علم الاجتماع والأخلاقيات
فئة : ترجمات
علم الاجتماع والأخلاقيات*
ملخص:
تعتمد حالة الأخلاقيات في علم الاجتماع اليوم، جزئيًّا، على النماذج التي تكون غير مناسبة للعديد من أشكال البحث الاجتماعي، وجزئيًّا، على الابتعاد عن الهيمنة التي تمارسها هذه النماذج، مع نجاحات متفاوتة عبر البلدان والمناطق. على سبيل المثال، حققت أستراليا وأجزاء من أوروبا تقدمًا كبيرًا في هذا المجال. وقد توسع التفكير في الأخلاقيات في علم الاجتماع بشكل كبير نتيجة للتحول نحو الاعتراف بقدرة الفاعلين الاجتماعيين الذين ندرسهم. تدور المحادثات اليوم حول كيفية التخفيف من ديناميكيات السلطة بين الباحثين والمشاركين، التفكير الانعكاسي من جانب الباحث، والانخراط مع المناهج النسوية والقبلية. وقد أدى ذلك إلى انتشار العمل في مجال إعادة التأهيل المجتمعى وأهمية العلاقات القائمة على الثقة في العمل الاجتماعي. تظل القضايا المتعلقة بالسرية والخصوصية قائمة، لكنها غالبًا ما تكون تتناقض مع الاتجاه نحو إعادة التأهيل المجتمعى وبحث السياسات العامة. كما تركز المناقشات على التحدي المتمثل في إجراء بحث أخلاقي في ظل النظام الحالي للجان التنظيم، التي تعمل ضمن إطار قانوني وغالبًا ما يكون وضعي بشكل حصري.
مقدمة
اهتم علم الاجتماع بما يسميه أنتوني جيدنز (1990) بـ "التأويل المزدوج"؛ أي تأثير أبحاث العلوم الاجتماعية على المجتمع (والعكس صحيح) وكيفية انشغال أنفسنا، كعلماء اجتماع، بالبحث الأخلاقي. في الماضي، كان هذا يعني تمثيل الجماعات المهمشة والاهتمام بالطبقية الاجتماعية، حيث حلت السوسيولوجيا النقدية محل النماذج الوظيفية التي كانت تفضل الوضع الراهن. اليوم، توسعت الاعتبارات الأخلاقية في علم الاجتماع بشكل كبير مع التحول نحو الاعتراف بدور الفاعلية لأولئك الذين ندرسهم. وتتركز المحادثات اليوم حول التخفيف من ديناميكيات السلطة بين الباحثين والمشاركين، والانعكاسية من جانب الباحث، والتفاعل مع المناهج النسوية والقبلية. وقد أدى ذلك إلى انتشار العمل في مجال إعادة التأهيل المجتمعى وأهمية العلاقات القائمة على الثقة في العمل الاجتماعي. ولا تزال المخاوف المتعلقة بالسرية والخصوصية قائمة، لكنها غالبًا ما تتناقض مع الحركة نحو إعادة التأهيل المجتمعى. من نواحٍ عديدة، يعمل البحث المعتمد على المجتمع كجسر بين المناهج النسوية والمحلية ومخاوف لجان مراجعة الأخلاقيات. في بعض الأماكن، مثل مناطق فى أمريكا الشمالية، لا يزال الباحثون الذين يعملون في مجال إعادة التأهيل المجتمعى يعانون من الهيمنة التي يفرضها نموذج الطب الحيوي لمراجعة الأخلاقيات، الذي لايزال مفروضًا على علماء الاجتماع وباحثي العلوم الاجتماعية في بعض الأماكن. تميل المناقشات الحالية في أمريكا الشمالية إلى الإحباط الذي يشعر به علماء الاجتماع حول الطرق التي تزيد بها لجان مراجعة الأخلاقيات (مثل لجان المراجعة المؤسسيةIRBs ) - من سيطرتها، وما يعتبره البعض تشويهًا للبحوث السوسيولوجية النوعية القوية. ومع ذلك، فإن المفوضية الأوروبية لديها أيديولوجيات بنية تحتية أكثر دعمًا لهذا النوع من المنهجيات المجتمعية والنسوية والقبلية.
الخلفية
اتسم علم الاجتماع في منتصف القرن العشرين بشكل أساسي بالمناهج البنائية الوظيفية. وقد نظر هذا المنهج النظري ينظر إلى المجتمع من منظور بنائي ليفسر كيف تعمل البناءات المختلفة في المجتمع معًا حتى يتمكن الجميع من أداء وظائفه. واتهم منتقدو هذا المنهج الوظيفيين البنائيين بدعم الوضع الراهن وعدم اتخاذ موقف نقدي كافٍ عند النظر في قضايا مثل التفاوت الاجتماعي وعدم المساواة في المجتمع.
بحلول السبعينيات والثمانينيات، شهدت وجهات النظر النقدية في علم الاجتماع نهضة كبيرة. تم تبني أعمال كارل ماركس والمنظرين الماركسيين باعتبارها تقدم النقد والتحليل الذي يمكن أن يدفع المجتمع إلى الأمام. كما ظهرت أشكال أخرى من السوسيولوجيا النقدية إلى الصدارة، مثل التفاعلية الرمزية ونظرية المنظور النسوي. هذا يعني تحولًا نحو علم الاجتماع باعتباره تخصصًا مناسبًا بشكل خاص لدراسة المشكلات الاجتماعية بنظرة نقدية. وأصبح البحث حول الجماعات المهمشة، وعدم المساواة، والعنصرية النظامية، وجوانب أخرى من التفاوت الاجتماعي ذا أهمية كبيرة في علم الاجتماع.
بشر هاوارد بيكر (1967) هذا التحول من خلال تشجيع علماء الاجتماع على الانتباه إلى التسلسلات الهرمية المصداقية؛ أي عدم اللجوء إلى المتخصصين والخبراء لإخبارنا عن تجارب الجماعات المهمشة، بل اللجوء إلى الناس بصفتهم خبراء في حياتهم الخاصة. وأدرك بيكر أن التسلسلات الهرمية المؤسسية تمنح الأولوية لتجارب وتفسيرات الجماعات ذات الوضع الأعلى على حساب تجارب الجماعات ذات الوضع الأدنى. كما برز تمثيل المظلومين والمضطهدين في المقدمة. إن البحث الأخلاقي يعني البحث الذي يمنح صوتًا لأولئك الذين لا صوت لهم ويعالج اختلالات السلطة في المجتمع، فضلاً عن التجارب اليومية لأنواع مختلفة من الناس.
