السلطة والعصيان المدني: قراءة في مفهوم الشرعية السياسية عند رونالد دوركين


فئة :  مقالات

السلطة والعصيان المدني: قراءة في مفهوم الشرعية السياسية عند رونالد دوركين

كما يذهب جوزيف راز Joseph Raz، تمثل المناقشة الحيادية لمشكلة السلطة السياسية أمرًا غاية في الصعوبة نظرًا للعلاقة المباشرة بين هذه المشكلة والعديد من القضايا الراهنة[1].

من الاعتقادات الشائعة المغلوطة أن السلطة، أيّة سلطة، بطبيعتها تصطدم بالاعتبارات الأخلاقية والتبريرات العقلانية، ومن ثم تتعارض بالضرورة مع الاستقلال الذاتي للفرد autonomy؛ أي تصرفه وفقا للمبررات التي يعيها، غير أن النتيجة التي لا مفر منها لهذا الاعتقاد سوف تفرِّغ أي حديث عن شرعية السلطة من مضمونه، يقول جوزيف راز: "لو أن السلطة بحكم طبيعتها تتعارض مع فكرتي الأخلاق morality والعقلانية rationality، فإنّ أولئك الذين يؤمنون بالسلطة الشرعية ليسوا فقط مجرد مخدوعين أو مخطئين في أحد معتقداتهم الأخلاقية؛ بل إنهم (...) يعانون سوء فهم عميق لمفهوم الأخلاق أو مفهوم السلطة"[2].

يعود هذا الاعتقاد الخاطئ إلى دلالة مصطلح "السلطة" نفسه، فدائمًا ما يرتبط تعريف السلطة بالقدرة على إملاء الأوامر وفرض الطاعة عن طريق القوة power أو القسر coercion "إن السلطة مهما تنوعت أشكالها هي في جوهرها لا تعدوا كونها علاقة تقوم بين طرفين قوامها الأمر والاستجابة؛ طرف يأمر كي يستجيب الثاني لمطالبه"[3].

وفيما يتعلق بالمجال السياسي تحديدًا، فقد ارتبطت السلطة تاريخيًّا بالطاعة العمياء من قِبـَل الرعية لمن يملك السلطة، وهذا ما أشارت إليه حنة أرندت بقولها: "حيثما يتم اللجوء إلى الحجج أو الحوار، يُعلَّق عمل السلطة؛ ففي مقابل طريقة الإقناع المساواتية يقف النظام السلطوي الذي يتسم دائما بالهرمية"[4]. تاريخيًّا السلطة تعني حرفيًا: القدرة على فرض الطاعة وإجبار الناس على الامتثال للأوامر دون مناقشة لها أو اقتناع بها.

هذا هو التفسير التاريخي المحافظ للسلطة السياسية، الذي يركِّز على النظر إلى الظروف التاريخية المضطربة (كما في حالات الحروب الأهلية والثورات الشعبية) التي صاحبت نشأة السلطة السياسية باعتبارها السبيل الوحيد الذي اضطر إليه الأفراد، في مجتمع أشبه بالغابة أو بحالة الطبيعة عند هوبز، كوسيلة لاستتباب الأمن، وتحقيق النظام عن طريق فرض الطاعة على الجميع بالقوة.

في هذا الصدد يقول برتراند رسل في معرض حديثه عن التغيرات التي جرت على التماسك الاجتماعي عبر الأزمنة التاريخية: "هنالك تطور متعاقب من بناء اجتماعي ذي شكل بدائي متفكك إلى حكومة هي أكثر نظامًا واتساعًا، وأكثر سيطرة على حيوات الأفراد"[5].

في مقابل هذا التفسير التاريخي المحافظ للسلطة السياسية، ظهر التفسير المعياري الذي يتجاوز وصف السلطة السياسية، باعتبارها واقعة تاريخية إلى محاولة الكشف عن المعايير والشروط التي ينبغي أن تُمارس السلطة السياسية في ظلها؛ فأصحاب التفسير المعياري يهتمون في المقام الأول بأخلاقيات السلطة السياسية، التي بدونها تفقد السلطة شرعيتها، ومن هذا المنطلق، يذهبون إلى أن الكيان الذي يتمتع بشرعية سياسية هو فقط الكيان الذي تكون ممارسته للسلطة السياسية مُبررة من الناحية الأخلاقية. لذا، تمثل السلطة السياسية الشرعية de jure authority، لا السلطة السياسية الواقعية de facto authority، محور اهتمامهم.

