل السياسي والمدخل التوثيقي والبيبليوغرافي، ولكلّ باحث أن يتناول الكتاب من أحد هذه المداخل أو من المداخل جميعاً.

أمينة زوجي: في نظركم، هل واكب البحث السوسيولوجي في المغرب والعالم العربي الثورات العربيّة؟ وهل استطاع تقديم قراءات مهمّة لهذه التحوّلات؟

الدكتور أحمد شرَّاك: لقد توّجت كتابي حول الربيع ببليوغرافيا تحتوي (600) عنوان لكلّ الإصدارات العربيّة والأجنبيّة حول "الربيع العربي"، والتي لفظتها المطابع هنا وهناك. وقد تبيّن لي أنَّ المقاربة السوسيولوجيّة تكاد تكون غائبة أمام غلبة المقاربات الصحفيّة والإعلاميّة والسياسيّة (العلوم السياسيّة) والعلوم القانونيّة والتاريخ والأيديولوجيا، ولم تحضر السوسيولوجيا إلّا قليلاً قليلاً، وإن كانت هناك مساهمات على صعيد المقالات التي نشرت في المجلّات العربّية كمجلة "المستقبل العربي" ومجلة "إضافات" ومجلة "الآداب"...لسوسيولوجيين عرب وازنين. وفي المجمل يمكن الرجوع إلى تحليل المتن البيبليوغرافي الذي أثبته في الكتاب لمعرفة المزيد من التفاصيل، لأنّي خصّصت قسماً بالكامل، وهو القسم الخامس لهذا المتن البيبليوغرافي تسجيلاً وقراءة وتحليلاً.

أمينة زوجي: ما مدى تأثير "الثورات العربيّة" أو الحركات الاحتجاجيّة في تشكيل أو إعادة تشكيل البحث السوسيولوجي العربي؟

الدكتور أحمد شرَّاك: لحدّ الآن، لا أزعم تأثيراً لـ "الربيع العربي" على البحث السوسيولوجي من حيث المنهج والتوصيف الإبستمولوجي، لكن من جهة أخرى لا شكّ أنَّ هذا البحث بدأ يمارس جرأة علميّة أكثر في تناول مسألة السلطة والدولة في العالم العربي، بل بدأ يناقش تلك القضايا التي كان مسكوتاً عنها قبل الربيع، والتي كانت تعتبر نقطاً حمراء لا يجوز مناولتها أو الاقتراب منها حتى. بعبارة أوضح، أصبح عالم الاجتماع أكثر تحرّراً وأكثر جسارة في تناول موضوعاته، دون أن يخشى أيّ اعتراض موضوعي من السلطة أو ذاتي، أقصد أنَّه قتل ذلك الشرطي الذي كان يسكن في داخله، ولعلّ الغزارة اللافتة حول "الربيع العربي" نفسه كحدث تاريخي وسياسي خير دليل على تحرّر الألسنة من عقالها... كعربون عن حريّة تفكير وتعبير واعدة بالأكثر.

أمينة زوجي: على ضوء الملف الذي تخصّصه مجلة "ذوات" لموضوع السوسيولوجيا في العالم العربي، ما تقييمكم لوضع السوسيولوجيا في العالم العربي اليوم؟ وهل استطاع البحث السوسيولوجي، أو بالأحرى المناهج المعتمدة من طرف السوسيولوجيين، مواكبة مختلف التغيّرات الاجتماعيّة الحاصلة في الآونة الأخيرة؟

الدكتور أحمد شرَّاك: إنَّ السوسيولوجيا في العالم العربي في تقدّم واطّراد لأسباب عديدة، منها:

1- اتساع عدد الباحثين في السوسيولوجيا على امتداد العالم العربي، لما شهدته السوسيولوجيا من انتعاشة، بعد القطبيّة الثنائيّة وظهور الديمقراطيّة كبراديغم الآن وهنا على مستوى الخطاب الكوني، الذي له تداعياته على المستوى المحلي والقطري... حيث أصبحت السوسيولوجيا علماً ضروريّاً من أجل التشخيص ومن أجل النقد والانتصار للفكر العقلاني وللتنوير...لأنَّ العالم العربي أدرك خطورة الظلاميّة والدوغمائيّة والاستبداد الفكري والتطرّف العقدي.