بينما كان هذا يحدث في علم الاجتماع، كان هناك اهتمام متزايد بالأخلاقيات في البحوث الطبية الحيوية. بعد أهوال الأبحاث النازية التي أُجريت على السجناء اليهود، بدأت تظهر قصص أخرى صادمة حول الأبحاث الطبية غير الأخلاقية. على سبيل المثال، دراسة توسكيجي للزهري، التي امتدت من الثلاثينيات إلى الستينيات، حيث تم حجب العلاج لمرض الزهري عن الرجال السود المشاركين في الدراسة الذين كانوا يعانون من هذا المرض. من خلال عرض دفن مجاني، ضمن الباحثون لأنفسهم الفرصة لإجراء تشريح للجثث بعد وفاة المشاركين. في الستينيات والسبعينيات، قدمت علم النفس أيضًا بعض الأمثلة المروعة للأبحاث غير الأخلاقية. فقد أجريت تجربة ميلجرام في الستينيات، بينما حدثت دراسة سجن زيمباردو في السبعينيات. مثل هذه الأعمال تم الإشارة إليها في أماكن أخرى في هذا الدليل.
تم تأسيس نظام من لجان الأخلاقيات لمراقبة الأبحاث الطبية. في علم الاجتماع، تطورت المخاوف الأخلاقية لتشمل الانعكاسية، وشجع هذا المجال التحول نحو الأبحاث القائمة على المجتمع، وهي الأبحاث التي تشمل المشاركين في عملية البحث نفسها. وعلى الرغم من المنهج القوى والمتأمل في علم الاجتماع، فقد أسست لجان الأخلاقيات نفسها في وضع يتطلب مراجعة جميع الأبحاث في العلوم الطبية والاجتماعية. ولتعقد الأمور، استولت اللجان الأخلاقية على العلوم الاجتماعية في وقت كانت فيه الثقافة الأمريكية الشمالية أكثر ميلا إلى التنازع، وبالتالي، تم تأطير العديد من البروتوكولات (مجموعة من الخطوات الإجرائية والصياغات لإجراء البحوث الأنسب للعلم الوضعى) في مصطلحات قانونية.
تتضمن التحديات الحالية التي تواجه مجال علم الاجتماع صعوبة فرض لجان الأخلاقيات لعملية تمحيص تعتمد على البحث الطبي، وهو أمر مختلف تمامًا، وغالبًا ما يتضمن علاجًا لعواقب الحياة والموت المحتملة. ومع ذلك، زعم البعض بأن هذا المنهج الطبي الحيوى قد استعمر العلوم الاجتماعية، ويستمر علماء الاجتماع في النضال لأداء عمل أخلاقي فعليًا وفقًا لنموذج لا ينطبق على الأبحاث الاجتماعية (van den Hoonaard 2011). على سبيل المثال، لا يعتبر أخلاقيًا تقديم نموذج موافقة طويل لشخص أمّي يتضمن تفاصيل عن الأضرار من الناحيتين الطبية والقانونية. قد يجعل هذا المشارك يشعر بالسوء تجاه نفسه، بدلاً من إلتزام الوقت والجهد الذي يبذله لمساعدة الباحث من خلال مشاركة معلومات مهمة وخبرته عن تجارب الأشخاص في مجموعته الاجتماعية. هذا غير أخلاقي، ومع ذلك، يطالب نموذج الطب الحيوى، في عصر مليء بالنزاع القانونى، يتطلب استمارات موافقة طويلة. ومن الجدير بالذكر أن لجان الأخلاقيات اليوم تشكل صناعة بمليارات الدولارات في أمريكا الشمالية. (van den Hoonaard 2011)
القضايا الرئيسة
ديناميكيات السلطة والتحيز في المقابلات، والعمل الميداني، والاستطلاعات
عند دخول الميدان، يجب على علماء الاجتماع الذين يقومون بأبحاث كيفية أو كمية أن يأخذوا في حسبانهم الموقع الاجتماعي الذي يقومون من خلاله أو بداخله بإجراء الملاحظات. وهذا يعنى أن الباحث يجب أن يفهم التحيزات التي يحملها معه إلى الميدان ومجالات الامتياز الخاصة به. بغض النظر عن خلفية عالم الاجتماع، ستكون هناك مناطق عمياء بالإضافة إلى مجالات يمكن أن يكون فيها قدر كبير من الفهم (Rosaldo 1993). لتعويض "موقع الملاحظة" الخاص بهم، يهتم علماء الاجتماع بهويتهم في الميدان، وأهمية التعلم من الأشخاص في الميدان باعتبارهم خبراء في حياتهم الخاصة، وتقليل الضرر (Grills 2018).
وبعيدا عن الموقع الاجتماعي، كما يناقش سكوت غريلز (2018)، هناك دائمًا قضايا الهيمنة التي يجب أخذها في الاعتبار. بغض النظر عن مدى رغبة الأستاذ في تقليل اختلال التوازن في السلطة داخل الفصل الدراسي، يوضح غريلز أن الأستاذ لا يزال في موقف من النفوذ ويستمر الانخراط في أنشطة هيمنة، مثل وضع توقعات للطلاب في المقرر الدراسي. وينطبق الشيء نفسه في الميدان. لا يستطيع علماء الاجتماع أن يمحوا دورهم كباحثين تمامًا، بغض النظر عن مدى رغبتهم في ذلك. إن التعرف على هذا يسهم في اعتبارات أخلاقية هامة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المشاركين يحملون أيضًا السلطة في العلاقة. هم من يحددون نوع المعلومات التي هم على استعداد لمشاركتها، والأماكن التي سيرحبون فيها بالباحث، وكيف سيقدمون أنفسهم. كل هذه الأمور لها دور في قدرة عالم الاجتماع على إنتاج عمل جيد.
إن التحيزات متأصلة في ديناميكيات الموقع الاجتماعي والسلطة. والاعتراف بالتحيزات الشخصية يتطلب فهم موقف الفرد في المجتمع وما يرتبط به من تنشئة اجتماعية. بينما يظهر التحدي في التعرف على التحيز بشكل واضح عند النظر في العمل الكيفي، فإن هذه القضية الأخلاقية تمثل أيضًا مسألة أساسية في العمل الكمي، وربما بشكل أكبر، حيث يمكن للمشاركين تصحيح الباحث الإثنوغرافي أو المحاور في الميدان، بينما يكون من الصعب جدًا القيام بذلك أثناء مسح لجمع بيانات كمية على نطاق واسع. ومع ذلك، يستخدم الباحثون الأدبيات السابقة بالإضافة إلى الخبرات الشخصية وأفضل التخمينات الفكرية والتخيلات لصياغة التساؤلات التي، بدورها، تولد بيانات المسح الكمي. وبمجرد توليد هذه البيانات، يتم إخفاء أي تحيزات في جهاز المسح عن الأنظار بشكل غير مقصود. وقد أدت المخاوف الأخلاقية حول التحيز إلى تطوير أدبيات حول الانعكاسية في البحث الاجتماعي.