مما سبق، يمكن أن نقول إن السؤال الرئيس الذي تدور حوله وجهة النظر المعيارية في تفسير السلطة السياسية هو: ما هي الشروط الأخلاقية التي ينبغي على مَنْ هم في السلطة السياسية الوفاء بها حتى يمكن وصف ممارستهم للسلطة بأنها شرعية؟

من أبرز الفلاسفة المعاصرين الذين انشغلوا بالإجابة عن هذا السؤال هو الفيلسوف الأميركي رونالد دوركين Ronald Dworkin (1931-2013). لم يكن انشغال دوركين بالإجابة عن هذا السؤال بدافع من فضول العقل فحسب؛ بل أيضًا استجابة لواقع مأزوم أرق دوركين وقضَّ مضجعه، سواء على المستوى المحلي الذي يعيش فيه (الولايات المتحدة) أو حتى على المستوى العالمي. يقول دوركين: "السؤال الخاص بالشرعية السياسية أقدم أسئلة الفلسفة السياسية، فلهذا السؤال راهنيته بسبب تحدي الحكومات القائمة، والإطاحة بها في نظامنا العالمي الهش، فضلًا عن تشكيل الجماعات السياسية political communities كل شهر تقريبًا، حتى في الأمم الرشيدة والمستقرة كأمتنا (الولايات المتحدة) فإن هذا السؤال يَطرح نفسه مجددًا عندما تُثار المسائل المتعلقة بالعدل"[6].

يميّز دوركين بين أهم وجهات النظر الفلسفية التي دارت حول مسألة الشرعية السياسية، حيث يذهب إلى وجود فريقين رئيسين؛ فريق يذهب إلى أن الحكومة أو الدولة لا تكون شرعية ما لم تكن عادلة على نحو كامل، وفريق آخر يذهب إلى أن الشرعية السياسية لا تعتمد على العدل، وإنما على الموافقة (أو القبول) consent، أي أن الدولة لا تكون شرعية ما لم يحظى دستورها بموافقة مواطنيها عليه بالإجماع[7].

رفض دوركين موقف كلا الفريقين، فذهب إلى أن تَحَقُّق مطلب العدالة الكاملة أمر صعب للغاية، حيث لا وجود لحكومة عادلة على نحو كامل، كما ذهب إلى أن تَحَقُّق الموافقة بالإجماع على السلطةهو أيضًا أمر صعب للغاية، حيث لا يخلو مجتمع سياسي من وجود معارضين، فضلًا عن اعتماد أصحاب هذه النظرية على الخيالات والمواقف الافتراضية (غير الواقعية) التي أضعفت موقفهم. على سبيل المثال، ذهبوا إلى أن المواطنين يعطون موافقتهم الضمنية للسلطة عندما يستمرون في البقاء على أرض الإقليم الذي تسيطر عليه، متناسين بذلك أن كل من لا يقبل السلطة ليس لديه القدرة على الهجرة[8].

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما هو المعيار الذي ارتضاه دوركين لتحديد مدى شرعية السلطة السياسية؟

يمهِّد دوركين للإجابة عن هذا السؤال بتشبيه المجتمع بالإنسان؛ فعلى غرار الإنسان يحمل المجتمع قيما أخلاقية معينة، ويتضح ذلك من خلال النقد الأخلاقي للمجتمعات، والحديث عما يقع على عاتقها من التزامات تجاه أعضائها، على سبيل المثال، إننا ندين المجتمعات بارتكاب جرائم حرب أو إبادة جماعية، كما نتحدث عن واجب المجتمع تجاه البطالة وانتشار الجريمة، فللمجتمع شخصية مثل الفرد تمامًا، وكما يمكن أن نتحدث عن تكامل شخصية الفرد، ذلك التكامل الذي يتحقق بالتزام الفرد في تصرفاته بمبادئ أخلاقية معينة، فإننا يمكن أيضًا أن نتحدث عن تكامل شخصية المجتمع عندما تسير الحياة الاجتماعية فيه وفقًا لمبادئ أو رؤية أخلاقية معينة، تلك الرؤية التي يتم التعبير عنها من خلال النظام القانوني السائد في المجتمع.

