الشّعبوية في سياقاتها التاريخية


فئة :  مقالات

الشّعبوية في سياقاتها التاريخية

الشّعبوية في سياقاتها التاريخية[1]

بقلم: د. هشام عليوان

"الديماغوجية" و"الشعبوية" مصطلحان مترادفان في الخطاب السياسي والإعلامي المعاصر، لكنهما يتمايزان على تداخل فيما بينهما، وهما يدلّان معاً على محتوى سياسي سلبي لا إيجابي، له علاقة مباشرة بمواصفات عدة في الخطاب أو الرجل السياسي، تتدرّج من الخفة في التناول، والسطحية في التفكير، إلى انفلات المشاعر وتراخي الضوابط، وسيادة العواطف والغرائز، وصولاً إلى هيجان الجماهير المستثارة تحت عناوين جذابة، في لحظة درامية تجتمع فيها ثلاثة أركان أساسية: فكرة ديماغوجية أو شعبوية، وجمهور قابل للثوران في كل آن، ولا سيما في أوقات الشدة أو التعصب، وقائد كاريزمي أو مجرّد محرّض محرّك. ومع أن الشعبوية بدأت تعود أدراجها في العقود الأخيرة في الغرب على شكل أحزاب يمينية محافظة ومتطرفة، وفي الشرق في صورة أحزاب وحركات دينية ومتشددة، إلا أن الظاهرة ما زالت تفتقر أكاديمياً إلى بحث إضافي لتحديد ماهيتها بدقة، وتبيان دلالاتها وأبعادها بتفصيل، وذلك لأن الديماغوجية أو الشعبوية ليست سهلة الالتقاط والتحديد، باعتبار أنها تتملص من الأطر الدقيقة وتتماهى عناصرها وتتداخل مع مفردات العمل السياسي ككل، حتى قد توجد ديماغوجيات من دون ديماغوجيين حقيقيين بالمعنى المتعارف عليه. وتنشأ الديماغوجية أو الشعبوية الموصلة إلى الفوضى أو الاستبداد من رحم الديمقراطيات الهشة، لا من الأنظمة التوتاليتارية ولا في ظلال الديمقراطيات الصلبة، وكأنها علامة مَرَضية للنظام الديموقراطي نفسه.

ويهدف هذا المقال إلى استكناه معنى الشعبوية في سياقاتها التاريخية وتمظهراتها المعاصرة، مع تلمس المقاربات المتعددة التي حاول عبرها الباحثون وضع أطر منهجية لرصد الظاهرة ودراستها، ربطاً بسيكولوجيا الجماهير ونظريات القيادة والقيادة الكاريزمية خاصة.

الديماغوجية الأصل والفصل

إن اليونانيين القدامى هم أول من اخترع كلمة ديماغوجية demagogia التي اشتق منها الديماغوجيون demagogos لوصف طبقة جديدة من قادة العامة، وقد ملأت الفراغ بسرعة بعد انهيار الطبقة الأرستقراطية الحاكمة في أثينا. والكلمة مركبة من (agogos) أي قائد، و((demos أي الشعب[2]. لكن الديماغوجيين وُجدوا قبل ذلك، بالمعنى الأصلي للديماغوجية، والتي ارتبطت ابتداء بمهارات التواصل مع الجمهور في الاجتماعات العامة في أثينا، وكانوا عادة من النخبة الأرستقراطية القليلة العدد المتميزة من سواها بالثروة والثقافة. ومع أنه كان يحق لأي مواطن أثيني أن يخاطب الحضور، لكن العادة قضت بأن يتولى الكلام سياسي محترف ومعروف لدى السامعة، وهؤلاء هم الذين عُرفوا بالخطباء أو الديماغوجيين، المتكلمين المعروفين[3]؛ أي كانت الديماغوجية في أصولها الأولى فنّاً وموهبة، أو هي الخطابة إجمالاً من حيث القدرة على إقناع الناس بعبارات هي أسهل بكثير من الحِجاج العقلي المحض، وتتضمن استمالة العواطف حتماً، ولم يكن هؤلاء يمثّلون طبقة معينة، إلى أن تبدلت العلاقات بين طبقات المجتمع وداخل طبقة الأغنياء خاصة. وكانت أثينا في العصور القديمة محكومة بعائلات أرستقراطية، وبسبب الصراع فيما بينها بدأ المتنافسون فيما بينهم يستعينون بالجمهور، فازداد نفوذ عامة الناس في الحياة السياسية. ومع الوقت، كان لا بد من صوغ بعض الشعارات الديمقراطية، حتى تحوّل بعض الأرستقراطيين إلى مصلحين وذلك في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد؛ أي إن بعض الأرستقراطيين هو الذي استولد الديمقراطية. وانقسم الأرستقراطيون بعد ذلك إلى معسكرين؛ أي بين من يتبنى الشعارات الديمقراطية ومن هو باقٍ على موقعه السابق. وأُبدل اتجاه الولاء من كونه مرتبطاً بمجموعة ضيقة بالولاء للشعب، وارتبط ذلك كله بظاهرة الديماغوجية، وهي تعني هنا التخلي عن العمل السياسي من خلال الأصدقاء والتوجه مباشرة إلى الشعب[4]. ويمكن العثور على بعض خصائص الديماغوجية قبل زمن القائد الأثيني البارز كليون Cleon (ت 422 ق.ب)، كما يمكن استشفافها من سلوك أريستيدس Aristides (ت 465 ق.ب) أحد مؤسسي الإمبراطورية اليونانية، وبيريكليس Pericles (ت 429 ق.م) صاحب الإصلاحات الديمقراطية. وهذا السعي من أجل الحصول على دعم الشعب أدى إلى ظهور الديماغوجية كنموذج من السلوك السياسي.[5]