الانعكاسية
لقد برزت الانعكاسية كمسألة رئيسة حالياً عند النظر في الأخلاقيات في البحث الاجتماعي. تتطلب الممارسات الأخلاقية من الباحث أن يفكر في دوره في الميدان. يجب على الباحثين أن يتساءلوا ليس فقط عن تحيزاتهم، ولكن أيضًا عن تأثير وجودهم في الميدان أو التساؤلات التي قد يطرحونها في الاستبيان. ومع ذلك، فإن البحث في الانعكاسية غالبًا ما يتركز على العمل الكيفي. يهتم الباحثون بالعلاقات القائمة على الثقة التي يشكلونها مع المشاركين، وهي علاقات متبادلة قائمة على حسن النية (Fine 1996).
إن الانتقال في الميدان من صديق إلى باحث، على سبيل المثال، إذا تولى المرء مشروع بحث كعضو داخلي في مجتمع أو جماعة، هناك مثال واحد على حالة يمكن أن يكون فيها التفكير الدقيق في الأخلاقيات مهمًا. عند الكتابة عن تجربتي الخاصة في الانتقال إلى مجتمع إينويت في أقصى شمال كندا وكيف انتقلت إلى دور الباحث (van den Scott 2018)، أكدت على أهمية التشاور مع المجتمع والتعامل بموقف التعلم، كما يفعل الآخرون (على سبيل المثال، سبرادلي 1979؛ فان دن هونارد 2012). لا يمكن المبالغة في أهمية هذا الأمر، حيث يعتبر الباحثون الكيفيون المشاركين خبراء في حياتهم الخاصة (Becker 1967; van den Hoonaard 2012).
عندما يكون دور الباحث منذ البداية، بمعنى ما، هو دور "المُخبر" (Fine 1993) تجاه مشاركيه. وهذا يعنى أنه في حين يكون المشاركين غالبًا كرماء مع الباحثين ومتحمسين للمشاركة (Jacobs 1980)K يمكن أن يعاني الباحثون من "عذاب الخيانة" (Lofland 1971). في جوهر الأمر، تتمثل وظيفة الباحث في الثرثرة، أي يروي القصص عن مشاركيه. ولكن، عندما يتم ذلك بطريقة أخلاقية، لا يتم انتهاك العلاقات القائمة على الثقة، ولا يجب جمع البيانات بطرق يشعر فيها المشاركيين بالخيانة. من خلال ممارسة الانعكاسية، يمكن للباحثين موازنة حقيقة دورهم كباحثين وواقع العلاقات القائمة على الثقة التي شكلوها.
منذ سبعينيات القرن العشرين، بدأ علماء الاجتماع يأخذون أهمية الانعكاسية في البحث الأخلاقي على محمل الجد بشكل متزايد (Puddephatt et al. 2009). في جوهرها، تتضمن الانعكاسية أن يكون الباحث "واعياً بذاته وصادقاً" (Puddephatt et al. 2009: 6). عند ممارسة الانعكاسية، يسأل علماء الاجتماع أنفسهم عن موقعهم الاجتماعي (الذي يُسمى أحياناً "الموقعية") وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على تحيزاتهم، وما هو تأثير أفعالهم، وكيفية احترام علاقاتهم القائمة على الثقة (Thurairajah 2018). يمكن أن تشمل الانعكاسية أيضاً التفكير في تأثير إجراء البحث على نفسك وعلى أحبائك (Christensen 2018). يمكن أن يكون البحث الاجتماعي عملية طويلة ومرهقة مليئة بالتقلبات والتحولات غير المتوقعة.
المنهجيات النسوية والسكان الأصليين
تعد الانعكاسية جانبا أساسيا في المنهجيات النسوية والسكان الأصليين. وتشكل العلاقات القائمة على الثقة الأساس لهذه المنهجيات، وبخاصة المناهج المرتبطة السكان الأصليين (Castleden et al. 2012. يؤكد كلا المنهجين، تماماً مثلما فعلت مدرسة شيكاغو في المراحل الناشئة من التفاعلية الرمزية، على التجارب اليومية وتؤسس أبحاثها على تنظيم الحياة اليومية (Tummons 2017).
دوروثي سميث (2010) في مقدمة المنهجيات النسوية. تشجع علماء الاجتماع على تبني الإثنوغرافيا المؤسسية، وهي دراسة لا تقتصر على الحياة اليومية والتجارب، ولكن تشمل أيضًا المؤسسات التي تُنظم كيفية تحركنا في عوالمنا اليومية. وتزعم المنهجيات النسوية بأن التعميمات الشاملة لا تقدم تحليلًا كاملاً لعالمنا الاجتماعي. بدلاً من ذلك، تركز على المحلي وكيف يرتبط هذا المحلي، ويتأثر به، ويؤثر على المؤسسات الاجتماعية والإدارية (Tummons 2017). ويطلقون على هذا المصطلح "المحلية". بالنسبة إلى المنهجيات النسوية، يُعدّ هذا أحد سبل البحث الأخلاقي؛ لأنه يوجه اهتمامه إلى أولئك الذين يُتَجاهَلُون غالبًا ما يتم تجاهلهم، والذين يشكلون الأساس لكيفية إنجاز الأشياءفي الحياة اليومية.