2- انتشار مراكز بحوث ودراسات في الوطن العربي، أعطت السوسيولوجيا مكانة لافتة في إطار استراتيجيّة مزدوجة الرسائل:

أ‌- الخطاب السوسيولوجي بات ضرورة مجتمعيّة قبل أن تكون علميّة، ومعنى ذلك هناك غائيّة أيديولوجيّة مضمرة تتوخّى هذه المراكز بلوغها.

ب‌- الخطاب السوسيولوجي ينتعش في الاهتمام والاعتبار فضلاً عن المنجز التشخيصي والتحليلي والتأويلي لقضايا المجتمع العربي المعاصر، إلى حدّ أنَّ هذا الخطاب أصبح حاجة موضوعيّة لا مندوحة عنها. أمام هذا التطوّر لا شكّ أنَّ الحكم العربي والنظام السياسي العربي (الراغب في الانفتاح) بدأ يؤمن بالنفع والجدوى، بعيداً عن ذلك النشيد التهميشي الذي طال السوسيولوجيا بل والعلوم الاجتماعيّة والفلسفة في العالم العربي، لأنَّ الحاكم العربي قبل الربيع كان يعتبر أنَّ الحديد والنار هما الكفيلان بالحضور لا غير.

كما أنَّ الحاكم العربي كان يعضد الخطاب الديني، خاصّة الذي يخدم استمراريّته في السلطة، ومن هنا أعطي لهذا الخطاب مركز الصدارة، إن لم نقل الصدارة الوحيدة في تناول النصوص الدينيّة، وكلّ ما يتعلّق بالمسألة الدينيّة، ومن ثمّ أصبح علماء الدين هم الناطقون الوحيدون باسم العقيدة والإيمان، وكلّ العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة لا يجوز لها الاقتراب من هذا المربّع... وإلّا تصدر فتاوى أو دعاوى ضّد المشاكسين، فيُبعدون خارج أوطانهم، هذا إذا لم يرسلوا لهم قتلة وإرهابيين...ولعلّ التطرّف الملحوظ اليوم هو نتيجة ذلك التحالف المقدَّس بين الاستبداد السياسي والاستبداد الديني الذي كان، ومن تداعياته هذا الذي نلحظه من إرهاب وقتل...

أمام هذه المشاهد والتطورات، لا شكّ أنَّ السوسيولوجيا، بل والفكر العربي سيتطوّر أكثر في ظلّ مناخ أكثر تنويراً وانفتاحاً ورغبة نحو انتقال ديمقراطي سالم وغانم للإنسان العربي هنا والآن.

وحتى إن حضر العلم (قبل "الربيع العربي")؛ فالحاكم كان هو العالم الأوّل، إلى حدّ أنَّه في بعض البلدان كليبيا، كانت ترسل الجامعات رسائل إلى القائد مهنّئة ومباركة بمناسبة ندوة علميَّة في إحدى الكليّات!

أمينة زوجي: انطلاقاً من حديثنا عن السوسيولوجيا في العالم العربي، هل يمكننا الادّعاء بأنَّ هناك مدرسة سوسيولوجيّة عربيّة على غرار المدرسة الفرنسيّة والمدرسة الأنجلوساكسونيّة، أم أنّنا ما زلنا أمام تبعيّة مطلقة للمدارس الكلاسيكيّة الغربيّة؟