إن الديمقراطية تعاني من تناقض جوهري بغض النظر عن الحرية وطموحها الإنساني النهائي، حيث يمكن أن تتفكك إلى نقيضها أي الطغيان. وظهر هذا النمط في الديمقراطية الأولى في أثينا القديمة كما في الجمهورية الرومانية. وفي القرن الماضي، ظهر النمط نفسه بقوة أكبر إبان تدمير ديمقراطية فيمار الألمانية بديكتاتورية أدولف هتلر. ويقع الديماغوجي في قلب هذه الدينامية كما يقول سيغنر[6]. ويمكن أن يبرز الديماغوجيون دائماً في نظام سياسي يمنح السلطة ولو لعدد قليل ممن يتواصلون مع الشعب. ولذا، لا يمكن تصور وجودهم في الإمبراطوريات لأن السلطة فيها محصورة بيد الإمبراطور أو مستشاريه يمنحها لمن يشاء. وفي نظام الحزب الواحد القوي أو في الأنظمة النخبوية أو التي فيها أحزاب قوية، فإن الاتصال بالجماهير لا يؤدي عموماً إلى تكوين سلطة سياسية. لكن في الديمقراطية وفي أي نظام آخر يتضمن عنصراً ديمقراطياً، تنفتح ثغرة لصعود زعيم ديماغوجي.[7]

ويتحدث أرسطو (ت 322 ق.م) في هذا السياق عن دور الديماغوجيين في الثورات التي نشبت في الديمقراطيات اليونانية، وفي مضايقة الأرستقراطيين ومصادرة أموالهم والتحريض عليهم. وقال إن كون أي شخص في الأزمان القديمة زعيماً للشعب وجنرالاً عسكرياً في الوقت نفسه، فمن المعتاد أن يغيّر الدستور من الديمقراطية إلى الاستبداد. ومعظم المستبدين كانوا زعماء الشعب وجنرالات عسكريين، ولم يكونوا يمتلكون مهارة الخطاب، لكن بعد تطوّر مهاراتهم الخطابية، أصبح الخطباء زعماء مع انعدام الخبرة العسكرية، فلم تكن لهم سلطة على المسائل العسكرية إلا بحدود معينة.[8]

وقد يكون عالم السياسة جايمس كوبر عام 1838 أفضل من كتب منهجياً عن الديماغوجيين، كما يرى سيغنر، حيث حدّد كوبر أربع قواعد للديماغوجيين الحقيقيين: فهم يُظهرون أنفسهم كرجال أو نساء من عامة الناس الذين يعارضون النخب، وتعتمد سياساتهم على التواصل القوي مع الشعب، ويتلاعبون بهذا التواصل الشعبي لمصالحهم الخاصة، ويهدّدون أو ينقضون القواعد السائدة من السلوك ومن المؤسسات وحتى القانون وصولاً إلى تأسيس دولتهم الخاصة ضمن الدولة القائمة وإقامة نظام استبدادي. وهذه القاعدة الرابعة مهمة لأنها تميز الديماغوجيين عن الشعبويين. فالشعبويون يلعبون ضمن القواعد لكن الديماغوجيين غالباً ما يُسقطون حكم القانون. وهنا يميز كوبر بين الديماغوجيين الصلبين والديماغوجيين الناعمين. فالصنف الأول يحرّك المشاعر من خلال التناقضات والانقسامات. أما الصنف الثاني، فيستخدم الإطراء الزائد، ومنح الوعود المستحيلة.[9]

الشعبوية الإشكالية والتمظهرات

أما الشعبوية، فهي من العبارات السياسية الرئيسة الملتبسة في القرن الواحد والعشرين، وهي تستعمل لوصف الرؤساء اليساريين في أمريكا اللاتينية والأحزاب المنافسة اليمينية في أوروبا، والمرشحين الرئاسيين اليساريين واليمينيين في الولايات المتحدة. والعبارة تستخدم لتشويه سمعة المنافسين السياسيين، وهي غامضة جداً، حيث ينطبق على أية شخصية سياسية[10]. ولا يوجد توافق بين الباحثين على معنى الشعبوية، لكن بالإمكان تحديد نواة تحليلية حول ما هو مشترك بينهم[11]. أما إرنستو لاكلو، فيثير إشكالية تعريف المصطلح هل هو جامع مانع؛ أي هل يمكن الحصول على تعريف للشعبوية "الصافية" أم لا؟ ويزداد الأمر تعقيداً عندما يُطلق المفهوم نفسه على حركات وأيديولوجيات وممارسات[12]. ويكثف لاكلو المغزى الإشكالي للمصطلح حين يقول إن الشعبوية ليست مكوّنات ثابتة بل سلسلة من المواد الخطابية التي يمكن وضعها ضمن استعمالات مختلفة جداً. ومن ناحية أخرى، فإنها الشعبوية ليست عاملاً خارجياً عن المؤسسات القائمة، بل لديها قدم في الخارج وأخرى في الداخل. وحسب تماسك تلك المؤسسات أو انحلالها يضيق هامش الشعبوية أو يتسع.[13]