على نحو مماثل، تركز منهجيات السكان الأصليين على الحياة اليومية وتشجع الباحثين على دراسة الكلمات الاجتماعية في موقعها، بدلاً من تطوير التعميمات عن بُعد. وعند العمل مع جماعات السكان الأصليين، تُعدّ العلاقات القائمة على الثقة أساسًا للبحث الأخلاقي. لقد كانت لدى علماء الاجتماع علاقات ضارة تاريخيًا مع المجتمعات الأصلية، مثل محاولات علم الأنثروبولوجيا الإنقاذية لإزالة القطع الأثرية من السكان الأصليين المحليين للدراسة، والمتاحف، والتذكارات الشخصية. ولتصحيح ووضع حماية لأنفسهم، أنشأت العديد من الجماعات الأصلية عمليات الموافقة بحثية خاصة بها، مثل معهد أبحاث نونافوت في نونافوت، كندا، الذي يفحص جميع أنواع الأبحاث على شعب الإينويت في تلك المنطقة من كندا، من الجيولوجيا، إلى التنقيب، إلى أبحاث العلوم الاجتماعية (van den Scott 2012). بالإضافة إلى ذلك، فإن السكان الأصليين ضد المنهج التطفلي للجان الأخلاقيات الأكاديمية والمعاملة التي كانت تُعامَل بها في الماضي مع الباحثين الطبيين. وهم يقدمون نموذجًا بحثيًا لعلماء الاجتماع والعلماء الاجتماعيين الآخرين، يشارك فيه السكان الأصليين، خاصة فيما يتعلق بإنشاء المعرفة. تنجح الشعوب الأصلية بشكل متزايد في الدفاع عن منهجية أصلية وتثقيف العلماء الاجتماعيين حول طبيعة العلاقات القائمة على الثقة والفوائد المحتملة لإشراك العلماء الأصليين وأفراد المجتمع في عملية البحث. تقدم الوثائق مثل مدونة أخلاقيات البحث فى سان (South African San Institute 2017)، التي أُنشئت في جنوب أفريقيا، ودليل التفاوض حول علاقات البحث مع مجتمعات الإينويت: دليل للباحثين (ITK and NRI 2006)، الذي تم تطويره في نونافوت، كندا، تقدم أمثلة مفيدة حول كيفية عمل الجماعات والباحثين الأصليين معًا بطرق مفيدة للطرفين. يستند كل هذا على منهج أخلاقي أساسي يعترف بإنسانيتنا المشتركةجميعًا.
إعادة التأهيل المجتمعي
بالتزامن مع صعود أهمية المنهجيات النسوية والسكان الأصليين، أصبح إعادة التأهيل المجتمعى (CBR) أكثر شيوعًا ليس فقط في علم الاجتماع، بل أيضًا في مجالات أخرى مثل التمريض والأنثروبولوجيا. إعادة التأهيل المجتمعى هو "منهج بحثي تعاوني يشمل بشكل متساوٍ جميع الشركاء في فهم ظاهرة معينة وترجمة المعرفة المكتسبة إلى سياسات وتدخلات تعمل على تحسين حياة أعضاء المجتمع" (Israel et al. 1998). يجمع إعادة التأهيل المجتمعى بين أهمية الحياة اليومية للمشاركين عازمة على النشاط الاجتماعي الذي يميز علم الاجتماع. لم يعد من الأخلاقي الدخول إلى مجتمع ما وفرض حلول معينة بشكل قسري لمعالجة المشكلات الاجتماعية التي قد يواجهها ذلك المجتمع. بدلاً من ذلك، إن موقف التعلم هو أمر أساسي (van den Scott 2013). يعمل الباحث والمشاركيين جنبًا إلى جنب من أجل تحديد وتنفيذ الحلول الممكنة.
يأتي إعادة التأهيل المجتمعى مع مجموعة من التساؤلات الأخلاقية الخاصة به. على سبيل المثال، قد يجد الباحثون أنفسهم يعملون مع القادة في مجتمع ما ليكتشفوا لاحقاً وجود خلل في توازن القوي داخل المجتمع، مما يجعل عملهم إشكاليًا. هناك أيضًا أسئلة حول من لديه القدرة على الموافقة نيابة عن الآخرين على تنفيذ مشروع معين. وغالبًا ما يكون هناك انفصال بين الأشخاص على المستوى الشعبي وأولئك المشاركين في إدارة جماعة أو مجتمع. ويميل علماء الاجتماع إلى تجنب عدم الانحياز مع أصحاب السلطة عند محاولة القيام بعمل هادف بهدف الاكتشاف الاجتماعي والتغيير، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى على حاجة بيكر إلينا لاتخاذ القرار "إلى أي جانب نقف".
بشكل عام، وعلى الرغم من التحديات الأخلاقية الجديدة، ومع جرعة مناسبة من الإنعاكسية. وجد علماء الاجتماع المشاركيين في إعادة التأهيل المجتمعي أنه تجربة ناجحة ومرضية لهم وللمشاركين. ويمكنه أن تمنح صوتًا لأولئك الذين لم يكن لديهم صوت من قبل وتفتح أمامهم عالمًا من المناهج المبتكرة والجديدة في بحوث العلوم الاجتماعية.
الأخلاقيات تمتد إلى ما هو أبعد من البحث
سواء كان عالم الاجتماع مشاركًا في إعادة التأهيل المجتمعي أم لا، فإن العلاقات القائمة على الثقة هي علاقات متبادلة ومستدامة. وهذا يعني أن التزامنا الأخلاقي تجاه المشاركين يمتد إلى ما هو أبعد من التفاعلات المباشرة (Bergum 1991). في حين أن علماء الاجتماع في العديد من الجوانب قد يكونون "مُخبرين"، فإننا نسعى أيضًا إلى معاملة مشاركينا بشكل أخلاقي من البداية وحتى النهاية. يجب أخذ الأخلاقيات بعين الاعتبار، بالطبع، في المراحل الأولى من المشروع وطوال تنفيذه. بعد ذلك، خلال مرحلة الكتابة، ومرحلة النشر، وما بعدها، يواصل علماء الاجتماع العمل على اعتبارات أخلاقية، مما يعني جزئيًّا تكريم تلك العلاقات القائمة على الثقة.
من أجل تحقيق ذلك، يعمل العديد من وعلماء الاجتماع والعلماء الاجتماعيين على جعل نتائجهم متاحة للمشاركين، حتى أنهم يرسلون نسخًا من المنشورات مباشرة إلى المشاركين إذا أبدوا اهتمامًا بذلك. ويذهب بعض علماء الاجتماع إلى أبعد من ذلك، حيث يلتقون مجددًا مع المشاركين بعد مشاركة نتائجهم، حتى تتاح للمشارك فرصة استخلاص معلومات. يمكن أن تكون هذه عملية صعبة عاطفيا لكل من الباحث والمشارك عندما تكون النتائج ليست كما توقعها أو أرادها المشارك. ومع ذلك، فإن مهمة الباحث هي موازنة مع النزاهة الأكاديمية والعلاقات القائمة على الثقة. اختارت أنيت لارو (2014) موازنة هذا من خلال السماح لمشاركيها مواجهتها وجهًا لوجه بشأن نتائجها السلبية وكتابة كلمة إضافية لتضمينها في كتابها، إذا اختاروا القيام بذلك.