في هذا الصدد يقول دوركين: "يفترض التكامل السياسي political integrity بشكل واضح، تشخيصًا عميقًا deep personificationللمجتمع أو الدولة؛ إذ إنه يفترض أن المجتمع ككل يمكن أن يلتزم بمبادئ الإنصاف أو العدل أو إجراءات التقاضي السليمة، بالضبط كما يمكن لأشخاص بعينهم أن يلتزموا بقناعات أو مثل عليا أو مشاريع"[9] وهكذا ينظر دوركين للمجتمع السياسي وكأنه شخص أو فاعل أخلاقي moral agent.

مما سبق، يتضح لنا أن ممارسة السلطة السياسية عند دوركين يجب أن يكون هناك ما يبررها من الناحية الأخلاقية، وبدون هذا الشرط يكون المواطنون في حل من أي التزام إزاء هذه السلطة، كأن يقرروا، على سبيل المثال، عدم الامتثال للقوانين.

وفقًا لدوركين، هناك مبادئ أخلاقية معينة يجب أن تتقيد بها الحكومة فيما تضطلع به من مهام أو تتخذه من اجراءات، وفي هذا الصدد حدد دوركين مبدأين أساسيين أطلق عليهما (مبدءا أو بُعدا الكرامة الإنسانية)[10] يُطلِق دوركين على المبدأ الأول: مبدأ القيمة الجوهريةthe principle of intrinsic value[11]؛ ويتمثل هذا المبدأ في أن حياة كل شخص لها قيمة جوهرية في ذاتها. أما المبدأ الثاني فيُطلِق عليه: مبدأ المسؤولية الفرديةthe principle of personal responsibility[12]؛ ويتمثل هذا المبدأ في أن كل شخص مسؤول مسؤولية كاملة عن اتخاذ وتنفيذ القرارات المصيرية المتعلقة بما ينبغي أن تكون عليه حياته الخاصة حتى تكون حياة خيِّرة (أو ناجحة).

يقول دوركين: "إن معاملة أي شخص بطريقة تعبِّر عن الوعي بأهمية كرامة هذا الشخص تمثل حقًّا أصيلًا لكل إنسان، يمكن للحكومة أن تحترم هذا الحق حتى لو أخطأت في تحديد الحقوق السياسية الأكثر واقعية more concrete political rights التي يجب احترامها، طالما أن أخطاءها ارتكبت بحسن نية وليس بهدف إظهار احتقارها للكرامة الإنسانية؛ إذ أن أبسط حقوق الإنسان هو حقه في أن يُعامل من قِبـَل مَنْ هم في السلطة بطريقة لا تتعارض مع قبولهم (المبدئي) بأن حياة كل إنسان لها قيمة جوهرية في ذاتها، وأن كل إنسان هو وحده المسؤول عن تحقيق هذه القيمة في حياته الخاصة"[13].

إذن، وفقًا لدوركين، يتعيّن على أية دولة أن تضع نَصْبُ عينيها مبدءا الكرامة الإنسانية، بحيث لا تتصرف أو تسلك مسلكًا يتعارض مع فهمها أو تفسيرها الخاص لهذين المبدأين، ذلك التفسير الذي يجب أن يتسم بالمعقولية.يمكن أن تختلف الدول على نطاق واسع حول أفضل تفسير لمبدأي الكرامة الإنسانية، وبالتالي حول ما يجب الاعتراف به في قوانينها ودساتيرها من حقوق سياسية، ولكن ينبغي أن يكون هذا الاختلاف بحسن نية، على سبيل المثال، يمتلك الناس في بريطانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى حقًّا قانونيًّا في ألا يُهانوا علنًا بسبب عرقهم، بينما يمتلك الناس في الولايات المتحدة حقًّا دستوريًّا في إهانة أي شخص يحلو لهم، علنًا، عن طريق الإساءة لعرقه أو الجماعة التي ينتمي إليها طالما أنهم لا يثيرون الشغب أو يحرِّضون الآخرين على أعمال إجرامية. كذلك تقوم ألمانيا بمعاقبة مَن ينكرون الهولوكوست، مما يعدّ، من وجهة النظر الأميريكية، تعديًا صريحًا على حقّ حرية التعبير عن الرأي، رغم ذلك، فإن القانون الألماني الذي يسمح بمعاقبة مَن ينكرون الهولوكوست يرتكز على فهم خاص تبنته الحكومة الألمانية لمبدأي الكرامة الإنسانية[14].

