أخلاقيات الفعل التواصلي عند هابرماس
فئة : أبحاث محكمة
أخلاقيات الفعل التواصلي عند هابرماس
الملخص:
يهدف هذا البحث إلى إبراز الحاجة الملحة لاعتماد العقل التواصلي المنفتح على الأغيار عبر التواصل معهم بواسطة اللغة، عند احترام القواعد العقلية والكونية التي طرحها هابرماس، وغايتها تجاوز العقل الأداتي الذي نتج عن تمركز المجتمع الحديث حول الذات؛ وذلك من أجل تحقيق الغاية التي وضعها هابرماس من صياغته لذلك العقل، وهي خلق الانسجام والتناغم بين جميع الأفراد، ليؤسس مفهومه الشهير "الفضاء العمومي" الذي يساهم في تشكل السلطة السياسية عبر التجارب التواصلية التي قام بها الأفراد، فهو بهذا المعنى يساهم في القضاء على الهيمنة التي أنتجتها العقلانية الأداتية، لفائدة الجماعات المتمكنة من إنتاج الأدوات التقنية التي تفرض بواسطتها نظرتها الخاصة للعالم. كما أن كونية تلك القواعد العقلية والأخلاقية تجعلها شاملة لجميع التفاعلات الإنسانية الممكنة داخل العالم المعيش، منها التفاعلات التي تحدث ضمن المجال التربوي وما يكون فيها من مظاهر للهيمنة والصراع. لذلك، يجب التحلي بالتزامات عقلية متمثلة في "أخلاق المناقشة" عند الدخول في جميع العمليات التواصلية القائمة داخل المؤسسة التربوية؛ أي محاولة خلق فضاء تربوي منفتح يمكن من تنمية الكفايات التواصلية والمنهجية والاستراتيجية والقيمية أيضا.
مقدمة:
إن القول بأن "الإنسان سيد المخلوقات" وله القدرة على مواجهة كل تهديدات المحيط الخاص به، انطلاقا من استعماله الأداتي للعقل في ارتباطه بالعقل التقني المؤدي إلى إنتاج أدوات تستخدم في الحفاظ على نفسه وأقرانه من الأفول، وهو ما نتج عنه العنف والصراع والهيمنة ضمن المجتمع المعاصر؛ نتيجة استعمال تلك الأدوات في السيطرة على الفئات الأخرى، ليصبح العالم المعاصر في حاجة إلى عقل منفتح يذيب كل تلك الصراعات السلبية، وهو العقل التواصلي الذي يحكم أي فعل تواصلي عقلاني عند الالتزام بعدة قواعد أخلاقية للمناقشة، وهو ما تم توضيحه ضمن العنصر الأول المعنون بـ "في الحاجة إلى العقل التواصلي" في المحور الأول. أما العنصر الثاني المسمى بـ "حدود أخلاقيات التواصل"، فيضم معظم الانتقادات التي وجهت إلى النظرية التواصلية التي طرحها هابرماس، وبلغت حد الازدراء والسخرية من تلك القواعد المثالية للتواصل التي يظن أنها سوف توحد العالم بمجمل اختلافاته الجزئية، وبينوا مدى نسبية هذه القواعد وعدم قدرتها على تحقيق "الإجماع"، خاصة ليوتار الذي قال بسيادة التنازع ولحظية الاتفاق خلال أي مناقشة.
أما المحور الثاني، فيشمل بعض "الانعكاسات التربوية لفلسفة التواصل عند هابرماس" بداية بالعنصر الأول المعنون ب "أخلاقيات المناقشة والتربية النقدية" الذي أوضح فيه أهمية "أخلاقيات المناقشة" كنموذج يمكن الاعتماد عليه لتنمية الحس النقدي لدى المتعلمين؛ أي مساعدة المتعلم في بناء عازل نقدي بينه وبين كل المعارف التي يتلقاها بشكل يومي، فهي كفاية مستعرضة بين جميع المواد الدراسية تطمح لتحقيقها كل من المنظومة التربوية والمجتمع المدني ككل، ويمكن تفعيلها عند التزام كل من المدرس والمتعلم بقواعد المناقشة من بينها(حقيقة مضمون القول، الصدق، التبرير، ...) ويليه العنصر الثاني الذي خصص لتوضيح الترابط القائم بين "أخلاقيات المناقشة والتواصل التربوي الفعال" من خلال إبراز مدى أهمية أخلاقيات المناقشة كنموذج تواصلي فعال؛ لأنه يقوم على علاقة تفاعلية متساوية وحرة ومسؤولة بين جميع الفاعلين التربويين، من أجل تجاوز النمط السائد للتواصل التربوي القائم على علاقة عمودية، وإبادة كل مظاهر الهيمنة التي يحوزها طرف دون آخر؛ لأن كل ممارسة تواصلية تمر عبر ممارسة الفضيلة عند إدماج أخلاقيات المناقشة ضمن هذه العملية التواصلية كالحرية والتبرير.