المناقشات الحالية:
مراجعة الأخلاقيات
تتناول المناقشات الحالية حول الأخلاقيات في علم الاجتماع الاتجاه نحو المزيد من المنهجيات النسوية والسكان الأصليين، لكن ما يتفوق على معظم المناقشات حول الأخلاقيات الفعلية هو المناقشات عن لجان مراجعة الأخلاقيات البحثية (Katz 2007; Loftus 2008)، وكيفية التعامل معها، والطرائق التي قد تتمكن من خلالها قطع العلوم الاجتماعية وتشويه الأعمال الجيدة المحتملة، بل وحتى التسبب فى تخلي العديد من الباحثين عن الجماعات الهامشية التي تحتاج إلى الدراسة، وتأثير الفكر الوضعى والبيولوجي على كيفية تناولنا مع عملنا. يعبر مايكل لينش (2000) عن قلقه العميق من غياب النقاش حول الأخلاقيات الفعلية بسبب هذا التغاضى عن اللجان، ويؤكد أن بعض الأنظمة المؤسسية لمراجعة الأخلاقيات تهدد المعرفة المميزة المكتسبة من خلال الانعاكسية.
هذه مشكلة متعددة الأوجه. وهناك خطر في نشأة جيل من العلماء الذين يفتقرون إلى القدرة على تساؤل لجان مراجعة الأخلاقيات وتاريخها (van den Scott 2016). وفي بعض المناطق، يتسم العديد من علماء الاجتماع بالسلبية تجاه نظام الأخلاقيات ويقبلون تصلب واستمرارية اللجان دون تساؤل (Cohen 2007; Dougherty and Kramer 2005). وينظر علماء الاجتماع المعنيون بالأخلاقيات إلى هذا التطور بقلق كبير، لأن اللجان تؤثر على كيفية تصورنا لأبحاثنا على مستوياتها الأكثر جوهرية .
إن التركيز بتفكير فردي على عملية مراجعة الأخلاقيات، التي لا علاقة لها بالأخلاقيات الفعلية في العلوم الاجتماعية (Iphofen 2011)، يحول أفكار عالم الاجتماع نحو الداخل. ويتحول السؤال من ما يتضمنه البحث الأخلاقي إلى كيفية تمرير مشروعهم البحثي عبر لجان الأخلاقيات. وتظل الأفكار موجهة على "بحثهم" وعملية البحث ومسيرتهم المهنية (van den Scott 2016). وتنشئ لجان مراجعة الأخلاقيات تسلسلاً هرمياً جديد للمصداقية مع أنفسهم في القمة، تليها الباحث، بصفته خبيرا متميزا، ثم المشاركين.
يجد المشاركون في البحث أنفسهم في أسفل التسلسل الهرمى للمصداقية، عندما يكون موضوع البحث هو حياتهم الخاصة. يجب على الباحثين أن يضعوا افتراضات حول ما يشكل السلوك الأخلاقي من رأى المشارك، ثم يدمجوا ذلك في نموذج بيولوجي طبي. وهذا غالبًا ما يختزل السلوك الأخلاقي فى تحليل التكلفة والفائدة، وهو أمر غير مناسب تمامًا للعلوم الاجتماعية (Becker-Blease and Freyd 2006). يُجبر الباحثون على اتخاذ موقف متفوق بالنسبة إلى مشاركيهم، وهو ممارسة غير أخلاقية تمامًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا يقوض ممارسة الانعكاسية.
لا يمكن لأحد أن يقلل من حجم المشكلات الناتجة عن تقويض الانعكاسية في اللجان، حيث يتم التعامل مع علماء الاجتماع كخبراء فوق مشاركيهم، ولكن لم يعد من الممكن الوثوق بهم كمحترفين. لقد نجحت لجان الأخلاقيات في تأطير علماء الاجتماع على أنهم غير جديرين بالثقة (Tinker and Coomber 2004; Wiles et al. 2006)، وهو ما يرسخ بشكل أساسسي اللجان أكثر في العلوم الاجتماعية، مما يضفي الشرعية ويغذي صناعة بمليارات الدولارات. دلالة هذا الفرض للفكر البيولوجي الطبي على العلوم الاجتماعية يمكن ملاحظتها في المصطلحات التي تتطلبها لجان الأخلاقيات. قد يميل علماء الاجتماع إلى تبني مصطلحات مثل "البروتوكولات" و"المخاطر الدنيا" ليبدوا وكأنهم يتوافون مع العملية المطلوبة.
لقد برز مصطلح "الموضوع" كأحد المصطلحات الأكثر إشكالية. إن استخدام مصطلح "الموضوع"، بدلاً من مصطلح "المشارك" الأكثر ملاءمة للعلوم الاجتماعية، يؤكد على ديناميكية السلطة التي تمنح الباحث امتيازات. وهذا يقوض تمامًا مجالات كاملة من البحث الاجتماعي، مثل البحث التشاركي وإعادة التأهيل المجتمعى(Boser 2007). بالإضافة إلى ذلك، تؤثر المصطلحات أيضًا على كيفية إدراك الباحث لدوره في البحث وموقعه بالنسبة إلى المشاركين. وهذا يحول تفكير الباحث الروحي، إلى أهميته الذاتية بدلاً من الظاهر. ومرة أخرى، يصبح الباحث خبيرًا عندما يكون المشاركون هم الخبراء الحقيقيون في حياتهم الخاصة. ويستخدم الباحثون مهارات تحليلية منهجية متخصصة، وهو مايسلط الضوء على حياة المشاركين وعلى المجتمع بشكل عام، ولكن يجب أن يكون الباحث في موقع المتعلم أولًا، خاصة عند جمع البيانات والتفاعل مع المشاركين.
من جهة أخرى، يزعم بعض العلماء بأن مصطلحي "الموضوع" و"المشارك" يصفان علاقات مختلفة بين الباحث والمشارك/الموضوع (Iphofen 2009/2011). تتطلب بعض الأبحاث مشاركة الأشخاص الذين يتم البحث عليهم، مثل المقابلات. وقد لا تتطلب أبحاث أخرى للمشاركة، ويمكن أن يكون الأشخاص الذين يتم البحث عليهم بالفعل "موضوعات". والبحث السري هو أحد الأمثلة حيث قد يكون هذا صحيحًا. إذا كنت ببساطة أراقب الأشخاص في الأماكن العامة، فقد لا يكونون في الواقع "مشاركين" في البحث. قد لا يكون من المفيد استخدام مصطلح "الموضوع" في هذه الحالة، ولكن قد يكون مضللا استخدام مصطلح "المشارك". الوحدة الحقيقية للتحليل في البحث الإثنوغرافي السري هي في الواقع المشهد، وليس الأفراد. هذا نقاش مستمر، لكن بعيدا عن الدلالات، نتفق جميعًا على أن المعاملة الأخلاقية للمشاركين والموضوعات هي العنصر الأكثر أهمي.