وإن نقاش المفهوم ليس في ماهيته وحسب، ولكن إذا ما يوجد أصلاً، لذا هو متنازع عليه، وهو يعني أموراً مختلفة بحسب الناظر فيه وموقعه الجغرافي أيضاً. فالمفهوم أوروبياً يدلّ غالباً على معاداة الهجرة والأجانب. وفي أمريكا اللاتينية يعني المفهوم الزبائنية وسوء الإدارة الاقتصادية[14].

وهناك مقاربات مختلفة جدّاً لمفهوم الشعبوية، من مثل مقاربة الوكالة الشعبية، وهي تعتبر الشعبوية كقوة إيجابية لتحريك الناس وناتجة عن تطور النموذج المجتمعي للديمقراطية. والمقاربة اللاكلوية نسبة إلى المنظر الأرجنتيني أرنستو لاكلو، وتعتبر أن الشعبوية ليست فقط أساس السياسة بل قوة تحررية. ومن وجهة نظره، فإن الديمقراطية الليبرالية هي المشكلة والديمقراطية الراديكالية هي الحلّ، وهدفها إعادة تعريف الصراع في السياسة وتنشيط القطاعات المنبوذة في المجتمع من أجل تغيير الواقع.[15]

أما المقاربة الاجتماعية- الاقتصادية، وهي كانت سائدة في دراسات الشعبوية في أمريكا اللاتينية خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، فقد اعتبر اقتصاديون أن الشعبوية أساساً هي نمط من السياسة الاقتصادية غير المسؤولة والمتميزة في المرحلة الأولى بالإنفاق الواسع اعتماداً على الدين الخارجي، وفي المرحلة الثانية المتميزة بالتضخم الكبيير وتطبيق التصحيحات الاقتصادية القاسية.[16]

وهناك مقاربة أحدث تعتبر الشعبوية في المقام الأول استراتيجية سياسية يستخدمها نوع من القادة الذين يسعون إلى الحكم عبر الحصول على الدعم المباشر من أتباعهم، وهذه المقاربة تلقى رواجاً بين الدراسين للمجتمعات الأمريكية اللاتينية والمجتمعات غير الغربية. وتقضي هذه المقاربة بروز شخصية قوية وكاريزمية تركز السلطة في يدها وتتواصل مباشرة مع الجماهير.[17]

وتوجد مقاربة أخرى تعتبر الشعبوية نوعاً من الفولكلور في السياسات التي يستخدمها القادة والأحزاب لتحريك الجماهير. وهذه المقاربة تنتمي إلى دراسات التواصل السياسي وفي الإعلام. ويُفهم منها أن الشعبوية هي ذلك التصرف الهاوي وغير المحترف، والذي يهدف إلى تعظيم الاهتمام الإعلامي والتأييد الشعبي، ويحاول عبر القادة إبراز أنفسهم وكأنهم شجعان يقفون مع الشعب ومعارضة النخبة في المجتمع.[18]

وتوصل بعض الباحثين إلى أن الشعبوية لا يمكن أن يكون لها معنى في مجال العلوم الاجتماعية، فيما رأى بعضهم أنها مصطلح تنظيمي ويجب حصره في الإعلام والسياسة. وفي العقد المنصرم عرّف عدد متزايد من علماء الاجتماع الشعبوية على قاعدة المقاربة الفكرية (نسبة إلى فكرة)، بوصفها خطاباً، أو أيديولوجيا أو رؤية للعالم. وبعيداً عن التوافق على هذا التعريف، لكن التعريفات الفكرية للشعبوية تُستخدم بنجاح غالباً في أوروبا الغربية وبشكل متصاعد في شرقي أوروبا وفي الأمريكيتين.[19]

ويرصد الباحثون الظهور الحديث للشعبوية وفق التسلسل التالي:

إن أول ظهور للشعبوية في الأزمنة الحديثة كان في أواخر الأربعينيات من القرن التاسع عشر؛ وذلك في روسيا، وهي ما عُرفت بالنارودنيكي Narodniki، وتعني الشعبوية بالروسية، وهي حركة ثورية تقدّس الحياة الفلاحية والقرية الريفية، ولابس هذه الحركة تطرف وعنف.

والظهور الثاني كان في الربع الأخير من القرن التاسع عشر في البلدان الصناعية في أوروبا وأمريكا الشمالية. واتسمت الحركة بأنها مضادة للنخبوية وللنظام البرلماني، وأنها كانت قومية شوفينية. وظهرت في فرنسا عامي 1886 و1889 وانتسبت إلى قائدها بولانجيه Boulanger. وكذلك في الولايات المتحدة عام 1890، وكانت بروتستانتية ومعادية للرأسمالية وتمثلت بحزب الشعب البروتستانتي الأنكلوساكسوني الصغير (WASP) وضمت فلاحين وعمال مناجم.