الدكتور أحمد شرَّاك: في الواقع، إنَّ هذا السؤال أثار جدلاً لما يحمله من استفهام والتباس، فقد كان السؤال في ثمانينيّات القرن الماضي حول إمكانيّة الحديث عن علم اجتماع عربي، والبعض تحدّث ويتحدّث عن علم اجتماع إسلامي... ومسألة الانتساب عبر انتساب علم إلى منظومة عرقيّة أو دينيّة أو أديو- دينيّة... فيه كثير من الأنظار، لأنَّ العلم خطاب كوني وله أسس ومفاهيم وأنظار ومناهج كونيّة، قد تبقى الملامح ممكنة، بشرط الاجتهاد العلمي في القضايا والإشكاليّات، لكن لا تصل هذه الملامح إلى حدود مدرسة. قد يكون الحديث مقبولاً من باب التميز في المناولات، كالحديث الذي دار في المغرب عن مدرسة مغربيّة في السوسيولوجيا تمييزاً وتميّزاً عن المدرسة المشرقيّة، في زمن كان قد احتدّ فيه الصراع بين الثقافتين المغربيّة والمشـرقيّة، ولكن اليوم لم يعد أحد يتحدّث عن مدرسة مغربيّة في السوسيولوجيا، وإذا كان ما يزال الحديـث عند البعض، فذلك من الزاوية التي ذكرنا سابقاً.

أمينة زوجي: ما الدّور الذي يجب أن تقوم به الجامعات العربيّة بشكل عام، والمغربيّة بشكل خاص في هذا الباب؟

الدكتور أحمد شرَّاك: إنَّ دور الجامعات حيويّ، لا مراء في ذلك، من حيث الإطار المؤسّساتي للبحث السوسيولوجي، لأنَّه لاشكّ أنَّ مختلف المختبرات العلميّة المنتشرة في مختلف الكليّات تشكّل السوسيولوجيا جزءاً من تخصّصاتها ككليّات الآداب مجتمعة وعلم الاجتماع السياسي في الكليّات القانونيّة والسياسيّة والاقتصاديّة فضلاً عن معاهد كثيرة بما في ذلك المعاهد العلميّة والتقنية كالمدرسة العليا للتكنولوجيا بالمغرب، وهذا أمر لافت في تمثل أهميّة الدرس السوسيولوجي، إلّا أنَّ هذه المؤسّسات في حدّ ذاتها تحتاج إلى سياسة بحث علمي حقيقي، ليس على صعيد الجامعات فقط، بل على صعيد مختلف المؤسّسات المجتمعيّة، لأنَّ من شأن هذه السياسة أن تضمن بنياتها وميزانياتها تطوّر البحث العلمي، ومنه البحث السوسيولوجي الذي يحتاج إلى موارد بشريّة مكوّنة وإلى بنيات تحتيّة حقيقيّة، لأنَّ السوسيولوجيا في جانب كبير منها قد تتجاوز العمل المكتبي إلى العمل الميداني الشاق وما يتطلبه من لوجستيك مادي وبشري، وفي المجمل سياسة بحث علمي هادفة من شأنها أن تسهم في الرّقي المجتمعي، وتسهم في التنمية والتقدّم والحداثة.

أمينة زوجي: ما الجهات التي من المفترض أن تتبنّى الأبحاث السوسيولوجيّة والاضطلاع باستثمار نتائجها؟

الدكتور أحمد شرَّاك: الجامعات منتجة للبحث السوسيولوجي، وقد تستفيد منه في هياكلها، ومختلف أجنداتها، وأدوارها، واستراتيجيّاتها المختلفة، ولكنَّ الجهات التي تستفيد من الباحث السوسيولوجي هي الدولة ممثلة في "وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعيّة" (في المغرب)، ومختلف الوزارات بقطاعاتها. وأكثر من ذلك، فإنَّه من المنتظر أن تستفيد من نتائج البحث العلمي الجهويّة في المغرب وفي البلدان العربيّة الأخرى، خاصّة ما تعلّق منه بالجغرافيا والفضاءات وأسئلة الساكنة ومختلف الهياكل داخل الجهات، لا سيّما إذا علمنا أنَّ الجهويّة هي نوع من الإدارة الذاتيّة لشؤون منطقة معيّنة. لا شكّ أنَّ البحث العلمي يُعدّ مفصليّاً في نجاح الإدارة والتدبير، والاستجابة لأفق انتظارات الساكنة في هذه الجهة أو تلك، ولدينا في الوطن العربي بعض النماذج الكبيرة واللّافتة من الحكم الذاتي، كما هو الشأن في العراق بالنسبة إلى الأكراد. ولذا، فإنَّ إجراء بحوث عبر تخصيص ميزانية محترمة للبحث السوسيولوجي على الخصوص، من شأنه أن يسهم في رافعة التقدّم والتنمية، لأنَّ البحث العلمي هو جزء أساسي في التنمية. وبهذا الشكل فلا تقدّم ولا تنمية بدون بحث علمي.