إن ممارسات الموافقة التقليدية في العلوم الاجتماعية في كثر من الأحيان مهددة من قبل لجان مراجعة الأخلاقيات. إن توقيع المشارك على استمارة الموافقة لا يعادل منح المشارك للموافقة الفعلية (Bell 2014) لا يمكن توحيد ممارسات الموافقة التقليدية في مجال العلوم الاجتماعية عبر مواقع ميدانية وسكان وثقافات (Bhattacharya 2007). إن معاني "المخاطرة والأضرار مبنية رمزيًا ومحددة ثقافيًا" (Bruner 2004: 10). أحيانًا، تعني الخلفيات التاريخية للجماعات المهمشة أنه من غير الأخلاقي إدخال استمارات الموافقة إلى الميدان، كما هو الحال في منطقة غواخيرا في كولومبيا وفنزويلا (Hannah
Bradshaw, personal communication 2012). قد تشعر جماعات أخرى بالخوف وقد يوقعون على استمارات الموافقة فقط لإدارة كيفية ظهورهم أمام "الخبير" الذي دخل وسطهم، أو بسبب عدم التوازن في السلطة الذي تخلقه استمارة الموافقة. من الواضح لعلماء الاجتماع أنه يجب ألا نُخيف المشاركين، ولا نقدم لهم أداة تخلق أو تزيد من عدم التوازن في السلطة. بالإضافة إلى ذلك، فإن استمارات الموافقة الجسدية التي تتطلب التوقيع غير محترمة تجاه المشاركين من ثقافة شفهية في المقام الأول. كما أن يترك هذا التوقيع أثرًا قد يجعل المشارك غير مرتاح. هناك العديد من الطرائق الأخرى للحصول على الموافقة بخلاف استمارات الموافقة المدروسة المبالغة في الرسمية.
تنتهك استمارات الموافقة أيضًا العلاقات القائمة على الثقة. كما ناقشناه أعلاه، مهمة جدًّا ليس فقط للعملية البحثية ولكن أيضًا لتجربة المشارك. وعلى الرغم من حقيقة العديد من المبادئ التي تم إنشاؤها من أجل للجان الأخلاقيات في العلوم الاجتماعية، مثل بيان سياسة مجلس البحوث الكندي: السلوك الأخلاقي للأبحاث التي تشمل البشر (TCPS 2)، إن التأكيد على أهمية العلاقات القائمة على الثقة، لا يجعل العديد من لجان مراجعة الأخلاقيات تأخذ في اعتبارها كيفية الحفاظ على هذه العلاقات. ويعمل عالم الاجتماع بجد لتطوير الثقة المتبادلة في علاقاتهم البحثية. فجأة يقدم الباحث للمشارك وثيقة، تحمي الباحث وجامعته/مؤسستة البحثية من المقاضاة. هذا يدل على إفتقار أساسي للثقة وينتهك العلاقة القائمة على الثقة. ومن ناحية أخرى، عندما يدرس علماء الاجتماع المهنيون، مثل الأطباء، يرى أعضاء الجماعات النخبوية أنه من غير اللائق أن يطالب عضو من جماعة أقل نخبوية بذلك (Conn 2008). على سبيل المثال، ممكن أن يشعر الأطباء بالإهانة من استمارات الموافقة. "استمارات الموافقة لا تعني لا إذن ولا موافقة" (van den Scott 2016: 239) وقد تتسبب في ضرر معنوى للمشارك (حتى بموجب مصطلحات لجان الأخلاقيات)، سواء من خلال التأكيد على عدم توازن علاقات السلطة أو إحداث الإحراج أو الإساءة؛ لقد جادلت بضرورة الابتعاد عن استمارات الموافقة، حيث إن هذه الضغوط المتباينة والظروف المختلفة قد تلعب دورا فى توقيع الاستمارة. قد يوقع شخص ما ببساطة لتخفيف الإحراج، حتى وإن لم يرغب في الموافقة أو التوقيع، وقد يرفض آخر التوقيع بسبب الإهانة أو الخوف، على الرغم من إعطائه الموافقة ورغبته في أن يكون جزءًا من البحث.
تخلق مشكلة أخرى لجان مراجعة الأخلاقيات في علم الاجتماع تتعلق بما ندرسه ومن ندرسه. على الرغم من وجود نتائج تشير إلى أن العديد من الجماعات تمر بتجارب إيجابية ومفيدة عندما تشارك في البحث الاجتماعي (Childress 2006)، فإن لجان الأخلاقيات تجعل من الصعب دراسة بعض الجماعات، مثل الأطفال. في كثير من الأحيان، تفتقر لجان الأخلاقيات إلى فهم التعقيدات العديدة المتأصلة في أبحاث العلوم الاجتماعية، خاصا البحث الميداني (Bosk and De Vries 2004). غالبًا ما يتجنب أعضاء هيئة التدريس والطلاب (Adler and Adler 1993; van den Scott 2016) دراسة هذه الفئة المحمية، ولكن قد تكون هذه الفئة هي الأكثر احتياجا إلى الاهتمام والمساعدة. وقد يجد أولئك الذين يدرسون هذه الفئة أن بحثهم نفسه مهمش (Irvine 2012). كما تعاني الأساليب المبتكرة (Bledsoe et al. 2007). بالإضافة إلى ذلك، عندما تفترض لجان الأخلاقيات معرفة أكبر بممارسات البحث في العلوم الاجتماعية مما لديها بالفعل، فتبدأ في تقديم نصائح منهجية غير ملائمة، وهي ممارسة أخرى مقلقة.