وما بين عامي 1935 و1955، كان الظهور الثالث للشعبوية؛ وذلك في أمريكا اللاتينية، عبر شبه الديكتاتوريين من أمثال غيتوليو فارغاس Getulio Vargas في البرازيل، وبيرون في الأرجنتين، وكارلوس إيبانيز Carlos Ibanez في تشيلي، وروهاس بينيا Rojas pinilla في كولومبيا. واعتمدت الشعبوية هناك على التقليد السياسي القديم بصورة الرئيس المنقذ للشعب من الأوليغارشية الفاسدة ملّاك الأراضي. وتحوّلت الظاهرة في أمريكا اللاتينية إلى نظام سياسي متكامل وبديل عن النظام الديمقراطي التمثيلي في أوروبا وأمريكا الشمالية، والمعادلة قائمة على السيادة للشعب والإمرة للقائد الكاريزمي. وبعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت أنواع أخرى من الشعبوية الكاريزمية الديكتاتورية في جنوب شرقي آسيا مع سوكارنو في أندونيسيا وفرديناند ماركوس في الفليبين، وفي الدول المتحررة من الاستعمار الغربي كمصر أيام جمال عبد الناصر وأحمد سيكون توريAhmad Sekon Toure في غينيا، وهي شعبوية العالم الثالث.[20]

أما الظهور الرابع للشعبوية، فكان في أوروبا الغربية منذ 1980، وقد نمت بشكل درامي خاصة في الدانمرك والنرويج وفرنسا والنمسا وبلجيكا وهولندا[21]. ويرى إرنست ستيتر Ernst Stetter أن الشعبوية المعاصرة هي نتاج التباعد بين مؤسسات الحكم في الدولة الواحدة والمواطنين، كما بينهم ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، وهي ردّ على هذه المؤسسات في الوقت نفسه. فهم يتهمون مؤسسات الاتحاد بأنها نخبوية وبعيدة عن الحياة اليومية للمواطن العادي، كما يتهمون السياسيين من الأحزاب التقليدية في الدولة الواحدة بالسعي وراء مصالحهم وعدم الفعالية في عالم يتغيّر بسرعة.[22]

الجماهير وسيكولوجيتها

إذا كانت الحالة الشعبوية تبدأ بفكرة وخطاب، فإن الجمهور هو الركن الثاني لهذه الحالة، ولذا فإن التطرق إلى قابلية الجمهور للانقياد وراء جاذبية الفكرة وكاريزما القائد، يدخل في نطاق إدراك الشعبوية وكيفية عملها. وفي هذا السياق، وعلى الرغم من الانتقادات التي طالت كتاب غوستاف لوبون (ت 1931) "سيكولوجية الجماهير" (Psychologie des Foules)، فإنه يظل عملاً كلاسيكياً رائداً في علم النفس الاجتماعي. وينتمي لوبون إلى التيارات الفكرية الناقدة لدور الجماهير في الحراك السياسي عقب ما شهدته الثورة الفرنسية (1789-1799) من اضطراب وعنف دموي. ومع أن مفهوم العقل الجماعي رُفض على نطاق واسع بوصفه تجريداً ميتافيزيقياً، لكن ثمة اتفاقاً منتشراً بين علماء النفس الاجتماعي على أن الجماعات تنطوي على دينامية داخلية، حيث تظهر خصائص فريدة كنتاج لشبكة العلاقات بين الأفراد داخلها.[23]

وعلى هذا يقول لوبون إنه في بعض الظروف المحدّدة، يمكن لتكتل ما من البشر أن يمتلك خصائص مختلفة جداً عن خصائص كل فرد، فتتشكّل روح جماعية عابرة ومؤقتة بلا شك، ويصبح ما يمكن إطلاق اسم الجمهور النفسي عليه. وبالعكس، فإن ألف فرد مجتمعين بالمصادفة على الساحة العامة دون أي هدف محدد لا يشكلون إطلاقاً جمهوراً نفسياً.[24]

ويذهب لوبون إلى أن الفرد المنخرط في الجمهور لا يعود واعياً بأعماله، وحالته تشبه المنوّم مغناطيسياً. تُدمّر بعض مَلَكاته في حين أن بعضها الآخر يستثار إلى الحدّ الأقصى. وكل اقتراح أو تحريض يمثّل قوة طائشة لا يمكن ردها من أجل تنفيذ بعض الأعمال. أما الأفراد الذين لديهم شخصية قوية جدّاً، فيتمكنون من مقاومة المحرّض لكن عددهم ضئيل جداً، والتيار يجرفهم معه. وكل ما يستطيعون فعله هو محاولة تحويل الأنظار باتجاه آخر عن طريق تقديم اقتراح مختلف. وأحياناً تجيء كلمة في الوقت المناسب أو تثار صورة معينة، فتحول الجماهير عن اقتراف أبشع الأعمال الدموية.[25]