أمينة زوجي: يرى أغلب الباحثين أنَّ البحث العلمي العربي بشكل عام، والسوسيولوجي بشكل خاص، غائب أو مغيّب؛ ما يجعله في مأزق إبستمولوجي، حيث لم يتمكّن من فهم وتفسير الثورات العربيّة، ما رأيكم؟

الدكتور أحمد شرَّاك: لا شكّ أنَّ هذا السؤال له وجاهته ومصداقيّته بشكل عام لأنَّه، لحدّ الساعة، ما زال البحث السوسيولوجي، سواء في الدكتوراه في الجامعة أو بعد الحصول عليها، لا يجد دعماً، بل إنَّ أصحابه عصاميّون، يقومون بأبحاثهم بإمكانيّاتهم الذاتيّة الخاصّة، ويعانون الأمرَّين في الاشتغال. ومع ذلك، ما زلنا نأمل في سياسة جيّدة للبحث السوسيولوجي، سبق وذكرت بعض مؤشّراتها المأمولة والكفيلة بلملمة هذا البحث من خلال مراكز الدراسات والأبحاث الممتدّة في الوطن العربي، والتي تلعب فيها دول الخليج الدور الريادي. ولعلّ الناظر إلى مجمل هذه الأبحاث والمؤسّسات والمنظّمات الدَّولتيّة وأحياناً المدنيّة، فإنَّه سيجدها تقوم بأدوار عبر مقترحات أبحاث وتجنيد باحثين ومحققين ميدانيين وفق ميزانيّة تستجيب لمتطلّبات هذا البحث الميداني أو ذاك، سواء من حيث الموارد البشريّة أو من حيث اللوجيستيك، والشروط الماديّة والموضوعيّة لإجراء مثل هذه البحوث، والتي تكون أحياناً في مناطق نائية، كما وقع لبول باسكون، الذي توفي في موريتانيا بحادث سير مع الباحث المغربي الشاب أحمد عريف، ثمّ هناك بحوث في الواحات أو ما يعرف بالإيكولوجيا الثقافيّة، وبحوث في البوادي...إلخ.

أمينة زوجي: ولكنَّ أغلبها بحوث تحت الطلب مقترحة من جهات معيّنة، وهو ما يطرح سؤال جدوى تلك البحوث والحاجات المجتمعيّة إليها؟

الدكتور أحمد شرَّاك: أكيد، كلّ تلك البحوث هي تحت الطلب، لأنَّ الباحثين لا يستطيعون التطوّع من أجل إجرائها، أو حتى القيام ببحوث من اقتراحاتهم، لأنَّها تتطلب ميزانيّات كبيرة. المراكز المومأ إليها في هذا الحوار هي التي تقترح مجموعة من البحوث على الباحثين، وتموّلها وفق مسطرة قانونيّة تخصّ تلك المراكز.

وفي كلّ الاحوال، فتلك البحوث لها دور هامٌّ، فهي مؤشر على الرغبة والإيمان بجدوى البحث السوسيولوجي، لأنَّ كثيراً من المسؤولين في الدولة لا يؤمنون بالقيمة العلميّة، ويركّزون على الخبرة النظريّة والحدوس الذاتيّة. وتأسيساً على ما سلف، فإنَّ البحث السوسيولوجي العربي بدأ يجد مجالاً للمنافسة، وخرج إلى منطقة الضوء، خاصَّة مع الإيمان بأدواره وأفضاله على المجتمعات وتطوّرها.

