الشباب وحوار الأديان


فئة :  مقالات

الشباب وحوار الأديان

في العلاقة بين الشباب وحوار الأديان، هناك جانبان جانب يتصل بالشباب والرؤية إلى حوار الأديان، وجانب يتصل بحوار الأديان والرؤية إلى الشباب، وهذا يعني أنّ البحث في الجانبين يتصل بالكشف عن طبيعة الرؤية، هويتها وماهيتها، شكلها ومضمونها، والتحقق منها وجودًا وعدمًا، قبضًا وبسطًا، نقصًا واكتمالاً.

وهذه الرؤية هي الأساس في هذه العلاقة، فإمّا أنّها تقيم جسرًا بين الشباب وحوار الأديان، أو أنّها تقطع هذا الجسر وتهدمه، وإمّا أنّها تصنع تواصلاً وانفتاحًا، أو أنّها تكرس قطيعةً وانغلاقًا، وإمّا أنّها تبني أملاً وطموحًا، أو أنّها تسلب هذا الأمل والطموح.

ومن هنا تكمن أهمية الرؤية وخطورتها، وبها يكون الإنسان إمّا بصيرًا، أو فاقدًا لهذه البصيرة، وبها يكون المجتمع أيضًا إمّا بصيرًا، أو فاقدًا لهذه البصيرة، وبها تكون الأمة كذلك إما بصيرة، أو فاقدة لهذه البصيرة.

لهذا فإنّ صناعة الرؤية، بحاجة إلى حكمة وبحاجة إلى حكماء، بحاجة إلى حكمة حتى تكون الرؤية هادية إلى طريق الرشاد والفلاح، وبحاجة إلى حكماء حتى تكون الرؤية مشعة بنور البصيرة، وحتى يسترشد الناس من قبس نورهم وحكمتهم، فما أكثر الجهل والجهلاء الذين يتبعهم الناس اليوم، بين من يشيع في الناس ثقافة الخرافات والأساطير، وبين من يشيع ثقافة الكراهية والانغلاق، وبين من يشيع ثقافة التعصب والتحجر، ومن يشيع ثقافة القتل والفتك، كل ذلك يحدث حولنا، وكأنّنا أصبحنا بلا حكمة وبلا حكماء.

فماذا عن الشباب ورؤيتهم لحوار الأديان؟

في هذا النطاق، نحن أقدر على طرح التساؤلات أكثر من الكشف عن الإجابات، أو الوصول إلى هذه الإجابات الواضحة والجازمة، وذلك إما لجهل أو تقصير منا في حالة وجود مثل هذه الإجابات، وإما لجهل أو تقصير من الشباب في تقديم هذه الإجابات في حالة غيابها.

والقاعدة التي نتمسك بها في هذا الشأن، أنّنا ينبغي أن نأخذ الإجابات من الشباب أنفسهم بلسان حالهم مباشرةً وبلا واسطة، لا أن نضع نحن مثل هذه الإجابات نيابةً عنهم، وتعاليًا عليهم، فهذا ما يرفضه الشباب ويمقتونه، ولا يتقبلونه على الإطلاق.

ومن التساؤلات التي تطرح في هذا الشأن، هل هناك رؤية عند الشباب حول حوار الأديان، رؤية مهما كان شكلها ونوعها وماهيتها، ناجزة أو غير ناجزة، كاملة أو غير كاملة، ناضجة أو غير ناضجة، رؤية قاموا بصنعها وبلورتها بأنفسهم، إدراكًا منهم للحاجة إليها، وبقصد الانخراط أو الاقتراب من تجربة حوار الأديان، والتواصل مع هذه التجربة.

ومن هذه التساؤلات أيضًا، هل يجد الشباب أنفسهم معنيين بحوار الأديان؟ وماذا تقدم لهم هذه التجربة، حتى يجدوا أنفسهم معنيين بها؟ وهل قدمت لهم هذه التجربة ما يستدعي منهم لأن يكونوا معنيين بها؟

هذا ما ينبغي أن يجيب عليه الشباب أنفسهم، وحتى يجيبوا، لا بد أولاً من تجسير العلاقة بينهم وبين حوار الأديان، حتى يكونوا على دراية ومعرفة بهذه التجربة، فلسفتها وحكمتها، مقاصدها وغاياتها، قواعدها وأصولها، سيرتها وتاريخها، ومن ثم يمتلكون القدرة على تقييمها وتقويمها، وعندئذ يتقرر ما إذا كانوا معنيين بها أم لا!

ومن هذه التساؤلات كذلك، هل يرى الشباب أنفسهم أنّهم يمثلون طرفًا شريكًا حاضرًا وفاعلاً في حوارات الأديان، ماضيًا وحاضرًا، أو حاضرًا فقط، باعتبار تجارب الماضي قد غلب عليها الطابع العلمي والتخصصي، وانحصرت في دائرة خاصة، تحددت في نطاق علماء الكلام والعقيدة واللاهوت، بخلاف تجارب الحاضر التي اتسمت بالانفتاح على شرائح واسعة من المهتمين بهذا الشأن.

في هذه التجارب الحاضرة، هل يمثل الشباب طرفًا شريكًا فعلاً! وهل يرون أنفسهم بهذه الصورة أم لا!

وذلك لأنّ منظورات الرؤية عند هؤلاء الشباب سوف تختلف في الحالتين، فحين يرون أنفسهم طرفًا شريكًا، ستكون منظوراتهم في الأغلب تميل إلى الموقف الإيجابي من هذه التجارب، وحين لا يرون أنفسهم بهذه الصورة، فإنّ منظوراتهم في الأغلب ستميل إلى الموقف السلبي، وهذا ما يحصل عادة بين الناس في أغلب الأمور في الحياة العامة.

وأخيرًا، كيف ينظر جيل الشباب اليوم إلى تجارب حوار الأديان في العالم المعاصر؟ وهل عبر هؤلاء الشباب أو شريحة كبيرة منهم عن آرائهم ومواقفهم وتصوراتهم حول هذه التجارب!

وهل وجد هؤلاء الشباب أو شريحة كبيرة منهم، في الموقف الذي يستدعي إبداء مثل هذه الآراء والمواقف والتصورات، وهل حصلت محاولات جاءت بقصد استطلاع آراء الشباب ومواقفهم وتصوراتهم في هذا الشأن! وهل نحن على معرفة ودراية بهذا الآراء والمواقف والتصورات أم لا!