ويلخّص لوبون خصائص الفرد المنخرط في الجمهور بما يلي: تلاشي الشخصية الواعية، هيمنة الشخصية اللاواعية، توجه الجميع ضمن الخطة نفسها بواسطة التحريض وعدوى الأفكار والعواطف، الميل لتحويل الأفكار المحرّض عليها إلى فعل وممارسة مباشرين. وهكذا لا يعود الفرد داخل صفوف الجمهور هو نفسه، بل ينزل درجات عدة في سلم الحضارة. فعندما يكون فرداً معزولاً ربما يكون إنساناً مثقفاً متعقلاً، ولكن ما إن ينضم إلى الجمهور حتى يصبح مقوداً بغريزته وبالتالي همجياً[26]. وعليه، فإن الجمهور عند لوبون هو دائماً أدنى مرتبة من الإنسان المفرد فيما يخص الناحية العقلية والفكرية، لكن يمكن لهذا الجمهور أن يسير نحو الأفضل أو نحو الأسوأ. وكل شيء يعتمد على الطريقة التي يحرَّض بها.[27]

أما الخصائص الأساسية للجماهير، فهي: سرعة انفعالها وخفتها ونزقها، لكن درجتها بحسب العرق، مثلاً بين اللاتيني والأنغلوساكسوني[28]. وهنا يبدو تأثر لوبون بالنزعة العرقية وتأثيرها في تحديد سلوك الأفراد والجماعات. والجمهور برأي لوبون يفكر عن طريق الصور، والصور المتشكّلة في ذهنه تثير بدورها سلسلة من الصور الأخرى بدون أية علاقة منطقية مع الأولى، وبمجرد أن يجتمع الأفراد على هيئة جمهور، فإن الجاهل والعالم يصبحان عاجزين عن الملاحظة والنظر[29]. وعواطف الجماهير مضخمة جداً ومبسطة جداً، فنجد أن الفرد المنخرط في الجمهور يقترب كثيراً من الكائنات البدائية، فهو غير قادر على رؤية الفروق الدقيقة بين الأشياء، وينظر إلى الأمور ككتلة واحدة ولا يعرف التدرّجات الانتقالية. إن الجماهير إذ تحرَّض بذكاء تصبح قادرة على اجتراح البطولة والتفاني من أجل قضية نبيلة. وبما أنه لا يمكن تحريك الجماهير والتأثير فيها إلا بواسطة العواطف المتطرفة، فإن الخطيب الذي يريد جذبها ينبغي أن يستخدم الشعارات العنيفة، وأن يبالغ في كلامه، وأن يؤكد بشكل جازم ويكرر دون أيّ إثبات أيّ شيء بالحجة العقلية[30]. وتمتاز الجماهير بتعصبها واستبداديتها ونزعتها المحافظة، فهي تحترم القوة ولا تميل إلى احترام الطيبة التي تعتبرها شكلاً من أشكال الضعف. وما كانت عواطفها متجهة أبداً نحو الزعماء الرحماء والطيبي القلب، وإنما نحو المستبدين الذين سيطروا عليهم بقوة وبأس[31]. وبالنسبة إلى أخلاقية الجماهير، يقول لوبون إنها صاحبة نزوات وغرائز شديدة وبالعكس هي قادرة على أرفع أنواع الصفات الأخلاقية.[32]

وحتى لو كانت ثورة ما عقلية، فإن الأسباب التحضيرية لها لا تؤثر في الجماهير حتى تتحول إلى عواطف[33]. وأياً كانت الأفكار التي توحي للجماهير أو تحرّض عليها، فإنه لا يمكنها أن تصبح مهيمنة عليها إلا بشرط أن تتخذ هيئة بسيطة جدّاً، وأن تتجسد في نفوسها على شكل صور[34]. ولكي تصبح شعبية عليها أن تتحوّل بشكل كامل، وإذا كانت أفكاراً فلسفية أو علمية عالية، فالتحوّل اللازم عميق لكي ننزل طبقة إلى طبقة حتى تصل إلى مستوى الجماهير، ولكنها لا تؤثر قبل أن تدخل حالة اللاوعي، وتصبح عاطفة متماسكة، وهذا التحوّل يكون عادة طويلاً جداً، وهنا تكتسب قوة لا تقاوم وينتج عنها مجموعة من الانعكاسات والنتائج، وطرحها من النفوس يستلزم وقتاً لا يقل عنه طولاً.[35]

أما الأساليب المستخدمة للتأثير في الجماهير، فتركّز على الترابط الظاهري بين الأفكار وعلى تعميم حالات فردية، وكذلك على تأثير الصور في النفوس؛ فالجوانب السحرية والأسطورية من الأحداث هي التي تدهش الجماهير دائماً وتؤثر فيها وليس الوقائع بحد ذاتها.[36]

ويلحظ لوبون المنحى الإيماني في ميول الجماهير، ليس بالمعنى الطقوسي بل بتحويل كل اعتقاد إلى ما يشبه الإيمان الديني؛ فالتعاطف مع شيء ما يتحوّل لدى الجماهير فوراً إلى عبادة، والنفور يتحوّل مباشرة إلى حقد. ولهذه العاطفة خصائص بسيطة جداً، فتقديس إنسان ما يُعتبر خارقاً للعادة، يترافق مع الخوف من قوته والخضوع الأعمى لأوامره، واستحالة مناقشة أفكاره، والرغبة في نشر عقائده، والميل لاعتبار كل من يرفضون تبنّيها أعداء. وسواء أأُسقطت هذه العاطفة على الإله الذي لا يُرى أو على صنم معبود أو على بطل أو فكرة سياسية، فإنها تبقى دائماً ذات جوهر ديني.[37]