القضايا المستقبلية
البحث السري
تتضمن المخاوف بشأن المستقبل الانحدار الكبير الذى شهده البحث السري. فقد أثبتت الأبحاث الطبية السرية أنه تشكل مشكلة كبيرة في الماضي. نتيجة لذلك، تدين لجان الأخلاقيات، حتى تلك التي تشرف على الأبحاث الاجتماعية، معظم البحوث السرية، إلى الحد الذى يجعلها ضائعة تقريبا (Spicker 2011). ومع ذلك، يمكن أن يعلمنا البحث السري في العلوم الاجتماعية الكثير عن المجتمع. فمن المعتاد أن يخرج علماء الاجتماع إلى العالم، يكتبون ما يرونه، يطرحون بعض التساؤلات، ويحللون ما وجدوه بشكل منهجي. عادةً لا يتضمن هذا تعطيل التدفق المنتظم، ولا يقدم بالضرورة تقارير عن أفراد بعينهم. والواقع أن هذا المنهج يمثل إحدى الطرائق القليلة للحفاظ على عدم الكشف عن الهوية في البحث الاجتماعي (وهناك طريقة أخرى تتمثل في إجراء استطلاعات الرأي مجهولة الهوية). والواقع أن هذا المنهج يساعد في تجنب العديد من المشكلات الأخلاقية التي تخلقها لجان الأخلاقيات ثم تعمل على إصلاحها من خلال وسائل معقدة (مثل متطلبات التخزين المعقدة التي تفرضها في كثير من الأحيان على استمارات الموافقة التي تشكل بالفعل إشكالية).
تمكنت باتريشيا أدلر (1993) من تقديم إسهامات مهمة في فهم ثقافة المخدرات من خلال التواجد في هذا العالم وتحليل البيانات التي جمعتها (مثل ملاحظات الميدان والمقابلات غير الرسمية). كان هذا المنهج السري هو أفضل طريقة للحفاظ وهويتها وجميع فالمشاركين في هذا المشهد مجهولين وآمنين. بالإضافة إلى ذلك، كانت قادرة على التعامل مع مشاركيها غير المدركين باحترام وإنسانية، وبطرائق أخلاقية أصيلة.
في كثير من الأحيان يكون البحث سري هو الطريقة الوحيدة لرؤية وفهم العالم الاجتماعي، بينما هو في حالة من الراحة، إذا جاز التعبير. إذا حضر عالم اجتماع حفلات الأخوة الخاصة وراقب سرًّا طقوس المواعدة، دون تسجيل مواقع أو أسماء محددة، أو أي تحديد سمات الأفراد، فقد يتعلم الكثير عن المساواة بين الجنسين (أو عدم وجودها)، وكيفية يحدث الاغتصاب فى المواعدة، والعمليات الاجتماعية التي تنطوى عليها المغازلة، أو عادات الشرب لدى الطلاب الجامعيين. ومع ذلك، إذا حصل الباحث على إذن مسبق من منزل الأخوية، أو طلب منه الإعلان عن نفسه أمام الجميع للحفلة بأكملها وطلب الإذن بالبقاء كباحث، فإن العديد من هذه العناصر المهمة في الحياة الاجتماعية ستصبح بعيدة عن متناولنا للدراسة. وبالتالي، فإن تقييد البحث السري يعيق التقدم الفكري والاجتماعي. ولا تزال التحديات المتعلقة بالبحث السري مستمرة.
العمل عبر الإنترنت والسرية
مع تحول العالم عبر الإنترنت إلى عنصر أكثر وضوحًا في الحياة الاجتماعية، يواجه علماء الاجتماع مجموعة جديدة من المعضلات الأخلاقية المتعلقة بالبحث عبر الإنترنت. تعد وسائل التواصل الاجتماعي، على وجه الخصوص، مصدرًا للبيانات، ولكن كيف يمكن الوصول إليها واستخراجها بشكل أخلاقي؟ (Woodfield and Iphofen 2018). تشمل القضايا المتعلقة بالموافقة الواعية ما إذا كانت المساحة الإلكترونية عامة أم خاصة، وما إذا كان يجب التعامل مع هذه "المساحات" كما يُتعامل مع المساحات المادية والجغرافية، ورسم بالتفصيل بناء على المعتقدات القديمة حول المساحات العامة والخاصة (Lynch and Mah 2018). بالإضافة إلى ذلك، فإن الاقتباسات التي يستخدمها علماء الاجتماع من المقابلة تأتي من مصدر سري. بمجرد أن تصبح الاقتباسات عبر الإنترنت جزءًا من نشر بحثي، يمكن لأي شخص إجراء بحث بسيط على الإنترنت للعثور على الاقتباس الأصلي، حتى وإن أزال الباحث البيانات التعريفية الشخصية (Lynch and Mah 2018). علاوة على ذلك، فإن جميع البيانات التي تم الحصول عليها عبر الإنترنت هي، بطبيعتها، يتم التوسط فيها (Iphofen 2017). ومع استمرار توسع عوالم الوسائط والتكنولوجيا، لا يمكن لعلماء الاجتماع إلا أن يتوقعوا ظهور المزيد من المعضلات الأخلاقية.
الحلول المقترحة
هناك عدة حلول مقترحة للصراعات المستمرة في علم الاجتماع فيما يتعلق بالأخلاقيات، وخاصة لجان الأخلاقيات. يدعو البعض إلى حل لجان مراجعة الأخلاقيات في العلوم الاجتماعية، بينما يقترح آخرون عمليات مراجعة على مستوى الأقسام والتي تلبي الاحتياجات الأخلاقية للمجال بطريقة تتجنب التوحيد القياسي (van den Hoonaard and Hamilton 2016).
في عام 2012، انعقدت قمة أخلاقية ضمت علماء اجتماع الذين يدرسون الأخلاقيات ولجان الأخلاقيات. ويحتوي المجلد الناتج، The Ethics Rupture (van den Hoonaard and Hamilton 2016)، على إعلان بعنوان "The New Brunswick Declaration" تم التوصل إليه من خلال التشاور القائم على الموافقة. يحدد هذا الإعلان الموجز بعض القضايا والبدائل للأنظمة الأخلاقية الحالية، مقترحًا، من بين أمور أخرى، أنها "تشجع الجهات التنظيمية والإدارية على رعاية ثقافة تنظيمية تمنح الباحثين نفس مستوى الاحترام الذي يجب أن يقدمه الباحثين للمشاركين في البحث" (van den Hoonaard and Hamilton 2016: 432). يجب أن تبدأ الأخلاقيات والمحادثات حول الأخلاقيات، حتى بين الباحثين والجهات المنظمة، دائمًا من علاقات قائمة على الثقة.