أمينة زوجي: هل استطاعت السوسيولوجيا العربيّة تأسيس قواعدها وأركانها لتواجه الواقع العربي والتحوّلات التي عرفها، أم أنَّها بقيت حبيسة المواقف الأيديولوجيّة؟

الدكتور أحمد شرَّاك: لا شكّ أنَّنا نستنشق الأيديولوجيا مع الهواء، ولا شكّ أنَّ العلوم الإنسانيّة هي علم أيديولوجيا، وهذا موقف لا يخلو من ثبوتيّة ومن كثير من المبالغة، لأنَّ هذا السؤال كان وارداً في بدايات البحث السوسيولوجي العربي في ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي، حيث الدهشة واردة أمام "علم جديد"، وما يتطلبه من مفهمة وأسئلة، ومناهج وقواعد...إلخ، إلّا أنَّ الباحثين أدركوا فيما بعد أنَّ هناك نسبة من الموضوعيّة، والعلميّة، وفي النتائج، وأنَّ السوسيولوجيا لا بدّ لها من تراكم، ولا بدّ لها من أبحاث وإنتاج، لأنَّنا لا يمكن أن نؤسّس رأياً من لا شيء، أو انطلاقاً من الشفويّة، أو من التدريسيّة في المدرّجات، إذ لا بدّ من الإنتاج العلمي الحقيقي.

وبشكل عام، فالعالم العربي عرف تململاً في الكتابة السوسيولوجيّة، حيث ظهرت اجتهادات نظريّة، وأبحاث ودراسات، سواء في المشرق العربي أو المغرب، ما جعل البحث السوسيولوجي العربي يتطوّر، ويصبح أكثر فاعليّة، خاصّة في الجوانب الميدانيّة، لأنَّ البحث الميداني كان ينظر إليه إلى حدود الثمانينيّات من القرن الماضي على أنَّه غير نافع، على الأقل في المغرب العربي. وأعتقد أنَّ الجميع اليوم أصبح يؤمن بجدوى وأهميّة الأبحاث الميدانيّة، ويظلّ العائق الوحيد هو سياسة البحث العلمي المعتمدة في البلدان العربيّة، مع ضرورة توفير ميزانيّة حقيقيّة للأبحاث السوسيولوجيّة، كما بدأنا نلاحظ مساءلة مراكز البحوث العربيّة، سواء تلك التابعة للدولة، أو تلك التي لها فرع ميداني من أجل القيام بأبحاث ميدانيّة حقيقيّة.

وفي كلّ الأحوال، فالسوسيولوجيا في الطريق نحو الأبهى والأجمل، خاصّة بعد إيمان الدول العربيّة بوظيفتها العقلانيّة والتنويريّة وتربية النشء على أفق مغاير، وتكوين بنيات جديدة في التفكير بعيداً عن التطرّف والمغالاة.

أمينة زوجي: وما تقييمكم لعمل الجمعيّات السوسيولوجيّة على مستوى العالم العربي؟ هل هناك تنسيق أو تعاون معيّن فيما بينها؟ وهل تسهم في تحصين هذا الحقل العلمي الذي يعرف اختراقاً كبيراً من طرف بعض الأيديولوجيّات؟