القيادة والقيادة الكاريزمية

ويقوم القائد بدور ضخم بالنسبة إلى الجماهير، فإرادته هي النواة التي تتحلّق حولها الآراء، والجمهور عبارة عن قطيع لا يستطيع الاستغناء عن سيد. وكان القائد غالباً شخصاً منبهراً بالفكرة التي تهيمن عليه إلى حدّ اختفاء كل شيء آخر، مع أن القادة ليسوا في الغالب رجال فكر ولا يمكنهم أن يكونوا، وإنما رجال ممارسة وقليلو الفطنة وغير بعيدي نظر بحسب لوبون[38]. وليس كل القادة يملكون الاقتناعات القوية، فهؤلاء غالباً عبارة عن خطباء مهرة لا يفكرون إلا بمصالحهم الخاصة، وهم يحاولون إقناع الجماهير بدغدغة الغرائز، ونفوذهم يظل عابراً. أما المقتنعون الكبار بمبادئهم، فهم الذين استطاعوا أن يثيروا في النفوس تلك القوة الهائلة التي تُدعى الإيمان.[39]

ويلجأ القادة إلى إدخال الأفكار والعقائد ببطء إلى روح الجماهير، بأساليب التأكيد المجرّد من كل محاججة عقلانية أو برهانية، والتكرار بنفس الكلمات والصياغات إن أمكن، والعدوى التي لا تتطلّب الحضور المتزامن للأفراد في نقطة واحدة، بل يمكن أن تنتشر على البعد بتأثير من بعض الأحداث[40]. لكن الآراء المنتشرة تمتلك القوة السرية المدعوة بالهيبة (prestige)، وهي عبارة عن نوع من الجاذبية التي يمارسها فرد ما أو عمل أدبي أو عقيدة ما. وهناك نوعان من الهيبة، فالهيبة المكتسبة، هي أكثر انتشاراً بكثير، فما إن يحتل فرد ما منصباً معيناً أو يمتلك ثروة ما أو يتزيا ببعض الألقاب، حتى يصبح مكلّلاً بهالة الهيبة أياً تكن قيمته الشخصية منعدمة أو منحطة[41]. أما الهيبة الشخصية، فهي مَلَكة مستقلة عن كل لقب أو كل سلطة، ولا يملكها إلا القليل، ويمارس أصحابها سحراً مغناطيسياً حقيقياً على المحيطين بهم[42]. وهكذا يقترب لوبون كثيراً من رؤية ماكس فيبر Max Weber (ت 1920)، لكنه يستخدم مصطلح الهيبة أو (prestige) بدلاً من مصطلح الكاريزما (charisma) ذات المدلول الديني أصلاً، والتي يستعملها فيبر، في سعيه لدرس العلاقة التفاعلية بين القائد صاحب الجاذبية القوية وأتباعه المنبهرين به.

إن مصطلح الكاريزما حسب فيبر هو من يُعتبر حاملاً لقوى وصفات استثنائية في الأقل أو ممنوحاً قوى خارقة للعادة، فوق طبيعية وفوق بشرية، وهو لهذا يُعتبر قائداً[43]. ويُفهم من هذا التعريف توافر النوعية غير العادية لإنسان ما بغض النظر عما إذا كانت هذه المواصفات واقعية أو مدّعاة أو مفترضة، كما أن اعتراف الأتباع بهذه الكاريزما هي أمر حاسم لسريانها وشرعيتها[44]. والقائد الكاريزمائي يحمل معاني شبه رسالية بالنسبة إلى أتباعه، وهو قادر والحال هذه على إحداث نظم اجتماعية جديدة، ولا يتبعه الناس بسبب انسجامه مع التقاليد القديمة أو الأوضاع القائمة، بل لأنها تعتقد بأصالة سلطة القائد وأنه عليها المضي وفق أوامره.[45]

وإن ولادة السيطرة الكاريزمائية لشخص ما، هي دائماً ثمرة ظروف غير اعتيادية كما يقول فيبر، وتلك الظروف قد تكون الحرب أو سقوط الشرعية لبنية ذات امتيازات أو أزمة اقتصادية أو إشكالية دينية أو انبعاث ديني، بل إن حامل الكاريزما قد يوجد نفسه تلك الظروف غير العادية. وفي ظروف لاحقة قد تتحوّل الكاريزما إلى واقع موضوعي أو إلى "روتين". وفي هذه الحالة تنتقل الكاريزما من الشخص، لتصبح جزءاً من واقع الحياة اليومية ومتغيراً داخل بنية ثابتة.[46]

وبالإجمال، يمكن تلخيص المفهوم بأن هذا النوع من القيادة يحوّل حاجات وقيما وتفضيلات ورغبات وتطلعات التابعين من اهتمامات فردية إلى اهتمامات جماعية، فيصبح التابعون أكثر التزاماً بمهمة القائد، وأكثر استعدادا‍ً للتضحية من أجل هذه المهمة. ويتضح من تعريف فيبر، أنه يعوّل على جانبين أساسيين؛ الأول استثنائية ونموذجية القائد، والثاني كيفية تقييم هذه الصفات من جانب الأتباع. والكاريزما كامنة خصوصاً بما في أعين الناس.