الخاتمة
تعتمد حالة الأخلاقيات في علم الاجتماع اليوم، جزئيًّا، على النماذج الوضعية التي لا تلائم بعض أنواع البحوث فى العلوم الاجتماعية، خاصة في أمريكا الشمالية. وعلى الرغم من هذه العقبة، فإن المحادثات عبر مجال علم الاجتماع العالمى تستمر في التطور حول الوعي بالسلطة والتحيز، والانعاكاسية، والمنهجيات النسوية والسكان الأصليين، والبحث المجتمعي باعتبارها مخاوف أخلاقية. وتؤكد المناقشات على التحدي المتمثل في إجراء البحوث أخلاقية في ظل النظام الحالي للجان التنظيمية التي تعمل فى إطار قانوني ووضعى حصريًا في كثير من الأحيان. وتشمل نتائج هذه اللجان الأخلاقية فرض استمارات الموافقة الواعية الموحدة على المشاركين كما لو كانوا "موضوعات"، مما يقوض محاولات علماء الاجتماع لمعالجة اختلال التوازن في السلطة بين الباحثين والمشاركين، وتسبب الباحثين في تجنب مجالات الدراسة المهمة تمامًا. إن مستقبل البحث السريمشكوك فيه، على الرغم من أن بعض أشكال البحث غير البارزة لا تزال مسموح بها. ولكن السؤال الأخلاقي الأكثر إثارة للاهتمام الذى يواجه علماء الاجتماع هو كيفية إجراء أبحاث جيدة وأخلاقية فى وسائل التواصل الاجتماعي والعالم الرقمي بشكل عام.
المراجع:
- Adler PA (1993) Wheeling and dealing: an ethnography of an upper-level drug dealing and smuggling community. Columbia University Press, New York
- Adler PA, Adler P (1993) Ethical issues in self-censorship: Ethnographic research on sensitive topics. In: Renzetti CM, Lee RM (eds) Research Sensitive Topics. Sage, Newbury Park, pp 249–266
- Becker HS (1967) Whose side are we on? Soc Probl 14(3): 239–247
- Becker-Blease K, Freyd JJ (2006) Research participants telling the truth about their lives: the ethics of asking and not asking about abuse. Am Psychol 61(3): 218–226
- Bell K (2014) Resisting commensurability: against informed consent as an anthropological virtue. Am Anthropol 116(3): 1–12
- Bergum V (1991) Being a phenomenological researcher. In: Morse J (ed) Qualitative Nursing - Research: A Contemporary Dialogue. Sage, London, pp 55–71
- Bhattacharya K (2007) Consenting to the consent form: what are the fixed and fluid understandings between the researcher and the researched? Qual Inq 13(8): 1095–1115
- Bledsoe CH et al (2007) Regulating creativity: research and survival in the IRB iron cage. Northwestern Univ Law Rev 101(2): 593–641
- Boser S (2007) Power, ethics, and the IRB: dissonance over human participant review of participatory research. Qual Inq 13(8): 1060–1074
- Bosk CL, De Vries RG (2004) Bureaucracies of mass deception: institutional review boards and the ethics of ethnographic research. Ann Am Acad Polit Soc Sci 595(1): 249–263
- Bruner E (2004) Ethnographic practice and human subjects review. Anthropol Newsl 45(1): 10
- Castleden H, Sloan Morgan V, Lamb C (2012) ‘I spent the first year drinking tea’: exploring Canadian university researchers’ perspectives on community-based participatory research involving indigenous peoples. Can Geogr 56(2): 160–179
- Childress H (2006) The anthropologist and the crayons: changing our focus from avoiding harm to doing good. J Empir Res Hum Res Ethics 1(2): 79–88
- Christensen T (2018) Collateral damage. In: Kleinknecht S, van den Scott L-JK, Sanders CB (eds) The craft of qualitative research. Canadian Scholars Press, Toronto, pp 25–31
- Cohen P (2007) As ethics panels expand grip, no field is off limits” in New York Times 28 Feb
- Conn LG (2008) Ethics policy as audit in Canadian clinical settings: exiling the ethnographic method. Qual Res 8(4): 499–514
- Dougherty DS, KramerMW(2005) Organizational power and the institutional review board. J Appl Commun Res 33(3): 277–284
- Fine GA (1993) Ten lies of ethnography: moral dilemmas of field research. J Contemp Ethnogr 22(3): 267–294
- Fine GA (1996) Kitchens: the culture of restaurant work. University of CA Press, Berkeley/London
- Giddens A (1990) The consequences of modernity. Stanford University Press, Stanford
- Grills S (2018) Reconsidering relations in the field: attending to dominance processes in the ethnographic encounter. In: Kleinknecht S, van den Scott L-JK, Sanders CB (eds) The craft of qualitative research. Canadian Scholars Press, Toronto, pp 152–159
- Iphofen R (2009/2011) Ethical decision making in social research: a practical guide. Palgrave Macmillan, London
- Iphofen R (2011) Ethical decision making in qualitative research. Qual Res 11(4): 443–446
- Iphofen R (2017) Conclusion: guiding the ethics of online social media research – adaption or renovation? Adv Res Ethics Integr 2: 235–240
- Irvine JM (2012) Can’t ask, can’t tell: how institutional review boards keep sex in the closet. Contexts 11(2): 28–33
- Israel BA, Schulz AJ, Parker EA, Becker AB (1998) Review of community-based research: assessing partnership approaches to improve public health. Annu Rev Public Health 19: 173–202
- ITK and NRI (2006) Nickels S, Shirley J, Laidler G (eds) Negotiating research relationships with Inuit communities: a guide for researchers. Inuit Tapiriit Kanatami and Nunavut Research Institute, Ottawa and Iqaluit. https: //www.nri.nu.ca/sites/default/files/public/files/06-068_itk_nrr_booklet.pdf
- Jacobs S (1980) Where have we come? Soc Probl 27: 371–378
- Katz J (2007) Toward a natural history of ethical censorship. Law Soc Rev 41(4): 797–810
- Lareau A (2014) Unequal childhoods: class, race, and family life. University of California Press, Berkeley
- Lofland JF (1971) Analyzing social settings. Wadsworth, New York
- Loftus EF (2008) Perils of provocative scholarship. APS Obs 21(5). https: //www.psychologicalscience.org/observer/perils-of-provocative-scholarship
- Lynch M (2000) Against reflexivity as an academic virtue and source of privileged knowledge. Theory Cult Soc 17(3): 26–54
قراءة متعمقة
- Smith LT (2012) Decolonizing methodologies: research and indigenous peoples. Zed Books Ltd., New York
- van den Hoonaard WC, van den Hoonaard DK (2016) Essentials of thinking ethically in qualitative research. Left Coast Press, Walnut Creek
* https: //link.springer.com/referenceworkentry/10.1007/978-3-030-16759-2_68