مما سبق، نجد أن دوركين يقرّ بإمكانية تقبل الأخطاء التي ترتكبها الحكومات ضد حقوق الإنسان طالما أنها حدثت، بحسن نيّة، في إطار تفسير معقول أو مقبول لمبدأي الكرامة الإنسانية، بحيث يمكن تبرير هذه الأخطاء بشكل أو بآخر، لكنه في المقابل يؤكد على الرفض التام لأفعال الحكومات التي تتعارض بشكل واضح مع أي تفسير معقول لمبدأي الكرامة الإنسانية، ويضرب دوركين مثلًا على هذه الأفعال بعمليات الإبادة الجماعية، ومنع حرية الاعتقاد الديني أو حظر اعتناق دين بعينه، والتنكر من حيث المبدأ لحرية التعبير أو حرية الصحافة، والتحيز الصارخ للحكومة لصالح البعض على حساب البعض الآخر كالتحيز للمؤمنين على حساب الملحدين، أو الآريين على حساب الساميين، أو البيض على حساب السود. فمثل هذه الأفعال تمثل انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال، إنها أفعال ليس لها أية علاقة بحسن النية[15].

وفقًا لدوركين، هناك واجب أخلاقي على السلطة السياسية الشرعية يتمثل في احترام حقوق الإنسان، أي إنسان، بما في ذلك الأجانب، بل والمتهمين والمجرمين أيضًا؛ فحقوق الإنسان عند دوركين تعلو على أية أهداف تراها الحكومة حتى لو كانت هذه الأهداف مشروعة، ومن هذا المنطلق، يذهب دوركين إلى أن كل سلطة سياسية لا تكون شرعية بالضرورة، ويضرب دوركين مثلًا على ذلك نظام التمييز العنصري (الأبارتيد apartheid) الذي حكمت من خلاله الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا (1948-1993) حيث لم يتمتع هذا النظام بأية سلطة شرعية على السود.

يقول دوركين في هذا الصدد: "يجب على أية حكومة شرعية أن تعامل مواطنيها ليس فقط بقدر من الاهتمام، ولكن باهتمام متساوٍ؛ أعني أنها يجب أن تتصرف بحيث تولي نفس القدر من الاهتمام لتأثير برامجها السياسية على حياة أي مواطن، والشرعية السياسية ليست مسألة أبيض أو أسود، بل مسألة درجة a matter of degree؛ فالحكومة التي تُنتخب بموجب إجراءات تسمح للأغلبية باستبدالها في الوقت المناسب، والتي تراعي إلى حدّ كبير الاهتمام المتساوي بالمواطنين والمسؤولية الفردية لكل واحد منهم عن إدارة حياته الخاصة، قد تكون شرعية بالقدر الكافي، بحيث لا يكون العصيان المدني الشامل مبَرَرًّا حتى لو كانت بعض سياسات هذه الحكومة، كسياساتها الضريبية على سبيل المثال، تُظهر قدرًا من اللامبالاة بالكرامة الإنسانية، تلك اللامبالاة التي إذا زادت عن حدها تقضي على الشرعية تمامًا؛ فجنوب أفريقيا (إبان نظام الفصل العنصري) لم تستطع أن تطالب مواطنيها من السود بأي ولاء سياسي لها بسبب عدم اكتراثها الشامل بالأهمية المتساوية لحيوات جميع مواطنيها، ومن ناحية أخرى، فالدولة الشرعية التي تُظهر سياساتها الضريبية قدرًا من الازدراء للفقراء قد تكون عُرضة شفويًّا orally vulnerable لعصيان مدني محدود وهادف، ولكنها لا تكون عُرضة للثورة"[16].