ووفق نظرية صعود وسقوط الكاريزما، ثمة ست مراحل أساسية هي كالتالي:

في الأولى: يأتي شخص بمواصفات كاريزمائية، (الثقة بالنفس ومهارات تواصلية مع الآخرين)، فيرى أن وضعاً معيناً يتطلب تغييراً جذرياً وجهوداً استثنائية، فيقترح رؤية معينة مع إظهار ثقة كبيرة بالنفس، وبقدرة هذه الرؤية، والثقة بالأتباع، والالتزام الذاتي بتطبيقها. وتتضمن الرؤية القيم التي يتشارك بها مع الجمهور مما يدفع الأخير إلى التماهي معها واعتبار صاحب الرؤية قائداً له. وهذا التماهي يسري كالعدوى بين الآخرين ممن يؤيدون الوضع القديم، فيتضخم حجم الأنصار الذين يَعُون الوضع والبديل منه ويتماهون مع القائد والرؤية التي يحملها؛ لكنهم في هذه المرحلة يبقون في حالة سلبية؛ أي لا يقومون بأي نشاط إيجابي.

وفي الثانية: يحث القائد أنصاره على الخروج من الحالة السلبية نحو تبنّي التغيير وبذل جهود ذاتية لتطبيق الرؤية والتعبير بثقة عالية عن قدرتهم على تحقيق ذلك. وهذا التزاوج بين توقعات الأداء وثقة الأنصار، يتحوّل إلى نبوءة ذاتية تزيد من دوافع الأتباع لمواجهة التحديات وتحقيق ما كانوا يعتقدون أنهم لا يستطيعون تحقيقه.

وفي الثالثة: يجعل القائد الكاريزمائي من نفسه قدوة في الالتزام من خلال إظهار تصميمه على تحقيق الرؤية وبذل التضحيات من أجلها. وبذلك يمثّل القائد بشجاعة المصالح المشروعة للجماعة، وهو ما يدفع الجمهور إلى الالتزام كذلك.

وفي الرابعة: عندما تتكيف بنية السلطات القائمة مع مطلب التغيير، أو حتى عندما يتمكّن القائد من إقامة نظام جديد، فإن النتيجة ستكون تحوّل القضية إلى أمر منتظم وروتيني. وفي الحالين، ستنتقل الكاريزما من شخص القائد إلى المنصب الذي يتولّاه على شكل سياسات رسمية وقواعد وإجراءات ورموز وطقوس واحتفالات؛ ولأن الأنصار لن يتحوّلوا كلهم إلى قادة، بل سينتقلون من كونهم النخبة إلى مجرّد مشاركين في العمل الروتيني، فقد يقلّصون نشاطهم أو حتى ينشقون، وربما يكون الأمر غير متعمّد، لكنه ثمن التحوّل.

وفي الخامسة: مع الانتقال إلى العمل البيروقراطي يتحوّل جزء من الجهد الذي كان مبذولاً لدفع القضية قُدُماً إلى المحافظة على المنظمة كالاهتمام بالبنية الإدارية التحتية؛ لكن بالنسبة إلى الذين التزموا بالقضية منذ البداية، فسيرون أن ثمة انحرافاً عن الهدف الأول، وسيشكّون أن المنظمة ما تزال تتبع الهدف المرسوم، ويتشكّكون حتى من مبرّر وجودها. وهنا تقفل الدائرة على المسار التالي: الأتباع يتناقصون، والحماس يتدنّى، وكاريزما القائد تفقد قوتها[47].

إن الكاريزما ترتبط بالمسارات الانفعالية أو اللاعقلية، فإن كان المطلوب تغيير صعب في مؤسسة والتعامل مع المخاوف التي تواجهها؛ فالقائد الكاريزمي يبث الانفعال بين أتباعه من أجل بذل الجهد لتحقيق الأهداف. وإن الأهداف العظيمة تحتاج إلى الإرادات الانفعالية للأتباع، وتحتاج إلى القادة الذين ينجحون في التعامل مع المخاوف والاعتراضات والإحباطات خلال تنفيذ الأهداف[48].

وتنمو الكاريزما عندما يكون القائد قادراً بنجاح على إزالة مخاوف الآخرين، ويكمن التحدي في أن يكون ذا تأثير على مختلف التوجهات لدى أتباعه. فإن كان القائد يعتمد البنية والاستقرار والنظام والقيم المحافظة، فلن يكون كاريزمياً بنظر من هم أصحاب الاتجاه التغييري القوي. وبالعكس إذا كان القائد ثورياً جداً ورؤيوياً ومنفتحاً وداعياً إلى التغيير، فلن يراه أصحاب التوجهات الاتزانية الشخص المطلوب لمعالجة مخاوفهم. وتكبر الكاريزما مع ازدياد قدرته على إزالة المخاوف، وكلما كان مرناً في الوصول إلى مختلف التوجهات، على الرغم من تفضيلاته وخصائصه.[49]