الدكتور أحمد شرَّاك: لا شكّ أنَّ المجتمع المدني له دور استراتيجي حتى بالنسبة إلى العلوم، وعلى رأسها علم الاجتماع... وهو يقوم بدوره كما هو الحال بالنسبة إلى الجمعيّة العربيّة لعلم الاجتماع، من خلال التفاف السوسيولوجي العربي حول منبرها العلمي "إضافات"، وهي إضافات فعلاً للمشهد السوسيولوجي العربي...لكن إذا كانت هذه الجمعيّة تشكّل نجاحاً ملحوظاً، فإنَّ الغريب في المغرب هو فشل "الجمعيّة المغربيّة لعلم الاجتماع" في الحركيّة والإسهام في البحث السوسيولوجي؛ فقد ظلّت مجمّدة لسنوات طويلة، وشهدت "انطلاقات" وأوراق بحثيّة من أجل الانتصار للحضور والحركة، كورقة عبد الكبير الخطيبي في الثمانينيّات، لكنّها ظلّت راكدة، وعندما توفي رئيسها د. محمّد جسوس، حاول بعض ورثته أن ينهضوا بها عبر أكثر من محاولة، والنتيجة الواضحة هي الجمود، لا أدري الأسباب العميقة لذلك، لكن أزعم أنَّ السوسيولوجيين المغاربة فضّلوا العمل العلمي والثقافي في جمعيّات أخرى، وعلى رأسها اتحاد كتّاب المغرب، وجمعيّات تنمويّة واجتماعيّة ومهنيّة، إلّا التكتل تحت خيمة الجمعيّة المغربيّة لعلم الاجتماع التي كانت وما زالت صوريّة وبدون صدى.

والواقع أنّي دعوت إلى تغيير هذه التسمية، أقصد "الجمعيّة المغربيّة لعلم الاجتماع" إلى تسمية جديدة، وهي: "اتحاد علماء الاجتماع المغاربة"، من أجل جاذبيّة أكثر.

ولأنَّ العمل الجمعوي يهدف إلى دورين متكاملين في رأيي:

- دور علمي: الإنتاجيّة والبحث والسؤال والاستشكال.

- ودور مطلبي: من قبيل تشجيع البحث العلمي، وتمويل الأبحاث، وتأسيس جوائز تكون السوسيولوجيا عنواناً لها، والدفاع عن قضايا السوسيولوجي، سواء كان أستاذاً أو خبيراً أو باحثاً مكرّساً أو باحثاً صاعداً لإعطاء زخم ومعنى.

وأخيراً، كلّ ما أتمنّاه هو الإقلاع والحضور بالفعل ومواكبة الديناميّات الاجتماعيّة في الوطن العربي من الماء إلى الماء.

أمينة زوجي: حصلتم على جائزة المغرب للكتاب لهذه السنة في مجال العلوم الاجتماعيّة عن كتابكم "سوسيولوجيا الربيع العربي"، وهو ما يمكن اعتباره تكريماً لمسار طويل من العطاء في حقل السوسيولوجيا، فكيف تقيّمون هذه الجائزة؟ وما هي مشاريعكم المستقبليّة في هذا المجال؟

الدكتور أحمد شرَّاك: لا ينبغي للجوائز بشكل عام، أن توقف الإنسان عن الكتابة، إنَّها يجب أن تحفّزه للمضي قدُماً في عالم الكتابة. والجائزة هي نوع من الاعتراف بوجود قيمة معرفيّة للكتاب المتوّج، ولمجهودات صاحبه، ولهذا فالجائزة التي منحت لكتاب "سوسيولوجيا الربيع العربي"، هي اعتراف بالسوسيولوجيا ومساهماتها في مناولة القضايا الكبرى التي عرفها العالم العربي وما زال، وفي مقدّمتها الاحتجاج السَبوعي للإنسان العربي من الماء إلى الماء، جرّاء إحساسه بالقهر (الحكرة) وهدر الكرامة، واللّامساواة، ولعّل "الربيع العربي" قد أتى بقيم جديدة على رأسها قيمة الكرامة، والعدالة، والمساواة، والوحدة الوطنيّة...إلخ.

أنا حاليّاً بصدد الاشتغال على مشروع كتاب ضخم يتعلق بـ"سوسيولوجيا الأمن الثقافي العربي"، هذا فضلاً عن مشاريع أخرى قيد الطبع، من بينها علاقة الصحافة بعلم الاجتماع، وعلاقة الاجتماع بالفضاء العمومي في المغرب والعالم العربي، وكتاب خاص ببورتريهات وشهادات في حقّ أكثر من (35) شخصيّة ثقافيّة وإعلاميّة.

[1] نشر هذا الحوار في مجلة ذوات الصادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود، عدد 50