على غرار أنصار نظرية القانون الطبيعي، يذهب دوركين إلى أن الإنسان يمتلك حقوقًا طبيعية يسبق وجودها وجود المجتمع السياسي بجميع هيئاته التشريعية والقضائية والتنفيذية، وعليه، فإن الحقوق الفردية الطبيعية تمثل حقوقًا قانونية حتى في حالة عدم وجود تشريعات تتعلق بشأنها أو بحمايتها، لذا، يعطي دوركين الأولوية للحقوق الفردية الطبيعية على القواعد القانونية الوضعية في حالة حدوث تعارض بينهما.

إن الحقوق الفردية الطبيعية تمثل، على حد تعبير دوركين، (بطاقات رابحة trumps) تعلو، من حيث الأهمية، على اعتبارات المنفعة العامة التي تلجأ إليها الحكومة عادة لتبرير سياساتها. وفقًا لدوركين: "ما نعنيه بالضبط عندما نقول إن لدى هذا الشخص حقًّا هو أن هذا القول مُبرر بغض النظر عما إذا ما كان يزيد من المنفعة العامة، فعلى الحقوق أن تبقى ثابته مقابل تزايدات حسابية كهذه، على سبيل المثال، واحد من العناصر الأساسية في النظرية الديمقراطية هو الرأي الذي يقول إنه يجب احترام الحقوق الفردية حتى ولو أن هذه الحقوق لا تزيد من رضا الأكثريات"[17].

من هذا المنطلق، دافع دوركين عن حق المواطنين في العصيان المدني؛ أي حقهم في كسر القانون عندما يتعارض مع حق من الحقوق الفردية الطبيعية، فالمتمردون، من وجهة نظر دوركين، ليسوا منشقين أو فوضيين؛ لأنهم يتمردون على قوانين ليست شرعية، فليست القوانين ولا الدساتير هي التي تخلق الحقوق، بل إن القوانين والدساتير هي التي يجب أن توضع بغرض تكريس هذه الحقوق وحمايتها.

رغم دفاع دوركين عن الحقوق الفردية الطبيعية على هذا النحو، إلا أنه يشير إلى نقطتين غاية في الأهمية:

الأولى: الحقوق الفردية الطبيعية ليست مطلقة أو مقدسة دائمًا على غرار ما يذهب إليه الليبراليون أصحاب النزعة الفردية المتطرفة، حيث يمكن أحيانًا فرض قيود على بعض هذه الحقوق (كحرية التعبير عن الرأي أو التجمع على سبيل المثال) ولكن الذي ينبغي أن يَفرض هذه القيود ليست إرادة الأغلبية، بل ظروف استثنائية للغاية؛ ففي حالات الطوارئ الخطيرة بشكل كبير، فقط، يجوز للحكومة انتهاك حتى أبسط حقوق الإنسان الأساسية، ولكن يجب ألا تكون حالة الطوارئ هذه عائقًا أمام احترام حقوق الإنسان إلا عندما تصل حالتها إلى أعلى درجة من الخطورة (كما في حالات الحروب الأهلية أو الهجمات الإرهابية).

وفقًا لدوركين؛ يجب أن نكون حريصين على عدم تعريف "الطوارئ" بأنها، ببساطة، مجرد (خطركبير) أو أن نفترض أن أي انتهاك لحقوق الإنسان بغرض تطويرأمننا، حتى ولو بشكل طفيف يكون مُبرَّرًا[18].