لكن بعض الناس لا يمكن قيادتهم عبر الكاريزما، وذلك لسببين؛ الأول أنه يمكن لبعضهم أن يعيش دون مخاوف مهيمنة عليه. ولا أحد من دون خوف أصلاً، لكن هذا يعني أن هناك اختلافات. وبنسبة أقل من المخاوف يصبح الفرد أقل استعداداً لاتباع قائد ذي كاريزما؛ والسبب الثاني أنه كي يتبع الناس قائداً ما، ينبغي أن يتطلب ذلك حداً أدنى من الثقة بالآخرين، فإن كان الفرد غير قادر على الثقة بأحد، فلا يمكنه أن يلحق بأيّ قائد حتى لو كان ذا كاريزما.[50]

وهكذا، يمكن القول إن الشعبوية وكذلك الديماغوجية، هي ظاهرة اجتماعية معقدة ومتعددة الأبعاد والأركان، وهي عصية على التحديد الأكاديمي الصارم، لذلك تختلف المقاربات وتتنوع المناهج والرؤى في سبر أغوارها واستشراف اتجاهاتها، لكنها من العوامل التغييرية في عالم السياسة وقد تكون نحو الأمام، كما قد تكون في حالات كثيرة، خطوة كبيرة إلى الوراء.

[1] - مجلة ذوات العدد 47

[2]- Michael Signer, Demagogue, The Fight to save Democracy from its Worst Enemies, New York, PALGRAVE MACMILLAN, 2009, p.p33-34

[3]- Josiah Ober, The Athenian Revolution, Princeton, Princeton University Press, 1996, p.24

[4]- Valerij Gouschin, Democracy and Aristocracy in ancient Athens: Deformation or Adaptation, article prepared in within the program "Ancient Civil Community", National Research University Higher School of Economics, Perm, 2015

[5]- Ibid, and David SACKS, Encyclopedia of The Ancient Greek World, New York, Facts On File, p.45, 181-182, 252-253

[6]- Michael Signer, Demagogue, op. cit., p.p.33-34

[7]- Ibid., p.34

[8]- Aristotle, Politics, with English translation by H. Rackham, Harvard University Press, 1959, p.p397-399

[9]- Michael Signer, Demagogue, op. cit., p.35

[10]- Cas Mudde and Cristobal Rovira Kaltwasser, Populism, A Very Short Introduction, USA, Oxford University Press, 2017, p.1

[11]- Francisco Panizza, introduction in Populism and Mirror of Democracy, London, New York, Verso, 2005, p.1

[12]- Ernesto Laclau, Populism: What’s in A Name? in Populism and Mirror of Democracy, p.32

[13]- Ernesto Laclau, On Populist Reason, London, New York, Verso, 2005. p.175-176, 177-178

[14]- Cas Mudde and Cristobal Rovira Kaltwasser, Populism, op. cit., p.2

[15]- Ibid., p.3

[16]- Ibid., p.p 3-4

[17]- Ibid., p 4

[18]- Ibid. p 4

[19]- Ibid., p.5

[20]- Bertrand Badie, Dirk Berg-Schlosser and Leonardo Morlion, International Encyclopedia of Political Science, Los ANGELES, London, New Delhi, Singapore, Washington Dc., SAGE, 2011, 2075-2076

[21]- Ibid., p.2077

[22]- Changing Faces of Populism, edited by Hedwig Giusto, David kitching and Stefano Rizzo, FEPS, CRS, Fondazione Italianieuropei, p.1

[23]- Joseph V. Femia, Against The Masses, Varieties of anti-democratic thought since the French revolution, New York, Oxford University Press, p.63

[24]- غوستاف لوبون، سيكولوجية الجماهير، ترجمة وتقديم هاشم صالح، لندن، دار الساقي، ط1، 1991، ص 53

[25]- المرجع نفسه، ص.ص 59-60

[26]- المرجع نفسه، ص 60

[27]- المرجع نفسه، ص 61

[28]- المرجع نفسه، ص ص 63-66

[29]- المرجع نفسه، ص ص 66-72

[30]- المرجع نفسه، ص ص 74-75

[31]- المرجع نفسه، ص ص 76-77

[32]- المرجع نفسه، ص 78

[33]- Gustave Le bon, The Psychology of Revolution, The Floating Press, 2013, p.16

[34]- سيكولوجية الجماهير، المرجع نفسه، ص 82

[35]- المرجع نفسه، ص 83 -85

[36]- المرجع نفسه، ص 85، 87-89

[37]- المرجع نفسه، ص 91

[38]- المرجع نفسه، ص 127

[39]- المرجع نفسه، ص 128

[40]- المرجع نفسه، ص 133-135

[41]- المرجع نفسه، ص ص 136-137

[42]- المرجع نفسه، ص138

[43]- Max Weber, Economy and Society, An Outline of Interpretive Sociology, edited by Guenther Roth and Claus Wittich, Berkeley, Los Angeles, London, University of California Press, 1968, p.241

[44]- Ibid., p.242

[45]- Ibid.

[46]- Ibid., p.1121

[47]- Chanoch Jacobsen, Robert J. House, The Rise And Decline of Charismatic Leadership, (revised Jan26, 1999).

[48]- Michael Paschen, Erich Dihsmaier, The Psychology of Human Leadership, How to develop Charisma and Authority, Berlin, Springer, 2014, p.32

[49]- Ibid., p.45

[50]- Ibid., p.49