الثانية: قد تتنازع الحقوق الفردية الطبيعية فيما بينها، على سبيل المثال "يحدّ قانون التشهير the law of defamation من حق الفرد في أن يقول ما يريد، إلّا إذا كان يستند فيما يقوله إلى مبررات قوية، حفاظًا على سمعة الآخرين" قد يرفض البعض هذا القانون باعتباره يتعارض مع حرية التعبير عن الرأي، بينما قد يراه البعض قانونًا مشروعًا باعتباره يحمي حق الآخرين في عدم تلويث سمعتهم بسبب أناسٍ مندفعين أو طائشين (...) في هذه الحالة يتعين على الحكومة أن تميِّز على نحو سليم بين الحقوق الأكثر أهمية، والحقوق الأقل أهمية، ثم تقوم بعد ذلك بحماية الحقوق الأكثر أهمية. إن قيام الحكومة بذلك، وفقا لـدوركين، لا يمثل إطلاقًا أية إشارة للتقليل من أهمية مبدأ احترام الحقوق الفردية، على العكس تمامًا، فإن التقليل من أهمية هذا المبدأ يحدث عندما تفشل الحكومة في حماية الحقوق الأكثر أهمية؛ لذلك، فإننا يجب أن نعترف بأن الحكومة تملك مبررًا لتقييد بعض الحقوق الفردية إذا اعتقدت على نحو عقلاني أن الحق المنافس لهذه الحقوق هو الأكثر أهمية"[19].

 

قائمة المراجع:

أولا: المراجع الأجنبية:

1-      Arendt, Hanna, "What is Authority?" in Hanna Arendt, Between Past and Future (New York: Penguine Books, 1977).

2-      Dworkin, Ronald, Law's Empire, Hart Publishing Ltd,1998.

3-      Dworkin, Ronald, Is Democracy Possible Here?: principles for a new political debate, Princeton University Press, 2006.

4-      Dworkin, Ronald, Taking Rights Seriously, Universal Law Publishing Co. Pvt. Ltd. (Fifth Indian Reprint 2010), Under Special Arrangement with Harvard University Press, U. S. A. , pp. 193-194.

5-      Raz, Joseph, The Authority of Law: Essays on Law and Morality, Oxford University Press, Second Edition, 2009.

ثانيا: المراجع العربية:

1-      رسل، برتراند، السلطة والفرد، تعريب: شاهر حمودي، دار الطليعة، بيروت، طـ1، 1961، ص 55.

2-   عبدالجليل، رعد، مفهوم السلطة السياسية: مساهمة في دراسة النظرية السياسية، مجلة دراسات دولية، العدد37، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بجامعة بغداد، 2008.

3-      هيلد، فيرجينيا، أخلاق العناية، ترجمة: ميشيل حنا متياس، عالم المعرفة، الكويت، 2008.


[1] Joseph Raz, The Authority of Law: Essays on Law and Morality, Oxford University Press, Second Edition, 2009, p. 3.

[2] Ibid, p. 4.

[3] رعد عبدالجليل، مفهوم السلطة السياسية: مساهمة في دراسة النظرية السياسية، مجلة دراسات دولية، العدد 37، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بجامعة بغداد، 2008، ص 121

[4] Hanna Arendt, "What is Authority?" in Hanna Arendt, Between Past and Future (New York: Penguine Books, 1977), pp. 121-122.

[5] برتراند رسل، السلطة والفرد، تعريب: شاهر حمودي، دار الطليعة، بيروت، طـ1، 1961، ص 55

[6] Ronald Dworkin, Is Democracy Possible Here?: principles for a new political debate, Princeton University Press, 2006, p 95.

[7] See ibid, p. 95.

[8] See ibid, p p. 95-96.

[9] Ronald Dworkin, Law's Empire, Hart Publishing Ltd,1998, p. 167.

[10] Ronald Dworkin, Is Democracy Possible Here?: principles for a new political debate, p. 10.

[11] Ibid, p. 9.

[12] Ibid, p. 10.

[13] Ibid, p. 35.

[14] See ibid, pp. 32-33, p. 36.

[15] See ibid, pp. 36-37.

[16] Ibid, p. 97.

[17] فيرجينيا هيلد، أخلاق العناية، ترجمة: ميشيل حنا متياس، عالم المعرفة، الكويت، 2008، ص 149

[18] Ronald Dworkin, Is Democracy Possible Here?: principles for a new political debate, pp. 49-50.

[19] Ronald Dworkin, Taking Rights Seriously, Universal Law Publishing Co. Pvt. Ltd. (Fifth Indian Reprint 2010), Under Special Arrangement with Harvard University Press, U. S. A., pp. 193-194.